فصل: باب التفليس:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شفاء الغليل في حل مقفل خليل



.باب الرهن:

الرَّهْنُ بَذْلُ مَنْ لَهُ الْبَيْعُ مَا يُبَاعُ، أَوْ غَرَراً، ولَوِ اشْتُرِطَ فِي الْعَقْدِ وَثِيقَةً بِحَقٍّ كَوَلِيٍّ، ومُكَاتِبٍ، ومَأْذُونٍ، وآبِقٍ، وكِتَابَةٍ، واسْتُوفِيَ مِنْهَا، أَوْ رَقَبَتِهِ، إِنْ عَجَزَ، وخِدْمَةِ مُدَبَّرٍ، وإِنْ رُقَّ جُزْءٌ فَمِنْهُ، لا رَقَبَتِهِ وهَلْ يَنْتَقِلُ لِخِدْمَتِهِ؟ قَوْلانِ كَظُهُورِ حُبُسِ دَارٍ، ومَا لَمْ يَبْدُ صَلاحُهُ، وانْتُظِرَ لِيُبَاعَ، وحَاصَّ مُرْتَهِنُهُ فِي الْمَوْتِ والْفَلَسِ، فَإِذَا صَلَحَتْ بِيعَتْ فَإِنْ وَفَّى رَدَّ مَا أَخَذَهُ، وإِلا قُدِّرَ مُحَاصَّاً بِمَا بَقِيَ، لا كَأَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ، أَوْ جِلْدِ مَيْتَةٍ، وكَجَنِينٍ، وخَمْرٍ، وإِنْ لِذِمِّيٍّ، إِلا أَنْ يَتَخَلَّلَ، وإِنْ تَخَمَّرَ أَهْرَاقَهُ بِحَاكِمٍ، وصَحَّ مُشَاعٌ.
الشرح:
قوله: (الرَّهْنُ بَذْلُ مَنْ لَهُ الْبَيْعُ) أي: إعطاء من يجوز له البيع احترازاً من الصغير والمجنون والعبد والمحجور عَلَيْهِ ونحوهم وبالإعطاء عبّر ابن الحاجب؛ فقال ابن عرفة: يتعقب بأنه لا يتناول الرهن بحال لأنه اسم والإعطاء مصدر وهما متباينان، وإنما الرهن مال قبض توثقاً به فِي دين.

متن الخليل:
وحِيزَ بِجَمِيعِهِ، إِنْ بَقِيَ فِيهِ لِلرَّاهِنِ.
الشرح:
قوله: (وَحِيزَ بِجَمِيعِهِ، إِنْ بَقِيَ فِيهِ لِلرَّاهِنِ) كذا فِي النسخ التي وقفنا عَلَيْهَا بجرّ جميعه بالباء أي: وحيز الجزء المشاع بحوز جميعه.

متن الخليل:
وَلا يَسْتَأْذِنُ شَرِيكَهُ، ولَهُ أَنْ يَقْسِمَ ويَبِيعَ ويُسَلِّمَ.
الشرح:
قوله: (وَلا يَسْتَأْذِنُ شَرِيكَهُ، ولَهُ أَنْ يَقْسِمَ ويَبِيعَ ويُسَلِّمَ) أي: وللشريك أن يقسم ما يقبل القسمة ويبيع حظه أو الجميع صفقة، ويسلّم ما باع لمبتاعه.
قال ابن عرفة: وصوّب الباجي قول ابن القاسم: "لا يفتقر لإذن الشريك؛ لأن ذلك لا يمنعه بيع حظه أو دعاءه لبيع جميعه، فإن باعه بغير جنس الدين كَانَ الثمن رهناً وإن كَانَ بجنسه قضى منه الدين إن لَمْ يأت برهنٍ مثله" انتهى.
وقال ابن عبد السلام: الصحيح عندي ما قال الباجي، فليتأمل مع قوله فِي " التوضيح": ينبغي أن يستأذنه أَيْضاً عَلَى قول ابن القاسم؛ لأن الشريك قد يدعو لبيع الجميع، فيؤدي إلى بيع النصيب المرتهن، ومن حقّ المرتهن أن يتوثق فِي الرهن، حتى لا يكون لأحد حقّ فِي إزالة يده عنه إِلا بعد قضاء الدين، فإذا استؤذن لَمْ يكن له أن يدعو لبيع الجميع قبل القضاء. انتهى مختصراً. فشأنك به.

متن الخليل:
ولَهُ اسْتِئْجَارُ جُزْءِ غَيْرِهِ ويَقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنُ لَهُ، ولَوْ أَمَّنَا شَرِيكاً فَرَهَنَ حِصَّتَهُ لِلْمُرْتَهِنِ، وأَمَّنَا الرَّاهِنَ الأَوَّلَ بَطَلَ حَوْزُهُمَا، والْمُسْتَأْجَرُ والْمُسَاقَى، وحَوْزُهُمَا الأَوَّلُ كَافٍ والْمِثْلِيُّ ولَوْ عَيْناً بِيَدِهِ، إِنْ طُبِعَ عَلَيْهِ. وفَضْلَتُهُ، إِنْ عُلِمَ الأَوَّلُ ورُضِيَ ولا يَضْمَنُهَا الأَوَّلُ كَتَرْكِ الْحِصَّةِ الْمُسْتَحَقَّةِ.
الشرح:
قوله: (ولَهُ اسْتِئْجَارُ جُزْءِ غَيْرِهِ ويَقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنُ لَهُ) أي: وللراهن اكتراء جزء شريكه، ويقبض المرتهن الجزء للراهن، يريد أو يقاسمه الرقاب أو المنافع، قاله اللخمي.

متن الخليل:
ورَهْنُ نِصْفِهِ، ومُعْطِي دِينَاراً لِيَسْتَوْفِيَ نِصْفَهُ وَيَرُدَّ نِصْفَهُ. فَإِنْ حَلَّ أَجَلُ الثَّانِي أَوَّلاً قُسِمَ، إِنْ أَمْكَنَ. وإِلا بِيعَ وقُضِيَا، والْمُسْتَعَارُ لَهُ.
الشرح:
قوله: (ورَهْنُ نِصْفِهِ) هو مجرور عطفاً عَلَى كـ (ترك)، وأشار به لقوله في أول رهون "المدونة": ومن ارتهن نصف ثوبٍ فقبض جميعه فهلك عنده لَمْ يضمن إِلا نصفه، ثُمَّ شبهه بمسألة الدينار.

متن الخليل:
ورَجَعَ صَاحِبُهُ بِقِيمَتِهِ، أَوْ بِمَا أَدَّى مِنْ ثَمَنِهِ نُقِلَتْ عَلَيْهِمَا، وضَمِنَ إِنْ خَالَفَ، وهَلْ مُطْلَقاً، أَوْ إِذَا أَقَرَّ الْمُسْتَعِيرُ لِمُعِيرِهِ وخَالَفَ الْمُرْتَهِنُ ولَمْ يَحْلِفِ الْمُعِيرُ؟ تَأْوِيلانِ، وبَطَلَ بِشَرْطٍ مُنَافٍ كَأَنْ لا يُقْبَضُ.
الشرح:
قوله: (أَوْ بِمَا أَدَّى مِنْ ثَمَنِهِ) الفاعل بأدى ضمير يعود عَلَى صاحب الرهن المعار؛
لأنه لما كَانَ أداء الدين من ثمن شيئه كَانَ مؤدياً وإن لَمْ يباشر الأداء فهو كقول أبي سعيد: ويتبع المعير المستعير بما أدى عنه من ثمن سلعته.

متن الخليل:
وبِاشْتِرَاطِهِ فِي بَيْعِ فَاسِدٍ ظَنَّ فِيهِ اللُّزُومَ، وحَلَفَ الْمُخْطِئُ الرَّاهِنُ أنّه ظَنَّ لُزُومَ الدِّيَّةِ ورَجَعَ.
الشرح:
قوله: (وَبِاشْتِرَاطِهِ فِي بَيْعِ فَاسِدٍ ظَنَّ فِيهِ اللُّزُومَ) أشار به لقول ابن شاس: "ولو شرط عَلَيْهِ رهناً فِي بيعٍ فاسدٍ فظنّ لزوم الوفاء به فرهنه فله الرجوع عنه كما لو ظنّ أن عَلَيْهِ ديناً فأداه، ثُمَّ تبين أن لا دين فإنه يستردّ". انتهى.
وهو نصّ ما وقفت عَلَيْهِ فِي " وجيز" الغزالي، وقد أصاب ابن الحاجب فِي إضرابه عنه صفحاً، وأما المصنف فنقله فِي "التوضيح"عند قوله: (ويعمل له)، وأما ابن عرفة فلم يعرّج عَلَيْهِ بقبولٍ ولا ردّ؛ خلاف المألوف من عادته، وما أراه إِلا مخالفاً للمذهب، فتأمله مع ما قبل ابن عرفة من قول اللخمي: إن كَانَ الرهن بدينارين قضى أحدهما أو بثمن عبدين استحقّ أحدهما أو رد بعيب أو بمائة ثمن عبد بيع بيعاً فاسداً، فكانت قيمته خمسين فالرهن رهن بما بقي.
وتأمله أَيْضاً مع قول ابن يونس: قال ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم: من ابتاع بيعاً فاسداً عَلَى أن يرتهن بالثمن رهناً صحيحاً أو فاسداً فرهنه إياه وقبضه: فإنه أحقّ به من الغرماء؛ لأنه عَلَيْهِ وقع البيع، وكذا إن كَانَ البيع صحيحاً والرهن فاسداً، عَلَى أن اللخمي وابن يونس لم يتنازلا لظن اللزوم.

