الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر في كتابه الروضة البهية الزاهرة في الخطط المعزية القاهرة قال: اختط جوهر القصر وحفر أساسه في أول ليلة نزوله القاهرة وأدخل فيه دير العظام وهو المكان المعروف الآن بالركن المخلق قبالة حوض جامع الأقمر قريب من بئر العظام والمصريون يسمونها بئر العظمة ويزعمون أن طاسة وقعت من شخص في بئر زمزم وعليها اسمه فطلعت من هذه البئر. ونقل جوهر القائد العظام التي كانت في الدير المذكور والرمم إلى دير في الخندق فدفنها لأنه يقال: إنها عظام جماعة من الحواريين وبنى مكانها مسجدًا من داخل السور وأدخل أيضًا قصر الشوك في القصر المذكور وكان منزلًا تنزله بنو عذرة وجعل للقصر أبوابًا: أحدها باب العيد وإليه تنسب رحبة باب العيد وإلى جانبه باب يعرف بباب الزمرد وباب آخر قبالة دار الحديث يعني المدرسة الكاملية وباب آخر قبالة القطبية وهي البيمارستان الآن يعرف الباب المذكور بباب الذهب وباب الزهومة وباب آخر من ناحية قصر الشوك وباب آخر من عند مشهد الحسين ويعرف بباب التربة وباب آخر يعرف بباب الديلم وهو باب مشهد الحسين الآن قبالة دار الفطرة. قال: وأما أبواب القاهرة التي استقر عليها الحال الآن فيأتي ذكرها. قال أي ابن عبد الظاهر: وإن حد القاهرة من مصر من السبع سقايات إلى تلك الناحية عرضًا. قال: ولما نزل جوهر القائد اخطت كل قبيلة خطة عرفت بها فزويلة بنت البابين المعروفين ببابي زويلة وهما البابان اللذان عند مسجد ابن البناء وعند الحجارين وهما بابا القاهرة. ومسجد ابن البناء المذكور بناه الحاكم. وذكر ابن القفطي أن المعز لما وصل مصر دخل إلى القاهرة من الباب الأيمن فالناس إلى اليوم يزدحمون فيه وقليل من يدخل من الباب الأيسر لأنه أشيع في الناس أن من دخله لم تقض له حاجة وهو الذي عند دكاكين الحجارين والذي يتوصل منه إلى المحمودية. قلت: وقد دثر رسوم هذا الباب الثاني المذكور وهو كان يمر منه الآن من باب سر الجامع المؤيدي إلى الأنماطيين. قال: والباب الآخر من أبواب القاهرة القوس الذي هو قريب من باب النصر الذي يخرج منه إلى الرحبة وهو عند باب سعيد السعداء ودكاكين العطارين الآن. وباب آخر يعرف بالقوس أيضًا وهو الذي يخرج منه إلى السوق الذي هو قريب من حارة بهاء الدين قراقوش على يسرة باب الجامع الحاكمي من ناحية الحوض وتعرف قديمًا بالريحانية. وكل هذه الأبواب والسور كانت باللبن. وأما باب زويلة الآن وباب النصر وباب الفتوح فبناها الوزير الأفضل بن أمير الجويش وكتب على باب زويلة تاريخه واسمه وذلك في سنة ثمانين وأربعمائة. وقالت المهندسون: إن في باب زويلة عيبًا لكونه ليست له باشورة قدامه ولا خلفه على عادة الأبواب. وأما باب القنطرة فبناه القائد جوهر المذكور. وأما السور الحجر الذي على القاهرة ومصر والأبواب التي به فبناها الطواشي بهاء الدين قراقوش الرومي في أيام أستاذه السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب في سنة سبعين وخمسمائة فبنى فيه قلعة المقس وهو البرج الكبير الذي كان على النيل. قلت: وقد نسف هذا البرج من تلك الأماكن في سنة سبعين وستمائة. يأتي ذكر ذلك في ترجمة الملك المنصور قلاوون إن شاء الله تعالى من هذا الكتاب. قال: وبنى باب الجامع والقلعة التي بالجبل والبرج الذي بمصر قريبًا من باب القنطرة المسمى بقلعة يازكوج وجعل السور طائفًا بمصر والقاهرة ولم