فصل: كتاب القسمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة



.الباب الثالث: فيما يسقط به حق الشفعة:

وللسقوط أسباب ثلاثة:
الأول: الترك بصريح اللفظ.
الثاني: ما يدل عليه كالمقاسمة، وكالسكوت مع رؤية المشتري يهدم ويبني ويغرس. وقيل: لا يكون ذلك قطعًا شفعته، لكن يكون مقصرًا لمدة المهلة له في الطلب.
فأما ابتياع الشفيع الشقص من المبتاع أو مساومته له فيه، أو مساقاته، أو إكراؤه منه، فإن ذلك مسقط لحقه في الشفعة عند ابن القاسم.
وقال أشهب في كتاب محمد: هو على شفعته في ذلك كله.
واختلف أيضًا، في بيع الحصة التي يستشفع بها هل يسقط حقه من الاستشفاع بها أم لا؟ ثم إذا قلنا: إنه يسقطه ففي إسقاطه الاستشفاع في بعض الحصة المشتراة ببيع بعض الحصة المستشفع بها خلاف أيضًا.
تركيب:
قد تقدم في هذا الكتاب أن بيع الخيار لا يؤخذ فيه بالشفعة إلا بعد إمضائه، وتقدم في كتاب البيع الخلاف في أن بيع الخيار إذا أمضى هل يعد ماضيًا من حقين عقده أو من حين إمضائه؟ وعلى هذا الخلاف يتركب الخلاف في فرع.
وهو: من باع نصف دار من شخص بالخيار، ثم باع النصف الآخر من شخص آخر على البتل هل تكون الشفعة لمبتاع الخيار أو لمبتاع البتل؟.
ويتركب على الخلاف في الفرعين، أعني بيع الحصة المستشفع بها وحكم بين الخيار إذا أمضى الخلاف في فرع ثالث.
وهو: ما إذا باع أحد الشريكين حصته بيع خيار، ثم باع الآخر حصته بيع بتل. وقد اختلف في تعيين من له الاستشفاع في هذا على أربعة أقوال مبنية على صور الخلاف الأربع..
وبيان ذلك: أنا إذا فرعنا على أن بيع الحصة المستشفع بها يسقط حق بائعها من الاستشفاع بها انحصر حق الاستشفاع في جانب من ابتاع في الصورة المفروضة، ثم كان في تعيينه لمبتاع الخيار أو لمبتاع البتل قولان منشؤهما الخلاف في إمضاء بيع الخيار: هل هو إمضاء له من حين عقده أو من حين إمضائه؟.
وإن فرعنا على أن بيع الحصة لا يسقط حق الاستشفاع كان الأخذ بالشفعة من جانب من باع.
ثم كان في تعيينه لبائع البت أو البائع الخيار قولان مبنيان على الخلاف المتقدم في أن إمضاء بيع الخيار إمضاء له من حين عقده أو من حين إمضائه.
الثالث: ترك القيام بعد العلم من غير عذر.
فقال ابن وهب في كتاب الشيخ أبي إسحاق: إذا علم بوقوع الشفعة فسكت فلا شفعة له. والمشهور من المذهب: أنه لابد أن يمضي من طول الزمان ما يعلم معه أنه تارك لها.
واختلفت الرواية في تحديد ذلك الزمان: فروى أشهب في تحديده سنة، وقال بما روى وروي عنه أنه بالغ في تحديد التحديد حتى قال: إذا غربت الشمس من آخر أيام السنة ولم يقم فلا شيء له.
وقال ابن ميسر: ما قارب السنة حكمه حكمها.
وفي العتبية من رواية أصبغ عن أشهب أنه قال: إذا علاج فيها المبتاع هدمًا أو مرمة فلا أرى إلا وستنقطع قبل السنة، وإن لم يكن كذلك فإلى سنة. وروى ابن القاسم: ما زاد عليها، وقال به.
وقال أصبغ: السنتان والثلاث قليل.
وقال ابن الماجشون: الخمس سنين قليل، إلا أن يحدث المشتري فيها بنيانًا أو غرسًا فتنقطع شفعته في أقل من ذلك.
وحمل عليه الشيخ أبو الوليد أنه رأى في ذلك رأيه في الحيازة وهو عشرة أعوام.
وقال: قال أحمد بن المعذل: إن ابن الماجشون رجع في شفعة الحاضر إلى العشرة. بعد كان يقول بأربعين سنة. وروي أن الشفيع على شفعته وإن طال ما لم يصرح بتركها.
والأصل في هذا الباب شواهد أحوال الشفيع القائمة مقام التسليم، وعلى ذلك يخرج منها نقل من الخلاف. ومتى مضى من المدة ما يحتمل أن يكون سكوته فيها عن الطلب تركًا لحقه فللمشتري استحلافه على ذلك.
وفي العتبية من رواية ابن القاسم في شفيع قام بعد شهرين أيحلف؟ قال: لا. وروي عنه فيمن قام بعد تسعة أشهر، قال: يحلف.
وروي في كتاب محمد أنه يحلف في سبعة أشهر أو خمسة ولا يحلف في شهرين.
قال ابن عبد الحكم: وإذا قال الشفيع: لم أعلم بالبيع وهو بالبلد فهو مصدق ولو بعد أربع سنين.
محمد: وإن الأربع لكثيرة، ولا يصدق في أكثر منها.
وقاله لي ابن عبد الحكم.
ثم للمشتري أن يرفع الشفيع إلى الحاكم متى شاء، فيلزمه بالأخذ أو بالإسقاط، فإن طلب مهلة ليروي في الأخذ أو الترك، ففي وجوب إسعافه بذلك خلاف: روي في المختصر: أنه يؤخر اليومين والثلاثة. وقيل: يجيز الآن على الأخذ أو الترك ولا يؤخر.
ولو نجز الأخذ وطلب المهلة بالثمن آخر ما لا يضر بالمشتري. قال ابن القاسم؛: يتلوم له اليومين والثلاثة. هذا حكم الحاضر؛ أما الغائب فعلى شفعته وإن طال الزمان ما لم يصرح بإسقاطها إلى أن يحضر، فيعتبر في حقه من المدة ما اعتبر في حق الحاضر. وكذلك الصغير إذا استقل بالنظر لنفسه، فيوم استقلاله كيوم حضور الغائب.
والسفيه والمجنون كالصبي والغائب، إلا أن يكون لأحد هؤلاء من ينظر في أمره، فيكون الاعتبار بحاله في الأخذ أو الترك وطول الزمان وقصره في حقه.
فرعان: أحدهما: لو كان الشفيع حاضرًا فأنشأ السفر بعد علمه بالشراء، فإن كان سفرًا قريبًا لم تبطل شفعته وإن حبسه عذر عن قرب العودة.
وأما إن كان سفرًا بعيدًا بحيث لا يرجع منه في العادة إلا بعد انقضاء أمد الشفعة على الخلاف المتقدم بطلب حقه.
الثاني: إذا دفع المشتري للشفيع عوضًا، دراهم أو غيرها، على ترك الأخذ بالشفعة جاز له أخذها، وتملكها إن كان ذلك بعد الشراء، فإن كان كله قبله بطل ورد المال وكان على شفعته. وكذلك لو سلم إليه الشفعة على غير مال، لاختلف الحال، فلزم بعد الشراء، ولم يلزم قبله.

