الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
وأصبح يوم الجمعة خامسه حضر المقر الجمالي ناظر الجيش والخاص وعظيم الدولة عند الأمير الكبير فقام له الأمير الكبير واعتنقه وأجلسه بإزائه فوق الأمير خشقدم حاجب الحجاب. فعند قدومه تحقق كل أحد بزوال دولة المنصور و إقبال دولة الأتابك إينال. وتكلم المقر الصحابي مع الأتابك كلامًا كثيرًا لا يشاركهما في ذلك أحد إلا في النادر ثم رسم الأمير الكبير بطلب القاضي محب الدين بن الأشقر كاتب السر والقضاة الأربعة فحضروا في الحال وقد نزل الخليفة من القصر أيضًا وجلس عند الأمير الكبير هو والقضاة وشاهدوا المدافع التي ترمي عليهم من القلعة وكان أهل القلعة في يومي الأربعاء والخميس قد أمعنوا في الرمي من القلعة على الأمير الكبير وأصحابه حتى كان المدفع يصل إلى باب سر بيت قوصون الذي فيه الأمير الكبير وربما عدى الباب ووقع بالشارع على المار إلى صليبة ابن طولون. ولما حضرت القضاة عند الأمير الكبير تكلموا مع الخليفة في خلع الملك المنصور عثمان بكلام طويل ثم طلبوا بدر الدين ابن المصري الموقع فأملاه قاضي القضاة علم الدين صالح البلقيني الشافعي ألماظًا كتبها تتضمن القدح في الملك المنصور وخلعه من السلطنة وكان ذلك في أوائل الساعة الثالثة من نهار الجمعة. وخلع الملك المنصور في اليوم المذكور من الملك وحكم القضاة بذلك. وكانت
من يوم تسلطن بعد خلع أبيه الملك الظاهر جقمق في يوم الخميس حادي عشرين المحرم من سنة سبع وخمسين هذه إلى يوم الجمعة هذا شهرًا واحدًا وثلاثة عشر يومًا ولا نعرف أن سلطانًا أقام هذه المدة اليسيرة في ملك مصر في الدولة التركية غيره. هذا مع كثرة عساكره ومماليك أبيه وحاشيته وما أرى هذا إلا نوعًا من المجازاة انتهى. ولما فرغ بدر الدين المصري من كتابة الورقة أمره قاضي القضاة علم الدين صالح البلقيني أن يقرأ ما في الورقة على من حضر المجلس من الأمراء وغيرهم وقرئت عليهم إلى آخرها. ثم سأل قاضي القضاة من حضر المجلس عن سلطنة الأمير الكبير إينال عليهم فصاحوا بأجمعهم: " نحن راضون بالأمير الكبير " وكرر القاضي عليهم القول غير مرة وهم يردون الجواب كمقالتهم أولًا. وفرحوا بذلك وسروا غاية السرور وانفض المجلس على خلع الملك المنصور وسلطنة الأتابك إينال غير أنه لم يلبس خلعة السلطنة ولا ركب بشعار الملك: ترك ذلك لوقته. وصار الناس في خطابه من يومئذ على أقسام وألفاظ مختلفة فمن الناس من صار يقول له: " يا خوند " ومنهم من يقول: " أغاه " ومنهم من يقول: " الأمير الكبير " ومنهم من يقول: " السلطان " كل ذلك وهو على حالة جلوسه كأول يوم دخل إلى بيت قوصون المذكور أعني من أول يوم الوقعة ولم يتغير عليه شيء مما كان عليه ولم يركب من المقعد المذكور من يوم قدم بيت قوصون غير مرة واحدة في يوم الثلاثاء وعاد من وسط الحوش قبل أن يصل إلى باب البيت النافذ إلى الرميلة رده أصحابه إجلإلا لقدره وإنما كان يجلس هو بالمقعد والأمراء عن يمينه ويساره جلوسًا ووقوفًا بين يديه والمماليك والعساكر تخرج من بين يديه للقتال طائفة بعد أخرى باجتهاد وعمل جد في مدة هذه الأيام من غير أن يستحثهم أحد لذلك وهذا شيء عظيم إلى الغاية: الخفيف وإذا سخر إلاله أناسًا لسعيد فإنهم سعداء وكنت أنظر في تلك الأيام إلى وجه الأمير الكبير لأتحقق هل هو مسرور أم محزون فلا أعرف هذا منه لثباته في سائر أحواله وسكونه وعقله فإنه كان ينفذ الأمور على أحسن وجه من غير اضطراب ولا هرج بتأن وتؤدة وكلما وقع من أصحابه ما يخالف ذلك يأخذ في تسكينهم وثباتهم على القتال من غير عجلة ثم يقول لهم: " القلاع ما تؤخذ إلا بالصبر والثبات والتأني ". ثم إن الأمير الكبير أمر في اليوم المذكور بعمل منبر ليخطب عليه قاضي القضاة بالبيت المذكور لصلاة الجمعة فصنع ذلك في الحال وتهيأ القوم