الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
ثم يوم الاثنين استقر محب الدين محمد بن الشحنة الحنفي قاضي قضاة حلب وكاتب سرها وناظر الجيش بها بسفارة الصاحب جمال الدين يوسف ناظر الخاص الشريف. ثم في يوم الخميس خامس عشرين ذي القعدة قدم الزيني عبد الباسط من دمشق إلى القاهرة وهذه قدمته الثانية من يوم عزل وصودر وطلع إلى السلطان في يوم السبت سابع عشرينه وخلع عليه كاملية بفرو سمور. ثم قدم هديته إلى السلطان في يوم الاثنين تاسع عشرينه وكانت تشتمل على شيء كثير مع مبلغ كبير من الذهب. ثم في يوم الخميس سادس عشر ذي الحجة خرجت تجريدة إلى البحيرة ومقدم العسكر الأمير قراخجا الحسني الأمير آخور الكبير ومعه ستة من الأمراء. ثم في يوم الخميس رابع عشر محرم سنة تسع وأربعين وثمانمائة استقر الشيخ شمس الدين محمد القاياتي قاضي قضاة الشافعية بالديار المصرية وصرف الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر ونزل القاياتي بغير خلعة تورعًا وعليه طيلسانه وبين يديه أعيان الدولة. ولما نزل إلى الصالحية لم يسمع الدعوى التي يدعيها بعض الرسل وقال: هذه حيلة ثم قام وتوجه إلى داره وفي ظن كل أحد أنه سيسير في القضاء على قاعدة السلف لما عهدوا من تقشفه وتعففه فوقع بخلاف ما كان في الظن ومال إلى المنصب وراعى الأكابر وأكثر من النواب وظهر منه الميل الكلي إلى الوظيفة حتى لعله لو عزل منها لمات أسفًا عليها. ثم في يوم الاثنين ثامن عشر المحرم المذكور خلع السلطان على الأمير يلخجا من مامش الساقي الناصري الرأس نوبة الثاني باستقراره في نيابة غزة بعد موت الأمير طوخ الأبوبكري المؤيدي قتيلًا بيد العشير. ثم في يوم الاثنين العشرين من شهر ربيع الآخر خلع السلطان على الأمير شادبك الجكمي أحد مقدمي الألوف باستقراره في نيابة حماة عوضًا عن قاني باي البهلوان بحكم انتقاله إلى نيابة ثم في يوم الخميس خامس عشر جماد الأول من سنة تسع وأربعين المذكورة رسم السلطان بنفي الأمير علي باي العجمي المؤيدي أحد أمراء العشرات ورأس نوبة إلى صفد ثم حول إلى دمشق بطالًا وأنعم بإمرته على الأمير جانبك اليشبكي الساقي والي القاهرة وأنعم بإقطاع جانبك المذكور على جماعة من الخاصكية الأشرفية ممن كان نفي في أول الدولة بدمشق وغيرها. ثم في يوم الاثنين رابع عشرين جماد الآخر وصل الأمير قاني باي الحمزاوي نائب حلب إلى القاهرة وقبل الأرض واستقر من جملة مقدمي الألوف بها وكان الكلام قد كثر في أمره وأشيع بعصيانه. وفي هذا الشهر
على بندر جدة وهذه أول سفرة سافرها جانبك المذكور ومبدأ أمره في التكلم على بند جدة إلى يومنا هذا. وكان من خبر استمراره على التكلم في البندر المذكور أن السلطان كان في كل سنة يندب للتكلم على البندر أحدًا من الأمراء أو أعيان الخاصكية فيتوجه المذكور ثم يعود إلى القاهرة وقد تغير خاطر السلطان عليه لأمور شتى فيعزله السلطان على أقبح وجه ومنهم من يصادره ويأخذ منه الأموال الكثيرة ومنهم من ينفى ومنهم من يرسم عليه ويبهدل وقل من يسلم من فلما ولي جانبك هذا باشر البندر المذكور