الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة الفرس إذا لم يعرف له جودة إلا أنه فرس عربي: قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة وهو مما لا اختلاف فيه أحفظه: أن الخيل ثلاثة أصناف، كبارها صنف: ذكورها وإناثها؛ وصغارها صنف: ذكورها وإناثها، والجواد منها المعروف بالسبق والجري صنف. ذكورها وإناثها؛ فإذا اختلفت هذه الأصناف، جاز منها الواحد بالاثنين إلى أجل؛ فيجوز سلم الصغار منها في الكبار، والكبار في الصغار، والكبار في الكبار إذا اختلفت في الجودة والسبق، وتباينت في ذلك تباينا بعيدا. .مسألة تسليف حولي بكبير إلى أجل: قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم حمل صبيا القول في سلم الواحد في الواحد، والاثنين في الواحد، والواحد في الاثنين من الصغار في الكبار، أو الكبار في الصغار من جنس واحد مستوفى، فلا معنى لإعادته. وقوله في الحمير مثل ما له في المدونة: أنها ثلاثة أصناف: صغارها وكبارها صنفان: حمر مصر منها إلى الركوب صنف، وحمر الأعراب التي للخدمة صنف؛ وقال عيسى وأصبغ إن ما تباين من حمر مصر في السير وتفاوت فيه، يجوز بما ليس بمسيار اثنان بواحد إلى أجل، وإلى هذا ذهب ابن حبيب. وقوله إن البغال والحمير صنف واحد، هو مثل قوله في المدونة، خلاف ما ذهب عليه ابن حبيب من أن البغال صنف على حدة، فيجوز كبارها بكبار الحمير، وصغارها بصغار الحمير اثنان بواحد إلى أجل؛ تكلم ابن القاسم على ما يعرف بمصر من أن الحمير تتخذ للركوب كالبغال؛ وتكلم ابن حبيب على ما يعرف بالأندلس من أن الحمير لا تتخذ للركوب، وإنما هي للخدمة مع اختلاف أجناسها، ووجه ما ذهب إليه ابن القاسم أنه راعى تشابههما في وجوه المنافع وإن افترقت أصولها؛ فقوله في البغال والحمير نحو مذهب أشهب في أن رقيق ثياب القطن والكتان صنف واحد، لتشابههما في المنفعة وإن اختلفت أصولهما؛ والذي يأتي على مذهب ابن القاسم في البغال والحمير على ما يعرف بالأندلس من أنها صنف واحد، لا يجوز صغير من البغال بصغيرين من الحمير إلى أجل وما كان يستمطى من كبار البغال صنف لا يجوز بما لا يستمطى منها، ولا بكبار الحمير اثنان بواحد إلى أجل؛ وما لا يستمطى منها وإنما هو للخدمة، فهو مع الحمير صنف واحد، لا يجوز منها بغل بحمارين إلى أجل. .مسألة السلف في الدجاج والحمام والأوز وجميع الطير الداجن: قال محمد بن رشد: هذا كما قال: وهو مما لا اختلاف فيه أعلمه أن ما كان من الطير الذي يقتنى للبيض أو الفرخ كالدجاج والإوز والحمام، فكل جنس منه صنف على حدة: صغاره وكباره، ذكوره وإناثه، لا يجوز بعضه ببعضه اثنان بواحد إلى أجل، وإن تفاضل في البيض والفراخ؛ فإن اختلفت الجنسان، جاز الواحد منه بالاثنين إلى أجل، وأن ما كان منها لا يقتنى لبيض ولا فرخ، فسبيله سبيل اللحم عند ابن القاسم، لا تراعى الحياة القائمة فيه إلا مع اللحم؛ وأشهب يراعيها في كل حال، فيجوز على مذهبه فيها سلم بعضها في بعض إذا اختلفت أجناسها بمنزلة ما يقتنى لبيض أو لفراخ، وقد مضى هذا المعنى في أول رسم حبل حبلة من سماع عيسى، فقف على ذلك، وبالله التوفيق. .