لصلاة الجمعة. فلما دخل وقت الصلاة خطب قاضي القضاة علم الدين صالح البلقيني وصلى بالأمير الكبير والخليفة وجميع العساكر بمقعد البيت المذكور ثم انصرف القضاة بعد الصلاة إلى منازلهم. هذا والقتال مستمر أشد ما يكون بين الطائفتين وقد تداول نزول الخاصكية والمماليك من عند الملك المنصور إلى الأتابك إينال وهم مع ذلك كل يوم في زيادة في القتال لا يلتفتون إلى من يذهب من عندهم ويقول بعضهم لبعض: " نحسبه أنه جرح ومات وما علينا ممن يتوجه من عندنا ونحن نقاتل إلى أن نموت " والملك المنصور جالس بالقصر السلطاني وعنده من أكابر الأمراء الأمير تنم أمير سلاح والأمير قاني باي الجاركسي. هذا مع مبالغة أصحاب الأمير الكبير في القتال أيضًا لا سيما من يوم حضر المقر الجمالي ناظر الجيوش والخاص ثم حضر القضاة وخلع الملك المنصور في يوم الجمعة فمن يومئذ بذلوا نفوسهم لنصرة الأمير الكبير وخوفًا من أن يصير للملك المنصورعليهم دولة فسيكون فناؤهم على يديه وأيضًا إنهم تحققوا سلطنة الأتابك إينال فاشتاقت نفوسهم لما عساه ينالهم من الإقطاعات والوظائف وغير ذلك فاقتحموا إلاهوال لذلك من غير صبر ولا تأن: الوافر وأعظم ما يكون الشوق يومًا إذا دنت الخيام من الخيام هذا والجراحات فاشية في كل من الطائفتين ويقتل أيضًا منهم في اليوم الواحد وإلاثنان وأكثر وأقل. ولما كان يوم الجمعة المذكور توعك فيه الأمير أسنبغا الطياري رأس نوبة النوب ومات من ليلته شبه الفجاءة من غير سابق مرض وصلي عليه من الغد بالمقعد من بيت قوصون وحمل ودفن بالصحراء وكان من محاسن الدنيا. يأتي التعريف بحاله في الوفيات كما هي عادة هذا الكتاب. ثم أصبح يوم السبت سادس شهر ربيع الأول حضر المقر الجمالي الصاحبي ناظر الجيش والخاص عند الأمير الكبير وصحبته غالب مباشري الدولة والقضاة وكتبوا محضرًا يتضمن ما وقع في أمسه من خلع الملك المنصور من السلطنة ومبايعة العساكر للأمير الكبير بالسلطنة وكتب في المحضر جماعة كبيرة من أمراء الظاهرية وغيرهم وفيه قوادح في الملك المنصور ذكرناها في غير هذا المحل. وجد في هذا اليوم كل من العسكرين في القتال ورتب الأمير الكبير جماعة من أعيان الأمراء على المواضع التي يتوصل منها إلى القلعة وحرض الوالي وغيره على مسك من يطلع إلى القلعة من الغلمان والخدم بالمآكل وغيرها ومسك بسبب ذلك جماعة وضرب آخرون. وفي هذا اليوم والذي قبله صارت أمراء الألوف تخاطب الأمير الكبير وهم وقوف وصار لا يقوم لأحد منهم عند ذهابه وإيابه. وكان الأمير أسنبغا الطياري رأس نوبة النوب رحمه الله في يوم الجمعة الذي مرض فيه رمل على كتابة الأمير الكبير على المراسيم وغيرها وناهيك بأسنبغا فإنه كان يوم ذلك أمثل الأمراء وأجلهم. رأيته أنا وهو يرمل على علامته من غير أن يحتشم معه الأمير الكبير في ذلك ولا تجمل معه بل صار كلما علم العلامة ورمى بها أخذها أسنبغا ورمل عليها كما كان يفعله مع السلطان فإن العادة لا يرمل على السلطان إلا رأس نوبة النوب. هذا وقد تحقق أهل القلعة زوال ملك الملك المنصور وهم على ما هم عليه من الشدة في القتال والقيام بنصرة ابن أستاذهم غير أنهم كما قيل في إلامثال: " سلاح حاضر وعقل غائب " لكونهم شبابًا لم تمر بهم التجارب ولا لهم ممارسة بالحروب ولا يعرفون نوعًا من أنواع الخديعة والمكر بأخصامهم وأيضًا لم يكن عندهم من الأمراء وغيرهم ممن له خبرة بهذه الآنواع غير أمير واحد وجندي وكل منهما غير مقبول الكلمة عندهم. فالأمير كزل المعلم والجندي السيفي كمشبغا الظاهري برقوق المعلم وأما من عداهما من الأمراء فحالهم معروف لا يحتاج إلى بيان وأعظم من كان هناك من الأمراء الأمير تنم أمير سلاح وقاني باي الجاركسي الأمير آخور فأما تنم فإنه لم يأت بشيء إما تقصيرًا منه لمعنى من المعاني أو لقلة دربته بالحروب والخطوب وأما قاني