يتم بناؤه إلى الآن وأعانه على عمله وحفر البئر التي بقلعة الجبل أسارى الفرنج وكانوا ألوفًا. وهذه البئر من عجائب الأبنية تدور البقر من أعلاها وتنقل الماء من نقالة في وسطها وتدور أبقار في وسطها تنقل الماء من أسفلها ولها طريق إلى الماء تنزل البقر إلى معينها في مجازة وجميع ذلك حجر منحوت ليس فيه بناء وقيل: إن أرض هذه البئر مسامتة لأرض بركة الفيل وماؤها عذب. سمعت من يحكي عن المشايخ أنها لما حفرت جاء ماؤها حلوًا فأراد قراقوش الزيادة في مائها فوسعها فخرجت منها عين مالحة غيرت حلاوتها. وطول هذا السور الذي بناه قراقوش على القاهرة ومصر والقلعة بما فيه من ساحل البحر تسعة وعشرون ألف ذراع وثلاثمائة ذراع وذراعان بذراع العمل وهو الذراع الهاشمي من ذلك ما بين قلعة المقسم على شاطىء النيل والبرج بالكوم الأحمر بساحل مصر عشرة آلاف وخمسمائة ذراع. ومن قلعة المقسم إلى حائط القلعة بالجبل بمسجد سعد الدولة ثمانية آلاف وثلاثمائة واثنتان وتسعون ذراعًا. ومن جانب حائط القلعة من جانب مسجد سعد الدولة إلى البرج بالكوم الأحمر سبعة آلاف ومائتا ذراع. ودائر القلعة بالجبل بمسجد سعد الدولة ثلاثة آلاف ومائتان وعشر أذرع وذلك طول قوسه في ابتدائه وأبراجه من النيل إلى النيل على التحقيق والتعديل. انتهى كلام ابن عبد الظاهر. على أنه لم يسلم من الاعتراض عليه في كثير مما نقله وأيضًا مما سكت عنه. وقال غيره: دخل جوهر القائد مصر بعسكر عظيم ومعه ألف حمل مال ومن السلاح والعدد والخيل ما لا يوصف. فلفا انتظم حاله وملك مصر ضاقت بالجند والرعية واختط سور القاهرة وبنى بها القصور وسماها المنصورية وذلك في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة. فلما قدم المعز العبيدي من القيروان غير اسمها وسماها القاهرة. والسبب في ذلك أن جوهرًا لما قصد إقامة السور وبناء القاهرة جمع المنجمين وأمرهم أن يختاروا طالعًا لحفر الأساس وطالعًا لرمي حجارته فجعلوا بدائر السور قوائم من خشب وبين القائمة والقائمة حبل فيه أجراس وأفهموا البنائين ساعه تحريك الأجراس أن يرموا ما في أيديهم من اللبن والحجارة ووقف المنجمون لتحرير هذه الساعة وأخذ الطالع فاتفق وقوف غراب على خشبة من تلك الخشب فتحركت الأجراس وظن الموكلون بالبناء أن المنجمين حركوها فألقوا ما بأيديهم من الطين والحجارة في الأساس فصاح المنجمون: لا لا القاهر في الطالع! ومضى ذلك وفاتهم ما قصدوه. وكان غرض جوهر أن يختاروا للبناء طالعًا لا يخرج البلد عن نسلهم أبدًا فوقع أن المريخ كان في الطالع وهو يسمى عند المنجمين القاهر فحكموا لذلك أن القاهرة لا تزال تحت حكم الأتراك وأنهم لا بد أن يملكوا هذه البلد. فلما قدم المعز إليها وأخبر بهذه القصة وكان له خبرة بالنجامة وافقهم على ذلك وأن الترك تكون لهم الغلبة على هذا البلد فغير اسمها وسماها القاهرة. وقيل فيها وجه آخر وهو أن بقصور القاهرة قبة تسمى القاهرة فسميت على أسمها. والقول الأول هو المتواتر بين الناس والأقوى. وقيل غير ذلك. ثم بنيت حارات القاهرة من يومئذ فعمر فيها: حارة الروم: وهما حارتان حارة الروم الآن المشهورة وحارة الروم الجوانية وهي التي بقرب باب النصر على يسار الداخل إلى القاهرة ثم استثقل الناس قول حارة الروم الجوانية فحذفوا صدر الكلمة وقالوا الجوانية والوراقون يكتبون حارة الروم السفلى وحارة الروم العليا المعروفة بالجوانية. وقال