الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***
(باب ما جاء في النهي عن المسألة) أي السؤال 673- حدثنا هنّادٌ، حدثنا أبو الأحْوَصِ عن بَيَانِ بنِ بِشْرٍ عن قَيْسِ بن أَبِي حَازِمٍ عن أبي هريرةَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "لأن يَغْدُوَ أَحَدُكُم فَيَحْتَطِبَ على ظَهْرِهِ فَيَتَصَدّقَ مِنْهُ فَيَسْتَغْنِيَ بهِ عن النّاسِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ رَجُلاٌ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ ذَلِكَ فإِنّ اليَدَ العُلْيَا أفضل مِنَ اليَدِ السّفْلَى وابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ". قال: وفي البابِ عن حَكِيمِ بنِ حِزامٍ وأَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ والزّبَيْرِ بنِ العَوّامِ وعَطِيّةَ السّعْدِيّ وعبدِ الله بنِ مَسْعُودٍ ومَسْعُودِ بنِ عَمْرٍو وابنِ عَبّاسٍ وثوبانَ وزيادِ بنِ الحَارِثِ الصُدَائِيّ وأَنَسٍ وحُبْشِيّ بنِ جُنَادَةَ وقَبِيصَةَ بنِ مُخَارِقٍ وسَمُرَةَ وابنِ عُمَرَ. قال أبو عيسى: حديثُ أبي هُرَيْرةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ يُسْتَغْرَبُ مِنْ حديثِ بَيَانٍ عن قَيْسٍ. 674- حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا وَكِيعٌ، حدثنا سُفْيَانُ عن عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ عن زَيْدِ بنِ عُقْبَةَ عن سَمُرَةَ بنِ جُنْدُبٍ قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ المْسأَلَة كَدّ يَكُدّ بها الرّجُلُ وَجْهَهُ إِلاّ أَنْ يَسْأَلَ الرجُلُ سُلْطَاناً أوْ في أمْرٍ لا بُدّ مِنْهُ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قوله: (عن بيان بن بشر) الأحمصي الكوفي أبي بشر الكوفي ثقة ثبت من الخامسة (عن قيس بن أبي حازم) البجلي الكوفي ثقة من الثانية مخضرم (لأن يغدو أحدكم) بفتح اللام، والغدو السير في أول النهار. وغالب الخطابين يخرجون كذلك، ويطلق على مطلق السير إطلاقاً شائعاً فيمكن حمله على الحقيقة وعلى المجاز الشائع (فيحتطب) بالنصب عطف على يغدو أي يجمع الحطب (على ظهره) متعلق بمقدر هو حال مقدرة أي حاملاً على ظهره أي مقدراً حمله على ظهره إذ لا حمل حال الجمع بل بعده، وإنما حال الجمع بل بعده وإنما حال الجمع تقدير الحمل (فيتصدق منه ويستغني به) عطف على الفعل السابق وأن مع مدخولاتها مبتدأ خبره قوله خير، أي ما يلحقه مشقة الغدو والاحتطاب وتصدق والاستغناء به خير من ذل السؤال، قاله أبو الطيب السندي (فإن اليد العليا خير من اليد السفلى) اليد العليا هي المنفقة والسفلى هي السائلة، ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو على المنبر وذكر الصدقة والتعفف والمسألة: "اليد العليا خير من اليد السفلى، فاليد العليا هي المنفقة والسفلى السائلة وذكر الحافظ في الفتح أحاديث في هذا ثم قال: فهذه الأحاديث متضافرة على أن اليد العليا هي المنفقة معطية وأن السفلى هي السائلة"، وهذا هو المعتمد وهو قول الجمهور (وابدأ بمن تعول) خطاب للمنفق أي ابدأ في الإتفاق بمن تمون ويلزمك نفقته من عيالك فإن فضل شيء فلغيرهم. قوله: (وفي الباب عن حكيم بن حزام وأبي سعيد الخدري والزبير بن العوام وعطية السعدي وعبد الله بن مسعود ومسعود بن عمرو وابن عباس وثوبان وزياد بن الحارث الصدائي وأنس وحبشي بن جنادة وقبيصة بن مخارق وسمرة وابن عمر) أما حديث حكيم بن حزام أخرجه البخاري ومسلم، وأما حديث أبي سعيد الخدري فأخرجه أيضاً البخاري ومسلم، وأما حديث الزبير بن العوام فأخرجه البخاري، وأما حديث عطية السعدي فلينظر من أخرجه، وأما حديث عبد الله بن مسعود فأخرجه الترمذي وأبو داود وعنه حديث آخر أخرجه أبو يعلى والغالب على روايته التوثيق، ورواه الحاكم وصحح إسناده كذا في الترغيب. وأما حديث مسعود بن عمرو فأخرجه البيهقي. وأما حديث ابن عباس فأخرجه أيضاً البيهقي. وأما حديث ثوبان فأخرجه أحمد والبزار والطبراني. وأما حديث زياد بن الحارث فلينظر من أخرجه. وأما حديث أنس فأخرجه أبو داود والبيهقي مطولاً والترمذي والنسائي مختصراً. وأما حديث حبشي بن جنادة فأخرجه الترمذي. وأما حديث قبيصة بن مخارق فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي. وأما حديث سمرة فأخرجه الترمذي وأبو داود. وأما حديث ابن عمر فأخرجه البخاري ومسلم. وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها المنذري في الترغيب والترهيب ومن شاء الوقوف على ألفاظ هذه الأحاديث التي أشار إليها الترمذي فليرجع إلى الترغيب. قوله: (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم. قوله: (عن عبد الملك بن عمير) بن سويد اللخمي الكوفي ثقة فقيه تغير حفظه وربما دلس من الثالثة (عن زيد بن عقبة) الفزاري الكوفي ثقة من الثالثة (إن المسألة كد يكد بها الرجل وجهه) قال في النهاية: الكد الإتعاب يقال: كد يكد في عمله إذا استعجل وتعب، وأراد بالوجه ماءه ورونقه انتهى. وقال السيوطي في قوت المغتذي: كد بفتح الكاف وتشديد الدال المهملة، وفي رواية أبي داود: كدوح بضم الكاف والدال وحاء مهملة، وقد ذكر اللفظين معاً أبو موسى المديني في ذيله على الغريبين وفسر الكدوح بالخدوش في الوجه والكد بالتعب والنصب. قال العراقي: ويجوز أن يكون الكدح بمعنى الكد من قوله تعالى {إنك كادح} وهو السعي والحرص انتهى ما في قوت المغتذي (إلا أن يسأل الرجل سلطاناً) وفي رواية أبي داود: إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان أي ذا حكم وسلطنة بيده بيت المال فيسأل حقه فيعطيه منه إن كان مستحقاً. قال الخطابي: أي ولو مع الغناء فسأله حقه من بيت المال لأن السؤال مع الحاجة دخل في قوله: أو في أمر لا بد منه انتهى (أو في أمر لا بد منه) كما في الحمالة والجائحة والفاقة. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي وسكت عنه أبو داود، ونقل المنذري تصحيح الترمذي.