باي فحاله معروف لا يحتاج للتعريف به. وأصبح الناس في يوم الأحد سابع شهر ربيع الأول والقتال مستمر بين الفريقين وكل منهم في أشد ما يكون من القيام بنصرة صاحبهم إلى قريب الظهر فنزل من القلعة جماعة كبيرة مشاة إلى عند سبيل المؤمني فخرج إليهم جماعة كبيرة من عسكر الأمير الكبير وتقاتلوا بالرماح والسيوف وإلاطبار وافترقوا ثم التقوا غير مرة حتى أردف عسكر الأمير الكبير طوخ من تمراز الناصري من مكانه الذي كان مقيمًا عند زاوية قاني باي الجاركسي بجماعته ثم أردفهم جماعة أخر من عند الأمير الكبير والتحم القتال بينهم وقتل جماعة من عكسر الأمير الكبير منهم: طقتمر الناصري رأس نوبة الجمدارية تهبيرًا لأنه كان هرب من عند الملك المنصور ونزل إلى الأمير الكبير في يومه فلما ظفروا به قتلوه لما كان في نفوسهم منه ثم ممجق اليشبكي الخاصكي أخذ سحبًا إلى القلعة فمات من جراحه وأيتمش المؤيدي الخاصكي وقاني باي الأشرفي الخاصكي وغيرهم. ودام القتال بينهم حتى ملك أصحاب الأمير الكبير سبيل المؤمني بعد أمور وحروب. ثم أطلقت أصحاب الأمير الكبير النار في البيوت التي بجوار الميدان برأي تمراز الأشرفي الزردكاش فتعلقت النار فيهم حتى وصلت إلى سقف المسجد من سبيل المؤمني وأحرقته عن آخره وكان بسطحه جماعة كبيرة من السلطانية فنزلوا عنده فحينئذ وجد أصحاب الأمير الكبير طريقًا لهدم سور الميدان فهدموا جانبًا منه ودخلوا منه إلى الميدان الذي تحت قلعة الجبل. هذا وقد انحاز السلطانية إلى باب السلسلة فكان في هذا اليوم حرب بين الطائفتين لم يقع مثله في الستة أيام الماضية. فلما دخل القوم إلى الميدان ولت المنصورية الأدبار وقام السلطان الملك المنصور عثمان من مجلسه بمقعد الإسطبل السلطاني وطلع إلى القصر الأبلق من قلعة الجبل ومعه جماعة كبيرة من مماليك أبيه وغيرهم من الأمراء والخاصكية ودخل قاني باي الجاركسي إلى مبيت الحراقة من الإسطبل ودام الأمير تنم بالمقعد مستعزًا بخجداشيته المؤيدية وغيرهم. وتمزقت عساكر المنصور في الوقت كأنها لم تكن من غير أمر أوجب ذلك وتركوا باب السلسلة وفروا منه قبل أن يطلع إليه واحد من أصحاب الأتابك إينال ثم فعلوا ذلك أيضًا بقلعة الجبل وتركوها وأبوابها مفتحة ولم يقاتلوا بها ساعة واحدة وتمزقوا كل ممزق. وكان هذا بعكس ما كان منهم في السبعة أيام الماضية من شدة القتال وعظم الثبات وقوة البأس إلى أن كان من أمرهم ما كان في هذا اليوم وتركوا باب السلسلة والقلعة وانصرفوا في الحال على أقبح وجه. وكان يمكنهم أن يقاتلوا القوم بالميدان أيامًا فإن الميدان لا فرق بينه وبين الرميلة وليس بينه وبين باب السلسلة تعلق. وأيضًا ولو ملكت أصحاب الأمير الكبير باب السلسلة والإسطبل السلطاني كان يمكنهم القتال من القلعة أيامًا إذ ليس للقلعة تعلق بالإسطبل: وقد ملك المؤيد شيخ أيام إمرته الإسطبل من الأمير أرغون الأمير آخور نائب غيبة الملك الناصر فرج ودام به أيامًا ولم يقدر على أخذ القلعة ولا توصل إليها بوجه من الوجوه وكان مع الملك المؤيد أقوام هم هم وأيضًا لم يكن بالقلعة يوم ذاك بعض من كان بها الآن ووقع ذلك لخلائق من الملوك أنهم ملكوا باب السلسلة ولم يقدروا على أخذ القلعة. والمقصود من هذا الكلام أن ليس للقلعة علاقة بباب السلسلة إلا في الأمن والرخاء لا غير كل ذلك لما تقدم ذكره أنه ليس عندهم من يدبرأمورهم وإلا فكان يمكنهم أن يطلعوا إلى القلعة ويحصنوها ويقاتلوا بها أيامًا حتى تعمل مصالحهم وإذا سلموها يعطوها بالأمان والرضا هذا إذا لم يكن لهم نهضة للهروب والخروج من الديار المصرية وإلاختفاء في مكان من إلامكنة من القاهرة كما فعل غيرهم من الملوك السالفة. على أن أصحاب الأمير الكبير كان أخذ منهم التعب والجهد في هذا اليوم والذي قبله أمرًا كبيرًا وكل أكثرهم من القتال فلو امتنعت السلطانية