فصل: الطريقة العشرون : إصلاح ذات البين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: ثلاثون طريقة لخدمة الدين **


الطريقة العشرون ‏:‏ إصلاح ذات البين

من أكثر ما يتألم له قلب غيور على دين الله تعالى ‏:‏ ما نراه كل يوم من اتساع هوة الخلافات بين الأفراد والجماعات – على نطاق الصحوة الإسلامية – وبين كل الناس وفي كل مكان – على نطاق المجتمع المسلم كله ‏.‏

ولا شك أن هذا من شؤم تنكب الصراط المستقيم ، وهجران المنهج الصحيح ، وخطأ التربية الإسلامية القويمة ، مما يستتبع بالضرورة نهضة لاستدراك هذا الخطأ ، وذلك بمحاربة الفرقة ، والتأكيد على مبادئ الوحدة ولم الشمل وجمع الصف ‏.‏

وقد يتساءل البعض ، كيف يمكن أن نتصور هذا العمل طريقة من طرق خدمة الدين ‏؟‏

وأنا أخبرك أيها اللبيب ، كيف نستطيع أن نبني أمة واحدة ، ونبدأ في تأسيس هذا البنيان بالمجهودات البسيطة ، التي قد يظنها بعض الناس هزلا ، وما هي إلا الجد الذي لا هزل فيه ‏.‏

قال الله تعالى ‏:‏ ‏{‏ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ‏}‏ ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏ وكل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة ‏)‏ ‏.‏

لقد درس بعض الباحثين في المجال الاقتصادي عن سبب تفوق اليابان على الدول الغربية في المجال الصناعي والتقني والإداري ، مع أن الدول الغربية أسبق في كل هذه المجالات ‏.‏

فخلص هذا الباحث إلا أن التنمية اليابانية بما فيها من حركة اقتصادية وصناعية وإدارية تتضمن عنصرا اجتماعيا حيويا ليس موجودا في المجتمع الرأسمالي الغربي ، ألا وهو الروح الجماعية في آلية التنمية اليابانية ، ويعني بذلك أن الصناعة والتجارة والإدارة اليابانية – وإن كانت رأسمالية – ولكنها كانت بعيدة عن الفردية المتطرفة التي نادى بها رأسماليوا الولايات المتحدة ، والتي هي أشبه ما تكون بالإقطاع ، أو نظام الرق المقنن ‏.‏

إن عجلة التنمية اليابانية حرصت على ألا تجعل لأصحاب رؤوس الأموال خاصية تسلطية على من تحتهم ، وأضحى هذا المسلك عقيدة اجتماعية لدى أصحاب رؤوس الأموال أنفسهم ، فصاغوا فكرا اقتصاديا قائما على إشراك كل العمال في الوحدة الصناعية أو التجارية في مصير الربح والخسارة ، فإذا ابتكر عامل طريقة جديدة لحل مشكل صناعي ، نسب هذا الابتكار الجديد إلى كل الوحدة ، مع عدم إهمال مكافأة المتميز ‏.‏

كما أن التنمية اليابانية احتفظت بالطابع الشرقي الذي يعظم مكانة الأستاذ والمعلم ، فالعامل الصغير يعظم رئيسه في العمل بمقتضى موروثاته الاجتماعية ، مما أكسب العمال ترابطا تلقائيا كسر من حدة أي تسلط رأسمالي على حساب طبقة العمال ‏.‏

ويمكنك أن تلمح هذا الترابط الاجتماعي في المجتمع الياباني عبر احترام بعضهم لبعض ، وحرصهم على أداء التحية اليابانية المعروفة في كل لقاء ‏.‏

ونحن لسنا بصدد نقد حضارة وثنية مثل الحضارة اليابانية ، ولكننا نتبصر في جوانب الخير والحكمة التي هي ضالة المؤمنين ، لنتمثلها في أخلاقنا وعاداتنا ، فالشرع من ترك من خير إلا وأمر به ، وما ودع من شر إلا ونهانا عنه ، وقد قال الله تبارك وتعالى ‏:‏ ‏{‏ إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، يعظكم لعلكم تذكرون ‏}‏ ‏.‏

وما نحن بصدده الآن أن نوجد ذلك المجتمع المتوحد في معرفة المصير والهدف ، وأن نقلل من الخلافات المحتدمة فيه ، وأن نوجد الآلية التي نضمن بها اجتماع المسلمين على كلمة سواء ‏.‏

إن ترابط المسلمين من شأنه أن يخطو بنا خطوات واسعة نحو النصر والتمكين ، وتعاون الجماعات العاملة في حقل الدعوة من شأنه أن يكسب رصيد الصحوة زخما يؤثر ولا شك في انطلاقتها العالمية ‏.‏

ولا شك أن ما ننادي به هنا يعده بعض الناس حلما ، وبعض الناس يعده أمرا غير مطلوبا بالدرجة الأولى ، ونحن لا ننكر صعوبة ما نتحدث عنه ، كما لا ننكر أن قضية الوحدة في هذا الوقت ليست من أولى الأولويات ، ولكننا يجب أن نعتقد أنها واجب مهم من واجبات الشرع ، وأساس متين من أسس الجماعة المسلمة التي وعدها الله بالنصر والتمكين ‏.‏

وعليه فلا يجوز التعامي عنها كهدف نسعى إلى تحقيقه ، حتى ولو بصورة بدائية ، أو بطريقة مرحلية ، تتحقق فيها الأناة والروية اللذان هما شرطان أساسان في كل عمل ناجح ودائم ‏.‏

نعم أيها القارئ الكريم … إن إصلاح ذات البين يجب أن يكون هدفا نسعى لتحقيقها بالقدر المستطاع ، وغاية يجب أن تعم كل تطلعات شباب الصحوة ودعاتها ‏.‏

بل هي هدف اجتماعي يجب أن يتحقق على مستوى الأفراد بالصورة التي تكون سببا في تحققها على مستوى الجماعات ‏.‏

إننا نراقب بكثير من الألم والقلق مواقف كثير من الدعاة من بعضهم البعض ، وندهش من هذا التراشق الذي يحدث بين أناس يجمعهم منهج واحد في فهم الكتاب والسنة ، بل وتحدوهم غاية واحدة في إعزاز الدين ، بل ويجمعهم مصير مشترك ضد أعداء معروفين للإسلام والمسلمين ‏.‏

والأدعى للتعجب أن هؤلاء لا يتفرقون في أصول عقدية واضحة ، بل في مسائل هي معدودة على التحقيق من فروع المعتقد ، بل يعدها بعض الأئمة من الخلاف اللفظي ‏.‏

أنا لا أنكر بدهية وجود خلاف واختلاف ، ولكنني أزعم أنه ليس من ضرورة الخلاف أن تحدث العداوة والبراءة بل والمحاربة ، وأن تستخدم المنابر التي ما نصبت إلا للأمر بكل معروف ، والنهي عن كل منكر ‏.‏

وقد رأى أحد السلف رجلا يغتابا مسلما ، فسأله ‏:‏ هل غزوت هذا العام ‏؟‏ فقال ‏:‏ لا ‏!‏ فقال ‏:‏ سلمت الروم والكفار من سيفك ولم يسلم المسلمون من لسانك ‏؟‏

وأرى أن هذا المشهد يحدث بحذافيره ، فقد سلم أعداء الله من العلمانيين والشيوعيين وأهل البدع المنكر كالقاديانيين والشيعة الرافضة من ألسنتنا معاشر دعاة أهل السنة ، ولم يسلم بعضنا من لسان بعض ‏.‏

لعمر الله إنها الفاقرة التي تركت الديار بلاقع ، والحالقة التي تحلق الدين ، وموروثات الهوى ورواسب الجاهلية ما زالت متمكنة في النفوس ، وتحتاج إلى قومة لله صادقة ، نستأصل بها هذا الدرن ، ونصلح بها حنايا القلب ، ونحرر النية ، ونطهر الطوية ، ونمحض القصد ، ونمحص الإرادة ، والله الموفق والمعين ‏.‏

إن الصحوة تشهد استقطابا حادا في مسائل فروعية ، وليت الخلاف يبقى في دائرته الضيقة الشرعية من مناصحة بالأدلة وتغافر بعد المحاورة واعتقاد ثبوت الأجر للجميع ، ولكن الأمر لم يركن إلى شيء من هذه الآداب الإسلامية ، بل تعداها إلى تحزب وتناحر ،حتى صارت بعض الجماعات توالي وتعادي على مسألة واحدة من فروع المعتقد ، وكل ذلك من شؤم الخلاف والفرقة ، والله المسئول أن يصلح أحوال المسلمين ‏.‏

إن هذا - الكتاب أيها القارئ الكريم – يخاطب قلب ووجدان من اعتصره حال الإسلام والمسلمين ، وينادي على كل ذرة شفقة في قلوب المسلمين ليقفوا وقفة واحدة أمام أعدائهم ، ولن أقول كما يقول بعض الهلاميين ‏:‏ أن ننسى خلافاتنا ، فإن هذا ليس معقولا ، ولا مشروعا ، فالخلاف سنة قدرية ، واعتقاد الراجح سنة شرعية ، والمعقول والمشروع ألا يكون الخلاف السائغ سببا في الفرقة والتنازع ‏.‏

وقد نادى بعض الدعاة بتكوين لجنة حكماء وظيفتها تدارك الخلاف بين الجماعات التي تجمعها آصرة أهل السنة والجماعة ، بحيث تقوم بدور لجنة المساعي الحميدة بين المتخاصمين والمختلفين من الدعاة أو الأفراد ‏.‏

وهي فكرة جديرة بالتطبيق ، وحري أن يهتم بها ولها كل غيور على دين الله تبارك وتعالى ، ولكن في إطار الشرعية العقدية والجماعية التي أصلتها نصوص الشرع ومنهج السلف الصالح في الاجتماع والولاء والبراء ‏.‏

إن لنا أن نتصور المصالح العظيمة التي ستعود على الصحوة لو تحقق مثل هذا الأمر ، ويمكننا أن نتصور كمية الجهود التي كانت تبذل في تلك الخلافات العقيمة ، وكيف أنها ستصرف في صالح الإسلام والمسلمين ‏.‏

إذ لم يعد من المقبول أن نرى العالم كله يتوحد ، والأعداء كلهم يتعاونون لتحقيق غاياتهم وأهدافهم ، ونحن نرى المسلمين ، بل أهل السنة والجماعة متشرذمين ، وهم نقاوة المسلمين وخلاصة الخلق أجمعين ‏.‏

وهذه بعض الأفكار التي نقترحها لتحقيق وحدة الجماعات العاملة في حقل الدعوة بالدرجة الأولى ‏:‏

‏(‏1‏)‏ تلاقي القيادات الإسلامية والدعاة والعلماء في المناسبات المختلفة ، والأفضل أن تكون هناك لقاءات دورية ومؤتمرات لمناقشة شئون الدعوة ‏.‏

‏(‏2‏)‏ تكثيف الأدبيات التي تعنى بتوحيد المناهج وفق الكتاب والسنة ، وضرورة الأخذ بمبدأ المناصحة ، وعدم احتكار الحق ، والتغافر في قضايا الخلاف السائغ ‏.‏

‏(‏3‏)‏ تكثيف التعاون بين الجماعات في القضايا المصيرية ، والتوحد في المواقف التي تستلزم عدم التنازع والفرقة أمام أعداء الدين ‏.‏

‏(‏4‏)‏ الرقي بمستوى التعاون بين الجماعات العاملة في حقل الدعوة عبر تكثيف تبادل الخبرات الدعوية لتوسيع مساحة الدعوة بين شرائح المجتمع ، ومن مقاصد هذا الاتجاه أن يتم التنسيق بين القيادات في الأعمال الدعوية بحيث لا يجور بعضنا على بعض ‏.‏ فالمجتمع ساحته رحبة تتسع لعمل كل الدعاة ، فلنهجر مسلك التناحر والتسابق إلى احتلال المواقع من بعض ، وليكن النـزاع بيننا وبين أعداء الله تعالى ‏.‏

‏(‏5‏)‏ تنمية روح المودة في الأفراد عبر هجر مسلك التحذير وتشويه الصورة ، بأن يكون حديث الدعاة عن بعضهم حديث أخ محب لأخيه محترم لغيبته ، فينشأ الناشئون في الصحوة على احترام كل الدعاة وتوقيرهم والتماس المعاذير لمخطئهم ، والدعاء لهم جميعا بظهر الغيب ‏.‏

‏(‏6‏)‏ تشجيع المخيمات الصيفية المشتركة لتنمية روح المودة بين الأفراد والجماعات والدعاة ، ولتكن هذه المخيمات نواة وبداية لتوحد الصف ‏.‏

‏(‏7‏)‏ تكوين مجلس حكماء من قادة ودعاة الجماعات العاملة في الساحة يقوم بحسم النزاعات بينها ، والتخطيط والسعي لوحدة الصف الإسلامي ‏.‏

‏(‏8‏)‏ إصدار البيانات المشتركة في حالة الأحداث الجسيمة التي تلم بالأمة ، فإن هذا من شأنه أن يشعر الشباب بتوحد القيادات ، فتنمو روح العزة الإسلامية في نفوس الشباب ويزدادون ثقة وطاعة لقياداتهم ‏.‏

‏(‏9‏)‏ درء كل خلاف يحدث بين الأفراد والجماعات ، ومحاولة منع تفاقمه ، أو التقليل من أضراره ومفاسده ‏.‏ وتسوية الخلافات عبر المسئولين ، وعدم استخدام المنابر ووسائل الإعلام للحديث عن الخلافات بين الدعوات والدعاة ‏.‏

‏(‏10‏)‏ ضرورة التخلق بآداب العمل الجماعي ، وبآداب الأخوة الإسلامية على وجه العموم ، وتطبيق مواثيق المودة والموالاة بين المؤمنين ‏.‏

الطريقة الحادية والعشرون‏:‏ الدعوة الفردية

إن الدعوة إلى الله تبارك وتعالى سمة من سمات المسلم لمحض كونه مسلما ، وقد سبق أن استدللنا لهذه القضية عند كلامنا عن ‏(‏ خدمة الدين ضروري من ضروريات الدين ‏)‏ ‏.‏

ونريد هنا أن نفعّل دور المسلم في البنيان الدعوي ، لنجعل مصير الدعوة هما مشتركا بين جميع المسلمين ، فالمتصور أن الصراع بين الحضارات الآن يأخذ طابع الصراع المصيري الذي هو أشبه ما يكون بميدان حرب تستخدم فيه كل الأسلحة ، ومثل هذا الصراع المصيري الذي يكون شعاره ‏:‏ نكون أو لا نكون ، لا بد أن يتحمل كل فرد منتم لحضارة ما مسئوليته في الدفاع عن مصيره بل وجوده ، ولم يعد الأمر مجرد دفاعات جماعية حول الحصون المغْزُوَّة من كل جانب ‏.‏

