الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***
621- حدثنا قُتَيْبةُ حدثنا عبدُ العَزِيزُ بن محمدٍ عن عَمْرِو بنِ يَحْيَى المَازِنِيّ عن أبيهِ عن أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ: أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خمسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ ولَيْسَ فيما دُونَ خمسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، ولَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ". وفي البابِ عن أبي هُرَيرَةَ وابن عُمَرَ وجَابِرٍ وعبدِ الله بن عَمْروٍ. 622- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا عبدُ الرحمَنِ بنُ مَهْدِي حدثنا سُفْيَانُ و شُعْبَةُ وحدثنا مَالِكُ بنُ أنَسٍ عَن عَمْرِو بنِ يَحْيَى عن أبيهِ عن أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوَ حَدِيثِ عبدِ العَزِيزِ عن عَمْروِ بنِ يَحْيَى. قال أبو عيسى: حديثُ أبي سَعيدٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقد رُوِيَ مَنْ غَيْرِ وَجْه عنهُ. والعملُ على هذا عِنْدَ أهلِ العلمِ أنْ لَيْسَ فِيما دُونَ خَمْسَةٍ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ. والوسقُ سِتونَ صاعاً، وخَمْسَةُ أوْسُقٍ ثلاثُمائة صَاعٍ، وصَاعُ النبيّ صلى الله عليه وسلم خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وثُلُثٌ، وصَاعُ أهْلِ الكُوفَةِ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ. وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْس أوَاقٍ صَدَقَةٌ والأوقيّةُ أرْبَعُونَ دِرْهَماً وخَمْسُ أوَاقٍ مائَتَا دِرْهَمٍ. ولَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صدقةٌ، يَعْنِي لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ مِنْ الإبِلِ، فإذا بلَغَتْ خَمْساً وعِشْرينَ مِنَ الإبِلِ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، وفِيما دُونَ خَمْسٍ وعِشْرِينَ مِنَ الإبِلِ في كُلّ خْمسٍ مِنَ الإبِلِ شَاةٌ. قوله: (ليس فيما دون خمسة ذود) أي من الإبل كما في رواية البخاري وغيره، والذود بفتح المعجمة وسكون الواو بعدها مهملة. قال الحافظ الأكثر على أن الذود من الثلاثة إلى العشرة وأنه لا واحد له من لفظه. وقال أبو عبيد: من الثنتين إلى العشرة. وقال القسطلاني: القياس في تمييز ثلاثة إلى عشر أن يكون جمع تكسير جمع قلة فمجيئه اسم جمع كما في هذا الحديث قليل. والذود يقع على المذكر والمؤنث والجمع والمفرد فلذا أضاف خمس إليه انتهى. قوله: (وليس فيما دون خمس أواق) أي من الورق كما من رواية مالك في الموطأ. قال الحافظ: أواق بالتنوين وبإثبات التحتانية مشدداً أو مخففاً جمع أوقية بضم الهمزة وتشديد التحتانية. وحكى الجياني وقية بحذف الألف وفتح الواو. ومقدار الأوقية في هذا الحديث أربعون درهماً بالاتفاق انتهى. قوله: (وليس فيما دون خسمة أوسق) جمع وسق بفتح الواو ويجوز كسرها كما حكاه صاحب المحكم وجمعه حينئذ أو ساق كحمل وأحمال، وقد وقع كذلك في رواية مسلم وهو ستون صاعاً بالاتفاق وفي رواية لمسلم: ليس فيما دون خمس أوسق من تمر ولا حب صدقة، ولفظ دون في المواضع الثلاثة بمعنى أقل، لا أنه نفى عن غير الخمس الصدقة كما زعم من لا يعتد بقوله كذا في الفتح. قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه أحمد (وابن عمر) أخرجه البخاري (وجابر) أخرجه مسلم (وعبد الله بن عمرو) لينظر من أخرج حديثه. قوله: (حديث أبي سعيد حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم. قوله: (والعمل على هذا عند أهل العلم أن ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) كذا أطلق الترمذي، وهذا هو مذهب جمهور أهل العلم، وبه قال صاحباً أبي حنيفة محمد وأبو يوسف رحمهم الله تعالى، وذهب أبو حنيفة إلى أنه يجب العشر أو نصف العشر فيما أخرجت الأرض من غير تفصيل بين أن يكون قدر خمسة أوسق أو أقل أو أكثر. قال الإمام محمد في الموطأ بعد رواية حديث أبي سعيد المذكور ما لفظه: وبهذا نأخذ، وكان أبو حنيفة يأخذ بذلك إلا في خصلة واحدة فإنه كان يقول فيما أخرجت الأرض العشر من قليل أو كثير إن كانت تشرب سيحاً أو تسقيها السماء، وإن كانت تشرب بغرب أو دالية فنصف عشر. وهو قول إبراهيم النخعي ومجاهد انتهى. كلام محمد رحمه الله، وهو قول عمر بن عبد العزيز فإنه قال: فيما أنبتت الأرض من قليل أو كثير العشر. أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة، وأخرج عن مجاهد والنخعي نحوه. واستدل لهم بحديث ابن عمر رضي الله عنه مرفوعاً فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً العشر، وفيما سقى بالنضح نصف العشر، أخرجه البخاري، ولفظ أبي داود: فيما سقت السماء والأنهار والعيون أو كان بعلا العشر، وفيما سقى بالسواني أو النضح نصف العشر، وبحديث جابر مرفوعاً فيما سقته الأنهار والغيم العشر، وفيما سقى بالسانية نصف العشر، أخرجه مسلم، وبحديث معاذ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فأمرني أن آخذ مما سقت السماء وما سقى بعلا العشر، وما سقى بالدوالي نصف العشر، أخرجه ابن ماجه. وتعقب بأن هذه الأحاديث مبهمة، وحديث أبي سعيد المذكور وما في معناه من الأخبار مفسرة، والزيادة من الثقة مقبولة فيجب حمل المبهم على المفسر. وأجاب الحنفية عنه بأنه إذا ورد حديثان متعارضان أحدهما عام والاَخر خاص فإن علم تقدم العام على الخاص خص بالخاص، وإن علم تقدم الخاص كان العام ناسخاً له فيما تناولاه، وإن لم يعلم التاريخ يجعل العام متأخراً لما فيه من الاحتياط، وههنا حديث أبي سعيد رضي الله عنه وما في معناه خاص، وحديث ابن عمر رضي الله عنه وما في معناه عام، ولم يعلم التاريخ فيجعل العام متأخراً ويعمل به. قلت: لا تعارض بين حديث أبي سعيد وما في معناه وبين حديث ابن عمر رضي الله عنه وما في معناه أصلاً، فإن حديث ابن عمر رضي الله عنه سيق للتمييز بين ما يجب فيه العشر أو نصف العشر، وحديث أبي سعيد مساق لبيان جنس المخرج منه وقدره. قال الحافظ ابن القيم في أعلام الموقعين: المثال السابع والثلاثون: رد السنة الصحيحة المحكمة في تقدير نصاب المعشرات بخمسة أوسق بالمتشابه من قوله فيما سقت السماء العشر وما سقى بنضح أو غرب فنصف العشر، قالوا وهذا يعم القليل والكثير وقد عارضه الخاص، ودلالة العام قطعية كالخاص، وإذا تعارضا قدم الأحوط وهو الوجوب، فيقال يجب العمل بكلا الحديثين ولا يجوز معارضة أحدهما بالاَخر وإلغاء أحدهما بالكلية، فإن طاعة الرسول فرض في هذا وفي هذا، ولا تعارض بينهما بحمد الله بوجه من الوجوه، فإن قوله فيما سقت السماء العشر إنما أريد به التمييز بين ما يجب فيه العشر وبين ما يجب فيه نصفه، فذكر النوعين مفرقا بينهما في مقدار الواجب، وأما مقدار النصاب فسكت عنه في هذا الحديث وبينه نصاً في الحديث الاَخر، فكيف يجوز العدول عن النص الصحيح الصريح المحكم الذي لا يحتمل غير ما دل عليه البتة إلى المجمل المتشابه الذي غايته أن يتعلق فيه بعموم لم يقصد، وبيانه بالخاص المحكم المبين كبيان سائر العمومات بما يخصها من النصوص- إلى أن قال: ثم يقال إذا خصصتم عموم قوله فيما سقت السماء العشر بالقصب والحشيش ولا ذكر لهما في النص فهلا خصصتموه بالقياس الجلي الذي هو من أجلي القياس وأصحه على سائر أنواع الذي تجب فيه الزكاة. فإن زكاة الخاصة لم يشرعها الله في مال إلا وجعل له نصاباً كالمواشي والذهب والفضة. ويقال أيضاً: هلا أوجبتم الزكاة في قليل كل مال وكثير عملا بقوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة} وبقوله صلى الله عليه وسلم: "وما بعد من صاحب إبل ولا بقر لا يؤذي زكاتها إلا بطح له يوم القيامة بقاع قرقر" وبقوله: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاتها إلا صفحت له يوم القيامة بصفائح من نار" وهلا كان هذا العموم عندكم مقدماً على أحاديث النصب الخاصة، وهلا قلتم هناك تعارض مسقط وموجب فقدمنا الموجب أحتياطاً، وهذا في غاية الوضوح انتهى كلام ابن القيم. وإذا عرفت هذا كله ظهر لك أن القول الراجح المعول عليه هو ما قال به الجمهور وأما ما قال به الإمام أبو حنيفة وإبراهيم النخعي فهو قول مرجوح، ولذلك قال الإمام محمد في كتاب الحجج ما لفظه: ولسنا نأخذ من قول أبي حنيفة وإبراهيم ولكننا نأخذ بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة"، انتهى كلامه. (والوسق ستون صاعاً) أي من صاع النبي صلى الله عليه وسلم. قال الإمام محمد في كتاب الحجج: والوسق عندنا ستون صاعاً بصاع النبي صلى الله عليه وسلم انتهى (وخمسة أوسق ثلاثمائة صاع) لأنك إذا ضربت الخمسة في الستين حصل هذا المقدار. قوله: (وصاع النبي صلى الله عليه وسلم خمس أرطال وثلث، وصاع أهل الكوفة ثمانية أرطال) أخرج الدارقطني في سننه عن إسحاق بن سليمان الرازي قال: قلت لمالك بن أنس: أبا عبد الله كم قدر صاع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: خمسة أرطال وثلث بالعرقي أنا حزرته فقلت أبا عبد الله خالفت شيخ القوم، قال من هو؟ قلت: أبو حنيفة يقول ثمانية أرطال، فغضب غضباً شديداً ثم قال لجلسائه: يا فلان هات صاع جدك، يا فلان هات صاع جدتك، قال إسحاق: فاجتمعت آصع، فقال ما تحفظون في هذا؟ فقال: هذا حدثني أبي عن أبيه أنه كان يؤدي بهذا الصاع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الاَخر حدثني أبي عن أمه أنها أدت بهذا الصاع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال مالك: أنا حزرت هذه فوجدتها خمسة أرطال وثلثاً انتهى. قال القاضي الشوكاني في النيل: هذه القصة مشهورة أخرجها أيضاً البيهقي بإسناد جيد. وقد أخرج ابن خزيمة والحاكم من طريق عروة عن أسماء بنت أبي بكر أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمد الذي يقتات به أهل المدينة، وللبخاري عن مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يعطي زكاة رمضان عند النبي صلى الله عليه وسلم بالمد الأول، ولم يختلف أهل المدينة في الصاع وقدره من لدن الصحابة إلى يومنا هذا، أنه كما قال أهل الحجاز خمسة أرطال وثلث بالعراقي، وقال العراقيون منهم أبو حنيفة أنهم ثمانية أرطال وهو قول مردود تدفعه هذه القصة المسندة إلى صيعان الصحابة التي قررها النبي صلى الله عليه وسلم وقد رجع أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم صاحب أبي حنيفة بعد هذه الواقعة إلى قول مالك وترك قول أبي حنيفة انتهى كلام الشوكاني. قلت: أخرج الطحاوي عن أبي يوسف قال قدمت المدينة فأخرج إلى من أثق به صاعاً وقال هذا الصاع النبي صلى الله عليه وسلم فوجدته خمسة أرطال وثلثا، قال الطحاوي: وسمعنا ابن أبي عمران يقول الذي أخرجه لأبي يوسف هو مالك انتهى. وذكر الحافظ الزيلعي رواية الدارقطني المذكورة وقال بعد ذكرها قال صاحب التنقيح إسناده مظلم وبعض رجاله غير مشهورين، والمشهور ما أخرجه البيهقي عن الحسين بن الوليد القرشي وهوثقة قال قدم علينا أبو يوسف رحمه الله من الحج فقال: إني أريد أن أفتح عليكم باباً من العلم أهمني ففحصت عنه فقدمت المدينة فسألت عن الصاع فقال صاعنا هذا صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت لهم ما حجتكم في ذلك؟ فقالوا نأتيك بالحجة غداً، فلما أصبحت أتاني نحو من خمسين شيخاً من أبناء المهاجرين والأنصار مع كل رجل منهم صاع تحت ردائه، كل رجل منهم يخبر عن أبيه وأهل بيته أن هذا صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظرت فإذا هي سواء، قال عيرته فإذا خمسة أرطال وثلث بنقصان يسير، فرأيت أمراً قوياً. فتركت قول أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه في الصاع وأخذت بقول أهل المدينة، هذا هو المشهور من قول أبي يوسف رحمه الله. وقد روي أن مالكاً رضي الله تعالى عنه ناظره واستدل عليه بالصيعان التي جاء بها أولئك الرهط فرجع أبي يوسف إلى قوله. وقال عثمان بن سعيد الدارمي: سمعت علي بن المديني يقول: عيرت صاع النبي صلى الله عليه وسلم فوجدته خمسة أرطال وثلث رطل بالتمر انتهى كلامه، كذا في نصب الراية. قلت: ظهر بهذا كله أن الحق أن صاع النبي صلى الله عليه وسلم كان خمسة أرطال وثلث رطل، وكان الصحابة رضي الله تعالى عنهم بهذا الصاع النبوي يخرجون زكاة الفطر في عهده صلى الله عليه وسلم. وأما صاع أهل الكوفة فهو خلاف صاع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن يخرج زكاة الفطر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الصحابة رضي الله عنهم بصاع أهل الكوفة، فالصاع الشرعي هو الصاع النبوي دون غيره. وأما حديث الدارقطني عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد رطلين ويغتسل بالصاع ثمانية أرطال فضعيف، والحديث في الصحيحين عن أنس ليس فيه ذكر الوزن، وكذا حديثه عن عائشة رضي الله عنها جرت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغسل من الجنابة صاع من ثمانية أرطال، وفي الوضوء رطلان ضعيف، وكذا حديث ابن عدي عن جابر رضي الله عنه بمثل حديث أنس المذكور ضعيف، صرح الحافظ بضعف هذه الأحاديث في الدراية. وأما ما روى أبو عبيد عن إبراهيم النخعي قال: كان صاع النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية أرطال ومده رطلين فهو مرسل وفيه الحجاج بن أرطأة قال الحافظ، وقال وأصح من ذلك ما أخرجه البخاري عن السائب بن يزيد كان الصاع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مداً وثلثاً بمدكم اليوم، فزيد فيه في زمن عمر بن عبد العزيز انتهى.