بباب السلسلة يومًا أو يومين لطال أمرهم بعد ذلك ووقع لهم أمور ليس في ذكرها الآن فائدة. وكان أمر المماليك الظاهرية في مبدأ الأمر عجيبًا من شدة بأسهم أولًا وفي تهاونهم آخرًا وقد قيل في إلامثال: " على قدر الصعود يكون الهبوط ". ولما بلغ الأمير الكبير إينال طلوع الملك المنصور من الإسطبل السلطاني إلى القصر الأبلق ندب في الحال الأمير جرباش المحمدي الناصري المعروف بكرد إلى الطلوع إلى باب السلسلة وتسليم الإسطبل السلطاني. ولم يتحرك الأمير الكبير من مكانه ولا ظهر عليه فرح ولا كآبة فهذا أيضًا مما تعجبت منه. وطلع الأمير جرباش إلى باب السلسلة بعد أن استولى أصحاب الأمير الكبير عليها. وكان من خبر أخذهم لباب السلسلة أن الأمير تنم من عبد الرزاق المؤيدي أمير سلاح لما قام الملك المنصور وطلع إلى القصر وتشتت عساكره ثم دخل قاني باي الجاركسي مبيت الحراقة من الإسطبل قام تنم المذكور ومشى إلى المقعد الذي كان يجلس به الملك المنصور في أيام الوقعة وأشار إلى القوم بمنديل كان بيده كمن يطلب الأمان ثم ركب في الحال وفي زعمه أن الجماعة تتلقاه بالرحب والقبول لأياد كانت له وصحبة عند الأمير الكبير قديمًا وحديثًا وأيضًا أن غالب من كان من أصحاب الأمير الكبير هو خجداشه أو صاحبه فركب فرسه ونزل حتى وقف عند باب السلسلة أسفل الحدرة. وفتحت خوخة باب السلسلة ودخل القوم فحال ما وقع بصرهم عليه تناولته الألسن وإلايدي بالسب والضرب حتى أخذ وأنزل بغير تخفيفة على حالة غير مرضية ولولا أن بعض خجداشيته المؤيدية حماه لكان أمره ربما وصل إلى التلاف. وكذلك وقع للأمير كزل المعلم. وأما عبد الله كاشف الشرقية فإنه أخذ ورأسه مكشوفة وشيبته قد تضمخت بالدماء السائلة على وجهه من الضرب بالدبابيس والقوم تهجم عليه كرة بعد أخرى لهلاكه لولا قائل كفهم عنه وهو يقول: " لا تقتلوه يروح مال السلطان دعوه حتى يأخذ السلطان أمواله " ثم وقع ذلك بجماعة من الخاصكية يطول الشرح في ذكرهم من إلاخذ والسلب مما عليهم والآخراق بهم. وأما الأمير تنم فإنه لما أخذوه ودخلوا به إلى الأمير الكبير وعلى رأسه قبع أخضر من غير تخفيفة ومعه كزل المعلم وعبد الله الكاشف فأوقف بين يدي الأمير الكبير على بعد فكان أول ما تكلم به تنم أن قال: " بيني وبين الأمير الكبير عهود " أو معنى ذلك فقال الأمير الكبير: " أنت نقضت العهد " يعني بتركه وطلوعه إلى الملك المنصور. ثم أمر به وبرفقته فحبسوا بالقصر عند الأمير قراجا وغيره ثم نقلوا بعد ساعة إلى ركبخاناه الإسطبل السلطاني وأضيف إليهم قاني باي الجاركسي وغيره ممن يأتي ذكرهم عند توجههم إلى سجن الإسكندرية. ولما طلع الأمير جرباش إلى الإسطبل وملك باب السلسلة قام الأمير الكبير عند ذلك من مقعد بيت الأمير قوصون وركب فرسه وخرج منه في موكب عظيم إلى الغاية والخليفة عن يمينه وتنبك البردكي أمير مجلس عن يساره والعساكر بين يديه محدقة به وقد وقفت الخلائق دهليزًا لرؤيته حتى سار من بيت قوصون تجاه باب السلسلة إلى أن طلع إليها وجلس بالحراقة من باب السلسلة فحال جلوسه تفرقت العساكر في قبض أعيان الأمراء الظاهرية وغيرهم فقبضوا منهم على جماعة كثيرة يأتي ذكرهم بعد ذلك. ثم أخذ قاني باي الجاركسي من مبيت الحراقة وانزل به عند رفقته المقبوض عليهم وقيدوا الجميع بركبخاناه الإسطبل ولم ينج أحد من أمراء الظاهرية غير اسنباي الجمالي الدوادار الثاني فإنه فر من القلعة واختفى على ما سيأتي ذكره. ثم أمر السلطان في الوقت بإلافراج عن الأمير قراجا الظاهري وعن الأمير تغري بردي القلاوي وعن الأمير بردبك الأمير آخور الثالث ورسم لهم بلبس الكلفتاه من الغد وحضور الخدمة السلطانية. ثم رسم الأمير الكبير في الحال بقلع السلاح وقلع هو قبل الناس ما كان عليه وكان لبسه في تلك الأيام كلها قرقل مخمل أحمر بغير أكمام. وقلعت