675- حدثنا أبو كُرَيْبٍ محمدُ بنُ العَلاءِ بنِ كُرَيْبٍ، حدثنا أبو بَكْرِ بنِ عَيّاشٍ عن الأعْمَشِ عن أبي صالحٍ عن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أَوّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفّدَتِ الشّيَاطِينُ ومَردَةُ الجِنّ وغُلّقَتْ أَبْوَابُ النِارِ فلم يُفْتَحْ منها بابٌ وفُتّحَتْ أبوابُ الجَنّةِ فلم يُغْلَقْ منها بابٌ ويُنَادِي مُنَادٍ يا بَاغِيَ الخَيْرِ أقْبِل وَيا بَاغِيَ الشّرّ أَقْصِرْ. ولله عُتَقَاء مِنَ النّار وذلك كُلّ لَيْلَةٍ". قال: وفي البابِ عن عبدِ الرحمَنِ بنِ عَوْفٍ وابنِ مَسْعُودٍ وسَلْمَانَ. 676- حدثنا هَنّادُ حدثنا عَبْدَةُ والمُحَارِبِيّ عن محمدِ بنِ عَمْروٍ عن أَبِي سَلَمَةَ عن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وقَامَهُ إيماناً واحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ ما تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، ومَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيماناً واحْتِساباً غُفِرَ لَهُ ما تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". قال أبو عيسى: حديثُ أبي هريرةَ الّذِي رَوَاهُ أبوُ بَكْرِ بنُ عَيّاش حديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ مِنْ روَايَةِ أبي بَكْرِ بن عَيّاشٍ عن الأعْمَشِ عَنْ أَبي صَالحٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ إلاّ من حديثِ أبي بَكْرٍ قال: وسألتُ مُحَمّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عن هَذَا الحديثِ فقالَ: الحسن بن الربيع حدثنا أبُو الأَحْوَصِ عن الأعْمَشِ عن مُجَاهِدٍ قوله: "إذا كانَ أَوّل لَيْلَةٍ مِن شَهْرِ رَمَضَانَ" فَذَكَرَ الحَديثَ، قال محمدٌ: وهذا أَصَحّ عِنْدِي مِنْ حديثِ أبي بَكْرِ بِن عَيّاشٍ. قوله: (صفدت) قال الحافظ في الفتح. بالمهملة المضمومة بعدها فاء ثقيلة مكسورة أي شدت بالأصفاء وهي الأغلال وهو بمعنى سلسلت (الشياطين) وفي رواية النسائي من طريق أبي قلابة عن أبي هريرة بلفظ. وتغل فيه مردة الشياطين (ومردة الجن) جمع ما رد كطلبة وجهلة وهو المتجرد للشر، ومنه الأمرد لتجرده من الشعر، وهو تخصيص بعد تعميم أو عطف تفسير وبيان كالتتميم. وقيل الحكمة في تقييد الشياطين وتصفيدهم كيلا يوسوسوا في الصائمين. وأمارة ذلك تنزه أكثر المنهمكين في الطغيان عن المعاصي ورجوعهم بالتوبة إلى الله تعالى. وأما ما يوجد خلاف ذلك في بعضهم فإنها تأثيرات من تسويلات الشياطين أغرقت في عمق تلك النفوس الشريرة وباضت في رؤوسها. وقيل قد خص من عموم صفدت الشياطين زعيم زمرتهم وصاحب دعوتهم لكان الإنظار الذي سأله من الله فأجيب إليه فيقع ما يقع من المعاصي بتسويله وإغوائه. ويمكن أن يكون التقييد كناية عن ضعفهم في الإغواء والإضلال، كذا في المرقاة. قال الحافظ في الفتح. قال عياض. يحتمل أنه على ظاهره وحقيقته وأن ذلك كله علامة للملائكة لدخول الشهر وتعظيم حرمته ولمنع الشياطين من أذى المؤمنين، ويحتمل أن يكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو وأن الشياطين يقل إغوائهم فيصيرون كالمصفدين. قال ويؤيد هذا الاحتمال الثاني قوله في رواية عند مسلم. فتحت أبواب الرحمة، قال ويحتمل أن يكون فتح الجنة عبارة عما يفتحه الله لعباده من الطاعات وذلك أسباب لدخول الجنة، وغلق أبواب النار عبارة عن صرف الهمم عن المعاصي الاَيلة بأصحابها إلى النار. وتصفيد الشياطين عبارة عن تعجيزهم عن الإغواء وتزيين الشهوات. قال الزبير بن المنير: والأول أوجه ولا ضرورة تدعو إلى صرف اللفظ عن ظاهره. وأما الرواية التي فيها أبواب الرحمة وأبواب السماء فمن تصرف الرواة. والأصل أبواب الجنة بدليل ما يقابله وهو غلق أبواب النار قال الحافظ: وقال القرطبي بعد أن رجح حمله على ظاهره فإن قيل كيف نرى الشرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيراً فلو صفدت الشياطين لم يقع ذلك، فالجواب أنها إنما تقل عن الصائمين الصوم الذي حوفظ على شروطه وروعيت آدابه أو المصفد بعض الشياطين كما تقدم في بعض الروايات يعني رواية الترمذي والنسائي وهم المردة لاكملهم أو المقصود تقليل الشرور فيه. وهذا أمر محسوس فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره. إذ لا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شر ولا معصية لأن لذلك أسباباً غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الإنسية انتهى (وينادي مناد) قيل يحتمل أنه ملك أو المراد أنه يلقي ذلك في قلوب من يريد الله إقبالة على الخير كذا في قوت المغتذي (يا باغي الخير) أي طالب العمل والثواب (أقبل) أي إلى الله وطاعة بزيادة الاجتهاد في عبادته وهو أمر من الإقبال أي تعال فإن هذا أوانك فإنك تعطي الثواب الجزيل بالعمل القليل. أو معناه يا طالب الخير المعرض عنا وعن طاعتنا أقبل إلينا وعلى عبادتنا فإن الخير كله تحت قدرتنا وإرادتنا. قال العراقي. ظن ابن العربي أن قوله في الشقين يا باغي من البغي فنقل عن أهل العربية أن أصل البغي في الشرق وأقله ما جاء في طلب الخير ثم ذكر قوله تعالى {غير باغ ولا عاد} وقوله {يبغون في الأرض بغير الحق} والذي وقع في الاَيتين هو بمعنى التعدي، وأما الذي في هذا الحديث فمعناه الطلب والمصدر منه بغاء وبغاية بضم الباء فيهما قال الجوهري: بغيته أو طلبته انتهى. قلت: الأمر كما قال العراقي، وكذلك في قوله تعالى {ذلك ما كنا نبغ} معناه الطلب {ويا باغي الشر أقصر} بفتح الهمزة وكسر الصاد أي يا مريد المعصية أمسك عن المعاصي وارجع إلى الله تعالى فهذا أو أن قبول التوبة وزمان استعداد المغفرة، ولعل طاعة المطيعين وتوبة المذنبين ورجوع المقصرين في رمضان من أثر الندائين ونتيجة إقبال الله تعالى على الطالبين. ولهذا ترى أكثر المسلمين صائمين حتى الصغار والجوار بل غالبهم الذين يتركون الصلاة يكونون حينئذ مصلين، مع أن الصوم أصعب من الصلاة وهو يوجب ضعف البدن الذي يقتضي الكسل عن العبادة وكثرة النوم عادة، ومع ذلك ترى المساجد معمورة وبإحياء الليل مغمورة والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله، كذا في المرقاة (ولله عتقاء من النار) أي ولله عتقاء كثيرون من النار فلعلك تكون منهم (وذلك) قال الطيبي: أشار بقوله ذلك إما البعيد وهو النداء، وإما للقريب وهو لله عتقاء (كل ليلة) أي في كل ليلة من ليالي رمضان. قوله: (وفي الباب عن عبد الرحمَن بن عوف) أخرجه النسائي وابن حبان (وابن مسعود) أخرجه البيهقي (وسلمان) أخرجه ابن حبان في الضعفاء والأربعة والبيهقي كذا في شرح سراج أحمد. قوله: (من صام رمضان وقامه إيماناً) أي تصديقاً بأنه فرض عليه حق وأنه من أركان الإسلام ومما وعد الله عليه من الثواب والأجر قاله السيوطي. وقال الطيبي: نصب على أنه مفعول له أي للإيمان وهو التصديق بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم والاعتقاد بفريضة الصوم (واحتساباً) أي طلباً للثواب منه تعالى، أو إخلاصاً، أي باعثه على الصوم ما ذكر لا الخوف من الناس ولا الاستحياء منهم ولا قصد السمعة والرياء عنهم (غفر له ما تقدم من ذنبه) قال السيوطي: زاد أحمد في مسنده: وما تأخر، وهو محمول على الصغائر دون الكبائر انتهى. قال النووي: إن المكفرات إن صادفت السيئات تمحوها إذا كانت صغائر وتخففها إذا كانت كبائر وإلا تكون موجبة لرفع الدرجات في الجنات. قوله: (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان (غريب لا نعرفه إلا من رواية أبي بكر بن عياش الخ) الحديث أخرجه ابن ماجه أيضاً. قال الجزري: كلاهما من طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة وهذا إسناد صحيح. قال ميرك: وهذا لا يخلو عن تأمل، فإن أبا بكر بن عياش مختلف فيه. والأكثر على أنه كثير الغلط وهو ضعيف عن الأعمش ولذا قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من رواية أبي بكر، (وسألت محمد بن إسماعيل الخ) لكن يفهم من كلام الشيخ ابن حجر العسقلاني أن الحديث المرفوع أخرجه ابن خزيمة والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم وقال: واللفظ لابن خزيمة ونحوه للبيهقي من حديث ابن مسعود وقال فيه: فتحت أبواب الجنة فلم يغلق باب منها الشهر كله انتهى كلامه. ويقوي رفع الحديث أن مثل هذا لا يقال بالرأي فهو مرفوع حكماً والله أعلم تم كلام ميرك، كذا نقل القاري من المرقاة كلام الجزري وكلام ميرك، ثم تعقب على ميرك بوجوه لا يخلو بعضها عن كلام.