623- حدثنا أبو كريب محمدُ بنُ العَلاَءِ و محمودُ بنُ غَيْلاَنَ قال حدثنا وَكِيعٌ عن سُفْيَانَ و شُعْبَةَ عن عبدِ الله بن دِينارٍ عن سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ عن عِرَاكِ بنِ مَالِكٍ عن أبي هُرَيْرةَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "لَيْسَ على المُسْلِمِ، في فَرَسِهِ ولافي عَبْدِهِ صَدَقَةٌ". وفي البابِ عن عليّ وعبدِ الله بنِ عَمْروٍ. قال أبو عيسى: حديثُ أبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعملُ عليهِ عِندَ أهْلِ العلْمِ أنّهُ لَيْسَ في الخَيْلِ السّائِمَةِ صَدقَةٌ، ولا في الرّقِيقِ إذا كانُوا لِلْخدمَةِ صَدقَةٌ، إلاّ أَنْ يَكُونُوا للتّجَارَةِ، فإذا كانُوا لِلتّجَارَةِ فَفِي أَثْمَانِهم الزّكَاةُ إذا حَالَ عَلَيْها الحَوْلُ. قوله: (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم المدني ثقة (عن عراك بن مالك) بكسر العين وتخفيف الراء الغفاري المدني فقيه أهل دهلك ثقة فاضل مات في خلافة يزيد بن عبد الملك بعد المائة، ودهلك جزيرة قريبة من أرض الحبشة من ناحية اليمن هو مدني الأصل، نفاه يزيد بن عبد الملك إلى دهلك لكلمة قالها أيام عمر بن عبد العزيز. قوله: (ليس على المسلم في فرسه ولا عبده صدقة) أي إذا لم يكونا للتجارة. قال الحافظ في الفتح: واستدل به من قال من أهل الظاهر بعدم وجوب الزكاة فيهما مطلقاً ولو كان للتجارة، وأجيبوا بأن زكاة التجارة ثابتة بالإجماع كما نقله ابن المنذر وغيره فيخص به عموم هذا الحديث. قوله: (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وعلي) أما حديث عبد الله بن عمرو فليظر من أخرجه. وأما حديث علي فأخرجه أبو داود بإسناد حسن وأخرجه الترمذي أيضاً في باب زكاة الذهب والورق. قوله: (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما. قوله: (والعمل عليه عند أهل العلم، أنه ليس في الخيل السائمة صدقة ولا في الرقيق إذا كانوا للخدمة صدقة إلا أن يكونوا للتجارة) وهو قول مالك والشافعي وأبي يوسف ومحمد صاحبي أبي حنيفة رحمهما الله. قال محمد في موطأه بعد رواية حديث الباب: وبهذا نأخذ ليس في الخيل صدقة سائمة كانت أو غير سائمة. وأما في قول أبي حنيفة رحمه الله فإذا كانت سائمة يطلب نسلها ففيها الزكاة إن شئت في كل فرس دينار وإن شئت فالقيمة. ثم في كل مائتي درهم خمسة دراهم، وهو قول إبراهيم النخعي انتهى كلام محمد قال القاري في شرح الموطأة وافقه أي محمداً أبو يوسف واختاره الطحاوي وفي الينابيع: عليه الفتوى، وهو قول مالك والشافعي انتهى كلام القاري. وقال النووي في شرح مسلم تحت حديث الباب: هذا الحديث أصل في أن أموال القنية لا زكاة فيها، وأنه لا زكاة في الخيل والرقيق إذا لم تكن للتجارة، وبهذا قال العلماء كافة من السلف والخلف، إلا أن أبا حنيفة وشيخه حماد بن أبي سليمان، وزفر أوجبوا في الخيل إذا كانت إناثاً أو ذكوراً وإناثاً في كل فرس دينار، وإن شاء قومها وأخرج عن كل مائتي درهم خمسة دراهم، وليس لهم حجة في ذلك، وهذا الحديث صريح في الرد عليهم انتهى. قلت: والقول الراجح المعول عليه هو ما قال به العلماء كافة، واستدل لأبي حنيفة بما أخرجه الدارقطني والبيهقي من طريق الليث بن حماد الأصطخري أخبرنا أبو يوسف عن فورك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر مرفوعاً: في الخيل السائمة في كل فرس دينار. وأجيب عنه بوجهين: أحدهما أن هذا الحديث ضعيف جداً، قال الدارقطني تفرد به فورك وهو ضعيف جداً ومن دونه ضعفاء انتهى. وقال البيهقي: لو كان هذا الحديث صحيحاً عند أبي يوسف لم يخالفه انتهى، وقد استدل له بأحاديث أخرى لا تصلح للاحتجاج، وقد أجاب عنها الطحاوي في شرح الآثار جواباً شافياً. من شاء الاطلاع عليه فليرجع إليه.
624- حدثنا محمدُ بنُ يَحْيَى النّيْسَابُورِيّ حدثنا عَمْرُو بنُ أبي سَلَمَةَ التّنّيسِيّ عن صَدَقَة بنِ عبدِ الله عن مُوسَى بن يَسَارٍ عن نَافِعٍ عن ابنِ عُمَر قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "في العَسَلِ في كُلّ عَشْرَةِ أزُقّ، زِقّ". وفي البابِ عن أبي هُرَيرَةَ وأبِي سَيّارَةَ المُتَعِيّ وعبدِ الله بنِ عمْروٍ. قال أبو عيسى: حديثُ ابنِ عُمَرَ في إسْنَادِهِ مَقَالٌ. ولا يَصِحُ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم في هذا البابِ كَبِيرٌ شَيْءٍ. والعملُ على هذا عِنْدَ أكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ. وبهِ يقُولُ أحمدُ وإسحاقُ. وقالَ بعضُ أهلِ العِلْمِ لَيْسَ في العَسَلِ شَيْءٌ وصدقة بن عبد الله ليس بحافظ. وقد خُولِفَ صدقة بن عبد الله في رواية هذا الحديث عن نافع. 625- حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبدالوهاب الثقفي حدثنا عبيدالله بن عمر عن نافع قال: سألني عمر بن عبدالعزيز عن صدقة العسل قال قلت: ما عندنا عسل نتصدق منه ولكن أخبرنا المغيرة ب حكيم أنه قال ليس في العسل صدقة، فقال عمر: عدل مرضّ فكتب الى الغاس أن توضع يعني عنهم. قوله: (حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري) هو الحافظ الذهلي أحد الأعلام الكبار، له رحلة واسعة ونقد، وروى عنه البخاري ويدلسه، وروى عنه الترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وهو الذي جمع حديث الزهري في مجلدين. قال الذهلي: أنفقت على العلم مائة وخمسين ألفاً. قال الحافظ في التقريب: ثقة حافظ جليل مات سنة ثمان وخمسين ومائتين وله ست وثمانون سنة (أخبرنا عمرو بن أبي سلمة التنيسي) بكسر مثناة فوق وقيل بفتحها وكسر نون مشددة تحت وسين مهملة، قال في التقريب: صدوق له أوهام من كبار العاشرة (عن صدقة ابن عبد الله) السمين الدمشقي ضعيف من السابعة. قوله: (في كل عشرة أزق) بفتح الهمزة وضم الزاي وتشديد القاف أفعل جمع قلة (زق) بكسر الزاي مفرد الأزق وهو ظرف من جلد يجعل فيه السمن والعسل. قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة وأبي سيارة المتعي وعبد الله بن عمرو) أما حديث أبي هريرة فأخرجه عبد الرزاق عنه قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن أن يؤخذ من العسل العشر، وفي إسناده عبد الله بن محرر قال البخاري في تاريخه: عبد الله متروك ولا يصح في زكاة العسل شيء، كذا في فتح الباري. وأماحديث أبي سيارة فأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه عنه قال: قلت يا رسول الله أن لي نحلا، قال: فأد العشور الحديث وهو منقطع، قال ابن عبد البر: لا يقوم بهذا حجة. وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أبو داود والنسائي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: جاء هلال أحد بن متعان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشور نحل له وكان سأله أن يحمي له وادياً فحماه له، فلما ولى عمر كتب إلى عامله إن أدى إليك عشور نحله فاحم له سلبه وإلا فلا. قال الحافظ في الفتح بعد ذكره: إسناده صحيح إلى عمرو، وترجمة عمرو قوية على المختار لكن حيث لا تعارض، وقد ورد ما يدل على أن هلالاً أعطى ذلك تطوعاً، فعند عبد الرزاق عن صالح بن دينار عن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عثمان بن محمد ينهاه أن يأخذ من العسل صدقة، إلا إن كان النبي صلى الله عليه وسلم أخذها فجمع عثمان أهل العسل فشهدوا أن هلال بن سعد قدم النبي صلى الله عليه وسلم بعسل فقال "ما هذا؟" قال: صدقة، فأمر برفعها ولم يذكر العشور، لكن الإسناد الأول أقوى، إلا أنه محمول على أنه في مقابلة الحمى. كما يدل عليه كتاب عمر بن الخطاب انتهى كلام الحافظ. قوله: (في إسناده مقال) لأنه قد تفرد به صدقة بن عبد الله وهو ضعيف كما تقدم. قوله: (ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كبير شيء) وقال البخاري في تاريخه: لا يصح في زكاة العسل شيء. قوله: (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، وبه يقول أحمد وإسحاق، وقال بعض أهل العلم ليس في العسل شيء)، وقال ابن المنذر ليس في العسل خبر يثبت ولا إجماع فلا زكاة وهو قول الجمهور، وعن أبي حنيفة وأحمد وإسحاق: يجب العشر فيما أخذ من غير أرض الخراج. قال الحافظ في الفتح بعد نقل قول ابن المنذر هذا: وما نقله عن الجمهور مقابله قول الترمذي، ثم ذكر الحافظ قول الترمذي هذا ثم قال: وأشار شيخنا في شرحه إلى أن الذي نقله ابن المنذر أقوى انتهى كلام الحافظ. وقال الشوكاني في النيل: وذهب الشافعي ومالك والثوري وحكاه ابن عبد البر عن الجمهور إلى عدم وجوب الزكاة في العسل قال: واعلم أن حديث أبي سيارة وحديث هلال إن كان غير أبي سيارة لا يدلان على وجوب الزكاة في العسل لأنهما تطوعا بها وحمى لها بدل ما أخذ، وعقل عمر العلة فأمر بمثل ذلك، ولو كان سبيله سبيل الصدقات لم يخبر في ذلك، وبقية الأحاديث لا تنتهض للاحتجاج بها انتهى.