العساكر في الحال السلاح من عليهم وسكنت الفتنة كأنها لم تكن وبات الناس في أمن وسلامة. على أن القاهرة كانت في مدة هذه الأيام والقتال عمال في كل يوم في غاية الأمن والحوانيت مفتحة والناس في بيعهم وشرائهم وأكثرهم جالس بالدكاكين للفرجة على من يمر عليهم من العساكر الملبسة بل كان يتوجه منهم أيضًا جماعة كبيرة إلى الرميلة للفرجة على القتال كما كان يتوجه بعضهم للفرجة على المحمل وغيره. ولم تقفل أبواب القاهرة في هذه المدة ولا شوشت الزعر على أحد بل كان كل واحد يمضي إلى حال سبيله والقتال عمال بين الطائفتين لا يصيب من العامة إلا من توغل منهم بين المقاتلة فهذا أيضًا من الغرائب. على أننا لا نعلم وقعة كانت بمصر تطول هذه المدة ولا حوصرت قلعة الجبل سبعة أيام إلا في هذه الواقعة. وأما وقعة يشبك الشعباني ورفقته مع الملك الناصر المقدم ذكرها ليس هي كهذه الوقعة ومع هذا قفلت القاهرة في تلك الكائنة أيامًا ونهبت الزعر عدة أماكن فكانت هذه الوقعة بخلاف جميع الوقائع في هذا المعنى انتهى. وبات الأمير الكبير إينال بمبيت الحراقة من الإسطبل السلطاني حتى أصبح وتسلطن منه على ما يأتي ذكره مفصلًا في ترجمته عقيب هذه الترجدة. وزالت دولة الملك المنصور عثمان كأنها لم تكن فسبحان من لا يزول ملكه. وكانت ممة سلطنة الملك المنصور من يوم تسلطن بعد خلع أبيه حسبما تقدم ذكره إلى يوم خلعه الخليفة يوم الجمعة خامس شهر ربيع الأول شهرًا واحدًا وثلاثة عشريومًا وإلى يوم تسلطن الملك الأشرف إينال في صبيحة يوم الاثنين ثامن شهر ربيع الأول المذكور شهرًا وستة عشر يومًا. ولا نعلم أحدًا من ملوك مصر من إلاتراك كانت مدته في الملك أقصر من مدة الملك المنصور هذا مع عظم شوكته وثبات قدمه في الملك. فما شاء الله كان وما هذا إلا نوع من القصاص. وقد ورد في إلاسرائيليات: يقول الله سبحانه وتعالى: " يا داود أنا الرب الودود أعامل إلابناء بما فعلت الجدود ". وقد رأينا هذه المكافأة في واحد بعد واحد من يوم خلع الملك المنصور حاجي بالملك الظاهر برقوق من السلطنة إلى يومنا هذا والجميع يشربون هذا الكأس جمن يد أتابكتهم ويرد عليهم هذا الشراب بتدبير مماليك أبيهم وقد تقدم ذكر هذا المعنى في مواطن كثيرة وإلاضراب عن ذكر هذا أجمل. ولما طلع الملك المنصور من الإسطبل إلى القصر ودعه مماليك أبيه وفارقوه فلا قوة إلا بالله. وتوجه هو إلى الحريم السلطاني عند والدته وأقام عندها إلى أن طلبه منها الملك الأشرف إينال فخرجت معه إلى قاعة البحرة بالحوش السلطاني من قلعة الجبل فأقام الملك المنصور بالبحرة من يوم خلع هو ومن يخدمه مع والدته وأولاده والجميع في الترسيم إلى يوم الأحد ثامن عشرين شهر ربيع الأول فا خذ منها بجميع خدمه ووالدته وأولاده وأنزلوا الجميع في حراقة إلى ثغر الإسكندرية. وكانت هيئة نزول الملك المنصور من القلعة أنه أركب على فرس بوزبقيد من غير أن يركب أحد من إلاوجاقية خلفه كما هي عادة الملوك من الأمراء ومضوا به من باب القرافة في وقت القائلة وقد خرجوا الناس للفرجة عليه بخارج القاهرة وساروا به وحوله الخاصكية بالسيوف والرماح وجماعة كبيرة من أعيان الأمراء وقد ازدحم الناس بالكيمان للفرجة عليه حتى اجتاز بقرافة مصر القديمة إلى أن وصل إلى نيل مصر وأنزل في الحراقة وسافر من وقته في بحر النيل إلى الإسكندرية فسجن بها. وهذا أيضًا من الغرائب من أن ملك مصر يخلع ويتوجه مقيدًا إلى الإسكندرية نهارًا ولم يقع ذلك لغيره في السنين الخالية. وكان مسفره خيربك الأشقر المؤيدي الأمير آخور الثاني. واستمر الملك المنصور مسجونًا بثغر الإسكندرية وعنده والدته وجواريه وأولاده إلى ما يأتي ذكره أحسن الله عاقبته بمحمد وآله. سلطنة الأشرف إينال العلائي السلطان الملك الأشرف سيف الدين أبو النصر إينال بن عبد الله العلائي الظاهري