مسألة الخبز واللحم والبيض يباع بعضه ببعض تحريا: قال محمد بن رشد: قوله إن كل ما يباع وزنا ولا يباع كيلا مما لا يجوز فيه التفاضل، يجوز بيع بعضه ببعض على التحري، هو مثل ما في المدونة، ومثل ما مضى في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم؛ وقد مضى القول على ذلك هنالك. وقول ابن القاسم إن ذلك إنما يجوز فيما لم يكثر حتى لا يستطاع أن يتحرى، تفسير لقول مالك؛ وكما يجوز بيع بعضه ببعض بالتحري، فكذلك يجوز اقتسامه بالتحري، وقد قال ابن حبيب إن ذلك لا يجوز، ومعنى ذلك فيما كثر، والله أعلم. وأما ما يباع كيلا ولا يباع وزنا مما لا يجوز فيه التفاضل، فلا اختلاف في أنه لا يجوز أن يباع بعضه ببعض بالتحري، ولا أن يقتسم على التحري؛ وأما ما يجوز فيه التفاضل، فاختلف في جواز قسمته على التحري، وبيع بعضه ببعض على التحري على ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن ذلك جائز فيما لا يباع كيلا، وإنما يباع وزنا كالفاكهة، أو جزافا كالبقول؛ وهو مذهب ابن القاسم فيما حكى عنه ابن عبدوس. والثاني أن ذلك جائز فيما يباع كيلا أو وزنا أو عددا، وهو مذهب أشهب وقول ابن القاسم في هذه الرواية، وإليه ذهب ابن حبيب. والثالث أن ذلك لا يجوز فيما يباع كيلا ولا فيما يباع وزنا وعددا، وهو الذي في آخر كتاب السلم الثالث من المدونة. ودليل ما وقع في كتاب القسم من المدونة في البقول، أنه لا يجوز أن تقسم حتى تجز وتباع؛ وقد وقع في بعض الكتب حتى تجز أو تباع، فإذا ثبت الألف في ذلك، دل على جواز القسمة فيه على التحري بعد الجز على ما ذهب إليه ابن عبدوس من جواز التحري فيما لا يكال مما يجوز فيه التفاضل. .مسألة باع ألف إردب بمائة إلى سنة فوجده يبيعه في السوق فأراد أن يشتري منه بنقد: قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى فيها القول مستوفى في رسم حبل حبلة؛ لأنها من جملة الفروع التي فرعنا المسألة الواقعة فيه إليها، وذكرنا حكمها وأصلها، ووجه القياس فيها، فلا معنى لإعادتها. .مسألة خبز القمح بخبز الأرز متفاضلا: قال محمد بن رشد: الأخباز، والأخلال، والأنبذة، والأسوقة، لا يراعى أصولها؛ لأن المنفعة فيها واحدة؛ فلا يجوز التفاضل في الخبز، ولا في الخل، ولا في النبيذ ولا في السويق وإن افترقت أصولها فكانت مما يجوز فيه التفاضل، خلاف الزيوت يجوز التفاضل في الزيت إذا اختلفت أصوله، فكان هذا زيت زيتون، وهذا زيت فجل أو جلجلان، وما أشبه ذلك؛ هذا هو المشهور، وقد روي عن ابن القاسم أن التفاضل في الأخباز القطنية جائز باختلاف أصوله، وروى ابن جعفر الدمياطي عنه أن خبز القطنية كلها صنف، وأن خبز ما عدا القطنية من القمح والشعير والسلت والأرز والذرة والدخن صنف؛ فيجوز التفاضل في خبز ذلك كله بخبز القطنية، ولا يجوز التفاضل في أخباز القطنية، ولا في أخباز ما عدا القطنية، وإذا كانت أصول الأخباز مما يجوز فيه التفاضل، فتعتبر المماثلة في أعيان الأخباز على مذهب من لا يجيز التفاضل فيها؛ وإن كانت مما لا يجوز فيه التفاضل: مثل خبز القمح، وخبز السلت أو الشعير، فالمماثلة تكون فيها بأن يتحرى كيل ما دخل في كل واحد منهما من الدقيق على ما في سماع أبي زيد من كتاب جامع البيوع. .مسألة طير الماء الذي لا يستحيى أيباع قبل أن يستوفى: قال محمد بن رشد: معناه إذا أسلم فيه، وأما إذا اشتراه بعينه فالنقد يدخل في ضمانه؛ لأنه جزاف؛ ويجوز بيعه قبل قبضه كالصبرة تشتري جزافا؛ وهذا على أصل ابن القاسم في أن هذه الحياة غير مرعية؛ وأما على مذهب أشهب، فيجوز له أن يبيعه قبل أن يستوفيه وإن أسلم فيه؛ لأن الحياة فيه مرعية عنده على ما قد ذكرناه في الرسم الذي قبل هذا، وفي رسم حبل حبلة. .