677- حدثنا أبو كُرَيْبٍ حدثنا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ عن محمدِ بنِ عَمْروٍ عن أبي سَلَمَةَ عن أبي هريرةَ قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم "لا تَقَدمُوا الشّهْرَ بِيَوْمٍ ولا بِيَوْمَيْنِ إلا أنْ يُوَافِقَ ذلِكَ صَوْماً كانَ يَصُومُهُ أَحَدُكُم. صُومُوا لِرُؤْيتِهِ وأَفْطِرُوا لِرُؤْيتِهِ فإِن غُمّ عَلَيْكُم فعُدّوا ثلاثينَ ثُمّ أفْطِرُوا". قال: وفي البابِ عن بعضِ أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم (أخبرنا مَنْصُورُ بنُ المُعْتَمِرِ عن رِبْعِيّ بنِ حِرَاشٍ عن بعضِ أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِ هذا). قال أبو عيسى: حديثُ أبي هريرةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعملُ على هذا عِنْدَ أهلِ العلمِ: كَرِهُوا أن يَتَعَجّلَ الرّجُلُ بِصِيَامٍ قَبْلَ دُخُولِ شهْرِ رَمَضَانَ لِمَعْنَى رَمَضَانَ وإنْ كانَ رَجُلٌ يَصُومُ صَوْماً فَوَافَقَ صِيَامُهُ ذلِكَ فلا بأسَ به عندَهُم. 678- حدثنا هَنّادٌ حدثنا وَكِيعٌ عن عليَ بنِ المبَارَكِ عن يَحْيَى بنِ أبي كَثِيرٍ عن أبي سَلَمَةَ عن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "لا تَقَدّمُوا شَهْرَ رَمَضانَ بصِيَامٍ قَبْلَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلاّ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كانَ يَصُومُ صَوْماً فَلْيَصُمْهُ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قوله: (لا تقدموا) بفتح التاء وأصله لا تتقدموا بالتائين حذفت إحداهما كما في (تلظى) قال السيوطي في قوت المغتذي: إنما نهي عن فعل ذلك لئلا يصوم احتياطاً لاحتمال أن يكون من رمضان وهو معنى قول المصنف (لمعنى رمضان) وإنما ذكر اليومين لأنه قد يحصل الشك في يومين بحصول الغيم أو الظلمة في شهرين، أو ثلاثة فلذا عقب ذكر اليوم باليومين. والحكمة في النهي أن لا يختلط صوم الفرض بصوم نقل قبله ولا بعده حذراً مما صنعت النصارى في الزيادة على ما افترض عليهم برأيهم الفاسد انتهى. وقال الحافظ في فتح الباري: والحكمة فيه التقوى بالفطر لرمضان ليدخل فيه بقوة ونشاط، وهذا فيه نظر لأن مقتضي الحديث أنه لو تقدمه بثلاثة أيام أو أربعة جاز، وقيل الحكمة فيه خشية اختلاط النفل بالفرض، وفيه نظر أيضاً لأنه يجوز لمن له عادة كما في الحديث، وقيل لأن الحكم علق بالرؤية فمن تقدمه بيوم أو بيومين فقد حاول الطعن في ذلك الحكم، وهذا هو المعتمد، ومعنى الاستثناء أن من كان له ورد فقد أذن له فيه لأنه اعتاده وألفه، وترك المألوف شديد، وليس ذلك من استقبال رمضان في شيء، ويلحق بذلك القضاء والنذر لوجوبهما. قال بعض العلماء: يستثنى القضاء والنذر بالأدلة القطعية على وجوب الوفاء بهما فلا يبطل القطعي بالظن. وفي الحديث رد على من يرى بتقديم الصوم على الرؤية كالرافضة، ورد على من قال بجواز صوم النفل المطلق انتهى. قوله: (صوموا لرؤيته) أي لأجل رؤية الهلال، فاللام للتعليل والضمير للهلال على حد (تورات بالحجاب) اكتفاء بقرينة السياق (فإن غم عليكم) أي غطى الهلال في ليلة الثلاثين. قال الجزري في النهاية: يقال غم علينا الهلال إذا حال دون رؤيته غيم أو نحوه من غممت الشيء إذا غطيته، وفي غم ضمير الهلال، ويجوز أن يكون غم مسنداً إلى الظرف أي فإن كنتم مغموماً عليكم فأكملوا العدة انتهى (فعدوا ثلاثين) بصيغة الأمر من العد. والمعنى أكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً. قوله: (وفي الباب عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الخ) قال الحافظ في الفتح: وروى أبو داود والنسائي وابن خزيمة من طريق ربعي عن حذيفة مرفوعاً: لا تقدموا الشهر متى ترووا الهلال أو تكملوا العدة ثم صوموا حتى ترووا الهلال أو تكملوا العدة. وقيل الصواب فيه عن ربعي عن رجل من الصحابة مبهم ولا يقدح ذلك في صحته انتهى. قوله: (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد. قوله: (كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخوله شهر رمضان لمعنى رمضان) قال السيوطي في قوت المغتذي: قوله لا تقدموا الشهر بيوم ولا يومين إنما نهي عن فعل ذلك احتياطاً لاحتمال أن يكون من رمضان، وهو معنى قول المصنف لمعنى رمضان انتهى وقال الحافظ في الفتح: قال العلماء: معنى الحديث لا تستقبلوا رمضان بصيام على نية الاحتياط لرمضان. قال الترمذي لما أخرجه فذكر الحافظ كلام الترمذي هذا إلى قوله: لمعنى رمضان. قوله: (لا تقدموا شهر رمضان بصيام قبله بيوم أو يومين) إنما اقتصر على يوم أو يومين لأنه الغالب فيمن يقصد ذلك وقد قطع كثير من الشافعية بأن ابتداء المنع من أول السادس عشر من شعبان بحديث أبي هريرة مرفوعاً: إذا انتصف شعبان فلا تصوموا أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره، وقال الروياني من الشافعية: يحرم التقدم بيوم أو يومين لحديث الباب، ويكره التقدم من نصف شعبان للحديث الاَخر. وقال جمهور العلماء يجوز الصوم تطوعاً بعد النصف من شعبان وضعفوا الحديث الوارد فيه. وقال أحمد بن معين: إنه منكر وقد استدل البيهقي بحديث الباب على ضعفه فقال: الرخصة في ذلك بما هو أصح من حديث العلاء، وكذا صنع قبله الطحاوي واستظهر بحديث ثابت عن أنس مرفوعاً: أفضل الصيام بعد رمضان شعبان لكن إسناده ضعيف، وجمع بين الحديثين بأن حديث العلاء محمول على من يضعفه الصوم، وحديث الباب مخصوص بمن يحتاط بزعمه لرمضان قال الحافظ وهو جمع حسن. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة.