(باب ما جاء لا زكاة على المال المستفاد حتى يحول عليه الحول) المراد بالمال المستفاد المال الذي حصل للرجل في أثناء الحول من هبة أو ميراث أو مثله ولا يكون من نتائج المال الأول. 626- حدثنا يَحْيَى بنُ موسَى حدثنا هارُونُ بنُ صَالحٍ الطّلْحيّ المدني. حدثنا عبدُ الرحمَنِ بنُ زَيْدِ بنِ أسْلَمَ عن أبيهِ عن ابنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "مَن اسْتفَادَ مَالاً فلاَ زكاةَ عَلَيْهِ حَتّى يَحُولَ عَلَيْهِ الحَوْلُ عند ربّه". وفي البابِ عن سَرّارَ بِنْتِ نِبْهانَ الغَنَويّةِ. 627- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ أخبرنا عبدُ الوَهّابِ الثّقَفِيّ حدثنا أيّوبُ عن نَافِعٍ عن ابنِ عُمَرَ قال: مَن استْفَادَ مالاً فلا زكاةَ فِيهِ حَتّى يَحُولَ عَلَيْهِ الحَوْلُ عِنْدَ رَبّهِ. قال أبو عيسى: وهذا أصَحّ مِنْ حدِيثِ عبدِ الرحمَنِ بنِ زَيْدِ بنِ أسْلَمَ". قال أبو عيسى: وَروَى أيّوبُ وعُبَيْد الله بن عمر وغَيْرُ وَاحِدٍ عن نَافعٍ عن ابن عُمَرَ مَوقُوفاً. وعبدُ الرحمَن بنُ زَيْدِ بنِ أسْلَمَ ضَعِيفٌ في الحَديثِ، ضَعفَهُ أحمدُ بنُ حَنْبَلٍ وعليّ بنُ المَدِينيّ وغيْرُهُما مِنْ أهلِ الحَديثِ، وهو كَثِيرُ الغَلَطِ. وقد رُوِيَ عن غَيْرِ واحدٍ من أَصْحَابٍ النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّ لا زكاةَ في المال المُسْتَفَادِ حَتّى يَحُولَ عَلَيْهِ الحَوْلُ. وبهِ يقولُ مالكُ بنُ أنَسٍ والشافعيّ وأحمدُ وإسحاقُ. وقالَ بعضُ أهلِ العلمِ: إذا كانَ عندَهُ مالٌ تَجِبُ فِيهِ الزكاةُ فَفِيهِ الزكاةُ وإن لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ سِوَى المَالِ المُسْتَفَادِ- مَال تَجِبُ فيهِ الزكاةُ- لَمْ يجِبْ علَيهِ في المَالِ المُسْتَفَادِ زكاةٌ حَتّى يَحُولَ عَلَيْهِ الحَوْلُ. فإن اسْتَفَادَ مالاً قَبْلَ أنْ يَحُولَ عَليهِ الحَوْلُ فإِنّهُ يُزَكّي المالَ المُسْتَفَادَ مَعَ مالِهِ الّذِي وَجَبَتْ فيهِ الزكاةُ. وبهِ يقولُ سُفْيانُ الثّوْرِيُ وأهلُ الكُوفَةِ. قوله: (أخبرنا هارون بن صالح الطلحي) نسبة إلى طلحة جد جده، قال في التقريب صدوق. قوله: (من استفاد مالا فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول) إعلم أن المال المستفاد على نوعين أحدهما أن يكون من جنس النصاب الذي عنده، كما إذا كانت له إبل فاستفاد إبلا في أثناء الحول، وثانيهما أن يكون من غير جنسه كما إذا استفاد بقراً في صورة نصاب الإبل، وهذا لا ضم فيه اتفاقاً، بل يستأنف للمستفاد حساب آخر، والأول على نوعين: أحدهما أن يكون المستفاد من الأصل كالأرباح والأولاد وهذا يضم إجماعاً، والثاني أن يكون مستفاداً بسبب آخر كالمشتري والموروث، وهذا يضم عند أبي حنيفة ولا يضم عند مالك والشافعي وأحمد بن حنبل، واستدل الأئمة الثلاثة بحديث ابن عمر المروي في هذا الباب وبآثار الصحابة رضي الله عنهم، فروى البيهقي عن أبي بكر وعلي وعائشة موقوفاً عليهم مثل ما روى عن ابن عمر رضي الله عنه (وفي الباب عن سري) قال الحافظ في التقريب: بفتح أولها وتشديد الراء مع المد وقيل القصر بنت بنهان الغنوية صحابية لها حديث انتهى، ولم أقف على حديثها. قوله: (وهذا أصح من حديث عبد الرحمَن بن زيد بن أسلم) أي هذا الموقوف صحيح والحديث المرفوع ليس بصحيح. قال الحافظ في البلوغ بعد ذكر حديث ابن عمر المرفوع ما لفظه: والراجح وقفه، وقال في التلخصي بعد ذكر حديث ابن عمر رضي الله عنه المرفوع ما لفظه: قال الترمذي: والصحيح عن ابن عمر موقوف، وكذا قال البيهقي وابن الجوزي وغيرهما. وروى الدارقطني في غرائب مالك من طريق إسحاق بن إبراهيم الحنيني عن مالك عن نافع عن ابن عمر نحوه. قال الدارقطني الحنيني ضعيف والصحيح عن مالك موقوف. وروى البيهقي عن أبي بكر وعلي وعائشة موقوفاً عليهم مثل ما روي عن ابن عمر قال: والاعتماد في هذا وفي الذي قبله على الآثار عن أبي بكر وغيره انتهى ما في التلخيص. وحديث ابن عمر المرفوع أخرجه الدارقطني والبيهقي. قوله: (وقال بعض أهل العلم: إذا كان عنده مال تجب فيه الزكاة ففيه الزكاة) أي إذا كان عنده مال سوى المال المستفاد وكان ذلك المال بقدر النصاب فيجب الزكاة في المال المستفاد ويضم مع ماله الذي كان عنده ويزكي معه إذا كان المال المستفاد من جنس ماله الذي كان عنده، ولا يستأنف للمال المستفاد حساب آخر. فقوله (تجب فيه الزكاة) صفة لقوله (مال) والضمير في قوله (ففيه الزكاة) راجع إلى المال المستفاد (وبه يقول سفيان الثوري وأهل الكوفة) وهو قول الحنفية. وأجابوا عن حديث الباب بأنه ضعيف، قالوا وعلى تسليم ثبوته فعمومه ليس مراداً للإنفاق على خروج الأرباح والأولاد فعللنا بالمجانسة فقلنا إنما أخرج الأولاد والأرباح للمجانسة لا للتوليد. فيجب أن يخرج المستفاد إذا كان من جنسه وهو أدفع للحرج على أصحاب الحرف الذين يجدون كل يوم درهماً فأكثر وأقل، فإن في اعتبار الحول لكل مستفاد حرجا عظيماً وهو مدفوع بالنص. قلت: لا شك في أن حديث الباب المرفوع ضعيف والراجح أنه موقوف وهو في حكم المرفوع. قال صاحب سبل السلام: له حكم الرفع لأنه لا مسرح للاجتهاد فيه انتهى. وقد عرفت أن اعتماد الشافعية وغيرهم في هذه المسألة على الآثار لا على الحديث المرفوع.
(باب ماجاء ليس على المسلمين جزية) الجزية ما يؤخذ من أهل الذمة وتسميتها بذلك للاجتراء بها في حقن دمهم. قال العراقي في شرح الترمذي: معناه أنه إذا أسلم في أثناء الحول لا يؤخذ عن ذلك العام شيء، قال: وقد جرت عادة المصنفين بذكر الجزية بعد الجهاد، وقد أدخلها المصنف في الزكاة تبعاً لمالك. قال ابن العربي: أول من أدخل الجزية في أبواب الصدقة مالك في الموطأ، فتبعه قوم من المصنفين وترك اتباعه آخرون. قال ووجه إدخالها فيها التكلم على حقوق الأموال، فالصدقة حق المال على المسلمين، والجزية حق المال على الكفار. 628- حدثنا يَحْيَى بن أَكْثَم حدثنا جَريرٌ عن قَابُوسَ بنِ أبِي ظَبْيَانَ عن أبيهِ عن ابنِ عباسٍ قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "لاَ تَصْلُحُ قِبْلَتَانِ في أرْضٍ وَاحِدَةٍ وَلَيْسَ على المُسْلِمينَ جِزْيَةٌ". 629- حدثنا أبُو كُرَيْبٍ حدثنا جَريرٌ عن قَابُوسٍ بهذا الإسْنادِ نحوَه. وفي البابِ عن سعيدِ بنِ زَيْدٍ وجَدّ حَرْبِ بن عُبَيْدِ الله الثّقَفِيّ. قال أبو عيسى: حديثُ ابنِ عباسٍ قد روِيَ عن قَابُوس بنِ أبي ظَبْيَانَ عن أبيهِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً. والعملُ على هذا عِنْدَ عامّةِ أهْلِ العلمِ أَنّ النّصْرانِيّ إذَا أَسْلَمَ وُضعِتْ عَنْهُ جِزْيَةُ رَقَبَتِهِ. وقولُ النبيّ صلى الله عليه وسلم "لَيْسَ على المُسْلِمِينَ عُشُور" إنّما يَعْني به جِزْيَةَ الرّقَبَةِ. وفي الحَدِيثِ ما يُفَسّرُ هذَا حَيْثُ قال "إنّما العُشُورُ على اليَهُودِ والنّصَارى، ولَيْسَ على المُسْلِمِينَ عُشُورٌ". قوله: (حدثنا يحيى بن أكثم) بفتح الهمزة وسكون الكاف وفتح المثلثة قال في التقريب: يحيى بن أكثم بن محمد بن قطن التميمي المروزي أبو محمد القاضي المشهور فقيه صدوق إلا أنه رمى بسرقة الحديث ولم يقع ذلك له، وإنما كان يرى الرواية بالإجازة والوجادة من العاشرة (أخبرنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن قابوس بن أبي ظبيان) بفتح المعجمة وسكون الموحدة بعدها تحتانية، قال الحافظ: فيه لين (عن أبيه) أي أبي ظبيان واسمه حصين بن جندب الكوفي ثقة. قوله: (لا يصلح قبلتان في أرض واحدة) قال التوربشتي: أي لا يستقيم دينان بأرض واحدة على سبيل المظاهرة والمعادلة، أما المسلم فليس له أن يختار الإقامة بين ظهراني قوم كفار، لأن المسلم إذا صنع ذلك فقد أحل نفسه فيهم محل الذمي فينا، وليس له أن يجر إلى نفسه الصغار، وأما الذي يخالف دينه دين الإسلام فلا يمكن من الإقامة في بلاد الإسلام إلا ببذل الجزية ثم لا يؤذن له في الإشاعة بدينه انتهى. (وليس على المسلمين جزية) أي من أسلم من أهل الذمة قبل أداء ما وجب عليه من الجزية فإنه لا يطالب به لأنه مسلم وليس على مسلم جزية. والحديث رواه أبو داود وزاد في آخره: وسئل سفيان الثوري عن هذا فقال يعني إذا إسلم فلا جزية عليه، وروى الطبراني في معجمه الأوسط عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أسلم فلا جزية عليه قوله: (وفي الباب عن سعيد بن زيد وجد حرب بن عبيد الله الثقفي) أما حديث سعيد بن زيد فلينظر من أخرجه، وأما حديث جد حرب فأخرجه أبو داود مرفوعاً بلفظ: إنما العشور على اليهود والنصارى وليس على المسلمين عشور. قوله: (وحديث ابن عباس قد روى إلخ) لم يحكم الترمذي على حديث ابن عباس بشيء من الصحة أو الضعف وقد عرفت أن في سنده قابوس بن ظبيان وفيه لين، والحديث أخرجه أحمد وأبو داود. قوله: (وقول النبي صلى الله عليه وسلم ليس على المسلمين جزية عشور يعني به جزية الرقبة) أي المراد من قوله جزية عشور جزية الرقبة لإخراج الأرض، (وفي الحديث ما يفسر هذا حيث قال إنما العشور) بضم العين جمع عشر (على اليهود والنصارى وليس على المسلمين عشور) أخرجه أبو داود. وقد فهم الترمذي أن المراد من العشور في هذا الحديث جزية الرقبة، قال ابن العربي في عارضة الأحوذي: ظن أبو عيسى أن حديث أبي أمية عن أبيه في العشور أنه الجزية وليس كذلك، وإنما أعطوا العهد على أن يقروا في بلادهم ولا يعترضوا في أنفسهم وأما على أن يكونوا في دارنا كهيئة المسلمين في التصرف وفيها والتحكم بالتجارة في مناكبها فلما أن داحت الأرض بالإسلام وهدأت الحال عن الاضطراب وأمكن الضرب فيها للمعاش أخذ منهم عمر ثمن تصرفهم وكان شيئاً يؤخذ منهم في الجاهلية فأقره الإسلام وخفف الأمر فيما يجلب إلى المدينة نظراً لها إذا لم يكن تقدير حتم ولا من النبي صلى الله عليه وسلم أصل، وإنما كان كما قال ابن شهاب حملا للحال كما كان في الجاهلية. وقد كانت في الجاهلية أمور أقرها الإسلام، فهذه هي العشور التي انفرد بروايتها أبو أمية، فأما الجزية كما قال أبو عيسى فلا، انتهى كلام ابن العربي. وقال القاري في المرقاة شرح المشكاة في شرح هذا الحديث ما لفظه: قال ابن الملك: أراد به عشر مال التجارة لا عشر الصدقات في غلات أرضهم. قال الخطابي: لا يؤخذ من المسلم شيء من ذلك دون عشر الصدقات، وأما اليهود والنصارى فالذي يلزمهم من العشور هو ماصولحوا عليه وقت العقد، فإن لم يصالحوا على شيء فلا عشور عليهم، ولا يلزمهم شيء أكثر من الجزية، فأما عشور أراضيهم وغلاتهم فلا تؤخذ منهم الشافعية، وقال أبو حنيفة: إن أخذوا منا عشوراً في بلادهم إذا ترددنا إليهم في التجارات أخذنا منهم، وإن لم يأخذوا لم نأخذ انتهى، وتبعه ابن الملك لكن المقرر في المذهب في مال التجارة أن العشر يؤخذ من مال الحربي، ونصف العشر من الذمي، وربع العشر من المسلم بشروط ذكرت في كتاب الزكاة. نعم يعامل الكفار بما يعاملون المسلمين، إذا كان بخلاف ذلك، وفي شرح السنة إذا دخل أهل الحرب بلاد الإسلام تجاراً. فإن دخلوا بغير أمان ولا رسالة غنموا، وإن دخلوا بأمان وشرطه أن يؤخذ منهم عشر أو أقل أو أكثر، أخذ المشروط، وإذا طافوا في بلاد الإسلام فلا يؤخذ منهم في السنة إلا مرة انتهى ما في المرقاة.
