الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.لماذا التمثيل بالبعوضة؟ يقول الإِمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام بشأن خلقة هذا الحيوان الصغير: إنّما ضَرَبَ اللهُ الْمَثَلَ بِالْبِعُوضَةِ؛ لأنَّ الْبَعُوضَةَ عَلى صِغَر حَجْمِهَا خَلَقَ اللهُ فِيهَا جَمِيعَ مَا خَلَقَ فِي الْفَيلِ مَعَ كِبَرِهِ وَزِيَادَةَ عُضْوَيْنِ آخَرَيْنِ فَأَرَادَ اللهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يُنَبِّهَ بِذَلِكَ الْمُؤْمِنينَ عَلى لُطْفِ لَطِيفِ خَلْقِهِ وَعَجيبِ صَنْعَتِهِ. يريد الله سبحانه بهذا المثال أن يبين للمؤمنين دقّة الصنع في الخلق، التفكير في هذا الموجود الضعيف على الظاهر، والشبيه بالفيل في الواقع، يبيّن للإِنسان عظمة الخالق. خرطوم هذا الحيوان الصغير يشبه خرطوم الفيل، أجوف، ذو فتحة دقيقة جدًّا، وله قوّة ماصة تسحب الدم. منح الله هذا الحيوان قوة هضم وتمثيل ودفع، كما منحه أطرافًا وأُذنًا وأجنحة تتناسب تمامًا مع وضع معيشته. هذه الحشرة تتمتع بحساسية تشعر فيها بالخطر بسرعة فائقة وتفرّ عندما يداهمها عدوّ بمهارة عجيبة، وهي مع صغرها وضعفها، يعجز عن دفعها كبار الحيوانات. اهـ. .قال الألوسي: والفاء بمعنى إلى، أو مفعول ثان؛ أو أول بناء على تضمن الضرب معنى الجعل، ولا يرد على إرادة العموم أن مثال المعنى على المشهور أن الله لا يترك أي مثل كان فيقتضي أن جميع الأمثال مضروبة في كلامه فأين هي لأن المنفي ليس مطلق الترك بل الترك لأجل الاستحياء؟ فالمعنى لا يترك مثلًا ما استحياء وإن تركه لأمر آخر أراده. اهـ. .قال ابن عاشور: وقول الفرزدق: أي جعل شيئًا مثلًا أي شبهًا، قال تعالى: {فلا تضربوا لله الأمثال} [النحل: 74] أي لا تجعلوا له مماثلًا من خلقه فانتصاب {مثلًا} على المفعول به. وجوز بعض أئمة اللغة أن يكون فعل ضرب مشتقًا من الضرب بمعنى المماثل فانتصاب {مثلًا} على المفعولية المطلقة للتوكيد لأن مثلًا مرادف مصدر فعله على هذا التقدير، والمعنى لا يستحي أن يشبِّه بشيء ما. والمثل المثيل والمشابه وغلب على مماثلة هيئة بهيئة وقد تقدم عند قوله تعالى: {مثلهم كمثل الذي استوقد نارًا} [البقرة: 17] وتقدم هناك معنى ضرب المثل بالمعنى الآخر وتنكير {مثلًا} للتنويع بقرينة بيانه بقوله: {بعوضة فما فوقها}. اهـ. .قال الفخر: إحداهما: النصب وفي لفظة ما على هذه القراءة وجهان: الأول: أنها مبنية وهي التي إذا قرنت باسم نكرة أبهمته إبهامًا وزادته شيوعًا وبعدًا عن الخصوصية. بيانه أن الرجل إذا قال لصاحبه أعطني كتابًا أنظر فيه فأعطاه بعض الكتب صح له أن يقول أردت كتابًا آخر ولم أرد هذا ولو قاله مع ما لم يصح له ذلك لأن تقدير الكلام أعطني كتابًا أي كتاب كان. الثاني: أنها نكرة قام تفسيرها باسم الجنس مقام الصفة، أما على قراءة الرفع ففيها وجهان: الأول: أنها موصولة صلتها الجملة لأن التقدير هو بعوضة فحذف المبتدأ كما حذف في {تمامًا على الذي أحسن} [الأنعام: 154]. الثاني: أن تكون استفهامية فإنه لما قال: {إِنَّ للَّهِ لاَ يَسْتَحْىِ أَن يَضْرِبَ مَثَلًا} كأنه قال بعده ما بعوضة فما فوقها حتى يضرب المثل به، بل له أن يمثل بما هو أقل من ذلك كثيرًا كما يقال فلان لا يبالي بما وهب، ما دينار وديناران، أي يهب ما هو أكثر من ذلك بكثير. اهـ. .قال صاحب الكشاف: .قال القرطبي: والبَعُوض: البَقُّ، الواحدة بعوضة؛ سُمِّيت بذلك لصغرها. قاله الجوهري وغيره. اهـ. .