ثم الناصري. ملك الديار المصرية بعد انهزام الملك المنصور عثمان في يوم الأحد سابع شهر ربيع الأول من سنة سبع وخمسين وثمانمائة وطلع إلى باب السلسلة وبات بمبيت الحراقة حسبما ذكرنا إلى أن تسلطن من الغد. وقد ذكرنا طلوعه وما وقع له في حرب الملك المنصور في ترجمته مفصلًا ويأتي ذكرسلطنته أيضًا في أول ترجمته كما هي عادة هذا الكتاب. والملك الأشرف هذا هو السلطان السادس والثلاثون من ملوك الترك وأولادهم بالديار المصرية والثاني عشر من ملوك الجراكسة وأولادهم بها. ولما كان صبيحة يوم الاثنين ثامن شهر ربيع الأول من سنة سبع وخمسين المذكورة طلع أعيان الدولة والعساكر إلى الإسطبل السلطاني بقماش الموكب وانضموا الجميع بالحراقة من باب السلسلة وقد حضر الخليفة والقضاة الأربعة وسائر أمراء الدولة وبويع الأمير الكبير إينال بالسلطنة ولقب بالملك الأشرف ولبس خلعة السلطنة من مبيت الحراقة بالإسطبل السلطاني في أول ساعة من النهار المذكور بعد طلوع الشمس بنحو ست درجات في ساعة القمر والطالع الحمل. وكان بويع بالسلطنة حسبما تقدم ذكره في بيت قوصون قبل أن يملك قلعة الجبل في يوم الأربعاء ثالثة ثم في يوم الجمعة حسبما ذكرنا ذلك في وقته ثم في يوم السبت سادسه ثم في عصر أمسه بعد طلوعه إلى باب السلسلة والعهدة في سلطنته من وقت لبسه الخلعة السوداء الخليفتية وركوبه بشعار الملك. ولما تم لبسه خلعة السلطنة من المبيت المذكور خرج منه ومشى حتى ركب فرس النوبة بأبهة السلطنة وشعار الملك وحمل ولده المقام الشهابي أحمد القبة والطير على رأسه حتى طلع إلى القصر السلطاني والأمراء والعساكر مشاة بين يديه ما خلا الخليفة. وسار على تلك الهيئة إلى أن وصل إلى باب القصر فنزل عن فرسه ودخل القصر الكبير وجلس بإيوانه على تخت الملك وقبلت الأمراء الأرض بين يديه وخلع على الخليفة القائم بأمر الله فوقانيًا كمخًا حريرًا بوجهين أخضر وأبيض بطرز يلبغاوي زركش وقدم له فرسًا بسرج ذهب وكنبوش زركش. وتم جلوسه بالقصر السلطاني إلى يوم الجمعة على ما سنذكره بعد ذكر نسبه فنقول: أصله جاركسي الجنس أخذ من بلاده فاشتراه خواجا علاء الدين علي وقدم به إلى القاهرة هو وأخيه طوخ وطوخ كان إلاكبر وكان اسم إينال غير إينال فاستقر إينال فاشتراهما الملك الظاهر برقوق أعني إينال وطوخ من الخواجا علاء الدين المذكور في حدود سنة تسع وتسعين وسبعمائة تخمينًا فأعتق الظاهر أخاه طوخ المذكور ودام إينال هذا كتابيًا بطبقة الزمام إلى أن ملكه الملك الناصر فرج بن برقوق وأعتقه وأخرج له خيلًا على العادة. واستمر من جملة المماليك السلطانية إلى أن صار في آخر الدولة الناصرية خاصكيًا فدام على ذلك إلى أن أنعم عليه الأمير الكبير ططر في الدولة المظفرية بإمرة عشرة من أوائل سنة أربع وعشرين. ثم نقل إلى إمرة طبلخاناه في أوائل دولة الأشرف برسباي في سنة خمس وعشرين وثمانمائة. ثم صار بعد انتقال قاني باي الأبوبكري البهلوان إلى تقدمة ألف ثاني رأس نوبة النوب. ثم نقل إلى نيابة غزة بعد عزل الأمير تمراز القرمشي وقدومه إلى الديار المصرية وذلك في يوم الثلاثاء ثامن عشرين شوال سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة فباشر نيابة غزة إلى أن سافر صحبة الملك الأشرف برسباي إلى آمد في سنة ست وثلاثين وثمانمائة. ولما عاد الأشرف من آمد ونزل بمدينة الرها وقد استولى عليها وهي خراب طلبه الملك الأشرف ليستقر في نيابة الرها فامتنع ورمى بسيفه وأغلظ للأشرف في الكلام فاستشاط الأشرف غضبًا ولم يسعه إلا أن طلب مملوكه قراجا شاد الشراب خاناه وخلع عليه بنيابة الرها وقال: " أنا ما يمتثل أوامري إلا مماليكي ". وانفض الموكب وذهب إينال هذا إلى مخيمه فندم على ما وقع منه وخوف عواقب ذلك فأذعن. وطلبه السلطان في عصر النهار المذكور وخلع عليه أطلسين متمرًا ووعده