.كتاب القسمة:

وفيه ثلاثة فصول:

.الفصل الأول: في القسام وأجرته:

أما القسام فالواحد يكفي، ويقبل القاضي قوله إن كان بتوليته، فإن ولي القسم اثنان فهو أحسن.
وقال الشيخ أبو إسحاق: يلي القسمة اثنان فصاعدا، لأن فعلهما يجري مجرى الشهادة إن شهدا به وهما قائمان. وترد بعد عزلهما، لأنهما حينئذ يشهدان على فعل أنفسهما.
وأما الأجرة فقال ابن القاسم: كره مالك ما جعل للقسام مع القضاة في قسمهم وحسابهم. ولكن يكن خارجة بن زيد ومجاهد يأخذان في ذلك أجرًا. قال ابن القاسم: وذلك رأيي.
ولينظر الإمام رجلاً يرضاه بقيمة لذلك، ويجري له عطاءه مع الناس، كما يجري للقاضي وغيره ممن يحتاج إليه المسلمون.
قال ابن حبيب: إنما كرهه لأن ذلك يأخذونه من أموال اليتامى وغيرهم، وأما إن أجري لهم من بيت المال، فلا بأس بذلك. وكذلك كل ما يحتاج إليه الناس في قسم غنائمهم.
فإذا أجري له عطاؤه من بيت المال أو من الفيء لم يحل له أن يأخذ ممن يقسم بينهم شيئا، لأنه كالقاضي المرزوق. فإن لم يجر له رزق فلا بأس أن يأخذ منهم، ولو قسم احتساباً كان أفضل له. وقد أجازه مالك له ولكاتب الوثيقة. ويكون الأجر في ذلك على عددهم لا على أنصبائهم. وأرى المأخوذ منه المال الذي كان على يديه كواحد منهم في غرم الوثيقة، لأنه يوثق له ولهم. قال مالك: وكذلك لو طلب القسم أحدهم وأباه غير فألزمه، فعل الآبي والطالب أجر القاسم سواء. انتهى كلامه.
وقال أصبغ: أحر القاسم بني الأشراك على قدر حصصهم لا على قدر رؤوسهم.

.الفصل الثاني: في كيفية القسمة:

