الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)
فَعَبَّرَ عَنْ قَوْلِهَا وقفت بـ: (ق).الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ أَقْسَمَ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ بِأَنَّ هَذَا الْكِتَابَ الَّذِي يَقْرَؤُهُ مُحَمَّدٌ هُوَ الْكِتَابُ الْمُنَزَّلُ لَا شَكَّ فِيهِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى جَلَالَةِ قَدْرِ هَذِهِ الْحُرُوفِ إِذْ كَانَتْ مَادَّةَ البيان وما في كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ بِاللُّغَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ وَهِيَ أُصُولُ كَلَامِ الْأُمَمِ بِهَا يَتَعَارَفُونَ وَقَدْ أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِـ: {الْفَجْرِ} {وَالطُّورِ} فَكَذَلِكَ شَأْنُ هَذِهِ الْحُرُوفِ فِي الْقَسَمِ بِهَا.الثَّالِثُ: أَنَّهَا الدَّائِرَةُ مِنَ الْحُرُوفِ التِّسْعَةِ وَالْعِشْرِينَ فَلَيْسَ مِنْهَا حَرْفٌ إِلَّا وَهُوَ مِفْتَاحُ اسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ آلَائِهِ أَوْ بَلَائِهِ أَوْ مُدَّةِ أَقْوَامٍ أَوْ آجَالِهِمْ فَالْأَلِفُ سَنَةٌ وَاللَّامُ ثَلَاثُونَ سَنَةً وَالْمِيمُ أَرْبَعُونَ رُوِيَ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ لَطِيفٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّهِ الْفُرْقَانَ فَلَمْ يَدَعْ نَظْمًا عَجِيبًا وَلَا عِلْمًا نَافِعًا إِلَّا أَوْدَعَهُ إِيَّاهُ عَلِمَ ذَلِكَ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ.الرَّابِعُ: وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى الم أَنَا اللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي المص أنا الله أفصل والر أَنَا اللَّهُ أَرَى وَنَحْوُهُ مِنْ دَلَالَةِ الْحَرْفِ الواحد على الاسم العام وَالصِّفَةِ التَّامَّةِ.الْخَامِسُ: أَنَّهَا أَسْمَاءٌ لِلسُّورِ فَـ: (الم) اسم لهذه وحم اسْمٌ لِتِلْكَ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَسْمَاءَ وُضِعَتْ لِلتَّمْيِيزِ فَهَكَذَا هَذِهِ الْحُرُوفُ وُضِعَتْ لِتَمْيِيزِ هَذِهِ السُّوَرِ مِنْ غَيْرِهَا وَنَقَلَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ عَنِ الْأَكْثَرِينَ وَأَنَّ سِيبَوَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ.وَقَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ وَجَدْنَا الم افْتُتِحَ بِهَا عِدَّةُ سُوَرٍ فَأَيْنَ التَّمْيِيزُ قُلْنَا قَدْ يَقَعُ الْوِفَاقُ بَيْنَ اسْمَيْنِ لِشَخْصَيْنِ ثُمَّ يُمَيِّزُ بَعْدَ ذَلِكَ بصفة وقعت كَمَا يُقَالُ زَيْدٌ وَزَيْدٌ ثُمَّ يُمَيَّزَانِ بِأَنْ يُقَالَ زَيْدٌ الْفَقِيهُ وَزَيْدٌ النَّحْوِيُّ فَكَذَلِكَ إِذَا قرأ القارئ الم ذلك الكتاب فَقَدْ مَيَّزَهَا عَنْ الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ.السَّادِسُ: أَنْ لِكُلِّ كِتَابٍ سِرًّا وَسِرُّ الْقُرْآنِ فَوَاتِحُ السُّوَرِ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ وَأَظُنُّ قَائِلُ ذَلِكَ أَرَادَ أَنَّهُ مِنَ السِّرِّ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ.قُلْتُ وَقَدِ اسْتَخْرَجَ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْمَغْرِبِ مِنْ قوله تعالى {الم غلبت الرُّومِ} فُتُوحَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَاسْتِنْقَاذَهُ مِنَ الْعَدُوِّ فِي سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَكَانَ كَمَا قَالَ.السَّابِعُ: أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا إِذَا سَمِعُوا الْقُرْآنَ لَغَوْا فِيهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: {لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ والغوا فيه} فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا النَّظْمَ الْبَدِيعَ لِيَعْجَبُوا مِنْهُ وَيَكُونُ تَعَجُّبُهُمْ سَبَبًا لِاسْتِمَاعِهِمْ وَاسْتِمَاعُهُمْ لَهُ سَبَبًا لِاسْتِمَاعِ مَا بَعْدَهُ فَتَرِقُّ الْقُلُوبُ وَتَلِينُ الْأَفْئِدَةُ.الثَّامِنُ: أَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ ذُكِرَتْ لِتَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ مُؤَلَّفٌ مِنَ الْحُرُوفِ الَّتِي هِيَ: (أ ب ت ث) فَجَاءَ بَعْضُهَا مُقَطَّعًا وَجَاءَ تَمَامُهَا مُؤَلَّفًا لِيَدُلَّ الْقَوْمَ الَّذِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَتِهِمْ أَنَّهُ بِالْحُرُوفِ الَّتِي يَعْقِلُونَهَا وَيَبْنُونَ كَلَامَهُمْ مِنْهَا.التَّاسِعُ: وَاخْتَارَهُ ابْنُ فَارِسٍ وَغَيْرُهُ أَنْ تُجْعَلَ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتُ كُلُّهَا تَأْوِيلًا وَاحِدًا فَيُقَالُ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا افْتَتَحَ السُّوَرَ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ إِرَادَةً مِنْهُ لِلدَّلَالَةِ بِكُلِّ حَرْفٍ مِنْهَا عَلَى مَعَانٍ كَثِيرَةٍ لَا عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ فَتَكُونُ هَذِهِ الْحُرُوفُ جَامِعَةً لِأَنْ تَكُونَ افْتِتَاحًا وَأَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَأْخُوذًا مِنِ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ وَضَعَهَا هَذَا الْوَضْعَ فَسَمَّى بِهَا وَأَنَّ كُلَّ حَرْفٍ مِنْهَا فِي آجَالِ قَوْمٍ وَأَرْزَاقِ آخَرِينَ وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فِي إِنْعَامِهِ وَإِفْضَالِهِ وَمَجْدِهِ وَأَنَّ الِافْتِتَاحَ بِهَا سَبَبٌ لِأَنْ يَسْمَعَ الْقُرْآنَ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَمِعَ وَأَنَّ فِيهَا إِعْلَامًا لِلْعَرَبِ أَنَّ الْقُرْآنَ الدَّالَّ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ وَأَنَّ عَجْزَهُمْ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ مَعَ نُزُولِهِ بِالْحُرُوفِ الْمُتَعَالِمَةِ بَيْنَهُمْ دَلِيلٌ عَلَى كُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ وَجُحُودِهِمْ وَأَنَّ كُلَّ عَدَدٍ مِنْهَا إِذَا وَقَعَ أَوَّلَ كُلِّ سُورَةٍ فَهُوَ اسْمٌ لِتِلْكَ السُّورَةِ.قَالَ وَهَذَا الْقَوْلُ الْجَامِعُ لِلتَّأْوِيلَاتِ كُلِّهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ.الْعَاشِرُ: أَنَّهَا كَالْمُهَيِّجَةِ لِمَنْ سَمِعَهَا مِنَ الْفُصَحَاءِ وَالْمُوقِظَةِ لِلْهِمَمِ الرَّاقِدَةِ مِنَ الْبُلَغَاءِ لِطَلَبِ التَّسَاجُلِ والأخذ في التفاصيل وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ زَمْجَرَةِ الرَّعْدِ قِبَلَ النَّاظِرِ فِي الْأَعْلَامِ لِتَعْرِفَ الْأَرْضُ فَضْلَ الْغَمَامِ وَتَحَفَظَ مَا أُفِيضَ عَلَيْهَا مِنَ الْإِنْعَامِ وَمَا هَذَا شَأْنُهُ خَلِيقٌ بِالنَّظَرِ فِيهِ وَالْوُقُوفِ عَلَى مَعَانِيهِ بَعْدَ حِفْظِ مَبَانِيهِ.الْحَادِيَ عَشَرَ: التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ تِعْدَادَ هَذِهِ الْحُرُوفِ مِمَّنْ لَمْ يُمَارِسِ الْخَطَّ وَلَمْ يُعَانِ الطَّرِيقَةَ عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون}.الثَّانِيَ عَشَرَ: انْحِصَارُهَا فِي نِصْفِ أَسْمَاءِ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ لِأَنَّهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَرْفًا عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ وَهَذَا وَاضِحٌ عَلَى مَنْ عَدَّ حُرُوفَ الْمُعْجَمِ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ حَرْفًا وَقَالَ لَا مُرَكَّبَةٌ مِنَ اللَّامِ وَالْأَلِفِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ حَرْفًا وَالنُّطْقُ بِلَا فِي الْهِجَاءِ كَالنُّطْقِ فِي لَا رَجُلَ فِي الدَّارِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَاضِعَ جَعَلَ كُلَّ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ صَدْرَ اسْمِهِ إِلَّا الْأَلِفَ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُبْتَدَأَ بِهِ لِكَوْنِهِ مَطْبُوعًا عَلَى السُّكُونِ فَلَا يَقْبَلُ الْحَرَكَةَ أَصْلًا تُوِصِّلَ إِلَيْهِ بِاللَّامِ لِأَنَّهَا شَابَهَتْهُ فِي الِاعْتِدَادِ وَالِانْتِصَابِ وَلِذَلِكَ يُكْتَبُ عَلَى صُورَةِ الْأَلِفِ إِلَّا إِذَا اتَّصَلَ بِمَا بَعْدَهُ.فَإِنْ قُلْتَ: فَقَدْ تَقَدَّمَ اسْمُ الْأَلِفِ فِي أَوَّلِ حُرُوفِ الْهِجَاءِ قُلْتُ ذَلِكَ اسْمُ الْهَمْزَةِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ صَدْرُهُ وَالثَّانِي أنتها صَدْرُ مَا تَصَدَّرَ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ لِتَكُونَ صُورَتُهُ ثَلَاثًا وَإِنَّمَا كَانَتْ صَدْرَهُ لِأَنَّ صُورَتَهَا كَالْمُتَكَرِّرَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ لِأَنَّهَا تَلْبَسُ صُورَةَ الْعَيْنِ وَصُورَةَ الْأَلِفِ وَالْوَاوِ وَالْيَاءِ لِمَا يَعْرِضُ مِنَ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَلِذَلِكَ أَخَّرُوا مَا بَعْدَ الطَّاءِ وَالظَّاءِ وَالْعَيْنِ لِأَنَّ صُورَتَهَا لَيْسَتْ مُتَكَرِّرَةً وَجَوَابُهُ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحَرْفَ لَا يُمْكِنُ تَنْصِيفُهُ فَيَتَعَيَّنُ سُقُوطُ حَرْفٍ لِأَنَّهُ الْأَلْيَقُ بِالْإِيجَازِ.الثَّالِثَ عَشَرَ: مَجِيئُهَا فِي تِسْعٍ وَعِشْرِينَ سُورَةً بِعَدَدِ الْحُرُوفِ فَإِنْ قُلْتَ هَلَّا رُوعِيَ صُورَتُهَا كَمَا رُوعِيَ عَدَدُهَا قُلْتُ عُرِضَ لِبَعْضِهَا الثِّقَلُ لَفْظًا فَأُهْمِلَ.
|