مسألة الرجل يبيع السلعة من الرجل إلى أجل بمائة دينار: قال محمد بن رشد: جعل ابن القاسم تعدي البائع على السلعة وبيعها بالنقد بعد أن كان باعها بثمن إلى أجل إذا اختار المشتري الأول أن يجيز البيع ويأخذ الثمن الذي باعها به نقدا، أو القيمة إن كانت قد فاتت وهي أقل من الثمن الذي كان اشتراها به؛ بمنزلة إذا اشتراها منه بالنقد بعد أن كان باعها منه بثمن إلى أجل، وأنهما على القصد إلى دفع دنانير في أكثر منها إلى أجل؛ فقال إنه يقضى له على البائع إن كانت السلعة قد فاتت بالأكثر من الثمن الذي باعها به أو القيمة، ولا يأخذ منه عند الأجل إلا ذلك، ويطرح عنه الزائدة ويدخل في هذا من الاختلاف ما يدخل فيمن باع سلعة بثمن إلى أجل، ثم اشتراها بأقل من ذلك نقدا وفاتت السلعة؛ وذلك ثلاثة أقوال، أحدها هذا؛ والثاني أنه يفسخ البيع الأول إذا أبى المبتاع الأول من أخذ سلعته وأراد أخذ الثمن، أو فاتت وأراد أخذ القيمة؛ وإن كانت القيمة أكثر من الثمن، فلا يحكم له على البائع بشيء من ذلك ويسقط عنه الثمن؛ وهو الذي يأتي على ظاهر ما في رسم حلف من سماع ابن القاسم، وما في رسم القطعان من سماع عيسى. والثالث الفرق بين أن تكون القيمة أو الثمن أكثر من الثمن الذي عليه إلى الأجل وأقل، فإن كان أقل فسخ البيع الأول وسقط عنه الثمن ولم يقض له بقيمة ولا ثمن؛ وإن كان أكثر، قضى له بأخذ القيمة أو الثمن؛ فإذا حل الأجل أدى ما عليه حسبما مضى القول فيه في رسم حلف المذكور، وقد قيل إن عدا البائع على السلعة، بخلاف شرائه لها، فلا يتهمان مع العداء، ويحكم له بأخذ الثمن أو القيمة إن كانت السلعة قد فاتت، ويكون عليه إذا حل الأجل الثمن الذي كان عليه وإن كان أكثر مما قبض من القيمة أو الثمن. .مسألة يشتري من الرجل عبدا بمائة دينار إلى أجل: قال محمد بن رشد: أما إذا كانت مائة المشتري على البائع حالة، فجواز ذلك بين لا أشكال فيه؛ لأن المبتاع عجل للبائع المائة التي عليه إلى أجل، إذ أعطاه بها المائة التي له عليه حالة؛ وله أن يعجلها فعجل له ما من حقه تعجيله وزاده مع التعجيل عطية العبد، وكذلك إن كان الذي للمشتري على المائع أكثر من مائة؛ لأنه عجل له حقه ووضع عنه الزائد، وزاده عطية العبد، وأما إن كان الذي للمشتري على البائع أقل من مائة، فلا يجوز بحال؛ لأن البائع يصير قد أخذ من المائة التي له أقل من مائة والعبد، فيدخله عرض وذهب بذهب إلى أجل، وضع وتعجل؛ وأما إذا كانت المائة التي له عليه إلى أجل ثمن العبد، فقال إن ذلك جائز؛ لأنه محا عنه المائة بالمائة، وزاده العبد؛ وفي ذلك من قوله نظر؛ لأن محو المائة عنه بالمائة ليس من حقه، فصار البائع إنما أجابه إلى المقاصة على أن أخذ منه العبد؛ ولعله خشي هو إن لم يقاصه أن يقوم عليه الغر ماء قبل حلول الأجل، فيتحاص معهم في المائة التي عليه؛ فرضي أن يعطيه العبد على أن يقاصه بالمائة في المائة، ليتخلص بالمائة التي عليه دون الغرماء، فيدخله ذهب وعرض بذهب؛ وهذا بين، فلا فرق في القياس بين أن تكون مائة المشتري على البائع إلى أجل ثمن العبد، أو إلى دونه إذا لم تكن حالة؛ وأما إذا كانت المائة التي للمشتري على البائع إلى أبعد من أجل ثمن العبد، أو إلى دونه؛ فالمكروه في ذلك بين؛ لأنه أخذه بالمائة التي وجبت عليه من ثمن العبد إلى أن يحل أجل المائة التي عليه، فتكون مقاصة على أن يعطيه العبد فتدخله الزيادة في السلف وبيع ذهب وعرض بذهب إلى أجل. .