وعصرنا الذي نعيشه الآن يحمل هذه السمات ، لذا كان لزاما أن تتفاعل جهود كل المسلمين للذب عن دينهم والقيام بأمره ‏.‏ ونحن لا ننتظر من مسلمي البطاقات شيئا ، ولكننا ننظر بعين الأمل ، ونرقب بهاجس الاستبشار إلى من خالط الإيمان بشاشة قلبه ، واحترق ألما لما يراه من مكر الليل والنهار ، والكيد العظيم الذي يكاد للمسلمين في كل بقاع الأرض ‏.‏

إلى مثل هذا الغيور نمد أيدينا وننادي عليه أن هلم إلى القافلة ، وبادر إلى تسجيل نفسك في كتيبة المدافعين عن حياض الدين ، ولا تكن كالمخلفين الذي فرحوا بمقعدهم خلاف ركب الإيمان ، ورضوا بأن يكونوا مع الخوالف ، ذرهم في ريبهم يترددون وانهض بهمة المجاهد إلى نادي الفلاح ، واجعل الإيمان من خير العتاد ‏.‏

إننا نتصور أن أي واحد من أولئك يستطيع أن يقيم للإسلام صرحا لو أنه ساهم بجهد قليل في الدعوة إلى الله ، ونحن نضع بين يديك أيها الغيور على دين الله هذه الطريقة وهذه الأفكار لنقطع عليك المعاذير ، ونلجم إرادتك بلجام العزيمة القوية ، فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ‏.‏

المسلم موجود في كل مكان على هذه الأرض ، موجود في الفاتيكان ‏(‏ مقر البابوية الكاثوليكية ‏)‏ موجود في تل أبيب ، موجود في أمريكا أرض الفساد والشرور ، موجود في كل البلاد الوثنية وغير الوثنية ، موجود في أدغال أفريقيا والأمازون ، وصحاري العالم أجمع موجود فيها ذلك المسلم ‏.‏

ونريد من ذلك المسلم أن يقوم بوظيفة واحدة ، سهلة يسيرة ، أن يتكلم مع غيره ، أن يفتح حوارا ، أن يختار هو مادة هذا الحوار ، أن يوجه دفته بذكائه ، أن يأخذ بن يحاوره ذات اليمنة واليسرة ليقوده إلى النتيجة بنفسه ، فإذا هو خصمه قد حج نفسه بنفسه ‏.‏

نريد ذلك المسلم أينما كان أن يتبنى قضية سهلة ، يستطيع أن يجوب بها البلاد ، لا نريد أن نعقد له الأمور ، نريده أن يحمل هما واحدا ، ويجعله القضية التي يجول بها ويصول ، ويفكر ويدبر ويخطط ، نريد أن نجعله يحدد أهدافه على ضوء تلك القضية التي جعلها محور دعوته ‏.‏

إن الدعوة الفردية عالم خصب من الجهود والأفكار والأعمال ، وأكثر ما يمتع فيه أنه سهل التنفيذ سريع الأثر ‏.‏ وهذان هما المقصدان الأساسان في الدعوة الفردية ‏.‏

إن الدعوة الفردية ليست تربية عميقة الأثر ، فذلك مقصد أفردنا له طريقة خاصة بل طرقا ، ولكن الدعوة الفردية رسالة متنقلة يحملها الداعية الميداني إلى كل مكان ، إنه لن يعاني كما يعاني المربي ، لأنه ليس مخاطبا بالنتيجة ومحاسبا عليها كذاك ، ولكنه يحمل قضية الإسلام كدين يجوب بها في كل مكان ، إنه يخاطب كل البشر ، يدعو كل الطوائف ، ينصح كل الناس ، يحاور كل الأجناس ، يتداخل مع كل الأنواع والأصناف ‏.‏

عدته ما تعمله من العلم ولو كان قليلا ، فهو ينصح من يراه لا يصلي لأنه يعرف أن ترك الصلاة من كبائر الذنوب ، ويزجر شارب الدخان لأنه علم دليل حرمته ، ويحارب المخدرات ومن يتاجر فيها لأنه تبين له وجه الخطر والشر على المجتمع منها ، يواجه التبرج والسفور باعتباره رذيلة تهدد عفة المجتمع ومثله ، يجابه الانحلال في أجهزة الإعلام لأنه يعلم خطر ذلك على البناء الخلقي للمجتمع ‏.‏

إن مثل هذه القضايا يحملها كل مسلم أينما حل أو ارتحل ، ونحن نطالب كل مسلم ألا يقف موقف المتفرج ، بل يبادر إلى الصدع بالحق في كل ميدان ، ليحاور زملاءه في العمل ، ليحاور المدرس تلاميذه ، ليحاور طالب الجامعة أصدقاءه ، ليحاور الراكب في المواصلات من معه من الركاب ، ليحاور المسلم أقرباءه في كل زيارة أو مناسبة اجتماعية ، ليحاور المسلم كل من حوله من الناس ‏.‏

إن هذه الدعوة الدءوب هي التي ستجعل الإسلام قضية المجتمع ، وهي التي ستحيي في الناس عاطفة التدين ، وتصرف اهتماماتهم إلى المعالي ، ومثل هؤلاء الدعاة في كل ميدان هم الذين يحددون للمجتمع أولويات اهتماماته ، وهم الذي يصوغون الرأي العام إن جاز التعبير ‏.‏

إن المطلوب من المسلم الذي يمارس الدعوة الفردية ألا ييأس من النتائج ، وألا يقنط من التخاذل ، فهو لا يدعو ليهدي ، ولكنه يدعو لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفـلى ‏.‏

إن المتصور في هذه الطريقة أن نستثير اهتمامات الناس بالدين ، لا أن نصل بهم إلى نقطة معينة في الالتزام بالدين ، فالعملية الدعوة التي تفرز إنسانا ملتزما بالدين عملية معقدة ، وهي أشبه بالدورة التي يلتقط فيها المدعو من كل بستان زهرة حتى تتكون لديه باقة من الأزهار إن أعجبته جمعها وزين بها بيته ، فيعلم الداخل أن ذلك المدعو قد أعجب بتلك الأزهار ، إذ لو لم تعجبه لما زين بها بيته ، وقضايانا التي ندعو الناس إليها أشبه بتلك الأزهار ، فيتلقى المدعو زهرة في مكان عمله ، حتى إذا ركب وسيلة المواصلات وجد من يقدم له زهرة أخرى ، فإذا أفضى إلى الشارع الذي يسكن فيه وجد من جيرانه من يقدمه له أخرى ، ثم إذا عرج على دكان ليشتري شيئا وجد داعية في الدكان يهديه زهرة رابعة ، ثم إذا دخل البيت قد يجد ابنه الملتزم يبادر إليه بزهرة خامسة ، ثم تتوالى الأزهار على ذلك المدعو حتى تتم الهداية بتوفيق الله تعالى ‏.‏

إن هذه الصورة التي رسمتها لك – أيها الأريب – هي أقرب ما تكون للواقع الذي نعيشه ونحياه ، فالناس من حولنا يرون بساتين الصحوة في كل مكان ، منهم من يجفل ويخاف ، فيرقب من بعيد ، فهذا يحتاج إلى تشجيع ، ومنهم من يشك ويظن الظنون ، فهذا يحتاج إلى إقناع ، ومنهم من اقتنع ولكنه واهن العزيمة فهذا يحتاج إلى دفعة ، ومنهم من اقتنع واندفع ولكنه انتكس وملّ ، فهذا يحتاج إلى شحنة ‏.‏

وكلما تعمقت في فهم أسرار الحركة الاجتماعية الدعوية والتي أسميها نظرية الكيس الممتلئ ، ستعلم أن الدعوة الفردية من أكثر طرق الدعوة تأثيرا في المجتمع ‏.‏

