الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.من أقوال المفسرين: .قال الفخر: اعلم أنه تعالى لما حكى الكلمات التي جرت بين نوح وبين أولئك الكفار، ذكر ما إليه رجعت عاقبة تلك الواقعة، أما في حق نوح وأصحابه فأمران: أحدهما: أنه تعالى نجاهم من الكفار. الثاني: أنه جعلهم خلائف بمعنى أنهم يخلفون من هلك بالغرق، وأما في حق الكفار فهو أنه تعالى أغرقهم وأهلكهم. وهذه القصة إذا سمعها من صدق الرسول ومن كذب به كانت زجرًا للمكلفين من حيث يخافون أن ينزل بهم مثل ما نزل بقوم نوح وتكون داعية للمؤمنين على الثبات على الإيمان، ليصلوا إلى مثل ما وصل إليه قوم نوح، وهذه الطريقة في الترغيب والتحذير إذا جرت على سبيل الحكاية عمن تقدم كانت أبلغ من الوعيد المبتدأ وعلى هذا الوجه ذكر تعالى أقاصيص الأنبياء عليهم السلام. وأما تفاصيل هذه القصة فهي مذكورة في سائر السور. اهـ. .قال الماوردي: قال ابن عباس: كان في سفينة نوح عليه السلام ثمانون رجلًا أحدهم جرهم وكان لسانه عربيًا، وحمل فيها من كل زوجين اثنين، قال ابن عباس فكان أول ما حمل الذرة وآخر ما حمل الحمال ودخل معه إبليس يتعلق بذنبه. {وَجَعَلْنَاهُمْ خَلائِفَ} أي خلفًا لمن هلك بالغرق. {وَأَغْرَقُنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآياتِنَا} حكى أبو زهير أن قوم نوح عاشوا في الطوفان أربعين يومًا. وذكر محمد بن إسحاق أن الماء بقي بعد الغرق مائة وخمسين يومًا، فكان بين أن أرسل الله الطوفان إلى أن غاض الماء ستة أشهر وعشرة أيام وذلك مائة وتسعون يومًا. قال محمد بن إسحاق لما مضت على نوح أربعون ليلة فتح كوة السفينة ثم أرسل منها الغراب لينظر ما فعل الماء فلم يعد، فأرسل الحمامة فرجعت إليه ولم تجد لرجلها موضعًا، ثم أرسلها بعد سبعة أيام فرجعت حيث أمست وفي فيها ورقة زيتونة فعلم أن الماء قد قل على الأرض، ثم أرسلها بعد سبعة أيام فلم تعد فعلم أن الأرض قد برزت، وكان استواء السفينة على الجودي لسبع عشرة ليلة من الشهر السابع فيما ذكر، والله أعلم. اهـ. .قال ابن عطية: .قال القرطبي: {فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ} أي من المؤمنين. {فِي الفلك} أي السفينة، وسيأتي ذكرها. {وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ} أي سكان الأرض وخَلَفًا ممن غرِق. {فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المنذرين} يعني آخر أمر الذين أنذرهم الرسل فلم يؤمنوا. اهـ. .قال الخازن: .قال أبو السعود: .قال الألوسي: والثاني أكثر عند الخاصة وسيق الكلام لتهويل ما جرى عليهم وتحذير من كذب بالرسول عليه الصلاة والسلام والتسلية له صلى الله عليه وسلم، والمراد اعتبر ما أخبر الله تعالى به لأنه لا يمكن أن ينظر إليه هو صلى الله عليه وسلم ولا من أنذره. اهـ. .قال ابن عاشور: ولك أن تجعل معنى فعل: {كذبوه} الاستمرار على تكذيبه مثل فِعل: {آمنوا} في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله} [النساء: 136]، فتكون الفاء لتفريع حصول ما بعدها على حصول ما قبلها. وأما الفاء التي في جملة: {فنجيناه} فهي للترتيب والتعقيب، لأن تكذيب قومه قد استمر إلى وقت إغراقهم وإنجاء نوح عليه السلام ومَن اتبعه. وهذا نظم بديع وإيجاز معجز إذ رجع الكلام إلى التصريح بتكذيب قومه الذي لم يذكر قبل بل أشير له ضمنًا بقوله: {إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبُر عليكم مقامي} [يونس: 71] الآية، فكان كرد العجز على الصدر. ثم أشير إلى استمراره في الأزمنة كلها حتى انتهى بإغراقهم، فذكر إنجاء نوح وإغراق المكذبين له، وبذلك عاد الكلام إلى ما عقب مجادلةَ نوح الأخيرة قومَه المنتهية بقوله: {وأمرت أن أكون من المسلمين} [يونس: 72] فكان تفننًا بديعًا في النظم مع إيجاز بهيج. وتقدم ذكر إنجائه قبل ذكر الإغراق الذي وقع الإنجاء منه للإشارة إلى أن إنجاءه أهم عند الله تعالى من إغراق مكذبيه، ولتعجيل المسرة للمسلمين السامعين لهذه القصة. والفلك: السفينة، وتقدم عند قوله تعالى: {والفلك التي تجري في البحر} في سورة [البقرة: 164]. والخلائف: جمع خليفة وهو اسم للذي يخلف غيره. وتقدم عند قوله تعالى: {إني جاعل في الأرض خليفة} في سورة [البقرة: 30]. وصيغة الجمع هنا باعتبار الذين معه في الفلك تفرع على كل زوجين منهم أمة. وتعريف قوم نوح بطريق الموصولية في قوله: {وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا} للإيماء إلى سبب تعذيبهم بالغرق، وأنه التكذيب بآيات الله إنذارًا للمشركين من العرب ولذلك ذيل بقوله: {فانظر كيف كان عاقبة المنذرين}، أي المنذرين بالعذاب المكذبين بالإنذار. والنظر: هنا نظر عين، نزل خبرهم لوضوحه واليقين به منزلة المشاهد. والخطاب بـ: {انظر} يجوز أن يكون لكل من يسمع فلا يراد به مخاطب معين ويجوز أن يكون خطابًا لمحمد صلى الله عليه وسلم فخصّ بالخطاب تعظيمًا لشأنه بأن الذين كذبوه يوشك أن يصيبهم من العذاب نحو مما أصاب قوم نوح عليه السلام وفي ذلك تسلية له على ما يلاقيه من أذاهم وإظهار لعناية الله به. اهـ. .قال الشعراوي: وكأن الأمر الذي وقع من الحق سبحانه نتيجة عدائهم للإيمان كان من الممكن أن يشمله؛ لأنه لا يقال: نجَّيتُك من كذا إلا إذا كان الأمر الذي نجيتك منه، توشك أن تقع فيه، وكان هذا بالفعل هو الحال مع الطوفان، فالحق سبحانه يقول: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السماء بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الأرض عُيُونًا} [القمر: 1112]. ومن المتوقع أن تشرب الأرض ماء المطر، لكن الذي حدث أن المطر انهمر من السماء والأرض أيضًا تفجَّرتْ بالماء؛ ولذلك نجد الحق سبحانه وتعالى يقول: {فَالْتَقَى الماء على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر: 12]. أي: أن ذلك الأمر كان مقدَّرًا؛ حتى لا يقولن أحد: إن هذه المسألة ظاهرة طبيعية. لا إنه أمر مُقدَّر، وقد كانت السفينة موجودة بصناعة من نوح عليه السلام؛ لأن الحق سبحانه قد أمره بذلك في قوله تعالى في سورة هود: {واصنع الفلك بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} [هود: 37]. ويقول الحق سبحانه في الآية التي بعدها: {وَيَصْنَعُ الفلك وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} [هود: 38]. ويركب نوح عليه السلام السفينة، ويركب معه من آمن بالله تعالى، وما حملوا معهم من الطير والحيوان من كُلِّ نوع اثنين ذكرًا وأنثى. وقول الحق سبحانه: {فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ} [يونس: 73]. يوحي أن الذي صعد إلى السفينة هم العقلاء من البشر، فكيف نفهم مسألة صعود الحيوانات والطيور إلى السفينة؟ نقول: إن الأصل في وجود هذه الحيوانات وتلك الطيور أنها مُسخَّرة لخدمة الإنسان، وكان لابد أن توجد في السفينة؛ لأنها ككائنات مسخّرة تسبِّح الله، وتعبد الحق سبحانه، فكيف يكون علمها فوق علم العقلاء الذين كفرو بعضهم، ثم أليس من الكائنات المسخَّرة ذلك الغراب الذي علَّم قابيل كيف يواري سوأة أخيه؟! إنه طائر، لكنه علم ما لم يعلمه الإنسان! والحق سبحانه هو القائل: {فَبَعَثَ الله غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأرض لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ} [المائدة: 31]. ثم يقول الحق سبحانه في الآية التي نحن بصددها الآن: {فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الفلك وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المنذرين} [يونس: 73]. وكلمة الفُلْك من الألفاظ التي تطلق على المفرد، وتطلق على الجماعة. وقول الحق سبحانه: {فَنَجَّيْنَاهُ} نعلم منه أن الفعل من الله تعالى، وهو سبحانه حين يتحدث عن أي فعل له، فالكلام عن الفعل يأتي مثل قوله سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]. ولكنه حين يتحدث عن ذاته، فهو يأتي بكلمة تؤكد الوحدانية وتكون بضمير الإفراد مثل: {إنني أَنَا الله} [طه: 14]. وهنا يقول الحق سبحانه: {فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الفلك} [يونس: 73].
|