بمعرفة وحنق مع المهابة ووفور العقل والحرمة ونفوذ الكلمة ونهض بما لم ينهض به غيره ممن تقدمه. وأنا أقول: ولا ممن تأخر عنه إلى يوم القيامة على ما سيأتي بيان ذلك في مواطن كثيرة من هذه الترجمة وغيرها وقد استوعبنا حاله في تاريخنا " المنهل الصافي " بأوسع من هذا وأيضًا ذكرنا أموره مفضلًا في تاريخنا " الحوادث " عند ذهابه إلى جدة وإيابه وما يقع له بها في الغالب - انتهى. ثم في يوم الخميس ثالث شعبان خلع السلطان على الأمير إينال العلائي الدوادار الكبير باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية بعد موت الأمير الكبير يشبك السودوني المشد. قلت: وفي تولية إينال هذا للألابكية في يوم ثالث الشهر رد على من يتشاءم بالحركة في يوم ثالث الشهر فإنه نقل من هذه الوظيفة إلى السلطنة فأي شؤم وقع له في ولايته - انتهى. ثم خلع السلطان على الأمير قاني باي الجاركسي شاد الشراب خاناه باستقراره دوادارًا كبيرًا عوضًا عن إينال المذكور وأنعم بإقطاع الأمير إينال المذكور على الشهابي أحمد بن علي بن إينال اليوسفي وصار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية. وخلع السلطان على الأمير يونس السيفي آقباي باستقراره شاد الشراب خاناه عوضًا عن قاني باي الجاركسي واستمر على إقطاعه إمرة عشرة. ووقع بسبب تولية الأمير إينال المذكور للأتابكية كلام كثير في الباطن لكون السلطان قدمه على الأمير تمراز القرمشي أمير سلاح وجرباش الكريمي أمير مجلس وقراخجا الحسني الأمير آخور الكبير وهؤلاء الثلاثة من أكابر المماليك البرقوقية ووظائفهم أيضًا تقتضي الانتقال منها إلى الأتابكية بخلاف وظيفة الدوادارية. وبلغ السلطان ذلك أو فطن به فلما كان يوم السبت خامسه نزل من قلعة الجبل إلى خليج الزعفران وصحبته جميع الأمراء إلى مخيم ضرب له به وجلس فيه وأكل السماط ودام هناك إلى قريب الظهر ثم ركب وعاد إلى القلعة. وكان قصد الملك الظاهر بالنزول إلى خليج الزعفران في هذا اليوم استخفافًا بالقوم لأنهم أشاعوا أن جماعة تريد الركوب فكأنه قال لهم بلسان حاله: " ها قد نزلت من القلعة بخليج الزعفران من كان له غرض في شيء فليفعله " فلم يتحرك ساكن وانقمع كل أحد فكانت هذه الفعلة من أحسن أفعاله وأعظمها. ثم في يوم الخميس سابع عشر شهر شعبان المذكور خلع السلطان على الأمير الكبير إينال المذكور خلعة نظر البيمارستان المنصوري وخلع على قاني باي الجاركسي خلعة الإنظار المتعلقة بالدوادارية. ثم في يوم السبت سابع عشر شوال برز أمير حلج المحمل الأمير دلاوت باي المحمودي المؤيدي ثم في يوم الخميس ثالث المحرم سنة خمسين وثمانمائة خلع السلطان على الصاحب خليل بن شاهين المعزول عن نيابة ملطية قبل تاريخه باستقراره في نيابة القدس عوضًا عن طوغان العثماني بحكم توجهه حاجب حجاب حلب بعد موت قاني باي الجكمي. وفيه استقر القاضي برهان الدين إبراهيم بن الديري في نظر الجوالي مضافًا لما بيده من نظر الإسطبلات السلطانية عوضًا عن ابن المحرقي بعد عزله. ثم في يوم الاثنين خامس صفر أعيد قاضي القضاة شهاب الدين بن حجر للقضاء