فصل: (كِتَابُ الرَّضَاعِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجوهرة النيرة (نسخة منقحة)



.(فُرُوعٌ):

رَجُلٌ بَعَثَ إلَى امْرَأَتِهِ بِشَيْءٍ فَقَالَتْ هُوَ هَدِيَّةٌ وَقَالَ هُوَ مِنْ الْمَهْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْكُولًا فَإِنَّ الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلُهَا يَعْنِي مَا يَكُونُ مِنْهُ مُهَيَّأً لِلْأَكْلِ مِثْلَ الْخُبْزِ وَالرُّطَبِ وَالْبِطِّيخِ وَاللَّبَنِ وَالْحَلْوَى وَالشَّوِيِّ وَمَا لَا يَبْقَى وَيَفْسُدُ وَأَمَّا الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَالدَّقِيقُ وَالشَّاةُ الْحَيَّةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَقِيلَ مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْخِمَارِ وَالْكِسْوَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْسِبَهُ مِنْ الْمَهْرِ قِيلَ لِأَبِي الْقَاسِمِ الصَّفَّارِ فَمَا تَقُولُ فِي الْخُفِّ قَالَ لَيْسَ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُهَيِّئَ لَهَا أَمْرَ الْخُرُوجِ وَهُنَا مَسْأَلَةٌ عَجِيبَةُ وَهِيَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ خُفُّهَا وَيَجِبُ عَلَيْهِ خُفُّ أَمَتَهَا؛ لِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْ الْخُرُوجِ دُونَ أَمَتِهَا رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ نِكَاحًا فَاسِدًا وَدَفَعَهُ إلَيْهَا فَأَعْتَقَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَالْعِتْقُ بَاطِلٌ وَإِنْ أَعْتَقَتْهُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَالْعِتْقُ جَائِزٌ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى جَارِيَةٍ حُبْلَى عَلَى أَنَّ مَا يَكُونُ فِي بَطْنِهَا لَهُ فَإِنَّ الْجَارِيَةَ وَمَا فِي بَطْنِهَا لَهَا؛ لِأَنَّ مَا فِي بَطْنِهَا كَعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَى امْرَأَةٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ حَالَّةً فَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُؤَجِّلَهَا عَلَيْهَا كَانَ لَهُ مَهْرُ مِثْلِهَا وَالتَّأْجِيلُ بَاطِلٌ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ تَرُدَّ عَلَيْهِ أَلْفًا جَازَ النِّكَاحُ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ الْأَلْفُ وَالنَّفَقَةُ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَهَبَ لِأَبِيهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا سَوَاءٌ وَهَبَ لِأَبِيهَا أَلْفًا أَوْ لَا فَإِنْ وَهَبَ لَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ وَإِنْ قَالَ لَهَا تَزَوَّجْتُك عَلَى دَرَاهِمَ كَانَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْخُلْعَ كُلُّ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ الْفَتَاوَى الْكُبْرَى.
قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كِتَابِيَّةً) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَطَأَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً وَإِنْ قَدَرَ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إذَا قَدَرَ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ)، وَكَذَا لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ وَالْحُرَّةُ تَعْتَدُّ مِنْهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ فِي حَبْسِهِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ وَيَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الذِّمِّيَّةِ عَلَى الْمُسْلِمَةِ قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ وَتُنْكَحُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ».
قَوْلُهُ (وَلِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) وَلَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ فِي النِّكَاحِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ وَيَجْمَعَ بَيْنَهُمَا حُرَّتَيْنِ كَانَتَا أَوْ أَمَتَيْنِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ طَلَّقَ الْحُرُّ إحْدَى الْأَرْبَعِ طَلَاقًا بَائِنًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ رَابِعَةً غَيْرَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَتْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ رَابِعَةً قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فُقِدَتْ إحْدَاهُنَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَكَانَهَا أُخْرَى حَتَّى يَأْتِيَهُ خَبَرُ مَوْتِهَا أَوْ تَبْلُغَ مِنْ السِّنِّ مَا لَا يَعِيشُ مِثْلُهَا إلَى ذَلِكَ الزَّمَانِ وَإِنْ طَلَّقَ الْمَفْقُودَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ عِدَّتَهَا قَدْ انْقَضَتْ وَلَا يَعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهَا أَوْ تَبْلُغَ حَدَّ الْإِيَاسِ فَيَتَرَبَّصَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ يَتَزَوَّجَ قَوْلُهُ (وَإِنْ زَوَّجَ الْأَمَةَ مَوْلَاهَا ثُمَّ أُعْتِقَتْ فَلَهَا الْخِيَارُ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا) وَخِيَارُهَا فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي تَعْلَمُ فِيهِ بِالْعِتْقِ وَتَعْلَمُ بِأَنَّ لَهَا الْخِيَارَ فَإِنْ عَلِمَتْ بِالْعِتْقِ وَلَمْ تَعْلَمْ بِالْخِيَارِ ثُمَّ عَلِمَتْ بِالْخِيَارِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، وَهُوَ فُرْقَةٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَيَبْطُلُ خِيَارُهَا بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ كَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ قَوْلُهُ (وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ) يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَهَا بِإِذْنِ مَوْلَاهَا ثُمَّ أُعْتِقَتْ فَلَهَا الْخِيَارُ.
وَقَالَ زُفَرُ لَا خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ نَفَذَ عَلَيْهَا بِرِضَاهَا وَلِهَذَا كَانَ الْمَهْرُ لَهَا.
قَوْلُهُ (فَإِنْ تَزَوَّجَتْ الْأَمَةُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا ثُمَّ أُعْتِقَتْ صَحَّ النِّكَاحُ وَلَا خِيَارَ لَهَا)، وَكَذَا الْعَبْدُ وَإِنَّمَا خَصَّ الْأَمَةَ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ وَالْمَهْرُ يَكُونُ لِلسَّيِّدِ إذَا جَازَ النِّكَاحُ أَعْتَقَهَا أَوْ لَمْ يُعْتِقْهَا وَسَوَاءٌ حَصَلَ الدُّخُولُ قَبْلَ الْعَتَاقِ أَوْ بَعْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ حَتَّى أَعْتَقَهَا جَازَ الْعَقْدُ فَإِنْ دَخَلَ قَبْلَ الْعِتْقِ فَالْمَهْرُ لِلسَّيِّدِ وَإِنْ كَانَ الدُّخُولُ بَعْدَ الْعِتْقِ فَالْمَهْرُ لَهَا.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ إحْدَاهُمَا لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا صَحَّ نِكَاحُ الَّتِي تَحِلُّ لَهُ وَبَطَلَ نِكَاحُ الْأُخْرَى) وَيَكُونُ الْمَهْرُ كُلُّهُ لِلَّتِي صَحَّ نِكَاحُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُقَسَّمُ الْمُسَمَّى عَلَى قَدْرِ مَهْرِ مِثْلَيْهِمَا فَمَا أَصَابَ الَّتِي صَحَّ نِكَاحُهَا لَزِمَ وَمَا أَصَابَ الْأُخْرَى بَطَلَ وَسَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مَهْرًا أَوْ جَمَعَهُمَا وَقَوْلُهُ وَبَطَلَ نِكَاحُ الْأُخْرَى وَلَوْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا تَمَامُ مَهْرِ مِثْلِهَا بَالِغًا مَا بَلَغَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا يُجَاوِزُ بِهِ حِصَّتَهَا مِنْ الْمُسَمَّى.
قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَ بِالْمَرْأَةِ عَيْبٌ فَلَا خِيَارَ لِزَوْجِهَا) عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَثْبُتُ الْخِيَارُ بِالْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ وَالرَّتْقِ وَالْقَرْنِ وَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِشَرْطِ أَنَّهَا بِكْرٌ شَابَّةٌ جَمِيلَةٌ فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا عَجُوزًا عَمْيَاءَ بَخْرَاءَ شَوْهَاءَ ذَاتَ قُرُوحٍ لَهَا شِقٌّ مَائِلٌ وَعَقْلٌ زَائِلٌ وَلُعَابٌ سَائِلٌ فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَفِي الْفَتَاوَى إذَا وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ عَمْيَاءَ أَوْ شَوْهَاءَ لَهَا لُعَابٌ سَائِلٌ وَشِقٌّ مَائِلٌ وَعَقْلٌ زَائِلٌ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا إذَا وَكَّلَتْ الْمَرْأَةُ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ رَجُلٍ فَزَوَّجَهَا مِنْ خَصِيٍّ أَوْ عِنِّينٍ أَوْ مَجْبُوبٍ جَازَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤَجَّلُ فِي الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ سَنَةً وَتُخَيَّرُ فِي الْمَجْبُوبِ لِلْحَالِ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ امْرَأَةً لَا تُكَافِئُهُ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا إذَا زَوَّجَهُ صَغِيرَةً لَا تُجَامَعُ جَازَ وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ أَمَةً فَزَوَّجَهُ حُرَّةً لَمْ يَجُزْ فَإِنْ زَوَّجَهُ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ جَازَ فَإِنْ زَوَّجَهُ الْوَكِيلُ بِنْتَه لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً وَعِنْدَهُمَا إذَا كَانَتْ كَبِيرَةً يَجُوزُ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَ بِالزَّوْجِ جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ فَلَا خِيَارَ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ).
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهَا الْخِيَارُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا كَمَا فِي الْجُبِّ وَالْعُنَّةِ بِخِلَافِ جَانِبِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ بِالطَّلَاقِ وَلِأَنَّهَا يَلْحَقُهَا الضَّرَرُ بِالْمُقَامِ مَعَ الْجُنُونِ أَكْثَرَ مِمَّا يَلْحَقُهَا بِالْمُقَامِ مَعَ الْعِنِّينِ فَإِذَا ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ مَعَ الْعِنِّينِ فَهَذَا أَوْلَى وَلَهُمَا أَنَّ فِي الْخِيَارِ إبْطَالَ حَقِّ الزَّوْجِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ فِي الْجُبِّ وَالْعُنَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا يُخِلَّانِ بِالْوَطْءِ وَهَذِهِ الْعُيُوبُ غَيْرُ مُخِلَّةٍ بِهِ وَلِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَى الزَّوْجِ تَصْحِيحُ مَهْرِهَا بِوَطْئِهِ إيَّاهَا وَهَذَا مَوْجُودٌ قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ عِنِّينًا أَجَّلَهُ الْحَاكِمُ حَوْلًا كَامِلًا فَإِنْ وَصَلَ إلَيْهَا وَإِلَّا فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا إنْ طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ) هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ رَتْقَاءَ أَمَّا إذَا كَانَتْ رَتْقَاءَ فَلَا خِيَارَ لَهَا وَحُكْمُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ حُكْمُ الْعِنِّينِ يَعْنِي إذَا وَجَدَتْ زَوْجَهَا خُنْثَى وَالْعِنِّينُ مَنْ لَهُ صُورَةُ آلَةٍ وَلَيْسَ لَهُ مَعْنَاهَا، وَهُوَ الْجِمَاعُ وَقَوْلُهُ حَوْلًا أَيْ سَنَةً شَمْسِيَّةً.
وَفِي الْهِدَايَةِ قَمَرِيَّةً، وَهُوَ الصَّحِيحُ فَالشَّمْسِيَّةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا وَالْقَمَرِيَّةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَأَوَّلُ السَّنَةِ.
