الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»
وقال أبو اليقظان والواقدي: ليوثا.وقال كعب: لوثوثا. وقال: بلهموثا.وقال كعب: إن إبليس تغلغل إلى الحوت الذي على ظهره الأرضون فوسوس في قلبه، وقال: أتدري ما على ظهرك يا لوثوثا من الدواب والشجر والأرضين وغيرها، لو لفظتهم ألقيتهم عن ظهرك أجمع، فهم ليوثا أن يفعل ذلك، فبعث الله إليه دابة فدخلت منخره ووصلت إلى دماغه، فضج الحوت إلى الله عز وجل منها فأذن الله لها فخرجت. قال كعب: فوالله إنه لينظر إليها وتنظر إليه إن هم بشيء من ذلك عادت كما كانت.وقال الضحاك عن ابن عباس: إن ن آخر حروف من حروف الرَّحْمنِ. قال: الر، ولَحْمَ، ون، الرَّحْمنِ تعالى متقطعة.وقال ابن زيد هو قسم أقسم تعالى به.وقال ابن كيسان: هو فاتحة السورة.وقيل: أسم السورة.وقال عطاء وأبو العالية: هو افتتاح أسمه نصير ونور وناصر.وقال محمد بن كعب: أقسم الله تعالى بنصره للمؤمنين، وهو حق. بيانه قوله تعالى: {كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47] وقال جعفر الصادق: هو نهر من أنهار الجنة يقال له نون.وقيل: هو المعروف من حروف المعجم، لأنه لو كان غير ذلك لكان معربا، وهو اختيار القشيري أبو نصر عبد الرحيم في تفسيره. قال: لان ن حرف لم يعرب، فلو كان كلمة تامة أعرب كما أعرب القلم، فهو إذا حرف هجاء كما في سائر مفاتيح السور. وعلى هذا قيل: هو أسم السورة، أي هذه السورة ن. ثم قال: وَالْقَلَمِ أقسم بالقلم لما فيه من البيان كاللسان، وهو واقع على كل قلم مما يكتب به من في السماء ومن في الأرض، ومنه قول أبي الفتح البستي: وللشعراء في تفضيل القلم على السيف أبيات كثيرة، ما ذكرناه أعلاها.وقال ابن عباس: هذا قسم بالقلم الذي خلقه الله، فأمره فجرى بكتابة جميع ما هو كائن إلى يوم القيامة. قال: وهو قلم من نور طوله كما بين السماء والأرض. ويقال. خلق الله القلم ثم نظر إليه فانشق نصفين، فقال: أجر، فقال: يا رب بم أجري؟ قال بما هو كائن إلى يوم القيامة، فجرى على اللوح المحفوظ.وقال الوليد بن عبادة بن الصامت: أوصاني أبي عند موته فقال: يا بني، اتق الله، وأعلم أنك لن تتقي ولن تبلغ العلم حتى تؤمن بالله وحده، والقدر خيره وشره، سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول: «إن أول ما خلق الله القلم فقال له أكتب فقال يا رب وما أكتب فقال أكتب القدر فجرى القلم في تلك الساعة بما كان وما هو كائن إلى الأبد» وقال ابن عباس: أول ما خلق الله القلم فأمره أن يكتب ما هو كائن، فكتب فيما كتب: {تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1].وقال قتادة: القلم نعمة من الله تعالى على عباده. قال غيره: فخلق الله القلم الأول فكتب ما يكون في الذكر ووضعه عنده فوق عرشه، ثم خلق القلم الثاني ليكتب به في الأرض، على ما يأتي بيانه في سورة: {اقرأ باسم ربك} [العلق: 1]. قوله تعالى: {وَما يَسْطُرُونَ} أي وما يكتبون. يريد الملائكة يكتبون أعمال بني آدم، قاله ابن عباس: وقيل: وما يكتبون أي الناس ويتفاهمون به.وقال ابن عباس: ومعنى وَما يَسْطُرُونَ وما يعلمون. وما موصولة أو مصدرية، أي ومسطوراتهم أو وسطرهم، ويراد به كل من يسطر أو الحفظة، على الخلاف. {ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} هذا جواب القسم وهو نفي، وكان المشركون يقولون للنبي صلي الله عليه وسلم إنه مجنون، به شيطان.وهو قولهم: {يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [الحجر: 6] فأنزل الله تعالى ردا عليهم وتكذيبا لقولهم ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ أي برحمة ربك. والنعمة ها هنا الرحمة. ويحتمل ثانيا- أن النعمة ها هنا قسم، وتقديره: ما أنت ونعمة ربك بمجنون، لان الواو والباء من حروف القسم. وقيل هو كما تقول: ما أنت بمجنون، والحمد لله.