بعد موت قاضي القضاة شمس الدين القاياتي. ثم في يوم الثلاثاء سادس صفر أيضًا استقر القاضي ولي الدين السفطي في تدريس المدرسة الصلاحية بقبة الشافعي عوضًا عن القاياتي. ثم في يوم السبت ثامن شهر ربيع الأول من سنة خمسين المذكورة قدم إلى القاهرة الشريف محمد بن الشريف بركات بن حسن بن عجلان ومعه تقدمة من عند أبيه ما بين خيول وغيرها وأقام بالقاهرة إلى سلخ الشهر المذكور وعاد إلى مكة وقد أعطاه السلطان أمانًا لأبيه بركات ووعلى بكل خير من ولاية مكة وغير ذلك. ثم في يوم الاثنين أول شهر ربيع الآخر خلع السلطان على ولي الدين السفطي باستقراره في نظر البيمارستان المنصوري عوضًا عن القاضي محب الدين بن الأشقر ناظر الجيش بحكم عزله عنها. وسار السفطي في النظر المذكور سيرة سيئة وهو أنه صار يأخذ ما لا يستحقه ويدفعه لمن لا يستحقه وحسابه على الله. وفيه استقر أسنبغا مملوك ابن كلبك شاد الشون السلطانية في نيابة بعلبك ولم يقع ذلك فيما تقدم. والعادة أن نائب دمشق هو الذي يستقر بمن يختاره من مماليكه في نيابة بعلبك. هذا في هذا الزمان وأما الوالد فإنه ولى في نيابته على دمشق نيابة القدس والرملة. ثم في أواخر جمادى الأولى توغر خاطر السلطان على الأمير شاد بك الجكمي نائب حماة وعزله عن نيابة حماة وولى عوضه الأمير يشبك من جانبك المؤيدي الصوفي أحد أمراء الألوف بحلب - وكان السلطان نفى يشبك المذكور من مصر ثم أنعم عليه بإمرة بحلب وأنعم بإقطاع يشبك المذكور على خجداشه الأمير علي باي العجمي المنفي أيضًا قبل تاريخه إلى دمشق - ورسم لشاد بك المذكور أن يتوجه إلى القدس بطالًا وحمل تقليد يشبك المذكور بنيابة حماة وتشريفه الأمير تمربغا الظاهري أحد أمراء العشرات. وفي هذا الشهر رسم السلطان بإطلاق جماعة من المماليك الأشرفية ممن كان حبسهم في أول دولته بالبلاد الشامية ورسم بقدومهم إلى القاهرة. ثم في يوم الخميس سابع عشر شوال برز أمير حاج المحمل الأمير سونجبغا اليونسي الناصري أحد أمراء العشرات ورأس نوبة بالمحمل إلى بركة الحاج وأمير الركب الأول الأمير سمام الحسني الظاهري برقوق أحد أمراء العشرات. وسافرت في هذه السنة إلى الحجاز زوجة السلطان الملك الظاهر جقمق خوند مغل بنت البارزي ومعها أيضًا زوجة السلطان بنت ابن دلغادر. وحج في هذه السنة أيضًا القاضي كمال الدين بن البارزي كاتب السر الشريف صحبة أخته خوند المذكورة في الركب الأول. وسافر كمال الدين المذكور بتجمل كبير وفعل في سفرته من الخيرات والإحسان لأهل مكة ما سيذكر إلى الأبد. ثم في يوم السبت أول محرم سنة إحدى وخمسين وثمانمائة خلع السلطان على قاضي القضاة علم الدين صالح البلقيني باستقراره قاضي القضاة الشافعية بالديار المصرية بعد عزل قاضي القضاة شهاب الدين ابن حجر. وفيه استقر السيفي آقبردي الساقي جقمق في نيابة قلعة حلب عوضًا عن تغري بردي الجاركسي بحكم عزله وتوجهه إلى دمشق. وكان آقبردي المذكور توجه إلى حلب في أمر متعلق بالسلطان. وفيه أنعم السلطان على خليل بن شاهين الشيخي بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق عوضًا عن قير طوغان بحكم القبض عليه وحبسه بقلعة دمشق بسبب ما وقع منه لما توجه أمير حاج الركب الشامي من إحراقه باب المدينة الشريفة لسبب من الأسباب. وفيه أيضًا استقر الأمير يشبك الحمزاوي دوادار السلطان بحلب في نيابة غزة عوضًا عن حطط بحكم عزله وتوجهه إلى دمشق بطالًا وأنعم بإقطاع يشبك الحمزاوي وهو تقدمة ألف بحلب على الأمير سودون من سيدي بك الناصري المعروف بالقرماني. وأنعم بإقطاع سودون القرماني وهو إمرة عشرة على الأمير علي باي الأشرفي شاد الشراب خاناة كان. ثم في يوم الخميس رابع صفر من سنة إحدى وخمسين خلع السلطان علي مملوكه سنقر الظاهري باستقراره أستادار الصحبة بعد موت أيتمش من أزوباي المؤيدي. ثم في يوم الخميس حادي عشر صفر المذكور رسم السلطان بنفي تغري برمش الجلالي الفقيه نائب قلعة الجبل إلى القدس بطالًا واستقر الأمير يونس العلائي الناصري أحد أمراء العشرات عوضه في نيابة قلعة الجبل وأنعم بإقطاع تغري برمش المذكور على شريكه الأمير جانبك النوروزي المعروف بنائب بعلبك زيادة على ما بيده ولبس المقدم ذكره خلعة نيابة القلعة في يوم الاثنين خامس عشر صفر. ثم في يوم الخميس ثالث شهر ربيع الأول خلع السلطان على الأمير برسباي الساقي السيفي تنبك البجاسي باستقراره في نيابة الإسكندرية بعد عزل الأمير تنم من عبد الرازق المؤيدي عنها وذلك بسفارة عظيم الدولة الصاحب جمال الدين يوسف ناظر الخاص الشريف. وفيه خلع السلطان على الأمير جانبك النوروزي المقدم ذكره المعروف بنائب بعلبك باستقراره أمير المماليك السلطانية المجاورين بمكة المشرفة. ثم في يوم الاثنين حادي عشرين شهر ربيع الأول المذكور رسم بنقل الأمير لرسباي الناصري من نيابة طرابلس إلى نيابة حلب بعد موت الأمير قاني باي الأبوبكري الناصري البهلوان. ورسم بنقل الأمير يشبك المؤيدي الصوفي من نيابة حماة إلى نيابة طرابلس عوضًا عن برسباي المذكور. وخلع السلطان على الأمير تنم بن عبد الرازق المؤيدي المعزول عن نيابة الإسكندرية باستقراره في نيابة حماة عوضًا عن يشبك الصوفي رشحه إلى ذلك المقر الجمالي ناظر الخواص. وحمل إلى برسياي نائب حلب التقليد والتشريف الأمير جرباش المحمدي الناصري الأمير آخور الثاني المعروف بكرت. وتوجه بتقليد يشبك بنيابة طرابلس الأمير قراجا الظاهري الخازندار الكبير. واستقر مسفر تنم بنيابة حماة الأمير لاجين الظاهري الساقي فصالحه الأمير تنم على عدم سفره صحبته على ثلاثة آلاف دينار. ثم في يوم الخميس ثامن شهر ربيع الآخر استقر الأمير سودون السودوني الظاهري برقوق من جملة الحجاب وكان سودون المذكور قد ولي الحجوبية الثانية قبل ذلك قلت: درجة إلى أسفل. ثم في يوم الخميس خامس عشره خلع السلطان على القاضي ولي الدين السفطي باستقراره قاضي قضاة الديار المصرية بعد عزل قاضي القضاة علم الدين صالح البلقيني مضافًا لما بيده من تدريس قبة الشافعي ونظر البيمارستان ونظر الكسوة ووكالة بيت المال ومشيخة الجمالية ونظرها وغير ذلك من الوظائف ومع هذا كله والبلص عمال والشحاذة في كل يوم من الأمير الكبير إلى مقدم