قِيلَ مِنْ حِينِ يَتَرَافَعَانِ وَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ مَا قَبْلَ التَّرَافُعِ وَيُحْسَبُ عَلَيْهِ أَيَّامُ الْحَيْضِ وَشَهْرُ رَمَضَانَ وَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ مَرَضُهُ وَلَا مَرَضُهَا؛ لِأَنَّ السَّنَةَ قَدْ تَخْلُو عَنْهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ثُمَّ إذَا أَجَّلَهُ سَنَةً وَتَرَافَعَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي وَادَّعَتْ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا وَقَالَ هُوَ قَدْ وَطِئْتُهَا نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ هِيَ بِكْرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَخُيِّرَتْ وَيُجْزِئُ فِيهِ شَهَادَةُ الْوَاحِدَةِ الْعَدْلَةِ وَالِاثْنَتَانِ أَحْوَطُ وَأَوْثَقُ وَلَا عَيْنَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ تَقَوَّتْ بِالْأَصْلِ وَهِيَ الْبَكَارَةُ وَإِنْ قُلْنَ هِيَ ثَيِّبٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ خُيِّرَتْ لِتَأَيُّدِهَا بِالنُّكُولِ وَإِنْ حَلَفَ لَا تُخَيَّرُ فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فِي الْأَصْلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ شَكَّ النِّسَاءُ فِي أَمْرِهَا فَإِنَّهَا تُؤْمَرُ حَتَّى تَبُولَ عَلَى الْجِدَارِ فَإِنْ رَمَتْ بِهِ عَلَيْهِ فَهِيَ بِكْرٌ وَإِلَّا فَهِيَ ثَيِّبٌ وَقِيلَ تُمْتَحَنُ بِبَيْضَةِ الدِّيكِ فَإِنْ وَسِعَتْهَا فَهِيَ ثَيِّبٌ وَإِلَّا فَهِيَ بِكْرٌ ثُمَّ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا إمَّا بِاعْتِرَافِهِ أَوْ بِظُهُورِ الْبَكَارَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُخَيِّرُهَا فَإِنْ اخْتَارَتْ الْمُقَامَ مَعَهُ بَطَلَ حَقُّهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا خِيَارٌ بَعْدَ ذَلِكَ أَبَدًا وَلَا خُصُومَةَ فِي هَذَا النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِبُطْلَانِ حَقِّهَا وَإِنْ طَلَبَتْ الْفُرْقَةَ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَهَذِهِ الْفُرْقَةُ يَخْتَصُّ سَبَبُهَا بِالْحَاكِمِ فَلَا تَقَعُ إلَّا بِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَقَعُ التَّفْرِقَةُ بِنَفْسِ اخْتِيَارِهَا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ كَخِيَارِ الْمُعْتَقَةِ وَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ مَا لَمْ يَقُلْ الْقَاضِي فَرَّقْت بَيْنَكُمَا كَخِيَارِ الْمُدْرِكَةِ ثُمَّ هَذَا التَّخْيِيرُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ كَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ؛ لِأَنَّ تَخْيِيرَ الْقَاضِي إيَّاهَا كَتَخْيِيرِ الزَّوْجِ قَوْلُهُ (وَكَانَتْ الْفُرْقَةُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً) ثُمَّ إذَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهَا خِيَارٌ وَإِنْ تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ رَجُلًا وَهِيَ تَعْلَمُ أَنَّهُ عِنِّينٌ فَلَا خِيَارَ لَهَا وَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ رَتْقَاءَ وَكَانَ زَوْجُهَا عِنِّينًا لَمْ يُؤَجِّلْهُ الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْوَطْءِ وَلَوْ أَقَامَتْ امْرَأَةُ الْعِنِّينِ مَعَهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَجَلِ مُطَاوِعَةً فِي الْمُضَاجَعَةِ لَمْ يَكُنْ هَذَا رِضًا؛ لِأَنَّهَا تَفْعَلُ ذَلِكَ اخْتِبَارًا لِحَالِهِ فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى الرِّضَا فَإِنْ قَالَتْ قَدْ رَضِيتُ بَطَلَ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّ هَذَا تَصْرِيحٌ بِالْإِسْقَاطِ وَإِنْ وَطِئَهَا فِي دُبُرِهَا فِي الْمُدَّةِ فَلَا عِبْرَةَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْوَطْءِ وَإِنْ وَطِئَهَا وَهِيَ حَائِضٌ سَقَطَ خِيَارُهَا وَإِنْ وَصَلَ إلَى غَيْرِهَا فِي الْمُدَّةِ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ وَلَا يَبْطُلُ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّ وَطْءَ غَيْرِهَا لَا يَسْتَقِرُّ بِهِ مَهْرُهَا فَلَا عِبْرَةَ بِهِ وَلَوْ أَجَّلَ الْعِنِّينَ فَمَضَتْ الْمُدَّةُ وَقَدْ جُنَّ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَكَانَ ذَلِكَ طَلَاقًا؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي الطَّلَاقَ عَلَى امْرَأَةِ الْمَجْنُونِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَلَوْ أَنَّ الْمَجْنُونَ زَوَّجَهُ أَبُوهُ فَلَمْ يَصِل إلَيْهَا لَمْ يُؤَجِّلْهُ؛ لِأَنَّ فُرْقَتَهُ طَلَاقٌ وَالْمَجْنُونُ لَا طَلَاقَ لَهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَإِذَا كَانَ زَوْجُ الْأَمَةِ عِنِّينًا فَالْخِيَارُ فِي ذَلِكَ إلَى الْمَوْلَى عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إلَى الْأَمَةِ قَوْلُهُ (وَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ إذَا كَانَ قَدْ خَلَا بِهَا)؛ لِأَنَّ خَلْوَةَ الْعِنِّينِ صَحِيحَةٌ تَجِبُ بِهَا الْعِدَّةُ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مَجْبُوبًا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِ وَلَمْ يُؤَجِّلْهُ)؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي انْتِظَارِهِ ثُمَّ إذَا خَلَا بِهَا فَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ وَتَجِبُ الْعِدَّةُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَجْبُوبُ بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا فَإِنَّهَا تُخَيَّرُ فِي الْحَالِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي الِانْتِظَارِ وَلَا يَقَعُ طَلَاقٌ مِنْ الصَّبِيِّ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَإِذَا أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ بَعْدَمَا عَقَلَ وَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يُدْرِكَ قَوْلَهُ (وَالْخَصِيُّ يُؤَجَّلُ كَمَا يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ)؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مَرْجُوٌّ مِنْهُ، وَهُوَ الَّذِي أُخْرِجَتْ أُنْثَيَاهُ وَبَقِيَ ذَكَرُهُ فَهُوَ وَالْعِنِّينُ سَوَاءٌ وَلَوْ كَانَ بَعْضُ الذَّكَرِ مَجْبُوبًا وَبَقِيَ مَا يُمْكِنُ بِهِ مِنْ الْجِمَاعِ فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْجِمَاعِ وَقَالَ هُوَ أَنَا أَتَمَكَّنُ مِنْهُ قَالَ بَعْضُهُمْ الْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ مَا يُمْكِنُ بِهِ الْإِيلَاجُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ الذَّكَرَ إذَا قُطِعَ بَعْضُهُ ضَعُفَ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ عَرَضَ عَلَيْهِ الْقَاضِي الْإِسْلَامَ فَإِنْ أَسْلَمَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَإِنْ أَبَى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَكَانَ ذَلِكَ طَلَاقًا بَائِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) وَهَذَا إذَا كَانَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ بِطَلَاقٍ وَهَذَا إذَا كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا أَمَّا إذَا كَانَ مَجْنُونًا فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُحْضِرُ أَبَاهُ فَيَعْرِضُ عَلَى الْأَبِ الْإِسْلَامَ فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَكَانَ ذَلِكَ طَلَاقًا بَائِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي مُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ قَدْ مَاتَ وَلَهُ أُمٌّ عَرَضَ عَلَيْهَا كَالْأَبِ فَإِنْ أَسْلَمَتْ وَإِلَّا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ عَرَضَ عَلَيْهِ الْقَاضِي الْإِسْلَامَ فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَمَّا الْحَرْبِيَّةُ إذَا أَسْلَمَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهَا لَا تَبِينُ حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ هُنَاكَ مَرْجُوٌّ مِنْ الزَّوْجِ إلَّا أَنَّ الْعَرْضَ عَلَيْهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَأَشْبَهَ الْمُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا.
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ وَتَحْتَهُ مَجُوسِيَّةٌ عَرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَإِنْ أَسْلَمَتْ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَإِنْ أَبَتْ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَلَمْ تَكُنْ الْفُرْقَةُ طَلَاقًا)؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا وَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ بِأَهْلٍ لِلطَّلَاقِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا فَإِنَّ الْفُرْقَةَ هُنَاكَ مِنْ جِهَةِ الرَّجُلِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الطَّلَاقِ قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ) يَعْنِي إذَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِإِبَائِهَا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَلَا مَهْرَ لَهَا)؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَصَارَتْ مَانِعَةً لِنَفْسِهَا كَالْمُطَاوَعَةِ لِابْنِ زَوْجِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إبَاءُ الْإِسْلَامِ وَرِدَّةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إذَا حَصَلَ مِنْ الْمَرْأَةِ فَهُوَ فَسْخٌ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَتِهِ فَهُوَ فَسْخٌ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي كِلَيْهِمَا وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ كِلَاهُمَا طَلَاقٌ وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الرِّدَّةُ فَسْخٌ وَإِبَاءُ الزَّوْجِ الْإِسْلَامَ طَلَاقٌ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ تَقَعْ الْفُرْقَةُ عَلَيْهَا حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ فَإِذَا حَاضَتْ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا) وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فِي ذَلِكَ أَيْ فِي تَوَقُّفِ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ عَلَى ثَلَاثِ حِيَضٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْحِيَضَ لَا تَكُونُ عِنْدَهُ فَيَسْتَوِي فِيهَا الْمَدْخُولَةُ وَغَيْرُهَا ثُمَّ نَنْظُرُ إنْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَهُ فَكَذَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ عَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ قَوْلُهُ لَمْ تَقَعْ عَلَيْهَا الْفُرْقَةُ حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ فَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا ثُمَّ إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِمُضِيِّ ثَلَاثِ حِيَضٍ فَهِيَ فُرْقَةٌ بِطَلَاقٍ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فُرْقَةٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُسْلِمُ فَهِيَ فُرْقَةٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا أَسْلَمَ زَوْجُ الْكِتَابِيَّةِ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا)؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا ابْتِدَاءً فَلَأَنْ يَبْقَى أَوْلَى قَوْلُهُ (وَإِذَا خَرَجَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ إلَيْنَا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مُسْلِمًا وَقَعَتْ الْبَيْنُونَةُ بَيْنَهُمَا) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَقَعُ قَوْلُهُ (وَإِذَا سُبِيَ أَحَدُهُمَا وَقَعَتْ الْبَيْنُونَةُ) لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ قَوْلُهُ (وَإِنْ سُبِيَا مَعًا لَمْ تَقَعْ الْبَيْنُونَةُ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ بِهِمَا دِينٌ وَلَا دَارٌ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ إلَيْنَا مُهَاجِرَةً جَازَ أَنْ تَتَزَوَّجَ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَقَالَا عَلَيْهَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} وَفِي الْمَنْعِ مِنْ تَزْوِيجِهَا تَمَسُّكٌ بِعِصْمَتِهِ قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا لَمْ تَتَزَوَّجْ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ النِّكَاحُ وَلَا يُقِرُّ بِهَا الزَّوْجُ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا كَمَا فِي الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا؛ لِأَنَّ مَاءَ الْحَرْبِيِّ لَا حُرْمَةَ لَهُ فَحَلَّ مَحَلَّ الزِّنَا وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهَا حَامِلٌ بِوَلَدٍ ثَابِتِ النَّسَبِ فَتُمْنَعُ مِنْ النِّكَاحِ احْتِيَاطًا.
قَوْلُهُ (وَإِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَنْ الْإِسْلَامِ وَقَعَتْ الْبَيْنُونَةُ بَيْنَهُمَا فُرْقَةً بِغَيْرِ طَلَاقٍ) عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَتْ الرِّدَّةُ مِنْ الزَّوْجِ فَهِيَ طَلَاقٌ وَإِنْ كَانَتْ مِنْهَا فَهِيَ فُرْقَةٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ هُوَ يُعْتَبَرُ بِالْإِبَاءِ وَأَبُو يُوسُفَ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْإِبَاءِ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ إبَاءَ الزَّوْجِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ فَالرِّدَّةُ كَذَلِكَ وَأَبُو حَنِيفَةَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَوَجْهُهُ أَنَّ الرِّدَّةَ مُنَافِيَةٌ لِلنِّكَاحِ وَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ فَتَعَذَّرَتْ الرِّدَّةُ أَنْ تُجْعَلَ طَلَاقًا بِخِلَافِ الْإِبَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ الْإِمْسَاكَ بِالْمَعْرُوفِ فَيَجِبُ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ وَلِهَذَا تَتَوَقَّفُ الْفُرْقَةُ بِالْإِبَاءِ عَلَى الْقَضَاءِ وَلَا تَتَوَقَّفُ بِالرِّدَّةِ وَسَوَاءٌ كَانَ ارْتِدَادُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يُوجِبُ فَسْخَ النِّكَاحِ عِنْدَنَا قَالَ فِي الْمُلْتَقَطِ امْرَأَةٌ ارْتَدَّتْ لِتُفَارَقَ زَوْجَهَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَتُعَزَّرُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ إلَّا بِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ قَالَ فِي الْمُصَفَّى يُجَدِّدُ الْعَقْدَ بِمَهْرٍ يَسِيرٍ رَضِيَتْ أَوْ أَبَتْ يَعْنِي أَنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى تَجْدِيدِ النِّكَاحِ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُرْتَدُّ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ)؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَقَرَّ بِالدُّخُولِ قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَهَا النِّصْفُ)؛ لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ حَصَلَتْ مِنْهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَصَارَتْ كَالطَّلَاقِ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُرْتَدَّةُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا)؛ لِأَنَّهَا مَنَعَتْ بُضْعَهَا بِالِارْتِدَادِ فَصَارَتْ كَالْبَائِعِ إذَا أَتْلَفَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ ارْتَدَّتْ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا جَمِيعُ الْمَهْرِ)؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَقَرَّ بِالدُّخُولِ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ قِبَلِهَا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ ارْتَدَّا مَعًا ثُمَّ أَسْلَمَا مَعًا فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا) وَقَالَ زُفَرُ يَبْطُلُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ رِدَّةَ أَحَدِهِمَا مُنَافِيَةٌ وَفِي رِدَّتِهِمَا رِدَّةُ أَحَدِهِمَا وَزِيَادَةٌ وَأَمَّا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الِارْتِدَادِ دُونَ الْآخَرِ فَإِنَّ النِّكَاحَ يَبْطُلُ لِإِصْرَارِ الْآخَرِ عَلَى الرِّدَّةِ وَهِيَ مُنَافِيَةٌ مِثْلَ ابْتِدَائِهَا وَلَوْ أَنَّ حَرْبِيًّا تَزَوَّجَ حَرْبِيَّةً ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَالْفُرْقَةُ لَا تَقَعُ بِنَفْسِ الْإِسْلَامِ مَا لَمْ تَحِضْ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَ حِيَضٍ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ أَوْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ إنْ لَمْ تَكُنْ تَحِيضُ فَإِنْ أَسْلَمَ الْبَاقِي مِنْهُمَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ وَإِلَّا فَقَدْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ عِنْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ ثُمَّ إنَّ الْمَرْأَةَ إنْ كَانَتْ هِيَ الْمُسْلِمَةُ فَهِيَ كَالْمُهَاجِرَةِ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَعْدَ ذَلِكَ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُ هُوَ الزَّوْجُ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا إجْمَاعًا.
قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمُرْتَدُّ مُسْلِمَةً وَلَا كَافِرَةً وَلَا مُرْتَدَّةً)؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْقَتْلِ وَالْإِمْهَالُ إنَّمَا هُوَ ضَرُورَةُ التَّأَمُّلِ وَالنِّكَاحُ يَشْغَلُهُ عَنْ التَّأَمُّلِ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ الْمُرْتَدَّةُ لَا يَتَزَوَّجُهَا مُسْلِمٌ وَلَا كَافِرٌ وَلَا مُرْتَدٌّ)؛ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ لِلتَّأَمُّلِ وَخِدْمَةُ الزَّوْجِ تَشْغَلُهَا عَنْ التَّأَمُّلِ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مُسْلِمًا فَالْوَلَدُ عَلَى دِينِهِ وَكَذَا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا وَلَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ صَارَ وَلَدُهُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِهِ)؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ نَظَرًا لِلْوَلَدِ وَالْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مُسْلِمَةً وَالزَّوْجُ كَافِرًا فِي حَالِ الْبَقَاءِ بِأَنْ أَسْلَمَتْ هِيَ وَلَمْ يُسْلِمْ فَهُمَا زَوْجَانِ حَتَّى يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَوْلُهُ (فَالْوَلَدُ عَلَى دِينِهِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْوَلَدُ الصَّغِيرُ مَعَ مَنْ أَسْلَمَ أَوْ كَانَ الْوَلَدُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَاَلَّذِي أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَمَّا إذَا كَانَ الَّذِي أَسْلَمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَالْوَلَدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِهِ حَتَّى أَنَّهُ يَصِحُّ سَبْيُهُ وَيَكُونُ مَمْلُوكًا لِلَّذِي سَبَاهُ قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ كِتَابِيًّا وَالْآخَرُ مَجُوسِيًّا فَالْوَلَدُ كِتَابِيٌّ)؛ لِأَنَّ فِيهِ نَوْعَ نَظَرٍ لَهُ قَوْلُهُ (وَإِذَا تَزَوَّجَ الْكَافِرُ بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْ كَافِرٍ وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ فِي دِينِهِمْ ثُمَّ أَسْلَمَا أَقَرَّا عَلَيْهِ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ زُفَرُ النِّكَاحُ فَاسِدٌ فِي الْوَجْهَيْنِ يَعْنِي بِغَيْرِ شُهُودٍ وَفِي عِدَّةٍ مِنْ كَافِرٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَالْمُرَافَعَةِ إلَى الْحَاكِمِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي كَمَا قَالَ زُفَرُ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَحُرْمَةُ النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَإِنَّمَا قَالَ فِي عِدَّةٍ مِنْ كَافِرٍ احْتِرَازًا مِنْ الذِّمِّيَّةِ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ وَتَفْرِيعُ الْمَسَائِلِ إذَا تَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً بِغَيْرِ شُهُودٍ ثُمَّ أَسْلَمَ فَإِنَّهُ يُقَرُّ عَلَيْهِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَإِنْ تَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً فِي عِدَّةِ ذِمِّيٍّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ أَسْلَمَا أُقِرَّا عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ النِّكَاحُ فَاسِدٌ وَلَا يُقَرَّانِ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ وَأَمَّا نِكَاحُ الْمَحَارِمِ فَهُوَ فَاسِدٌ إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يَتَرَافَعُوا إلَيْنَا أَوْ يُسْلِمَ أَحَدُهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ تَرَافَعُوا إلَيْنَا أَمْ لَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ ارْتَفَعَ أَحَدُهُمَا فَرَّقْتُ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ تَزَوَّجَ الْكَافِرُ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ جَمَعَ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ نِسْوَةٍ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ وَلَا يُقِرُّ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا أَسْلَمَ اخْتَارَ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ وَمِنْ الْخَمْسِ أَرْبَعًا فَإِنْ كَانَ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَبِنْتِهَا فَهُوَ كَذَلِكَ فِي قَوْلِهِمْ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ دَخَلَ بِهِمَا فَرَّقْت بَيْنَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الْأُمُّ وَيُمْسِكُ الْبِنْتَ؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَ الْبِنْتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَنِكَاحُ الْأُمِّ لَا يُحَرِّمُ الْبِنْتَ مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَإِذَا تَزَوَّجَ الْحَرْبِيُّ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ ثُمَّ اسْتَرَقَّ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُخَيَّرُ بَيْنَ ثِنْتَيْنِ وَإِنْ تَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ بِذِمِّيَّةٍ عَلَى أَنْ لَا صَدَاقَ لَهَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا صَدَاقَ لَهَا كَالْحَرْبِيِّ وَالْحَرْبِيَّةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ كَالْمُسْلِمِ وَالْمُسْلِمَةِ قَالَ صَاحِبُ الْمَنْظُومَةِ فِي مَقَالَاتِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْمَهْرُ فِي نِكَاحِ أَهْلِ الذِّمَّهْ لَوْ نَفَيَاهُ لَمْ يَجِبْ فِي الذِّمَّهْ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ تَزَوَّجَ الْمَجُوسِيُّ أُمَّهُ أَوْ بِنْتَه ثُمَّ أَسْلَمَتْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا)، وَكَذَا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا أَوْ لَمْ يُسْلِمَا وَتَرَافَعَا إلَيْنَا أَمَّا إذَا رَفَعَ أَحَدُهُمَا لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِهَذَا النِّكَاحِ بَيْنَهُمْ حُكْمُ الصِّحَّةِ مَا لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ وَعِنْدَهُمَا لَهُ حُكْمُ الْبُطْلَانِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَفَائِدَتُهُ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ عِنْدَ التَّفْرِيقِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ ذَلِكَ خِلَافًا لَهُمَا.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ امْرَأَتَانِ حُرَّتَانِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَهُمَا فِي الْقَسْمِ بِكْرَيْنِ كَانَتَا أَوْ ثِيبَتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا بِكْرًا وَالْأُخْرَى ثَيِّبًا) أَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا حَدِيثَةً وَالْأُخْرَى قَدِيمَةً وَسَوَاءٌ كُنَّ مُسْلِمَاتٍ أَوْ كِتَابِيَّاتٍ أَوْ إحْدَاهُمَا مُسْلِمَةً وَالْأُخْرَى كِتَابِيَّةً فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَالْمَلْبُوسِ قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا حُرَّةً وَالْأُخْرَى أَمَةً فَلِلْحُرَّةِ الثُّلُثَانِ مِنْ الْقَسْمِ وَلِلْأَمَةِ الثُّلُثُ) وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ فِيهِنَّ قَائِمٌ وَالْمَرِيضُ وَالصَّحِيحُ فِي اعْتِبَارِ الْقَسْمِ سَوَاءٌ ثُمَّ التَّسْوِيَةُ الْمُسْتَحَقَّةُ إنَّمَا هِيَ فِي الْبَيْتُوتَةِ لَا فِي الْمُجَامَعَةِ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى النَّشَاطِ وَلِأَنَّ الْمُجَامَعَةَ حَقُّهُ فَإِذَا تَرَكَهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ وَعِمَادُ الْقَسْمِ اللَّيْلُ وَلَا يُجَامِعُ الْمَرْأَةَ فِي غَيْرِ يَوْمِهَا وَلَا يَدْخُلُ بِاللَّيْلِ عَلَى الَّتِي لَا قَسْمَ لَهَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا بِالنَّهَارِ لِحَاجَةٍ وَيَعُودُهَا فِي مَرَضِهَا فِي لَيْلَةِ غَيْرِهَا وَإِنْ ثَقُلَ مَرَضُهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا حَتَّى تُشْفَى أَوْ تَمُوتَ.
وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَقْسِمَ لَيْلَتَيْنِ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَلَهُ ذَلِكَ وَيُسَوِّيَ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ الْمُرَاهِقَةِ وَالْبَالِغَةِ وَالْمَجْنُونَةِ وَالْعَاقِلَةِ وَالْمَرِيضَةِ وَالصَّحِيحَةِ وَالْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ، وَكَذَا الْمَجْبُوبُ وَالْخَصِيُّ وَالْعِنِّينُ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ النِّسَاءِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْعَدْلِ فِي الْمُؤَانَسَةِ دُونَ الْمُجَامَعَةِ وَيُسَوِّيَ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ الْحَدِيثَةِ وَالْقَدِيمَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إنْ كَانَتْ الْحَدِيثَةُ بِكْرًا فَضَّلَهَا بِسَبْعِ لَيَالٍ وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَبِثَلَاثٍ قُلْنَا لَوْ وَجَبَ التَّفْضِيلُ لَكَانَتْ الْقَدِيمَةُ أَحَقَّ؛ لِأَنَّ الْوَحْشَةَ فِي جَانِبِهَا أَكْثَرُ حَيْثُ أَدْخَلَ عَلَيْهَا مَا يَغِيظُهَا قَوْلُهُ (وَلَا حَقَّ لَهُنَّ فِي الْقَسْمِ فِي حَالِ السَّفَرِ وَيُسَافِرُ بِمَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ فَيُسَافِرَ بِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهَا) فَإِنْ سَافَرَ بِإِحْدَاهُنَّ ثُمَّ عَادَ مِنْ سَفَرِهِ فَطَلَبَ الْبَاقِيَاتُ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُنَّ مِثْلَ سَفَرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ ذَلِكَ وَلَمْ يُحْسَبْ عَلَيْهِ بِأَيَّامِ سَفَرِهِ فِي الَّتِي كَانَتْ مَعَهُ وَلَكِنْ يَسْتَقْبِلُ الْعَدْلَ بَيْنَهُنَّ وَقَدْ قَالُوا: إنَّ الرَّجُلَ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْقَسْمِ يُضْرَبُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَدْرَكُ الْحَقُّ فِيهِ بِالْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَلَوْ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ فَطَالَبَتْهُ أَنْ يَبِيتَ مَعَهَا وَهُوَ يَشْتَغِلُ عَنْهَا بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَرَفَعَتْهُ إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ أَنْ يَبِيتَ مَعَهَا وَيُفْطِرَ لَهَا وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدٌّ وَلَا تَوْقِيتٌ.
وَفِي الْخُجَنْدِيِّ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا يَقُولُ يَجْعَلُ لَهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا يَتَفَرَّغُ لِلْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا ثَلَاثًا أُخَرَ فَيَكُونُ لَهَا مِنْ الْقَسْمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ الْأَرْبَعِ وَبِهَذَا حَكَمَ كَعْبُ بْنُ سُوَرٍ وَاسْتَحْسَنَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ إلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَتْ: إنَّ زَوْجِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ فَقَالَ عُمَرُ نِعْمَ الزَّوْجُ زَوْجُكِ فَأَعَادَتْ عَلَيْهِ كَلَامَهَا مِرَارًا فَقَالَ لَهَا مَا أَحْسَنَ ثَنَاءَك عَلَى زَوْجِك فَقَالَ كَعْبُ بْنُ سُوَرٍ أَنَّهَا تَشْكُوهُ قَالَ وَكَيْفَ ذَلِكَ قَالَ: إنَّهَا تَشْكُو إذْ صَامَ بِالنَّهَارِ وَقَامَ بِاللَّيْلِ هَجَرَ صُحْبَتَهَا وَلَمْ يَتَفَرَّغْ لَهَا فَعَجِبَ عُمَرُ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ اقْضِ بَيْنَهُمَا يَا كَعْبُ فَحَكَمَ كَعْبٌ لَهَا بِلَيْلَةٍ وَلِزَوْجِهَا بِثَلَاثٍ فَاسْتَحْسَنَهُ عُمَرُ وَوَلَّاهُ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ عَنْ هَذَا وَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ أَرْبَعًا فَطَلَبْنَهُ بِالْوَاجِبِ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ لَيْلَةٌ مِنْ الْأَرْبَعِ فَلَوْ جَعَلْنَا هَذَا حَقًّا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ لَكَانَ لَا يَتَفَرَّغُ لِأَفْعَالِهِ فَلَمْ يُؤَقِّتْ لِهَذَا وَقْتًا وَإِنَّمَا يُجْعَلُ لَهَا لَيْلَةً مِنْ الْأَيَّامِ بِقَدْرِ مَا يَحْسُنُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةً فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ يَجْعَلُ لَهَا لَيْلَةً مِنْ كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ ثَلَاثَ حَرَائِرَ فَيَكُونَ لَهَا لَيْلَةٌ مِنْ سَبْعِ لَيَالٍ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا رَضِيت إحْدَى الزَّوْجَاتِ بِتَرْكِ قَسْمِهَا لِصَاحِبَتِهَا جَازَ وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِي ذَلِكَ)؛ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقًّا لَمْ يَجِبْ فَلَا يَسْقُطُ وَلِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَالْإِنْسَانُ لَا يُجْبَرُ عَلَى التَّبَرُّعِ وَلَوْ أَنَّ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ بَذَلَتْ مَالًا لِلزَّوْجِ لِيَجْعَلَ لَهَا مِنْ الْقَسْمِ أَكْثَرَ أَوْ بَذَلَ لَهَا الزَّوْجُ مَالًا لِتَجْعَلَ يَوْمَهَا لِصَاحِبَتِهَا أَوْ بَذَلَتْ هِيَ الْمَالَ لِصَاحِبَتِهَا لِتَجْعَلَ يَوْمَهَا لَهَا فَذَلِكَ كُلُّهُ لَا يَجُوزُ وَيُرَدُّ الْمَالُ إلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ وَالرِّشْوَةُ حَرَامٌ وَلَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْزِلَ مَاءَهُ عَنْ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَالْإِذْنُ إلَى مَوْلَاهَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إلَى الْأَمَةِ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَعْزِلَ عَنْ أَمَتِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ رِضَاهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. بِالصَّوَابِ.

.(كِتَابُ الرَّضَاعِ):

هُوَ فِي اللُّغَةِ الْمَصُّ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ إرْضَاعٍ مَخْصُوصٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ فَقَوْلُنَا مَخْصُوصٍ أَنْ تَكُونَ الْمُرْضِعَةُ آدَمِيَّةً وَالرَّاضِعُ فِي مُدَّةِ الْإِرْضَاعِ وَسَوَاءٌ وَصَلَ اللَّبَنُ إلَى جَوْفِ الطِّفْلِ مِنْ ثَدْيٍ أَوْ مُسْعَطٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنْ حُقِنَ بِهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ فِي الْمَشْهُورِ وَإِنْ أَقُطِرَ فِي أُذُنَيْهِ أَوْ فِي إحْلِيلِهِ أَوْ فِي جَائِفَةٍ أَوْ آمَّةٍ لَمْ يُحَرِّمْ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (قَلِيلُ الرَّضَاعِ وَكَثِيرُهُ إذَا حَصَلَ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ) يَعْنِي بَعْدَ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ الْقَلِيلُ مُفَسَّرٌ بِمَا يُعْلَمُ أَنَّهُ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ.
قَوْلُهُ (وَمُدَّةُ الرَّضَاعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثُونَ شَهْرًا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ سَنَتَانِ). وَقَالَ زُفَرُ ثَلَاثُ سِنِينَ وَفِي الذَّخِيرَةِ مُدَّتُهُ ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ أَدْنَى وَوَسَطٌ وَأَقْصَى فَالْأَدْنَى حَوْلٌ وَنِصْفٌ وَالْوَسَطُ حَوْلَانِ وَالْأَقْصَى حَوْلَانِ وَنِصْفٌ حَتَّى لَوْ نَقَصَ عَنْ الْحَوْلَيْنِ لَا يَكُونُ شَطَطًا وَإِنْ زَادَ عَلَى الْحَوْلَيْنِ لَا يَكُونُ تَعَدِّيًا وَإِذَا كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَوَلَدَتْ فَلَهُ إجْبَارُهَا عَلَى إرْضَاعِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ لَبَنَهَا وَمَنَافِعَهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ وَلَهُ أَنْ يَأْمُرَهَا بِفِطَامِهِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ إذَا لَمْ يَضُرَّهُ الْفِطَامُ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ فَإِنَّهُ لَا يُجْبِرُهَا عَلَى الْإِرْضَاعِ فَإِنْ رَضِيَتْ بِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْمُرَهَا بِالْفِطَامِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ لَهَا حَقَّ التَّرْبِيَةِ إلَى تَمَامِ مُدَّةِ الرَّضَاعِ إلَّا أَنْ تَخْتَارَ هِيَ ذَلِكَ قَوْلُهُ (فَإِذَا مَضَتْ مُدَّةُ الرَّضَاعِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالرَّضَاعِ تَحْرِيمٌ) قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «لَا رَضَاعَ بَعْدَ الْفِصَالِ» وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ فُصِلَ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ وَاسْتَغْنَى عَنْ الرَّضَاعِ فِي الْمُدَّةِ عَلَى قَوْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ رَضَاعٍ فِي الثَّلَاثِينَ شَهْرًا قَبْلَ الْفِطَامِ أَوْ بَعْدَهُ فَهُوَ رَضَاعٌ يُحَرِّمُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا فُطِمَ فِي السَّنَتَيْنِ حَتَّى اسْتَغْنَى بِالطَّعَامِ فَارْتَضَعَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي السَّنَتَيْنِ أَوْ الثَّلَاثِينَ شَهْرًا لَمْ يَكُنْ رَضَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَا رَضَاعَ بَعْدَ الْفِطَامِ وَإِنْ هِيَ فَطَمَتْهُ فَأَكَلَ أَكْلًا ضَعِيفًا لَا يَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ الرَّضَاعِ ثُمَّ عَادَ فَارْتَضَعَ فَهُوَ رَضَاعٌ يُحَرِّمُ وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَكَانَ لَا يَعْتَدُّ بِالْفِطَامِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ.