ومن باب الاحتراف في خدمة الدين فنحن نطالب كل من تصدى وسيتصدى للدعوة الفردية أن يتسلح بعدة هذه الدعوة ، وهي الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن ‏.‏

والحكمة وضع الأمور في نصابها ، والموعظة الحسنة هي التي لا غلظة فيها ، والجدال بالتي هي أحسن هو ما كان مثمرا ، لا الجدال العقيم الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتركه ‏.‏

وسأسوق أمامك بعض الوصايا التي أعتقد أنها من الأهمية بمكان حتى تستطيع ممارسة الدعوة الفردية بصورة أفضل ، وبعد قراءتك لهذه الوصايا ستحصل ما يلي – إن شاء الله - ‏:‏

‏(‏1‏)‏ الثقة بالنفس ، والثقة في الله ‏.‏

‏(‏2‏)‏ الاستعداد وعدم الارتجال ‏.‏

‏(‏3‏)‏ الهدوء والروية وعدم الاستعجال ‏.‏

‏(‏4‏)‏ التركيز وعدم التشتت وراء الموضوعات الفرعية ‏.‏

‏(‏5‏)‏ تلخيص نتائج دعوتك للخروج بفائدة واضحة ‏.‏

أولا ‏:‏ اقتنع بالقضية واعتبر نفسك الجندي الوحيد في الميدان ، وأن معركتك مع شيطان الهوى سيحسم بمجهودك ‏.‏

ثانيا ‏:‏ تبرأ من حولك وطولك واستيقن أن الهداية بيد الله عز وجل ‏.‏

ثالثا ‏:‏ اختر الزمان والمكان المناسب ، إلا في بعض الحالات التي تقتضي الصدع بالحق خوف فوات الفرصة ‏.‏

رابعا ‏:‏ الأصل في سمتك الهدوء والابتسام ، فإذا احتجت إلى التجهم لصرامة الموضوع فلا بأس ، شريطة ألا يئول ذلك إلى التنفير ، وأنت خبير بردود أفعال من أمامك ‏.‏

خامسا ‏:‏ تكلم في المنكر الحال ، وتجنب النصح في أمور لا تعلم عن حال المدعو فيها شيئا ‏(‏ إلا إذا كنت تعلم من المدعو أمرا بعينه يحتاج إلى النصح فيه ‏)‏ ، فإذا رأيته يدخن فلتكن نصيحتك عن حرمة التدخين ، ولا تكلمه عن غض البصر مثلا حال كونك لا تدري ‏:‏ هل هو ممن يغض البصر عن المحرمات أم لا ‏؟‏

سادسا ‏:‏ نحن دعاة الحق نتكلم بسان الشرع ، فلا بد من النطق بأحكام الشرع لا أحكام العرف ، فلا يناسب أن تنصح متبرجة قائلا إن السفور عيب ، بل يجب أن تعلم حكم الشرع فإن جهلته بينته لها ‏.‏

سابعا ‏:‏ إن التخويف بالنار قد لا يصادف محلا عند البعض فلا بأس أن تميل بهم إلى الحديث عن البشارة ، وما أعد الله للطائعين ، ثم تردف ذلك بلفحة من نار جهنم ‏.‏

ثامنا ‏:‏ كن بسيطا في حديثك ، وتجنب التفيهق والتقعر واستخدام غريب الألفاظ والمعاني ، ومن لوازم الدعوة الناجحة رشاقة العرض ، ويكون ذلك بالتناسق بين تعبير الوجه ومعاني الكلمات وحسن المنطق وعدم التكلف في حركة الشفتين ولفظ الحروف ، وكذا التناسق بين تعبير الوجه ومعاني الكلمات مع حركة اليد ، ولتحرص على تناسب إشارة اليد مع حركة اليد لتكون معبرة عن ثقة في المتحدث وجدية في الحديث ، ويناسب عند الحديث عن الأمور الصارمة مثلا أن يشير بقبضة اليد ، وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم شواهد على هذا المعنى ‏.‏

تاسعا ‏:‏ ركز نظرك في وجه من تحدثه ، فللعين جزالة في التأثير وتعبير عن الصدق يفوق ما في فصيح الكلام ‏.‏

عاشرا ‏:‏ لا تهجر نصوص الوحي المطهر عندما تحدث الناس ، فإنهم مخاطبون بكلام ربهم بالأصالة ، وليس بكلامك ، فاستيقن إذا أن في كلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم من البركة في التأثير أكثر مما في كلامك ‏.‏

الحادي عشر ‏:‏ لا تكثر من الكلام عن نفسك وعن غيرك ، فتقول أنا وفلان ، وفلان وأنا ، بل حاول أن تجعل من تحدثه في محل اهتمامك نظرا وحديثا ، فحاول إذا أن تستغل خصلة فيه محمودة فتمدحه عليها مكتسبا وده وإعجابه ‏.‏

الثاني عشر ‏:‏ حاول أن ترطب الحوار ببعض الفكاهة إن اقتضى المقام ، وخاصة إلى احتدم الحوار، وذلك للإبقاء على ركن المودة الذي هو بابك إلى قلبه ‏.‏

الثالث عشر ‏:‏ لا تجعل القيادة للحوار بيد أحد غيرك ، فإذا حاول أن يصول بك ويجول فالزم نقطة الحوار ولا تتشتت في أودية الحديث ، حيث لا جدوى من جراء ذلك إلا الجدال العقيم ، وقد علمت حكمه ‏.‏

الرابع عشر ‏:‏ حاول أن تركز في موضوعك ، وأن تسوق له من الأدلة والشواهد الشرعية والمنطقية ما تغزو به ضميره ، فإذا احتللت مكانا في القلب فحافظ على هذا المكان ثم ابدأ هجومك الكاسح من ذلك الموقع ‏(‏ لا تتراجع أو تتأخر إلى مواقع سابقة ‏)‏ ‏.‏

الخامس عشر ‏:‏ حاول أن تستخلص من كلام من تحاوره ما يفسده ، مع التلطف في بيان وجه الاستدلال ، مبتعدا في كل ما سبق عن حب الظهور والرياء والاستعلاء ‏.‏

السادس عشر ‏:‏ ألا فاعلم أنك تتكلم بلسان الحق ، فاجعل له هيبة ووقارا ، وأحسن عرض ما عندك من الحق ، يزهد الناس في ما في أيديهم من الباطل ، واصبر على أذى لاحق من عنت من تدعوه فهذا ثمن الهداية ‏(‏ لعلك باخع نفسك على آثرهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ‏)‏ ‏.‏

كما ينبغي أن تعطي الاحترام المناسب بمقام وعمر من تحدثه ، فلا يناسب أن ينصح الصغير الكبير دون أن يضمن نصيحته بالغ التوقير وفائق الاحترام ‏.‏

وبعد أيها الداعية الأريب ‏.‏‏.‏ فإن للدعوة الفردية حديثا ذا شجون ، وأنا أحيلك على بعض المصادر الهمة في الباب لتنهل وتستفيد ، فإنما ذكرنا هنا رؤوس الأقلام ، واختصرنا المقاصد لتكون منها على ذكر والله المستعان ‏.‏

الطريقة الثانية والعشرون ‏:‏ العناية بالشباب

إن الدعوة وهي تستحث خطاها في محاربة الجاهلية ترنو إلى من هم أكثر الناس عرضة للافتتان بمظاهرها وتسرّبا إلى مصارفها ‏.‏