679- حدثنا أبو سَعِيدٍ عبدُ الله بنُ سعيدٍ الأشَجّ حدثنا أبو خَالِدٍ الأحْمَرُ عن عَمْروِ بنِ قَيْسٍ الملائي عن أبي إسحاقَ عن صِلَةَ بنِ زُفَرَ قال: "كُنّا عِنْدَ عَمّارِ بنِ يَاسِرٍ فأُتّيَ بِشَاةٍ مَصْلِيّةٍ فقال: كُلُوا فَتَنَحّى بَعْضُ القَوْمِ فقال إنّي صَائِمٌ، فقال عمّارٌ: مَنْ صَامَ اليوم الذي يُشَكّ فيهِ فَقَدْ عَصَى أبا القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم". قال: وفي الباب عن أبي هريرةَ وأَنَسٍ. قال أبو عيسى: حديثُ عَمّارٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعملُ على هذا عنْدَ أكثَر أَهلِ العلمِ منْ أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم ومَن بَعْدَهُمْ مِنَ التّابِعينَ. وبهِ يقولُ سُفْيَانُ الثّوْرِيّ ومالكُ بنُ أنسٍ وعبدُ الله بنُ المبارَكِ والشّافِعِيّ وأحمدُ وإسحاقُ: كَرِهُوا أَنْ يَصُومَ الرّجُلُ الْيَوْمَ الّذِي يُشَكّ فيهِ، وَرَأى أكْثَرُهُمْ إنْ صَامَهُ فكانَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ أن يَقْضِيَ يَوْماً مكَانَهُ. قوله: (أخبرنا أبو خالد الأحمر) اسمه سليمان بن حيان الأزدي الكوفي صدوق يخطئ من الثامنة (عن صلة بن زفر) بكسر الصاد المهملة وتخفيف اللام المفتوحة وزفر بالزاي والفاء على وزن عمر كوفي عبسي من كبار التابعين وفضلائهم. قوله: (كنا عند عمار بن ياسر) صحابي جليل مشهور من السابقين الأولين بدري قتل مع علي بصفين سنة سبع وثلاثين (مصلية) أي مشوية (فتنحى بعض القوم) أي اعتزل (فقال) أي بعض القوم الذي اعتزل واحترز عن أكلها (من صام اليوم الذي شك فيه) وفي بعض النسخ يشك فيه، وذكر البخاري هذا الحديث في صحيحه تعليقاً بلفظ: من صام يوم الشك والمراد من اليوم الذي يشك فيه يوم الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال في ليلته بغيم ساتر أو نحوه، فيجوز كونه من رمضان وكونه من شعبان (فقد عصى أبا القاسم) هو كنية رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل فائدة تخصيص ذكر هذه الكنية الإشارة إلى أنه هو الذي يقسم بين عباد الله أحكامه زماناً ومكاناً وغير ذلك. قال الحافظ في فتح الباري: استدل به على تحريم يوم الشك لأن الصحابي لا يقول ذلك من قبل رأيه فيكون من قبل المرفوع. قال ابن عبد البر: هو مسند عندهم لا يختلفون في ذلك، وخالفهم الجوهري المالكي فقال: هو موقوف، والجواب، أنه موقوف لفظاً مرفوع حكماً انتهى. قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه البزار بلفظ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام ستة أيام أحدها اليوم الذي يشك فيه وفي إسناده عبد الله بن سعيد المقبري عن جده وهو ضعيف، وأخرجه أيضا الدارقطني وفي إسناده الواقدي، وأخرجه أيضا البيهقي وفي إسناد عباد وهو عبد الله بن سعيد المقبري المتقدم وهو منكر الحديث كما قال أحمد بن حنبل، كذا في النيل (وأنس) لم أقف على من أخرجه. قوله: (حديث عمار حديث حسن صحيح) وأخرجه أيضاً ابن حبان وابن خزيمة وصححاه والحاكم والدارقطني والبيهقي. قال العراقي في شرح الترمذي: جمع الصاغاني في تصنيف له الأحاديث الموضوعة فذكر فيه حديث عمار المذكور وما أدري ما وجه الحكم عليه بالوضع وليس في إسناده من يتهم بالكذب وكلهم ثقات وقال: وقد كتبت على الكتاب المذكور كراسة في الرد عليه في أحاديث منها هذا الحديث قال نعم في اتصاله نظر، فقد ذكر المزي في الأطراف أنه روى عن أبي إسحاق السبيعي أنه قال: حدثت عن صلة بن زفر لكن جزم البخاري بصحته إلى صلة فقال في صحيحه: وقال صلة، وهذا يقتضي صحته عنده، وقال البيهقي في المعرفة: إنه إسناده صحيح انتهى. قوله: (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم الخ) قال في النيل: وقد استدل بهذه الأحاديث أي بحديث عمار بن ياسر المذكور في الباب وما في معناه كأحاديث الأمر بالصوم لرؤية الهلال وكأحاديث النهي عن استقبال رمضان بصوم على المنع من صوم يوم الشك. قال النووي: وبه قال مالك والشافعي والجمهور، وحكى الحافظ في الفتح عن مالك وأبي حنيفة أنه لا يجوز صومه عن فرض رمضان ويجوز عما سوى ذلك. قال ابن الجوزي: ولأحمد في هذه المسألة وهي إذا حال دون مطلع الهلال غيم أو غيره ليلة الثلاثين من شعبان ثلاثة أقوال: أحداها: يجب صومه على أنه من رمضان، وثانيها: لا يجوز فرضاً ولا نفلاً مطلقاً بل قضاء وكفارة ونذراً ونفلاً يوافق عادة، ثالثها: المرجع إلى رأي الإمام في الصوم والفطر، وذهب جماعة من الصحابة إلى صومه منهم علي وعائشة وعمرو بن عمر وأنس بن مالك وأسماء بنت أبي بكر وأبي هريرة ومعاوية وعمرو بن العاص وغيرهم وجماعة من التابعين. واستدل المجوزون لصومه بأدلة، ثم ذكرها الشوكاني وتكلم عليها وليس فيها ما يفيد مطلوبهم ثم قال: قال ابن عبد البر: وممن روي عنه كراهة صوم يوم الشك عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعمار وابن مسعود وحذيفة وابن عباس وأبو هريرة وأنس بن مالك، ثم قال: والحاصل أن الصحابة مختلفون في ذلك، وليس قول بعضهم بحجة على أحد والحجة ما جاءنا عن الشارع وقد عرفته. قال: وقد استوفيت الكلام على هذه المسألة في الأبحاث التي كتبتها على رسالة الجلال انتهى (ورأى أكثرهم إن صامه) أي صوم يوم الشك (وكان من شهر رمضان أن يقضي يوماً مكانه) لأن الذي صام يوم الشك لم يصم صوم رمضان على اليقين وإن ظهر بعد أنه كان من رمضان فلا بد له من أن يقضي يوماً مكانه.