القاضي زين الدين: إن الجوانية منسوبة للأشراف الجوانيين منهم الشريف النسابة الجواني. وحارة الديلم هي منسوبة إلى الديلم الواصلين صحبة أفتكين المعزي غلام معز الدولة بن بويه حين قدم إلى القاهرة أولاد مولاه معز الدولة. وفندق مسرور منسوب لمسرور خادم من خدام القصر في الدولة العبيدية. وخليج القاهرة حفره أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويعرف بخليج أمير المؤمنين وكان حفره عام الرمادة وهي سنة ست عشرة من الهجرة فساقه إلى بحر القلزم فلم يأت عليه الحول حتى جرت فيه السفن وحمل فيها الزاد والأقوات إلى مكة والمدينة وانتفع بذلك أهل الحجاز. وقال الكندي: كان حفره في سنة ثلاث وعشرين وفرغ منه في ستة أشهر وجرت فيه السفن ووصلت إلى الحجاز في الشهر السابع ثم بنى عليه عبد العزيز بن مروان قنطرة وكتب عليها أسمه وقام ببنائها سعيد أبو عثمان ذكره القضاعي صاحب الخطط. قال: ثم دثرت ثم أعيدت ثم عمرت في أيام العزيز بالله وليس لها أثر في هذا الزمان. وإنما بنى السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب قنطرة السد الآن التي عليها بستان الخشاب. وكان يخرج الماء من البحر بالمقس من البرانج فوسعه الملك الكامل محمد ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب وجعله خليجًا وهو خليج الذكر. وأول من رتب حفر الخليج على الناس الوزير المأمون بن البطائحي صاحب الجامع الأقمر بالقاهرة وكذلك جعل على أصحاب البساتين وجعل عليه واليًا بمفرده وهو أول من رتب السقائين عند معونة المأمون هذا وكذلك القرابة والفعلة. الحسينية هي منسوبة لجماعة الأشراف الحسينيين كانوا في أيام الملك الكامل محمد بن العادل قدموا من الحجاز فنزلوا بها واستوطنوها وبنوا بها المدابغ وصنعوا فيها الأديم المشبه بالطائفي ثم سكنها الأجناد بعد ذلك وكانت برسم الريحانية الغزاوية والمولدة والعجمان وعبيد الشراء وكانت ثماني حارات: حارة حامد والمنشية الكبرى والمنشية الصغرى والحارة الكبيرة والحارة الوسطى كانت هي لعبيد الشراء والوزيرية كانت كلها سكن الأرمن فارسهم وراجلهم. بناه الخادم الأستاذ الخصي بهاء الدين قراقوش الذي بنى السور وأرصده لأبناء السبيل. اللؤلؤة عند باب القنطرة بناها الظاهر لإعزاز دين الله الخليفة العبيدي وكانت نزهة الخلفاء الفاطميين وبها كانت قصورهم. ويأتي ذكر شيء من ذلك في تراجمهم إن شاء الله تعالى. حارة الباطلية كان المعز لدين الله العبيدي لما قسم العطاء في الناس جاءت إليه طائفة فسألت العطاء فقيل: فرغ المال فقالوا: رحنا نحن في الباطل فسموا الباطلية فعرفت الحارة بهم. حارة كتامة هي قبيلة معروفة عرفت بهم. البرقية هذه الحارة نزل فيها جماعة من أهل برقة واستوطنوها فعرفت بهم. وكانوا جماعة كبيرة حضروا صحبة المعز لدين الله لما قدم من بلاد المغرب. خزانة البنود دار القطبية هي دار ست الملك بنت العزيز لدين الله نزار وأخت الحاكم بأمر الله منصور. يأتي ذكرها في ترجمة أخيها الحاكم. وسكن هذه الدار في دولة الأيوبية مؤنسة ثم الأمير فخر الدين جهاركس صاحب القيسارية بالقاهرة ثم سكنها الملك الأفضل قطب الدين واستمرت ذريته بها حتى أخرجهم الملك المنصور قلاوون منها وبناها بيمارستانه المعروف في القاهرة بين القصرين. ولسكن قطب الدين الأفضل هذا سميت القطبية والأفضل المذكور من بني أيوب. حارة الخرنشف كانت قديمًا ميدانًا للخلفاء