(باب ما جاء في زكاة الحلي) بضم الحاء وكسرها فكسر اللام وتشديد التحتية جمع الحلي بفتح فسكون، قال في القاموس: الحلي بالفتح ما يزين به من مصوغ المعدنيات أو الحجارة ج حلى كدلي أو هو جمع والواحد حلية كضبية، والحلية بالكسر الحلي ج حلى وحلى انتهى. وقال في النهاية: الحلي اسم لكل ما يتزين به من مصاغ الذهب والفضة والجمع حلي بالضم والكسر وجمع الحلية حلي مثل لحية ولحى وربما تضم وتطلق الحيلة على الصفة أيضاً انتهى. 630- حدثنا هَنّادٌ، حدثنا أبو مُعَاوِيَةَ عن الأعْمَشِ عن أبي وَائِلٍ عن عَمْرِو بنِ الحارِثِ بنِ المُصْطَلِقِ عن ابنِ أَخِي زَيْنَبَ امْرَأَةِ عبدِ الله عن زَيْنَبَ امْرَأَةِ عبدِ الله بن مسعود قالت: خَطَبَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا مَعْشَرَ النّسَاءِ تَصَدّقْنَ وَلَوْ مِن حُلِيّكُنّ فإنّكُنّ أكثَرُ أَهْلِ جَهنّمَ يَوْمَ القِيَامةِ". 631- حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا أبو دَوادَ عن شُعْبَةَ عن الأَعْمَشِ قالَ: سَمِعْتُ أبَا وَائِلٍ يُحَدّثُ عن عَمْرو بنِ الحارِثِ بنِ أخِي زَيْنبَ امْرَأَةِ عبدِ الله عن زَيْنَبَ امْرَأَةِ عبدِ الله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ. قال أبو عيسى: وهذَا أصَحّ مِنْ حَدِيِثِ أبي مُعَاوِيَةَ. وأبو مُعَاوِيَةَ وَهِمَ في حَدِيِثِهِ فَقَالَ: عن عَمْرو بنِ الحارِثِ عن ابنِ أخِي زَيْنَبَ. والصّحِيحُ إنّما هُو عن عَمْرو بنِ الحارِثِ ابنِ أخِي زَيْنَبَ. وقد رُوِيَ عن عَمْرِو بنِ شعَيْبٍ عن أبيه عن جَدّهِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ رَأَى في الحُلِيّ زكاةً. وفي إسْنَادِ هذا الحديث مَقَالٌ. واخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ في ذلكَ، فَرَأَى بَعْضُ أَهْلِ العِلمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم والتابِعِينَ في الحُلِيّ زكاةَ ما كانَ مِنْهُ ذَهَبٌ وفِضّةٌ. وبهِ يقولُ سُفْيَان الثوْرِيّ وعبدُ الله بن المَبارَكِ. وقالَ بعضُ أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم منهم ابنُ عُمَرَ وعائِشَةُ وجابرُ بنُ عبدِ الله وأنسُ بنُ مالكٍ: لَيْسَ في الحُلِيّ زكاةٌ. وهكذَا رُوِيَ عن بعضِ فُقَهَاء التّابِعِينَ. وبه يقولُ مالكُ بنُ أَنَسٍ والشافعيّ وأَحمدُ وإسحاقُ. 632- حدثنا قُتَيْبةُ، حدثنا ابنُ لَهِيعَةَ عن عَمْروِ بنِ شُعَيْبٍ عن أَبيهِ عن جَدّهِ أنّ امْرَأَتَيْنِ أَتَتَا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وفي أَيْدِيهِمَا سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فقالَ لَهُمَا: أَتُؤَدّيَانِ زَكَاتَهُ؟ قَالَتَا: لا، قال فقالَ لَهُمَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أَتُحِبّانِ أنْ يُسَوّرَكُمَا الله بِسِوارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟ قَالَتَا: لا، قال: فَأَدّيَا زكاَتَهُ". قال أبو عيسى: وهذا حديثٌ قد رَوَاهُ المُثَنّى بنُ الصّبّاحِ عن عَمْروِ بن شُعَيْبٍ نَحْوَ هذَا. والمُثَنّى بنُ الصّبّاحِ وابنُ لَهِيعَةَ يُضَعّفَانِ في الحديثِ ولا يَصِح في هذَا الباب عن النبيّ صلى الله عليه وسلم شَيْءٌ. قوله: (فقال يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن) قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي: مناسبته بالترجمة باعتبار أن الأمر فيه للوجوب لأن الأصل فيه ذلك، أي تصدقن وجوباً، ولو كانت الصدقة من حليكن وهو الذي فهمه المصنف، وأما القول بأنه أمر ندب بالصدقة النافلة لأنه خطاب بالحاضرات ولم تكن كلهن ممن فرضت عليهن الزكاة. والظاهر أن معنى قوله (ولو من حليكن) أي ولو تيسر من حليكن، وهذا لا يدل على أنه يجب في الحلي، إذا يجوز أن يكون واجباً على الإنسان في أمواله الأخر ويؤديه من الحلي، فذكر المصنف الحديث في هذا الباب لا يخلو عن خفاء- فعدول عن الأصل الذي هو الوجوب وتغيير للمعنى الذي هو الظاهر. لأن معناه تصدقن من جميع الأموال التي تجب فيها الزكاة عليكن، ولو كانت الصدقة الواجبة من حليكن، وإنما ذكر "لو" لدفع توهم من يتوهم أن الحلي من الحوائج الأصلية ولا تجب فيها الزكاة ويؤيد هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم (فإنكن أكثر أهل جهنم)، أي لترك الواجبات. وأما كون الخطاب للحاضرات خصوصاً فممنوع، بل الخطاب لكل من يصلح للخطاب، نعم فيه تلميح إلى حسن الصدقة في حق غير الغنيات فلا يرد أن كون الأمر للوجوب لا يستقيم، ويؤيده ما في آخر هذا الحديث في البخاري: قالت زينب لعبد الله قد أمرنا بالصدقة فأته فسله فإن كان ذلك يجزئ عني وإلا صرفتها إلى غيركم الحديث، لأن النوافل من الصدقات، لا كلام في جوازهما لو صرفت إلى الزوج، انتهى كلام أبي الطيب. قلت: في الاستدلال بهذا الحديث على وجوب الزكاة في الحلي نظر، فإنه ليس بنص صريح فيه لاحتمال أن يكون معنى قوله ولو من حليكن أي ولو تيسر من حليلكن كما قيل، وهذا لا يدل على وجوب الزكاة في الحلي إذ يجوز أن يكون واجباً على الإنسان في أمواله الأخر ويؤديه من الحلي، وقد ذكر أبو الطيب هذا الاحتمال ولم يجب عن هذا جواباً شافياً فتفكر. قوله: (وأبو معاوية وهم في حديثه فقال عن عمرو بن الحارث عن ابن أخي زينب، والصحيح إنما هو عن عمرو بن الحارث بن أخي زينب) كما قال شعبة، فوهم أبي معاوية في حديثه، أنه جعل عمرو بن الحارث وابن أخي زينب رجلين الأول يروي عن الثاني وليس الأمر كذلك، بل ابن أخي زينب صفة لعمرو ابن الحارث، والحاصل أن زيادة لفظ (عن) بين عمرو بن الحارث وابن أخي زينب وهم الصحيح حذفه كما في رواية شعبة، قال الحافظ في الفتح: وقد حكى ابن القطان الخلاف فيه على أبي معاوية وشعبة، وخالف الترمذي في ترجيح رواية شعبة في قوله عن عمرو بن الحارث عن ابن أخي زينب لانفراد أبي معاوية بذلك. قال ابن القطان: لا يضره الانفراد لأنه حافظ وقد وافقه حفص بن غياث في رواية عنه، وقد زاد في الإسناد رجلاً لكن يلزم من ذلك أن يتوقف في صحة الإسناد، لأن ابن أخي زينب حينئذ لا يعرف حاله، وقد حكى الترمذي في العلل المفردات أنه سأل البخاري عنه فحكم على رواية أبي معاوية بالوهم، وأن الصواب رواية الجماعة عن الأعمش عن شقيق عن عمرو بن الحارث بن أخي زينب انتهى ما في الفتح. قوله: (وقد روي عن عمرو بن شعيب إلخ) أخرجه الترمذي في هذا الباب وبين ما فيه من المقال. قوله: (فرأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين في الحلي زكاة ما كان منه ذهب وفضة) يعني أن اختلاف أهل العلم إنما هو في حلي الذهب والفضة، وأما في حلى غير الذهب والفضة كاللؤلؤ فليس فيه اختلاف إذا لم يكن للتجارة. وأخرج ابن عدي في الكامل عن عمر بن أبي عمر الكلاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً لا زكاة في حجر، وضعف بعمر الكلاعي وقال إنه مجهول لا أعلم حديث عنه غير بقية وأحاديثه منكرة وغير محفوظة انتهى، وأخرجه أيضاً عن محمد بن عبيد الله الغردمي عن عمرو بن شعيب به وضعف الغردمي عن البخاري والنسائي والفلاس ووافقهم عليه في ذلك، وأخرج بن أبي شيبة في مصنفه عن عكرمة قال: ليس في حجر اللؤلؤ ولا حجر الزمرد زكاة إلا أن يكون للتجارة، فإن كانت للتجارة فيه الزكاة، كذا في نصب الراية (وبه يقول سفيان الثوري وعبد الله بن المبارك) وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وروى ذلك عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهم، وبه قال سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعطاء ومحمد بن سيرين وجابر بن زيد ومجاهد والزهري وطاؤس وميمون بن مهران والضحاك وعلقمة والأسود وعمر بن عبد العزيز وذر الهمداني والأوزاعي وابن شبرمة والحسن بن حي، وقال ابن المنذر وابن حزم: الزكاة واجبة بظاهر الكتاب والسنة، كذا في عمدة القاري شرح البخاري للعلامة العيني. وفي نصب الراية: أخرج ابن أبي شيبة عن عطاء وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير وطاؤس وعبد الله بن شداد أنهم قالوا في الحلي الزكاة زاد ابن الشداد: حتى في الخاتم، وأخرج عن عطاء أيضاً وإبراهيم النخعي قالوا: السنة أن في الحلي الذهب والفضة الزكاة انتهى، وفيه أيضاً روى ابن أبي شيبة في مصنفه: حدثنا وكيع عن مساور الوراق عن شعيب بن يسار قال: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه أن مر من قبلك من نساء المسلمين أن يزكين حليهن. قال البخاري في تاريخه هو مرسل انتهى. وقال الحافظ في الدراية: أخرج ابن أبي شيبة بإسناد ضعيف أن عمر كتب إلخ، وروي عبد الرزاق رواه الطبراني في معجمه، ذكره الحافظ الزيلعي وابن حجر في تخريجهما وسكتا عنه. وروى الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عمرو أنه كان يكتب إلى خازنه سالم أن يخرج زكاة حلى نسائه كل سنة، ورواه ابن أبي شيبة حدثنا وكيع عن جرير بن حازم عن ابن عمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمرو أنه كان يأمر نسائه أن يزكين حليهن انتهى. قال في سبل السلام: وفي المسألة أربعة أقوال: الأولى وجوب الزكاة، وهو مذهب الهدوية وجماعة من السلف وأحد أقوال الشافعي عملا بهذه الأحاديث. والثاني لا تجب الزكاة في الحلية. وهو مذهب مالك وأحمد والشافعي في أحد أقواله لاَثار وردت عن السلف قاضية بعدم وجوبها في الحلية، ولكن بعد صحة الحديث لا أثر للاَثار، والثالث أن زكاة الحلية عاريتها، كما روى الدارقطني عن أنس وأسماء بنت أبي بكر، الرابع أنها تجب فيها الزكاة مرة واحدة رواه البيهقي عن أنس، وأظهر الأقوال دليلاً وجوبها لصحة الحديث وقوته انتهى. قلت: القول بوجوب الزكاة في حلي الذهب والفضة هو الظاهر الراجح عندي يدل عليه أحاديث، فمنها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده الذي روى أبو داود في سننه من طريق حسين بن ذكوان المعلم عنه وهو حديث صحيح كما ستعرف. ومنها حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها كانت تلبس أوضاحاً من ذهب فقالت يا رسول الله أكنز هو؟ فقال: "إذا أديت زكاته فليس بكنز"، أخرجه أبو داود والدارقطني وصححه الحاكم. كذا في بلوغ المرام. وقال الحافظ في الدراية: قواه ابن دقيق العيد. ومنها حديث عائشة رواه أبو داود عن عبد الله بن شداد أنه قال: دخلنا على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يدي فتخات من ورق، "فقال ما هذا يا عائشة؟" فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله، "قال أتؤدين زكاتهن؟" قلت: لا، أو ما شاء الله، "قال هو حسبك من النار". وأخرجه الحاكم في مستدركه وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال الحافظ في الدارية: قال ابن دقيق العيد: هو على شرط مسلم. ومنها حديث أسماء بنت يزيد أخرجه أحمد في مسنده حدثنا علي بن عاصم عن عبد الله بن عثمان ابن خيثم عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت: دخلت أنا وخالتي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلينا أسورة من ذهب فقال لنا: "أتعطيان زكاتها؟" فقلنا لا، قال: أما تخافان أن يسوركما الله أسورة من نار؟ أديا زكاتها؟ ذكر الحافظ في التلخيص وسكت عنه وقال في الدراية: في إسناده مقال. وقال العيني في عمدة القاري: فإن قلت. قال ابن الجوزي وعلي بن عاصم وعبد الله بن خيثم قال ابن معين أحاديثه ليست بالقوية، وشهر بن حوشب قال ابن عدي لا يحتج بحديثه، قلت: ذكر في الكمال: وسئل أحمد عن علي بن عاصم فقال هو والله عندي ثقة، وأنا أحدث عنه، وعبد الله بن خيثم قال بن معين هو ثقة حجة، وشهر بن حوشب قال أحمد ما أحسن حديثه ووثقه، وعن يحيى هو ثقة، وقال أبو زرعة: هو لا بأس به. فظهر من هذا كله سقوط كلام ابن الجوزي وصحة الحديث انتهى كلام العيني. قلت: علي بن عاصم متكلم فيه، قال البخاري. ليس بالقوي عندهم يتكلمون فيه انتهى كذا في الميزان. وشهر بن حوشب صدوق كثير الإرسال والأوهام كما في التقريب، ففي صحة حديث أسماء بنت يزيد نظر، لكن لا شك في أنه يصلح للاستشهاد. ومنها حديث فاطمة بنت قيس قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بطرق فيه سبعون مثقالاً من ذهب، فقلت يا رسول الله خذ منه الفريضة فأخذ منه مثقالاً وثلاثة أرباع مثقال. أخرجه الدارقطني وفي إسناده أبو بكر الهزلي وهو ضعيف، ونصر بن مزاحم وهو أضعف منه، وتابعه عباد بن كثير أخرجه أبو نعيم في ترجمة شيبان بن زكريا من تاريخه كذا في الدراية. ومنها حديث عبد الله بن مسعود قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن لامرأتي حلياً من ذهب عشرين مثقالاً قال فأد زكاته نصف مثقال وإسناده ضعيف جداً أخرجه الدارقطني كذا في الدراية. قوله: (وقال بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم ابن عمر وعائشة وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك: ليس في الحلي زكاة) قال الحافظ في الدراية: قال الأثرم: قال أحمد: خمسة من الصحابة كانوا لا يرون في الحلي زكاة: ابن عمر وعائشة وأنس وجابر وأسماء انتهى. فأما ابن عمر فهو عند مالك عن نافع عنه، وأما عائشة فعنده أيضاً وهما صحيحان، وأما أنس فأخرجه الدارقطني من طريق علي بن سليمان: سألت أنساً عن الحلي فقال: ليس فيه زكاة، وأما جابر فرواه الشافعي عن سفيان عن عمر بن شعيب. سمعت رجلاً سأل جابراً عن الحلي أفيه زكاة قال: لا، قال البيهقي في المعرفة: فأما ما يروي عن جابر مرفوعاً. ليس في الحلي زكاة فباطل لا أصل له، وإنما يروى عن جابر من قوله، وأما أسماء فروى الدارقطني من طريق هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تحلي بناتها الذهب ولا تزكي نحواً من خمسين ألفاً انتهى ما في الدراية. (وهكذا روى عن بعض فقهاء التابعين) كالقاسم بن محمد والشعبي فقالا: لا تجب الزكاة في الحلي (وبه يقول مالك بن أنس والشافعي وأحمد وإسحاق) قال العيني: كان الشافعي بهذا في العراق وتوقف بمصر، وقال هذا مما استخير الله فيه، وقال الليث: ما كان من حلي يلبس ويعار فلا زكاة فيه وإن اتخذ للتحرز عن الزكاة ففيه الزكاة. وقال أنس: يزكي عاماً واحداً لا غير انتهى كلام العيني. واحتج لمن قال بعدم وجوب الزكاة في الحلي بحديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس في الحلي زكاة، رواه ابن الجوزي في التحقيق بسنده عن عافية بن أيوب عن ليث بن سعد عن أبي الزبير عنه". وأجيب عنه بأنه حديث باطل لا أصل له. قال البيهقي في المعرفة: وما يروى عن عافية بن أيوب عن الليث عن أبي الزبير عن جابر مرفوعاً: ليس في الحلى زكاة، فباطل لا أصل له، إنما يروى عن جابر من قوله. وعافية بن أيوب مجهول، فمن احتج به مرفوعاً كان مغروراً بدينه داخلاً فيما يعيب المخالفين من الاحتجاج برواية الكذابين انتهى. وقال الشيخ في الإمام: رأيت بخطة شيخنا المنذري رحمه الله وعافية بن أيوب لم يبلغني فيه ما يوجب تضعيفه، قال الشيخ: ويحتاج من يحتج به إلى ذكر ما يوجب تعديله انتهى. واحتج لهم أيضاً بآثار ابن عمر وعائشة وأنس وجابر: وللقائلين بعدم وجوب الزكاة في الحلى أعذار عديدة كلها باردة. فمنها أن أحاديث الزكاة في الحلى محمولة على أنها كانت في ابتداء الإسلام حين كان التحلي بالذهب حراماً على النساء فلما أبيح لهن سقطت الزكاة، وهذا العذر باطل، قال البيهقي كيف يصح هذا القول من حديث أم سملة رضي الله عنها وحديث فاطمة بنت قيس وحديث أسماء وفيها التصريح بلبسه مع الأمر بالزكاة انتهى. ومنها أن الزكاة المذكورة في هذه الأحاديث إنما كانت للزيادة على قدر الحاجة، وهذا إدعاء محض لا دليل عليه، بل في بعض الروايات مايرده، قال الحافظ الزيلعي وبسند الترمذي رواه أحمد وابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه في مسانيدهم وألفاظهم قال لهما: فأديا زكاة هذا الذي في أيديكما، وهذا اللفظ يرفع تأويل من يحمله على أن الزكاة المذكورة فيه شرعت الزيادة فيه على قدر الحاجة انتهى. ومنها أن المراد بالزكاة في هذه الأحاديث التطوع إلى الفريضة، أو المراد بالزكاة الإعارة، قال القاري في المرقاة: وهما في غاية البعد إذ لا وعيد في ترك التطوع والإعارة مع أنه لا يصح إطلاق الزكاة على العارية لا حقيقة ولا مجازاً انتهى. قوله: (وفي أيديهما سواران) تثنية سوار ككتاب وغراب القلب كالأسوار بالضم وجمعه أسورة وأساور وأساورة كذا في القاموس، قلت يقال له في الفارسية دست برنجن وفي الهندية كنكن (أتؤديان زكاته) أي الذهب أو ما ذكر من السوارين، قال الطيبي الضمير فيه بمعنى اسم الإشارة كما في قوله تعالى. {لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك} (فأديا زكاته) فيه دليل وجوب الزكاة في الحلى وهو الحق. قوله. (ولا يصح في هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء) قال ابن الملقن: بل رواه أبو داود في سننه بإسناد صحيح ذكره ميرك كذا في المرقاة، وقال الزيلعي في نصب الراية: قال المنذري: لعل الترمذي قصد الطريقين الذين ذكرهما، فطريق أبي داود لا مقال فيها انتهى. وقال الحافظ ابن حجر في الدراية بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه: كذا قال وغفل عن طريق خالد بن الحارث انتهى. قلت: روى أبو داود في سننه حدثنا أبو كامل وحميد بن مسعدة المعنى أن خالد بن الحارث حدثهم أخبرنا حسين عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب فقال "لها أتعطين زكاة هذا؟" قالت: لا، قال: "أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟" قال فخلعتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله ورسوله. وإلى هذا الحديث أشار ابن الملقن والمنذري والحافظ بن حجر. وقال الزيلعي في نصب الراية بعد ذكر حديث أبي داود هذا ما لفظه: قال ابن القطان في كتابه إسناده صحيح، وقال المنذري في مختصر إسناده لا مقال فيه فإن أبا داود رواه عن أبي كامل الجحدري وحميد بن مسعدة وهما من الثقات احتج بهما مسلم، وخالد بن الحارث إمام فقيه احتج به البخاري ومسلم وكذلك حصين بن ذكوان المعلم احتجا به في الصحيح. ووثقه ابن المديني وابن معين وأبو حاتم وعمرو بن شعيب فهو ممن قد علم، وهذا إسناد يقوم به الحجة إن شاء الله تعالى انتهى. قلت: فظهر أن قول الترمذي لا يصح في هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء غير صحيح والله تعالى أعلم.
(باب ما جاء في زكاة الخضراوات) بفتح الخاء المعجمة جمع خضراء والمراد بها الرياحين والورود والبقول والخيار والقثاء والبطيخ والباذنجان وأشباه ذلك. 633- حدثنا عليّ بنُ خَشْرَمٍ، أخبرنا عيسى بنُ يُونُسَ عن الحَسَنِ بن عمارة عن محمدِ بنِ عبدِ الرحمَنِ بنِ عُبَيْدٍ عن عيسى بنِ طَلْحَةَ عن مُعَاذٍ "أنهُ كَتَبَ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم يَسأَلُهُ عن الخَضْراوَاتِ وهيَ البُقُولُ، فقالَ: لَيْسَ فيها شَيْءٌ". قال أبو عيسى: إسْنَادُ هذا الحَدِيثِ لَيْسَ بصَحِيحٍ. ولَيْسَ يَصِحّ في هذا البَابِ عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم شَيْءٌ. وإنّمَا يُرْوَى هذا عن موسى بنِ طَلْحةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً. والعملُ على هذا عِنْدَ أهلِ العِلم أنهُ لَيْسَ في الخضْروَاتِ صَدَقَةٌ. قال أبو عيسى: والحَسَنُ هو ابنُ عُمَارَةَ وهو ضَعِيفٌ عندَ أهلِ الحَديِثِ، ضَعّفَهُ شُعْبَةُ وغَيْرُهُ وتَرَكَهُ عبدُ الله بنُ المَبارَكِ. قوله: (عن محمد بن عبد الرحمَن بن عبيد) القرشي مولى آل طلحة كوفي ثقة من السادسة (عن عيسى بن طلحة) بن عبيد الله التيمي المدني ثقة فاضل من كبار الثالثة (وهي البقول) هذا تفسير من بعض الرواة (فقال ليس فيها شيء) لأنها لا تقتات، والزكاة لا تختص بالقوت، وحكمته أن القوت ما يقوم به من بدن الإنسان، لأن الاقتيات من الضروريات التي لا حياة بدونها، فوجب فيها حق لأرباب الضرورات قاله القاري. والحديث يدل على عدم وجوب الزكاة في الخضراوات، وإلى ذلك ذهب مالك والشافعي وقالا: إنما تجب فيما يكال ويدخس للاقتيات. وعن أحمد أنها تخرج مما يكال ويدخر ولو كان لا يقتات، وبه قال أبو يوسف ومحمد. وأوجبها في الخضراوات الهادي والقاسم إلا الحشيش والحطب لحديث: الناس شركاء في ثلاث، ووافقهما أبي حنيفة إلا أنه استثنى السعف والتبن. واستدلوا على وجوب الزكاة في الخضراوات بعموم قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة} وقوله {ومما أخرجنا لكم من الأرض} وقوله {وآتوا حقه يوم حصاده} وبعموم حديث: فيما سقت السماء معشر ونحوه، قالوا: وحديث الباب ضعيف لا يصلح لتخصيص هذه العمومات. وأجيب بأن طرقه يقوي بعضها بعضاً فينتهي لتخصيص هذه العمومات، ويقوي ذلك ما أخرجه الحاكم والبيهقي والطبراني من حديث أبي موسى ومعاذ حين بعثهما النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم فقال: لا تأخذ الصدقة إلا من هذه الأربعة الشعير والحنطة والزبيب والتمر، قال البيهقي: رواته ثقات وهو متصل، وما أخرجه الطبراني عن عمر قال: إنما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في هذه الأربعة فذكرها، وهو من رواية موسى بن طلحة عن عمر، قال أبو زرعة: موسى عن عمر مرسل، وما أخرجه ابن ماجه والدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ: إنما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب، زاد ابن ماجه: والذرة، وفي إسناده محمد بن عبيد الله العرزمي وهو متروك، وما أخرجه البيهقي من طريق مجاهد قال: لم تكن الصدقة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا في خمسة فذكرها، وأخرج أيضاً من طريق الحسن فقال: لم يفرض الصدقة النبي صلى الله عليه وسلم إلا في عشرة، فذكر الخمسة المذكورة والإبل والبقر والغنم والذهب والفضة، وحكى أيضاً عن الشعبي أنه قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن: إنما الصدقة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب، قال البيهقي: هذه المراسيل طرقها مختلفة وهي يؤكد بعضها بعضاً انتهى. فلا أقل من انتهاض هذه الأحاديث لتخصيص تلك العمومات التي قد دخلها التخصيص بالأوساق والبقر والعوامل وغيرها، فيكون الحق ما ذهب إليه الحسن البصري والحسن بن صالح والثوري والشعبي من أن الزكاة لا تجب إلا في البر والشعير والتمر والزبيب، لا فيما عدا هذه الأربعة مما أخرجت الأرض. وأما زيادة الذرة في حديث عمرو بن شعيب فقد عرفت أن في إسنادها متروكاً ولكنها معتضدة بمرسل مجاهد والحسن انتهى كلام الشوكاني. قلت: في إسناد حديث أبي موسى ومعاذ وطلحة بن يحيى وهو مختلف فيه قاله الحافظ بن حجر في الدراية ص 164: ورواه الحاكم في المستدرك مرفوعاً باللفظ المذكور، ورواه البيهقي بلفظ أنهما حين بعثا إلى اليمن لم يأخذوا الصدقة إلا من هذه الأربعة، قال الشيخ في الإمام: وهذا غير صريح في الرفع كذا في نصب الراية. وأما ما أخرجه الحاكم من طريق مجاهد ففي سنده خصيف، قال الحافظ في التقريب: الخصيف بن عبد الرحمَن الجزري صدوق سيء الحفظ خلط بآخره. وأما ما أخرج من طريق الحسن ففي سنده عمرو بن عبيد وهو متكلم فيه على ما قال الزيلعي في نصب الراية. قوله: (وليس يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء) وفي الباب عن علي وعائشة ومحمد بن جحش وأنس وطلحة لكنها كلها ضعيفة وقد ذكرها مع بيان ضعفها الحافظ الزيلعي في نصب الراية وقال بعد ذكرها: قال البيهقي: وهذه الأحاديث يشهد بعضها بعضاً ومعها قول بعض الصحابة، ثم أخرج عن الليث عن مجاهد عن عمر قال: ليس في الخضراوات صدقة. قال الشيخ في الإمام: ليث بن أبي سليم قد علل البيهقي به روايات كثيرة، ومجاهد عن عمر منقطع، وأخرج عن قيس بن الربيع عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله تعالى عنه قال: ليس في الخضراوات والبقول صدقة، قال الشيخ: وقيس بن الربيع متكلم فيه انتهى. قوله: (وإنما يروى هذا عن موسى بن طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً)، رواه الدارقطني في سننه (والحسن هو ابن عمارة الخ) قال الحافظ في التقريب: الحسن بن عمارة البجلي مولاهم أبو محمد الكوفي قاضي بغداد متروك من السابعة.