وهي في الأصل على ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: قسمة مهيأة. وهي ضربان: مهيأة في الأعيان، ومهيأة بالأزمان.
فالضرب الأول: أن يأخذ أحد الشريكين داراً يسكنها، ويأخذ الآخر داراً يسكنها أو هذا أرضًا يزرعها، وهذا أرضاً يزرعها.
والضرب الثاني: أن تكون المهيأة في عين واحد بالأزمنة، كدار يسكنها هذا شهرًا وهذا شهراً، أو أرض يزرعها هذا سنة وهذا سنة.
الوجه الثاني: قسمة بيع.
وصفتها: أن يأخذ أحد الشريكين داراً على أن يأخذ الآخر داراً، أو بستاناً، أو دكاناً.
ومحصولها: بيع أحدهما حصته من الدار بحصة الآخر من الدار الأخرى أو البستان، أو الدكان.
وهذه القسمة تجوز في المختلف والمتباين، كما تجوز في المتفق والمتقارب لأنها بيع. وحكمها حكمه.
الوجه الثالث: قسمة قيمة وتعديل.
وذلك إذا كانت الدار مختلفة البناء، والبستان مختلف الغراس، تختلف قيمة كل شيء من نخل وشجر، وغير ذلك، فإنها تعدل بالقيمة ويضرب عليها بالسهم.
وصفة ذلك: أن تقسم الفريضة وتحقق، وتضرب إن كان في سهامها كسر، إلى أن تصح السهام، ثم يقوم كل موضع منها وكل نوع من غراسها، ثم تعدل على أقل السهام بالقيمة، فربما كان مقدار من المساحة من موضع بإزاء ثلاثة أمثاله من موضع آخر على حسب اختلاف قيم الأرض ومواضعها فمن حصل له سهم من طرف، فإن كان بقدر حقه فقد استوفاه، وإن كان أقل من حقه ضم إليه مما يليه تمام حقه.
ووجه ذلك: أن القيمة إذا عرفت وعدلت على أقل السهام نظر، فإن تراضوا على أن يحصل لأحدهم من طرف، والباقين من الطرف الآخر جاز. وإن تشاجروا ضرب بالسهم بينهم، فمن حصل، له سهم من جهة كانت له، فإن اختلفوا بأي الجهات يبدأ في الإسهام عليه أسهم على الجهتين، فآيتهما خرج سهمها أسهم عليها، ثم كان الحكم فيه على ما بيناه.
وصفة القرعة: أن تكتب أسماء الشركاء في رقاع، وتجعل في طين أو شمع، ثم ترمي كل بندقة في جهة، فمن حصل اسمه في جهة أخذ حقه متصلاً في تلك الجهة.
وقيل: تكتب الأسماء وتكتب الجهات، ثم تخرج أو بندقة من الأسماء، ثم أول بندقة من الجهات، فيعطي من خرج اسمه نصيبه في تلك الجهة وإذا قسمت الفريضة فكان لجماعة سهم واحد، قسم له كأحد سهام الفريضة، ثم قسم بين أربابه قسمًا ثانيًا.
فروع في الطوارئ على القسمة، وهي خمسة.
الأول: العيب. فإذا أطلع أحد الشريكين على عيب في نصيبه رد الجميع إن كان المعيب. وجه ما نابه، إلا أن يفوت ما بيد صاحبه ببيع أو هبة أو حبس أو صدقة أو هدم أو بناء، فيرد قيمته يوم قبضه، فيقتسمان تلك القيمة مع الحاضر المردود.
وإن كان المعيب الأقل رده ولم يجرع فيما بيد شريكه، وإن كان قائمًا لم يفت إذ لم ينتقض القسم ولكن ينظر، فإن كان المعيب قدر سبع ما بيده مثلاً ورجع على صاحبه بقيمة نصف سبع ما أخذ، يقتسمان هذا المعيب.
الثاني: الدين، فلو ظهر من بعد قسمة التركة، نقضت القسمة، إلا إذا وفوا الدين.
فإن دعا بعضهم إلى فسخ القسمة، ودعا الباقون إلى دفع الدين، فالقول قول من دعا إلى الفسخ.
وقال سحنون: لا تنفسخ القسمة بطروء الدين. قال ابن عبدوس عنه: ولكن ينظر ما الدين من قيمة جميع التركة يوم الحكم، فيرجع باسم ذلك الجزء فيما بيد كل واحد من الورثة على النسبة بقيمة يوم الحكم، على قد مواريثهم.
الثالث: إذا وارث بعد القسمة، فإن كانوا أملياء، والتركة عين أخذ من كل واحد ما ينوبه.
واختلف إذا وجد أحدهم معسرًا، فقال ابن القاسم: ليس له أن يأخذ الموسر إلا بالقدر الذي كان يأخذ منه لو كان جميعهم موسرين.
وقال أشهب وابن عبد الحكم: له أن يقاسم الموسر فيما صار له، كأنه لم يترك الميت غيرهما، ويتبعان المعسر متى أيسر. ورأيا أن القسمة فاسدة وإن لم يعلموا بالطارئ.
والظاهر من مذهب عبد الملك أنها جائزة، إلا أن يكونوا عالمين بالطارئ فتكون فاسدة. وأصل ابن القاسم: أن ليس لأحد الشريكين أن يقسم العين دون شريكه، وأمضى القسمة ها هنا لما كان غير عالم، ولو كان عالمًا لم يجز. وأصل أشهب: الجواز.
وإن كانت التركة عقارًا، فإن كانت داراً واحدة اقتسماها نصفين، كان بالخيار بين أن يجوز القسم، ويكون شريكًا لكل واحد من أخويه بثلث ما في يده، أو يرد فيجمع سهمه.
وإن كان دارين، فأخذ كل واحد منهما داراً، فليس للطارئ أن يرد القسم، وإنما يكون له أن يرجع على كل واحد من أخويه في ثلث الدار الذي في يده، لأنه لو أدركها قبل القسمة لم يكن له سوى ثلث كل دار. وإن كان العقار أكثر من ذلك استؤنف القسم.
واختلف في طروء الموصى له بعد القسم، هل حكمه حكم الغريم، أو الوارث؟ فرأى ابن حبيب أنه كالغريم لتقديم الوصية على الميراث.
وفرق ابن القاسم فقال: إن أوصى له بالثلث فهو بمنزلة الوارث، وإن أوصى له بدنانير أو مكيل من طعام فهو بمنزلة الغريم.
الرابع: الاستحقاق:
فلو استحق بعض المال شائعاً لم ينتقض القسم، وأتبع كل وارث بقدر ما صار له من حقه إن قدر على قسم ما بيده من ذلك، ولا يتبع الملي بما على المعدم.
وإن استحق بعض معين، فقال ابن القاسم: إن كان كثيرًا كان له أن يرجع بقدر نصف ذلك في ما في يد صاحبه يكون به شريكًا في ما بيده إذا لم يفت.
وإن كان الذي استحق تافهًا يسرًا رجع بنصف قيمة ذلك دنانير أو دراهم، ولا يكون بذلك شريكًا لصاحبه. هذا قول مالك، وقال ابن القاسم أيضًا: إذا اقتسموا الدور فاستحق من نصيب أحدهم شيء، فإن كان الذي استحق أو أوجد به العيب هو الجل مما في يديه أو أكثره ثمنًا انتقضت القسمة بينهم كلها؛ وإن كان ليس كذلك ردها وحدها، ورجع على شريكه في الاستحقاق بنصف قيمة ذلك مما في يد صاحبه.
ثم قال ابن القاسم: والدار الواحدة مخالفة في القسم للدور الكثيرة، لأن الدار الواحدة يدخل فيها الضرر عليه في ما يرد أن يبني أو يسكن.
وقال أشهب: إذا استحق بعض نصيب أحدهما، وكان الأكثر أو الأقل أو ما فيه المضرة أو لا مضرة فيه، رجع على صاحبه بنصف ما استحق في ما في يدي صاحبه، فكان شريكًا به، ولا ينتقض القسم إذا فات ما بقي في يد المستحق منه بالبناء لأنه لا يقدر على رده.
الخامس: دعوى الغلط.
ومن ادعى غلطًا في القسمة لم يقبل قوله إلا بأمر يستدل به من تفاحش الغلط وشبهه، فيكون القول قوله مع يمينه، أو يقيم البينة فتعاد القسمة.

.الفصل الثالث: في إجبار من أبي القسمة عليها:

وتمييز ما يجمع في القسم مما لا يجمع:
أما الإجبار فمن طلب القسمة في ما لا ضرر في قسمته أجيب إلهيا وأجبر من أباها عليها، كانت مفتقرة إلى تعديل بالقيمة، أو انقسمت بأجزاء متساوية. واختلف في ما كان في قسمته ضرر من وجه، مثل أن يكون قابلاً للقسمة في الجملة، إلا أن تبطل صفته التي كان عليها وإن كان يتهيأ الانتفاع به من غير ذلك الوجه، كالحمام والرحى وشبههما، هل يجبر من أبي قسمته عليها أن لا؟ روايتان.
ومن ملك شقصاً لا يصلح للمسكن لو انفرد به ليسارته، فطلب القسمة أو طلبها شريكه، وأباها هو، أجبر الآبي منهما. وروي أنه لا يجبر، واختار بعد القاسم هذه الرواية. والأولى أشهر عن مالك.
وقال عيسى بن دينار: يجبر صاحب الكبير ولا يجبر صاحب اليسير.
ثم حيث تنازع الشركاء في ما لا ينقسم وأصروا، فمن طلب البيع منهم أجبر الباقون على موافقته، إلا أن يكون بيع حصته منفردة لا ينقص عن حصته من ثمن الجميع كالفنادق والديار الكثيرة وشبهها، فلا يجبر من أبي البيع أن يبيع.
وسبب الإجبار أن للشريك الانفراد بحقه، وذلك بقسمة العين إن أمكنت، فإن تعذرت فبقسمة البدل؛ ولا يستوفى حصته من الثمن الذي هو البدل كاملة إلا إذا بيع جميع المشترك إذا لم يكن على الصفة المستثناة.
وإجبار المالك على بيع ملكه لتعلق حق الغير به دفعاً للضرر عنه بخارج عن تصرف الشرع كما في الشفعة، بل في أصل القسمة إذا قلنا: إنها بيع، وهو الصحيح عند مخالفنا.
وأما تمييز ما يجمع في القسم مما لا يجمع، فيجمع فيه البز كله، من ديباج وحرير وثياب كتان وقطن، ويجمع مع ذلك ثياب الصوب والأفرية، إذا لم يكن في كل صنف من ذلك ما يحمل القسم في انفراده.
وقال ابن حبيب: قال لي مطرف وابن الماجشون: البز صنوف مختلفة، فلا تجوز قسمته بالسهم، إلا ما كان منها صنفًا واحدًا أو متشابهًا، وإن عدل بالقيمة، إلا أن تكون قسمتهم على المراضاة، لا تقسم ثياب الخز والحرير أو الصوف والمرعزا بالسهم مع ثياب القطن والكتان، ولا مع الفراء ولا مع الديباج.
قال عبد الملك: فثياب القطن والكتان من البياض صنف واحد عندنا في قسمتها بالسهم إذا عدلت بالقيمة، وإن كان بعضها قمصًا وبعضها أردية وبعضها عمائم وبعضها جببًا.
ولا يجمع مع الأمتعة والثياب بسط أو وسائد. ولا يجمع في القسم بالسهم الخيل والبغال والحمير والبراذين، ولكن يقسم كل صنف على حياله.
وتجمع الدور في القسم، إذا كانت في النفاق والرغبة في مواضعها والتشاح فيها سواء، وكان بعضها قريبًا من بعض؛ وأما إن اختلفت مواضعها فلتقسم كل دار على حدتها.
وإذا كان في الشجر أو في النخل ثمر فلا تقسم مع النخل أو الشجر. وكذلك الزرع لا يقسم مع الأرض، ولكن يقسم النخل والشجر والأرض، ويترك الثمار والزرع حتى يحل بيع ذلك، فيباع ويقسم ثمنه، أو يقسم كيلاً.

.كتاب القراض:

وفيه ثلاثة أبواب:

.(الباب) الأول: في أركان صحته:

وهي خمسة:

.(الركن) الأول: رأس المال:

وشروطه أربعة: وهي أن يكون نقدًا، معينًا، معلومًا، مسلمًا.
احترزنا بالنقد عن العروض وعن النقرة التي ليست مضروبة، على إحدى الروايتين، إذا كان التعامل بالمسكوك. فأما لو كان التعامل بها لجاز بها القراض قولاً واحدًا. حكى ذلك أبو الحسن اللخمي.
فإن عمل بثمن العرض فله أجر مثله في بيعه، وقراض مثله في العمل بثمنه. ولا يجوز بالفلوس عند ابن القاسم. وأجازه أشهب في إحدى الروايتين عنه. ولا بالدراهم المغشوشة، قاله القاضي أبو محمد.
واستثنى القاضي أبو الوليد المسكوك منها في بلد يكون التعامل فيه بها، واستشهد بأنها صارت هناك أصول الأثمان وقيم المتلفات.
قال وقد اتفق الأصحاب على تعلق الزكاة بعينها، وذلك يدل على إعطائها حكم العين لا حكم العرض.
والضابط لهذا الحكم: أن كل ما تختلف قيمته بالارتفاع والانخفاض لا يجعل رأس مال، لأنه إذا رد بالأجرة إليه لم يتميز الربح، إذ ربما ارتفعت قيمته فيستغرق رأس المال جميع الربح أو بضعه، أو تنقص قيمته فيصير بعض رأس المال ربحاً.
واحترزنا بالمعلوم عن القراض على صرة دراهم أو دنانير، فإن الجهل برأس المال يؤدي إلى الجهل بالربح، واحترزنا بالمعين عن القراض على دين في الذمة.
أما لو كان له ألف وديعة في يده فقارضه عليه لكره ابتداء، فإن نزل مضى. ولو كان.
عليه دينًا في ذمته لم يجز كما تقدم. وكذلك لو أحضره حتى يقبضه، فإن نزل فليس له إلا رأس ماله. وروي عن أشهب: إن نزل مضى. وكذلك لو كانت الدنانير عنده رهنًا لم يجز أن يقارضه بها حتى يردها.
وكذلك لو كانت تحت يد أمين، لم يقارض بها إلا من حين يردها إلى ربها.
وأردنا بالمسلم أن يكون في يد العامل، فلو شرط المالك أن تكون له يد، أو يراجع في التصرف، أو يراجع وكيله، فسد القراض، لأنه تضييق للتجارة.
ولو شرط أن يعمل معه غلام المالك، على أيكون للغلام نصيب من الربح جاز.
وقال أشهب: لا يجوز.
فرع:
لو دفع له مالين على جزء متفق، أو جزءين مختلفين جاز، إن كان على أن يخلطهما، لأنه يؤول إلى جزء معلوم؛ وإن كان على أن لا يخالطهما لم يجز مع اختلاف الجزءين. وإن كانا بجزء متفق، فأجازه محمد، ومنعه ابن حبيب. قال: فإن نزل كان أجيرًا.
ويستوي فيما ذكرناه دفعهما معًا أو متعاقبين، إذا دفع الثاني قبل شغل الأول، ولو شغل الأول لجاز، كان الجزء متفقًا أو مختلفًا. وروى في كتاب محمد في المختلف: لا يعجبني ذلك. ولا يجوز أخذ الثاني على الخلط بعد الشغل، كان الجزء متفقًا أو مختلفًا.
ولو لم يشترط الخلط لجاز، ولا يكون على الخلط حتى يشترطه.
ولو نض الأول وفيه خسارة أو ربح لم يجز عند ابن القاسم أن يأخذ منه قراضاً بحال، لا على الخلط ولا على الانفراد، كان الجزء متفقًا أو مختلفاً. وأجازه غيره بثلاثة شروط: وجود الربح، وموافقة الجزء، وعدم الخلط.