الجبلية. وسار في القضاء أقبح سيرة وسلك مع الناس طريقًا غير محمودة من الحط على الفقهاء والترسيم عليهم والإفحاش في أمرهم لاسيما ما فعله مع مباشري الأوقاف. وفي هذا الشهر خلع السلطان على شخص من الباعة يعرف بأبي الخير النحاس شهرة ومكسبًا باستقراره في وكالة بيت المال عوضًا عن السفطي. وهذا أول خمول السفطي ومبدأ أمر أبي الخير النحاس وما سيأتي من أمرهما فأعجب. ولا بد من التعريف بأصل أبي الخير المذكور وسبب ترقيه وإن كان في ذلك نوع إطالة فيحتمل ذلك لنوع من الأنواع فنقول: اسمه محمد وكنيته أبو الخير وبكنيته أشهر ابن محمد بن أحمد بن محمد المصري الأصل والمولد الشافعي النحاس. نشأ تحت كنف والده وحفظ القرآن وتعلم من والده وجده صناعة عمل النحاس ومهر فيه واتخذ له حانوتًا بسوق النحاس بخط الشوائين بالقرب من دكان أبيه. وأخذ في حانوته وأعطى حتى صار بينه وبين الناس معاملات ومشاركات ألجأه ذلك لتحمل الديون إلى أن عامله الشيخ أبو العباس الوفائي وصار له عليه جمل مستكثرة من الديون. وكان الستر مسبولًا بينهما أولًا ثم وقع بينهما وحشة وكان ذلك هو السبب بوصلة النحاس هذا بالملك الظاهر جقمق وهو أن أبا العباس لما ماطله أبو الخير المذكور أخذ في الإلحاح عليه في طلب حقه والدعوى عليه بمجالس الحكام والتجريء عليه والمبالغة في إنكائه بحيث إنه ادعى عليه مرة عند الأمير سودون السودوني الحاجب بعد أن أخرجه من السجن محتفظًا به فضربه سودون المذكور علقتين في يوم واحد ودام هذا الأمر بينهما أشهرًا بل وسنين. وصار أبو العباس لا يرق لفقر أبي الخير وإفلاسه وعدم موجوده بل يلح في طلب حقه فعند ذلك أخذ أبو الخير النخاس في مرافعة أبي العباس المذكور بأن الذي بيده من المال إنما هو من جملة ذخائر الصفوي جوهر القنقبائي الخازندار وقد بقيت عند أبي العباس بعد موت جوهر. ولا زال أبو الخير يجتهد في ذلك إلى أن توصل إلى السلطان وأنهى في حق أبي العباس ما تقدم ذكره وعليه محاققة ذلك وإظهار الحق في جهته فلما سمع السلطان كلامه مال إليه وقال له: قد فنزل أبو الخير في الحال من بين يدي السلطان وقد صار مطالبًا بعدما كان مطلوبًا وادعى على أبي العباس المذكور بدعاو كثيرة يطول الشرح في ذكرها وخدمه السعد في إظهار بعض موجود جوهر من عند أبي العباس المذكور فحسن ذلك ببال السلطان ونبل أبو الخير في عين السلطان ووكله بعد مدة في جميع أموره كل ذلك في سنة ست وأربعين وثمانمائة. وتردد أبو الخير النحاس إلى السلطان وحسن حاله من لبس القماش النظيف وركوب الحمار واكتسى كسوة جيدة. كل ذلك وأبو الخير يلح في طلب المال من أبي العباس. ثم التفت إلى غير ذلك مما يعود نفعه على السلطان وبقي بسبب ذلك يكثر الطلوع إلى القلعة وصار يتقرب إلى السلطان بهذه الأنواع فمشى أمره وظهر عند العامة اسمه واستمر على ذلك إلى سنة ثمان وأربعين فركب فرسًا من غير لبس خف ولا مهماز وصار يطلع إلى القلعة في كل يوم مرة بعد نزول أرباب الدولة من الخدمة ويتقاضى أشغال السلطنة. كل ذلك وأعيان الدولة لا تلتفت إليه ولا يعاكسه أحد فيما يرومه لعدم