وليس هناك مجال للمراء في أن مرحلة الشباب هي مرحلة نضج الغرائز واكتمال فورتها وتعاظم حاجتها ، وأن هذه الغرائز هي التي تتعامل معها النفس إيجابا أو سلبا ، أي استجابة أو رفضـا ، وأن هذا التعامل هو الذي يفرز نوعية الأخلاق التي تتخلق بها تلك النفس ‏.‏

فالذي تنـزع نفسه لشهوة الفرج وتتهاوى حصونه أمام فِتَنِها سرعان ما تُسْتَعْبَدُ نفسُه للخبائث ، فيظل أسير شهوته ورهين فتنته ، سادانا في محراب الصور ، عاشقا للأوهام والخيال ، يُمَنِّي نفسه باللذة فإذا هي حسرة وندامة ، وشؤم وتَبِعَة ‏.‏

والذي تُبْهِرُه زخارف الدنيا وبهارجها سرعان ما سيجد حياته مكيّفة على اللهث وراء جمع حطامها ومنازعة كلابها فتاتَها ‏.‏

إنهم أولئك الشباب الذين عَدِموا التَجْرِبة وفقدوا الحكمة وافتقروا إلى الأناة ، فتراهم حريصين أشد ما يكون الحرص على خوض كل مغامرة بذواتهم ، ويأبون النصح أشد الإباء ، وتغريهم الحيل بسهولة ، وتشدهم حبائل الكيد دون رهق أو إلحاح ‏.‏

أغرار أغمار ، لا يعترفون بالخطأ بسهولة ، تقلبهم رياح الفتن ظهرا لبطن ، يدخلون إلى كهف المعصية لاهثين ، ويخرجون منه نادمين منكسرين ‏.‏

وبنفس الوتيرة النفسية فقلوب هؤلاء الشباب أسرع ما تكون نـزوعا إلى الحق وقبولا به وإقبالا عليه وقرارا فيه ومنافحة عنه ‏.‏

وفي ذلك يقول الإمام ابن كثير في تفسير قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏ إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هـدى ‏}‏ ‏:‏ ذكر تعالى أنهم فتية ، وهم الشباب ، وهم أقبل للحق وأهدى للسبيل من الشيوخ الذين قد عَتَوْا وانغمسوا في دين الباطل ، ولهذا كان أكثر المستجيبين لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم شبابا ، وأما المشايخ من قريش فعامتهم بقوا على دينهم ولم يسلم منهم إلا القليل ، وهكذا أخبر تعالى عن أصحاب الكهف أنهم كانوا فتية شبابا ‏.‏ أهـ

وذلك لما أسلفنا من أن قلوبهم لم تجرب الحياة ومذاهبها ، ولم تُلَوّث تربة فطرتهم بأهواء المصالح وأنانية الذات وحب البقاء ، لأنهم ليسوا كالشيوخ أحرص ما يكونون على حياة ، بل تراهم أنزع للتضحية من الشيوخ ، أسرع للفداء بما عندهم ، أخف لنصرة ما يؤمنون به ويعتقدونه ‏.‏

وقد أدرك صنفان من أعدائنا جلية هذا الأمر وهما إبليس اللعين ، وقوى الجاهلية العتيدة من يهود ونصارى ومجوس وغيرهم ، فطفقوا يتخذون كل الوسائل في اختطاف هذه الشريحة ‏(‏ أعني الشباب ‏)‏ وتنحيتها عن جادة الحق ‏(‏ على أقل تقدير ‏)‏ أو غمسها في مستنقعات الرذيلة والكفر ‏(‏ على أكثر تقدير ‏)‏ ‏.‏

ولن تخطيء عيناك الصرعى من أولئك الشباب ممن هوى في ظلمات الكفر السحيق أو انغمس في مستنقعات الفسق الشنيع ، أو المكردس أو المخدوش ، أما الناجي المسلَّم فقليل ماهم ‏.‏

لذلك كان من أهم الأولويات التي يجب أن تتبناها الدعوة ‏:‏ العناية بشريحة الشباب ، فمما لا شك فيه أن دعوتهم ليست بالمهمة اليسيرة ، وخاصة في ظل فتن هذا الزمان ، ولكنه سيبقى الحل الوحيد لمواجهة الطوفان الجارف من الانحلال ، مع الكفر الذي نراه يزحف أول ما يزحف في شريحة الشباب ‏.‏

ومخطئ من يظن أن دعوة الشباب قضية عادية لا تستحق أن نفرد لها بابا خاصا ، بَلْهَ كتبا مستقلة ، ويظن أولئك أن دعوة الشباب مثل دعوة غيرهم ، بل إنني أعلم أن كثيرا من الدعاة يتعاملون مع شريحة الشباب مثل تعاملهم مع أي شريحة في المجتمع ، ومن الدعاة من يعاملهم مثل الأطفال ، وكل ذلك خطأ أقل ما يوصف به أنه تنكب عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الشباب ‏.‏

إن دعوة الشباب وتربيتهم وتخريج الدعاة والعلماء والقادة وحملة الدين من بينهم من أعظم الأمانات والمسئوليات التي نيطت بالدعاة ، ولا يدرك خطورة هذا الشأن إلا من عانى هذا الدور وخاض غماره وتجرع من مشكلاته ، وصبر على الطريق ثم رأى النتاج وذاق الثمرة ‏.‏

أجل أيها القارئ الكريم ‏.‏‏.‏ إننا معاشر الدعاة يجب أن نوقف المهزلة التي ترتكب في حق الشبيبة ، والتي نسميها دعوة ، وما هي بدعوة ، إن هي إلا نصائح – على الماشي – بينما الكفر والفسق يكيد بليل ويدبر من مكر الليل والنهار ما تزول به الجبال ‏.‏

وحتى أوقفك على حجم المهزلة فأنا سائلك ‏:‏ كم هي – ولن أقول ‏:‏ ما هي – المصنفات الإسلامية التي عنيت بمشكلات الشباب وعلاجها بالطرح الإسلامي الرشيد ‏.‏

بل قل ‏:‏ كم من الدعاة من يهتم بهذا الشأن بحيث يكون مفزعا ومرجعا للشباب يهرعون إليه عندما تعييهم الحيل وتضيق بهم السبل ‏.‏

لقد عاين كاتب هذه السطور بنفسه في أول النسك مشكلات جمة كان مأتاها عدم وجود المرشد والمربي ، وانعدام التصور الواضح لسمات كل مرحلة يمر بها الشاب فكريا واجتماعيا ودعويا ، حتى أضحت حياة كثير من الشباب الملتزم – فكيف بغير الملتزم – مجموعة من التجارب الحياتية التي يخرج من كل تجربة منها جريحا منهك القوى مستأنفا طريقة من جديد ، ومنهم من يخرج صريعا منتكسا ‏(‏ ولنا مع قضية الانتكاس عود إن شاء الله ‏)‏ ‏.‏

ليس بكثير على شباب الإسلام أن يتواصى الدعاة فيما بينهم على تعيين مجموعة من بينهم تهتم بأمر الشباب تربويا وفكريا ، بحيث يكون همهم الشاغل مشكلات الشباب ، ويكونون هم بالضرورة أيضا مرجع الشباب في كل ما يعرض لهم من قضايا وخطوب ‏.‏

أن وجود لجنة تعنى بقضايا الشباب هي أول خطوة في بناء سد منيع ضد طوفان الإباحية والانحلال الذي تواجهه مجتمعاتنا الإسلامية الآن ، وليس يخفى أن أول الصرعى من هذا الطوفان هم الشباب ، إدمان وفجور وشذوذ وزندقة وعلمنة وإلحاد بل وعبادة للشيطان ، فماذا ننتظر بعد كل ذلك ‏؟‏ هل ننتظر حتى نرى الشيطان باديا بخلقته يخطف الشباب عيانا لنبدأ التحرك ‏؟‏‏!‏‏!‏

