الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.فوائد لغوية وإعرابية: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} قوله تعالى: {فَلاَ أَعْبُدُ}: جواب الشرط، والفعل خبر ابتداء مضمر تقديره: فأنا لا أعبد، ولو وقع المضارعُ منفيًا بلا دون فاء لَجُزِمَ، ولكنه مع الفاءِ يُرْفَع على ما ذكرت لك، وكذا لو لم يُنْفَ بلا كقولِه تعالى: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ الله مِنْهُ} [المائدة: 95]. أي: فهو ينتقم. قوله: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ}، قال الزمخشري: أصله بأن أكونَ، فحُذِفَ الجارُّ، وهذا الحذفُ يحتمل أن يكونَ مِنَ الحذف المطَّرد الذي هو حَذْفُ الحروفِ الجارَّةِ مع أَنْ وأنَّ، وأن يكونَ مِن الحذفِ غيرِ المطرد وهو قوله: {فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ} [الحجر: 94]. قلت: يعني بغيرِ المطَّرد أنَّ حذفَ حرف الجر مسموعٌ في أفعالٍ لا يجوز القياسُ عليها وهي: أمر واستغفر، وقد ذكرتُها فيما تقدَّم، وأشار بقوله: أمرتك إلى البيت المشهور: وقد قاس ذلك بعضُ النحويين، ولكن يُشترط أن يتعيَّن ذلك الحرف ويتعيَّن موضعُه أيضًا، وهو رأي علي بن سليمان فيُجيز بريتُ القلمَ السكين بخلاف صَكَكْت الحجرَ بالخشبة. اهـ. .من لطائف وفوائد المفسرين: .قال في ملاك التأويل: والجواب أن الآية الأولى قد ورد قبلها قوله تعالى: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله} وبعد هذا: {وما تغنى الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون} وبعد هذا كذلك: {حقا علينا ننجي المؤمنين} وبعد هذا الآية المذكورة من قوله: {وأمرت أن أكون من المؤمنين} وتناسب هذا كله بين. ثم من المعلوم ان اسم الإيمان إنما يقع لغة على التصديق وعلى هذا يطلقه الأشعرية ومنه: {وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين} ثم قد يتسع في إطلاقه فيوقع على التصديق والاستسلام ومنه: {وأمرت أن أكون من المؤمنين} والأصل في اسم الإسلام وقوعه على الاستسلام والتزلم الأعمال الظاهرة ثم يتسع فيه فيطلق على مجموع التصديق والاعتقاد والاستسلام ومنه: {وأمرت أن أكون من المسلمين} وقد يختص كل من الاسمين بمسماه من غير اتساع ومنه قوله تعالى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} وفى حديث سؤال جبريل عليه السلام: «ما الاسلام؟ قال ان تشهد ان لا اله الا الله وأنى رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا قال صدقت فما الايمان؟ قال: أن تؤمن بالله...» الحديث فوقع فيه التفصيل إجراء على أصل التسمية فإذا تقرر هذا فاعلم ان ما تقدم قبل آية يونس من تكرار اسم الإيمان لم يكن ليلائمه إطلاق اسم الإسلام لأن رتبة الإيمان فوق رتبة الإسلام ومقامه أعلى وهذا على إطلاق كل واحد من الاسمين على مسماه لغة وعلى رعى التفصيل فكأن يكون عكس الترقى إلى الأعلى أبدا فلا يمكن في آية يونس الا ما وردت عليه. أما آية النمل فإن قبلها قوله: {إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها الله وله كل شيء} وقوله: {وله كل شيء} يقتضى تسليم كل شيء له والتبرى من توهم شريك أو نظير فناسب هذا قوله: {وأمرت أن أكون من المسلمين} وجاء كل على ما يجب. اهـ. .من لطائف القشيري في الآية: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ} إن كنتم غطاء الرَّيْبِ فأنا في ضياءِ مِنَ الغيبِ، إِنْ كنتم في ظلمة الجهل فأنا في شموس الوَصْلِ، إن كنتم في سدفة الضَّلالة فأنا في خلعة الرسالة وعلى أنوار الدلالة. ويقال قد تميزنا على مفرق الطريق: فأنتم وقعتم في وهدة العِوَجِ، وأنَا ثابِتٌ على سَوَاء النَّهَجْ. اهـ. .تفسير الآيات (105- 106): .من أقوال المفسرين: .قال البقاعي: ولما نهاه عن الشرك، أكده بما هو كالتعليل له بما يلزمه من العبث بالخضوع لما لا ضر فيه ولا نفع بقوله تعالى: {ولا تدع} أي في رتبة من الرتب الكائنة: {من دون الله} أي الذي بيده كل شيء: {ما لا ينفعك} أي إن فعلت شيئًا من ذلك فأتاك بأسنا: {ولا يضرك} أي إن أقمت على طاعتنا مع نصرنا: {فإن فعلت} أي شيئًا مما نهيناك عنه: {فإنك إذًا} إذا دعوت ذلك الغير بسبب ذلك: {من الظالمين} أي العريقين في وضع الدعوة في غير محلها لأن ما هو كذلك في غاية البعد عن منصب الإلهية. اهـ. .