اكتراثهم به وإهمالهم أمره لوضاعته لا لجلالته فاستفحل أمره بهذه الفعلة وطالت يده في الدولة. فأول ما بدأ به أخذ في معارضة السفطي وساعده في ذلك سوء سيرة السفطي وملل السلطان منه فولي عنه وكالة بيت المال. ثم أخذ أمره يتزايد بعد ذلك على ما سيأتي ذكره مفصلًا. وقد استوعبنا حاله في تاريخنا " المنهل الصافي " بأطول من هذا إذ هو كتاب تراجم لا غير وأما أمره في تاريخنا " حوادث الدهور " فهو مفضل باليوم والساعة من أول أمره إلى آخره - انتهى. ثم في يوم السبت أول جمادى الأولى برز المرسوم الشريف باستقرار خير بك الأجرود المؤيدي أحد مقدمي الألوف بدمشق في أتابكية دمشق بعد موت الأمير إينال الششماني الناصري وأنعم السلطان بإقطاع خير بك المذكور على الأمير خشقدم الناصري المؤيدي أحد أمراء العشرات ورأس نوبة بالقاهرة. ثم في يوم الاثنين ثامن جمادى الآخرة خلع السلطان على الصاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم ناظر الدولة باستقراره في الوزارة عوضًا عن الصاحب كريم الدين عبد الكريم ابن كاتب المناخ بحكم طول مرضه وهذه ولاية الصاحب أمين الدين الثانية للوزر. ثم في يوم الاثنين سابع عشرين شهر رجب برز المرسوم الشريف على يد الأمير إينال أخي قشتم المؤيدي باستقرار الأمير تنم من عبد الرازق المؤيدي نائب حماة في نيابة حلب عوضًا عن الأمير برسباي الناصري بحكم استعفائه عن نيابة جلب لطول لزومه الفراش ورسم أيضًا بنقل الأمير بيغوت من صفر خجا المؤيدي الأعرج نائب صفد إلى نيابة حماة عوضًا عن تنم المذكور وحمل إليه التقليد والتشريف الأمير يلبغا الجاركسي أحد أمراء العشرات ورأس نوبة. ورسم باستقرار الأمير يشبك الحمزاوي نائب غزة في نيابة صفد. ورسم باستقرار طوغان العثماني حاجب الحجاب بحلب في نيابة غزة عوضًا عن يشبك الحمزاوي واستقر في حجوبية حلب الأمير جانبك المؤيدي المعروف بشيخ أحد أمراء طرابلس. ثم في يوم الخميس أول شعبان قدم الشريف بركات بن حسن بن عجلان ونزل الملك الظاهر جقمق إلى لقائه بمطعم الطيور الريدانية خارج القاهرة. وبالغ السلطان في إكرام بركات المذكور وقام إليه ومشى له خطوات وأجلسه بجانبه ثم خلع عليه وقيد له فرسًا بسرج ذهب وكنبوش زركش وركب مع السلطان وسار إلى قريب قلعة الجبل فرسم له السلطان بالعود إلى محل أنزله به وهو مكان أخلاه له المقر الجمالي ناظر الخواص ورتب له الرواتب الهائلة. وقام الجمالي المذكور بجميع ما يحتاج إليه بركات من الكلف والخدم السلطانية وغيرها وكان أيضًا هو القائم بأمره إلى أن أعاده إلى إمرة مكة والسفير بينهما الخواجا شرف الدين موسى التتائي الأنصاري التاجر. ثم في يوم الخميس سابع شهر رمضان خلع السلطان على الأمير بيسق اليشبكي أحد أمراء العشرات باستقراره في نيابة دمياط بعد عزل الأمير بدخاص العثماني الظاهري برقوق. ثم في يوم الخميس رابع عشره خلع السلطان على أبي الخير النخاس المقدم ذكره باستقراره في ثم في يوم الخميس خامس شوال خلع السلطان على الأمير تمراز من بكتمر المؤيدي المصارع أحد أمراء العشرات باستقراره في بابة القدس