قَوْلُهُ (وَيَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ إلَّا أُمَّ أَخِيهِ مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ أَخِيهِ مِنْ النَّسَبِ)؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ أُمَّهُ أَوْ مَوْطُوءَةَ أَبِيهِ بِخِلَافِ الرَّضَاعِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْمَرْأَةِ يُحَرِّمُ أُمَّهَا مِنْ النَّسَبِ فَكَذَا مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ تَزْوِيجُ بِنْتِ امْرَأَته مِنْ الرَّضَاعِ إنْ دَخَلَ بِهَا؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الرَّبِيبَةِ مِنْ النَّسَبِ يَتَعَلَّقُ بِوَطْءِ الْأُمِّ فَكَذَا الرَّبِيبَةُ مِنْ الرَّضَاعِ.
قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا يَجُوزُ مِنْ النَّسَبِ)؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَطِئَ أُمَّهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ وَلَا يُوجَدُ هَذَا الْمَعْنَى فِي الرَّضَاعِ قَوْلُهُ (وَامْرَأَةَ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا كَمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ) وَذَكَرَ الْأَصْلَابَ فِي النَّصِّ لِإِسْقَاطِ اعْتِبَارِ التَّبَنِّي.
قَوْلُهُ (وَلَبَنُ الْفَحْلِ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ، وَهُوَ إنْ ارْتَضَعَ الْمَرْأَةَ صَبِيَّةٌ فَتَحْرُمُ هَذِهِ الصَّبِيَّةُ عَلَى زَوْجِهَا وَعَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ وَيَصِيرُ الزَّوْجُ الَّذِي نَزَلَ مِنْهُ اللَّبَنُ أَبًا لِلْمِرْضَعَةِ) وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ التَّحْرِيمُ بِلَبَنِ الْفَحْلِ إذَا وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ مِنْهُ أَمَّا إذَا لَمْ تَلِدْ وَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ يَخْتَصُّ بِهَا دُونَهُ حَتَّى لَا تَحْرُمَ هَذِهِ الصَّبِيَّةُ عَلَى وَلَدِ هَذَا الرَّجُلِ مِنْ امْرَأَةٍ أُخْرَى وَقَوْلُهُ فَتَحْرُمُ هَذِهِ الصَّبِيَّةُ عَلَى زَوْجِهَا وَقَعَ اتِّفَاقًا وَخَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ زَوْجِهَا وَغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ زَنَى رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَوَلَدَتْ مِنْهُ وَأَرْضَعَتْ صَبِيَّةً بِلَبَنِهِ تَحْرُمُ عَلَيْهِ هَذِهِ الصَّبِيَّةُ وَعَلَى أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ وَذَكَرَ الْخُجَنْدِيُّ خِلَافَ هَذَا فَقَالَ الْمَرْأَةُ إذَا وَلَدَتْ مِنْ الزِّنَا فَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ أَوْ نَزَلَ لَهَا لَبَنٌ مِنْ غَيْرِ وِلَادَةٍ فَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا فَإِنَّ الرَّضَاعَ يَكُونُ مِنْهَا خَاصَّةً لَا مِنْ الزَّانِي وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ مِنْهُ النَّسَبُ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ الرَّضَاعُ وَإِنْ وَطِئَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ فَحَبِلَتْ مِنْهُ فَأَرْضَعَتْ صَبِيًّا فَهُوَ ابْنُ الْوَاطِئِ مِنْ الرَّضَاعِ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الْوَاطِئِ ثَبَتَ مِنْهُ الرَّضَاعُ وَمَنْ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ الرَّضَاعُ وَعَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ لَا تُرْضِعَ كُلَّ صَبِيٍّ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَإِنْ أَرْضَعَتْ فَلْتَحْفَظْ وَلْتَكْتُبْ احْتِيَاطًا حَتَّى لَا يَنْسَى بِطُولِ الزَّمَانِ وَمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَلَهَا لَبَنٌ مِنْهُ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ ثُمَّ أَرْضَعَتْ صَبِيًّا عِنْدَ الثَّانِي إنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ تَحْبَلَ مِنْ الثَّانِي فَالرَّضَاعُ يَكُونُ مِنْ الْأَوَّلِ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَا حَبِلَتْ مِنْ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ تَلِدَ فَالرَّضَاعُ مِنْ الْأُولَى إلَى أَنْ تَلِدَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِذَا وَلَدَتْ فَالتَّحْرِيمُ مِنْ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُعْتَبَرُ بِالْغَلَبَةِ فَإِنْ كَانَا سَوَاءً فَهُوَ مِنْهُمَا وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ هَذَا اللَّبَنَ مِنْ الثَّانِي كَانَ مِنْهُ وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ الْأَوَّلِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ مِنْهُمَا جَمِيعًا إلَى أَنْ تَلِدَ فَإِذَا وَلَدَتْ فَالتَّحْرِيمُ مِنْ الثَّانِي.
قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَ أَخِيهِ مِنْ الرَّضَاعِ كَمَا يَجُوزُ مِنْ النَّسَبِ وَذَلِكَ مِثْلَ الْأَخِ مِنْ الْأَبِ إذَا كَانَ لَهُ أُخْتٌ مِنْ أُمِّهِ جَازَ لِأَخِيهِ مِنْ أَبِيهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا مَا يُوجِبُ تَحْرِيمًا.
قَوْلُهُ: (وَكُلُّ صَبِيَّيْنِ اجْتَمَعَا عَلَى ثَدْيٍ وَاحِدٍ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْآخَرِ) الْمُرَادُ اجْتِمَاعُهُمَا عَلَى الرَّضَاعِ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ تَقَدَّمَ رَضَاعُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ أُمَّهُمَا وَاحِدَةٌ فَهُمَا أَخٌ وَأُخْتٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ اجْتِمَاعَهُمَا مَعًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنَّمَا يُرِيدُ إذَا كَانَ رَضَاعُهُمَا مِنْ ثَدْيٍ وَاحِدٍ فَعَلَى هَذَا لَوْ تَزَوَّجَ صَغِيرَةً فَأَرْضَعَتْهَا أَمَةٌ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ أُخْتَهُ وَلَوْ تَزَوَّجَ صَغِيرَتَيْنِ فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ فَأَرْضَعَتْهُمَا مَعًا أَوْ وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى صَارَتَا أُخْتَيْنِ وَحُرِّمَتَا عَلَيْهِ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ حَصَلَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ بِغَيْرِ فِعْلِهِمَا فَإِنْ كَانَتْ الْمُرْضِعَةُ تَعَمَّدَتْ الْفَسَادَ رَجَعَ عَلَيْهَا بِمَا عَزَمَ مِنْ الْمَهْرِ وَإِنْ لَمْ تَتَعَمَّدْ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ فَإِنْ كُنَّ ثَلَاثَ صَبَايَا فَأَرْضَعَتْهُنَّ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ بَانَتْ الْأُولَيَانِ وَكَانَتْ الثَّالِثَةُ امْرَأَتَهُ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا رَضَعَتْ الثَّانِيَةُ صَارَ جَامِعًا بَيْنَ أُخْتَيْنِ فَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا ثُمَّ لَمَّا أَرْضَعَتْ الثَّالِثَةَ صَارَتْ أُخْتًا لَهُمَا وَهُمَا أَجْنَبِيَّتَانِ وَالتَّحْرِيمُ يَتَعَلَّقُ بِالْجَمْعِ وَإِنْ أَرْضَعَتْ الْأُولَى ثُمَّ الثِّنْتَيْنِ مَعًا بِنَّ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ إرْضَاعَ الْأُولَى لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ فَلَمَّا أَرْضَعَتْ الْأَخِيرَتَيْنِ مَعًا صِرْنَ أَخَوَاتٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَفْسُدُ نِكَاحُهُنَّ وَإِنْ كُنَّ أَرْبَعَ صَبَايَا فَأَرْضَعَتْهُنَّ وَاحِدَةٌ بَعْدَ أُخْرَى بِنَّ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهَا لَمَّا أَرْضَعَتْ الثَّانِيَةَ صَارَتْ أُخْتًا لِلْأُولَى فَبَانَتَا فَلَمَّا أَرْضَعَتْ الرَّابِعَةَ صَارَتْ أُخْتًا لِلثَّالِثَةِ فَبَانَتَا جَمِيعًا.
قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمُرْضَعَةَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ الَّتِي أَرْضَعَتْهَا)؛ لِأَنَّهُ أَخُوهَا وَلَا وَلَدُ وَلَدِهَا؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ أَخِيهَا.
قَوْلُهُ (وَلَا يَتَزَوَّجُ الصَّبِيُّ الْمُرْضَعُ بِأُخْتِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا عَمَّتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ) قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ».
قَوْلُهُ (وَإِذَا اخْتَلَطَ اللَّبَنُ بِالْمَاءِ وَاللَّبَنُ هُوَ الْغَالِبُ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ وَإِنْ غَلَبَ الْمَاءُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ) وَغَلَبَةُ اللَّبَنِ أَنْ يُوجَدَ طَعْمُهُ وَلَوْنُهُ وَرِيحُهُ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْغَالِبُ هُوَ الْمَاءُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ التَّغَذِّي كَمَا فِي الْيَمِينِ إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ اللَّبَنَ فَشَرِبَ لَبَنًا مَخْلُوطًا بِالْمَاءِ وَالْمَاءُ غَالِبٌ لَمْ يَحْنَثْ وَقِيلَ الْغَلَبَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَغَيُّرُ اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إخْرَاجُهُ مِنْ الِاسْمِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا اخْتَلَطَ بِالطَّعَامِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَعِنْدَهُمَا إذَا كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ قَوْلُهُمَا فِيمَا إذَا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ حَتَّى لَوْ طَبَخَ بِهَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَفِي الْمُسْتَصْفَى إنَّمَا لَمْ يَثْبُتْ التَّحْرِيمُ عِنْدَهُ إذَا لَمْ يَشْرَبْهُ أَمَّا إذَا حَسَاهُ حَسْوًا يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ وَقِيلَ إنْ كَانَ الطَّعَامُ قَلِيلًا بِحَيْثُ أَنْ يَصِيرَ اللَّبَنُ مَشْرُوبًا فِيهِ فَشَرِبَهُ ثَبَتَ التَّحْرِيمُ قَوْلُهُ (وَإِذَا اخْتَلَطَ بِالدَّوَاءِ وَاللَّبَنُ هُوَ الْغَالِبُ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ)؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ يَبْقَى مَقْصُودًا فِيهِ إذْ الدَّوَاءُ لِتَقْوِيَتِهِ عَلَى الْوُصُولِ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا حَلَبَ اللَّبَنَ مِنْ الْمَرْأَةِ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَوْجَرَ بِهِ الصَّبِيَّ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ)؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ بَعْدَ الْمَوْتِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ إلَّا أَنَّهُ فِي وِعَاءٍ نَجِسٍ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ التَّحْرِيمَ وَلِأَنَّ اللَّبَنَ لَا يَلْحَقُهُ بِالْمَوْتِ فَحَالُهُ بَعْدَهُ كَحَالِهِ قَبْلَهُ وَلِأَنَّ الْمَيِّتَةَ فُقِدَ فِعْلُهَا وَفِعْلُ الْمُرْضِعَةِ لَا يُعْتَبَرُ بِدَلَالَةِ ارْتِضَاعِ الصَّبِيِّ مِنْهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ وَفَائِدَةُ التَّحْرِيمِ بِلَبَنِ الْمَيِّتَةِ أَنَّهُ لَوْ ارْتَضَعَ بِلَبَنِهَا صَغِيرَةً وَلَهَا زَوْجٌ فَإِنَّ الْمَيِّتَةَ تَصِيرُ أُمَّ زَوْجَتِهِ وَتَصِيرُ مَحْرَمًا لِلْمَيِّتَةِ فَلَهُ أَنْ يُيَمِّمَهَا وَيَدْفِنَهَا وَهَذَا بِخِلَافِ وَطْءِ الْمَيِّتَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ اللَّبَنِ التَّغَذِّي وَالْمَوْتُ لَا يَمْنَعُ مِنْهُ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْوَطْءِ اللَّذَّةُ الْمُعْتَادَةُ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي وَطْءِ الْمَيِّتَةِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَطَ اللَّبَنُ بِلَبَنِ شَاةٍ وَاللَّبَنُ هُوَ الْغَالِبُ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ وَإِنْ غَلَبَ لَبَنُ الشَّاةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ) كَمَا فِي الْمَاءِ وَعَلَى هَذَا إذَا اخْتَلَطَ بِالدُّهْنِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا اخْتَلَطَ لَبَنُ امْرَأَتَيْنِ تَعَلَّقَ التَّحْرِيمُ بِأَكْثَرِهِمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا إذَا تَسَاوَيَا تَعَلَّقَ بِهِمَا جَمِيعًا إجْمَاعًا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا نَزَلَ لِلْبِكْرِ لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ) لِإِطْلَاقِ النَّصِّ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} وَلَوْ أَنَّ صَبِيَّةً لَمْ تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ نَزَلَ لَهَا لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ التَّحْرِيمُ بِهِ إذَا حَصَلَ مِنْ بِنْتِ تِسْعِ سِنِينَ فَصَاعِدًا.
قَوْلُهُ (وَإِذَا نَزَلَ لِلرَّجُلِ لَبَنٌ فَأَرْضَعَ بِهِ صَبِيًّا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَبَنٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ مِمَّنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْوِلَادَةُ وَإِذَا نَزَلَ لِلْخُنْثَى لَبَنٌ إنْ عُلِمَ أَنَّهُ امْرَأَةٌ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ رَجُلٌ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ وَإِنْ أَشْكَلَ إنْ قَالَ النِّسَاءُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ عَلَى غَزَارَتِهِ إلَّا لِامْرَأَةٍ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ احْتِيَاطًا وَإِنْ لَمْ يَقُلْنَ ذَلِكَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ وَإِذَا تَجَبَّنَ لَبَنُ امْرَأَةٍ وَأَطْعَمَ الصَّبِيَّ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا شَرِبَ صِبْيَانٌ مِنْ لَبَنِ شَاةٍ فَلَا رَضَاعَ بَيْنَهُمَا)؛ لِأَنَّ لَبَنَ الشَّاةِ لَا حُرْمَةَ لَهُ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأُمُومَةَ لَا تَثْبُتُ بِهِ وَلَا أُخُوَّةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَدِهَا وَلِأَنَّ لَبَنَ الْبَهَائِمِ لَهُ حُكْمُ الطَّعَامِ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ صَغِيرَةً وَكَبِيرَةً فَأَرْضَعَتْ الْكَبِيرَةُ الصَّغِيرَةَ حُرِّمَتَا عَلَى الزَّوْجِ)؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَةَ صَارَتْ أَمَّا لَهَا فَيَكُونُ جَامِعًا بَيْنَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ وَذَلِكَ حَرَامٌ قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِالْكَبِيرَةِ فَلَا مَهْرَ لَهَا)؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَانِعَةً لِنَفْسِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ قَوْلُهُ (وَلِلصَّغِيرَةِ نِصْفُ الْمَهْرِ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهَا فِعْلٌ قَوْلُهُ (وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْكَبِيرَةِ إنْ كَانَتْ تَعَمَّدَتْ الْفَسَادَ) بِأَنْ عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ وَقَصَدَتْ بِالْإِرْضَاعِ الْفَسَادَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَرْجِعُ عَلَيْهَا تَعَمَّدَتْ أَوْ لَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا أَنَّهَا لَمْ تَتَعَمَّدْ مَعَ يَمِينِهَا وَتَفْسِيرُ التَّعَمُّدِ هُوَ أَنْ تُرْضِعَهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ بِأَنْ كَانَتْ شَبْعَانَةً وَأَنْ تَعْلَمَ بِقِيَامِ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْلَمَ بِأَنَّ الْإِرْضَاعَ مُفْسِدٌ أَمَّا إذَا فَاتَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا لَمْ تَكُنْ مُتَعَمِّدَةً وَإِنْ أَرْضَعَتْهَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا جَائِعَةٌ ثُمَّ بَانَ أَنَّهَا شَبْعَانَةٌ لَا تَكُونُ مُتَعَمِّدَةً وَلَوْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ صَغِيرَةٌ وَمَجْنُونَةٌ فَأَرْضَعَتْ الْمَجْنُونَةُ الصَّغِيرَةَ حُرِّمَتَا عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِالْمَجْنُونَةِ فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَلِلصَّغِيرَةِ النِّصْفُ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمَجْنُونَةِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهَا لَا يُوصَفُ بِالْجِنَايَةِ، وَكَذَا إذَا جَاءَتْ الصَّغِيرَةُ إلَى الْكَبِيرَةِ الْعَاقِلَةِ وَهِيَ نَائِمَةٌ فَأَخَذَتْ ثَدْيَهَا وَجَعَلَتْهُ فِي فَمِهَا وَارْتَضَعَتْ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمِهَا بَانَتَا مِنْهُ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَخَذَ لَبَنَ الْكَبِيرَةِ فَأَوْجَرَ بِهِ الصَّغِيرَةَ بَانَتَا مِنْهُ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الصَّدَاقِ فَإِنْ تَعَمَّدَ الرَّجُلُ الْفَسَادَ وَغَرِمَ نِصْفَ الصَّدَاقِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ تَتَعَمَّدْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا) وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ الصَّغِيرَةَ امْرَأَتُهُ مَعْنَاهُ إذَا قَصَدَتْ دَفْعَ الْجُوعِ عَنْهَا وَخَوْفَ الْهَلَاكِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ فَرْضٌ عَلَيْهَا إذَا خَافَتْ هَلَاكَهَا وَإِنْ عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ وَلَمْ تَعْلَمْ بِالْفَسَادِ لَمْ تَكُنْ مُتَعَدِّيَةً فَلَا يَلْزَمُهَا ضَمَانٌ.
قَوْلُهُ (وَلَا تُقْبَلُ فِي الرَّضَاعِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ) مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ؛ لِأَنَّ ذَا الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ يَنْظُرُ إلَى الثَّدْيِ وَهُوَ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ (وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) إذَا كَانُوا عُدُولًا فَإِذَا شَهِدُوا بِذَلِكَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَمِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَلَيْسَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ نَفَقَةٌ وَلَا سُكْنَى قَالَ الْكَرْخِيُّ رُوِيَ «أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ الْحَارِثِ قَالَ تَزَوَّجْتُ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إهَابٍ فَجَاءَتْ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: إنِّي أَرْضَعَتْكُمَا قَالَ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْرَضَ ثُمَّ ذَكَرْتُهُ لَهُ فَأَعْرَضَ حَتَّى قَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ فَدَعْهَا إذًا وَرُوِيَ فَارِقْهَا فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا سَوْدَاءُ فَقَالَ كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ ؟ أَيْ قِيلَ: إنَّهَا أُخْتُك وَإِنَّمَا أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى طَرِيقِ التَّنَزُّهِ» أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْهُ أَوَّلًا وَثَانِيًا وَلَوْ وَجَبَ التَّفْرِيقُ لَمَا أَعْرَضَ عَنْهُ وَلَأَمَرَهُ بِالتَّفْرِيقِ فِي أَوَّلِ سُؤَالِهِ فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ التَّنَزُّهَ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ فَارِقْهَا دَلِيلٌ عَلَى بَقَاءِ النِّكَاحِ.

.(كِتَابُ الطَّلَاقِ):

هُوَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إزَالَةِ الْقَيْدِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْإِطْلَاقِ تَقُولُ الْعَرَبُ أَطْلَقْتُ إبِلِي وَأَسِيرِي، وَطَلَّقْتُ امْرَأَتِي وَهُمَا سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا فَرَّقُوا بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَيَيْنِ فَجَعَلُوهُ فِي الْمَرْأَةِ طَلَاقًا وَفِي غَيْرِهِ إطْلَاقًا كَمَا فَرَّقُوا بَيْنَ حِصَانٍ وَحَصَانٍ فَقَالُوا لِلْمَرْأَةِ حَصَانٌ وَلِلْفَرَسِ حِصَانٌ، وَهُوَ سَوَاءٌ فِي اللَّفْظِ مُخْتَلِفٌ فِي الْمَعْنَى، وَهُوَ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ فِي الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لِحِلِّ عُقْدَةِ النِّكَاحِ وَيُقَالُ عِبَارَةٌ عَنْ إسْقَاطِ الْحَقِّ عَنْ الْبُضْعِ وَلِهَذَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ فَالطَّلَاقُ عِنْدَهُمْ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ زَوَالُ الْمِلْكِ عَقِيبَهُ إذَا كَانَ طَلَاقًا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَائِنًا وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا وَقَفَ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَيْ لَمْ يَزُلْ الْمِلْكُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَائِهَا.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (الطَّلَاقُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ) يَعْنِي أَنَّهُ حَسَنٌ وَأَحْسَنُ وَبِدْعِيٌّ وَهَذَا اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَفِي الْكَرْخِيِّ هُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ طَلَاقُ سُنَّةٍ وَطَلَاقُ بِدْعَةٍ أَمَّا تَقْسِيمُ الشَّيْخِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ طَلَاقَ سُنَّةٍ وَطَلَاقَ بِدْعَةٍ وَطَلَاقًا خَارِجًا عَنْهُمَا وَهُوَ طَلَاقُ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَطَلَاقُ الصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنَّهُ أَرَادَ طَلَاقَ صَرِيحٍ وَطَلَاقَ كِنَايَةٍ وَطَلَاقًا فِي مَعْنَى الصَّرِيحِ وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ يَقَعُ بِهَا الرَّجْعِيُّ وَلَا يَقَعُ بِهَا إلَّا وَاحِدَةً وَهُوَ قَوْلُهُ اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ قَوْلُهُ (فَأَحْسَنُ الطَّلَاقِ أَنْ لَا يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ وَيَتْرُكُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ أَحْسَنُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الطَّلَاقِ مَا هُوَ حَسَنٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْهُ قِيلَ هُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارِ لَا يُجَامِعُهَا فِيهِ حَسَنٌ، وَهُوَ طَلَاقٌ السُّنَّةِ وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْهُ.
قَوْلُهُ (وَطَلَاقُ السُّنَّةِ أَنْ يُطَلِّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ)، وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا تَطْلِيقَةً فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ ثُمَّ إذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ طَلَّقَهَا أُخْرَى ثُمَّ إذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ طَلَّقَهَا أُخْرَى فَقَدْ وَقَعَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ وَمَضَى مِنْ عِدَّتِهَا حَيْضَتَانِ فَإِذَا حَاضَتْ أُخْرَى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً عَلَى مَا ذَكَرْنَا ثُمَّ إذَا مَضَى شَهْرٌ طَلَّقَهَا أُخْرَى ثُمَّ إذَا مَضَى شَهْرٌ طَلَّقَهَا أُخْرَى فَقَدْ وَقَعَ عَلَيْهَا ثَلَاثٌ وَمَضَى مِنْ عِدَّتِهَا شَهْرَانِ فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ آخَرُ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَكَذَا عِنْدَهُمَا يُطَلِّقُهَا ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَيَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ تَطْلِيقَيْنِ بِشَهْرٍ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ الْحَامِلُ لَا تَطْلُقَ لِلسُّنَّةِ إلَّا مَرَّةً.
قَوْلُهُ (وَطَلَاقُ الْبِدْعَةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَبَانَتْ مِنْهُ وَكَانَ عَاصِيًا)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ الْحَظْرُ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ النِّكَاحِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الْمَصَالِحُ الدِّينِيَّةُ وَالدُّنْيَوِيَّةُ فَالدِّينِيَّةُ حِفْظُ النَّفْسِ مِنْ الزِّنَا وَحِفْظُ الْمَرْأَةِ أَيْضًا عَنْهُ وَفِيهِ تَكْثِيرٌ لِلْمُوَحِّدِينَ وَتَحْقِيقُ مُبَاهَاةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَأَمَّا الدُّنْيَوِيَّةُ فَقِوَامُ أَمْرِ الْمَعِيشَةِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَعْمَلُ دَاخِلَ الْبَيْتِ وَالرَّجُلُ خَارِجَهُ فَيَنْتَظِمُ أَمْرُهُمَا فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْحَظْرِ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ مِنْ حِبَالَةِ النِّكَاحِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِتَفْرِيقِ الطَّلَاقِ عَلَى الْأَطْهَارِ وَإِنَّمَا كَانَ عَاصِيًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا أَنْكَرَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ «قَالَ ابْنُ عُمَرَ أَرَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا قَالَ إذًا عَصَيْت رَبَّكَ وَبَانَتْ مِنْك» وَقَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ «طَلَّقَ بَعْضُ آبَائِنَا امْرَأَتَهُ أَلْفًا فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَانَتْ بِثَلَاثٍ فِي مَعْصِيَةٍ وَتِسْعُمِائَةٍ وَسَبْعَةٌ وَتِسْعُونَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ» وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يُؤْتَى بِرَجُلٍ طَلَّقَ ثَلَاثًا إلَّا أَوْجَعَهُ ضَرْبًا، وَكَذَا إيقَاعُ الثِّنْتَيْنِ فِي الطُّهْرِ الْوَاحِدِ بِدْعَةٌ، وَكَذَا الطَّلَاقُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَكَذَا فِي النِّفَاسِ أَيْضًا وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ صِفَةٍ زَائِدَةٍ فِي الْخَلَاصِ وَهِيَ الْبَيْنُونَةُ وَفِي الزِّيَادَاتِ لَا يُكْرَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ النَّاجِزِ.
قَوْلُهُ (وَالسُّنَّةُ فِي الطَّلَاقِ مِنْ وَجْهَيْنِ سُنَّةٌ فِي الْوَقْتِ وَسُنَّةٌ فِي الْعَدَدِ فَالسُّنَّةُ فِي الْعَدَدِ يَسْتَوِي فِيهَا الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا)؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ فِي كَلِمَةٍ إنَّمَا مَنَعَ مِنْهُ خَوْفًا مِنْ النَّدَمِ وَأَنْ يَبْدُوَ لَهُ فَيَسْتَدْرِكَ الْعَقْدَ عَلَيْهَا ثَانِيًا وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَيُقَالُ: إنَّ السُّنَّةَ فِي الْعَدَدِ هُوَ أَحْسَنُ الطَّلَاقِ، وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً لَا غَيْرُ وَسَمَّيْت الْوَاحِدَةُ عَدَدًا مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ الْعِدَّةِ إنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولَةٍ فَقَدْ وُجِدَتْ السُّنَّةُ فِي طَلَاقِهَا مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتِ أَمْرٍ آخَرَ وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولَةً فَلَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ إلَى الْوَقْتِ فَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ كَانَ سُنِّيًّا وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ كَانَ بِدْعِيًّا وَقَوْلُهُ يَسْتَوِي فِيهَا الْمَدْخُولَةُ وَغَيْرُهَا حَتَّى لَوْ قَالَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ يَقَعُ وَاحِدَةً سَاعَةَ تَكَلَّمَ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَقَعَتْ أُخْرَى سَاعَةَ تَزَوَّجَهَا، وَكَذَا الثَّالِثَةُ سَاعَة تَزَوَّجَهَا مَرَّةً أُخْرَى.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَقَعُ أُخْرَى حَتَّى يَمْضِيَ شَهْرٌ مِنْ الْأُولَى كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ قَوْلُهُ (وَالسُّنَّةُ فِي الْوَقْتِ تَثْبُتُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا خَاصَّةً وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ) أَوْ حَامِلًا قَدْ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا فِي حَالِ الْحَيْضِ طَوَّلَ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ قَدْ جَامَعَهَا فِيهِ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَكُونَ عَلِقَتْ مِنْ ذَلِكَ الْجِمَاعِ فَيَنْدَمَ عَلَى طَلَاقِهَا وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْمَدْخُولَةِ وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولَةِ فَلَا تَثْبُتُ فِيهَا السُّنَّةُ فِي الْوَقْتِ حَتَّى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ طَلَاقُهَا وَهِيَ حَائِضٌ؛ لِأَنَّهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا.
قَوْلُهُ (وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا يُطَلِّقُهَا فِي حَالَةِ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ) وَقَالَ زُفَرُ لَا يُطَلِّقُهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ وَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِلسُّنَّةِ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً مَتَى شَاءَ)؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ طَلَاقِ الْحَائِضِ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ وَخَوْفُ الْحَبَلِ وَهَذَا مَعْدُومٌ فِي الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ.