فلما تسلطن المعز أيبك التركماني بنوا به إصطبلات وكذلك القصر الغربي وكانت النساء اللاتي أخرجن منه سكن بالقصر النافعي فامتدت الأيدي إلى طوبه وأخشابه وحجارته فتلاشى حاله وتهدم وتشعث فسمي بالخرنشف لهذا المقتضى وإلا فكان هذا الميدان من محاسن الدنيا. حارة الكافوري هذه الحارة كانت بستانًا للأستاذ الملك كافور الإخشيذي صاحب مصر ثم من بعده صار للخلفاء المصريين ثم هدم البستان في الدولة المعزية أيبك لما خرب الميدان والقصور وبني أيضًا إصطبلات ودورًا ومساكن. حارة برجوان منسوبة إلى الخادم برجوان. كان برجوان من جملة خدام القصر في أيام العزيز بالله نزار العبيدي الفاطمي ثم كان برجوان هذا مدبر مملكة الحاكم بأمر الله. حارة بهاء الدين منسوبة إلى الأستاذ بهاء الدين قراقوش الصلاحي الخادم الخصي الذي بنى السور وقلعة الجبل. وقد تقدم ذكر ذلك كله. قيسارية أمير الجيوش المعروفة الآن بسوق مرجوش. وأولها من باب حارة بهاء الدين قراقوش إلى قريب من الجامع الحاكمي بناها أمير الجيوش الأفضل شاهنشاه بن بدر الجمالي الذي كان إليه تدبير الملك والوزارة في دولة الخليفة المستنصر معد العبيدي. وذكر ابن أبي منصور في كتابه المسمى أساس السياسة أنه كان في موضعها دار تعرف بدار القباني ودور قوم يعرفون ببني هريسة. وهو خادم عرف به. وهو خلف إصطبل الطارمة. الرميلة تحت قلعة الجبل كانت ميدان أحمد بن طولون وبها كانت قصوره وبساتينه. درب ملوخية هو منسوب لأمير اسمه ملوخية كان صاحب ركاب الخليفة الحاكم بأمر الله العبيدي وكان يعرف أيضًا بملوخية الفراش. العطوف: منسوبة إلى الخادم عطوف أحد خدام القصر في دولة الفاطمية. وكان أصله من خدام أم ست الملك بنت العزيز بالله أخت الحاكم المقدم ذكرها. رحبة باب العيد كان الخليفة لا يركب يوم العيد إلا من باب القصر الذي من هذه الناحية خاصة. ويأتي ذكر ذلك كله في ترجمة المعز لدين الله العبيدي. خانقاه السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب: وهي دار سعيد السعداء خادم الخليفة المستنصر معد العبيدي أحد خلفاء مصر ثم صارت في آخر الوقت سكن الوزير طلائع بن رزيك وولده رزيك بن طلائع. وكان طلائع يلقب في أيام وزارته بالملك الصالح وهو صاحب جامع الصالح خارج بأبي زويلة. ولما سكنها طلائع المذكور فتح لها من دار الوزارة أعني التي هي الآن خانقاه بيبرس الجاشنكير سردابًا تحت الأرض وجمع بين دار سعيد السعداء ودار الوزارة في السكن لكثرة حشمه وصار يمشي في السرداب من الدار الواحدة إلى الأخرى. الحجر وهي قريبة من باب النصر قديمًا على يمين الخارج من القاهرة وكان يأوي فيها جماعة من الشباب يسمون صبيان الحجر يكونون في جهات متعددة. الوزيرية منسوبة إلى الوزير أبي الفرج يعقوب بن كلس وزير العزيز بالله نزار العبيدي وكان الوزير هذا يهودي الأصل ثم إنه أسلم وتنقل في الخدم إلى أن ولي الوزارة. الجودرية منسوبة إلى جماعة يعرفون بالجودرية اختطوها وكانوا أربعمائة رجل. منسوبون إلى جودر خادم المهدي. سوق السراجين استجد في أيام المعز أيبك التركماني سنة ثلاث وخمسين وستمائة. سقيفة العداسين هي الآن معروفة بالأساكفة وبالبندقانيين وكانت تلك الناحية كلها تعرف بسقيفة العداسين. حارة الأمراء هي درب شمس الدولة. العدوية هي من أول باب الخشيبة إلى أول حارة زويلة. درب الصقالبة هو درب من جملة حارة زويلة. حارة زويلة باب الزهومة