680- حدثنا مُسْلُمِ بنُ حَجّاجِ حدثنا يَحْيَى بنُ يَحْيَى حدثنا أبو معاوِيَةَ عن محمدِ بنِ عَمْروٍ عن أبي سَلَمَةَ عن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "أحْصُوا هِلاَلَ شَعْبَانَ لِرَمَضَانَ". قال أبو عيسى: حديثُ أبي هريرةَ لا نَعْرِفُهُ مِثْلَ هذا إلا مِنْ حديثِ أبي مُعَاوِيَةَ. والصّحِيحُ مَا رُوِيَ عن محمدِ بنِ عَمْروٍ عن أبي سَلَمَةَ عن أبي هريرةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال "لا تَقَدّمُوا شَهْرَ رَمضَانَ بِيَوْمٍ ولا يَوْمَيْنِ" وهَكَذَا رُوِيَ عن يَحْيَى بنِ أبي كَثِيرٍ عن أبي سَلَمَة عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ حديثِ محمدِ بنِ عَمْرٍو اللّيْثِيّ. قوله: (حدثنا مسلم بن حجاج) هو صاحب الصحيح. قال العراقي: لم يرو المصنف في كتابه شيئاً عن مسلم صاحب الصحيح إلا هذا الحديث وهو من رواية الأقران فإنهما اشتركا في كثير من شيوخهما انتهى. قوله: (أحصوا) بقطع الهمزة أمر من الإحصاء وهو في الأصل العد بالحصا أي عدوا (هلال شعبان) أي أيامه (لرمضان) أي لأجل رمضان أو للمحافظة على صوم رمضان. وقال ابن الملك: أي لتعلموا دخول رمضان. قال الطيبي: الإحصاء المبالغة في العد بأنواع الجهد، ولذلك كنى به عن الطاقة في قوله عليه الصلاة والسلام. استقيموا ولن تحصوا انتهى. وقال ابن حجر: أي اجتهدوا في إحصائه وضبطه بأن تتحروا مطالعه وتتراءوا منازله لأجل أن تكونوا على بصيرة في إدراك هلال رمضان على حقيقة حتى لا يفوتكم منه شيء، كذا في المرقاة. قال السيوطي في قوت المغتذي: هذا الحديث مختصر من حديث وقد رواه الدارقطني بتمامه فزاد: ولا تخلطوا برمضان إلا أن يوافق ذلك صياماً ما كان يصومه أحدكم، وصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فإنها ليست تغمى عليكم العدة انتهى. قوله: (لا نعرفه مثل هذا) أي بهذا اللفظ (إلا من حديث معاوية يعني أنه قد تفرد بهذا اللفظ والصحيح ما روى عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة الخ). لقائل أن يقول: إن حديث أبي معاوية عن محمد بن عمرو بلفظ: أحصوا هلال شعبان لرمضان، وما روى عن محمد بن عمرو بلفظ: لا تقدموا شهر رمضان بيوم ولا يومين، حديثان يدلان على معنيين، فالأول: يدل على إحصاء هلال شعبان والتحفظ به، وقد روى أبو داود عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره الحديث، والحديث الاَخر يدل على النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين، فالظاهر أن محمد بن عمرو يروي هذين الحديثين عن أبي سلمة عن أبي هريرة فروى عنه أبو معاوية الحديث الأول وروى عنه غيره الحديث الاَخر، فعلى هذا يكون الحديثان صحيحين فتفكر والله تعالى أعلم.
681- حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا أبو الأحْوَصِ عن سِمَاكِ عن عِكْرِمَةَ عن ابنِ عباسٍ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "لا تَصُومُوا قَبْلَ رَمَضَانَ، صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وأفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فإنْ حَالَتْ دُونَهُ غَيَابَة فأكْمَلُوا ثلاثين يَوْماً". وفي البابِ عن أبي هريرةَ وأبي بَكْرَةَ وابنِ عُمَرَ. قال أبو عيسى: حديثُ ابنِ عبّاسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقد رُوِيَ عنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ. قوله: (صوموا لرؤيته) الضمير للهلال على حد توارت بالحجاب اكتفاء بقرينه السياق. قال الطيبي: اللام للتوقيت كقوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} (دونه) أي دون الهلال (غيابه) بفتح الغين المعجمة واليائين المثناتين من تحت وهي السحاب ونحوها. قال القاري: هذا هو المشهور في ضبط هذا الحديث. وقال ابن العربي: يجوز أن يجعل بدل الياء الأخيرة باء موحدة من الغيب، وتقديره ما خفي عليك واستتر، أو نوناً من الغين وهو الحجاب، كذا في قوت المغتذي. قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه الشيخان (وأبي بكرة) أخرجه الشيخان (وابن عمر) أخرجه الشيخان. قوله: (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والنسائي.