متن الخليل:
أَوْ فِي قَرْضٍ مَعَ دَيْنٍ قَدِيمٍ، وصَحَّ فِي الْجَدِيدِ، وبِمَوْتِ رَاهِنِهِ أَوْ فَلَسِهِ قَبْلَ حَوْزِهِ، ولَوْ جَدَّ فِيهِ، وبِإِذْنِهِ فِي وَطْءٍ، أَوْ إِسْكَانٍ، أَوْ إِجَارَةٍ، ولَوْ لَمْ يُسْكِنْ، وتَوَلاهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِهِ، أَوْ فِي بَيْعٍ وسَلَّمَ، وإِلا حَلَفَ وبَقِيَ الثَّمَنُ إِنْ لَمْ يَأْتِ بِرَهْنٍ كَالأَوَّلِ كَفَوْتِهِ بِجِنَايَةٍ، وأُخِذَتْ قِيمَتُهُ، وبِعَارِيَةٍ أُطْلِقَتْ وعَلَى الرَّدِّ.
الشرح:
قوله: (أَوْ فِي قَرْضٍ) معطوف عَلَى قوله: (في بَيْعِ فَاسِدٍ).

متن الخليل:
أَوِ اخْتِيَاراً، فَلَهُ أَخْذُهُ، إِلا بِفَوْتِهِ بِكَعِتْقٍ، أَوْ حُبُسٍ.
الشرح:
قوله: (أو اختياراً) يريد غير العارية؛ لتقدمها.

متن الخليل:
أَوْ تَدْبِيرٍ، أَوْ قِيَامِ الْغُرَمَاءِ، وغَصْباً، فَلَهُ أَخْذُهُ مُطْلَقاً.
الشرح:
قوله: (أَوْ تَدْبِيرٍ) كذا نقله ابن يونس عن "الموازية"، وبحث ابن عبد السلام تكلّم فِيهِ ابن عرفة.

متن الخليل:
وإِنْ وَطِئَ غَصْباً فَوَلَدُهُ حُرٌّ، وعَجَّلَ الْمَلِيءُ الدَّيْنَ وقِيمَتَهُ، وإِلا بُقِّيَ وصَحَّ بِتَوْكِيلِ مُكَاتِبِ الرَّاهِنِ فِي حَوْزِهِ، وكَذَلِكَ أَخُوهُ عَلَى الأَصَحِّ لا مَحْجُورِهِ ورَقِيقِهِ والْقَوْلُ لِطَالِبِ تَحْوِيزِهِ لأَمِينٍ. وفِي تَعْيِينِهِ نَظَرَ الْحَاكِمِ، وإِنْ سَلَّمَهُ دُونَ إِذْنِهِمَا لِلْمُرْتَهِنِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ، ولِلرَّاهِنِ ضَمِنَهَا أَوِ الثَّمَنَ، وانْدَرَجَ صُوفٌ تَمَّ، وجَنِينٌ.
الشرح:
قوله: (وَإِنْ وَطِئَ غَصْباً فَوَلَدُهُ حُرٌّ، وعَجَّلَ الْمَلِيءُ الدَّيْنَ وقِيمَتَهُ، وإِلا بُقِّيَ) أي: وإن لَمْ يكن الواطئ ملياً بقي الرهن لأجله، ومنه يفهم ما ذكر فِي "المدونة" من بيع الجارية بعد الوضع وبعد حلول الأجل.
وقد أجاد بعض الأذكياء ممن لقيناه إذ نظم النظائر المذكورة فِي هذا المحلّ من "التوضيح" فقال: رحمه الله تعالى:
تُبَاعُ عِنْدَ مَالِكٍ أُمُّ الْوَلَدْ ** لِلدَّيْنِ فِي سِتِّ مَسَائِلَ تُعَدْ

وَهِيَ إنْ أَحْبَلَ حَالَ عِلْمِهِ ** بِمَانِعِ الْوَطْءِ وحَالَ عُدْمِهِ

مُفْلِسٌ مَوْقُوفَةً لِلْغُرَمَا ** ورَاهِنٌ مَرْهُونَةً لِيَغْرَمَا

أَوْ ابْنُ مِدْيَانِ إمَاءِ التَّرِكَةِ ** أَوْ الشَّرِيكُ أَمَةً لِلشَّرِكَةِ

أَوْ عَامِلُ الْقِرَاضِ مِمَّا حَرَّكَهْ ** أَوْ سَيِّدُ جَانِيَةٍ مُسْتَهْلَكَهْ

فِي هَذِهِ السِّتَّةِ تَحْمِلُ الْأَمَهْ ** حُرّاً ولَا يَدْرَأُ عَنْهَا مَلْأَمَهْ

والْعَكْسُ جَاءَ فِي مَحَلٍّ فَرْدِ ** وهْوَحَمْلُ حُرَّةٍ بِعَبْدِ فِي الْعَبْدِ

فِي الْعَبْدِ يَغْشَى مَالَهُ مِنْ مُعْتِقِهْ ** ومَا دَرَى السَّيِّدُ حَتَّى أَعْتَقَهْ

فَالْأُمُّ حُرَّةٌ ومِلْكُ السَّيِّدِ ** بِمِثْلِ مَا فِي بَطْنِهَا مِنْ وَلَدِ


متن الخليل:
وفَرْخُ نَخْلٍ، لا غَلَّةٌ وثَمَرَةٌ، وإِنْ وُجِدَتْ، ومَالُ عَبْدٍ.
الشرح:
قوله: (وفَرْخُ نَخْلٍ) يشير به لقول ابن الجلاب: وفراخ النخل والشجر رهن مع أصولها، وعَلَى نقله اقتصر المصنّف فِي "التوضيح"وَابن عرفة وقرانه بالشجر، وقوله: مع أصولها، يقوي أنّه بالخاء المعجمة، فهو كقول ابن رشد: فسيل النخل داخل مع أصله.
تكميل:
قال ابن بشير: ولا يدخل البيض فِي الرهن لتكرر الولادة.

متن الخليل:
وارْتَهَنَ إِنْ أَقْرَضَ، أَوْ بَاعَ، أَوْ يَعْمَلْ لَهُ وإِنْ فِي جُعْلٍ، لا فِي مُعَيَّنٍ أَوْ مَنْفَعَتِهِ، ونَجْمِ كِتَابَةٍ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وجَازَ شَرْطُ مَنْفَعَتِهِ، إِنْ عُيِّنَتْ بِبَيْعٍ، لا قَرْضٍ وفِي ضَمَانِهِ إِذَا تَلِفَ تَرَدُّدٌ، وأُجْبِرَ عَلَيْهِ، إِنْ شُرِطَ بِبَيعٍ وعُيِّنَ وإِلا فَرَهْنٌ ثِقَةٌ.
الشرح:
قوله: (وَارْتَهَنَ إِنْ أَقْرَضَ، أَوْ بَاعَ، أَوْ يَعْمَلْ لَهُ) كذا فِيمَا رأينا من النسخ وفِيهِ قلق، وعبارة ابن الحاجب أبين منه إذ قال: ويجوز عَلَى أن يقرضه أو يبيعه أو يعمل له. ويكون بقبضه الأول رهناً، وكذا عبارة ابن عرفة إذ قال: قال: المازري ويتقرر الرهن والتزامه قبل انعقاد الحقّ الذي يؤخذ به الرهن، خلافاً للشافعي، وفِيهَا إن دفعت لرجلٍ رهناً بكلّ ما أقرض لفلان جَازَ.