.الركن الثاني: في العمل:

وهو عوض الربح. وشروطه ثلاثة: وهي أن تكون تجارة غير مضيقة بالتعيين أو التأقيت. احترزنا بالتجارة عن الطبخ والخبر والحرف، فإن عقد القراض على أن يعمل العامل بيده. في السلع كصياغة الفضة، أو خرز الجلود خفافاً، أو نحوها، فذلك فاسد، والتجارة هي الاسترباح بالبيع والشراء، لا بالحرفة والصناعة.
ثم لو عين صنفًا من الخز خاصًا، أو نوعاً من البز كذلك، أو عين شخصًا للمعاملة فهو فاسد لأنه تضييق.
ولو عين جنس البز، أو غيره من الأجناس الكثيرة الوجود جاز لاعتياده. ولو ضيق بالتأقيت إلى سنة مثلاً ومنع من التصرف بعدها فهو فاسد، مثل أن يقول: قارضتك سنة.

.الركن الثالث: الربح.

وشرطه أن يكون معلومًا بالجزئية، لا بالتقدير، احترازنا عما إذا قال: لك من الربح ما شرطه فلان لفلان. ولا يلزم تخصيصه بالعاقدين، بل ول شرطا جزءًا من الربح للمساكين لجاز. ولا يشترط اشتراكه، بل لو شرط الربح كله للعامل، ولا ضمان عليه في المال، أو لرب المال، جاز.
ولو قال: على أن لك في الربح شركًا، ولم يقل: نصفًا ولا غيره؛ فإن كانت لهم عادة أن يكون على النصف أو على الثلث فهو على ما اعتادوه؛ وإن لم تكن لهم عادة مخصوصة، فقال ابن القاسم: يكون على قراض مثله.
وقال غيره: يكون له النصف.
واحترزنا بالجزئية عما إذا قال: لك من الربح مائة أو درهم، فلا يصح، لأنه ربما لا يزيد الربح على ما ذكر.
وكذلك لو قال: لك درهم أو لي درهم من الجملة والباقي بيننا، فكل ذلك فاسد، إذ ربما لا يكون الربح إلا ذلك القدر.
فأما لو قال: على أن يكون لي دينار من كل عشرة من الربح، والباقي بيننا، على جزء يسميه، لصح، إذ مآله إلى الجزء، لأنه يؤول في قوله: والباقي بيننا نصفان إلى خمسة أجزاء ونصف له، وللآخر أربعة ونصف.
ولو قال: على أن النصف لك وسكت عن نائب نفسه صح. وكذلك لو قال: على أن النصف لي، إذا فهم أن النصف الآخر للجانب الآخر.

.الركن الرابع والخامس: العاقدان.

ولا يشترط فيهما إلا ما يشترط في الوكيل والموكل. نعم لو قارض العامل غيره بغير إذن رب المال كان متعديًا.
ولو تعدد العامل واتحد المالك، أو بالعكس فلا حرج، غير أنه يشترط في تعدد العامل توزيع الربح بينهم على قدر أعمالهم.
فإن قيل: لو فسد القراض وفات فما المستحق به؟ قلنا: اختلف في ذلك على ثلاث روايات:
روى ابن عبد الحكم: أنه يرد إلى قراض المثل.
وقال به أشهب وابن الماجشون. ورأى القاضي أبو محمد: أنه الظاهر. وذكر هو أنه روى عن مالك: رد جميع ما فسد من القراض إلى أجرة المثل. وروى أن منه ما يرد إلى قراض المثل، ومنه ما يرد إلى أجرة المثل. حكاها ابن حبيب عنه، وقال بها ابن القاسم وابن عبد الحكم وابن نافع ومطرف وأصبغ.
ثم اختلف في تفصيل ذلك وتعيينه على طرائق.
الأولى: ما قاله ابن القاسم، وهو أن كل ما اشترط رب المال فيه على العامل أمرًا قصره به على نظره، أو شرطه فيه زيادة خالصة لنفسه، أو شرطها العامل كذلك فهو مردود إلى أجرة المثل، وما سوى ذلك كأخذه المال على الضمان أو إلى أجل وشبه ذلك فهو مردود إلى قراض المثل.
الطريقة الثانية:؛ ما حكاه محمد بن حارث: أن كل قراض فسد في أصله لزيادة لا تحل، أو لتحظير لا ينبغي، فحكم العامل فيه أن يكون أجيرًا، وما سوى ذلك فمردود إلى قراض المثل حاشا مسألتين: إحداهما: إذا اشترط الضمان على العامل، والأخرى: إذا اشترط على العامل أن يمسك المال مدة معينة فقط كسنة أو غيرها، فإنه يرد في هاتين المسألتين إلى إقراض مثله.
الطريقة الثالثة: ما ذكره أبو محمد عبد الحق. قال: الأصل في ذلك أن كل زيادة أو منفعة شرطها أحد المتقارضين هي للمال داخلة فيه ليست خارجة عنه ولا خالصة لمشترطها فو يرد إلى قراض مثله، وكل زيادة أو منفعة شرطها أحدهما لنفسه خارجة عن المال وخالصة لمشترطها فهو يرد إلى أجرة مثله؛ وكل خطر وغرر تعاملا عليه خرجا به عن سنة القراض الجائز؛ فهو يرد إلى أجرة مثله.
وروى محمد العامل يشترط عليه الضمان: أن له الأقل من قراض المثل أو مما سمي من الربح.
فرع:
والفرق بين قراض المثل وأجرة المثل أن المستحق بقراض المثل متعلق بربح المال، وإن لم يكن في المال ربح فلا شيء له؛ والمستحق بأجرة المثل متعلق بذمة المال، ربح المال أو خسر.
هذا قول أصحابنا إلا ابن حبيب، فإنه قال: له أجرة مثله من الربح، فإن لم يكن في المال ربح فلا شيء له كالأول.
قال القاضي أبو محمد: ومن أصحابنا من يجعل قراض المثل مع الربح وعدمه، ويفرق بينهما بأن يجعل حظ العامل بقدر ما يساوي عمله مما رضيه عوضًا لو صح العقد فيكون له بقيمة ذلك.
وسبب الخلاف: في إيجاب قراض المثل وأجرة المثل: الالتفات إلى أصل مختلف فيه في المذهب، وهو أن كل عقد مستثنى عن أصل إذا فسد: هل يرد إلى صحيح العقد المستثنى، أو إلى صحيح الأصل المستثنى عنه؟ والخلاف فيه مشهور.
وأما التفصيل فقال القاضي أبو محمد: تفصيل ابن القاسم استحسان وليس بقياس.
قال: ووجه ما رواه محمد أن قراض المثل إن كان الأقل فقد رضي به العامل، لأنه إذا رضى أن يعمل على أن يكون عوضه على العمل من الربح على الفساد بما ذكر، فقد رضي أن يكون في ما صح بحسابه، إن كان المسمى الأقل فليس له زيادة عليه.
وأما طريقة ابن الحارث وعبد الحق فمستند كل واحد منهما النظر إلى صورة الفساد، فإن أبعدت العقد عن معنى القراض كثيرًا رجع الأمر فيه إلى أنها إجارة وألغى قصدهم للقراض؛ وإن لم تبعده عنه كبير إبعاد، بل كان الخروج عن معنى القراض قريبًا رد إلى قراض مثله.
ثم اختلافهما في الصورة التي نصا عليها راجع إلى الاختلاف في الشهادة.