مسألة يبيع من الرجل السلعة بعشرة دنانير إلى شهر وبثوب نقدا: قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال إن الآجال إذا اختلفت يدخله بيع وسلف، إذ لا تكون في ذلك مقاصة، لاختلاف الآجال؛ وأما قوله إن السلعة إن لم تفت فسخ البيع وردت، وإن فاتت رد السلف ونقض البيع وصيرت السلعة إلى قيمتها يوم قبضها؛ فالظاهر منه أن البيع يفسخ على كل حال- ما كانت السلعة قائمة، ولا يكون في ذلك خيار لمشترط السلف، وتكون فيها القيمة إن فاتت بالغة ما بلغت؛ ومثله في العشرة ليحيى عن ابن القاسم على حكم البيع الفاسد لغرر يكون فيه، أو فساد في ثمن أو مثمون، خلاف المشهور في المذهب من أنه لا يفسخ إذا أرضى مشترط السلف بتركه على مذهب سحنون، أو رده على مذهب ابن القاسم إن كان قد قبضه. يريد ما لم يمض أجله، أو مقدار ما يرى أنه أسلفه إليه؛ فإن فاتت السلعة كان فيها الأكثر من القيمة، أو الثمن إن كان البائع هو مشترط السلف، أو الأقل من القيمة، أو الثمن إن كان المشتري هو مشترط السلف على البائع حكم بيوع الثنيا في المشهور من الأقوال فيها؛ وقد قيل إن البائع إن كان هو مشترط السلف وفاتت السلعة، كان فيها الأكثر من القيمة أو الثمن، ما لم تكن القيمة أكثر من الثمن والسلف، فلا يزاد البائع على ذلك شيئا؛ وإن كان المشتري هو مشترط السلف على البائع، كان فيها الأقل من القيمة أو الثمن، ما لم تكن القيمة أقل من الثمن بعد أن يطرح منه السلف، فلا ينقص المبتاع من ذلك شيئا، وهو قول أصبغ؛ ويتخرج في المسألة قول ثالث وهو أن يرجع مشترط السلف منهما على صاحبه بقدر ما نقصه أو زاده بسبب الشرط؛ ووجه العمل في ذلك، أن تقوم السلعة بشرط السلف ودون شرط، فيؤخذ اسم ما بين القيمتين من الثمن، ويرجع بذلك البائع على المبتاع إن كان هو مشترط السلف؛ والمبتاع على البائع إن كان هو مشترط السلف؛ وقال سحنون إذا قبض السلف وغيب عليه، فقد تم الحرام بينهما ووجب فسخ البيع على كل حال ما كانت السلعة قائمة؛ وأن تكون فيها القيمة بالغة ما بلغت إذا كانت قد فاتت، هو مذهب ابن حبيب، ووجه رواية يحيى أن البيع والسلف يؤول الأمر فيه إلى الفساد في الثمن أو المثمون؛ لأن البائع إن كان هو مشترط السلف على المبتاع، فكأنه قد باع منه سلعة نجما سمى من الثمن، وبما يربح في السلف إلى الأجل الذي سمى السلف إليه؛ وإن كان المبتاع هو مشترط السلف على البائع، فكأنه قد اشترى منه السلعة وما يربح في السلف بما سمى من الثمن؛ فوجب أن يفسخ البيع على كل حال في القيام، وأن تكون فيه القيمة بالغة ما بلغت في الفوات؛ ووجه القول الثاني أن السلف قد لا يزيده مشترطه ليتجر به، وإنما يزيده لغير ذلك من الوجوه، فلا يؤول ذلك إلى فساد في الثمن ولا في المثمون، ويكون البيع على ذلك من بيوع الثنيا؛ وأما إذا اشترى السلعة بعشرة دنانير إلى شهر على أن يسلف للبائع مائة درهم إلى ذلك الأجل، والصرف عشرة دراهم بدينار؛ فإن الجواب فيها سقط من بعض الروايات، وثبت في بعضها وهو صحيح، إذ لا يوجب الحكم المقاصة بالدينار من الدراهم؛ ولو وقع البيع بشرط المقاصة، لوجب أن يجوز وإن قبح اللفظ؛ لأن مآل أمرهما إلى أن باع منه السلعة بمائة درهم نقدا، وقد قال ذلك ابن أبي زيد. .