كان بابًا من أبواب القصر أعني قصر القاهرة. الصاغة بالقاهرة كانت مطبخًا للقصر يخرج إليه من باب الزهومة. درب السلسلة: هو الملاصق للسيوفيين. دار الضرب: بنيت في أيام الوزير المأمون بن البطائحي المقدم ذكره وهي بالقشاشين قبالة البيمارستان المنصوري. الصالحية: هي منسوبة للوزير الملك الصالح طلائع بن رزيك المقدم ذكره لأن غلمانه أعني مماليكه كانوا ينزلون بها. المقس: قال القضاعي: كانت ضيعة تعرف بأم دنين وإنما سميت المقس لأن العشار وهو المكاس كان فيها يستخرج الأموال فقيل له المكس ثم قيل المقس. المسجد المعلق: كان هناك مساجد ثلاثة معلقة بناها الحاكم بأمر الله في أيام خلافته. وأما هذه المباني التي هي الآن خارج القاهرة فكلها تجددت في الدولة التركية ومعظمها في دولة الملك الناصر محمد بن قلاوون ومن بعده من سد مصر إلى باب زويلة طولًا وعرضًا. يأتي ذكر ذلك كله إن شاء الله تعالى في تراجم من جدد الكورة والقناطر والجوامع والمدارس وغيرهم من السلاطين والملوك كل واحد على حدته بحسب ما يقتضيه الحال. ترجمة القائد جوهر وما يتعلق به من بنيان القاهرة وغيرها قد تقدم الكلام أن جوهرًا القائد هذا غير خصي وولده القائد الحسين بن جوهر كان من كبار قواد الحاكم بأمر الله وجوهر هذا هو صاحب الجامع الأزهر. وقد تقدم ذكر ذلك كله غير أننا ذكرناه هنا ثانيًا تنبيهًا لمن نظر في ترجمة جوهر القائد المذكور لئلا يلتبس عليه بشيء آخر. السنة الأولى من ولاية جوهر وهي سنة تسع وخمسين وثلاثمائة. فيها أقامت الرافضة المأتم على الحسين بن علي ببغداد في يوم عاشوراء على عادتهم وفعلهم القبيح في كل سنة. وفيها ورد الخبر في المحرم بأن تقفور ملك الروم خرج بالروم إلى جهة أنطاكية ونازلها وأحاط بها وقاتل أهلها حتى ملكها بالأمان ثم أخرج أهلها منها وأطلق العجائز والشيوخ والأطفال وقال لهم: امضوا حيث شئتم ثم أخذ الشباب والصبيان والغلمان سبيًا فكانوا أكثر من عشرين ألفًا. وكان تقفور المذكور قد طغى وتجبر وقهر العباد وملك البلاد وعظمت هيبته في قلوب الناس واشتغل عنه الملوك بأضدادهم فاستفحل أمر تقفور بذلك. ثم تزوج تقفور المذكور بامرأة الملك الذي كان قبله على كره منها وكان لها ولدان فأراد تقفور أن يخصيهما ويهديهما للبيعة ليستريح منهما لئلا يملكا الروم في أيامه أو بعده فعلمت زوجته أمهما بذلك فأرسلت إلى الدمستق ليأتي إليها في زي النساء ومعه جماعة في زي النساء فجاؤوا وباتوا عندها ليلة الميلاد فوثبوا عليه وقتلوه وأجلس في الملك بعده ولدها الأكبر وتم لها ما أرادت. ولله الحمد على موت هذا الطاغية. وفيها في ذي الحجة انقض بالعراق كوكب عظيم أضاءت منه الدنيا حتى صار كأنه شعاع وفيها حج بالناس من العراق الشريف النقيب أبو أحمد الموسوي والد الرضي والمرتضى والثلاثة رافضة وهم محط رحال الشيعة في زمانهم. وفيها توفي الأمير صالح بن عمير العقيلي أمير دمشق ولي إمرة دمشق خلافة عن الحسن بن عبيد الله بن طغج ابن أخي الإخشيذ في دولة أحمد بن علي بن الإخشيذ في سنة سبع وخمسين وثلاثمائة ووقع له في ولايته على دمشق أمور وحروب. ولما انهزم الأستاذ فاتك الكافور من القرمطي وغلب القرمطي على الشام خرج منها صالح هذا وغاب عنها مدة أيام ثم عاد إليها بعد خروج القرمطي منها ودام بها وأصلح أمورها فلم تطل مدته ومات بعد مدة يسيرة. وكان شجاعًا جوادًا مقدامًا. وهو آخر من ولي دمشق