متن الخليل:
والْحَوْزُ بَعْدَ مَانِعِهِ لا يُفِيدُ، ولَوْ شَهِدَ الأَمِينُ، وهَلْ تَكْفِي بَيِّنَةٌ عَلَى الْحَوْزِ قَبْلَهُ وبِهِ عُمِلَ؟ أَوِ التَّحْوِيزِ؟. وفِيهَا دَلِيلُهُمَا ومَضَى بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ إِنْ فَرَّطَ مُرْتَهِنُهُ، وإِلا فتَأْوِيلانِ، وبَعْدَهُ فَلَهُ رَدُّهُ إِنْ بِيعَ بِأَقَلَّ، أَوْ دَيْنُهُ عَرْضاً، وإِنْ أَجَازَ تَعَجَّلَ وبَقِيَ إِنْ دَبَّرَهُ، ومَضَى عِتْقُ الْمُوسِرِ وَكِتَابَتُهُ، وعَجَّلَ، والْمُعْسِرُ يَبْقَى، فَإِذَا تَعَذَّرَ بَيْعُ بَعْضِهِ بِيعَ كُلُّهُ والْبَاقِي لِلرَّاهِنِ، ومُنِعَ الْعَبْدُ مِنْ وَطْءِ أَمَتِهِ الْمَرْهُونُ هُوَمَعَهَا، وحُدَّ مُرْتَهِنٌ وَطِئَ إِلا بِإِذْنٍ، وتُقَوَّمُ بِلا وَلَدٍ حَمَلَتْ أَمْ لا.
الشرح:
قوله: (وَالْحَوْزُ بَعْدَ مَانِعِهِ لا يُفِيدُ.وَلَوْ شَهِدَ الأَمِينُ. وهَلْ تَكْفِي بَيِّنَةٌ عَلَى الْحَوْزِ قَبْلَهُ وبِهِ عُمِلَ؟ أَوِ التَّحْوِيزِ، وفِيهَا دَلِيلُهُمَا) أشار بقوله: (وَبِهِ عُمِلَ) إلى قول ابن عات فِي " طرره " والعمل أنّه إِذَا وجد بيده وقد حازه كَانَ رهناً وإن لَمْ يحضر والحيازة ولا عاينوها؛ لأنه صار مقبوضاً وكذا الصدقة، وهو مراد ابن عبد السلام ببعض الأندلسيين.
وأشار بقوله: (وفِيهَا دليلهما) إلى قول ابن رشد فِي "المقدمات" ما نصّه: "ولا تنفع الشهادة فِي حيازة الرهن إِلا بمعاينة البينة؛ لأن فِي تقارّ المتراهنين بالحيازة إسقاط حقّ غيرهما إذ قد يفلس الراهن فلا يقبل منه إقراره بعد التفليس بالحيازة، ولو وجد الرهن بيد المرتهن بعد التفليس فادعى أنّه قبضه قبل التفليس، وجحد ذلك الغرماء لجرى الأمر عَلَى الاختلاف فِي الصدقة توجد بيد المتصدق عَلَيْهِ بعد موت المتصدق فيدعي قبضها فِي صحته، وفِي "المدونة" دليل القولين معاً ولو لَمْ يتعلق بذلك للغرماء حقّ لوجب أن يصدق الراهن ويقبل إقراره له؛ لأنه قد حاز الرهن فيكون بإقراره له شاهداً عَلَى حقه إلى مبلغ قيمته". انتهى، ونقله المتيطي بلفظه.
فأنت ترى المصنف ترك كلام ابن رشد فِي غير محله إذ ردّ دليلي "المدونة" لبينة الحوز والتحويز، وإنما قال ذلك ابن رشد فِيمَا إِذَا وجد الرهن بيد المرتهن بعد التفليس فادعى أنّه قبضه قبله ولا بينة له، وقال ابن عرفة: ظاهر عموم قوله فِي كتاب الهبة من "المدونة": ولا يقضي بالحيازة إِلا بمعاينة البينة لحوزه فِي حبسٍ أو رهن أو هبة أو صدقة". أن مجرد الإشهاد والإقرار بالحوز لغو، وكَانَ يجري فِي المذاكرات: أن التحويز فِي حوز الرهن شرط لا يكفي الحوز دونه لبقاء ملك الراهن بِخِلاف الهبة.
وفِي هبة "المدونة" أَيْضاً: "ومن وهب لرجلٍ هبة لغير الثواب فقبضها الموهوب بغير أمر الواهب جَازَ قبضه إذ يقضى عَلَى الواهب بذلك إِذَا منعه إياها. ظاهر تعليله بالقضاء عَلَيْهِ بذلك يوجب كون الرهن كذلك، وفِي " النوادر" عن مطرف وأصبغ فِي الرهن يوجد بيد المرتهن بعد موت راهنه يقبل قوله: حزته فِي صحته وكذا فِي الهبة خلاف قول ابن حبيب وابن الماجشون لا يقبل فيهما". انتهى.
وفِي كتاب الهبة أَيْضاً: ولو أقرّ المعطِي فِي صحته أن المعطَى قد حاز وقبض وشهدت عَلَيْهِ بإقراره بينة ثُمَّ مات لَمْ يقبض بذلك إن أنكر ورثته.
قال عياض: ظاهره بيد من كانت حين المخاصمة فهذا الحكم فِيهَا وهو عَلَى قول عبد الملك وابن حبيب، وقال مطرف وأصبغ: إن كانت بيد المتصدق عَلَيْهِ وقت الاختلاف فذلك يكفِيهِ مع ثبوت أصل الصدقة والبينة عَلَى من يريد إخراجها من يده.
قال أبو الحسن الصغير: "وسبب الخلاف الاستصحاب؛ لأن استصحاب الملك لا ينتقل عنه إِلا بيقين، واستصحاب هذا الانتقال أنّه كَانَ بوجهٍ جائز " انتهى فتأمل كلامه هذا كله مع تنزيل المصنف. والله سبحانه وتعالى أعلم.

متن الخليل:
ولِلأَمِينِ بَيْعُهُ بِإِذْنٍ فِي عَقْدِهِ.
الشرح:
قوله: (ولِلأَمِينِ بَيْعُهُ بِإِذْنٍ فِي عَقْدِهِ) إنما جَازَ وإن كَانَ فِي نفس العقد؛ لأنه محض توكيل سالم عن توهم كون الراهن فِيهِ مكرهاً كما قال ابن عرفة.

متن الخليل:
كَالْمُرْتَهِنِ بَعْدَهُ.
الشرح:
قوله: (كَالْمُرْتَهِنِ بَعْدَهُ) أي بعد العقد لا فِي نفس العقد كذا نسب فِي " التوضيح لصاحب البيان، وابن زرقون.
قال: "لكن نقل المتيطي عن بعض الموثقين منعه؛ لأنه هدية المديان". انتهى والذي لابن رشد فِي رسم شكّ من سماع ابن القاسم أن مذهب "المدونة" و"العتبية": أن ذلك لا يجوز ابتداءً؛ لأنها وكالة اضطرار لحاجته إلى ابتياع ما اشترى أو استقراض ما استقرض ثُمَّ قال: "وأما لو طاع الراهن للمرتهن بعد العقد بأن يرهنه رهناً ويوكله عَلَى بيعه عند حلول أجل الدين لجاز باتفاق؛ لأن ذلك معروف من الراهن إلى المرتهن فِي الرهن والتوكيل عَلَى البيع". انتهى القصد منه فقف عَلَيْهِ كلّه فِي أصله.

متن الخليل:
وإِلا مَضَى فِيهِمَا، ولا يُعْزَلُ الأَمِينُ، ولَيْسَ لَهُ إِيصَاءٌ بِهِ. وبَاعَ الْحَاكِمُ، إِنِ امْتَنَعَ، ورَجَعَ مُرْتَهِنُهُ بِنَفَقَتِهِ فِي الذِّمَّةِ، ولَوْ لَمْ يَأْذَنْ، ولَيْسَ رَهْناً بِهِ إِلا أَنْ يُصَرَّحَ بِأَنَّهُ رَهْنٌ بِهَا.
وهَلْ وإِنْ قَالَ: نَفَقَتُكِ فِي الرَّهْنِ؟ تَأْوِيلانِ. فَفِي افْتِقَارِ الرَّهْنِ لِلَفْظٍ مُصَرَّحٍ بِهِ: تَأْوِيلانِ. وإِنْ أَنْفَقَ مُرْتَهِنٌ عَلَى: كَشَجَرٍ خِيفَ عَلَيْهِ: بُدِئَ بِالنَّفَقَةِ، وتُؤُوِّلَتْ عَلَى عَدَمِ جَبْرِ الرَّاهِنِ عَلَيْهِ مُطْلَقاً، وعَلَى التَّقْيِيدِ بِالتَّطَوُّعِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وضَمِنَهُ مُرْتَهِنٌ، إِنْ كَانَ بِيَدِهِ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ ولَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةٌ بِكَحَرْقِهِ، ولَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ.
الشرح:
قوله: (وَإِلا مَضَى فِيهِمَا) أي وإن قال إن لَمْ آت فوقع البيع من الأمين أو المرتهن مضى.
قال فِي "المدونة": ومن ارتهن رهناً وجعله عَلَى يد عدل أو عَلَى يد المرتهن إلى أجل كذا، وشرط إن جاء الراهن بحقه إلى ذلك الأجل وإِلا فلمن عَلَى يديه الرهن بيعه فلا يباع إِلا بإذن السلطان، وإن اشترط ذلك فإن بيع نفذ بيعه ولا يردّ.

متن الخليل:
أَوْ عُلِمَ احْتِرَاقُ مَحَلِّهِ، إِلا بِبَقَاءِ بَعْضِهِ مُحْرَقاً.
الشرح:
قوله: (أَوْ عُلِمَ احْتِرَاقُ مَحَلِّهِ، إِلا بِبَقَاءِ بَعْضِهِ مُحْرَقاً) الضمير فِي محلّه يعود عَلَى الرهن أي المحل المعتاد للرهن الذي لا ينتقل منه عادة، وبه تقيّد فتوى الباجي بعدم الضمان فِي العلم.
تنبيه:
لم يعرّج هنا عَلَى ما اشترط ابن المواز من أن يعلم أن النار من غير سبب المرتهن؛ كأنه حمله عَلَى الخلاف، وقد نقل فِي "التوضيح"الخلاف فِي كونه خلافًاً أو تفسيراً.