ومن وظائف تلك اللجنة تحديد القضايا ذات الخطر وتبني الأولويات في مشكلات الشباب وطرح سبل العلاج – بمشاورة أهل العلم – ووضع تصور واضح لمراحل دعوة الشباب مع تصور واضح لأهداف كل مرحلة ووسائلها ‏.‏

ولا بأس – إذا سمحت الظروف – أن يُجعل لكل شاب ملف تربوي تسجل فيه كل مشكلاته وتطورات حياته من بداية النسك ، ومقترحات علاجه ونحو ذلك ، ولا بأس أيضا أن تعرض مشكلات بعض الشباب على متخصصين تربويين أو ذوي خبرة عالية في قضايا الشباب للاستنارة بآرائهم والاستفادة من خبراتهم ، ومثل هذا المسلك وإن رآه بعض الناس جافيا غليظا جافا فأنا أعتبره سببا شرعيا – وإن لم يكن واجب السلوك – في ازدياد نسبة نجاح الدور التربوي ‏.‏

إن توثيق المعلومات – أو حفظها على الأقل – له أثر بالغ في إثمار الدور التربوي الذي يمارسه الداعية مع الشباب ، وقد رأيت شيخنا الوالد المربي الشيخ محمد حسين يعقوب حفظه الله وأمتع المسلمين به ؛ كيف كان يستقبل الشباب في منـزله منذ الظهيرة وحتى صلاة المغرب يستمع إلى مشكلاتهم ويتلقى مكالماتهم الهاتفية بل ويهاتفهم بنفسه مستفهما عن حالهم مع الله وعن مشكلاتهم التي اقترح لهم علاجا لها من قبل ، ثم يحاضر في دروسه التربوية إلى الليل ، ثم يبدأ زياراته الميدانية والتربوية إلى منتصف الليل ، ويعود إلى بيته منهك القوى ، فإذا جن الليل دخل مكتبه وقرأ وطالع ثم يسطر كل ما رآه وواجهه محللا معالجا مسترشدا بمنهج السلف الصالح وسيرتهم متمثلا قول مالك ‏:‏ ‏(‏ لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ‏)‏ ، وكان لا يستنكف – حفظه الله – من عرض بعض المشكلات على الدعاة طالبا منهم النصح والمشورة ، كما كان لا يستحيي عن الاعتراف بالخطأ إذا تبين له ‏.‏

إن الدور التربوي إذا لم تصاحبه حرقة على حال الشباب وهم على مشكلاتهم وقلق على أحوالهم فسيظل دورا رتيبا باردا ، عديم النفع مبتور الأثر ‏.‏

وقد بدأ دعاتنا بحمد الله يدركون أهمية وجود الطرح الإسلامي السلفي في علاج مشكلات الشباب ، فصرنا نرى المؤلفات التي تعنى بعلاج الواقع الشبابي ، ولكننا بعد لم نصل لدرجة العمق المطلوب في هذا الطرح ، مقارنة بطرح المناهج الكفرية الباطلة ، والمأمول أن تكون المكتبة الإسلامية – على صعيد المطبوعات أو المسموعات – تحوي مراجع كافية للدعاة والمربين والشباب على حد سواء ، تعينهم على تناول مشكلات الشباب وعلاجها ‏.‏

وبإزاء أهمية وجود الطرح الإسلامي الموثّق يبرز دور الداعية المباشر في التربية ، وحرفته في التعرف على مشكلات الشباب وعلاجها وإثمار الطاقات الهائلة لديهم بما يعود بالنفع على الإٍسلام والمسلمين ‏.‏

ومن المهم جدا أن يكون الداعية على بصيرة بواقع الشباب وبحقيقة مشكلاتهم وأسبابها والعلاجات المقترحة ، حتى لا يتعرض لمحاولات فاشلة أثناء أدائه الدور الدعوي مع الشباب ‏.‏

ومن مقتضيات هذه البصيرة أن يكون الداعية المتصدر لدعوة الشباب لين المعشر واسع الصبر ، ذا شفقة بالغة وتحنان مؤثر ، عليما بمشكلات فترة المراهقة إجمالا ، خبيرا بما يدور في كواليس الشباب تفصيلا ، دقيق الملاحظة لما يسمعه ويراه ، ماهرا بأساليب الاستنباط والتحليل لما لديه من معلومات ، لديه حظ وافر من فراسة المؤمن وإحساس الصادق المرهف الذي نادرا ما يخطئ له توسـم ‏.‏

قد تداعب أيها القارئ وتقول ‏:‏ إنها صفات ساحر وليست صفات مرب ، فأقول ‏:‏ أجل إن المربي أشبه ما يكون بساحر ، ولكنه السحر الحلال الذي أودعه الله في قدرات من امتلأ قلبه شفقة على حال المسلمين ‏.‏

وجل الصفات المؤثرة التي في المربي تحصل بالاكتساب والدربة والخبرة والتجربة المتكررة ، والقليل هو الذي يحصل بالقواعد والعلوم – نظريها وعمليها – لأن المربي ليس كالطبيب الذي تعامل مع أدواء وأدوية معروفة ، وجسد يمكنه أن يكتشف ما فيه عبر الأشعات والتحاليل ، بل إنه يتعامل مع نفس وروح لا يمكن لأحد أن يزعم الإحاطة بما فيها ، لذلك فإن المربي يحتمي بأوامر الشرع التي هي زكاة للنفوس ولا ريب ، ويتسلح بالوحي المطهر دواء من كل داء روحي ، وحلا لكل مشكل اجتماعي نفسي ، ولعل هذه الصفة هي التي تكسب المربي مصداقية لدى الخلق أكثر من مصداقية الطبيب ، لدرجة أن المربي قد يكتسب الأبوة الروحية بممارسة ذلك الدور الإصلاحي ، وإنها ولا شك منزلة هو حري بها ، فالمربي هو الذي يقود الإنسان إلى الله ، ويعرفه به ، ويعالج له وساوس الصدر ، ويجمع عليه شتات الأمر ، ولذلك اعترف السلف بفضل المربي ودوره في تبيين الدرب والطريق إلى الله فقال ‏:‏ لولا المربي ما عرفت ربي ‏.‏

ولا شك أن هذه القضية تحتاج مصنفا خاصا بل مصنفات ، ولكننا نمر هنا على بعض القضايا المهمة والقواعد العامة التي ترشد إلى المطلوب ، وعلى الحصيف أن يقيس الغائب على الشاهد والخفي على الجلي ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ‏.‏

ونحب أن نشير هنا إلى ما يجب أن يهتم به المربي والداعي الذي يمارس دورا تربويا أو دعويا ما مع الشباب ‏.‏

‏(‏1‏)‏ وضوح فكرة الدعوة والتربية لدى الداعية والمربي ، وذلك عبر تصور واضح للمراحل التي سيمر بها مع المدعو ، ولا مانع أن تحتاج بعض تفاصيل العملية التربوية لتعديلات على حسب شخصية المدعو ، ولكن المهم أن ينبذ الدعاة الطريقة الارتجالية في التربية ، وذلك يستتبع بالضرورة تكثيف التحصيل العلمي حول شأن التربية ، ومشاورة أهل الخبرة ، وتلقي النصيحة من المتخصصين ‏.‏