من قبل الإخشيذ محمد وبنيه. وفيها توفي الأمير أبو شجاع فاتك الإخشيذي الخازن ولي إمرة دمشق أيضًا قبل تاريخه من قبل أنوجور الإخشيذي وكان شجاعًا مقدامًا جوادًا وولي عدة بلاد وطالت أيامه في السعد. وهو غير فاتك المجنون الذي مدحه المتنبي ورثاه لأن فاتكًا المذكور كان بمصر في دولة خشداشه كافور الإخشيذي ووفاة هذا كانت بدمشق. وفيها هلك تقفور طاغية الروم: لم يكن أصله من أولاد ملوك الروم بل قيل إنه كان ولد رجل مسلم من أهل طرسوس يعرف بابن الفقاس فتنصر وغلب على الملك وكان شجاعًا مدبرًا سيوسًا لم ير مثله من عهد إسكندر ذي القرنين وهو الذي افتتح حلب وأخذها من سيف الدولة بن حمدان ولم يأخذ حلب أحد قبله من ملوك الروم فعظم بذلك في أعين ملوك الروم وملكوه عليهم إلى أن قتل. وقد تقدم قتله في حوادث هذه السنة. الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال: وفيها توفي أحمد بن بندار بن إسحاق الشعار وأبو بكر أحمد بن يوسف بن خلاد في صفر وأبو القاسم حبيب بن الحسن القزاز ومحمد بن أحمد بن الحسن أبو علي الصواف ومحمد بن علي بن حبيش الناقد. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم خمس أذرع وسبع عشرة إصبعًا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وتسع عشرة إصبعًا. السنة الثانية من ولاية جوهر الرومي المعزي القائد على مصر وهي سنة ستين وثلاثمائة: فيها عمل الرافضة المأتم ببغداد في يوم عاشوراء على العادة في كل سنة من النوح واللطم والبكاء وتعليق المسوح وغلق الأسواق وعملوا العيد والفرح يوم الغدير وهو ثامن عشر ذي الحجة. وفيها في أول المحرم لحق الخليفة المطيع لله سكتة آل الأمر فيها إلى استرخاء جانبه الأيمن وثقل لسانه. وفيها في صفر أعلن المؤذنون بدمشق: بحي على خير العمل بأمر القائد جعفر بن فلاح نائب دمشق للمعز لدين الله العبيدي ولم يجسر أحد على مخالفته ثم في جمادى الآخرة أمرهم ابن فلاح المذكور بذلك في الإقامة فتألم الناس لذلك فهلك ابن فلاح في عامه. وفيها في شهر ربيع الأول وقع الصلح بين أبي المعالي ابن سيف الدولة ابن حمدان وبين قرعويه وكان بينهما حروب منذ مات سيف الدولة إلى اليوم فأقاما الخطبة بحلب للمعز لدين الله العبيدي وأرسل إليهما جوهر القائد من مصر بالأموال والخلع. وفيها سار أبو محمد الحسن بن أحمد القرمطي إلى الشام في قبائل العرب وحاصر دمشق فخرج إليه من مصر القائد جعفر بن فلاح بعساكره من المغاربة واقتتلوا أيامًا إلى أن حمل القرمطي بنفسه على جعفر بن فلاح فقتله وقتل عامة عسكره وملك دمشق وولى عليها ظالم بن موهوب العقيلي ثم عاد القرمطي إلى بلاد هجر فلم يثبت ظالم بعده بدمشق وخرج منها بعد وفيها حج بالناس النقيب الشريف أبو أحمد الموسوي من بغداد. وفيها توفي الأمير جعفر بن فلاح أحد قواد المعز لدين الله العبيدي كان مقدم عساكر القائد جوهر وبعثه جوهر إلى دمشق لمحاربة الحسن بن عبيد الله بن طغج فحاربه وأسره ومهد البلاد وولي دمشق وأصلح أمورها إلى أن قدم عليه القرمطي وحاربه وظفر به وقتله. وهو أول أمير ولي إمرة دمشق لبني عبيد المغربي. والعجب أن القرمطي لما قتله بكى عليه ورثاه لأنهما يجمع التشيع بينهما وإن كانا عدوين. وكان جعفر بن فلاح المذكور أديبًا شاعرًا فصيحًا. كتب مرة إلى الوزير يعقوب يقول له: ولي صديق ما مسني عدم مذ نظرت عينه إلى عدمي أعطى وأقنى ولم يكلفني تقبيل كف