(باب ما جاء أن الشهر يكون تسعاً وعشرين) أي قد يكون تسعاً وعشرين. 682- حدثنا أحمدُ بنُ مَنِيع، حدثنا يَحْيِى بنُ زكَرِيّا بنُ أبي زَائِدَةَ أخْبَرَنِي عيسى بنُ دِينَار عن أبيهِ عن عَمْروِ بنِ الحَارِثِ بنِ أبي ضرَار عن ابن مَسْعُودٍ قال: "ما صُمْتُ مع النبيّ صلى الله عليه وسلم تسعاً وعِشْرِينَ أكْثَرُ مِمّا صُمْنَا ثلاثينَ". قال: وفي البابِ عن عُمَرَ وأبي هريرةَ وعائِشَةَ وسَعْدِ بنِ أبي وَقّاصٍ وابنِ عباسٍ وابنِ عُمَرَ وأنَسٍ وجَابرٍ وأم سَلَمَةَ وأبي بكْرَةَ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "الشّهْرُ يَكُونُ تِسْعاً وعِشْرِينَ". 683- حدثنا عليّ بنُ حُجرٍ، حدثنا إسماعيلُ بنُ جَعْفَرٍ عن حُمَيْدٍ عن أنَسٍ أنّهُ قال: "آلى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِن نِسائِهِ شَهْراً فأَقَامَ في مَشْرُبَةٍ تِسْعاً وعِشْرِينَ يَوْماً، قالوا يا رسولَ الله إنّكَ آلَيْتَ شَهْراً فقالَ: الشّهْرُ تِسْعٌ وعِشْرُونَ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قوله: (عن عمرو بن الحارث بن أبي ضرار) بكسر المعجمة صحابي قليل الحديث وهو أخو جويرية أم المؤمنين. كذا في التقريب. قوله: (ما صمت مع النبي صلى الله عليه وسلم الخ) وفي رواية أبي داود: لما صمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم الخ. قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي كلمة "ما" تحتمل أن تكون مصدرية في الموضعين أي صومي تسعاً وعشرين أكثر من صومي ثلاثين، وتحتمل أن تكون في الموضعين موصولة والعائد محذوف، والتقدير ما صمته حال كونه تسعاً وعشرين أكثر مما صمناه حال كونه ثلاثين، فيكون تسعاً وعشرين، وكذلك ثلاثين حال من ضمير المفعول المحذوف الراجع إلى رمضان المراد بالموصول، وعلى التقديرين قوله "أكثر" مرفوع على الخبرية. والحاصل أن الأشهر الناقصة أكثر من الوافية. وأما القول بأن كلمة "ما" الأولى نافية وعلى هذا التقدير يكون قوله أكثر منصوباً ويكون الحاصل أن الناقص ما كان غالباً على الوافي فبعيد، ويؤيد هذا البعد ما قال الشيخ ابن حجر قال بعض الحفاظ: صام صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات منها رمضانان فقط ثلاثون. وقال النووي: وقد يقع النقص متوالياً في شهرين وثلاثة وأربعة ولا يقع أكثر من أربعة انتهى كلام أبي الطيب باختصار. وحديث ابن مسعود هذا أخرجه أبو داود أيضاً وسكت هو والمنذري عنه، وذكره الحافظ في الفتح وسكت عنه هو أيضاً وقال: ومثله عن عائشة عند أحمد بإسناد جيد انتهى. قلت: والظاهر أن حديث ابن مسعود حسن. قوله: (وفي الباب عن عمر وأبي هريرة الخ) أما حديث عمر رضي الله عنه فأخرجه الشيخان، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أيضاً الشيخان، وأما حديث عائشة فأخرجه أحمد، وأما حديث سعد بن أبي وقاص فأخرجه مسلم، فأما حديث ابن عمر وأنس وجابر وأم سلمة فأخرجه مسلم وغيره، وأما حديث بن عباس وأبي بكرة فلينظر من أخرجه. قوله: (آلي رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه) أي حلف أن لا يدخل عليهن، وليس المراد بالإيلاء في هذا الحديث الإيلاء الشرعي بل المراد الإيلاء اللغوي وهو الحلف (فأقام في مشربة) بضم الراء وفتحها أي غرفة. قال الجزري في النهاية: المشربة بالضم والفتح الغرفة، وفي القاموس: المشربة الغرفة أو العلية انتهى. والغرفة بالضم والعلية بالضم والتشديد معناهما بالفارسية برواره، كذا في الصراح، وبروار على وزن همواره معناه بالفارسية بالإخانة وحجرة بالاء حجرة (الشهر تسع وعشرون) أي هذا الشهر تسع وعشرون أو المعنى الشهر قد يكون كذلك. قال الحافظ في الفتح: ظاهره حصر الشهر في تسع وعشرين مع أنه لا ينحصر فيه بل قد يكون ثلاثين، والجواب أن المعنى أن الشهر يكون تسعة وعشرين أو اللام للعهد والمراد شهر بعينه أو هو محمول على الأكثر الأغلب، كقول ابن مسعود: ما صمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم تسعاً وعشرين أكثر مما صمنا ثلاثين. ويؤيد الأول قوله في حديث أم سلمة: إن الشهر يكون تسعة وعشرين يوماً. وقال ابن العربي: معناه حصره من جهة أحد طرفيه أي أنه يكون تسعاً وعشرين وهو أقله ويكون ثلاثين وهو أكثره فلا تأخذوا أنفسكم بصوم الأكثر احتياطاً ولا تقتصروا على الأقل تخفيفاً، ولكن اجعلوا عبادتكم مرتبطة ابتداء وانتهاء باستهلاله انتهى. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري.