‏(‏2‏)‏ إن أهم نقطة ترتكز إليها العملية التربوية هي فهم المُرَبى ، أي فهم شخصيته ، وسبر أغوارها ، ومعرفة ميولاته ، وتشخيص عيوبه ، وحصر خصاله وأخلاقه الحميدة ، والمقصود وضع خريطة نفسية له بحيث يسهل على المربي تناول هذه الشخصية بالتربية على بصيرة وهدى ، ولا يكون كالذي يخبط خيط عشواء ويجري التجارب تلو التجارب دون أن يكون هناك أساس علمي أو اتجاه تربوي أو خط دعوي معين يسير عليه ‏.‏ وكمثال نقول ‏:‏ إن كثيرا من الدعاة يبدأ عملية التربية الإسلامية دون أن يتعرف على مشكلات الشاب المدعو ، فيتعرض في مسيرته التربوية لأزمات انتكاس ، أو مصاعب كثيرة منشؤها أن مشكلات الشاب لم تعالج من البداية ‏.‏ فقد يكون ذلك الشاب يعاني أزمة أسرية مع أبيه أو أمه أو أخيه ، أو أنه يعاني قلقا نفسيا معينا ، أو أنه يعاني مشكلة الشهوة مثلا ، فلا يستساغ أن نبادر إلى تحميله هم الإسلام والمسلمين دون أن نوجد الشخصية السوية التي تستطيع على الأقل أن تواجه مثل تلك المصاعب بإيمان واثق ويقين راسخ ‏.‏ إن عملية فهم شخصية الشاب معقدة جدا ، وقد تبنت بعض الدراسات النفسية عقد اختبارات نفسية لمعرفة مشكلات الشباب ، ولكنها ستبقى عديمة الفائدة إذا قام بها غير متخصص ، وستظل هذه الاختبارات في كل الأحوال ظنية النتائج لكثير من الاعتبارات التي لا يتسع المقام لذكرها ‏.‏ ولكن المربي الذي يتبنى نهجا إسلاميا يستغني عن هذه الاختبارات النفسية المعقدة بالاخوة الإيمانية ومبدأ المناصحة الذي يتسم بالشفافية من المنظور الشرعي ‏.‏ ولا شك أن الاخوة والنصيحة لن تتم على الوجه المطلوب إلا عبر اكتساب ثقة الشاب ، ويستلزم ذلك القيام بدور سابق على الدور التربوي وهو ما يمكن أن نسميه تأليف القلب ، وجذب الثقة ، وإزالة الحواجز النفسية ‏.‏ وبعض الدعاة يتعامل مع مشكلات الشباب بشيء من الغلظة والجفاء ، مما لا يناسب والدور التربوي الذي يقوم به ، والذي يستلزم عطفا وحنانا وشفقة ‏.‏ إن بعض الشباب قد يحتاج أبا فقده في البيت ، أو صديقا وفيا لم توفره له المدرسة أو صحبة الجيران ‏.‏ قد يحتاج قلبا يحمل عنه بعض الهموم ، قد يحتاج عقلا ليفكر معه في بعض الحلول لبعض المشكلات ‏.‏ وقد يكون حل مشكلة أو بعض من عطف أو حنان أو صحبة صادقة كفيلة بأن تجعل ذلك الشاب كالظل للمربي ، والقاعدة ‏:‏ أن يتعرف المربي على الباب الذي يستطيع أن يدخل منه إلى قلب الشاب ‏.‏

‏(‏3‏)‏ تأجيل معركة المدعو مع أهله ، في شأن المنكرات التي قد تعترض طريق التزامه بالدين ، وهي معركة قد تكلفه الكثير إذا أصر على خوضها ، ونحن نعلم أن المجتمع المسلم يحوي الكثير من المنكرات التي صارت كالموروثات والعادات والتقاليد المقدسة ، ونعرف أن مثل هذه التقاليد لا يمكن أن تلتقي مع أحكام الشرع في طريق ، فناسب أن يقتنع بها المدعو كمرحلة أولى ، مع توفير بعض الوظائف الإيمانية لتثبيت كراهية المنكر في قلبه ، ومناصحته بالصبر على أهله ، وعدم التسرع في محاربة المنكرات التي تلبسوا بها ‏.‏ وقد تكون هناك بعض المنكرات التي لا تحتمل السكوت أو الصبر ، فيجب على المدعو أن يتخذ قرارا مصيريا في حياته ، ويجب أن يساعده المربي ومن ورائه الدعوة ، فنحن ملتزمون أمام الله تعالى بمناصرة المؤمنين ، ومد يد العون لهم والذب عنهم والمصابرة معهم في طريق الإيمان ‏.‏

‏(‏4‏)‏ إن من أهم ما يجب أن يتلقنه الشاب من أصول ‏:‏ طاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واحترام أهل العلم ‏.‏ وهذه الأسس الثلاثة التي يجب أن يقوم عليها إيمان الشاب واجتهاده في الطاعة والدعوة ‏.‏ ويتأكد ذلك في عصرنا هذا الذي اضطربت فيه الأفكار ، وماجت المناهج بأهلها ، واختلط الحابل بالنابل ، فلا عاصم من هذا الهيجان الفكري إلا تلمس خطا العلماء المعتبرين ، الذين شهدت الأمة لهم باستقامة النهج ، وكتب الله لهم القبول بين الخلق ، وذاع صيتهم بين الناس بالصلاح والتقوى ، واستقر إجماع أهل المعرفة على علمهم وتمكنهم من تخصصات الشريعة ‏.‏

‏(‏5‏)‏ يظن بعض الدعاة أن فترة ما بعد الالتزام ‏(‏ التنسك ‏)‏ أسهل مما قبلها ، والحق أنها من أدق مراحل حياة الإنسان على الإطلاق ، وفيها يقول أهل السلوك ‏:‏ إن فساد النهايات من فساد البدايات ‏.‏ وبداية حياة الإنسان يوم أن تتم معرفته بالله ، ويبدأ في سلوك طريق الآخرة ‏.‏ وأشد ما يكون الشاب محتاجا إلى الإرشاد والمعونة عندما يبدأ هذه المرحلة ، فليس الإشكال أن يصلي الشاب في جماعة ، ولكن أن يداوم على صلاة الجماعة ، وليس الإشكال أن يحب الشاب سنة النبي صلى الله عليه وسلم ويحرص على اتباع أحكامها ، ولكن الصعب هو أن يتعلق بها طوال حياته ، متمسكا بأهدابها ، منافحا عنها ‏.‏ إن وظيفة المربي الحقيقية تبدأ منذ أن وضع الشاب قدمه الأولى في طريق الالتزام ‏.‏ إنه البناء الإيماني الجاد الذي يجب أن نحكم إعلاءه حتى نصون ذلك الشاب من خطر احتمالات الانتكاس ‏.‏ وهي الحال التي يشكو من انتشارها الكثير من الدعاة ، ويتساءلون عن سببها ، وعن علة تكررها في هذه الآونة ‏.‏ وتبيان هذا الخطب أن الدور التربوي قد ضعف في هذه الآونة لقلة المربين ، وكثرة الملتزمين ، ولم يكن لنرَ هذه الانتكاسات في العقود السابقة ، أي بدايات الصحوة الإسلامية ، حيث وجد الكثير من القائمين بالدور التربوي ، ولقلة عدد الملتزمين ، فكان الالتزام يحظى بالوفرة الكيفية لا الوفرة الكمية ، والعكس من ذلك هو الذي أحدث هذا الخلل الذي نراه ، فعلاجه إذا أن تحاول الدعوة توفير المربين القادرين والكافين للقيام بالدور التربوي التي تحتاجه الجموع الغفيرة من الشباب الذين ينتمون للصحوة المباركة يوما بعد يوم ‏.‏ ثم إنه يجب أن يقوم الدعاة بدور إصلاحي جذري للعملية التربوية التي يقومون بها ، وأن ترتكز عمليتهم التربوية إلى التجارب السابقة ، كما يجب على الدعاة أن ينحو بالتربية جانبا علميا ، فإننا لا ندعو العصاة للصلاة وحسب ، بل إن دعوتنا ستواجه الشاب الملحد والعلماني والشيوعي والشهواني والمنبهر بالثقافة الغربية ، وستحتاج إلى غزو قلوب من يظنون أنفسهم مثقفين ومتنورين ، وسلاح الدعاة حينئذ علم قاهر ويقين ظافر ، والتعمق في معرفة طبيعة النفس البشرية ، وطبيعة المجتمعات التي ندعو فيها تستلزم توسعا معرفيا فائقا ، قوامه البحث والتحليل والاستنتاج ، ولا مجال لأن نجفل أمام زحف الجاهلية ، وقد طرقت أفكار المدنية الغربية حصون الصحوة بجرأة ، وفرضت بعض النظريات العلمانية نفسها على الأطر الفكرية لكثير من المثقفين الإسلاميين ، حتى صرنا نسمع منهم من ينادي بدولة إسلامية تتبنى تعدد الأحزاب حتى لو كان منها أحزاب علمانية وشيوعية ‏.‏ إن أي خرق يتسع في سربال الصحوة فمنشؤه الفرار من الزحف الدعوي والفكري الذي يخوضه دعاة الصحوة ومفكروها ، وأي انهيار أو ثلم في جدار الصحوة فمأتاه من تقصير حماتها والمدافعين عنها من الرد على مدافع الجاهلية العتيدة ‏.‏ إن حالات الانتكاس المتكررة التي نشاهدها هي في نظري رد فعل بدهي لحالة الإفلاس التي يعانيها بعض الدعاة ، فأفلس معهم ذووهم ، وكان عاقبة أمرهم خسرا ‏.‏ وأي علاج نغفل فيه جانب العلم الرصين والمعرفة الواسعة والتحصين الثقافي الراقي يعد ترقيعا ببال وجبرا بمنكسر ‏.‏ والله الهادي إلى طريق الرشاد ‏.‏