مسألة خل التمر بنبيذ التمر: قال محمد بن رشد: لم يجز في هذه الرواية خل التمر بنبيذ التمر إلا مثلا بمثل، وكذلك على قياس قوله لا يجوز خل الزبيب بنبيذ الزبيب إلا مثلا بمثل؛ وإذا لم يجز خل التمر بنبيذ التمر، ولا خل الزبيب بنبيذ الزبيب متفاضلا، لقرب ما بينهما؛ وكان التمر بنبيذ التمر، والزبيب بنبيذ الزبيب، لا يجوز على حال، لقرب ما بينهما؛ وجب ألا يجوز خل التمر بالتمر، ولا خل الزبيب بالزبيب على حال أيضا، لقرب ما بينهما؛ بخلاف خل العنب بالعنب، وهو نحو قول ابن الماجشون؛ لأنه لم يجز خل التمر بالتمر إلا في اليسير، ومنع منه في الكثير؛ وكذلك الرقيق بالحنطة عنده، رواه أبو زيد عنه، خلاف ما في المدونة من أن خل التمر بالتمر متفاضلا جائز، كخل العنب بالعنب؛ والفرق بين خل العنب بالعنب، وبين خل التمر على هذه الرواية، ما قيل إن خل التمر والزبيب والتين تخليله متقارب، بخلاف خل العنب؛ والى هذا ذهب الفضل، واستحسن هذه الرواية لهذا المعنى؛ ويحتمل أن يفرق بين المسألتين بأن يقال إن النبيذ لا يصلح بالتمر لقرب ما بينهما، ولا بالخل إلا مثلا بمثل، لقرب ما بينهما أيضا، ويصلح التمر بالخل لأنه يبعد ما بينهما، وذلك أن الخل والتمر طرفان بعيد ما بينهما، فيجوز التفاضل بينهما؛ والنبيذ واسط بينهما يقرب من كل واحد منهما، فلا يجوز بالتمر على حال، ولا بالخل إلا مثلا بمثل، وهذا أظهر لما وقع في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع في بعض الروايات من أنه لا بأس بخل التمر بالتمر، ولا يجوز النبيذ بالتمر، ففرق بين المسألتين؛ فلا يكون على هذا التأويل ما في المدونة من جواز الخل بالتمر مخالفا لقوله في هذه الرواية إنه لا يصلح خل التمر بنبيذ التمر إلا مثلا بمثل، وأما خل التمر بنبيذ الزبيب، فإنما لم يجز إلا مثلا بمثل، من أجل أن أحوالهما متقاربة، لا من أجل أن منفعتهما متقاربة كما قال في الرواية؛ فالجواب صحيح، والتعليل غير صحيح؛ لأن منفعة الخل متباينة لمنفعة النبيد. .مسألة يبيع الدار بثمن إلى أجل على أن يسكن الدار سنة: قال محمد بن رشد: لم يخفف إلا الأشهر والسنة، وكره ما هو أبعد من ذلك، من أجل أن الدين بالدين يدخله عنده في البعيد، ولا مدخل للدين بالدين في ذلك؛ لأن ضمان الدار من المشتري، وإن استثنى البائع سكناها؛ ولو كان الضمان فيها من البائع إلى انقضاء استثنائه، لما دخل ذلك أيضا الدين بالدين إلا على قياس رواية أصبغ التي تقدمت في رسم أوصى من سماع عيسى، وذلك خلاف لما في المدونة؛ فلا فرق في هذا بين أن يشتري الدار بدين أو أن ينقده، وإنما كره مالك أن يستثنى سكنى أكثر من السنة. لأنه رأى أن الدار يتغير بناؤها إلى هذه المدة، فلا يدري المشتري كيف ترجع إليه الدار التي اشترى؛ فهذا هو الأصل في هذه المسألة، أنه يجوز للبائع أن يستثني من المدة ما يؤمن تغيير بناء الدار فيها؛ وفد اختلف في حد ذلك اختلافا كثيرا، فلابن شهاب في المدونة إجازة ذلك العشرة الأعوام، ومثله لابن القاسم في كتاب ابن المواز؛ ويقوم ذلك من كتاب العارية من المدونة؛ لأنه أجاز فيه أن يعير الرجل الرجل الأرض على أن يبني فيها ويسكنها عشر سنين إذا بين البنيان ما هو، وهو قول المغيرة؛ وأجاز ذلك سحنون في سماع أبي زيد من كتاب طلاق السنة في الخمسة الأعوام، وقد روى ابن وهب عن مالك السنة ونصف؛ وينبغي أن ينظر في هذا إلى حسن البناء وتحصينه، فرب بناء يتغير إلى المدة القريبة، ورب بناء لا يتغير المدة الطويلة. وأما بيع الأرض واستثناؤها أعواما، فهو أخف يجوز في العشرة الأعوام؛ وهو قول ابن القاسم في أول سماع أصبغ من كتاب الحبس، ومثله في كتاب ابن المواز؛ وقال المغيرة يجوز في ذلك السنين ذوات العدد، ولا يجوز في الدار إلا العشر سنين ونحوها؛ ولابن القاسم في المدنية لا يجوز ذلك في الأرض ولا في الدار أكثر من السنة، وهو بعيد وشاذ في الأرض، والله الموفق.
|