634- حدثنا أبو موسى الأنْصَارِيّ، حدثنا عَاصِمُ بنُ عبدِ العَزِيزِ المَدَنِيّ حدثنا الحَارِثُ بنُ عبدِ الرحمَنِ بنِ أبي ذُبَابٍ عن سُلَيْمانَ بنِ يَسَارٍ و بُسْرِ بنِ سَعِيدٍ عن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "فِيمَا سَقَتِ السّمَاءُ والعُيُونُ العُشْرُ، وفِيمَا سُقِيَ بالنّضْح نِصْفُ العُشْرِ". قال وفي البابِ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ وابنِ عُمَرَ وجَابِرٍ. قال أبو عيسى: وقد رُوِيَ هذا الحَديِثُ عن بُكَيْرِ بنِ عبدِ الله بنِ الأشَجّ وعن سُلَيْمانَ بنِ يَسَارٍ و وبُسْرِ بنِ سَعِيدٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلا. وكأَنّ هذا أَصَحّ. وقد صَحّ حديثُ ابنِ عُمَر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في هذا البابِ وعليهِ العملُ عندَ عَامّةِ الفُقَهَاءِ. 635- حدثنا أَحمدُ بنُ الحَسَنِ حدثنا سعِيدُ بنُ أَبي مَرْيَمَ حدثنا ابنُ وَهْبٍ حدثني يُونُسُ عن ابنِ شِهَابٍ عن سَالِمٍ عن أَبيِه عَنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم "أَنّهُ سَنّ فِيمَا سَقَتِ السّمَاءُ والعُيُونُ أو كانَ عَثَرِيّاً العشرَ، وفِيمَا سُقِيَ بالنّضْجِ نِصْف العُشْرِ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قوله: (مديني) خبر مبتدأ محذوف أي هو مديني (أخبرنا الحارث بن عبد الرحمَن بن أبي ذباب) بضم المعجمة وبموحدتين صدوق يهم من الخامسة (وبسر بن سعيد) بضم أوله ثم مهملة ساكنة ثقة جليل من الثانية. قوله: (فيما سقت من السماء) أي المطر من باب ذكر المحل وإرادة الحال، وليس المراد خصوص المطر بل السيل والأنهار كذلك (والعيون) أي الجارية على وجه الأرض التي لا يتكلف في رفع مائها لاَلة ولا لحمل (العشر) مبتدأ وخبره فيما سقت السماء، أي العشر واجب فيما سقت السماء (وفيما سقي بالنضح) بفتح النون وسكون المعجمة بعدها مهملة أي بالسانية وهي رواية مسلم، والمراد بها الإبل التي يستقى عليها، وذكر الإبل كالمثال وإلا فالبقر وغيرها كذلك في الحكم، كذا في الفتح، والنضح في الأصل مصدر بمعنى السقي، قال الجزري في النهاية: النواضح هي الإبل التي يستقى عليها والواحد الناضح انتهى. قوله: (وفي الباب عن أنس بن مالك وابن عمر وجابر) أما حديث أنس فأخرجه ابن النجار عن أبان عن أنس، وأما حديث ابن عمر فأخرجه البخاري وأصحاب السنن، وأما حديث جابر فأخرجه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود. قوله: (وعليه العمل عند عامة الفقهاء) قال النووي في شرح مسلم في شرح حديث جابر: فيما سقت الأنهار والغيم العشور وفيما سقي بالسانية نصف العشر ما لفظه: في هذا الحديث وجوب العشر فيما سقي بماء السماء والأنهار ونحوها مما ليس فيه مؤنة كثيرة، ونصف العشر فيما سقي بماء السماء والأنهار ونحوها مما ليس فيه مؤنة كثيرة، ونصف العشر فيما سقي بالنواضح وغيرها مما فيه مؤنة كثيرة، وهذا متفق عليه، ولكن اختلف العلماء في أنه هل يجب الزكاة في كل ما أخرجت الأرض من الثمار والزروع والرياحين وغيرها إلا الحشيش والحطب ونحوها أم يختص؟ فعمم أبو حنيفة وخصص الجمهور على اختلاف لهم فيما يختص به انتهى. قلت: قد تقدم الكلام في هذا في الباب السابق. وقال الحافظ في الفتح: دل الحديث على التفرقة في القدر المخرج الذي يسقى بنضح أو بغير نضح. فإن وجد ما يسقي بهما فظاهره أنه يجب فيه ثلاثة أرباع العشر إذا تساوى ذلك، وهو قول أهل العلم، قال ابن قدامة: لا نعلم فيه خلافاً، وإن كان أحدهما أكثر كان حكم الأقل تبعاً للأكثر، نص عليه أحمد. وهو قول الثوري وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي، والثاني يؤخذ بالقسط، ويحتمل أن يقال إن أمكن فصل كل واحد منهما أخذ بحسابه. وعن ابن القاسم صاحب مالك: العبرة بما تم به الزرع وانتهى ولو كان أقل انتهى. قوله: (عن أبيه) أي عبد الله بن عمر رضي الله عنه (أنه سن) أي شرع وقرر (أو كان عثرياً) بفتح المهملة والمثلثة وكسر الراء وتشديد التحتانية، قال في النهاية: هو من النخل الذي يشرب بعروقه من ماء المطر يجتمع في حفيرة، وقيل هو العذق الذي لا يسقيه إلا ماء المطر، قال القاضي: والأول ههنا أولى لئلا يلزم التكرار وعطف الشيء على نفسه، وقيل: ما يزرع في الأرض تكون رطبة أبداً لقربها من الماء، كذا في المرقاة (العشور) قال النووي: ضبطناه بضم العين جمع عشرة، وقال القاضي عياض: ضبطناه من عامة شيوخنا بفتح العين، وقال هو اسم للمخرج من ذلك، وقال صاحب المطالع: أكثر الشيوخ يقولونه بالضم وصوابه الفتح، قال النووي: وهذا الذي ادعاه من الصواب ليس بصحيح وقد اعترف بأن أكثر الرواة رووه بالضم وهو الصواب جمع عشر، وقد اتفقوا على قولهم: عشور أهل الذمة بالضم ولا فرق بين اللفظين انتهى. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري وغيره. تنبيه: مذهب جمهور أهل العلم والأئمة الأربعة: وجوب العشر في جميع الحبوب من الحنطة والشعير والعدس والحمص والأرز ونحو ذلك. قال الإمام مالك في موطأه: والحبوب التي فيها الزكاة: الحنطة والشعير والسلت والذرة والدخن والأرز والعدس والجلبان واللوبيا والجلجلان وما أشبه ذلك من الحبوب التي تصير طعاماً فالزكاة تؤخذ منها كلها بعد أن تحصد وتصير حباً انتهى. وتمسكوا بعموم أحاديث الباب وبعموم الاَيات التي تدل على وجوب العشر. وذهب الحسن البصري والحسن بن صالح والثوري والشعبي وابن سيرين، إلى أنه لا يجب الزكاة إلا في الشعير والحنطة والزبيب والتمر، فوجوب العشر عند هؤلاء منحصر في هذه الأربعة، واحتجوا بما روى الطبراني والحاكم والدارقطني عن أبي موسى الأشعري ومعاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهما: "لا تأخذا الصدقة إلا من هذه الأصناف الأربعة الشعير والحنطة والزبيب والتمر". قال صاحب سبل السلام: قال البيهقي رواته ثقات وهو متصل، وروى الطبراني من حديث موسى بن طلحة عن عمر: إنما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في هذه الأربعة فذكرها، قال أبو زرعة إنه مرسل، ورجح هذا المذهب حيث قال: فالأوضح دليلاً مع الحاصرين للوجوب في هذه الأربعة انتهى. وكذا رجح الشوكاني في النيل هذا المذهب حيث قال: فالحق أن الزكاة لا تجب إلا في البر والشعير والتمر والزبيب لا فيما عدا الأربعة مما أخرجت الأرض. قال: وأما زيادة الذرة في حديث عمرو بن شعيب فقد عرفت أن في إسنادها متروكاً لكنها معتضدة بمرسل مجاهد والحسن انتهى. قلت: في سند حديث أبي موسى ومعاذ المذكور طلحة بن يحيى وهو مختلف فيه، قال الحافظ في الدراية: وروى الحاكم من طريق أبي بردة عن أبي موسى ومعاذ حين بعثهما النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن: لا تأخذوا الصدقة إلا من هذه الأربعة فذكرها، ورواه البيهقي عنهما موقوفاً، وفي الإسناد طلحة بن يحيى مختلف فيه، وهو أمثل مما في الباب انتهى كلام الحافظ. ثم الحصر فيه ليس حصراً حقيقياً وإلا يلزم أن لا تجب الزكاة في صنف غير هذه الأصناف الأربعة، واللازم باطل فالملزوم مثله، بل الحصر فيه إضافي. قال القاري في المرقاة في شرح هذا الحديث: والحصر فيه إضافي انتهى. والدليل على كون هذا الحصر إضافياً ما رواه الحاكم في المستدرك عن معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فيما سقت السماء والبعل والسيل العشر"، "وفيما سقي بالنضح نصف العشر، وإنما يكون ذلك في التمر والحنطة والحبوب"، وأما القثاء والبطيخ والرمان والقصب فقد عفى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. فالحق عندي ما ذهب إليه الجمهور والله تعالى أعلم. تنبيه آخر: قال الحنفية: إن العشر والخراج لا يجتمعان على مسلم ويستدلون بحديث: لا يجتمع عشر وخراج في أرض مسلم. قلت: لم يقم دليل صحيح على قولهم هذا، وأما هذا الحديث الذي يستدلون به فباطل لا أصل له، قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية: الحديث الثالث قال عليه السلام: "لا يجتمع عشر وخراج في أرض مسلم"، قلت رواه ابن عدي في الكامل عن يحيى بن عنبسة حدثنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجتمع على مسلم خراج وعشر" انتهى. قال ابن عدي: يحيى بن عنبسة منكر الحديث وإنما يروي هذا من قول إبراهيم، وقد رواه أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم قوله: فجاء يحيى بن عنبسة فأبطل فيه ووصله إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويحيى بن عنبسة مكشوف الأمر في ضعفه لروايته عن الثقات الموضوعات انتهى. قال ابن حبان: ليس هذا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحيى بن عنبسة دجال يضع الحديث لا يحل الرواية عنه انتهى: وقال الدارقطني: يحيى هذا دجال يضع الحديث وهو كذب على أبي حنيفة ومن بعده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره ابن الجوزي في الموضوعات. وقال البيهقي: هو حديث باطل ويحيى هذا متهم بالوضع انتهى ما في نصب الراية. قلت: وأحاديث الباب بعمومها تدل على الجمع بين الخراج والعشر. قال الزيلعي في نصب الراية: استدل ابن الجوزي في التحقيق للشافعي في الجمع بين العشر والخراج بعموم الحديث عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سن في ما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً العشور، وفيما سقي بالنضح نصف العشر تفرد به البخاري، وهذا عام في الخراجية وغيرها انتهى. وقال الزيلعي في ذلك الكتاب استدل الشيخ تقي الدين في الإمام للشافعي بما أخرجه البيهقي عن يحيى بن آدم حدثنا سفيان بن سعيد عن عمرو بن ميمون بن مهران قال: سألت عمر بن عبد العزيز عن المسلم يكون في يده أرض الخراج، فيسأل الزكاة فيقول إنما على الخراج، فقال: الخراج على الأرض والعشر على الحب انتهى. قلت: إسناده صحيح. قال الحافظ في الدراية: وقد صح عن عمر بن عبد العزيز أنه قال لمن قال إنما على الخراج: الخراج على الأرض والعشر على الحب. أخرجه البيهقي من طريق يحيى بن آدم في الخراج له، وفيها عن الزهري. لم يزل المسلمون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده يعاملون على الأرض ويستكرونها ويؤدون الزكاة عما يخرج منها وفي الباب حديث ابن عمر: فيما سقت السماء العشر، متفق عليه ويستدل بعمومه انتهى ما في الدارية. والحاصل أنه لم يقم دليل صحيح على أن الخراج والعشر لا يجتمعان على مسلم، بل حديث ابن عمر وما في معناه بعمومه يدل على الجمع، وأثر عمر بن عبد العزيز وأثر الزهري يدلان على أن العمل كان على ذلك في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده. تنبيه آخر: قال صاحب الهداية: لم يجمع أحد من أئمة العدل والجور بينهما يعني بين الخراج والعشر، وكفي بإجماعهم حجة انتهى. قلت: دعوى الإجماع باطلة جداً. قال الحافظ في الدراية راداً على صاحب الهداية: ولا إجماع مع خلاف عمر بن عبد العزيز والزهري بل لم يثبت عن غيرهما التصريح بخلافهما انتهى.