بعد عزل خشقدم السيفي سودون من عبد الرحمن. ثم في يوم الاثنين أول ذي القعدة أنعم السلطان على أسنباي الجمالي الظاهري جقمق الساقي بإمرة عشرة بعد موت إينال أخي قشتم وأنعم بوظيفة أسنباي - السقاية - على جانم الظاهري جقمق. ثم في يوم الأربعاء ثالثه برز الأمر الشريف بحبس الأبرين المقيمين بالقدس الشريف وهما: شاد بك الجكمي المعزول عن نيابة حماة وإينال الأبو بكري الأشرفي فحبسا بقلعة صفد. ثم في يوم الاثنين ثامن ذي القعدة استقر شاهين الظاهري ساقيًا عوضًا عن جكم قلق سيز بحكم تغير خاطر السلطان عليه. ثم في محرم سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة رسم السلطان للأمير يشبك طاز المؤيدي أحد أمراء دمشق بحجوبية طرابلس عوضًا عن يشك النوروزي. ثم في يوم الأربعاء حادي عشرين المحرم وصل الركب الأول من الحاج صحبة الأمير الطواشي عبد اللطيف المنجكي ثم العثماني مقدم المماليك السلطانية. وأصبح قدم من الغد أمير حاج ثم في يوم الجمعة ثالث عشرين المحرم المذكور رسم السلطان بنفي الأمير قراجا العمري الناصري أحد المقدمين بدمشق إلى سيس وأنعم بتقدمته على الأمير مازي الظاهري برقوق نائب الكرك كان. ثم في يوم الخميس ثامن عشرين صفر رسم بإطلاق قيز طوغان من محبسه بقلعة دمشق بشفاعة الأمير جلبان نائب دمشق. وفيه أيضًا رسم بمجيء كسباي الدوادار المؤيدي المجنون من طرابلس إلى القاهرة بشفاعة جرباش قاشق. ثم في يوم الأحد أول شهر ربيع الأول رسم السلطان بتبقية الأمير قيز طوغان في الحبس وردت المراسيم التي كانت كتبت بإطلاقه بواسطة زين الدين يحيى الأشقر الأستادار. ثم في يوم الاثنين ثاني ربيع الأول عاد الأمير جلبان إلى محل كفالته بدمشق. ثم في يوم الثلاثاء ثالثه عزل السلطان الأمير عبد اللطيف زين الدين الطواشي العثماني عن تقدمة المماليك السلطانية وخلع على الطواشي جوهر النوروزي نائب مقدم المماليك باستقراره في تقدمة المماليك عوضًا عن عبد اللطيف المذكور. ثم في يوم الخميس خامسه استقر عوضه نائب مقدم المماليك مرجان العادلي المحمودي. ثم في يوم السبت حادي عشرينه استقر أبو الخير النحاس في نظر الكسوة عوضًا عن السفطي ثم في يوم الأربعاء ثالث شهر ربيع الآخر عزل السلطان السفطي عن قضاء الديار المصرية. ثم في يوم الخميس رابعه استقر برهان الدين إبراهيم بن ظهير في نظر الإسطبل السلطاني عوضًا عن برهان الدين إبراهيم بن الديري. وفيه ولي الشيخ أشرف الدين يحيى المناوي تدريس قبة الشافعي عوضًا عن السفطي. وفي يوم السبت سادسه نكب شمس الدين محمد الكاتب وعزر وامتحن حسبما ذكرناه في الحوادث مفصلًا. ثم في يوم الأحد سابع شهر ربيع الآخر أعيد قاضي القضاة شهاب الدين ابن حجر إلى القضاء بعد عزل السفطي واستقر أيضًا في مشيخة الخانقاه البيبرسية على عادته ولبس خلعتهما من الغد في يوم الاثنين. ثم في يوم الخميس حادي عشره استقر أبو الخير النحاس ناظر البيمارستان المنصوري عوضًا عن السفطي. ثم في يوم الاثنين لبس السفطي كاملية خضراء بسمور بعد أن حمل مبلغ خمسة آلاف دينار وخمسمائة دينار بسبب أنه