‏(‏6‏)‏ إن المربي يجب أن يكون له دور مؤثر في توجيه المرَبى إلى العملية التعليمية التي تتخلل فترة التربية ، ويجب أن يهتم المربون بأمرين ‏:‏

‏(‏1‏)‏ كبح جماح الشباب في شراء الكتب والمراجع العلمية ، وحثهم على استشارة المتخصصين لدى الرغبة في شراء أي كتاب جديد ‏.‏

‏(‏2‏)‏ تنمية المهارات البحثية لدى الشباب ، ومساعدتهم في إجراء البحوث الميدانية النافعة ، بالتوازي مع الاهتمام بجانب العلوم الشرعيـة ، والتركيز على الجوانب التطبيقية ‏.‏

‏(‏3‏)‏الاهتمام بجانب حفظ النصوص ، وبخاصة القرآن الكريم ، فالملاحظ تقصير الدعاة مع الشباب في هذه الناحية ، مع أن المأمول من هؤلاء الشباب أن يكونوا خطباء الغد ودعاة المستقبل ، ولا شك أن عدة الداعية في محفوظاته المختلفة ‏.‏

‏(‏7‏)‏ إن الطاعة والعبادة من آكد القضايا التي يتأسس عليها التزام الشاب ، ويجب أن يعلم الشباب الملتزم أن النسك لا يتم لهم إذا تكاسلوا في جانب العبادات ، وأن اجتهادهم في العبادة دليل صدق السلوك ، ومن هنا وجب على الدعاة أن يلقنوا هؤلاء الشباب أسس العبادة الصحيحة وفقه الاجتهاد في العبادة ، وسياسة النفس عند الملال والتعب ، وأرحب ميدان يمكن تطبيق هذا المنهج من خلاله ميدان الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان ، أو في المخيمات الصيفية التي يختلط الشباب فيها بالدعاة عن كثب ، وتكون التربية بالقدوة حينئذ من أكثر أساليب التربية تأثيرا ‏.‏

‏(‏8‏)‏ التربية على العزائم ، والحذر من مسلك المترخصين ، فالدعاة قادة المجتمع ، واجتهادهم محل نظر العامة والخاصة ، فلزم أن يُرَبَّوا على معالي الأمور ، وتوطن نفوسهم على الصعب لا الذلول ، وذلك في كل مجال يسلكه المربي مع من يربيه ‏.‏ ففي مجال العلم يجب أن يدرب الشاب على بعض العزمات في طلب العلم مثل الإقلال من الطعام والنوم ، وفي مجال العبادة يجب أن يتعاهد نفسه ببذل أقصى الطاقة في الاجتهاد ، ويكون ذلك بمثابة تمارين يلين بها قسوة قلبه بين الحين والحين ، ولا يليق أن يكون داعية المستقبل كثير الشكاية من طول صلاة التراويح في رمضان ، أو دائم التململ من كثرة الأبحاث التي أُلزم بإعدادها ‏.‏ بل ينبغي أن يتمرس على تلقي المهام الصعبة وتنفيذها دون شكاية ‏.‏

‏(‏9‏)‏ طاعة المربي من الصفات المهمة التي يجب أن تغرس في الشاب أول النسك ، ومنشأ هذه الطاعة الاحترام والتعظيم لمقام شيخه ومربيه ، وهذا مما يدعو له الإسلام ويحث عليه ‏.‏ ولا يليق بالملتزم أن يعامله مربيه معاملة العوام والسوقة ، واحترام العالم والشيخ والمربي مما يجلب البركة في العلم ويحدث عظيم الأثر في الانتفاع من الشيخ ‏.‏ ومن لوازم ذلك أن يفهم الشاب أن الشيخ بشر ككل البشر ، وليس بكامل في الصفات والأعمال ، وبالتالي فليس متصورا أن يكون معصوما من أي خطأ ، وأنه متى رأى خطأ فإن أمكن التأويل الشرعي السائغ تأول ، وإلا لزم أن يدعو الله بستر عيوب شيخه عنه ، وأن ينفعه بعلمه وقدوته ‏.‏

‏(‏10‏)‏ التوازن في المقاصد من أهم ما ينبغي مراعاته طوال فترة التربية الأولى ، فيجب على المربي أن يعنى بالجوانب التي ترطب القلب ، وتمنع عنه الإياس والقنوط ، فليس مشينا أن يمنح المربي من يربيه بعض الوقت للهو المباح ، وليس قادحا في المروءة أن يشاركهم الضحك والتبسم فيما لا يوقع في مأثم أو مغرم ، بل إن ذلك أدعى إلى انصهار المربَّى مع المربِّي ، وإفضائه لأسراره ومشكلاته لشيخه فيمكنه التداول معه في حلها وعلاجها ‏.‏ وكثير من المشايخ يقيم سياجا منيعا من الوقار والحشمة الزائدة التي تنقلب مع مرور الأيام إلى عتو ونفور ‏.‏ لقد كانت في أخوة الرسول صلى الله عليه وسلم وأبوته الحانية على الصحابة مثلا لكل مرب في منهج التربية ، وحري بكل مرب أن يهجر التكلف ويربي الشباب على عدم التكلف أيضا ، فالتكلف في كل أمر مذموم ، والمناسب أن يتعامل المربي مع الشباب من منطلق الأبوة الروحية التي تكسبه احتراما ووقارا تلقائيا ، ويبقى على المربي أن يزيل الجليد بعد ذلك بمداخلاته ومناقشاته ومحاولته لفهم الشاب الذي يريد أن يربيه ‏.‏