636- حدثنا محمدُ بنُ إسماعيلَ حدثنا إبراهِيمُ بنُ مُوسَى حدثنا الولِيدُ بنُ مُسْلِمٍ عن المُثَنّى بنِ الصّبّاحِ عن عَمْروِ بنِ شُعَيْبٍ عن أَبيِه عن جَدّهِ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النّاسَ فقالَ: "أَلاَ مَنْ وَلِيَ يَتِيماً لَهُ مَالٌ فَليَتّجِرْ فيهِ ولاَ يترُكْهُ حَتّى تَأْكُلَهُ الصّدَقَة". قال أبو عيسى: وإنما رُوِيَ هذا الحديثُ مِن هذا الوجْهِ وفي إسْنَادِهِ مَقَالٌ لأنّ المُثَنّى بنَ الصّبّاحِ يُضَعّفُ في الحَدِيثِ. وَرَوَى بَعْضُهمُ هذا الحَدِيثَ عن عَمْروِ بن شُعَيْبٍ أنّ عُمَرَ بن الخطّابِ فَذَكَرَ هذا الحدِيثَ. وقد اخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ في هذَا البَابِ، فَرَأَى غَيْرُ واحِدٍ مِن أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم في مَالِ اليَتِيمِ زَكَاةً مِنْهُمْ عُمَرُ وعَلِيّ وعائِشَةُ وابنُ عُمَرَ. وبهِ يقُولُ مَالِكٌ والشّافِعِيّ وأحمدُ وإسحاقُ. وقالَتْ طَائِفَة مِنْ أَهْلِ العِلْمِ: لَيْسَ في مَالِ اليَتِيمِ زكاة، وبهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَوْرِيّ وعبدُ الله بنُ المبارَكِ. وعَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ هو ابنُ محمدِ بنِ عبدِ الله بنِ عَمْروِ بنِ العَاصِ. وشعَيْبٌ قد سَمِعَ مِن جَدّهِ عبدِ الله بنِ عَمْرو. وقد تكَلّمَ يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ في حديثِ عَمْروِ بنِ شُعَيْبٍ وقالَ: هُوَ عِنْدَنَا وَاهٍ. ومَنْ ضَعّفَهُ فإِنّمَا ضَعّفَهُ مِنْ قِبَلِ أَنّهُ يُحدّثُ مِنْ صَحِيفَةِ جَدّهِ عبدِ الله بنِ عَمْروٍ. وأَمّا أكْثَرُ أهْلِ الحَدِيثِ فَيَحْتَجّونَ بِحَدِيثِ عَمْروِ بن شُعَيْبٍ فيُثْبِتُونَهُ، مِنْهُم أَحمدُ وإسحاقُ وغَيْرُهُمَا. قوله: (حدثنا محمد بن إسماعيل) هو الإمام البخاري (أخبرنا إبراهيم بن موسى) بن يزيد بن زاذان التميمي أبو إسحاق الرازي الفراء المعروف بالصغير روى عن هشام بن يوسف الصنعائي والوليد بن مسلم وغيرهما وعنه البخاري ومسلم وأبو داود، وروى الباقون عنه بواسطة، ثقة حافظ كذا في تهذيب التهذيب والتقريب. قوله: (ألا) للتنبيه (من ولي) بفتح الواو وكسر اللام، قال القاري في المرقاة: وفي نسخة أي من المشكاة بضم الواو وتشديد اللام المكسورة أي صار ولي يتيم (له مال) صفة ليتيم أي من صار ولياً ليتيم ذي مال (فليتجر) بتشديد الفوقية أي بالبيع والشراء (فيه) أي في مال اليتيم (ولا يتركه) بالنهي وقيل بالنفي (حتى تأكله الصدقة) أي تنقصه وتفنيه، لأن الأكل سبب الفناء. قال ابن الملك: أي يأخذ الزكاة منها فينقص شيئاً فشيئاً، وهذا يدل على وجوب الزكاة في مال الصبي، وبه قال الشافعي وأحمد ومالك، وعند أبي حنيفة لا زكاة فيه انتهى. قوله: (وفي إسناده مقال الخ) قال الحافظ في بلوغ المرام: وله شاهد مرسل عند الشافعي انتهى. وقال في التلخيص: ورواه الدارقطني من حديث أبي إسحاق الشيباني أيضاً عن عمرو بن شعيب لكن راويه عنه مندل بن علي وهو ضعيف، ومن حديث العرزمي عن عمرو والعرزمي ضعيف متروك، ورواه ابن عدي من طريق عبد الله بن علي وهو الإفريقي وهو ضعيف، قال الحافظ: وروى الشافعي عن عبد المجيد بن أبي رواد عن ابن جريج عن يوسف بن ماهك مرسلاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة، ولكن أكده الشافعي بعموم الأحاديث الصحيحة في إيجاب الزكاة. وفي الباب عن أنس مرفوعاً: اتجروا في مال اليتامى لا تأكلها الزكاة، رواه الطبراني في الأوسط في ترجمة علي بن سعد انتهى. قوله: (وروى بعضهم هذا الحديث عن عمرو بن شعيب أن عمر بن الخطاب فذكر هذا الحديث) قال الدارقطني في العلل: رواه حسين المعلم عن مكحول عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب عن عمر، ورواه ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عمرو بن شعيب عن عمر لم يذكر ابن المسيب وهو أصح وإياه عني الترمذي انتهى كذا في التلخيص. قوله: (منهم عمر وعلي وعائشة وابن عمر) روى مالك في الموطأ عن عمر بن الخطاب قال: اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة، ورواه البيهقي وقال إسناده صحيح قاله الحافظ في التلخيص، وقال فيه وروى الشافعي عن ابن عيينة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موقوفاً أيضاً. قال: وروى الدارقطني والبيهقي وابن عبد البر ذلك من طرق عن علي بن أبي طالب وهو مشهور عنه انتهى، وروى مالك عن عبد الرحمَن بن القاسم عن أبيه قال: كانت عائشة تليني وأخاً لي يتيمين في جحرها فكانت تخرج من أموالنا الزكاة. قوله: (وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق) واستدلوا بأحاديث الباب وهي وإن كانت ضعيفة لكنها يؤيدها آثار صحيحة عن الصحابة رضي الله عنهم وبعموم الأحاديث الواردة في إيجاب الزكاة. قوله: (وقالت طائفة من أهل العلم: ليس في مال اليتيم زكاة وبه يقول سفيان الثوري وعبد الله بن المبارك) وبه يقول أبو حنيفة، واستدل هؤلاء بحديث عائشة وعلي وغيرهما رضي الله عنهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلي حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يكبر. قال ابن الهمام في فتح القدير: وأما ما روى عن عمر وابنه وعائشة رضي الله عنهم من القول بالوجوب في مال الصبي والمجنون لا يستلزم كونه عن سماع إذ يمكن إذ يمكن الرأي فيه فيجوز كونه بناء عليه، فحاصله قول صحابي عن اجتهاد عارضه رأي صحابي آخر. قال محمد ابن الحسن في كتاب الآثار: أنبأنا أبو حنيفة حدثنا ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن مسعود قال: ليس في مال اليتيم زكاة، وليث كان أحد العلماء العباد وقيل اختلط في آخر عمره، ومعلوم أن أبا حنيفة لم يكن ليذهب فيأخذ عنه حال اختلاطه ويرويه وهو الذي شدد أمر الرواية ما لم يشدده غيره، وروى مثل قول ابن مسعود عن ابن عباس تفرد به ابن لهيعة انتهى. قلت: لم يثبت عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم بسند صحيح عدم القول بوجوب الزكاة في مال الصبي. وأما أثر ابن مسعود فهو ضعيف من وجهين الأول أنه منقطع والثاني أن في إسناده ليث بن أبي سليم، قال الحافظ بن حجر في التقريب: صدوق اختلط أخيراً ولم يتميز حديثه، وقال الزيلعي في نصب الراية، قال البيهقي: وهذا أثر ضعيف فإن مجاهداً لم يلق ابن مسعود فهو منقطع وليث بن أبي سليم ضعيف عند أهل الحديث انتهى. وأجاب ابن الهمام عن الوجه الأول ولم يجب عن الوجه الثاني، وفيما أجاب عن الوجه الأول كلام فتفكر. وأما أثر ابن عباس فقد تفرد به ابن لهيعة كما صرح به ابن الهمام وهو ضعيف عند أهل الحديث قاله الترمذي في باب الرخصة في استقبال القبلة بغائط أو بول. وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ: يروى حديثه في المتابعات ولا يحتج به انتهى. وأما حديث عائشة وعلي المذكور ففي الاستدلال به على عدم وجوب الزكاة في مال الصبي نظر، كيف وقد رواه عائشة وعلي رضي الله تعالى عنهما وهما قائلان بوجوب الزكاة في مال الصبي. وقال الزيلعي في نصب الراية: قال ابن الجوزي: والجواب أن المراد قلم الإثم أو قلم الأذى انتهى. وقال القاضي ابن العربي في عارضة الأحوذي: وزعم أبو حنيفة أن الزكاة أوجبت شكر نعمة المال كما أن الصلاة أوجبت شكر نعمة البدن ولم يتعين بعد على الصبي شكر، قلنا محل الصلاة يضعف عن شكر النعمة فيه، ومحل الزكاة وهو المال كامل لشكر النعمة، فإن قيل لا يصح منه القربة، قلنا يؤدي عنه كما يؤدي عن المغمى عليه: وعن الممتنع جبراً. وكما يؤدي عنه العشر والفطرة وهو دين يقضي عنه لمستحقة وإن لم يعمل به لأن الناظر لم حكم به انتهى. قوله: (وشعيب قد سمع من جده عبد الله بن عمرو) وأما قول ابن حبان: لم يصح سماع شعيب من جده عبد الله فقال الدارقطني هو خطأ. وقد روى عبيد الله بن عمر العمري وهو من الأئمة العدول عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: كنت جالساً عند عبد الله بن عمرو فجاء رجل فاستفتاه في مسألة فقال: يا شعيب امض معه إلى ابن عباس، فقد صح بهذا سماع شعيب من جده عبد الله وقد أثبت سماعه منه أحمد بن حنبل وغيره كذا في نصب الراية ص 378 تخريج الهداية. قلت: وقد أسند ذلك الدارقطني في السنن قال حدثنا أبو بكر بن زياد النيسابوري حدثنا محمد بن يحيى الذهلي وغيره قالوا حدثنا محمد بن عبيد حدثنا عبيد الله بن عمر ورواه الحاكم أيضاً من هذا الوجه ذكره الحافظ في تهذيب التهذيب وقال فيه: وقد صرح شعيب بسماعه من عبد الله في أماكن وصح سماعه كما تقدم، وكما روى حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن شعيب قال: قال سمعت عبد الله بن عمرو فذكر حديثاً أخرجه أبو داود من هذا الوجه إنتهى. قلت: وقد سمع عمرو من أبيه شعيب، ففي تهذيب التهذيب قال محمد بن علي الجوزجاني قلت لأحمد: عمرو سمع من أبيه شيئاً قال يقول حدثني أبي انتهى (وقد تكلم يحيى بن سعيد) هو القطان (في حديث عمرو بن شعيب وقال هو عندنا واه) أي ضعيف وكذلك تكلم فيه غير واحد من أئمة الحديث ولكن أكثرهم على أنه صحيح قابل للاحتجاج كما صرح به الترمذي (ومن ضعفه فإنما ضعفه من قبل أنه يحدث من صحيفة جده عبد الله بن عمرو) يعني تضعيف من ضعفه ليس إلا من جهة أنه يحدث من صحيفة جده: قال الحافظ في تهذيب التهذيب: قال الساجي: قال ابن معين: هو ثقة في نفسه وما روى عن أبيه عن جده لا حجة فيه وليس بمتصل وهو ضعيف من قبيل أنه مرسل وجد شعيب كتب عبد الله بن عمرو فكان يرويها عن جده إرسالا وهي صحاح عن عبد الله بن عمرو غير أنه لم يسمعها: قال الحافظ: فإذا شهد له ابن معين أن أحاديثه صحاح غير أنه لم يسمعها وصح سماعه لبعضها، فغاية الباقي أن يكون وجادة صحيحة وهو أحد وجوه التحمل والله تعالى أعلم إنتهى. قوله (وأما أكثر أهل الحديث فيحتجون بحديث عمرو بن شعيب ويثبتونه منهم أحمد وإسحاق وغيرهما) قال الحافظ بن حجر في فتح الباري ص 51 ج2: ترجمة عمرو قوية على المختار لكن حيث لا تعارض إنتهى. وفي شرح ألفية العراقي للمصنف: وقد اختلف في الاحتجاج برواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وأصح الأقوال أنها حجة مطلقاً إذا صح السند إليه. قال ابن الصلاح: وهو قول أكثر أهل الحديث حملاً للجد عند الإطلاق على الصحابي عبد الله بن عمرو دون إبنه محمد والد شعيب لما ظهر لهم من إطلاقه ذلك، فقد قال البخاري رأيت أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وإسحاق بن راهويه وأبا عبيدة وأبا خيثمة وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ما تركه أحد منهم وثبتوه، فمن الناس بعدهم؟ وقول ابن حبان: هي منقطعة لأن شعيباً لم يلق عبد الله مردود، فقد صح سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو كما صرح به البخاري في التاريخ وأحمد، وكما رواه الدارقطني والبيهقي في السنن بإسناد صحيح انتهى.