بأن يمده بالسلاح والعليق وغير ذلك وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية زيادة على نيابة الرها عوضًا عن جانبك الحمزاوي المستقر في نيابة غزة عوضه. وخرج إينال وهو متغير اللون رأيته لما سلمت عليه ودام في نيابة الرها إلى أن عزله الأشرف عنها بالأمير شاد بك الجكمي ثاني رأس نوبة في يوم الثلاثاء سابع عشرين شوال سنة سبع وثلاثين واستقدمه إلى القاهرة على إمرة مائة وتقدمة ألف وهو إلاقطاع الذي كان بيده زيادة على نيابة الرها. ودام بمصر إلى أن خلع عليه الأشرف في يوم الخميس عاشر رجب سنة أربعين وثمانمائة بنيابة صفد بعد عزل الأمير يونس الركني الأرغوني إلاعور عنها. فاستمر في صفد إلى أن طلبه الملك الظاهر جقمق في سنة ثلاث وأربعين وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية في صفر السنة المذكورة وولى صفد عوضه قاني باي البهلوان أتابك دمشق. وكان قدوم إينال هذا إلى القاهرة في يوم السبت ثالث عشر صفر فدام بالقاهرة من جملة أمراء الألوف إلى أن نقله الملك الظاهر جقمق إلى الدوادارية الكبرى بعد موت تغري بردي البكلمشي المؤذي في يوم الخميس ثالث عشر جمادى الآخرة سنة ست وأربعين فبلشر الدوادارية إلى أن نقله الظاهر إلى أتابكية العساكر بالديار المصرية دفعة واحدة بعد موت الأتابك يشبك السودوني المشد في سنة تسع وأربعين وثمانمائة فدام أتابكًا إلى أن مات الظاهر جقمق وملك بعده ابنه المنصور عثمان ووقع ما حكيناه من الفتنة بينه وبين المنصور حتى خلع المنصور وتسلطن حسبما ذكرناه في أول هذه الترجدة انتهى ذكر نسبه. ولنعد لما كنا فيه من جلوسه بعد قلعه خلعة السلطنة بالقصرفنقول: ولما تم جلوسه بالقصر طلب خجداشه يونس العلائي الناصري نائب قلعة الجبل وخلع عليه باستقراره في نيابة الإسكندرية بعد عزل يشبك قرا وحبسه وأمر السلطان الأمير قاني باي إلاعمش الناصري أحد أمراء العشرات ورأس نوبة أن يجلس مكان يونس المذكور. ثم أصبح السلطان الملك الأشرف إينال هذا في يوم الثلاثاء تاسع ربيع الأول خلع على جماعة كبيرة بعدة وظائف: فخلع على ولده المقام الشهابي أحمد باستقراره أتابك العساكر عوضًا عن نفسه. وعلى الأمير تنبك البردبكي الظاهري أمير مجلس بإمرة سلاح عوضًا عن الأمير تنم من عبد الرزاق المؤيدي بحكم القبض عليه وسجنه. وخلع على الأمير طوخ من تمراز الناصري غليظ الرقبة بإمرة مجلس عوضًا عن تنبك المذكور. وخلع على الأمير خشقدم الناصري المؤيدي حاجب الحجاب باستمراره على وظيفته. وخلع على الأمير جرباش المحمدي الناصري المعروف بكرد باستقراره أمير آخور كبيرًا عوضًا عن قاني باي الجاركسي بحكم القبض عليه. وخلع على الأمير يونس إلاقبائي دوادارًا كبيرًا عوضًا عن تمربغا الظاهري بحكم القبض عليه لكن يونس هذا ولي الدوادارية على تقدمة وكان تمربغا وليها على إمرة طبلخاناه. وخلع على الأمير قرقماس الأشرفي الجلب باستقراره رأس نوبة النوب عوضًا عن الأمير أسنبغا الطياري بحكم وفاته. وخلع على الأمير جانبك الظاهري نائب جدة خلعة إلاستمرار على وظيفته الأستادارية الكبرى. ثم أمر السلطان في يوم الأربعاء عاشره بالمناداة في المماليك السلطانية بأن النفقة في يوم الاثنين. ثم في يوم الأربعاء هذا حملت الأمراء المسجونون من القلعة على البغال إلى بحر النيل وسفروا من وقتهم إلى الإسكندرية وهم: الأمير تنم المؤيدي أمير سلاح المقدم ذكره وقاني باي الجاركسي الأمير آخور الكبير والأمير تمربغا الدوادار والأمير لاجين شاد الشراب خاناه وأزبك الساقي الخازندار وسنقر العايق الأمير آخور الثاني وجانم الساقي الظاهري وسودون إلاقزم الظاهري وجانبك الظاهري البواب وهما ممن تأمر في الدولة المنصورية والجميع ظاهرية ما عدا تنم وقاني باي. وفي يوم الأربعاء هذا اشيع كلام بسبب تولية السلطان ولده أحمد أتابكًا