له ولا قدم وفيها توفي سليمان بن أحمد بن أيوب الحافظ أبو القاسم الطبراني اللخمي. ولخم: قبيلة من العرب قدموا من اليمن إلى بيت المقدس ونزلوا بالمكان الذي ولد فيه عيسى عليه السلام وبينه وبين بيت المقدس فرسخان والعامة تسميه بيت لحم بالحاء المهملة وصوابه بيت لخم بالخاء المعجمة. وكان مولده بعكا في سنة ستين ومائتين وهو أحد الحفاظ المكثرين الرحالين سمع الكثير وصنف المصنفات الحسان منها المعجم الكبير في أسامي الصحابة والمعجم الأوسط في غرائب شيوخه والمعجم الأصغر في أسامي شيوخه وكتاب الدعاء و كتاب عشرة النساء وكتاب حديث الشاميين وكتاب المناسك وكتاب الأوائل وكتاب السنة وكتاب النوادر ومسند أبي هريرة وكتاب التفسير و كتاب دلائل النبوة وغير ذلك. ومات في ذي القعدة. وذكر الحافظ سليمان بن إبراهيم الأصبهاني أن أبا أحمد العسال قاضي أصبهان قال: أنا سمعت من الطبراني عشرين ألف حديث وسمع منه إبراهيم بن محمد بن حمزة ثلاثين ألفًا وسمع منه أبو الشيخ أربعين ألفًا. وفيها توفي محمد بن الحسين بن عبد الله الحافظ أبو بكر الآجري البغدادي كان محدثًا دينًا صالحًا ورعًا مصنفًا صنف كتاب العزلة وغيره. ومات في هذه السنة. وفيها توفي محمد بن أبي عبد الله الحسين بن محمد الكاتب أبو الفضل المعروف بابن العميد هو كان لقب والده كان فيه فضل وأدب وترسل وزر لركن الدولة الحسن بن بويه بعد موت أبيه. ومن بعض أصحاب أبيه الصاحب بن عباد. قال الثعالبي في كتابه اليتيمة: وكان يقال: بدئت الكتابة بعبد الحميد وختمت بابن العميد. وكان الصاحب بن عباد قد سافر إلى بغداد فلما عاد إليه قال له ابن العميد: كيف وجدتها قال: بغداد في البلاد كالأستاذ في العباد. وكان ابن العميد سيوسًا مدبرًا قائمًا بحقوق المملكة وقصده الشعراء من الآفاق ومدحه المتنبي وابن آخ الرجال من الأبا - - عد والأقارب لا تقارب إن الأقارب كالعقا - - رب بل أضر من العقارب وقيل: إن الصاحب بن عباد اجتاز بدار ابن العميد بعد وفاته فلم ير هناك أحدًا بعد أن كان الدهليز يغص من زحام الناس فقال: أيها الربع لم علاك اكتئاب أين ذاك الحجاب والحجاب أين من كان يفزع الدهر منه فهو اليوم في التراب تراب وقال علي بن سليمان: رأيت بالري دار قوم لم يبق منها سوى بابها يعني دار ابن العميد وعليها مكتوب: اعجب لصرف الدهور معتبرًا فهذه الدار من عجائبها عهدي بها بالملوك زاهية قد سطع النور في جوانبها تبدلت وحشة بساكنها ما أوحش الدار بعد صاحبها وكان ابن العميد قبل أن يقتل بمدة قد لهج بإنشاد هذين البيتين وهما: دخل الدنيا أناس قبلنا رحلوا عنها وخلوها لنا ونزلناها كما قد نزلوا ونخليها لقوم بعدنا الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال: وفيها توفي جعفر بن فلاح أول من حكم على الشام لبني عبيد قتله أبو علي القرمطي وسليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني في ذي القعدة وله مائة سنة وعشرة أشهر وأبو علي عيسى بن محمد الطوماري وأبو بكر محمد بن جعفر بن محمد بن الهيثم الأنباري وأبو عمرو محمد بن جعفر بن محمد بن مطر النيسابوري وأبو الفضل محمد بن الحسين بن العميد وزير ركن الدولة بن بويه وأبو بكر محمد بن الحسين الآجري في المحرم. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم خمس أذرع سواء. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وإحدى وعشرون إصبعًا.
|