الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)
.(في الرَّجُلِ يُكْرِي أَرْضَهُ سِنِينَ عَلَى أَنْ يَغْرِسَهَا الْمُتَكَارِي): قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَيْت أَرْضًا مِنْ رَجُلٍ عَشْرَ سِنِينَ عَلَى أَنْ يَغْرِسَهَا شَجَرًا وَسَمَّيْنَا الشَّجَرَ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ لِلْغَارِسِ هَذِهِ الْعَشْرَ سِنِينَ فَإِذَا مَضَتْ كَانَتْ الشَّجَرُ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَيَجُوزُ هَذَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا يَجُوزُ هَذَا عِنْدَ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَكْرَاهَا بِالشَّجَرِ، وَلَا يَدْرِي أَتَسْلَمُ الشَّجَرُ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ أَمْ لَا، وَلَا يَدْرِي بِمَا أَكْرَى أَرْضَهُ وَمَا يَسْلَمُ مِنْهَا مِمَّا لَا يَسْلَمُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يَدْخُلُهُ بَيْعُ الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ. .في الرَّجُلِ يَكْتَرِي الْأَرْضَ كُلَّ سَنَةٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَلَا يُسَمِّي سِنِينَ بِأَعْيَانِهَا: قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: أَفيكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَخْرُجَ مَتَى شَاءَ وَيَتْرُكَ الْأَرْضَ؟ قَالَ: نَعَمْ مَا لَمْ يَزْرَعْ، فَإِنْ زَرَعَ فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتْرُكَ، وَكِرَاءُ تِلْكَ السَّنَةِ لَهُ لَازِمٌ وَيَتْرُكُ مَا بَعْدَ ذَلِكَ إنْ شَاءَ. قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: فَإِنْ زَرَعَ الْمُتَكَارِي الْأَرْضَ، فَقَالَ لَهُ رَبُّ الْأَرْضِ: اُخْرُجْ عَنِّي، وَذَلِكَ حِينَ زَرَعَ زَرْعَهُ؟ قَالَ: أَمَّا إذَا زَرَعَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ حَتَّى يَرْفَعَ زَرْعَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَرَعَ فَإِنْ أَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يُخْرِجَهُ فَلَهُ ذَلِكَ. قُلْت: فَإِنْ أَرَادَ الْمُتَكَارِي أَنْ يَخْرُجَ وَقَدْ زَرَعَ وَمَضَتْ أَيَّامُ الْحَرْثِ فَقَالَ: أَنَا أَقْلَعَ زَرْعِي وَأَخْرُجُ وَخُذْ مِنْ الْكِرَاءِ بِحِسَابِ مَا شَغَلْت أَرْضَكَ عَنْكَ؟ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، وَقَدْ لَزِمَهُ كِرَاءُ السَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ زَرَعَ فَقَدْ رَضِيَ بِأَخْذِ الْأَرْضِ سَنَتَهُ. قُلْت: فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ في إبَّانِ الْحَرْثِ فَقَالَ الزَّارِعُ: أَنَا أَقْلَعُ زَرْعِي وَأُخَلِّي لَكَ أَرْضَكَ وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى زَرْعِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ لَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ، وَقَدْ لَزِمَهُ كِرَاءُ السَّنَةِ، وَمِمَّا يُبَيِّنُ لَكَ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا زَرَعَ فَأَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يُخْرِجَهُ فَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُخْرِجَ صَاحِبَهُ فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَخْرُجَ. .(في الرَّجُلِ يَكْتَرِي الْأَرْضَ وَفيهَا زَرْعُ رَبِّهَا يَقْبِضُهَا إلَى أَجَلٍ): قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ تَكَارَيْتُ مِنْكَ أَرْضَكَ السَّنَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ، وَلَك فيهَا زَرْعٌ أَيَجُوزُ لِي هَذَا الْكِرَاءُ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مَأْمُونَةً مِثْلَ أَرْضِ مِصْرَ، فَذَلِكَ جَائِزٌ وَالنَّقْدُ فيهَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّهَا مَأْمُونَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَنْزِلَةِ الْحَيَوَانِ الَّتِي يَخَافُ مَوْتَهَا وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ فَالْكِرَاءُ جَائِزٌ وَلَا يَصْلُحُ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ فيهَا. وَقَالَ سَحْنُونٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَجُوزُ في غَيْرِ الْمَأْمُونَةِ كِرَاءٌ إلَّا قُرْبَ الْحَرْثِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ نَقْدٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ فيمَا أَوْجَبَ مِنْ الْكِرَاءِ أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بِمَالِهِ فيمَا يُرِيدُ مِنْ بَيْعِهِ وَتَصْرِيفِهِ بِمَا يَجُوزُ لِذَوِي الْمِلْكِ في مِلْكِهِ في غَيْرِ مَدْخَلٍ يَكُونُ لِلْمُتَكَارِي يَنْتَفِعُ بِهِ فَهَذَا مَوْضِعُ الضَّرَرِ، وَلَا خَيْرَ في الضَّرَرِ. وَكَذَلِكَ هَذَا الْأَصْلُ في كُلِّ مَا يُكْتَرَى، وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ فيهِ الْكِرَاءَ إذَا كَانَ لَا يُقْبَضُ إلَّا بَعْدَ طُولٍ مِمَّا يُخَافُ عَلَيْهِ مِثْلُ الْعَبْدِ بِعَيْنِهِ وَالدَّابَّةِ بِعَيْنِهَا وَكُلِّ مَا هُوَ مَخُوفٌ. قُلْت وَكَذَلِكَ لَوْ كُنْتُ قَدْ اكْتَرَيْتهَا مِنْ رَجُلٍ فَزَرَعَ فيهَا زَرْعَهُ أَوْ لَمْ يَزْرَعْ ثُمَّ اكْتَرَيْتهَا السَّنَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ مَنْ رَجُلٍ غَيْرِهِ؟ قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ الْأَرَضِينَ الَّتِي إنَّمَا حَيَاتُهَا بِالْآبَارِ أَوْ الْعُيُونِ الْمَخُوفَةِ غَيْرِ الْمَأْمُونَةِ فَلَا خَيْرَ في النَّقْدِ في هَذِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَتَسْلَمُ الْعُيُونُ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ أَوْ الْآبَارُ؛ لِأَنَّهَا مِثْلُ الْحَيَوَانِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِكِرَاءِ الدُّورِ وَتُقْبَضُ إلَى سَنَةٍ وَالنَّقْدُ فيهَا؛ لِأَنَّهَا مَأْمُونَةٌ، فَإِنْ بَعُدَ الْأَجَلُ لَمْ يَكُنْ بِالْكِرَاءِ بَأْسٌ وَلَا أُحِبُّ النَّقْدَ فيهَا. قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَدْ وَصَفْنَا مَا كُرِهَ مِنْ طُولِ هَذَا وَشَبَهِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ الْكِرَاءَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَالْبِئْرُ وَالْعُيُونُ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَأْمُونَةً أَوْ كَانَتْ مَأْمُونَةً إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ لِبُعْدِهِ وَلَا خَيْرَ فيهِ في غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ الرَّجُلُ إلَى أَجَلٍ وَيَشْتَرِطَ أَخْذَهُ مَعَ النَّقْدِ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعُ الْعُرُوضِ بِعَيْنِهَا إلَى أَجَلٍ، وَهِيَ غَيْرُ مَأْمُونَةٍ فَهَذَا إنَّمَا يَشْتَرِي هَذِهِ السِّلْعَةَ بِذَلِكَ الثَّمَنِ عَلَى أَنْ يَضْمَنَ لَهُ الْبَائِعُ هَذِهِ السِّلْعَةَ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ فَلَا خَيْرَ في ذَلِكَ الْكِرَاءِ، فَكِرَاءُ الدَّارِ إنْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ لَمْ يَضْمَنْهَا مُكْتَرِيهَا. قُلْت: وَالسِّلْعَةُ أَيْضًا لَوْ هَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا مُشْتَرِيهَا؟ قَالَ: إنَّمَا أُجِيزَ هَذَا في الدُّورِ؛ لِأَنَّهَا مَأْمُونَةٌ وَلَا تُشْبِهُ غَيْرَهَا مِنْ الْعُرُوضِ. .(في الرَّجُلِ يَكْتَرِي الْأَرْضَ سَنَةً بِعَيْنِهَا فيزْرَعُهَا ثُمَّ يَحْصُدُ زَرْعَهُ): قُلْت: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَتَكَارَى الْأَرْضَ سَنَتَهُ هَذِهِ ثُمَّ يَحْصُدُ زَرْعَهُ مِنْهَا قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ لِمَنْ تَكُونُ الْأَرْضُ بَقِيَّةَ السَّنَةِ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا وَلَكِنْ هَذَا عِنْدِي مُخْتَلِفٌ، وَالْأَرْضُ إذَا كَانَتْ عَلَى السَّقْيِ الَّتِي تُكْرَى عَلَى الشُّهُورِ وَالسِّنِينَ الَّتِي يَعْمَلُ فيهَا الشِّتَاءُ وَالصَّيْفُ فَهِيَ لِلْمُتَكَارِي حَتَّى تَتِمَّ السَّنَةُ. وَإِذَا كَانَتْ أَرْضُ الْمَطَرِ أَوْ مَا أَشْبَهَهَا مِمَّا هِيَ لِلزَّرْعِ خَاصَّةً إنَّمَا مَحْمَلُ ذَلِكَ عِنْدَ النَّاسِ إنَّمَا مُنْتَهَى سَنَتِهِ رَفْعُ زَرْعِهِ مِنْهَا فَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ وَيُعْمَلُ فيهِ. قُلْت: أَرَأَيْتَ هَذَا الَّذِي تَكَارَى الْأَرْضَ مَنْ أَرْضِ السَّقْيِ سَنَةً فَمَضَتْ السَّنَةُ، وَفيهَا زَرْعٌ أَخْضَرُ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ فَقَالَ لَهُ رَبُّ الْأَرْضِ: اقْلَعْ زَرْعَكَ عَنِّي أَوْ كَانَ فيهَا بَقْلٌ فَقَالَ لَهُ رَبُّ الْأَرْضِ: اقْلَعْ بَقْلَكَ عَنِّي؟ فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَقْلَعُ، وَلَكِنْ يَتْرُكُ زَرْعَهُ وَبَقْلَهُ حَتَّى يَتِمَّ وَيَكُونُ لِرَبِّ الْأَرْضِ كِرَاءُ مِثْلِ أَرْضِهِ. قُلْت: أَعَلَى حِسَابِ مَا أَكْرَاهُ أَمْ كِرَاءِ مِثْلِهَا في الْمُسْتَقْبَلِ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَهُ كِرَاءُ مِثْلِهَا عَلَى حِسَابِ مَا كَانَ أَكْرَاهَا مِنْهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَمْ يَكُنْ لِلْمُكْتَرِي إذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ مِنْ شُهُورِهِ مَا يُتِمُّ لَهُ زَرْعَهُ أَنْ يَزْرَعَ، فَإِنْ زَرَعَ فَقَدْ تَعَدَّى فيمَا يَبْقَى مِنْ زَرْعِهِ بَعْدَ تَمَامِ أَجَلِهِ فَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِ الْأَرْضِ فيمَا زَادَ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَقَلَّ مِمَّا يَكُونُ عَلَيْهِ عَلَى حِسَابِ مَا كَانَ اكْتَرَاهَا مِنْهُ فيكُونُ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ رَاضٍ إذَا عَمِلَهَا عَلَى حِسَابِ مَا كَانَ اكْتَرَاهَا وَلَيْسَ في يَدَيْهِ ذَلِكَ مِنْ رَبِّهَا فَلْيُبَلِّغْ لِرَبِّهَا الْأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. .