متن الخليل:
وأَفْتَي بِعَدَمِهِ فِي الْعِلْمِ.
الشرح:
قوله: (وَأَفْتَي بِعَدَمِهِ فِي الْعِلْمِ) ذكر هنا فِي "التوضيح"فتيا الباجي والمازري والسيوري، واقتصر ابن عرفة عَلَى الأولى.

متن الخليل:
وإِلا فَلا، ولَوِ اشْتَرَطَ ثُبُوتَهُ، إِلا أَنْ يُكَذِّبَهُ عُدُولٌ فِي دَعْوَاهُ مَوْتَ دَابَّةٍ.
الشرح:
قوله: (وإِلا فَلا) أي لَمْ يكن بيده أو كَانَ مما لا يغاب عَلَيْهِ أو شهدت بينة بحرقه، أو علم احتراق محلّه وبقي منه شيء محرق فلا ضمان عَلَيْهِ.

متن الخليل:
وحَلَفَ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ أنّه تَلِفَ بِلا دُلْسَةٍ، ولا يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ واسْتَمَرَّ ضَمَانُهُ، إِنْ قُبِضَ الدَّيْنُ، أَوْ وُهِبَ، إِلا أَنْ يُحْضِرَهُ الْمُرْتَهِنُ، أَوْ يَدْعُوهُ لأَخْذِهِ، فَيَقُولُ: أَتْرُكُهُ عِنْدَكَ. وإِنْ جَنَى الرَّهْنُ واعْتَرَفَ رَاهِنُهُ لَمْ يُصَدَّقْ إِنْ أَعْدَمَ، وإِلا بَقِيَ، إِنْ فَدَاهُ، وإِلا أُسْلِمَ بَعْدَ الأَجَلِ، ودَفْعِ الدَّيْنِ وإِنْ ثَبَتَتْ، أَوِ اعْتَرَفَا وأَسْلَمَهُ، فَإِنْ أَسْلَمَهُ مُرْتَهِنُهُ أَيْضاً، فَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِمَالِهِ، وإِنْ فَدَاهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَفِدَاؤُهُ فِي رَقَبَتِهِ فَقَطْ، إِنْ لَمْ يُرْهَنْ بِمَالِهِ ولَمْ يُبَعْ إِلا فِي الأَجَلِ.
الشرح:
قوله: (وحَلَفَ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ أنّه تَلِفَ بِلا دُلْسَةٍ، ولا يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ) بهذا قال يحيي ابن مزين قال ابن عرفة: ولو ادعى الراهن تغييب المرتهن الرهن فقال العتبي: لا يمين عَلَيْهِ إِلا أن يدعي الراهن علم ذلك، وأنّه أخبره بذلك من وثق به، فإن حلف حلف له المرتهن.
وقال ابن مزين يحلف لقد ضاع وما دلس فِيهِ وما يعلم له موضعاً، وأنكر قول العتبي، وقال: يمين توجب يميناً هذا لا يكون، وأجابه العتبي بأن اللعان اليمين فِيهِ توجب يميناً.
وقال ابن حارث: إن كَانَ ممن يتهم بذلك حلف وإِلا فلا.

متن الخليل:
وبِإِذْنِهِ فَلَيْسَ رَهْناً بِهِ، وإِذَا قُضِيَ بَعْضُ الدَّيْنِ أَوْ أُسْقِطَ، فَجَمِيعُ الرَّهْنِ فِيمَا بَقِيَ كَاسْتِحْقَاقِ بَعْضِهِ، والْقَوْلُ لِمُدَّعِي نَفْيِ الرَّهْنِيَّةِ، وهُوَكَالشَّاهِدِ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ، لا الْعَكْسُ إِلَى قِيمَتِهِ، ولَوْ بِيَدِ أَمِينٍ عَلَى الأَصَحِّ، مَا لَمْ يَفُتْ فِي ضَمَانِ الرَّاهِنِ، وحَلَفَ مُرْتَهِنُهُ، وأَخَذَهُ إِنْ لَمْ يَفْتَكَّهُ.
الشرح:
قوله: (وبِإِذْنِهِ فَلَيْسَ رَهْناً بِهِ) تبع هنا ابن الحاجب فِي الاقتصار عَلَى قول ابن المواز وهو أحد قولي أشهب، وترك قول مالك وابن القاسم يكون رهناً به، ونقل ابن يونس قول أشهب: أنّه لا يكون رهناً، ثُمَّ عارض بين قوله وقول ابن القاسم فِي هذه المسألة بقوليهما فِي مسألة اللؤلؤ من كتاب الوكالات، إِذَا أمر رجلاً أن يشتري له لؤلؤاً وقال له: انقد عني؛ فإن ابن القاسم عدّه مسلفا ولا يرى له إمساك اللؤلؤ بثمنه. وأشهب يرى له إمساكه رهناً قال: فخالف كل منهما أصله، وقد نقل هذا كله فِي "التوضيح".
وأصل هذه المعارضة لأبي إسحاق التونسي النظار، وله نسبها ابن عرفة، وزاد: ويجاب لابن القاسم بأن الدافع فِي الجناية مرتهن فانسحب عَلَيْهِ حكم وصفه. ولأشهب بتقدم اختصاص الراهن بملك العبد قبل جنايته، فاستصحب وعدم تقدم اختصاص الأمر بالسلعة قبل الشراء". انتهى.
وأما ابن عبد السلام فقال: ظاهر ما فِي كتاب محمد عن ابن القاسم أنّه يكون رهناً بالفداء والدين.
وهكذا فهم ذلك بعضهم وفِيهِ نظر؛ ولذلك والله تعالى أعلم أسقطه ابن الحاجب. انتهى.
ولعلّ المصنف عَلَيْهِ اعتمد هنا، وإن لَمْ يعرج عَلَيْهِ فِي "توضيحه".

متن الخليل:
فَإِنْ زَادَ حَلَفَ الرَّاهِنُ، وإِنْ نَقَصَ حَلَفَا، وأَخَذَهُ إِنْ لَمْ يَفْتَكَّهُ بِقِيمَتِهِ.
الشرح:
قوله: (فَإِنْ زَادَ حَلَفَ الرَّاهِنُ، وإِنْ نَقَصَ حَلَفَا) الضمير فِي (زاد) للمرتهن، وفي (نقص) للراهن، وفِي (حلفا) لهما، وبهذا شرح فِي "التوضيح"كلام ابن الحاجب وبه يطابق اللفظ المعنى والفاء فِي (فإن نقص) تشعر أن المسألة بحالها فهي أولى من الواو.

متن الخليل:
وإِنِ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ تَالِفٍ تَوَاصَفَاهُ، ثُمَّ قُوِّمَ، وإِنِ اخْتَلَفَا، فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ.
الشرح:
قوله: (وإِنِ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ تَالِفٍ تَوَاصَفَاهُ). تالف اسم فاعل من تلف، وقد أفرط فِي التصحيف من ضبطه بباء الجر الداخلة عَلَى (ألف): أحد عقود الأعداد فأحوجه ذلك إلى الاعتذار بأنه عَلَى سبيل التمثيل، وإِلا فلا فرق بين الألف والمائة وغيرهما.

متن الخليل:
وإِنْ تَجَاهَلا، فَالرَّهْنُ بِمَا فِيهِ، واعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْحُكْمِ، إِنْ بَقِيَ. وهَلْ يَوْمَ التَّلَفِ أَوِ الْقَبْضِ أَوِ الرَّهْنِ إِنْ تَلِفَ؟ أَقْوَالٌ. وإِنِ اخْتَلَفَا فِي مَقْبُوضٍ فَقَالَ الرَّاهِنُ عَنْ دَيْنِ الرَّهْنِ وُزِّعَ بَعْدَ حَلِفِهِمَا كَالْحَمَالَةِ.
الشرح:
قوله: (وإِنْ تَجَاهَلا، فَالرَّهْنُ بِمَا فِيهِ) عبّر عن هذا فِي "التوضيح"بأن قال: وإن جهل الراهن والمرتهن قيمته وصفته فالرهن بما فِيهِ وليس لأحدهما قبل الآخر شيء، وعَلَى هذا حمل أصبغ الحديث الرهن بما فِيهِ قيل، ولا خلاف عندنا فِي ذلك. انتهى وأصله للخمي، وعلله بأن كلّ واحدٍ منهما لا يدري هل يفضل له عند صاحبه شيء أم لا.