.الباب الثاني: في حكم القراض الصحيح:

وله خمسة أحكام:
الأول: أن العامل كالوكيل في تنفيذ تصرفه بالنقد، فلا يبيع بالنسيئة إلا بإذن، فإن فعل ضمن الخسارة، ولم يستبد بالريح، بل كان بينهما على شرطهما. ولا يشتري بالنسيئة وإن أذن له فيه، لكن يبيع بالعرض كما يبتاعه.
وله الرد بالعيب وإن أبى ذلك المالك لتعلق حقه به، إلا أن يكون ثمنه جملة المال فللمالك أن يمضي البيع ويقبله بجملة ماله وإن أبي العامل. ولا يشتري العامل من المالك للقراض خشية أن يتذرع بذلك إلى القراض بالسلع.
ولا يشتري للقراض بأكثر من رأس المال، فإن اشترى لم يقع القراض، وانصرف إليه هو.
فروع: الأول: إذا اشترى العامل بمال القراض من يعتق على رب المال، فإن كان عالمًا موسرًا عتق، وكان ولاؤه لرب المال، وعلى العامل له غرم ثمنه. وإن كان علامًا معسرًا بيع منه بقدر رأس المال وحصة ربحه، وعتق على العامل ما بقي منه. قال سحنون: هذا أحسن ما جاء في ذلك من الاختلاف.
وإن كان غير عالم عتق على رب المال ولا غرم على العامل، بل يرجع العامل عليه بما يخصه فيه من فضله إن كان.
الفرع الثاني:
إذا اشترى العامل بمال القراض من يعتق عليه ولا ربح في المال لم يعتق عليه، كان موسرًا أو معسراً. ولو كان موسرًا وفي المال فضل لعتق عليه بقيمته إن كان غير عالم، وبالأكثر من قيمته أو ثمنه إن عالماً.
وقال المغيرة: يعتق قدر حظه منه، ويقوم عليه حظ رب المال يوم الحكم خلاف قول ابن القاسم.
قال في الكتاب: وإن كان موسرًا وقد علم، رأيت أن يعتق عليه، ويدفع إلى رب المال رأس ماله وربحه.
قال الشيخ أبو محمد: يريد إن كان فيه فضل. وإن كان معسرًا وفي المال فضل، عتق عليه منه مقدار ما خصه منه فقط.
الفرع الثالث:
إذا اشترى العامل بمال القراض أمة فوطئها فحملت، فإن كان مليًا كانت أم ولد، ولا فرق بين أن يبتاعها لنفسه بمال القراض على وجه الاستسلاف له، وبين أن تكون بيده لمال القراض فيطأها، قاله ابن حبيب. ثم اختلف أصحابنا في الواجب عليه في مقابلتها. ففي كتاب محمد: قيمتها يوم الوطء.
وقال ابن حبيب: الأكثر من ثمنها أو قيمتها يوم الوطء.
وقال محمد: الأكثر من الثمن أو قيمتها يوم الوطء أو يوم حملت.
وأما إن كان معدومًا، فإن كانت مشتراة للقراض كان رب المال بالخيار بين أن يضمنه إياها بقيمتها يوم الوطء في ذمته، وليس له من قيمة الولد، ولا مما نقصها الوطء شيء، وبين أن يبتاع جميعها إن لم يكن في المال ربح، فإن كان فيه ربح بيع بقدر رأس المال وحصة ربه من الربح وبقي ما يخصه هو من الربح بحساب أم ولد على الخلاف في ذلك. ولو نقص ثمن ما بيع منها على قيمتها يوم الوطء لأتبعه بذلك النقصان مع نصيبه من قيمة الولد، وإن شاء تماسك بنصيبه منها، وأتبعه بما يصيبه من قيمة الولد. قاله عيسى.
قال القاضي أبو الوليد: وهذا على ما اختاره ابن القاسم. وأما على ما اختاره أشهب، فإن من ضمن قيمة أمة بالوطء من شريك أو مقارض فإنه لا شيء عليه من قيمة ولدها.
وإن كان اشتراها للوطء من فحملت، فقال ابن القاسم: تكون له أم ولد، ويبتع بالثمن أو بالقيمة، على اختلاف في ذلك عنه.
وقال مالك: تباع.
قال الشيخ أبو الوليد: هذا إن لم يكن فيها فضل، فإن كان فيها فضل فعلى ما تقدم من الاختلاف.
ثم قال: والذي عندي أن الخلاف في بيعها بعد حملها إنما هو محمول على ما إذا شككنا هل اشتراها للمال أو للوطء. قال: فأما لو قامت بينة بشرائه إياها للوطء لا للقراض لوجب ألا تباع، قولاً واحدًا.
ولو وطئها العامل فلم تحمل، فإن كان مليًا قرب المال بالخيار بين أن يضمنه قيمتها يوم الوطء، أو يلزمه إياها بالثمن؛ وإن كان معسرا بيعت فيما لزمه من قيمة أو ثمن.
الحكم الثاني: أن عامل القراض إذا تعدى، فإن قارض عاملاً آخر بغير إذن المالك، ثم كان في المال ربح، فإن اتفق الجزءان فالربح بين رب المال والعامل الثاني، ولا شيء للأول؛ وإن اختلفا، فكان الأول أكثر، فالزائد للمالك، وإن كان أقل، فلرب المال شرطه، ويرجع العامل الثاني على العامل الأول. وقيل: للعامل الثاني حصته كاملة، ويرجع رب المال على العامل الأول بباقي حصته.
فرع:
لو هلك بعض المال بيد العامل الأول، ثم دفع ما بقي لمن عمل فيه فزاد المال فربحه على ما كان، لأخذ المالك رأس ماله بكماله وحصته مما يزيد عليه.
وقيل: يكون رأس ماله ما قبضه العامل الثاني، ويأخذ حصته من الربح، ويرجع بباقي ما كان يخصه لو قاسم على رأس ماله على العامل الأول.