637- حدثنا قُتَيْبةُ، حدثنا اللّيْثُ بنُ سَعْدٍ عن ابنِ شِهَابٍ عن سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ و أَبي سَلَمَةَ عن أبي هُرَيْرَةَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال "العَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبَارٌ، والمعْدِنُ جُبَارٌ، والبِئْرُ جُبَارٌ، وفي الرّكَازِ الخُمْسُ". قال: وفي البابِ عن أنَسِ بنِ مالِكٍ وعبدِ الله بنِ عَمْروٍ وعُبَادَةَ بنِ الصّامِتِ وعَمْروِ بنِ عَوْفٍ المُزَنيّ وجَابرٍ. قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قوله (العجماء) أي البهيمة وهي في الأصل تأنيث الأعجم وهو الذي لا يقدر على الكلام سمي بذلك لأنه لا يتكلم (جرحها) بضم الجيم وفتحها والمفهوم من النهاية نقلاً عن الأزهري أنه بالفتح لا غير لأنه مصدر وبالضم الجراحة (جبار) بضم الجيم أي هدر، أي إذا أتلفت البهيمة شيئاً ولم يكن معها قائد ولا سائق وكان نهاراً فلا ضمان، وإن كان معها أحد فهو ضامن لأن الإتلاف حصل بتقصيره، وكذا إذا كان ليلاً لأن المالك قصر في ربطها إذ العادة أن تربط الدواب ليلاً وتسرح نهاراً، كذا ذكره الطيبي وابن الملك (والمعدن) بفتح الميم وكسر الدال مكان يخرج منه شيء من الجواهر والأجساد المعدنية من الذهب والفضة والنحاس وغير ذلك من عدن بالمكان إذا أقام به (والبئر) بهمز ويبدل (جبار) أي إذا استأجر حافراً لحفر البئر أو استخراج المعدن فانهار عليه لا ضمان، وكذا إذا وقع فيه إنسان فهلك إن لم يكن الحفر عدواناً وإن كان ففيه خلاف (وفي الركاز) بكسر الراء (الخمس) إعلم أن مالكاً رحمه الله والشافعي رحمه الله والجمهور حملوا الركاز على كنوز الجاهلية المدفونة في الأرض، وقالوا لا خمس في المعدن بل فيه الزكاة إذا بلغ قدر النصاب، وهو المأثور عن عمر بن عبد العزيز وصله أبو عبيد في كتاب الأموال وعلقه البخاري في صحيحه. وأما الحنفية فقالوا الركاز يعم العدن والكنز ففي كل ذلك الخمس، وما ذهب إليه الجمهور من التفرقة بين الركاز والمعدن وهو الظاهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المعدن جبار وفي الركاز الخمس". عطف الركاز على المعدن وفرق بينهما في الحكم، فعلم منه أن المعدن ليس بركاز عند النبي صلى الله عليه وسلم بل هما شيئان متغايران، ولو كان المعدن ركازاً عنده لقال المعدن جبار وفيه الخمس، ولما لم يقل ذلك ظهر أنه غيره لأن العطف يدل على المغايرة. قال الحافظ بن حجر في فتح الباري: والحجة للجمهور التفرقة من النبي صلى الله عليه وسلم بين المعدن والركاز بواو العطف فصح أنه غيره انتهى. ولأن الركاز في لغة أهل الحجاز هو ما ذهب إليه الجمهور، ولا شك في أن النبي الحجازي صلى الله عليه وسلم تكلم بلغة أهل الحجاز وأراد به ما يريدون منه، قال ابن الأثير في النهاية: الركاز عند أهل الحجاز الجاهلية المدفونة في الأرض وعند أهل العراق المعادن، والقولان تحتملهما اللغة لأن كل منهما مركوز في الأرض أي ثابت يقال ركزه يركزه ركزاً إذا دفنه وأركز الرجل إذا وجد الركاز، والحديث إنما جاء في التفسير الأول وهو الكنز الجاهلي، وإنما كان فيه الخمس لكثرة نفعه وسهولة أخذه انتهى. وفي المرقاة لعلي القاري: وأما ما روى عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في الركاز الخمس"، قيل وما الركاز يا رسول الله؟ قال: "الذهب الذي خلقه الله في الأرض يوم خلقت الأرض". رواه البيهقي وذكره في الإمام، فهو وإن سكت عنه في الإمام مضعف بعبد الله بن أبي سعيد المقبري انتهى. قوله (وفي الباب عن أنس بن مالك وعبد الله بن عمرو وعبادة بن الصامت وعمرو بن عوف المزني وجابر) وفي الباب أيضاً عن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وزيد بن أرقم وأبي ثعلبة الخشني وسراء بنت نبهان الغنوية. فحديث أنس عند أحمد والبزار مطولاً وفيه: هذا ركاز وفيه الخمس، وحديث عبد الله بن عمرو عند الشافعي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في كنز وجده رجل في خربة جاهلية: "إن وجدته في قرية غير مسكونة ففيه وفي الركاز الخمس". وحديث عبد الله بن الصامت رواه ابن ماجه من رواية إسحاق بن يحيى بن الوليد عن عبادة بن الصامت قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المعدن جبار وجرحها جبار"، وهذا منقطع لأن إسحاق لم يدرك عبادة، وحديث عمرو بن عوف المزني رواه بن ماجه أيضاً، وحديث جابر رواه أحمد والبزار من رواية مجالد عن الشعبي عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: السائبة، الحديث وفيه: في الركاز الخمس، كذا في عمدة القاري وتخريج أحاديث عبد الله بن مسعود وغيره مذكور فيه أيضاً من شاء الوقوف عليه فليرجع إليه. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة.
(باب ما جاء في الخرص) الخرص في اللغة هو الحزر والتخمين، وسيجيء بيان ما هو المراد منه من المؤلف. 638- حدثنا مَحمُودُ بن غَيْلاَنَ، حدثنا أبو داودَ الطّيَالِسِيّ، أخبرنا شُعْبَةُ أخبَرَني خُبَيْبُ بنُ عبدِ الرّحمَنِ قال سَمِعْتُ عبدِ الرّحمَنِ بنِ مَسْعُودِ بنِ نَيارٍ يقول: جاءَ سَهْلُ بنُ أَبي حَثْمَةَ إِلى مَجْلِسنَا فَحدّثَ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ يقولُ: "إذا خَرصْتُمْ فَخُذُوا ودَعُوا الثّلُثَ، فإِن لم تَدَعُوا الثّلُثَ فدَعُوا الرّبُعَ". قال: وفي البابِ عن عائِشَةَ وعَتّابِ بنِ أَسِيدٍ وابنِ عبّاسٍ. قال أبو عيسى: والعَمَلُ على حدِيثِ سَهْلِ بن أبي حَثْمَةَ عندَ أكثرِ أهلِ العلمِ في الخَرصِ، وبحَديِثِ سَهْلِ بنِ أبي حَثْمَةَ يَقولُ أحمدُ واسحاق: والخَرْصُ إذا أَدْرَكَتِ الثّمَارُ مِنَ الرّطَبِ والعِنَب مِمّا فيهِ الزكاةُ بَعَثَ السّلْطَانُ خَارِصاً يخَرصُ عليهِمْ. والخَرْصُ أنْ يَنْظُرَ مَنْ يُبْصِرُ ذلكَ فيقولُ: يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الزّبِيبِ كَذَا وكَذَا ومِنَ التّمْرِ كَذَا وكَذَا فيُحصى عَلَيْهِمْ، ويَنْظُر مَبلَغَ العُشْرِ مِنْ ذلكَ فَيُثْبِتُ عَلَيْهِمْ ثم يُخَلّي بَيْنَهُمْ وبَيْنَ الثّمَارِ فَيَصْنَعُونَ ما أحَبّوا، فإذا أَدْرَكَتِ الثّمَارُ أُخِذَ منهم العُشْرُ. هكذا فَسّرَهُ بعضُ أَهلِ العلمِ. وبهذا يقولُ مالكٌ والشافعيّ وأحمدُ وإسْحاقُ. 639- حدثنا أبو عَمْرٍو مسلم بنُ عَمْرٍو الحَذَاءُ المَدَنِيّ حدثنا عبدُ الله بن نافعٍ الصائغ عن محمدِ بنِ صالحٍ التّمّارُ عن ابنِ شِهَابٍ عن سعيدِ بنِ المُسَيّبِ عن عَتّابِ بنِ أَسِيدٍ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يَبْعَثُ على الناسِ مَنْ يَخْرُصُ عليهم كُرُومَهمُ وثِمَارَهُم وبهذا الإسنادِ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: في زكاةِ الكُرُومِ "إنّها تُخْرَصُ كمَا يُخْرَصُ النّخْلُ ثم تُؤَدّى زكاتُهُ زَبِيباً كمَا تُؤَدّى زكاةُ النّخْلِ تَمْراً". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. وقد رَوَى ابنُ جُرَيْجٍ هذا الحديثَ عن ابنِ شِهَابٍ عن عُرْوَةَ عن عائِشَةَ. وسأَلْتُ محمداً عن هذا الحديث فقالَ: حديثُ ابنِ جُرَيْجٍ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وحديثُ ابنِ المُسَيّبِ عن عتّابِ بنِ أَسِيدٍ أثبت أصَحّ. قوله: (أخبرني خبيب بن عبد الرحمَن) أبو الحارث المدني ثقة من الرابعة (قال سمعت عبد الرحمَن بن مسعود بن نيار) بكسر النون وبالتحتانية الأنصاري المدني مقبول من الرابعة (جاء سهل بن أبي حثمة) بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة صحابي صغير (إذا خرصتم) أي حزرتم وخمنتم أيها السعاة (فخذوا) أي زكاة المخروص (ودعوا الثلث) أي اتركوه، قال الطيبي: فخذوا جواب للشرط، ودعوا عطف عليه، أي إذا (خرصتم) فبينوا مقدار الزكاة ثم خذوا ثلثي ذلك المقدار واتركوا الثلث لصاحب المال حتى يتصدق به انتهى. وقال القاضي: الخطاب مع المصدقين أمرهم أن يتركوا للمالك ثلث ما خرصوا عليه أو ربعه توسعة عليه حتى يتصدق به هو على جيرانه ومن يمر به ويطلب منه فلا يحتاج إلى أن يغرم ذلك من ماله، وهذا قول قديم للشافعي وعامة أهل الحديث. وعند أصحاب الرأي لا عبرة بالخرص لإفضائه إلى الربا، وزعموا أن الأحاديث الواردة فيه كانت قبل تحريم الربا، ويرده حديث عتاب بن أسيد فإنه أسلم يوم الفتح وتحريم الربا كان مقدماً انتهى. قال القاري بعد نقل كلام القاضي هذا: وحديث جابر الطويل في الصحيح صريح فإن تحريم الربا كان في حجة الوداع انتهى. قال الحافظ بن حجر في فتح الباري: قال الخطابي أنكر أصحاب الرأي الخرص وقال بعضهم: إنما كان يفعل تخويفاً للمزارعين لئلا يخونوا. لا يلزم به الحكم لأنه تخمين وغرور، أو كان يجوز قبل تحريم الربا والقمار، وتعقبه الخطابي بأن تحريم الربا والميسر متقدم والخرص عمل به في حياة النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات ثم أبو بكر وعمر فمن بعدهم، ولمن ينقل عن أحد منهم ولا من التابعين تركه إلا عن الشعبي قال: وأما قولهم إنه تخمين وغرور فليس كذلك بل هو اجتهاد في معرفة مقدار التمر وإدراكه بالخرص الذي هو نوع من المقادير. قال: واعتل الطحاوي بأنه يجوز أن يحصل للثمرة آفة فتتلفها فيكون ما يؤخذ من صاحبها مأخوذاً بدلاً مما يسلم له. وأجيب بأن القائلين به لا يضمنون أرباب الأموال ما تلف بعد الخرص. قال ابن المنذر: أجمع من يحفظ عنه العلم أن المخروص إذا أصابته جائحة قبل الجذاذ فلا ضمان انتهى. قال الحافظ بن القيم في اعلام الموقعين: المثال التاسع والعشرون: رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في خرص الثمار في الزكاة والعرايا وغيرها إذا بدا إصلاحها، ثم ذكر أحاديث الخرص ثم قال: فردت هذه السنن كلها بقوله تعالى {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} قالوا: والخرص من باب القمار والميسر فيكون تحريمه ناسخاً لهذه الآثار، وهذا من أبطل الباطل فإن الفرق بين القمار والميسر والخرص المشروع كالفرق بين البيع والربا، والميتة والمذكى، وقد نزه الله رسوله وأصحابه عن تعاطي القمار وعن شرعه وإدخاله في الدين، ويا لله العجب أكان المسلمون يقامرون إلى زمن خيبر ثم استمروا على ذلك إلى عهد الخلفاء الراشدين، ثم انقضى عصر الصحابة وعصر التابعين على القمار ولا يعرفون أن الخرص قمار حتى بينه بعض فقهاء الكوفة؟ هذا والله الباطل حقاً والله الموفق انتهى كلام ابن القيم. قوله: (وفي الباب عن عائشة) أخرجه أبو داود (وعتاب) بفتح العين المهملة وتشديد المثناة الفوقانية (بن أسيد) بفتح الهمزة وكسر المهملة وحديثه أخرجه أبو داود والترمذي. قوله: (وبحديث سهل بن أبي حثمة يقول إسحاق وأحمد) قال الحافظ في فتح الباري بعد ذكر حديث سهل بن أبي حثمة: قال بظاهره الليث وأحمد وإسحاق وغيرهم، وفهم منه أبو عبيد في كتاب الأموال أنه القدر الذي يأكلونه بحسب احتياجهم إليه، فقال يترك قدر احتياجهم. وقال مالك وسفيان: لا يترك لهم شيء. وهو المشهور عن الشافعي. قال ابن العربي: والمتحصل من صحيح النظر أن يعمل بالحديث وهو قدر المؤنة، ولقد جربناه فوجدناه كذلك في الأغلب مما يؤكل رطباً انتهى. قوله: (والخرص إذا أدركت الثمار الخ) من ادراك الشيء بلغ وقته كذا القاموس. قال الحافظ بن حجر: وفائدة الخرص التوسعة على أرباب الثمار في التناول منها والبيع من زهوها وإيثار الأهل والجيران والفقراء لأن في منعهم منها تضييقاً لا يخفى انتهى. قوله: (عن محمد بن صالح التمار) بفتح المثناة الفوقانية وتشديد الميم صدوق يخطئ من السابعة (كرومهم) بضمتين جمع الكرم وهو شجر العنب. قال ابن حجر: ولا ينافي تسمية العنب كرماً خبر الشيخين: لا تسموا العنب كرماً فإن الكرم هو المسلم، وفي رواية: فإنما الكرم قلب المؤمن. لأنه نهى تنزيه. على أن تلك التسمية من لفظ الراوي فلعله لم يبلغه النهي أو خاطب به من لا يعرفه إلا به انتهى (زبيباً) هو اليابس من العنب.
|