.باب التفليس:

لِلْغَرِيمِ مَنْعُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ مِنْ تَبَرُّعِهِ، وسَفَرِهِ إِنْ حَلَّ بِغَيْبَتِهِ.
الشرح:
قوله: (وسَفَرِهِ إِنْ حَلَّ بِغَيْبَتِهِ) الضمير فِي سفره يعود عَلَى المديان لا بقيد كونه أحاط الدين بماله؛ ولذلك أطلقه فِي "المدونة" إذ قال فِي السلم الثالث منها: ولك منع غريمك من بعيد السفر الذي يحل دينك قبل قدومه، ولا تمنعه من قريبه الذي يؤوب فِيهِ قبل محل أجل دينك.
قال بعض الشيوخ: ما لَمْ يوكل من يوفِيهِ.
قال ابن عبد السلام: وظاهر "المدونة" أنّه يمنع من بعيد السفر ولا يقبل منه توكيل؛ لكن هذا التقييد متجه إن كَانَ الوكيل ضامناً للحقّ وهو مليّ أو كَانَ للمديان مال يمكن منه القضاء بسهولة عند الأجل. انتهي.
وهو نصّ فِي عدم اختصاصه بمن أحاط الدين بماله، ولعلّ المصنف لَمْ يقيدها بعدم التوكيل اعتماداً عَلَى ما نسب ابن عبد السلام لظاهر "المدونة" عَلَى أنّه أضرب عن نقل هذا الاستظهار فِي "التوضيح".

متن الخليل:
وإِعْطَاءِ غَيْرِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ، أَوْ كُلَّ مَا بِيَدِهِ كَإِقْرَارِهِ لِمُتَّهَمٍ عَلَيْهِ عَلَى الْمُخْتَارِ والأَصَحِّ، لا بَعْضِهِ ورَهْنِهِ، وفِي كِتَابَتِهِ قَوْلانِ.
الشرح:
قوله: (وَإِعْطَاءِ غَيْرِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ، أَوْ كُلَّ مَا بِيَدِهِ) كذا فِي "التوضيح"وَنسب الأول لبعض القرويين والثاني للسيوري، وأصل النقل للمازري ونصه عَلَى اختصار ابن عرفة، قصر السيوري الخلاف في قضاء بعض غرمائه عَلَى إمساكه بعض ماله ليعامل به الناس قال: ولو قضى ما بيده بعض غرمائه لَمْ يجز اتفاقاً للمعنى الذي فرق به بين إعتاقه وقضائه بعض غرمائه يعني أن قضاءه بعض غرمائه يؤدي إلى الثقة به فِي معاملته، وإِذَا عومل نمى ماله بِخِلاف إعتاقه.
ثم قال المازري: ونحوه رأيت فِي بعض التعاليق لبعض القرويين: أنّه لو عجّل ديناً لبعض غرمائه قبل حلوله لَمْ يختلف فِي ردّه؛ لأنه لَمْ يعامل عَلَى ذلك، وحكيته فِي بعض الدروس بحضرة بعض المفتين فقال: يردّ من وجه آخر وهو أن قيمة المؤجل أقل من عدده معجلاً، فالزائد عَلَى قيمته هبة تردّ اتفاقاً وهو صحيح. ويبقى النظر: هل يردّ جميعاً أو ما زاد عدده عَلَى قيمته مؤجلاً؟ قال ابن عرفة: فِي جعله إياه محل نظرٍ، نظرٌ؛ لأن ردّ ما زاد يؤدي إلى ضع وتعجل فيزال فاسد لحقّ آدمي بارتكاب فاسد لحقّ الله تعالى، والأخص يمنع ما منع الأعمّ. انتهى.
وتأمل هل يجاب بأن ما تجر إليه الأحكام ليس كالمدخول عَلَيْهِ قصداً.

متن الخليل:
ولَهُ التَّزَوُّجُ.
الشرح:
قوله: (ولَهُ التَّزَوُّجُ) قال فِي "المقدمات": "يجوز إنفاقه المال عَلَى عوض فِيمَا جرت العادة بفعله كالتزويج والنفقة عَلَى الزوجة". انتهى.
وهذا قبل التفليس، وأما بعده فقال فِي "المدونة": وليس للمفلس أن يتزوج بالمال الذي فلس فِيهِ وله أن يتزوج فِيمَا بعده.

متن الخليل:
وفِي تَزَوُّجِهِ أَرْبَعاً، وتَطَوُّعِهِ بِالْحَجِّ تَرَدُّدٌ، وفُلِّسَ حَضَرَ أَوْ غَابَ، إِنْ لَمْ يُعْلَمْ مَلاؤُهُ بِطَلَبِهِ.
الشرح:
قوله: (وَفِي تَزَوُّجِهِ أَرْبَعاً، وتَطَوُّعِهِ بِالْحَجِّ تَرَدُّدٌ) لما ذكر فِي "المقدمات" أفعاله قبل التفليس قال: لا يجوز إنفاقه فِيمَا لَمْ تجر العادة بفعله من الكراء فِي حج التطوع وشبهه، وانظر: هل له أن يحجّ حجّة الفريضة من مال غرمائه أم لا؟ , إن كَانَ يأتي ذلك عَلَى الاختلاف فِي الحج: هل هو عَلَى الفور؟ أو عَلَى التراخي، وهل له أن يتزوج أربع زوجات؟ وتدبر ذلك انتهى، وإليه أشار بالتَرَدُّدٌ؛ إِلا أن ابن رشد لَمْ يتَرَدُّدٌ فِي حجّ التطوع، وإنما تَرَدُّدٌ فِي حجّة الفريضة، فلعلّ مراد المصنف التطوع بتقديم حجة الفريضة، وسماه تطوعاً باعتبار القول بالتراخي.
تنبيهان:
الأول: معنى قول ابن رشد: "وإن كَانَ يأتي ذلك عَلَى الاختلاف فِي الحج، وهل يأتي ذلك؟"، وكثيراً ما يستعمل مثل هذا فِي: "المقدمات"وَ" البيان " و"الأجوبة".
الثاني: لما نقل ابن عرفة تَرَدُّد ابن رشد قال: الظاهر منعه من تزويج ما زاد عَلَى الواحدة لقلّته عادة، وكذا طلاقه وتكرر تزويجه لمطلق شهوته.

متن الخليل:
وإِنْ أَبَى غَيْرُهُ دَيْناً حَلَّ زَادَ عَلَى مَالِهِ، أَوْ بَقِيَ مَا لا يَفِي بِالْمُؤَجَّلِ فَيُمْنَعُ مِنْ تَصَرُّفٍ مَالِيٍّ، لا فِي ذِمَّتِهِ كَخُلْعِهِ، وطَلاقِهِ، وقِصَاصِهِ، وعَفْوِهِ، وعِتْقِ أُمِّ وَلَدِهِ. وتَبِعَهَا مَالُهَا إِنْ قَلَّ، وحَلَّ بِهِ وبِالْمَوْتِ مَا أُجِّلَ، ولَوْ دَيْنَ كِرَاءٍ، أَوْ قَدِمَ الْغَائِبُ مَلِيَّاً، وإِنْ نَكَلَ الْمُفَلَّسُ، حَلَفَ كُلٌّ كَهُوَ، وأَخَذَ حِصَّتَهُ، ولَوْ نَكَلَ غَيْرُهُ عَلَى الأَصَحِّ، وقُبِلَ إِقْرَارُهُ بِالْمَجْلِسِ، أَوْ قُرْبِهِ إِنْ ثَبَتَ دَيْنُهُ بِإِقْرَارٍ لا بِبَيِّنَةٍ، وهُوَفِي ذِمَّتِهِ.
وقُبِلَ تَعْيِينُهُ الْقِرَاضَ والْوَدِيعَةَ، إِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَصْلِهِ والْمُخْتَارُ قُبُولُ قَوْلِ الصَّانِعِ بِلا بَيِّنَةٌ، وحُجِرَ أَيْضاً إِنْ تَجَدَّدَ مَالٌ وانْفَكَّ ولَوْ بِلا حُكْمٍ ولَوْ مَكَّنَهُمُ الْغَرِيمُ فَبَاعُوا واقْتَسَمُوا، ثُمَّ دَايَنَ غَيْرُهُمْ، فَلا دُخُولَ لِلأَوَّلِينَ كَتَفْلِيسِ الْحَاكِمِ إِلا كَإِرْثٍ، وصِلَةٍ وأَرْشِ جِنَايَةٍ وبِيعَ مَالُهُ بِحَضْرَتِهِ بِالْخِيَارِ ثَلاثاً ولَوْ كُتُباً، أَوْ ثَوْبَيْ جُمُعَةٍ، إِنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهُمَا، وفِي بَيْعِ آلَةِ الصَّانِعِ تَرَدُّدٌ وأُوجِرَ رَقِيقُهُ، بِخِلافِ مُسْتَوْلَدَتِهِ، ولا يُلْزَمُ بِتَكَسُّبٍ، وتَسَلُّفٍ واسْتِشْفَاعٍ، وعَفْوٍ لِلدِّيَّةِ، وانْتِزَاعِ مَالِ رَقِيقِهِ أَوْ مَا وهَبَهُ لِوَلَدٍ، وعُجِّلَ بَيْعُ الْحَيَوَانِ واسْتُؤْنِيَ بِعَقَارِهِ، كَالشَّهْرَيْنِ، وقُسِمَ بِنِسْبَةِ الدُّيُونِ بِلا بَيِّنَةِ حَصْرِهِمْ، واسْتُؤْنِيَ بِهِ، إِنْ عُرِفَ بِالدَّيْنِ فِي الْمَوْتِ فَقَطْ، وقُوِّمَ مُخَالِفُ النَّقْدِ يَوْمَ الْحِصَاصِ، واشْتُرِيَ لَهُ مِنْهُ بِمَا خَصَّهُ، ومَضَى إِنْ رَخُصَ أَوْ غَلا، وهَلْ يُشْتَرَى فِي شَرْطِ جَيِّدٍ أَدْنَاهُ أَوْ وَسَطُهُ؟ قَوْلانِ. وجَازَ الثَّمَنُ، إِلا لِمَانِعٍ كَالاقْتِضَاءِ وحَاصَّتِ الزَّوْجَةُ بِمَا أَنْفَقَتْ، وبِصَدَاقِهَا كَالْمَوْتِ، لا بِنَفَقَةِ الْوَلَدِ.
الشرح:
قوله: (فَيُمْنَعُ مِنْ تَصَرُّفٍ مَالِيٍّ) هذا هو المذهب، وأما قول ابن الحاجب: وفِي معاملته ثالثها بالنقد لا بالنسيئة، ورابعها بما يبقى لا بما يذهب.
فقال فِيهِ ابن عبد السلام يعني: أن فِي صحة معاملة المفلس أربعة أقوال:
الأول: الصحة مُطْلَقاً، ومقابله، والثالث: يصح إِذَا كَانَ ما يأخذه المفلس نقداً، ولا يصحّ إِذَا كَانَ مؤجلاًَ، والرابع: يصحّ إِذَا كَانَ ما يأخذه مما لا يسرع إليه التلف؛ ولكنه يبقى عادة كالربع.
قال: ولست عَلَى وثوق من نسبة هذه الأقوال إلى المذهب، بل رأيت من الحُفّاظ من ينكرها، والمنع هو الذي يُعرف فِي المذهب؛ ولأجل ذلك حجر عَلَى المفلس، ولو كَانَ يصّح بيعه وشراؤه ما كَانَ للحجر عَلَيْهِ كبير فائدة، وإنما حكيت هذه الأقوال فِي مستغرق الذمة بالحرام والغصب عَلَى القول بأن حكمه حكم من أحاط الدين بماله لا حكم المفلس وهو الأَظْهَر.
ومنهم من رأى حكمه حكم المفلس فمنع من معاملته مُطْلَقاً، هكذا حرره بعض المحققين من الشيوخ، وكذا أنكر ابن عرفة نقل ابن الحاجب وقال: من أمعن النظر والبحث علم ضرورة عدم وجودها فِي المذهب، وكلّ المذهب عَلَى وقف تصرفه عَلَى نظر الحاكم رداً وإمضاءً، وهذا هو نقل اللخمي والمازري وابن رشد وغيرهم من حفاظ المذهب، فالله تعالي أعلم من أين أتي هذا الرجل بهذه الأقوال.
وقال فِي "التوضيح"الذي اقتصر عَلَيْهِ اللخمي والمازري وابن شاس أن بيعه وشراءه لا يمضي، وفِي " الجلاب": أن بيع المفلس وشراءه جائز ما لَمْ يجاب، ولم أقف عَلَى غير هذين القولين عَلَى أن بعض شراح " ابن الجلاب " تأوله بأن مراده من ظهر عَلَيْهِ الفلس قبل أن يحجر الحاكم عَلَيْهِ....