وَقَالَ زُفَرُ لَا يُطَلِّقُهَا حَتَّى يَمْضِيَ شَهْرٌ بَعْدَمَا جَاءَ مَعَهَا فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَحْصُلَ لَهَا طَلَاقُ السُّنَّةِ بِالْعَدَدِ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً مَتَى شَاءَ ثُمَّ يَتْرُكُهَا حَتَّى يَمْضِيَ شَهْرٌ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا أُخْرَى ثُمَّ يَتْرُكُهَا شَهْرًا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا أُخْرَى قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَلَا يَفْصِلُ بَيْنَ وَطْئِهَا وَطَلَاقِهَا بِزَمَانٍ) يَعْنِي الَّتِي لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ.
وَقَالَ زُفَرُ يَفْصِلُ بَيْنَ وَطْئِهَا وَطَلَاقِهَا بِشَهْرٍ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يُرْجَى مِنْهَا الْحَيْضُ وَالْحَبَلُ أَمَّا إذَا كَانَتْ يُرْجَى مِنْهَا ذَلِكَ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ وَطْئِهَا وَطَلَاقِهَا بِشَهْرٍ إجْمَاعًا.
قَوْلُهُ (وَطَلَاقُ الْحَامِلِ يَجُوزُ عَقِيبَ الْجِمَاعِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى اشْتِبَاهِ الْعِدَّةِ قَوْلُهُ (وَيُطَلِّقُهَا لِلسُّنَّةِ ثَلَاثًا يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ تَطْلِيقَتَيْنِ بِشَهْرٍ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا يُطَلِّقُهَا لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةً)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ الْحَظْرُ وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالتَّفْرِيقِ عَلَى فُصُولِ الْعِدَّةِ وَهِيَ الْأَشْهُرُ أَوْ الْحَيْضُ وَالشَّهْرُ فِي حَقِّ الْحَامِلِ لَيْسَ مِنْ فُصُولِهَا وَهُمَا يَقِيسَانِهَا عَلَى الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي حَالِ الْحَيْضِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا) الِاسْتِحْبَابُ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَمَلًا بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَهُوَ، قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا وَكَانَ قَدْ طَلَّقَهَا وَهِيَ حَائِضٌ» فَإِنْ قِيلَ الْأَمْرُ إنَّمَا أَثْبَتَ الْوُجُوبَ عَلَى عُمَرَ أَنْ يَأْمُرَ ابْنَهُ بِالْمُرَاجَعَةِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ وُجُوبُ الْمُرَاجَعَةِ بِقَوْلِ عُمَرَ قُلْنَا فِعْلُ النَّائِبِ كَفِعْلِ الْمَنُوبِ عَنْهُ فَصَارَ كَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي أَمَرَهُ بِالْمُرَاجَعَةِ فَثَبَتَ الْوُجُوبُ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ وَالْخُلْعُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ مَكْرُوهٌ فِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ.
وَفِي الْمُنْتَقَى لَا بَأْسَ بِهِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ إذَا رَأَى مِنْهَا مَا يَكْرَهُ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ طَهُرَتْ وَحَاضَتْ ثُمَّ طَهُرَتْ فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا) وَهَذَا قَوْلُهُمَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ إذَا رَاجَعَهَا بِالْقَوْلِ بَعْدَمَا طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ جَازَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي تِلْكَ الْحَيْضَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ ثُمَّ رَاجَعَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ بِالْقَوْلِ وَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى لِلسُّنَّةِ فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ فَلَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَكَذَلِكَ الِاخْتِلَافُ إذَا رَاجَعَهَا بِاللَّمْسِ أَوْ بِالْقُبْلَةِ أَوْ بِالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ وَإِنْ رَاجَعَهَا بِالْجِمَاعِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إجْمَاعًا.
قَوْلُهُ (وَيَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ إذَا كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا) سَوَاءٌ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا هَازِلًا كَانَ أَوْ جَادًّا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «كُلُّ الطَّلَاقِ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ» قَوْلُهُ (وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا قَوْلٌ صَحِيحٌ، وَكَذَا الْمَعْتُوهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ أَيْضًا، وَهُوَ مِنْ كَانَ مُخْتَلِطَ الْكَلَامِ بَعْضُ كَلَامِهِ مِثْلُ كَلَامِ الْعُقَلَاءِ وَبَعْضُهُ مِثْلُ كَلَامِ الْمَجَانِينِ وَهَذَا إذَا كَانَ فِي حَالِ الْعَتَهِ أَمَّا فِي حَالَةِ الْإِفَاقَةِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ وَاقِعٌ، وَكَذَا النَّائِمُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ عَدِيمُ الِاخْتِيَارِ وَكَذَا الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَمَنْ شَرِبَ الْبَنْجَ وَلَوْ جَرَى عَلَى لِسَانِ النَّائِمٍ طَلَاقٌ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَلَوْ اسْتَيْقَظَ وَقَالَ أَجَزْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ أَوْ أَوْقَعْته لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ أَعَادَ الضَّمِيرَ إلَى غَيْرِ مُعْتَبَرٍ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ ثُمَّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَقَعَ طَلَاقُهُ)؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ صَحِيحٌ إذَا لَمْ يُؤَثِّرْ فِي إسْقَاطِ حَقِّ مَوْلَاهُ وَلَا حَقَّ لِلْمَوْلَى فِي هَذَا النِّكَاحِ قَوْلُهُ (وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ مَوْلَاهُ عَلَى امْرَأَتِهِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الطَّلَاقُ بِيَدِ مَنْ مَلَكَ السَّاقَ» وَلِأَنَّ الْحِلَّ حَصَلَ لِلْعَبْدِ فَكَانَ رَفْعُهُ إلَيْهِ.
قَوْلُهُ (وَالطَّلَاقُ عَلَى ضَرْبَيْنِ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ) فَالصَّرِيحُ مَا ظَهَرَ الْمُرَادُ بِهِ ظُهُورًا بَيِّنًا مِثْلَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ حُرَّةٌ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْقَصْرُ صَرْحًا لِارْتِفَاعِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَبْنِيَةِ وَالْكِنَايَةُ مَا اسْتَتَرَ الْمُرَادُ بِهِ قَوْلُهُ (فَالصَّرِيحُ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَمُطَلَّقَةٌ وَقَدْ طَلَّقْتُك فَهَذَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تُسْتَعْمَلُ فِي الطَّلَاقِ وَلَا تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ قَوْلُهُ (وَلَا يَقَعُ بِهِ إلَّا وَاحِدَةً) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقَعُ مَا نَوَى قَوْلُهُ (وَلَا يَفْتَقِرْ إلَى نِيَّةٍ) يَعْنِي الصَّرِيحَ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَكَذَا إذَا نَوَى الْإِبَانَةَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ نَوَى تَنْجِيزَ مَا عَلَّقَهُ الشَّرْعُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ عَنْ وَثَاقٍ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ وَإِنْ صَرَّحَ بِهِ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ عَنْ الْعَمَلِ لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ قَالَ أَنْتِ مُطْلَقَةٌ بِتَسْكِينِ الطَّاءِ وَالتَّخْفِيفِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا بِالنِّيَّةِ وَلَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً ثُمَّ قَالَ جَعَلْتهَا بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا صَارَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَصِيرُ بَائِنًا وَلَا تَصِيرُ ثَلَاثًا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا تَصِيرُ بَائِنًا وَلَا ثَلَاثًا وَلَوْ قَالَ لَهَا كُونِي طَالِقًا أَوْ أَطْلِقِي قَالَ مُحَمَّدٌ أَرَاهُ وَاقِعًا وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ كُونِي حُرَّةً أَوْ أَعْتِقِي قَوْلَهُ (وَقَوْلُهُ أَنْتِ الطَّالِقُ وَأَنْتِ طَالِقُ الطَّلَاقِ وَأَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ أَيْضًا وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ)، وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَلَاقٌ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ أَيْضًا وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى نِيَّةٍ وَيَكُونُ رَجْعِيًّا وَتَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ وَالْكَثْرَةَ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ وَلَا تَصِحُّ نِيَّةَ الثِّنْتَيْنِ فِيهِ خِلَافًا لِزُفَرَ هُوَ يَقُولُ: إنَّ الثِّنْتَيْنِ بَعْضُ الثَّلَاثِ فَلَمَّا صَحَّتْ نِيَّةُ الثَّلَاثِ صَحَّتْ نِيَّةُ بَعْضِهَا وَنَحْنُ نَقُولُ نِيَّةُ الثَّلَاثِ إنَّمَا صَحَّتْ لِكَوْنِهَا جِنْسًا حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةً تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْجِنْسِيَّةِ أَمَّا الثِّنْتَانِ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ عَدَدٌ وَاللَّفْظُ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقُ الطَّلَاقِ وَقَالَ أَرَدْت بِقَوْلِي طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبِقَوْلِي الطَّلَاقَ أُخْرَى صُدِّقَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَالِحَةٌ لِلْإِيقَاعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ فَيَقَعُ رَجْعِيَّتَانِ إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا.
قَوْلُهُ (وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ) هَذَا إذَا كَانَتْ حُرَّةً أَمَّا إذَا كَانَتْ أَمَةً يَقَعُ ثِنْتَانِ وَتَحْرُمُ أَوْ يَكُونُ قَدْ تَقَدَّمَ عَلَى الْحُرَّةِ وَاحِدَةٌ فَيَقَعُ اثْنَتَانِ إذَا نَوَاهُمَا يَعْنِي مَعَ الْأُولَى وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ إنَّمَا يُفِيدُ التَّأْكِيدَ لَا غَيْرُ كَقَوْلِك قُمْت قِيَامًا وَأَكَلْت أَكْلًا وَالتَّأْكِيدُ لَا يُفِيدُ إلَّا مَا أَفَادَهُ الْمُؤَكِّدُ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا كَانَ ثَلَاثًا فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ يُفِيدُ مَعْنَى الْكَثْرَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ وَلَوْ قَالَ يَا مُطَلَّقَةُ بِالتَّشْدِيدِ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِذَلِكَ فَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا كَانَ ثَلَاثًا وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ إلَّا فِي حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَلَوْ قَالَ يَا طَالِقُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَ عَنَيْتُ الْأَوَّلَ صُدِّقَ دِيَانَةً، وَكَذَا إذَا قَالَ قَدْ طَلَّقْتُك قَدْ طَلَّقْتُك أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ قَدْ طَلَّقْتُك أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مَا قُلْت قَالَ قَدْ طَلَّقْتهَا أَوْ قَالَ قُلْت هِيَ طَالِقٌ فَهِيَ وَاحِدَةٌ فِي الْقَضَاءِ وَلَوْ قَالَ لِلْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ وَقَالَ مُحَمَّدٌ ثِنْتَانِ.
قَوْلُهُ (وَالضَّرْبُ الثَّانِي الْكِنَايَاتُ لَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ إلَّا بِنِيَّةٍ أَوْ دَلَالَةِ حَالٍ)؛ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ أَوْ الدَّلَالَةِ قَوْلُهُ (وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ يَقَعُ بِهَا الرَّجْعِيُّ وَلَا يَقَعُ بِهَا إلَّا وَاحِدَةً، وَهُوَ قَوْلُ اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ) أَمَّا قَوْلُهُ اعْتَدِّي فَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الِاعْتِدَادَ مِنْ النِّكَاحِ وَالِاعْتِدَادَ بِنِعَمِ اللَّهِ فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَقَوْلُهُ اسْتَبْرِئِي رَحِمَك يَحْتَمِلُ؛ لِأَنِّي قَدْ طَلَّقْتُك وَيَحْتَمِلُ أَنِّي أُرِيدُ طَلَاقَك وَقَوْلُهُ أَنْتِ وَاحِدَةٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً وَيَحْتَمِلُ أَنْتِ وَاحِدَةٌ فِي قَوْمِك وَلَا مُعْتَبَرَ بِإِعْرَابِ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْعَوَامَّ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ نَصَبَ الْوَاحِدَةَ يَقَعُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ وَإِنْ رَفَعَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى وَإِنْ سَكَّنَهَا فَفِيهِ الْكَلَامُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْكُلَّ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ قَوْلُهُ (وَبَقِيَّةُ الْكِنَايَاتِ إذَا نَوَى بِهَا الطَّلَاقَ كَانَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً) الْكِنَايَاتُ كُلُّهَا بَوَائِنُ إلَّا الثَّلَاثَةَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كُلُّهَا رَجْعِيٌّ قَوْلُهُ (وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا كَانَ ثَلَاثًا)؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ تَتَنَوَّعُ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ فَتَارَةً تَكُونُ الْبَيْنُونَةُ بِوَاحِدَةٍ وَتَارَةً تَكُونُ بِالثَّلَاثِ فَيَقَعُ مَا نَوَى مِنْهَا قَوْلُهُ (وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ كَانَتْ وَاحِدَةً) وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ عِنْدَنَا.
وَقَالَ زُفَرُ يَقَعُ اثْنَتَانِ، لَنَا أَنَّ الْبَيْنُونَةَ لَا تَتَضَمَّنُ الْعَدَدَ أَلَا تَرَى أَنَّك لَا تَقُولُ أَنْتِ بَائِنَتَانِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقَعَ بِالنِّيَّةِ مَا لَمْ يَتَضَمَّنْهُ الْكَلَامُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَرَادَ الثَّلَاثَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقَعُ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدِ وَلَكِنَّهَا نَوْعُ بَيْنُونَةٍ وَلِهَذَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ أَنْتِ بَائِنٌ يَنْوِي اثْنَتَيْنِ وَقَعَتَا؛ لِأَنَّهَا الْبَيْنُونَةُ الْعُلْيَا فِي حَقِّهَا كَالثَّلَاثِ فِي الْحُرَّةِ.