في التَّعَدِّي في الْأَرْضِ أَكْتَرَى أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا شَعِيرًا فَزَرْعَهَا حِنْطَةً: قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ شَيْئًا، وَلَكِنْ إنْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ أَضَرَّ بِالْأَرْضِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا يُرِيدُ أَنْ يَحْمِيَهَا. قُلْت: فَإِنْ أَرَدْت أَنْ أَزْرَعَهَا غَيْرَ الشَّعِيرِ وَإِنَّمَا تَكَارِيَتُهَا لِلشَّعِيرِ، وَاَلَّذِي أُرِيدُ أَنْ أَزْرَعَهُ فيهَا مَضَرَّتُهُ وَمَضَرَّةُ الشَّعِيرِ سَوَاءٌ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانَ الَّذِي يَزْرَعُهُ فيهَا مَضَرَّتُهُ بِالْأَرْضِ مِثْلَ مَضَرَّةِ الشَّعِيرِ أَوْ أَقَلَّ فَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ. .الدَّعْوَى في كِرَاءِ الْأَرْضِ: قَالَ: الَّذِي سَمِعْتُ أَنَّهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ مَا تَكَارَاهَا تَحَالَفَا وَفُسِخَ الْكِرَاءُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ قَدْ زَرَعَهَا سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ وَلَمْ يَنْقُدْ الْكِرَاءَ أَعْطَى رَبَّ الْأَرْضِ كِرَاءَ السِّنِينَ الَّتِي زَرَعَهَا الْمُتَكَارِي عَلَى حِسَابِ مَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ مِنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ عَلَى عَشْرِ سِنِينَ بِخَمْسِينَ دِينَارًا إذَا كَانَ ذَلِكَ يُشْبِهُ مَا يَتَكَارَى بِهِ النَّاسُ. فَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ ذَلِكَ كِرَاءَ النَّاسِ فيمَا يَتَغَابَنُونَ بِهِ وَكَانَ الَّذِي قَالَ صَاحِبُ الْأَرْضِ يُشْبِهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ يُشْبِهُ أَيْضًا حُمِلَا في تِلْكَ السِّنِينَ الَّتِي عَمِلَ فيهَا الْمُتَكَارِي عَلَى كِرَاءِ مِثْلِهَا، وَيَفْسَخُ عَنْهُ مَا بَقِيَ مِنْ السِّنِينَ، وَإِنَّمَا فَسَخَ عَنْهُ كِرَاءَ مَا بَقِيَ مِنْ السِّنِينَ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا رَبُّ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْمُتَكَارِي ادَّعَاهَا بِأَقَلَّ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ رَبُّ الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا صَدَقَ صَاحِبُ الْأَرْضِ حِينَ قَالَ: لَمْ أُكْرِكَ إلَّا خَمْسَ سِنِينَ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَوْ أَكْرَى دَابَّتَهُ إلَى بَلَدٍ فَقَالَ صَاحِبُهَا: إنَّمَا أَكْرَيْتُهَا إلَى الْمَدِينَةِ، وَقَالَ الْمُتَكَارِي: بَلْ إلَى مَكَّةَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ صَاحِبِ الدَّابَّةِ في الْغَايَةِ، وَكَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ: فَهَذِهِ السُّنُونَ الْقَوْلُ فيهَا قَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ مِثْلَ مَا جَعَلَ مَالِكٌ الْقَوْلَ في غَايَةِ الْمَسِيرِ في الْكِرَاءِ قَوْلَ رَبِّ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَوْ اكْتَرَى مَنْزِلَهُ مِنْ رَجُلٍ فَقَالَ صَاحِبُ الدَّارِ: إنَّمَا اكْتَرَيْتُهَا سَنَةً، وَقَالَ الْمُتَكَارِي: بَلْ سَنَتَيْنِ كَانَ الْقَوْلُ في السَّنَةِ قَوْلَ صَاحِبِ الدَّارِ مَعَ يَمِينِهِ، َقَدْ بَلَغَنِي هَذَا الْقَوْلُ في الدُّورِ عَنْ مَالِكٍ في الِاخْتِلَافِ في الْغَايَةِ وَالْكِرَاءِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ نَقَدَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: وَإِذَا كَانَ نَقَدَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْرِي مَعَ يَمِينِهِ إنْ كَانَ يُشْبِهُ مَا قَالَ: فَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ مَا قَالَ وَأَشْبَهَ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْمُكْتَرِي كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُكْتَرِي فيمَا سَكَنَ عَلَى حِسَابِ مَا أَقَرَّ بِهِ وَرَجَعَ بِبَقِيَّةِ الْمَالِ عَلَى الْمُكْرِي بَعْدَ يَمِينِهِ عَلَى مَا ادَّعَى عَلَيْهِ، وَيَمِينُ الْمُكْتَرِي فيمَا ادَّعَى مِنْ طُولِ الْمُدَّةِ وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ مَا قَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا حَلَفَا جَمِيعًا، وَكَانَ عَلَى الْمُكْتَرِي قِيمَةُ مَا سَكَنَ، وَإِنْ أَشْبَهَ مَا قَالَا جَمِيعًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الدَّارِ الْمُنْتَقَدِ بَعْدَ يَمِينِهِ عَلَى مَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُكْتَرِي أَنْ يَسْكُنَ إلَّا مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُكْرِي. قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ أَكْثَرَ هَذَا إذَا انْتَقَدَ عَنْ مَالِكٍ وَهَذَا أَصْلٌ فَرُدَّ إلَيْهِ كُلُّ مَا خَالَفَهُ في الْأَكْرِيَةِ أَكَرِيَةِ الرَّوَاحِلِ وَالْعَبِيدِ وَالدُّورِ وَالْأَرَضِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ زَرَعْت أَرْضًا فَقَالَ رَبُّ الْأَرْضِ: لَمْ آذَنْ لَكَ أَنْ تَزْرَعَ أَرْضِي، وَلَمْ أُكْرِكَهَا وَادَّعَيْت أَنَا أَنَّهُ أَكْرَانِي؟ قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ مَعَ يَمِينهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَبُّ الْأَرْضِ قَدْ عَلِمَ بِهِ حِينَ زَرَعَ أَرْضَهُ فَلَمْ يُغَيِّرْ عَلَيْهِ، وَهَذَا رَأْيِي. قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ رَبُّ الْأَرْضِ وَقَدْ مَضَتْ أَيَّامُ الزِّرَاعَةِ؟ قَالَ: يَكُونُ لَهُ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ وَلَا يَقْلَعُ زَرْعَهُ؛ لِأَنَّ أَيَّامَ الزِّرَاعَةِ قَدْ مَضَتْ، فَإِنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ رَبُّ الْأَرْضِ بِأَنَّ الزَّارِعَ قَدْ زَرَعَ في أَرْضِهِ تَقُومُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْبَيِّنَةُ أَوْ يَأْبَى الْيَمِينَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَيَدَّعِي صَاحِبُهُ عَلَيْهِ الْكِرَاءَ فيحْلِفُ صَاحِبُهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِرَبِّ الْأَرْضِ في هَذَا الْوَجْهِ الْكِرَاءُ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ الْمُتَكَارِي إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الْمُتَكَارِي بِأَمْرٍ لَا يُشْبِهُ، وَلَا يَكُونُ لَهُ في هَذَا الْوَجْهِ إذَا عَلِمَ مِثْلُ كِرَاءِ أَرْضِهِ، إنَّمَا لَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُتَكَارِي إذَا أَتَى بِأَمْرٍ يُشْبِهُ، فيكُونُ الْقَوْلُ فيهِ كَمَا وَصَفْتُ لَكَ سَحْنُونٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَهُ مِثْلُ كِرَاءِ أَرْضِهِ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ بَعْدَ يَمِينِهِ عَلَى مَا ادَّعَى الْمُكْتَرِي إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُكْتَرِي أَكْثَرَ فَإِنْ شَاءَ رَبُّ الْأَرْضِ أَخَذَهُ. قُلْت: أَرَأَيْت إنْ كَانَ في إبَّانِ الزِّرَاعَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ رَبُّ الْأَرْضِ بِذَلِكَ، وَلَمْ تَقُمْ لِلزَّارِعِ بَيِّنَةٌ أَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ عَلِمَ بِذَلِكَ أَوْ أَكْرَاهُ الْأَرْضَ وَحَلَفَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنَّهُ لَمْ يُكْرِهْ وَلَمْ يَعْلَمْ بِمَا صَنَعَ هَذَا الزَّارِعُ في أَرْضِهِ فَقَالَ رَبُّ الْأَرْضِ: بِالْخِيَارِ إنْ أَحَبَّ أَخَذَ مِنْهُ الْكِرَاءَ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ بِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: أَوْ كِرَاءَ مِثْلِ أَرْضِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ أَبَى كَانَ لَهُ أَنْ يَأْمُرَ الزَّارِعَ أَنْ يَقْلَعَ زَرْعَهُ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا بَيْنَهُمَا عَلَى أَمْرٍ حَلَالٍ فينْفُذُ بَيْنَهُمَا. قُلْت: إنْ قَالَ هَذَا الَّذِي قَضَيْتُ عَلَيْهِ بِقَلْعِ زَرْعِهِ: لَا أَقْلَعُ الزَّرْعَ، وَأَنَا أَتْرُكُهُ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَيَجُوزُ ذَلِكَ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَأَرَاهُ جَائِزٌ إذَا رَضِيَ بِهِ رَبُّ الْأَرْضِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلزَّارِعِ في قَلْعِهِ مَنْفَعَةٌ لَمْ يَكُنْ لِلزَّارِعِ أَنْ يَقْلَعَهُ، وَيُتْرَكُ لِرَبِّ الْأَرْضِ إلَّا أَنْ يَأْبَى مِنْ ذَلِكَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يَقْبَلَهُ فيأْمُرَ الزَّارِعَ بِقَلْعِهِ. .في تَقْدِيمِ الْكِرَاءِ: قَالَ: إنْ كَانَ لِأَهْلِ الْبَلَدِ سُنَّةٌ في كِرَاءِ الْأَرْضِ حُمِلُوا عَلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا نُظِرَ، فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مِمَّا تُزْرَعُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَقَدْ رُوِيَتْ مِثْلُ أَرْضِ مِصْرَ الَّتِي إنَّمَا رَيُّهَا مِنْ النِّيلِ وَلَيْسَتْ تَحْتَاجُ إلَى الْمَطَرِ، فَإِذَا قَبَضَ الْأَرْضَ وَقَدْ رُوِيَتْ لَزِمَهُ نَقْدُ الْكِرَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ الْأَرَضِينَ الَّتِي تَحْتَاجُ إلَى السَّقْيِ وَلَا يَتِمُّ الزَّرْعُ إلَّا بِالسَّقْيِ بَعْدَمَا يُزْرَعُ أَوْ مِنْ أَرْضِ الْمَطَرِ الَّتِي لَا يَتِمُّ زَرْعُهَا إلَّا بِالْمَطَرِ فيمَا يُسْتَقْبَلُ بَعْدَمَا زَرَعَ لَمْ يَنْقُدْهُ الْكِرَاءَ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ ذَلِكَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إذَا كَانَتْ مِنْ أَرْضِ السَّقْيِ وَكَانَ السَّقْيُ مَأْمُونًا وَجَبَ لَهُ كِرَاؤُهُ نَقْدًا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَانَتْ أَرْضًا تُزْرَعُ بُطُونًا مِثْلَ الْقَضْبِ وَالْبُقُولِ وَمَا أَشْبَهَهُ أَعْطَاهُ كُلَّ مَا سَلِمَ بَطْنٌ مِنْهَا بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يُعْطِيهِ مَا يَنُوبُ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ نَقْدًا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنَّمَا خَالَفَ كِرَاءُ الْأَرْضِ الَّتِي تُسْقَى مِنْ مَاءِ الْعُيُونِ وَالْآبَارِ وَالْمَطَرِ كِرَاءَ الدُّورِ وَالْإِبِلِ؛ لِأَنَّ الدُّورَ وَالْإِبِلَ إذَا تَشَاحُّوا في النَّقْدِ وَلَمْ يَشْتَرِطُوا وَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ سُنَّةٌ يُحْمَلُونَ عَلَيْهَا فَإِنَّمَا يُعْطِيهِ مِنْ الْكِرَاءِ بِقَدْرِ مَا سَكَنَ في الدَّارِ أَوْ سَارَ مِنْ الطَّرِيقِ عَلَى الْإِبِلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ أَوْ مَاتَتْ الْإِبِلُ كَانَ الْمُتَكَارِي قَدْ أَخَذَ بَعْضَ كَرَائِهِ، فَإِنَّ الْأَرْضَ الَّتِي تُسْقَى إنْ انْقَطَعَ مَاؤُهَا أَوْ احْتَبَسَتْ عَنْهَا السَّمَاءُ فَهَلَكَ زَرْعُ الْمُتَكَارِي لَمْ يَكُنْ قَابِضًا لِشَيْءٍ مِمَّا اكْتَرَى مِنْ الْأَرْضِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْكِرَاءِ فَمِنْ هُنَا لَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُتَكَارِي كِرَاءً حَتَّى يَتِمَّ بَطْنٌ فيأْخُذَ مِنْهُ مِنْ الْكِرَاءِ بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ وَهَذَا في غَيْرِ الْعُيُونِ الْمَأْمُونَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَقَدَهُ الْكِرَاءَ ثُمَّ قَحَطَتْ أَرْضُهُ مِنْ الْمَاءِ أَتْبَعَهُ بِمَا دَفَعَ إلَيْهِ، وَلَعَلَّهُ لَا يَجِدُ عِنْدَهُ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ الْإِبِلُ وَالدُّورُ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ النَّقْدِ رَبُّ الْإِبِلِ وَالدُّورِ مَا لَمْ يَسْكُنْ الْمُتَكَارِي أَوْ يَرْكَبْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ قَابِضًا لِمَا سَكَنَ أَوْ سَارَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَقَدَهُ ثُمَّ مَاتَ الْبَعِيرُ أَوْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ صَارَ لِطَلَبِهِ بِهِ دَيْنًا. .في الرَّجُلِ يَكْتَرِي الْأَرْضَ الْغَرِقَةَ وَالنَّقْدَ في ذَلِكَ: قَالَ: هَذَا جَائِزٌ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الْكِرَاءَ، فَإِنْ نَقَدَ الْكِرَاءَ لَمْ يَصْلُحْ؛ لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مَأْمُونٍ؛ لِأَنَّهَا بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ غَرِقَةٌ يُخَافُ عَلَيْهَا أَنْ لَا يَنْكَشِفَ الْمَاءُ عَنْهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ أَرْضًا لَا يُشَكُّ في انْكِشَافِ الْمَاءِ عَنْهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إذَا خِيفَ أَنْ لَا يَنْكَشِفَ الْمَاءُ عَنْهَا لَمْ يَجُزْ أَيْضًا بِغَيْرِ نَقْدٍ لِمَا أَعْلَمْتُكَ مِمَّا يَمْنَعُ بِهِ الرَّجُلُ مِلْكَهُ. .في إلْزَامِ مُكْتَرِي الْأَرْضِ الْكِرَاءَ في الْكِرَاءِ الْفَاسِدِ: قَالَ: يَلْزَمُكَ كِرَاءُ مِثْلِ الدَّارِ، وَكِرَاءُ مِثْلِ الْأَرْضِ عِنْدَ مَالِكٍ؛ لِأَنَّكَ حِينَ قَبَضْتَ ذَلِكَ فَقَدْ لَزِمَكَ الْكِرَاءُ وَإِنْ لَمْ تَزْرَعْ، وَإِنْ لَمْ تَسْكُنْ، وَكَذَلِكَ الدَّابَّةُ إذَا اكْتَرَيْتَهَا كِرَاءً فَاسِدًا فَاحْتَبَسْتَهَا. قُلْت: فَإِنْ لَمْ أَقْبِضْ الْأَرْضَ وَلَا الدَّارَ وَلَا الدَّابَّةَ مِنْ صَاحِبِهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيَّ شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ لَا شَيْءَ عَلَيْكَ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا فَلَمْ يَجِدْ الْبَذْرَ أَيَكُونُ هَذَا عُذْرًا لَهُ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟ قَالَ: لَا يُعْذَرُ عِنْدَ مَالِكٍ بِهَذَا، وَالْكِرَاءُ عِنْدَ مَالِكٍ في هَذَا وَغَيْرِهِ لَازِمٌ وَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَ مَالِكٍ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ لَا يُنْتَقَضُ بِمَا ذَكَرْتُ وَلَا بِغَيْرِهِ وَلَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَا بِمَوْتِهِمَا جَمِيعًا وَلَا يُنْقَضُ الْكِرَاءُ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ. قُلْت: وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَذَهُ السُّلْطَانُ فَحَبَسَهُ في السِّجْنِ عَنْ زِرَاعَتِهَا أَيَكُونُ عَلَيْهِ الْكِرَاءُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ في رَأْيِي، وَلَكِنْ لِيُكْرِهَا إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا هُوَ. .في اكْتِرَاءِ الْأَرْضِ كِرَاءً فَاسِدًا: قَالَ: عَلَيْكَ كِرَاءُ مِثْلِهَا عِنْدَ مَالِكٍ. قُلْت: وَإِنْ كَانَ كِرَاءُ مِثْلِهَا أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ مِمَّا اسْتَأْجَرْتُهَا بِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. .في اكْتِرَاءِ الْأَرْضِ بِالطَّعَامِ وَالْعَلَفِ: قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ. قُلْت: لِمَ كَرِهَهُ مَالِكٌ وَلَيْسَ في هَذَا مُحَاقَلَةٌ؟ قَالَ: إذَا خِيفَ هَذَا في الْكِرَاءِ أَنْ يَكُونَ الْقَمْحُ بِالْقَمْحِ خِيفَ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا الْقَمْحُ بِالْعَسَلِ وَالسَّمْنِ إلَى أَجَلٍ فَلَا خَيْرَ في ذَلِكَ قَالَ: وَكَذَلِكَ فيمَا بَلَغَنِي فَسَّرَهُ مَالِكٌ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ تَكَارَيْتُ الْأَرْضَ بِالْمِلْحِ أَيَجُوزُ ذَلِكَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ. قُلْت: وَلَا بِالْأَشْرِبَةِ كُلِّهَا النَّبِيذِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِذَةِ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ بِالْعَسَلِ وَالسَّمْنِ وَلَا بِالثَّمَرِ وَالْمِلْحِ وَلَا بِالصَّبْرِ فَالْأَنْبِذَةُ عِنْدِي بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ تَكَارَيْتُ أَرْضًا بِزَيْتِ الْجُلْجُلَانِ أَيَجُوزُ هَذَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا يَجُوزُ هَذَا عِنْدَ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ هَذَا طَعَامٌ. قُلْت: أَيَجُوزُ بِزَيْتِ زَرِيعَةِ الْكَتَّانِ؟ قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَكَارَى الْأَرْضَ بِالْكَتَّانِ فَرَأَيْتُ بِذَلِكَ زَرِيعَتَهُ أَشَدَّ. قُلْت: أَفَتَكْرَهُ أَيْضًا أَنْ تُكْرَى الْأَرْضُ بِالْقُطْنِ؟ قَالَ: أَكْرَهُهُ؛ لِأَنَّ الْقُطْنَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْكَتَّانِ. قُلْت: فيكْرَهُ أَنْ يُكْرِيَ الْأَرْضَ بِالْأُصْطُبَّةِ؟ قَالَ: إنَّمَا سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْهُ مُجْمَلًا وَلَمْ نَسْأَلْهُ عَنْ الْأُصْطُبَّةِ، فَالْأُصْطُبَّةُ وَغَيْرُ الْأُصْطُبَّةِ سَوَاءٌ. قُلْت: لِمَ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ تُكْرَى الْأَرْضُ بِالْكَتَّانِ؟ هَذَا الطَّعَامُ كُلُّهُ قَدْ عَلِمْنَا لِمَ كَرِهَهُ مَالِكٌ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ عِنْدَهُ، فَالْكَتَّانُ لِمَ كَرِهَهُ مَالِكٌ، وَالْكَتَّانُ لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ الرَّجُلُ بِالطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ؟ قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: أَكْرَهُ أَنْ تُكْرَى الْأَرْضُ بِشَيْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ لَا يُؤْكَلُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَوَجْهُ كَرَاهِيَةِ مَالِكٍ ذَلِكَ أَنَّهُ يَخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا بِشَيْءٍ مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ فيزْرَعُ ذَلِكَ فيهَا فَتَكُونُ هَذِهِ الْمُحَاقَلَةُ يَسْتَأْجِرُهَا بِكَتَّانٍ فيزْرَعُ فيهَا كَتَّانًا. قلت: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَى الْأَرْضَ بِالتِّبْنِ أَوْ بِالْقَضْبِ أَوْ بِالْقَرَظِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْعَلُوفَةِ أَيَجُوزُ هَذَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: في الْكَتَّانِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، فَالْقَرَظُ وَالْقَضْبُ وَالتِّبْنُ عِنْدِي بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ. قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ أَكْرَاهَا بِاللَّبَنِ وَالْجُبْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَكْرَاهَا بِالشَّاةِ الَّتِي هِيَ اللَّحْمُ أَوْ بِالسَّمَكِ أَوْ بِطَيْرِ الْمَاءِ الَّذِي هُوَ لِلسِّكِّينِ أَيَجُوزُ هَذَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي هَذَا، وَلَا يَجُوزُ هَذَا؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا تُكْرَى أَرْضٌ بِشَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ وَأَرَى هَذَا مِنْ الطَّعَامِ عِنْدِي. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَا تُكْرَى الْأَرْضُ بِشَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ وَأَرَى هَذَا مِنْ الطَّعَامِ عِنْدِي، قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَا تُكْرَى الْأَرْضُ بِشَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَخْرُجُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ هَذَا عِنْدِي مِنْ الطَّعَامِ الَّذِي لَا يَخْرُجُ مِنْهَا. قُلْت: أَرَأَيْتَ الْفُلْفُلَ أَهُوَ عِنْدِكَ مِنْ الطَّعَامِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُكْرَى بِهِ الْأَرْضُ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في الْفُلْفُلِ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ طَعَامٌ وَلَا يُبَاعُ حَتَّى يَسْتَوْفي لِأَنَّهُ طَعَامٌ وَلَا تُكْرَى الْأَرْضُ بِهِ. قُلْت: فَإِنْ أَكْرَاهَا بِلَبَنٍ في ضُرُوعِ الْغَنَمِ أَيَجُوزُ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تُكْرَى الْأَرْضُ بِشَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ فَلَا يَجُوزُ هَذَا. مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ» وَالْمُزَابَنَةُ اشْتِرَاءُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَالْمُحَاقَلَةُ اشْتِرَاءُ الزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ وَاسْتِكْرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ. قَالَ مَالِكٌ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَسَأَلْتُهُ عَنْ كِرَائِهَا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ. ابْنُ وَهْبٍ، وَأَخْبَرَنِي أَبُو خُزَيْمَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَرِيفٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ أَتَى قَوْمَهُ بَنِي حَارِثَةَ فَقَالَ: قَدْ دَخَلَتْ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ مُصِيبَةٌ قَالُوا: وَمَا ذَاكَ؟ فَقَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ». قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَسُئِلَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ بَعْدَ ذَلِكَ كَيْفَ كَانُوا يَكْرُونَ الْأَرْضَ، فَقَالَ: بِشَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ مُسَمًّى، وَيَشْتَرِطُونَ أَنَّ لَنَا مَا نَبَتَ بِمَاذِيَانَاتِ الْأَرْضِ وَأَقْبَالِ الْجَدَاوِلِ. مَسْلَمَةُ أَنَّهُ سَمِعَ الْأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ مَوْلًى لِرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ يَقُولُ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَمْرٍ كَانَ بِنَا رَافِقًا فَقَالَ: قَالَ لَنَا: مَا تَصْنَعُونَ بِمَحَاقِلِكُمْ؟ قُلْنَا: نُؤَاجِرُهَا عَنْ الرُّبْعِ وَالْأَوْسُقِ مِنْ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ». وَأَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ بِنَحْوِ هَذَا وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيُزْرِعْهَا أَخَاهُ، وَلَا يُكْرِهَا بِالثُّلُثِ وَلَا بِالرُّبُعِ وَلَا بِطَعَامٍ مُسَمًّى» هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، أَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: «كُنَّا في زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَأْخُذُ الْأَرْضَ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَبالماذِيَانَاتِ فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ». اللَّيْثُ، عَنْ رَبِيعَةَ، وَإِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ «أَنَّهُ سَأَلَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ فَقَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَسَأَلَهُ عَنْ كَرَائِهَا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ. فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِكِرَائِهَا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ». .في اكْتِرَاءِ الْأَرْضِ بِالطِّيبِ وَالْحَطَبِ وَالْخَشَبِ: قَالَ: أَمَّا بِالزَّعْفَرَانِ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ فَمَا كَانَ مِنْ الطِّيبِ مِمَّا يُشْبِهُ الزَّعْفَرَانَ فَلَا يَجُوزُ وَلَا يَجُوزُ بِالْعُصْفُرِ. قُلْت: وَالْعُودُ وَالصَّنْدَلُ وَمَا أَشْبَهَهُمَا أَيَجُوزُ وَهَذَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ أَنْ أَتَكَارَى بِهِ الْأَرْضَ؟ قَالَ: لَا أَرَى بَأْسًا بِالْعُودِ وَالصَّنْدَلِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا. قُلْت: فَكَذَلِكَ إنْ اكْتَرَيْت الْأَرْضَ بِالْحَطَبِ وَبِالْجُذُوعِ وَبِالْخَشَبِ؟ قَالَ: لَا أَرَى بِهِ بَأْسًا. قُلْت: أَتَحْفَظُ هَذَا الَّذِي سَأَلْتُكَ عَنْهُ مِنْ الطِّيبِ وَالْخَشَبِ عَنْ مَالِكٍ؟ قَالَ: أَمَّا الْخَشَبُ فَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ: إنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَأَمَّا مَا سِوَى هَذَا فَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ، وَلَكِنْ قَدْ قَالَ مَالِكٌ مَا قَدْ أَخْبَرْتُكَ بِهِ أَنَّهُ قَالَ: لَا تُكْرَى الْأَرْضُ بِشَيْءٍ مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَإِنْ كَانَ لَا يُؤْكَلُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَاللَّيْثُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَرِيفٍ أَبُو خُزَيْمَةَ أَنَّ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُمْ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ الدَّرَقِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَنْ كِرَاءِ الْمُزَارِعِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِكِرَائِهَا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ. ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُكْرِي أَرْضَهُ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ. رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَسَائِرِ وَلَدِهِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَابْنِ شِهَابٍ وَرَبِيعَةَ: أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرَوْنَ بِكِرَاءِ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ بَأْسًا. ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ كَانَ يُكْرِي بَيَاضَ أَرْضِهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَبَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَكَارَى أَرْضًا فَلَمْ تَزَلْ في يَدَيْهِ حَتَّى مَاتَ. قَالَ ابْنُهُ: فَمَا كُنْتُ أَرَى إلَّا أَنَّهَا لَنَا مِنْ طُولِ مَا مَكَثَتْ في يَدَيْهِ حَتَّى ذَكَرَهَا لَنَا عِنْدَ مَوْتِهِ. أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، وَابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: أَنَّ عُرْوَةَ كَانَ يُكْرِي أَرْضًا لَهُ أَرْبَعَ سِنِينَ بِثَمَانِينَ دِينَارًا؛ إلَّا أَنْ ابْنَ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ: بِذَهَبٍ. وَأَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ: «أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أَعْطَى سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ أَرْضًا لَهُ زَارَعَهُ إيَّاهَا عَلَى النِّصْفِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتُحِبُّ أَنْ تَأْكُلَ الرِّبَا وَنَهَاهُ عَنْهُ». ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ في الرَّجُلِ يُعْطِي صَاحِبَهُ الْأَرْضَ الْبَيْضَاءَ عَلَى النِّصْفِ أَوْ الرُّبْعِ فَقَالَ: لَا يَصْلُحُ. .في اكْتِرَاءِ الْأَرْضِ بِالشَّجَرِ وَالْقَصِيلِ: قَالَ: لَا بَأْسَ بِهَذَا عِنْدِي إذَا لَمْ يَكُنْ في الشَّجَرِ يَوْمَ تَكَارَى الْأَرْضَ ثَمَرَةٌ فَإِنْ كَانَ فيهَا ثَمَرَةٌ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ مَالِكًا كَرِهَ شِرَاءَ الشَّجَرِ وَفيهَا ثَمَرٌ بِالطَّعَامِ، وَإِنْ كَانَ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ قَالَ: وَلِأَنَّ مَالِكًا كَرِهَ اسْتِكْرَاءَ الْأَرْض بِشَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ اشْتَرَى أَصْلَ الْأَرْضِ الَّتِي تَكَارَاهَا بِتِلْكَ الشَّجَرِ، وَفيهَا ثَمَرٌ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ، كَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ابْتَاعَ أَرْضًا بِحِنْطَةٍ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ إذَا تَعَجَّلَ الْحِنْطَةَ. قَالَ: وَإِنْ أَخَّرَ الْحِنْطَةَ إلَى أَجَلٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ أَيْضًا، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ نَخْلًا بِثَمَرٍ إلَى أَجَلٍ يَسْتَأْخِرُ فيهِ الْأَجَلَ حَتَّى يُثْمِرَ فيهِ النَّخْلُ وَهُوَ مِثْلُ اشْتِرَاءِ الشَّاةِ الَّتِي لَا لَبَنَ فيهَا بِاللَّبَنِ إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ يَكُونُ فيهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ كَتَّانًا بِثَوْبِ كَتَّانٍ إلَى أَجَلٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْكَتَّانِ ثَوْبٌ لَمَا كَانَ فيهِ خَيْرٌ. قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ مِنْ الْمُزَابَنَةِ، وَلَوْ بَاعَ ثَوْبَ كَتَّانٍ بِكَتَّانٍ إلَى أَجَلٍ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ لَا يَكُونُ مِنْهُ كَتَّانٌ وَالْكَتَّانُ يَكُونُ مِنْهُ ثَوْبٌ، وَلَوْ بَاعَ كَتَّانًا بِثَوْبٍ إلَى أَجَلٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ ذَلِكَ الْكَتَّانِ ثَوْبٌ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ لِقُرْبِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ الشَّعِيرُ بِالْقَصِيلِ إلَى أَجَلٍ فَلَا خَيْرَ فيهِ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ الْقَصِيلُ مِنْ الشَّعِيرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ إلَى الْأَجَلِ الَّذِي لَا يَبْلُغُ إلَيْهِ الْقَصِيلُ فَلَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ: وَالْقَصِيلُ بِالشَّعِيرِ إلَى أَجَلٍ لَا بَأْسَ بِهِ بَعُدَ الْأَجَلُ أَوْ قَرُبَ. .في اكْتِرَاءِ الْأَرْضِ بِالْأَرْضِ: قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. قُلْت: تَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا أَقُومُ عَلَى حِفْظِهِ السَّاعَةَ، وَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا، وَقَدْ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يُكْرِي دَارِهِ بِدَارٍ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ. قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ أَكْرَى أَرْضَهُ مِنِّي نَزْرَعُهَا الْعَامَ بِأَرْضٍ لِي يَزْرَعُهَا هُوَ الْعَامَ؟ قَالَ: لَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ وَلَكِنَّهُ رَأْيِي. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَأْجَرْت أَرْضَكَ هَذِهِ أَزْرَعُهَا الْعَامَ بِنَفْسِي بِزِرَاعَتِكَ أَرْضِي هَذِهِ الْأُخْرَى بِنَفْسِكَ قَابِلًا أَيَجُوزُ ذَلِكَ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟ قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانَتْ الْأَرَضُونَ مَأْمُونَةً؛ لِأَنَّ النَّقْدَ لَا يَصْلُحُ إلَّا في الْأَرَضِينَ الْمَأْمُونَةِ وَلِأَنَّ قَبْضَ الْأَرْضِ نَقْدًا بِمَنْزِلَةِ الذَّهَبِ، وَكَذَلِكَ الَّذِي يَبِيعُ السِّلْعَةَ الْغَائِبَةَ بِسِلْعَةٍ حَاضِرَةٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْقُدَ الْحَاضِرَةَ وَإِنْ كَانَتْ عَرَضًا بِمَنْزِلَةِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَكَذَلِكَ يَقُولُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ. .في اكْتِرَاءِ الْأَرْضِ بِدَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ: قَالَ: نَعَمْ. قَالَ سَحْنُونٌ: قَدْ بَيَّنَّا هَذَا وَمِثْلَهُ في الْكِرَاءِ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ الْعُرُوض وَالْحَيَوَانُ وَغَيْرُهُمَا، وَالثِّمَارُ تَكُونُ بِبَلَدٍ فيشْتَرِيهَا مِنْ صَاحِبِهَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَهَا بِذَلِكَ الْبَلَدِ، وَالثَّمَنُ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ وَجْهِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ.
|