متن الخليل:
وإِنْ ظَهَرَ دَيْنٌ أَوِ اسْتُحِقَّ مَبِيعٌ وإِنْ قَبْلَ فَلَسِهِ رُجِعَ بِالْحِصَّةِ كَوَارِثٍ، أَوْ مُوصًى لَهُ عَلَى مِثْلِهِ، وإِنِ اشْتَهَرَ مَيِّتٌ بِدَيْنٍ، أَوْ عَلِمَ وَارِثُهُ وأَقْبَضَ رُجِعَ عَلَيْهِ، وأُخِذَ مَلِيءٌ عَنْ مُعْدِمٍ، مَا لَمْ يُجَاوِزْ مَا قَبَضَهُ، ثُمَّ رَجَعَ عَلَى الْغَرِيمِ، وفِيهَا الْبَدَاءَةُ بِالْغَرِيمِ، وهَلْ خِلافٌ، أَوْ عَلَى التَّخْيِيرِ؟ تَأْوِيلانِ، فَإِنْ تَلِفَ نَصِيبُ غَائِبٍ عُزِلَ لَهُ فَمِنْهُ كَعَيْنٍ وُقِفَ لِغُرَمَائِهِ، لا عَرْضٍ وهَلْ إِلا أَنْ يَكُونَ بِكَدَيْنِهِ؟ تَأْوِيلانِ، وتُرِكَ لَهُ قُوتُهُ، والنَّفَقَةُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ لِظَنِّ يُسْرَتِهِ وكِسْوَتُهُمْ كُلٌّ دَسْتاً مُعْتَاداً، ولَوْ وَرِثَ أَبَاهُ بِيعَ لا وُهِبَ لَهُ، إِنْ عَلِمَ وَاهِبُهُ أنّه يُعْتَقُ عَلَيْهِ.
قوله: (وَإِنْ ظَهَرَ دَيْنٌ أَوِ اسْتُحِقَّ مَبِيعٌ وإِنْ قَبْلَ فَلَسِهِ رُجِعَ بِالْحِصَّةِ كَوَارِثٍ، أَوْ مُوصًى لَهُ عَلَى مِثْلِهِ، وإِنِ اشْتَهَرَ مَيِّتٌ بِدَيْنٍ، أَوْ عَلِمَ وَارِثُهُ وأَقْبَضَ رُجِعَ عَلَيْهِ، وأُخِذَ مَلِيءٌ عَنْ مُعْدِمٍ، مَا لَمْ يُجَاوِزْ مَا قَبَضَهُ، ثُمَّ رَجَعَ عَلَى الْغَرِيمِ،، وفِيهَا الْبَدَاءَةُ بِالْغَرِيمِ، وهَلْ خِلافٌ، أَوْ عَلَى التَّخْيِيرِ؟ تَأْوِيلانِ.
الشرح:
اشتمل هذا الكلام عَلَى ثلاثة أقسام:
الأول: طروء الغريم عَلَى الغرماء، وهو المراد بقوله: (وإِنْ ظَهَرَ دَيْنٌ أَوِ اسْتُحِقَّ مَبِيعٌ وإِنْ قَبْلَ فَلَسِهِ رُجِعَ بِالْحِصَّةِ).
الثاني: طروء الوارث على الوارث أو الموصي له عَلَى الموصى له، وهو المراد بقوله: (كَوَارِثٍ، أَوْ مُوصًى لَهُ عَلَى مِثْلِهِ).
الثالث: طروء الغريم عَلَى الوارث، والوارث ضربان: مقبض لغيره من الغرماء وقابض لنفسه، وقد أشار إلى الوارث المقبض بقوله: (وإِنِ اشْتَهَرَ مَيِّتٌ بِدَيْنٍ، أَوْ عَلِمَ وَارِثُهُ وأَقْبَضَ رُجِعَ عَلَيْهِ)، وإلى الوارث القابض بقوله: (وأُخِذَ مَلِيءٌ عَنْ مُعْدِمٍ، مَا لَمْ يُجَاوِزْ مَا قَبَضَهُ)، وباقي كلامه خاصٌّ بالوارث المقبض.
فإن قلت: وأي قرينة تصرفه للمقبض دون القابض؟
قلت: ذكر الرجوع عَلَى الغريم يعين ذلك، فإن الدافع للغريم هو المقبض دون القابض. وبالله تعالى التوفيق.

متن الخليل:
وحُبِسَ لِثُبُوتِ عُسْرِهِ، إِنْ جُهِلَ حَالُهُ ولَمْ يَسْأَلِ الصَّبْرَ لَهُ بِحَمِيلٍ بِوَجْهِهِ.
الشرح:
قوله: (ولَمْ يَسْأَلِ الصَّبْرَ لَهُ) أي لثبوت عسره، واللام لانتهاء الغاية.

متن الخليل:
فَغَرِمَ، إِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ ولَوْ أُثْبِتَ عُدْمُهُ.
الشرح:
قوله: (فَغَرِمَ، إِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ ولَوْ أُثْبِتَ عُدْمُهُ) اختار المصنف هنا قول ابن رشد فِي: "المقدمات": يغرم الحميل لتعذر اليمين اللازمة للغريم، وقال فِي باب: الحمالة: لا إن أثبت عدمه، فاقتصر عَلَى قول اللخمي: لا يغرم؛ لأن اليمين بعد ثبوت الفقر أنّه لَمْ يكتم شيئاً استحسان، إِلا أن يكون ممن يظن أنّه يكتم، وقد ذكر الطريقتين هنا فِي "التوضيح" وكذلك ابن عرفة.