قال الفخر: فيه مسائل: المسألة الأولى: الواو في قوله: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ} حرف عطف وفي المعطوف عليه وجهان: الأول: أن قوله: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ} قائم مقام قوله وقيل لي كن من المؤمنين ثم عطف عليه: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ} الثاني: أن قوله: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ} قائم مقام قوله: {وَأُمِرْتُ} بإقامة الوجه، فصار التقدير وأمرت بأن أكون من المؤمنين وبإقامة الوجه للدين حنيفًا. المسألة الثانية: إقامة الوجه كناية عن توجيه العقل بالكلية إلى طلب الدين، لأن من يريد أن ينظر إلى شيء نظرًا بالاستقصاء، فإنه يقيم وجهه في مقابلته بحيث لا يصرفه عنه لا بالقليل ولا بالكثير، لأنه لو صرفه عنه، ولو بالقليل فقد بطلت تلك المقابلة، وإذا بطلت تلك المقابلة، فقد اختل الأبصار، فلهذا السبب حسن جعل إقامة الوجه للدين كناية عن صرف العقل بالكلية إلى طلب الدين، وقوله: {حَنِيفًا} أي مائلًا إليه ميلًا كليًا معرضًا عما سواه إعراضًا كليًا، وحاصل هذا الكلام هو الإخلاص التام، وترك الالتفات إلى غيره، فقوله أولًا: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المؤمنين} إشارة إلى تحصيل أصل الإيمان، وقوله: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينِ حَنِيفًا} إشارة إلى الاستغراق في نور الإيمان والإعراض بالكلية عما سواه. والقيد الخامس: قوله: {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين}. واعلم أنه لا يمكن أن يكون هذا نهيًا عن عبادة الأوثان، لأن ذلك صار مذكورًا بقوله تعالى في هذه الآية: {فَلاَ أَعْبُدُ الذين تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} فوجب حمل هذا الكلام على فائدة زائدة وهو أن من عرف مولاه، فلو التفت بعد ذلك إلى غيره كان ذلك شركًا، وهذا هو الذي تسميه أصحاب القلوب بالشرك الخفي. والقيد السادس: قوله تعالى: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ} والممكن لذاته معدوم بالنظر إلى ذاته وموجود بإيجاد الحق، وإذا كان كذلك فما سوى الحق فلا وجود له إلا إيجاد الحق، وعلى هذا التقدير فلا نافع إلا الحق ولا ضار إلا الحق، فكل شيء هالك إلا وجهه وإذا كان كذلك، فلا حكم إلا لله ولا رجوع في الدارين إلا إلى الله. ثم قال في آخر الآية: {فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مّنَ الظالمين} يعني لو اشتغلت بطلب المنفعة والمضرة من غير الله فأنت من الظالمين، لأن الظلم عبارة عن وضع الشيء في غير موضعه، فإذا كان ما سوى الحق معزولًا عن التصرف، كانت إضافة التصرف إلى ما سوى الحق وضعًا للشيء في غير موضعه فيكون ظلمًا. فإن قيل: فطلب الشبع من الأكل والري من الشرب هل يقدح في ذلك الإخلاص؟ قلنا: لا لأن وجود الخبز وصفاته كلها بإيجاد الله وتكوينه، وطلب الانتفاع بشيء خلقه الله للانتفاع به لا يكون منافيًا للرجوع بالكلية إلى الله، إلا أن شرط هذا الإخلاص أن لا يقع بصر عقله على شيء من هذه الموجودات إلا ويشاهد بعين عقله أنها معدومة بذواتها وموجودة بإيجاد الحق وهالكة بأنفسها وباقية بإبقاء الحق، فحينئذ يرى ما سوى الحق عدمًا محضًا بحسب أنفسها ويرى نور وجوده وفيض إحسانه عاليًا علي الكل. اهـ. .قال الماوردي: و: {حَنِيفًا} فيه ستة تأويلات: أحدها: أي حاجًا، قاله ابن عباس والحسن والضحاك وعطية والسدي. الثاني: متبعًا، قاله مجاهد. الثالث: مستقيمًا، قاله محمد بن كعب. الرابع: مخلصًا، قاله عطاء. الخامس: مؤمنًا بالرسل كلهم، قاله أبو قلابة قال حمزة بن عبد المطلب: السادس: سابقًا إلى الطاعة، مأخوذ من الحنف في الرجلين وهو أن تسبق إحداهما الأخرى. اهـ. .قال ابن عطية: المعنى: قيل لي: كن من المؤمنين وأقم وجهك للدين، ثم جاءت العبارة بهذا الترتيب، والوجه في هذه الآية بمعنى المنحى والمقصد، أي اجعل طريقك واعتمالك للدين والشرع، و: {حنيفًا} معناه: مستقيمًا على قول من قال، الحنف الاستقامة، وجعل تسمية المعوج القدم أحنف على جهة التفاؤل. ومن قال الحنف الميل جعل: {حنيفًا} هاهنا مائلًا عن حال الكفرة وطريقهم، و: {حنيفًا} نصب على الحال، وقوله: {ولا تدع} معناه قيل لي: {ولا تدع} فهو عطف على: {أقم}، وهذا الأمر والمخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم إذا كانت هكذا فإحرى أن يتحرز من ذلك غيره، وما لا ينفع ولا يضر هو الأصنام والأوثان، والظالم الذي يضع الشيء في غير موضعه. اهـ. .قال القرطبي: أن عطف على أَنْ أَكُونَ أي قيل لي كن من المؤمنين وأقم وجهك. قال ابن عباس: عملك، وقيل: نفسك؛ أي استقم بإقبالك على ما أمرت به من الدين. {حَنِيفًا} أي قويمًا به مائلًا عن كل دين. قال حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه: وقد مضى في الأنعام اشتقاقه والحمد للَّه. {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين} أي وقيل لي ولا تشرك؛ والخطاب له والمراد غيره؛ وكذلك قوله: {وَلاَ تَدْعُ} أي لا تعبد. {مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنْفَعُكَ} إن عبدته. {وَلاَ يَضُرُّكَ} إن عصيته. {فَإنْ فَعَلْتَ} أي عبدت غير الله. {فَإنَّكَ إذًا مِنَ الظَّالِمينَ} أي الواضعين العبادة في غير موضعها. اهـ. .قال الخازن:
|