ادعي عليه أنه تناولها من وقف الكسوة. ثم في يوم الاثنين ثاني عشرين ربيع الآخر المذكور عزل الأمير تمراز البكتمري المؤيدي المصارع وفي هذا الشهر طلق السلطان زوجته خوند الكبرى مغل بنت البارزي. ثم في يوم الاثنين سابع عشرين جمادى الأولى خلع السلطان على الأمير قاني باي الحمزاوي أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية باستقراره في نيابة حلب ثانيًا بعد عزل الأمير تنم المؤيدي عنها وقدومه إلى القاهرة على إقطاع قاني باي الحمزاوي المذكورة واستقر يونس العلائي الناصري نائب قلعة الجبل مسفر قاني باي فصالحه السلطان عنه بمبلغ كبير من الذهب لقلة موجود قاني باي المذكور. وفيه استقر الأمير بيسق اليشبكي أحد أمراء العشرات بالقاهرة في نيابة قلعة دمشق بعد موت شاهين الطوغاني وفرق السلطان إقطاع بيسق على كسباي المجنون المؤيدي وغيره بواسطة المقر الجمالي ناظر الخواص الشريفة. ثم في يوم الاثنين حادي عشره برز الأمير قاني باي الحمزاوي إلى محل كفالته بحلب. ثم في يوم الأحد رابع عشرين جمادى الآخرة أمر السلطان بنفي الأمير تمراز المصارع المعزول عن نيابة القدس إلى دمشق ثم شفع فيه وأعيد بعد أيام بعد أن أخرج السلطان إقطاعه إلى أزبك من ططخ الساقي الظاهري والإقطاع إمرة عشرة واستقر خشقدم السيفي سودون من عبد الرحمن في نيابة القدس عوضًا عن تمراز المذكور واستقر إينال الظاهري الخاصكي ثم في يوم الاثنين خامس عشرين جمادى الآخرة المذكور عزل الحافظ شهاب الدين بن حجر نفسه عن قضاء الشافعية ولم يلها بعد ذلك إلى أن مات. وخلع السلطان في يوم الثلاثاء سادس عشرينه على قاضي القضاة علم الدين صالح البلقيني وأعيد إلى قضاء الديار المصرية عوضًا عن ابن حجر المذكور. ثم في يوم الأثنين ثالث شهر رجب رسم السلطان بإطلاق إينال الأبو بكري من حبس صفد وتوجهه إلى القدس بطالًا. ثم في يوم الأربعاء خامس شهر رجب منع ولي الدين السفطي من طلوع القلعة والاجتماع بالسلطان ثم رسم بتوجهه إلى بيت قاضي القضاة الحنفي للدعوة عليه فتوجه وادعى عليه جماعة بحقوق كثيرة فحلف عن بعضها ثلاثة أيمان واعترف بالبعض ثم نقل إلى القاضي المالكي وادعي عليه أيضًا بدين فصالح المدعي على ثلاثمائة دينار. ثم رسم السلطان بمنع اليهود والنصارى من طب أبدان المسلمين. ثم عزل السفطي عن مشيخة المدرسة الجمالية ودرس التفسير بها. ثم في يوم ثالث عشرينه رسم بمجيء السفطي إلى بيت قاضي القضاة علم الدين صالح البلقيني الشافعي ليدعي عليه الزيني قاسم المؤذي الكاشف بسبب حمامه التي بباب الخرق وكان السفطي اشتراها منه في أيام عزه. فحضر السفطي إلى مجلس القاضي وادعى عليه قاسم بأنه كان أوقفها قبل بيعها وأن الشراء لم يصادف محلًا وأنه أكرهه على تعاطي البيع. وخرج قاسم لإثبات ذلك. ولما خرج السفطي من بيت القاضي عارضه شخص آخر وأمسكه من طوقه وعاد به إلى مجلس القاضي وادعى عليه أنه غصب منه خشبًا وغيره فأنكر السفطي فطلب تحليفه والتغليظ عليه فصالحه على شيء ومضى إلى داره وأخذ في السعي إلى أن أعاده السلطان إلى مشيخة الجمالية على عادته.
|