متن الخليل:
أَوْ ظَهَرَ مَلاؤُهُ إِنْ تَفَالَسَ، وإِنْ وَعَدَ بِقَضَاءٍ وسَأَلَ تَأْخِيرَ كَالْيَوْمِ أَعْطَى حَمِيلاً بِالْمَالِ، وإِلا سُجِنَ كَمَعْلُومِ الْمَلاءِ وأُجِّلَ لِبَيْعِ عَرْضِهِ إِنْ أَعْطَى حَمِيلاً بِالْمَالِ، وَإِلا سُجِنَ. وَفِي حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ النَّاضِّ تَرَدُّدٌ.
الشرح:
قوله: (أَوْ ظَهَرَ) معطوف عَلَى (إن جهل).

متن الخليل:
وإِنْ عُلِمَ بِالنَّاضِّ. لَمْ يُؤَخَّرْ، وضُرِبَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وإِنْ شُهِدَ بِعُسْرِهِ أنّه لا يُعْلَمُ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ، ولا بَاطِنٌ، حَلَفَ كَذَلِكَ وزَادَ وإِنْ وَجَدَ لَيَقْضِيَنَّ وأُنْظِرَ.
الشرح:
قوله: (وَإِنْ شُهِدَ بِعُسْرِهِ أنّه لا يُعْلَمُ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ، ولا بَاطِنٌ، حَلَفَ كَذَلِكَ وزَادَ وإِنْ وَجَدَ لَيَقْضِيَنَّ وأُنْظِر) فهم من قوله: (لا يعلم) أن الشهادة عَلَى العلم لا عَلَى البتّ، وكذا نصّ عَلَيْهِ ابن رشد فِي رسم نقدها من سماع عيسى. زاد ابن عات: ولا يعلمونه تبدلت حالته بغيرها إلى حين إيقاعهم شهادتهم فِي هذا الكتاب.
ابن رشد: فإن قال الشهود أنّه فقيرٌ عديمٌ لا مال له ظاهراً ولا باطناً ففي بطلانها قَوْلانِ بناءً عَلَى حملها عَلَى ظاهرها عَلَى البتّ أو عَلَى العلّم، ولو نصّوا عَلَى البتّ والقطع لبطلت.
وفهم من قوله: (حلف كذلك) أنّه يحلف أَيْضاً عَلَى العلم لا عَلَى البتّ، وقد قال فِي " توضيحه": "وإِذَا حلف المطلوب فقال أبو عمران يحلف عَلَى البت، وقال غيره: عَلَى العلّم، إذ قد يكون ملك مالاً من إرثٍ أوهبةٍ ولم يعلم به." انتهى.
والذي فِي "المقدمات": أنّه إنما وجب استحلافه؛ لأن البينة لا تشهد إِلا عَلَى العلّم لا القطع، وفائدة قوله: (وإن وجد ليقضين) تظهر فِيمَا إِذَا ادعى الطالب عَلَيْهِ أنّه أفاد مالاً، ولم يأت ببينة فإنه لا يمين له عَلَيْهِ؛ لتقدم هذه اليمين قاله فِي "المقدمات"أَيْضاً، ولولا هذا لأحلفه كل يوم، قاله المتيطي.

متن الخليل:
وحَلَّفَ الطَّالِبَ إِنِ ادَّعَى عَلَيْهِ عِلْمَ الْعُدْمِ. وإِنْ سَأَلَ تَفْتِيشَ دَارِهِ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ، ورُجِّحَتْ بَيِّنَةُ الْمَلاءِ إِنْ بَيَّنَتْ، وأُخْرِجَ الْمَجْهُولُ إِنْ طَالَ حَبْسُهُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ، والشَّخْصِ.
الشرح:
قوله: (وَحَلَّفَ الطَّالِبَ إِنِ ادَّعَى عَلَيْهِ عِلْمَ الْعُدْمِ) كذا قال المتيطي وغيره، واختصر ابن عرفة: إن زعم المدين علم ربّ الدين عدمه لزمته اليمين أنّه ما يعلم عدمه، فإن نكل حلف المدين، وقاله غير واحدٍ من الفقهاء، وبه كَانَ يفتي ابن الفخار، قال ابن عرفة: وكَانَ بعض قضاة بلدنا تونس لا يحكم بهذه اليمين، وهو حسن فيمن لا يظن به علم حال المدين لبعده عنه.

متن الخليل:
وحُبِسَ النِّسَاءُ عِنْدَ أَمِينَةٍ، أَوْ ذَاتِ أَمِينٍ، والسَّيِّدُ لِمُكَاتِبِهِ، والْجَدُّ، والْوَلَدُ لأَبِيهِ، لا عَكْسُهُ كَالْيَمِينِ إِلا الْمُنْقَلِبَةِ والْمُتَعَلِّقُ بِهَا حَقٌّ لِغَيْرِهِ، ولَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ كَالأَخَوَيْنِ.
الشرح:
قوله: (وَحُبِسَ النِّسَاءُ عِنْدَ أَمِينَةٍ، أَوْ ذَاتِ أَمِينٍ) أي: عند أمينة أيم أو ذات زوج أمين. فالعطف عَلَى محذوف، وقد صرّح بذلك ابن الحاجب فقال: وتؤتمن عَلَيْهِنّ أمينة أيم، أو ذات زوجٍ مأمون.

متن الخليل:
والزَّوْجَيْنِ إِنْ خَلا، ولا يَمْنَعُ مُسْلِماً وخَادِماً.
الشرح:
قوله: (وَالزَّوْجَيْنِ إِنْ خَلا) كذا نصّ عَلَيْهِ محمد: إِذَا سجنا معاً فِي حقٍ عَلَيْهِما.

متن الخليل:
بِخِلافِ زَوْجَةٍ. وَأُخْرِجَ لِحَدٍّ. أَوْ ذِهَابِ عَقْلِهِ لِعَوْدِهِ. وَاسْتُحْسِنَ بِكَفِيلٍ بِوَجْهِهِ لِمَرَضِ أَبَوَيْهِ. وَوَلَدِهِ. وأَخِيهِ وقَرِيبٍ جِدَّاً لِيُسَلِّمَ لا جُمْعَةٍ. وَعِيدٍ. وَعَدُوٍّ. إِلا لِخَوْفِ قَتْلِهِ. أَوْ أَسْرِهِ. ولِلْغَرِيمِ أَخْذُ عَيْنِ مَالِهِ الْمُحَازِ عَنْهُ فِي الْفَلَسِ لا الْمَوْتِ. ولَوْ مَسْكُوكاً. أَوْ آبِقاً. ولَزِمَهُ إِنْ لَمْ يَجِدْهُ إِنْ لَمْ يَفِدْهُ غُرَمَاؤُهُ. ولَوْ بِمَالِهِمْ. وأَمْكَنَ لا بُضْعٌ. وعِصْمَةٌ. وقِصَاصٌ. ولَمْ يَنْتَقِلْ لا إِنْ طُحِنَتِ الْحِنْطَةُ.أَوْ خُلِطَ بِغَيْرِ مِثْلٍ.أَوْ سُمِّنَ زُبْدُهُ، أَوْ فُصِّلَ ثَوْبُهُ أَوْ ذُبِحَ كَبْشُهُ، أَوْ تَتَمَّرَ رُطَبُهُ، كَأَجِيرِ رَعْيٍ، ونَحْوِهِ وذي حَانُوتٍ فِيمَا بِهِ.
الشرح:
قوله: (بِخِلافِ زَوْجَةٍ) أي: فلا تدخل عَلَيْهِ إِذَا سجن.
قاله سحنون، وليس قول سحنون عند المصنف بِخِلاف لقول محمد فوقه؛ إذ لَمْ يتواردا عَلَى محلٍ واحد، عَلَى أن ابن رشد قد قال فِي " نوازل " سحنون: قول محمد للزوجين أن يجتمعا فِي السجن خلاف قول سحنون: ليس له أن تدخل إليه امرأته، وقول سحنون أظهر، وقبله ابن عرفة.

متن الخليل:
ورَادٍّ لِسِلْعَةٍ بِعَيْبٍ.
الشرح:
قوله: (ورَادٍّ لِسِلْعَةٍ بِعَيْبٍ) يعني إِذَا ردّ السلعة بعيبٍ ففلس البائع قبل أن يردّ إليه الثمن، فوجد المبتاع السلعة قائمة بيد البائع المفلس فإنه يكون أحقّ بها من الغرماء إن شاء عَلَى القول بأن الردّ بالعيب ابتداء بيع، وأما عَلَى القول بأنه نقض بيع فلا يكون له إليها سبيل، هذا نصّ "المقدمات"، وعَلَيْهِ ينبغي أن يحمل كلام المصنف وإن أردت الزيادة فقف عَلَى باقي نصّ "المقدمات"وَعَلَى ما فِي سماع عيسى فِي كتاب " المديان والتفليس " وعَلَى معارضة ابن عرفة له بما للخمي.

متن الخليل:
وإِنْ أُخِذَتْ عَنْ دَيْنٍ وهَلِ الْقَرْضُ كَذَلِكَ، وإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ مُقْتَرِضُهُ، أَوْ كَالْبَيْعِ؟ خِلافٌ، ولَهُ فَكُّ الرَّهْنِ، وحَاصَّ بِفِدَائِهِ.لا بِفِدَاءِ الْجَانِي.
الشرح:
قوله: (وَإِنْ أُخِذَتْ عَنْ دَيْنٍ) تصوره ظاهر ولم أقف عَلَيْهِ لمن قبله إِلا فِي مسألة البيع الفاسد التي ذكر فِيهَا بعد هذا ثلاثة أقوال.

