الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الواضح في علوم القرآن
.2- نماذج تصويرية من القرآن الكريم: كان يكبر على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كفر قومه وإعراضهم عما جاء به، فنزلت هذه الآية توضح له: أنه لا جدوى من أن يضيق صدره بكفرهم، وإلا فليجهد نفسه وليبذل قصارى ما في وسعه ليأتيهم بما يحملهم على تصديقه، ويدخل الإيمان في قلوبهم إن استطاع. هذه المعاني صوّرتها الآية بمشهد ترسم فيه تألمه صلّى الله عليه وسلّم من إعراضهم في صورة شيء يضخم ويكبر حجمه، حتى يثقل على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حمله، ويضيق به ذرعا، ويسعى للخلاص منه، كما ترسم فيه الجهد الذي لن يأتي بطائل، بصورة من ينبعث نحو كل جهة في قلق وبحث، ليتخلص من عبء عالق به. وهكذا فقد عبرت عن المعنى الذهني بصورة محسوس متخيل تنبعث فيه الحركة والحياة، مع شيء من التجسيم والتفخيم. 2- قال الله تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف: 154]. تقرأ هذه الآية فترى التعبير القرآني يشخص الغضب- وهو أمر معنوي- بصورة حي مسلط على موسى عليه السلام، يدفعه ويحركه، حتى إذا سكت عنه وتركه لشأنه عاد إلى نفسه، فأخذ الألواح التي كان قد ألقاها بسبب دفع الغضب له وسيطرته عليه. قال الزمخشري عند الكلام عن هذه الآية: هذا مثل، كأن الغضب كان يغريه على ما فعل، ويقول له: قل لقومك كذا، وألق الألواح، وجر برأس أخيك إليك. 3- قال الله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 7]. ترسم لنا هذه الآية- إعراض الكفرة عن الحق إعراضا كليا، وعدم جدوى دعوتهم إليه- صورة مظلمة صلدة لمنافذ الحق إلى النفس البشرية- وهي القلب والسمع- فلا نلمس بصيص نور أو هداية فيها، وهذه الصورة المظلمة لهذه المنافذ ترتسم من خلال الحركة الثابتة الجازمة، حركة الختم على القلوب والأسماع، والتغشية على العيون والأبصار. 4- قال الله تعالى: {فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: 94]. يأمر الله تعالى نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يجهر بالحق الذي جاء به، وإنك لتلمح من النص تلك الصورة التي تجسم ما أمر بتبليغه بمادة قوية صلبة، بينما يجسم الباطل الذي يقابله بمادة هشة سريعة العطب، قابلة للشق والكسر، ثم يعطي المشهد تلك الحركة التي ترسم في المخيلة: أنها ترى حركة تصدع هذه المادة الهشة، وتسمع صوته. 5- قال الله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 1- 2]. إنك تقرأ في هذا النص مشهدا حافلا بالصور المعبرة: صورة تلك المرأة التي يشدها إلى رضيعها الحنان والشفقة، وإذا بها ذاهلة عنه، تنظر ولا ترى، وتتحرك ولا تعي. وصورة التي تبذل قصارى جهدها ليثبت الجنين في أحشائها، فإذا بها تسقطه لما انتابها من هول مروع، وصورة الناس الذين لم يعاقروا خمرا ولم يذوقوا مسكرا، وهم يترنحون بخطواتهم، ويتبدى السكر في نظراتهم الذاهلة من هول الموقف. إنه مشهد مزدحم بتلك الرسوم المتماوجة، تكاد العين تبصره، بينما الخيال يتملاه. .الفصل الثالث أشهر الذين كتبوا في الإعجاز: .1- الجاحظ: .2- أبو عبد الله محمد بن يزيد الواسطي: .3- أبو عيسى علي بن عيسى بن علي الرّمّاني: وقد طبعت هذا الكتاب دار المعارف بالقاهرة مع رسائل أخرى في هذا الفن، بتحقيق الأستاذ محمد خلف الله أحمد، والدكتور محمد زغلول سلام. .4- (الإمام الخطّابي): .5- أبو بكر محمد بن الطيب الباقلّاني: .6- عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني: .7- ومن أشهر من كتب في هذا الموضوع حديثا: .أ- مصطفى صادق الرافعي (1297- 1356 هـ): .ب- سيد قطب المتوفى سنة (1965 م): .الباب الثامن من أساليب القرآن الكريم: الفصل الثاني: الأمثال في القرآن. الفصل الثالث: المجاز في القرآن. الفصل الرابع: القسم في القرآن. .الفصل الأول القصة في القرآن الكريم: .1- تعريف القصة في القرآن: والقصة: الأمر والخبر والشأن، جاء في المصباح: والقصّة: الشأن والأمر، يقال: ما قصّتك؟ أي: ما شأنك. وفي القاموس المحيط: والقصّة- بالكسر- الأمر والتي تكتب. وعلى هذا: فما جاء من أخبار قصّها علينا القرآن يمكن أن يطلق عليها لفظ: القصة. .2- القيمة التاريخية للقصة القرآنية: أ- أن الأدلة القاطعة قامت على أن القرآن الكريم كلام الله المنزل، وأن محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه قد بلّغ ما أنزل إليه من ربّه، وإذا كان كذلك فكلّ ما جاء في القرآن من خبر فهو صادق، وإذا كان صادقا فلابد أن يكون مطابقا للواقع. ب- القرآن حجّة الله على خلقه جملة وتفصيلا، وإطلاقا وعموما، وهذا يأبى أن يحكى فيه ما ليس بحقّ ثم لا ينبّه عليه، فكلّ ما ورد فيه على وجه الإخبار فهو حقّ موافق للواقع. ج- ما جاء في القرآن من قصص إنما هو كلام ربّ العزة، أوحى به إلى الرسول الأكرم ليكون مأخذ عبرة، أو موضع قدوة، أو مجلاة حكمة، وما كان كذلك لا يكون إلا حقّا من صميم الواقع. كل هذه الأدلة- وغيرها كثير- تبرهن على أن القصة القرآنية حقيقة تاريخية لا تحوم حولها شبهة. ولذا فقد اعتبرها المتقدّمون والمتأخرون من المؤرخين عمدة رصينة في كلّ ما كتبوه من أبحاث تاريخية، سواء كانت تتعلق بحوادث حاضرة وقت نزوله، أم تتعلّق بحوادث الأمم الغابرة. ولقد كانوا على بيّنة من أمرهم في ذلك إذ إن القرآن أصحّ مصدر عرفه التاريخ في هذا المجال، يشهد بذلك أن الباحثين- على اختلاف مذاهبهم ونحلهم- اعتمدوا القرآن أوّل وثيقة تاريخية تعرف بها أحداث الجزيرة العربية وأوضاعها في صدر الإسلام، وإذا كان كذلك فما هو عمدة في حقبة هو عمدة في كل الحقب. ويشهد لذلك أن التاريخ والمؤرخين عاجزون عن أن يأتوا برواية قريبة أو بعيدة تعارض ما جاء به القرآن من أخبار، وإذا ثبت هذا فلا يلتفت إلى الهراء الذي يطلقه البعض، مما لا تقوم عليه أثارة من دليل عقلي أو نقلي، إلا الحقد على الإسلام والكيد لدعوته. وبعد فإنا نقول: بعد ما ثبت الدليل على أن القرآن كلام الله المنزل فإن التاريخ هو الذي يستمدّ قوّته من حديث القرآن وأخباره، وليس القرآن يستمدّ قوّته من أخبار التاريخ. وحسبنا في ذلك قول الله تعالى: {ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف: 111].
|