وقيل: معناه ما أنت بمجنون، والنعمة لربك، كقولهم: سبحانك اللهم وبحمدك، أي والحمد لله. ومنه قول لبيد: أي وهو أربد.وقال النابغة: أي هو ناتق. والباء في بِنِعْمَةِ رَبِّكَ متعلقة بِمَجْنُونٍ منفيا، كما يتعلق بغافل مثبتا. كما في قولك: أنت بنعمة ربك غافل. ومحله النصب على الحال، كأنه قال: ما أنت بمجنون منعما عليك بذلك. {وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً} أي ثوابا على ما تحملت من أثقال النبوة. {غَيْرَ مَمْنُونٍ} أي غير مقطوع ولا منقوص، يقال: مننت الحبل إذا قطعته. وحبل منين إذا كان غير متين. قال الشاعر: أي لا يقطع.وقال مجاهد: غَيْرَ مَمْنُونٍ محسوب. الحسن: غَيْرَ مَمْنُونٍ غير مكدر بالمن. الضحاك: أجرا بغير عمل.وقيل: غير مقدر وهو التفضل، لان الجزاء مقدر والتفضل غير مقدر، ذكره الماوردي، وهو معنى قول مجاهد.
أي رجعت الأخلاق إلى طبائعها. قلت: ما ذكرته عن عائشة في صحيح مسلم أصح الأقوال. وسئلت أيضا عن خلقه عليه السلام، فقرأت: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] إلى عشر آيات، وقالت: ما كان أحد أحسن خلقا من رسول الله صلي الله عليه وسلم، ما دعاه أحد من الصحابة ولا من أهل بيته إلا قال لبيك، ولذلك قال الله تعالى وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ. ولم يذكر خلق محمود إلا وكان للنبي صلي الله عليه وسلم منه الحظ الأوفر.وقال الجنيد: سمي خلقه عظيما لأنه لم تكن له همة سوى الله تعالى. وقيل سمي خلقه عظيما لاجتماع مكارم الأخلاق فيه، يدل عليه قوله عليه السلام: «إن الله بعثني لأتمم مكارم الأخلاق».وقيل: لأنه أمتثل تأديب الله تعالى إياه بقوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ} [الأعراف: 199]. وقد روي عنه عليه السلام أنه قال: «أدبني ربي تأديبا حسنا» إذ قال: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ} [الأعراف: 199] فلما قبلت ذلك منه قال: {إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.الثانية: روى الترمذي عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «أتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن». قال حديث حسن صحيح. وعن أبي الدرداء أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: «ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن وإن الله تعالى ليبغض الفاحش البذي». قال: حديث حسن صحيح. وعنه قال: سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول: «ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصلاة والصوم». قال: حديث غريب من هذا الوجه. وعن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلي الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال: «تقوى الله وحسن الخلق». وسيل عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ فقال: «الفم والفرج» قال: هذا حديث صحيح غريب. وعن عبد الله بن المبارك أنه وصف حسن الخلق فقال: هو بسط الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى. وعن جابر: أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا- قال- وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون. قالوا: يا رسول الله، قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون». قال: وفي الباب عن أبي هريرة وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
|