متن الخليل:
ونَقْضُ الْمُحَاصَّةِ إِنْ رُدَّتْ بِعَيْبٍ.
الشرح:
قوله: (وَنَقْضُ الْمُحَاصَّةِ إِنْ رُدَّتْ بِعَيْبٍ) هذه مسألة مستقلة؛ لأن نقض المحاصّة يقتضي ردّ الحصّة وأخذ السلعة.

متن الخليل:
ورَدُّهَا، والْمُحَاصَّةُ بِعَيْبٍ سَمَاوِيٍّ، أَوْ مِنْ مُشْتَرِيهِ، أَوْ أَجْنَبِيٍّ إن لَمْ يأخذ أرشاً، أَوْ أَخَذَهُ وعَادَ لِهَيْئَتِهِ.
الشرح:
قوله: (وَرَدُّهَا، والْمُحَاصَّةُ بِعَيْبٍ سَمَاوِيٍّ، أَوْ مِنْ مُشْتَرِيهِ، أَوْ أَجْنَبِيٍّ إن لَمْ يأخذ أَوْ أَخَذَهُ وعَادَ لِهَيْئَتِهِ) أي: وله أن يردّ السلعة ويحاصّ بجميع ثمنها بسبب وجود عيب سماوي وما عطف عَلَيْهِ.

متن الخليل:
وإِلا فَبِنِسْبَةِ نَقْصِهِ ورَدُّ بَعْضِ ثَمَنٍ قُبِضَ، وأَخْذُهَا، وأَخْذُ بَعْضِهِ، وحَاصَّ بِالْفَائِتِ كَبَيْعِ أُمٍّ وَلَدَتْ، وإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ بَاعَ الْوَلَدَ، فَلا حِصَّةَ، وأَخَذَ الثَّمَرَةَ، والْغَلَّةَ، إِلا صُوفاً تَمَّ، وثَمَرَةً مُؤَبَّرَةً، وأَخَذَ الْمُكْرِي دَابَّتَهُ، وأَرْضَهُ، وقُدِّمَ فِي زَرْعِهَا فِي الْفَلَسِ. ثُمَّ سَاقِيهِ. ثُمَّ مُرْتَهِنُهُ والصَّانِعُ أَحَقُّ، ولَوْ بِمَوْتٍ بِمَا بِيَدِهِ، وإِلا فَلا.إِنْ لَمْ يُضِفْ لِصَنْعَتِهِ شَيْئاً إِلا النَّسْجَ، فَكَالْمَزِيدِ يُشَارِكُ بِقِيمَتِهِ والْمُكْتَرِي بِالْمُعَيَّنَةِ، وبِغَيْرِهَا إِنْ قُبِضَتْ، ولَوْ أُدِيرَتْ ورَبُّهَا بِالْمَحْمُولِ وإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مَا لَمْ يَقْبِضْهُ رَبُّهُ. وفِي كَوْنِ الْمُشْتَرِي أَحَقَّ بِالسِّلْعَةِ يُفْسَخُ لِفَسَادِ الْبَيْعِ، أَوْ لا أَوْ فِي النَّقْدِ؟ أَقْوَالٌ. وهُوَأَحَقُّ بِثَمَنِهِ، وبِالسِّلْعَةِ إِنْ بِيعَتْ بِسِلْعَةٍ واسْتُحِقَّتْ.
الشرح:
قوله: (وَإِلا فَبِنِسْبَةِ نَقْصِهِ) أي: وإن لَمْ يكن أحد الوجوه الأربعة حاصّ بنسبة نقصه إن شاء.

متن الخليل:
وقُضِيَ بِأَخْذِ الْمَدِينِ الْوَثِيقَةَ أَوْ تَقْطِيعِهَا، لا صَدَاقٍ قُضِيَ، ولِرَبِّهَا رَدُّهَا إِنِ ادَّعَى سُقُوطَهَا.
الشرح:
قوله: (وَقُضِيَ بِأَخْذِ الْمَدِينِ الْوَثِيقَةَ أَوْ تَقْطِيعِهَا، لا صَدَاقٍ قُضِيَ، ولِرَبِّهَا رَدُّهَا إِنِ ادَّعَى سُقُوطَهَا) هذه المسائل مشروحة آخر رهون المتيطية.

متن الخليل:
ولِرَاهِنٍ بِيَدِهِ رَهْنُهُ بِدَفْعِ الدَّيْنِ.
الشرح:
قوله: (وَلِرَاهِنٍ بِيَدِهِ رَهْنُهُ بِدَفْعِ الدَّيْنِ) كذا فِي "المدونة".

متن الخليل:
كَوَثِيقَةٍ زَعَمَ رَبُّهَا سُقُوطَهَا.
الشرح:
قوله: (كَوَثِيقَةٍ زَعَمَ رَبُّهَا سُقُوطَهَا) المتبادر أنّه مناقض لما فوقه؛ ولعلّك تلتمس له مخرجاً يساعد المنصوص ويزيل التناقض. نعم لو شبه مسألة الرهن بوثيقة ممحوة، زعم ربّها أنّه إنما محاها لظن القضاء، لكان ذلك حسناً، فقد وقع فِي رسم العرية من سماع عيسى من كتاب: "المديان والتفليس": سئل عن رجلٍ قام بذكر حقٍ له ممحو عَلَى رجلٍ، فطلب منه ما فِيهِ وأقام عَلَيْهِ بما فِيهِ البينة، فادعى الغريم أنّه قد قضاه إياه ومحاه عنه، فهل يلزمه الحقّ أو ما ترى؟
فقال ابن القاسم: يلزمه الحقّ إِذَا ثبتت البينة ويحلف بالله ما قضاه ولا محاه عنه.
وعن رجلٍ قام بذكر حقٍ ممحو عَلَى رجلٍ، وأقرّ صاحب ذكر الحقّ أنّه محاه، وظنّ أنّه قد قضاه وله بينة عَلَى ما فِيهِ، وقال الغريم قد قضيته وما محاه إِلا عن قبض فما ترى؟ قال ابن القاسم: يحلف الغريم بالله لقد قضاه ولا شيء عَلَيْهِ، وهذه مخالفة للأولى؛ لأن هذا أقرّ له بأنه محاه، قال ابن رشد: الفرق بين المسألتين بيّن عَلَى ما قاله، ولا اختلاف فِي المسألة الأولى، وأما الثانية فيتخرج فِيهَا بالمعنى اختلاف حسبما ذكرته أول رسم من سماع ابن القاسم" انتهى.
وقصدنا منه المسألة الثانية. وانظر ثالثة مسائل سماع ابن القاسم، من الكتاب المذكور.

متن الخليل:
ولَمْ يَشْهَدْ شَاهِدَاهَا إِلا بِهَا.
الشرح:
قوله: (وَلَمْ يَشْهَدْ شَاهِدَاهَا إِلا بِهَا) الظاهر إنها جملة مستأنفة لا حالية؛ وعَلَى هذا فالمعنى: ولا يجوز أن يشهد شاهداً وثيقة الدين بما فِيهَا إِلا بحضورها.
قال المتيطي: قال أبو عمر فِي كافِيهِ: وإِذَا كتب الشاهد شهادته فِي ذكر الحقّ، وطولب بها وزعم المشهود عَلَيْهِ أنّه قد ودى ذلك الحقّ لَمْ يشهد الشاهد حَتَّى يؤتى بالكتاب الذي فِيهِ شهادته بخطّه؛ لأن الذي عَلَيْهِ أكثر الناس أخذ الوثائق إِذَا أدوا الدّيون، وقد اختلفوا: إِذَا أحضر المديان الوثيقة وقال: إنها لَمْ تصل إليه إِلا بدفع ما فِيهَا، وقال ربّ الدين سقطت منّي؟.
فقيل: يشهد له؛ لإمكان ما ذكره، وقيل لا يشهد له؛ لأن ربّ الدين لَمْ يأت بما يشبهه فِي الأغلب؛ لأن الأغلب دفع الوثيقة إلى من هي عَلَيْهِ إِذَا أدى الدين، وأما الحاكم فيجتهد فِي ذلك إن شهد عنده، وفِي كتاب ابن حبيب: "ومن زعم أنّ صكّه بالحقّ ضاع منه، وسأل الشاهد أن يشهد له بما حفظه منه فذلك له إن حفظ ذلك.
قاله مطرف.
وقال ابن الماجشون: لا يشهد له". انتهى.
وجعل الشارح الجملة حاليّة؛ لأنه قال فِي " الصغير": والحكم فِي الوثيقة، يزعم ربّها سقوطها، وأبى شاهداها أن يشهدا إِلا بها: كذلك، أما إِذَا شهدت البينة بغير الوثيقة فلا احتياج إليها". انتهى، وكأنه فهم أنّ هذه الساقطة لَمْ تصل ليد المديان فلا تناقض ما قبلها. فليتأمل.