عوضه وأن ذلك بخلاف العادة فخارت طباع الأشرف من غير أمر يوجب ذلك وأصبح من الغد في يوم الخميس خلع على الأمير تنبك البردبكي الذي كان استقر في إمرة سلاح باستقراره أتابك العساكر عوضًا عن ولده الشهابي أحمد وأنعم على ولده المذكور بإمرة مائة وتقدمة ألف على عادة أولاد السلاطين وجعله يجلس رأس الميسرة. قلت: وهذا أول وهن وقع في دولة الأشرف إينال من كونه يولي ولده أتابكًا في إلامس ثم يعزله في الغد من غير أمر يقتضي ذلك ولو صمم على بقاء ولاية ولده لتم له ذلك ولم ينتطح في ذلك عنزان. ثم خلع على الأمير خشقدم الناصري حاجب الحجاب باستقراره أمير سلاح عوضًا عن تنبك المذكور. وخلع على قراجا الخازندار الظاهري باستقراره حاجب حجاب عوضًا عن خشقدم المؤيدي المذكور. ثم استقر الأمير تمراز الإينالي الأشرفي دوادارًا ثانيًا عوضًا عن أسنباي الجمالي بحكم تسحبه وأنعم عليه بإمرة عشرين. ثم استقر جانبك من قجمادى الأشرفي شاد الشراب خاناه عوضًا عن لاجين بحكم حبسه. واستقر خيربك الأشقر المؤيدي أمير آخور ثانيًا عوضًا عن سنقر العائق بحكم سجنه. وأنعم على خيربك المذكور بإمرة عشرين وكانت العادة إمرة طبلخاناه. واستقر قاني باي إلاعمش الناصري نائب قلعة الجبل عوضًا عن يونس العلائي نائب الإسكندرية كما تقدم مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية عوضًا عن الأمير أسنبغا الطياري بعد وفاته. واستقر يشبك الناصري رأس نوبة ثانيًا عوضًا عن جانبك القرماني المذكور. ثم أنعم على الأمير أرنبغا اليونسي الناصري بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية عوضًا عن قاني باي الجاركسي بحكم القبض عليه وحبسه. وأنعم على برسباي البجاسي المعزول عن نيابة الإسكندرية بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية عوضًا عن الأمير طوخ أمير مجلس بحكم انتقال طوخ إلى تقدمة أخرى أكثر خراجًا منها وهو إقطاع تنبك المنتقل إلى الأتابكية. ثم أنعم السلطان على جماعة كثيرة بإمرة طبلخانات وعشرات باستحقاق وبغير استحقاق كما هي عوائد أوائل الدول يطول الشرح في تسميتهم. ثم خلع السلطان على جماعة كبيرة بعدة وظائف منهم: البدري حسن بن الطولوني باستقراره معلم المعمارية وأميرزة بن حسن الدوكاري التركماني بكشف الوجه القبلي على عادته وعلى جماعة أخر. ثم في يوم السبت ثالث عشر ربيع الأول المذكور استقر الأمير جانبك من أمير الأشرفي الظريف أمير طبلخاناه خازندارًا كبيرًا عوضًا عن الأمير أزبك من ططخ الظاهري بحكم سجنه بالإسكندرية. واستقر بردبك دوادار السلطان قديمًا وزوج ابنته دوادارًا ثالثًا بإمرة عشرة وهذا شيء لم نعهده كون الدوادار الثالث يكون أمير عشرة وما عادته إلا خاصكيًا. وكان حق بردبك هذا الدوادارية الثانية لكونه مملوك السلطان ودواداره وزوج ابنته غير أن السلطان لما رأى أن تمراز الأشرفي غرضه في الدوادارية الثانية لم يسعه إلا الآنعام عليه بها لعظم شوكة الأشرفية يومئذ. ثم استقر يشبك الأشقر الخاصكي أستادار الصحبة بعد عزل سنقر الظاهري عنها من غير إمرة. ثم في يوم الاثنين خامس عشر ربيع الأول ابتدأ السلطان بالنفقة على المماليك السلطانية على أقسام متعددة نفقة كاملة وهي مائة دينار لكل مملوك ونصف نفقة وربع نفقة وعشرة دنانير وهذا لم يقع قبل في الدولة التركية. ولام السلطان بعض أعيان الأمراء على ذلك فقال: " هذا الذي كان رتبه تمربغا للتفرقة في الدولة المنصورية " فكلم ثانيًا فاعتذر بقلة المتحصل في الخزانة السلطانية. قلت: " والعذر الثالث أن كلمة الشح مطاعة ". قلت: " والذي فرق في المماليك السلطانية إنما هو الذي جمعه الملك المنصور عثمان من السلف والمصادرات في أيام سلطنته وإلا فما ترك والده الملك الظاهر جقمق في الخزانة شيئًا يذكر لكرم نفسه وكثرة عطاياه رحمه الله تعالى ".
|