الحكم الثالث: للعامل أن يسافر بمال القراض، إلا أن يحجر عليه، وقال ابن حبيب: السنة ألا يخرج بالمال، إلا أن يأذن له صاحبه، فإن سافر به بعد التحجير كان ضامنًا، وله قسطه من الربح.
وإذا سافر بالإذن، أو بمقتضى إطلاق العقد من غير تحجير، فأجرة النقل على مال القراض، وليس على العامل إلا التجارة، وما جرت العادة بفعل مثله له من النشر والطي ونقل الشيء الخفيف. فإن استأجر على ما هو عليه فعليه الأجرة.
ونفقته في الحضر على نفسه، وله في السفر نفقته بالمعروف ذاهبًا وراجعًا بالمال.
قال ابن القاسم: وله أن يكتسي منه في بعيد السفر، ولا يكتسي في قريبه، إلا أن يقيم إقامة يحتاج فيها إلى الكسوة.
وقال ابن حبيب: من قول مالك إنه ينفق في قريب السفر في ركوبه وطعامه ولا يكتسي إلا في بَعِيدِه، وذلك كله في كثير المال، في فأما إن كان المال قليلاً فلا نفقة له، ولا كسوة، ولا ركوب. قال محمد: وقيل في خمسين دينارًا كثير.
قال ابن القاسم: وله أن يؤاجر من يخدمه في سفره إن كان المال كثيرًا، وكان مثله لا يخدم نفسه.
ولو قارضه على أن يتجر بالفسطاط وليست ببلده، فلينفق في مقامه، لأن المال حبسه بها إلا أن يوطنها، أو ينتقل لسكانها فلا ينفق وإن لم يكن له بها أهل.
ثم النفقة ملغاة من الفضل، ويقتسمان الباقي على شرطهما، ولو لم يحصل ربح لكانت من رأس المال، وهي في ذلك كله كنفقات المال.
لو كان معه مال آخر، له أو لغيره، فخلطهما، توزعت النفقة على المالين؛ وكذلك ما زاد عليهما، ولا يكون متعدياً بالخلط.
الحكم الرابع: في ملك العامل للربح.
والمشهور من المذهب: أنه لا يملكه بمجرد الظهور، بل يقف ملكه له على المقاسمة، إلا أن له حقًا مؤكدًا، حتى لو مات لورث عنه.
ولو أتلف المالك أو الأجنبي المال غرم حصته، ولو كان في المال جارية لم يجز للمالك وطؤها لحقه.
وقيل: إن العامل يملك الربح بمجرد الظهور، لكن هو ملك غير مستقر، إذ هو وقاية لرأس المال عن الخسران، فلو وقع خسران لانحصر في الربح إلى أن يتجاوزه، بل لا يستقر إلا بالقسمة.
الحكم الخامس: إن مال القراض إذا نقص بتلف أو وضيعة،وتمادى العامل على العمل بقيته، جبر رأس المال من الربح، ولو تكرر العمل والإنضاض، ما لم يحضر العامل بقية المال إلى ربه ويفاصله، ويقبضه منه، ثم يعيده إليه، فيكون رأس المال ما قبضه ثانيًا.
وقال ابن حبيب: لو لقي العامل رب المال فأعلمه بنقص المال، وسأله أن يسقط ذلك عنه من رأس المال، فقال: اعمل بما في يديك فقد أسقطت ذلك عنك، لكان قراضًا مؤتنفًا، لأنها محاسبة واستئناف للقراض، حضر المال أو لم يحضر، قبض منه أو لم يقبض.
قال: وكذلك لو ربح فاقتسما الربح وتحاسبا، ثم قال له: اعمل بما في يديك، لكان قراضًا مؤتنفًا وإن لم يقبض منه المال. قال: وهو قول ربيعة ومالك والليث ومطرف وابن الماجشون. وجماعة من لقيته من أصحاب مالك، إلا ابن القاسم فإنه يقول: هما على القراض الأول أبدًا وإن تحاسبا وأحضر المال ما لم يقبضه ثم يدفعه إليه قراضًا مؤتنفًا.
قال عبد الملك: وإذا لم يكن على ما فسرت لك، وإنما لقيه فأخبره بما نقص على حال الإخبار، ولم يوقفه على إسقاط ذلك عنه، فهما على القراض الأول.
قال: وكذلك إذا كانا يقتسمان الربح على غير المحاسبة ولا اعتقاد مفاصلة، جبر المال. بالربح الذي اقتسما إن كان فيه نقصان. وروى ابن وهب مثل رواية ابن حبيب.
فروع متتالية: إذا سلم إليه ألفين، فتلفا بعد الشراء وقبل النقد، فإن أخلفهما كان رأس المال ما أخلفه خاصة، وإن لم يخلف كانت السلعة على ملك العامل.
وقال المغيرة: يجبر رب المال على أن يخلفهما. ولو تلف أحدهما قبل أن يشتري به شيئا، ثم عمل في بقية المال فرأس المال ألفان، ولو اشترى بألفين فتلف أحدهما قبل النقد فإن عوض عن التالف فرأس المال ثلاثة آلاف، وإن أبي عوض العامل وكان شريكًا بالنصف.
ولو تسلف العامل نصف المال أو أكله فالنصف الباقي رأس المال، وربحه على ما شرطا، وعلى العامل غرم النصف فقط، ولا ربح لذلك النصف.
ولو ربح في مائة مائة، فأنفق مائة تعديًا، تم تجر بمائة فربح مالاً، فمائة في ضمانه، وما ربح أولاً وآخرًا فبينهما. ولو ضاع ذلك ولم يبق إلا المائة التي في ذمته ضمنها لرب المال ولا تعد ربحًا، إذ لا ربح بعد رأس المال.
وإن اشترى بمال القراض وهو مائة دينار عبدًا يساوي مائتين، فجني عليه رب المال جناية نقصته مائة وخمسين، ثم بيع بخمسين فعمل فيها فربح مالاً، أو وضع، لم يكن ذلك من رب المال قبضًا لرأس ماله ولربحه، حتى يحاسبه ويفاصله ويحسب عليه، فإذا فعل فذلك دين على رب المال مضافًا إلى هذا المال