قَوْلُهُ (وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ أَنْتِ بَائِنٌ وَبَتَّةٌ وَبَتْلَةٌ وَحَرَامٌ وَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ وَالْحَقِي بِأَهْلِك وَخَلِيَّةٌ وَبَرِيَّةٌ إلَى آخِرِهِ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فَقَوْلُهُ أَنْتِ بَائِنٌ يَحْتَمِلُ الْبَيْنُونَةَ مِنْ النِّكَاحِ وَيَحْتَمِلُ مِنْ الدَّيْنِ وَقَوْلُهُ وَبَتَّةٌ الْبَتُّ هُوَ الْقَطْعُ فَيَحْتَمِلُ الْقَطْعَ مِنْ النِّكَاحِ وَعَنْ الْمُرُوءَةِ وَالْخَيْرِ وَبَتْلَةٌ بِمَنْزِلَةِ بَتَّةٍ وَقَوْلُهُ حَرَامٌ يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَالْيَمِينَ وَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ يَحْتَمِلُ؛ لِأَنَّكِ قَدْ بِنْتِ مِنِّي وَيَحْتَمِلُ أَنَّك لَا تُطِيعِينِي وَالْحَقِي بِأَهْلِك يَحْتَمِلُ؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك وَيَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ لِأَهْلِهَا وَخَلِيَّةٌ يَحْتَمِلُ مِنْ النِّكَاحِ وَمِنْ الْخَيْرِ وَمِنْ الشُّغْلِ وَبَرِيَّةٌ يَحْتَمِلُ مِنْ النِّكَاحِ وَمِنْ الدَّيْنِ وَقَوْلُهُ وَوَهَبْتُك لِأَهْلِك سَوَاءٌ قَبِلُوهَا أَوْ لَمْ يَقْبَلُوهَا يَحْتَمِلُ وَهَبْتُك لَهُمْ؛ لِأَنَّكِ قَدْ بِنْتِ مِنِّي وَيَحْتَمِلُ هِبَةَ الْعَيْنِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا قَالَ وَهَبْتُك لِأَهْلِك أَوْ لِأَبِيك أَوْ لِأُمِّكِ أَوْ لِلْأَزْوَاجِ فَهُوَ طَلَاقٌ إذَا نَوَى؛ لِأَنَّهَا تَرِدُ بِالطَّلَاقِ عَلَى هَؤُلَاءِ وَيَمْلِكُهَا الْأَزْوَاجُ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَإِذَا قَالَ وَهَبْتُكِ لِأَخِيك أَوْ لِعَمِّك أَوْ لِخَالِك أَوْ لِفُلَانٍ الْأَجْنَبِيِّ لَمْ يَكُنْ طَلَاقُهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَرِدُ بِالطَّلَاقِ عَلَى هَؤُلَاءِ وَقَوْلُهُ وَسَرَّحْتُكِ وَفَارَقْتُكِ هُمَا كِنَايَتَانِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ يُقَالُ سَرَّحْتُ إبِلِي وَفَارَقْتُ صَدِيقِي فَقَوْلُهُ سَرَّحْتُكِ يَحْتَمِلُ بِالطَّلَاقِ وَيَحْتَمِلُ فِي حَوَائِجِي وَفَارَقْتُك يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَيَحْتَمِلُ بِبَدَنِي وَقَوْلُهُ وَأَنْتِ حُرَّةٌ يُفِيدُ التَّحْرِيمَ وَيَحْتَمِلُ كَوْنَهَا حُرَّةً.
وَقَوْلُهُ وَتَقَنَّعِي يَحْتَمِلُ؛ لِأَنَّك مُطَلَّقَةٌ وَيَحْتَمِلُ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَمِثْلُهُ وَاسْتَتِرِي وَقَوْلُهُ وَاغْرُبِي يَحْتَمِلُ؛ لِأَنَّكِ قَدْ بِنْتِ مِنِّي وَيَحْتَمِلُ أَنَّك لَا تُطِيعِينِي وَمِثْلُهُ اُعْزُبِي بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ وَمَعْنَاهُ غِيبِي وَابْعُدِي وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّك مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ} وَالْعُزُوبُ الْبَعْدُ وَالذَّهَابُ وَقَوْلُهُ وَأَبْتَغِي الْأَزْوَاجَ يَحْتَمِلُ؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك وَيَحْتَمِلُ إبْعَادَهَا مِنْهُ وَمِنْ الْكِنَايَاتِ أَيْضًا اُخْرُجِي وَاذْهَبِي وَقُومِي وَتَزَوَّجِي وَانْطَلِقِي وَانْتَقِلِي وَلَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك وَلَا نِكَاحَ لِي عَلَيْك فَإِنْ أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ كَانَ طَلَاقًا وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ نِكَاحِكِ وَقَعَ الطَّلَاقُ إذَا نَوَاهُ وَإِنْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ طَلَاقِك لَا يَقَعُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْ الشَّيْءِ تَرْكٌ لَهُ وَإِعْرَاضٌ عَنْهُ وَالْمُعْرِضُ عَنْ الطَّلَاقِ لَا يَكُونُ مُطَلِّقًا وَالْمُعْرِضُ عَنْ النِّكَاحِ يَكُونُ مُطَلِّقًا كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَلَوْ قَالَ خُذِي طَلَاقَكِ فَقَالَتْ قَدْ أَخَذْتُهُ طَلُقَتْ وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلَّقَك اللَّهُ أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَعْتَقَك اللَّهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ وَلَوْ قَالَ جَمِيعُ نِسَاءِ الدُّنْيَا طَوَالِقُ تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا وَإِنْ قَالَ عَبِيدُ أَهْلِ الدُّنْيَا أَحْرَارٌ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُعْتَقُ عَبْدُهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُعْتَقُ وَلَوْ قَالَ أَوْلَادُ آدَمَ كُلُّهُمْ أَحْرَارٌ لَا يُعْتَقُ عَبْدُهُ إجْمَاعًا، وَكَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَلَوْ قَالَ لَسْتِ لِي امْرَأَةً أَوْ قَالَ مَا أَنْتِ لِي بِامْرَأَةٍ كَانَ طَلَاقًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا مَا أَنَا بِزَوْجِكِ أَوْ سُئِلَ هَلْ لَك امْرَأَةٌ فَقَالَ لَا فَإِنَّهُ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ كَانَ طَلَاقًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ طَلَاقًا نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الزَّوْجِيَّةِ كَذِبٌ فَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ كَقَوْلِهِ لَمْ أَتَزَوَّجْك وَقَدْ اتَّفَقُوا جَمِيعًا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ مَا أَنْتِ لِي بِامْرَأَةٍ أَوْ لَسْتِ وَاَللَّهِ لِي بِامْرَأَةٍ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى النَّفْيِ يَتَنَاوَلُ الْمَاضِيَ، وَهُوَ كَاذِبٌ فِيهِ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ وَلِأَنَّهُ لَمَّا أَكَّدَ النَّفْيَ بِالْيَمِينِ صَارَ ذَلِكَ إخْبَارًا لَا إيقَاعًا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا يُؤَكَّدُ بِهَا إلَّا الْخَبَرُ وَالْخَبَرُ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ كُنْتُ طَلَّقْتُكِ أَمْسِ لَمْ يَقَعْ بِذَلِكَ شَيْءٌ إذَا لَمْ يَكُنْ طَلَّقَهَا أَمْسِ كَذَا فِي شَرْحِهِ وَلَوْ قَالَ لَا حَاجَةَ لِي فِيكِ يَنْوِي الطَّلَاقَ فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ وَلَوْ قَالَ أَفْلِحِي أَوْ فَسَخْتُ النِّكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَكِ يَنْوِي الطَّلَاقَ كَانَ طَلَاقًا قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَمْ يَقَعْ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ طَلَاقٌ إلَّا أَنْ يَكُونَا فِي مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ)، وَهُوَ أَنْ تُطَالِبَهُ بِالطَّلَاقِ أَوْ تُطَالِبَهُ بِطَلَاقِ غَيْرِهَا قَوْلُهُ (فَيَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ فِي الْقَضَاءِ وَلَا يَقَعُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ) أَمَّا إذَا كَانَا فِي مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِكُلِّ لَفْظَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْفُرْقَةِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ حَرَامٌ وَأَمْرُكِ بِيَدِكِ وَاخْتَارِي وَاعْتَدِّي وَأَنْتِ خَلِيَّةٌ وَبَرِيَّةٌ وَبَائِنٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَمَّا خَرَجَتْ جَوَابًا لِسُؤَالِهَا الطَّلَاقَ كَانَ ذَلِكَ طَلَاقًا فِي الظَّاهِرِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقَعْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لَهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءً فَلَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُونَا فِي مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَكَانَا فِي غَصْبٍ أَوْ خُصُومَةٍ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِكُلِّ لَفْظَةٍ لَا يَقْصِدُ بِهَا السَّبَّ وَالشَّتِيمَةَ) مِثْلَ اعْتَدِّي اخْتَارِي أَمْرَك بِيَدِك؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَا تَصْلُحُ لِلشَّتِيمَةِ بَلْ تَحْتَمِلُ الْفُرْقَةَ وَحَالُ الْغَضَبِ حَالُ الْفُرْقَةِ فَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ الْفُرْقَةُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْكِنَايَاتِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ كِنَايَاتٌ وَمَدْلُولَاتٌ وَتَفْوِيضَاتٌ فَالْكِنَايَاتُ أَنْتِ حَرَامٌ وَبَائِنٌ وَبَتَّةٌ وَبَتْلَةٌ وَخَلِيَّةٌ وَبَرِيَّةٌ وَاعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك فَإِنْ تَكَلَّمَ بِهَا فِي مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَقَالَ لَمْ أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يُصَدَّقْ وَإِنْ تَكَلَّمَ بِهَا فِي حَالَةِ الرِّضَا إنْ نَوَى بِهَا الطَّلَاقَ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا وَيُصَدَّقُ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ وَإِنْ تَكَلَّمَ بِهَا فِي حَالَةِ الْغَصْبِ صُدِّقَ فِي خَمْسَةِ أَلْفَاظٍ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَا الطَّلَاقَ وَهِيَ أَنْتِ حَرَامٌ وَبَائِنٌ وَبَتَّةٌ وَخَلِيَّةٌ وَبَرِيَّةٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ تَصْلُحُ لِلشَّتِيمَةِ يَحْتَمِلُ بَائِنٌ مِنْ الدَّيْنِ وَبَتَّةٌ مِنْ الْمُرُوءَةِ وَخَلِيَّةٌ مِنْ الْخَيْرِ وَبَرِيَّةٌ مِنْ الْإِسْلَامِ وَحَرَامٌ الِاجْتِمَاعُ مَعَك وَالْحَالُ حَالُ الشَّتِيمَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَهَا وَلَمْ يُرِدْ الطَّلَاقَ وَالْمَدْلُولَاتُ اذْهَبِي وَقُومِي وَاسْتَتِرِي وَتَقَنَّعِي وَاخْرُجِي وَالْحَقِي بِأَهْلِك وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك وَلَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ فَإِنْ نَوَى بِهَا الطَّلَاقَ وَقَعَ بَائِنًا وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا سَوَاءٌ كَانَا فِي حَالَةِ الرِّضَا أَوْ الْغَضَبِ أَوْ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَالتَّفْوِيضَاتُ أَمْرُك بِيَدِك اخْتَارِي فَفِي حَالَةِ الْغَضَبِ لَا يُصَدَّقُ فِي التَّفْوِيضَاتِ وَلَا فِي الْكِنَايَاتِ الرَّجْعِيَّةِ يَعْنِي لَا يُصَدَّقُ فِي التَّفْوِيضَاتِ إذَا قَالَتْ مُجِيبَةٌ لَهُ اخْتَرْت نَفْسِي أَوْ طَلَّقْت نَفْسِي ثُمَّ فِي قَوْلِهَا اخْتَرْت نَفْسِي يَقَعُ طَلْقَةً بَائِنَةً وَفِي قَوْلِهَا طَلَّقَتْ نَفْسِي وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً.
قَوْلُهُ (وَإِذَا وَصَفَ الطَّلَاقَ وَبِضَرْبٍ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالشِّدَّةِ كَانَ بَائِنًا)؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ فَإِذَا وَصَفَهُ بِزِيَادَةٍ أَفَادَ مَعْنًى لَيْسَ فِي لَفْظِهِ قَوْلُهُ (مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ طَالِقٌ أَشَدَّ الطَّلَاقِ أَوْ أَفْحَشَ الطَّلَاقِ أَوْ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ أَوْ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ أَوْ كَالْحَبْلِ أَوْ مِلْءِ الْبَيْتِ)، وَكَذَا أَخْبَثَ الطَّلَاقِ أَوْ أَسْوَأَ الطَّلَاقِ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ وَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَقْبَحَ الطَّلَاقِ وَنَوَى ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ بَائِنَةٌ وَفِي الْهِدَايَةِ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَشَدَّ الطَّلَاقِ أَوْ كَأَلْفٍ أَوْ مِلْءِ الْبَيْتِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ثَلَاثًا فَيَكُونَ ثَلَاثًا لِذِكْرِ الْمَصْدَرِ وَفِي شَرْحِهِ إذَا قَالَ كَأَلْفٍ إنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ هِيَ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ عَدَدٌ فَيُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْعَدَدِ كَمَا إذَا قَالَ كَعَدَدِ الْأَلْفِ قَالَ مُحَمَّدٌ فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً بَائِنَةً دَيَّنْته فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا أُدَيِّنُهُ فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ قَالَ وَاحِدَةٌ كَأَلْفٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إجْمَاعًا وَلَا يَكُونُ ثَلَاثًا وَإِنْ نَوَى؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لَا تَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَعَدَدِ الْأَلْفِ أَوْ مِثْلَ عَدَدِ الْأَلْفِ أَوْ كَعَدَدِ ثَلَاثٍ أَوْ مِثْلَ عَدَدِ ثَلَاثٍ فَهِيَ ثَلَاثٌ وَإِنْ نَوَى غَيْرَ ذَلِكَ.
قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِثْلَ الْجَبَلِ أَوْ مِثْلَ عِظَمِ الْجَبَلِ أَوْ مِلْءَ الْكَوْنِ أَوْ مِلْءَ الْبَيْتِ أَوْ كَأَلْفٍ أَوْ مِثْلَ أَلْفٍ كَانَ بَائِنًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْأَصْلُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَتَى شَبَّهَ الطَّلَاقَ بِشَيْءٍ يَقَعُ بَائِنًا بِأَيِّ شَيْءٍ شَبَّهَهُ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا سَوَاءٌ ذَكَرَ الْعِظَمَ أَوْ لَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ ذَكَرَ الْعِظَمَ كَانَ بَائِنًا وَإِلَّا فَلَا سَوَاءٌ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْعِظَمَ يَكُونُ رَجْعِيًّا وَعِنْدَ زُفَرَ إنْ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ يُوصَفُ بِالشِّدَّةِ وَالْعِظَمِ كَانَ بَائِنًا وَإِلَّا فَهُوَ رَجْعِيٌّ وَمُحَمَّدٌ قِيلَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ بَيَانُهُ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِثْلَ عِظَمِ رَأْسِ الْإِبْرَةِ كَانَ بَائِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ زُفَرُ هُوَ رَجْعِيٌّ وَإِنْ قَالَ مِثْلَ رَأْسِ الْإِبْرَةِ أَوْ مِثْلَ حَبَّةِ الْخَرْدَلِ فَهُوَ بَائِنٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَجْعِيٌّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ وَإِنْ قَالَ مِثْلَ الْجَبَلِ كَانَ بَائِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَجْعِيٌّ وَإِنْ قَالَ مِثْلَ عِظَمِ الْجَبَلِ كَانَ بَائِنًا إجْمَاعًا فَإِنْ نَوَى بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ كُلِّهَا ثَلَاثًا كَانَ ثَلَاثًا بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِثْلَ عَدَدِ كَذَا وَأَضَافَ إلَى شَيْءٍ لَيْسَ لَهُ عَدَدٌ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَدَدَ الشَّمْسِ أَوْ عَدَدَ الْقَمَرِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَجْعِيَّةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ قَالَ كَالنُّجُومِ فَوَاحِدَةٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ كَالنُّجُومِ ضِيَاءً إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْعَدَدَ فَيَكُونَ ثَلَاثًا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَدَدَ التُّرَابِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَثَلَاثٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَإِنْ قَالَ عَدَدَ الرَّمَلِ فَهِيَ ثَلَاثٌ إجْمَاعًا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ يَقَعُ ثَلَاثًا هُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ وَاحِدَةٌ وَالْكَثِيرُ ثَلَاثٌ فَإِذَا قَالَ أَوَّلًا لَا قَلِيلٌ فَقَصَدَ الثَّلَاثَ ثُمَّ لَا يُعْمِلُ قَوْلَهُ وَلَا كَثِيرٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ قَالَ لَا كَثِيرٌ وَلَا قَلِيلٌ يَقَعُ وَاحِدَةً عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِرَارًا تَطْلُقُ ثَلَاثًا إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَدَدُ مَا فِي هَذَا الْحَوْضِ مِنْ السَّمَكِ وَلَيْسَ فِيهِ سَمَكٌ يَقَعُ وَاحِدَةً وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً شَدِيدَةً أَوْ قَوِيَّةً أَوْ عَرِيضَةً أَوْ طَوِيلَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجْعِيَّةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ لَا يَلِيقُ بِهَا فَيَلْغُو وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ هَا هُنَا إلَى الشَّامِ أَوْ إلَى بَلَدِ كَذَا كَانَ رَجْعِيًّا عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ طَلْقَةً بَائِنَةً وَإِنْ قَالَ طَلْقَةً نَبِيلَةً أَوْ جَمِيلَةً أَوْ عَدْلَةً أَوْ حَسَنَةً فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَقَعُ لِلْحَالِ سَوَاءٌ كَانَ حَالَةَ حَيْضٍ أَوْ طُهْرٍ وَلَا يَكُونُ لِلسُّنَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لِلسُّنَّةِ وَيَقَعُ فِي وَقْتِ السُّنَّةِ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ أَوْ لِلْعِدَّةِ أَوْ طَلَاقَ الدِّينِ أَوْ طَلَاقَ الْإِسْلَامِ أَوْ طَلَاقَ السُّنَّةِ أَوْ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أَوْ أَعْدَلَهُ أَوْ أَخْيَرَهُ أَوْ طَلَاقَ الْحَقِّ أَوْ عَلَى السُّنَّةِ فَهَذَا كُلُّهُ لِلسُّنَّةِ إنْ صَادَفَ وَقْتَ السُّنَّةِ يَقَعُ وَإِلَّا فَيُنْتَظَرُ إلَى وَقْتِ السُّنَّةِ يَعْنِي أَنَّهُ يَقَعُ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ طَاهِرَةً مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ أَوْ حَامِلًا قَدْ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ طَلُقَتْ وَلَا خِيَارَ لَهُ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى سَنَةٍ طَلُقَتْ عِنْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ.
وَقَالَ زُفَرُ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْك مِنْ الطَّلَاقِ طَلُقَتْ وَاحِدَةً وَقَوْلُهُ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْك بَاطِلٌ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنَّهُ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك يَلْغُو وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَقِيلَ يَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةً وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ فَثَلَاثٌ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فَقِيلَ لَهُ بَعْدَمَا سَكَتَ كَمْ فَقَالَ ثَلَاثٌ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَقَعُ ثَلَاثٌ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَذَا وَأَشَارَ بِالْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى فَهِيَ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِالْأَصَابِعِ تُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْعَدَدِ فَإِنْ نَوَى الْمَضْمُومَتَيْنِ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَذَا وَأَشَارَ بِوَاحِدَةٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَإِنْ أَشَارَ بِثِنْتَيْنِ فَهُمَا اثْنَتَانِ وَالْإِشَارَةُ تَقَعُ بِالْمَنْشُورَةِ وَقِيلَ إذَا أَشَارَ بِظُهُورِهَا فَبِالْمَضْمُومَةِ يَعْنِي إذَا جَعَلَ ظَاهِرَ الْكَفِّ إلَى الْمَرْأَةِ وَبُطُونَ الْأَصَابِعِ إلَى نَفْسِهِ فَالْمُعْتَبَرَةُ فِي الْإِشَارَةِ بِعَدَدِ مَا قَبَضَهُ مِنْ أَصَابِعِهِ دُونَ مَا أَرْسَلَهُ وَلَوْ قَالَتْ لَهُ طَلِّقْنِي وَطَلِّقْنِي وَطَلِّقْنِي فَقَالَ قَدْ طَلَّقْتُك فَهِيَ ثَلَاثٌ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّهَا أَمَرَتْهُ بِالثَّلَاثِ وَهَذَا يَصْلُحُ جَوَابًا وَإِنْ قَالَتْ طَلِّقْنِي طَلِّقْنِي وَطَلِّقْنِي بِغَيْرِ وَاوٍ فَقَالَ طَلَّقْتُك إنْ نَوَى وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَإِنْ قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَإِنْ قَالَ قَدْ طَلَّقْتُك فَهِيَ ثَلَاثٌ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى جُمْلَتِهَا أَوْ إلَى مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ رَقَبَتُكِ طَالِقٌ أَوْ عُنُقُكِ أَوْ رُوحُكِ أَوْ جَسَدُكِ أَوْ فَرْجُكِ أَوْ وَجْهُكِ)؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهَا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك رَقَبَةَ هَذِهِ الْجَارِيَةِ أَوْ جَسَدَهَا أَوْ فَرْجَهَا فَكَذَا فِي الطَّلَاقِ، وَكَذَا إذَا قَالَ نَفْسُك طَالِقٌ أَوْ بَدَنُكِ، وَكَذَا الدَّمُ فِي رِوَايَةٍ إذَا قَالَ دَمُك طَالِقٌ فِيهِ رِوَايَتَانِ الصَّحِيحَةُ مِنْهُمَا يَقَعُ؛ لِأَنَّ الدَّمَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ يُقَالُ ذَهَبَ دَمُهُ هَدَرًا وَإِذَا قَالَ الرَّأْسُ مِنْك طَالِقٌ أَوْ الْوَجْهُ مِنْك طَالِقٌ أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهَا أَوْ وَجْهِهَا وَقَالَ هَذَا الْعُضْوُ طَالِقٌ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْهُ إلَيْهَا وَكَذَا الْعَتَاقُ مِثْلُ الطَّلَاقِ قَوْلُهُ (وَكَذَا إنْ طَلَّقَ جُزْءًا شَائِعًا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ نِصْفُكِ طَالِقٌ أَوْ ثُلُثُكِ) أَوْ رُبُعُك أَوْ سُدُسُك أَوْ عُشْرُك وَإِنْ قَالَ أَنْتِ نِصْفُ طَالِقٍ طَلُقَتْ كَمَا إذَا قَالَ نِصْفُك طَالِقٌ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ يَدُك طَالِقٌ أَوْ رِجْلُك طَالِقٌ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ)، وَكَذَا إذَا قَالَ ثَدْيُك طَالِقٌ.
وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَقَعُ، وَكَذَا اللِّسَانُ وَالْأَنْفُ وَالْأُذُنُ وَالسَّاقُ وَالْفَخِذُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فَإِنْ قِيلَ الْيَدُ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْجَمِيعِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» قِيلَ أَرَادَ بِالْيَدِ صَاحِبَهَا وَعِنْدَنَا إذَا قَالَ الزَّوْجُ أَرَدْت صَاحِبَتَهَا طَلُقَتْ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْيَدُ هُنَاكَ عِبَارَةً عَنْ الْكُلِّ مَقْرُونًا بِالْأَخْذِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالْيَدِ يَكُونُ وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ مَقْرُونًا بِالطَّلَاقِ وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّهُ جُزْءٌ مُسْتَمْتَعٌ بِهِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ فَيَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ ثُمَّ يَسْرِي إلَى الْكُلِّ كَمَا فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُضِيفَ إلَيْهِ النِّكَاحُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ التَّعَدِّيَ مُمْتَنِعٌ إذْ الْحُرْمَةُ فِي سَائِرِ الْأَجْزَاءِ تَغْلِبُ الْحِلَّ فِي هَذَا الْجُزْءِ وَفِي الطَّلَاقِ الْأَمْرُ عَلَى الْعَكْسِ وَلَنَا أَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ فَيَلْغُو كَمَا إذَا أَضَافَهُ إلَى رِيقِهَا أَوْ ظُفْرِهَا.
وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الطَّلَاقِ مَا يَكُونُ فِيهِ الْقَيْدُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يُنْبِئُ عَنْ رَفْعِ الْقَيْدِ وَلَا قَيْدَ فِي الْيَدِ يَعْنِي بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ حَتَّى لَا تَصِحَّ إضَافَةُ النِّكَاحِ إلَيْهَا إجْمَاعًا وَإِنَّمَا مُلِكَتْ بِمِلْكِ النِّكَاحِ تَبَعًا لَا أَصَالَةً وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إضَافَةُ النِّكَاحِ إلَى الْيَدِ وَالرِّجْلِ بِخِلَافِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِلنِّكَاحِ عِنْدَنَا حَتَّى تَصِحَّ إضَافَتُهُ إلَيْهِ فَكَذَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ وَفِي الْفَتَاوَى إذَا أَضَافَ النِّكَاحَ إلَى نِصْفِ الْمَرْأَةِ فِيهِ رِوَايَتَانِ الصَّحِيحَةُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَإِنْ قَالَ دُبُرُك طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ وَكَذَا فِي الْمَمْلُوكَةِ لَا تُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَاخْتَلَفُوا فِي الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَإِنْ قَالَ شَعْرُكِ طَالِقٌ أَوْ ظُفْرُكِ أَوْ رِيقُكِ أَوْ دَمْعُكِ أَوْ عَرَقُكِ لَمْ تَطْلُقْ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إضَافَةُ النِّكَاحِ إلَيْهِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ طَلَّقَهَا نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ ثُلُثَ تَطْلِيقَةٍ كَانَتْ طَالِقًا وَاحِدًا)؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَرُبُعًا أَوْ طَلْقَةً وَنِصْفًا طَلُقَتْ اثْنَتَيْنِ وَإِنْ قَالَ طَلْقَةً وَنِصْفَهَا لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ النِّصْفَ إلَى الْمُوقَعَةِ وَقَدْ وَقَعَتْ جُمْلَتُهَا فَلَمْ تَقَعْ ثَانِيًا وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَقَعُ ثِنْتَانِ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ ثُلُثَ طَلْقَةٍ سُدُسَ طَلْقَةٍ طَلُقَتْ وَاحِدَةً وَإِنْ أَثْبَتَ الْوَاوَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَقَالَ بَيْنَكُنَّ تَطْلِيقَةٌ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ تَطْلِيقَةً كَامِلَةً، وَكَذَا إذَا أَوْقَعَ بَيْنَهُنَّ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا وَقَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةٌ فَإِنْ نَوَى أَنْ تَكُونَ كُلُّ طَلْقَةٍ بَيْنَهُنَّ جَمِيعًا وَقَعَ عَلَيْهِنَّ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ قَالَ بَيْنَكُنَّ خَمْسُ تَطْلِيقَاتٍ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ اثْنَتَيْنِ، وَكَذَا إلَى الثَّمَانِ وَإِنْ قَالَ بَيْنَكُنَّ تِسْعُ تَطْلِيقَاتٍ وَقَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثٌ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ طَلُقَتْ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ طَلْقَةٌ فَإِذَا قَالَ ثَلَاثَةَ أَنْصَافٍ كُنَّ ثَلَاثًا وَإِنْ قَالَ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ قِيلَ يَقَعُ ثِنْتَانِ؛ لِأَنَّهَا طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ فَتَكَامَلَ وَقِيلَ يَقَعُ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّ نِصْفَ كُلِّ تَطْلِيقَةٍ تَتَكَامَلُ فِي نَفْسِهَا وَإِنْ قَالَ نِصْفَ طَلْقَةٍ ثُلُثَ طَلْقَةٍ وَرُبُعَ طَلْقَةٍ يَقَعُ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ كُلَّ جُزْءٍ إلَى طَلْقَةٍ نَكِرَةٍ وَالنَّكِرَةُ إذَا أُعِيدَتْ كَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ وَإِنْ قَالَ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَثُلُثَهَا وَسُدُسَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ كُلَّ جُزْءٍ إلَى تَطْلِيقَةٍ مُعَرَّفَةٍ بِالْكِنَايَةِ وَالْمُعَرَّفَةُ إذَا أُعِيدَتْ كَانَ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ (وَطَلَاقُ الْمُكْرَهِ وَالسَّكْرَانِ وَاقِعٌ) أَمَّا الْمُكْرَهُ فَطَلَاقُهُ وَاقِعٌ عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَقَعُ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى لَفْظِ الطَّلَاقِ أَمَّا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ فَأَقَرَّ بِهِ لَا يَقَعُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ إيقَاعَ الطَّلَاقِ بَلْ قَصَدَ الْإِقْرَارَ وَالْإِقْرَارُ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ وَقِيَامُ السَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَاذِبٌ وَالْهَازِلُ بِالطَّلَاقِ يَقَعُ طَلَاقُهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ وَالْعَتَاقُ وَالطَّلَاقُ» وَقَوْلُهُ وَالسَّكْرَانِ هَذَا إذَا سَكِرَ مِنْ الْخَمْرِ وَالنَّبِيذِ أَمَّا مِنْ الْبَنْجِ وَالدَّوَاءِ لَا يَقَعُ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَفِي شَاهَانْ هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ بَنْجٌ أَمَّا إذَا عَلِمَ يَقَعُ.
وَفِي الْمُحِيطِ السُّكْرُ مِنْ الْبَنْجِ حَرَامٌ وَطَلَاقُهُ وَاقِعٌ وَإِنْ ارْتَدَّ السَّكْرَانُ لَا تَبِينُ امْرَأَتُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادِ فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعَ السُّكْرِ وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ شَرِبَهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ فَسَكِرَ فَطَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ يَقَعُ وَفِي الْبَزْدَوِيِّ لَا يَقَعُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الْيَنَابِيعِ الطَّلَاقُ مِنْ السَّكْرَانِ وَاقِعٌ سَوَاءٌ شَرِبَ الْخَمْرَ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا أَوْ مُضْطَرًّا.