قال الفخر: أحدهما: أن يكون المراد فما هو أعظم منها في الجثة كالذباب والعنكبوت والحمار والكلب، فإن القوم أنكروا تمثيل الله تعالى بكل هذه الأشياء. والثاني: أراد بما فوقها في الصغر أي بما هو أصغر منها والمحققون مالوا إلى هذا القول لوجوه: أحدها: أن المقصد من هذا التمثيل تحقير الأوثان، وكلما كان المشبه به أشد حقارة كان المقصود في هذا الباب أكمل حصولًا. وثانيها: أن الغرض هاهنا بيان أن الله تعالى لا يمتنع من التمثيل بالشيء الحقير، وفي مثل هذا الموضع يجب أن يكون المذكور ثانيًا أشد حقارة من الأول يقال إن فلانًا يتحمل الذل في اكتساب الدينار، وفي اكتساب ما فوقه، يعني في القلة لأن تحمل الذل في اكتساب أقل من الدينار أشد من تحمله في اكتساب الدينار. وثالثها: أن الشيء كلما كان أصغر كان الاطلاع على أسراره أصعب، فإذا كان في نهاية الصغر لم يحط به إلا علم الله تعالى، فكان التمثيل به أقوى في الدلالة على كمال الحكمة من التمثيل بالشيء الكبير، واحتج الأولون بوجهين: الأول: بأن لفظ فوق يدل على العلو، فإذا قيل هذا فوق ذاك، فإنما معناه أنه أكبر منه ويروى أن رجلًا مدح عليًا رضي الله عنه والرجل متهم فيه، فقال علي: أنا دون ما تقول وفوق ما في نفسك، أراد بهذا أعلى مما في نفسك. الثاني: كيف يضرب المثل بما دون البعوضة وهي النهاية في الصغر؟ والجواب عن الأول: أن كل شيء كان ثبوت صفة فيه أقوى من ثبوتها في شيء آخر كان ذلك الأقوى فوق الأضعف في تلك الصفة يقال إن فلانًا فوق فلان في اللؤم والدناءة. أي هو أكثر لؤمًا ودناءة منه، وكذا إذا قيل هذا فوق ذلك في الصغر وجب أن يكون أكثر صغرًا منه، والجواب عن الثاني أن جناح البعوضة أقل منها وقد ضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلًا للدنيا. اهـ. .قال الألوسي: والمراد بالفوقية إما الزيادة في حجم الممثل به فهو ترق من الصغير للكبير وبه قال ابن عباس أو الزيادة في المعنى الذي وقع التمثيل فيه وهو الصغر والحقارة فهو تنزل من الحقير للأحقر، وهذان الوجهان على القراءة المشهورة وأما على قراءة الرفع فقد قالوا: إن جعلت {مَا} موصولة ففيه الوجهان، وإن جعلت استفهامية تعين الأول لأن العظم مبتدأ من البعوضة إذ ذاك، وقيل: أراد: ما فوقها وما دونها فاكتفى بأحد الشيئين عن الآخر على حد {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر} [النحل: 1 8] فافهم. اهـ. .قال ابن عاشور: وهو في هذه الآية صالح للمعنيين أي ما هو أشد من البعوضة في الحقارة وما هو أكبر حجمًا. ونظيره قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة» رواه مسلم، يحتمل أقل من الشوكة في الأذى مثل نَخْبة النملة كما جاءَ في حديث آخر، أو ما هو أشد من الشوكة مثل الوخز بسكين وهذا من تصاريف لفظ فوق في الكلام ولذلك كان لاختياره في هذه الآية دون لفظ أقل ودون لفظ أقوى مثلًا موقع من بليغ الإيجاز. والفاء عاطفة {ما فوقها} على {بعوضة} أفادت تشريكهما في ضرب المثل بهما، وحقها أن تفيد الترتيب والتعقيب ولكنها هنا لا تفيد التعقيب وإنما استعملت في معنى التدرج في الرتب بين مفاعيل {أن يضرب} ولا تفيد أن ضرب المثل يكون بالبعوضة ويعقبه ضربه بما فوقها بل المراد بيان المثل بأنه البعوضة وما يتدرج في مراتب القوة زائدًا عليها درجة تلي درجة فالفاء في مثل هذا مجاز مرسل علاقته الإطلاق عن القيد لأن الفاء موضوعة للتعقيب الذي هو اتصال خاص، فاستعملت في مطلق الاتصال، أو هي مستعارة للتدرج لأنه شبيه بالتعقيب في التأخر في التعقل كما أن التعقيب تأخر في الحصول ومنه: «رحم الله المحلقين فالمقصرين». والمعنى أن يضرب البعوضة مثلًا فيضرب ما فوقها أي ما هو درجة أخرى أي أحقر من البعوضة مثل الذرة وأعظم منها مثل العنكبوت والحمار. اهـ. .قال ابن الجوزي: والصريم: الصبح، والليل. والسَّدفة: الظلمة، والضوء، والحلل: الصغير، والكبير. والناهل: العطشان، والريان. والمائل: القائم، واللاطئ بالأرض. والصارخ: المغيث، والمستغيث. والهاجد: المصلي بالليل، والنائم. والرهوة: الارتفاع، والانحدار. والتلعة: ما ارتفع من الأرض، وما انهبط من الأرض. والظن: يقين، وشك. والأقراء: الحيض، والأطهار. والمفرع في الجبل: المصعد، والمنحدر. والوراء: خلفًا وقدّامًا. وأسررت الشيء: أخفيته، وأعلنته. وأخفيت الشئ: أظهرته وكتمته. ورتوت الشيء: شددته، وأرخيته. وشعبت الشيء: جمعته، وفرقته. وبُعت الشيء بمعنى: بعته، واشتريته. وشريت الشيء اشتريته. وبعته. والحي خلوف: غيب ومتخلفون. اهـ.
|