.الباب الثالث: في التفاسخ والتنازع:

وفيه فصلان:

.الفصل الأول: في التفاسخ:

والقراض جائز ينفسخ بفسخ أحدهما قبل الشغل. فإذا عمل وشغل المال لم يكن للعامل أن يرده حتى ينض، ولا لربه أخذه قبل إنضاضه. قال ابن القاسم: ولرب المال رد المال ما لم يعمل به أو يظعن به.
قال محمد: ولو اشترى مثل الزاد والسفرة لسفره، فإن رضي رب المال بأخذ ذلك فذلك له.
قال ابن القاسم: وليس له أن يقول بعد ظعنه: ارجع فأنا أنفق عليك. فإن شغل المال في سلع، فطلبه المالك بالإنضاض، نظر السلطان، فإن كان تأجيرها نظرًا وإلا أمر العامل بإنضاضها، واقتسما ربحها إن كان فيها.
ولو مات العامل، قيل لورثته: تقاضوا وبيعوا السلع؛ فإن لم يؤمنوا أتوا بأمين، وكانوا على سهم موروثهم. بخلاف موت المستأجر المعين، لأن ذلك لورثته من عمله بحساب ما عمل، بخلاف ورثة العامل، فإنهم لا شيء لهم إلا بتمام العمل. فإن لم يأتوا بأمين سلموا ذلك لربه ولم يكن لهم من الربح شيء. ولو كان الوارث مولى عليه نظر وليه، فإن رأى في الاستئجار عنه فائدة استأجر عنه وإلا ترك.
وكذلك في موت العاملين يقوم ورثتهما مقامهما على حسب ما ذكرناه في العامل الواحد.
ولو مات أحد العاملين لقام ورثته مع العامل الآخر، إذا كان الشراء قبل موت موروثهم. وأما إذا مات المالك فإن العامل يبقى على قراضه، فإن أراد الورثة أخذه فذلك لهم إن كان المال عينًا، وليس ذلك لهم إن كان في سلع، وهم كوليهم سوءا.
وإذا كان المال عينًا عند موت ربه لم ينبغ للعامل تحريكه بعد موته، فإن حركة قبل علمه بموته مضى على القراض حتى ينض، ولم يرد قبل الإنضاض.
وزمن هلك وقبله قراض أو ودائع ولم توجد، فذلك في ماله، ويحاص بذلك غرماؤه.
ولو أقر بقراض بعينه أو وديعة بعينها في مرضه، فمن أقر له أحق بما عين جميع الغرماء، كانت ديونهم ببينة أو بإقرار، في الصحة أو في المرض.

.الفصل الثاني: في التنازع:

وإذا تنازعا في ضاع المال أو خسارته فالقول قول العامل، لأنه أمين؛ وفي إلزامه اليمين عند طلب رب المال لها الخلاف الجاري في أيمان التهم.
وكذلك لو ادعى رده، وكان قبضه بغير بينة، لكان القول قوله أيضًا، ولو كان بالبينة لم. يقبل قوله إلا ببينة. وقيل: يقبل قوله بغير بينة، وإن قبضه بالبينة، إلا أن اليمين في دعوى الرد متوجهة عليه لا محالة إن طلبها رب المال لأنه يدعي عليه التحقيق لا بمجرد التهمة.
وإن اختلفا في قدر الجزء قبل الشغل، فإما عمل العامل على ما قال رب المال، وإلا رده، فإن كان بعد الشغل كان القول قول العامل إذا أتى بما يشبه وكان المال في يديه؛ فإن كان أسلمه لربه ليستوفى رأس ماله ونصيبه من الربح، كان القول قول رب المال، وإن أسلمه إليه ليبقى موقوفًا حتى يسلم رأس المال ثم يقتسمان الربح كان القول قول العامل.
وإن اختلفا في الوجه الذي قبض المال عليه فقال رب المال: بضاعة بغير أجرة، وقال العامل: قراضًا على النصف، فالقول قول رب المال إذا كان مثل المبضع معه لا يستعمل نفسه في القراض، أو كانت البضاعة مما لا يدفع مثلها قراضًا ليسارتها.
فإن كانت مما تشبه أن تدفع قراضًا، وكانت الإجازة أقل من نصف الربح، فالقول قول صاحب المال مع يمين÷ وقال محمد: يحلفان جميعًا، ويعطي العامل إجازة مثله.
وإن قال العامل: بضاعة بأجر، وقال صاحب المال: قراضًا، كان القول قول العامل مع يمينه.
ولو قال العامل: قراضًا، وقال رب المال: بضاعة بأجر، فإن استوى الأجر المدعى والحاصل من الجزء المذكور فلا يمين، وقد اتفقا في المعنى ولا يضر اختلافهما في اللفظ؛ وإن كانت الأجرة أقل من نصف الربح حلف العامل وحده وأخذ النصف إذا كان مما يشبه القراض عليه. فإن نكل حلف الآخر ودفع الأجرة.
وإن قال صاحب المال: وديعة، وقال العامل: قراضًا، وقد ضاع المال، فإن ادعى ضياعه قبل أن يحركه لتجارة كانت مصيبته من ربه، لأنهما متفقان أنه كان أمانة؛ وإن تجر فيه فالقول قول صاحبه أنه لم يأذن له في التجر به، ويضمنه. وإن قال أخذ المال: هو في يدي قراض، أو وديعة، فقال ربه: بل أسلفتكه؛ فالقول قول رب المال مع يمينه. وإن قال ربه: قراض قراض، وقال العامل: قرض؛ قال محمد: أو وديعة، صدق العامل لأن ربه مدع للربح.
ولو قال العامل: رأس مال القراض ألف، وقال ربه: ألفان؛ صدق العامل لأنه أمين، ولأن الأصل عدم القبض.
ولو قال العامل: أنفقت في سفري من مالي كذا؛ صدق، ربح أو خسر، ويرجع به في المال إذا أشبه ذلك نفقة مثله، وكان قبل المقاسمة، ولا يقبل بعدها.
ولو خسر العامل في البز، فادعى رب المال أنه نهاه عنه فتعدى، فالقول قول العامل أنه لم ينهه.
ولو اختلفا في الصحة والفساد لكان القول قول مدعي الحلال منهما فيما يشبه على أصل المذهب، ويجري فيها قول أبي محمد عبد الحميد.