(ت: 7) 684- حدثنا محمدُ بنُ إسماعيلَ، حدثنا محمدُ بنُ الصّبّاحِ حدثنا الولِيدُ بنُ أبي ثَوْرٍ عن سِمَاكٍ عن عَكْرِمَةِ عن ابنِ عباسٍ قال: "جَاءَ أعْرابي إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنّي رأَيْتُ الهِلاَلَ، فقال: "أتَشْهَدُ أن لا إلهَ إلاّ الله؟ أتَشْهَدُ أنّ محمداً رسولُ الله؟ قال: نعم، قال: يا بِلاَلُ أذّنْ في النّاسِ أنْ يَصُومُوا غداً". 685- حدثنا أبو كُرَيْبٍ حدثنا حُسَيْنٌ الجُعْفِيّ عن زَائِدَة عن سِمَاك نَحْوَهُ بهذا الإسناد. قال أبو عيسى: حديثُ ابنِ عباس فيهِ اخْتِلاف. وَرَوَى سُفْيَانُ الثّوْرِي وغَيْرُهُ عنِ سِمَاكِ عن عِكْرِمَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسلاً وأكثرُ أصحابِ سَمِاكٍ رَوَوْا عن سِمَاكٍ عن عِكْرِمَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسِلاً. والعملُ على هذا الحديثِ عند أكثر أهلِ العلمِ، قالوا تُقْبَلُ شهادَةُ رَجُلٍ وَاحِد في الصّيَامِ. وبهِ يقولُ ابنُ المباركِ والشّافِعِيّ وأحمدُ وأهلُ الكوفة. قال إسحاقُ: لا يُصَامُ إلاّ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ أهلُ العلمِ في الإفطَارِ أنّهُ لا يُقْبَلُ فيهِ إلاّ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ. قوله: (حدثنا محمد بن اسماعيل) هو الإمام البخاري رحمه الله (أخبرنا محمد بن الصباح) الدولابي أبي جعفر البغدادي ثقة حافظ من العاشرة (أخبرنا الوليد بن أبي ثور) هو الوليد بن عبد الله بن أبي ثور الهمداني الكوفي وقد ينسب بجده ضعيف من الثامنة كذا في التقريب (جاء أعرابي) أي واحد من الأعراب وهم سكان البادية (إني رأيت الهلال) يعني هلال رمضان كما في رواية يعني وكان غيماً، وفيه دليل على أن الإخبار كاف ولا يحتاج إلى لفظ الشهادة ولا إلى الدعوى (فقال أتشهد أن لا إله إلا الله الخ) قال ابن الملك: دل على أن الإسلام شرط في الشهادة (أذن في الناس) أمر من التأذين أي ناد فيهم وأعلمهم. قوله: (وأكثر أصحاب سِمَاك رووا عن سِمَاك عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً) وقال النسائي: إنه أولى بالصواب، وسِمَاك إذا تفرد بأصل لم يكن حجة، كذا الحافظ في التلخيص: وقال في بلوغ المرام: رواه الخمسة وصححه ابن خزيمة وابن حبان ورجح النسائي إرساله انتهى. قوله: (وبه يقول ابن المبارك والشافعي) أي في أحد قوليه. قال النووي: وهو الأصح (وأحمد) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله: وهو قول الجمهور كما صرح به الحافظ في الفتح، واستدلوا بحديث الباب وبحديث ابن عمر رضي الله عنه قال: تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه، رواه أبو داود وصححه ابن حبان والحاكم (وقال إسحاق: لا يصام إلا بشهادة رجلين) وبه قال مالك والليث والأوزاعي والثوري والشافعي في أحد قوليه، واستدلوا بحديث عبد الرحمَن بن زيد بن الخطاب أنه خطب في اليوم الذي شك فيه فقال: ألا إني جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألتهم أنهم حدثوني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وأنسكوا لها، فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين يوماً، فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا". رواه أحمد والنسائي ولم يقل فيه "مسلمان" قال الشوكاني في النيل: ذكره الحافظ في التلخيص ولم يذكر فيه قدحاً وإسناده لا بأس به على اختلاف فيه انتهى. واستدلوا أيضاً بحديث أمير مكة الحارث بن حاطب قال: عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك للرؤية فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما، رواه أبو داود والدارقطني وقال هذا إسناد متصل صحيح. وأجاب من قال بقبول شهادة رجل في الصيام عن هذين الحديثين بأن التصريح بالإثنين غاية ما فيه المنع من قبول الواحد بالمفهوم، وحديث ابن عباس وحديث ابن عمر المذكورين يدلان على قبوله بالمنطوق ودلالة المنطوق أرجح (ولم يختلف أهل العلم في الإفطار أنه لا يقبل فيه إلا شهادة رجلين) قال النووي في شرح مسلم: لا تجوز شهادة عدل واحد على هلال شوال عند جميع العلماء إلا أبا ثور فجوزه بعدل انتهى. واحتجوا بما رواه الدارقطني والطبراني في الأوسط من طريق طاؤس قال شهدت المدينة وبها ابن عمر وابن عباس فجاء رجل إلي وإليها وشهد عنده على رؤية هلال شهر رمضان فسأل ابن عمر وابن عباس عن شهادته فأمراه أن يجيزه وقالا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة واحد على رؤية هلال رمضان وكان لا يجيز شهادة الإفطار إلا بشهادة رجلين، قال الدارقطني: تفرد به حفص بن عمر الأيلي وهو ضعيف. فإن قلت: هذا الحديث ضعيف فكيف يصح الاحتجاج به على عدم جواز شهادة رجل واحد في الإفطار. قلت: أصل الاحتجاج بحديث عبد الرحمَن بن زيد وحديث الحارث بن حاطب المذكورين، فإن قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا" في حديث عبد الرحمَن بن زيد، وقوله: "فإن لم نره وشهد شاهداً عدل نسكنا بشهادتهما" في حديث الحارث يدلان بمفهومهما على عدم جواز شهادة رجل واحد في الإفطار ولا يعارضه منطوق بل منطوق حديث ابن عمر وابن عباس وإن كان ضعيفاً يؤيدهما.
686- حدثنا أبو سلمة يَحْيَى بنُ خَلَفٍ البَصْرِيّ حدثنا بِشْرُ بنُ المُفَضّلِ عن خالدٍ الحَذّاءِ عن عبدِ الرحمَنِ بن أبي بَكْرَةَ عن أبيهِ قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "شَهْرا عِيدٍ لا يَنْقُصَانِ: رمَضَانُ وذو الحِجّةِ". قال أبو عيسى: حديثُ أبي بَكْرَةَ حديثٌ حسنٌ. وقد رُوِيَ هذا الحديثُ عن عبدِ الرحمَنِ بنِ أبي بَكْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسلاً. قال أحمدُ: مَعْنَى هذا الحديثِ "شَهْرا عِيدٍ لا يَنْقُصَانِ" يقولُ: لا يَنْقُصَانِ مَعاً في سَنَةٍ واحِدَةٍ شَهْرُ رَمَضَانَ وذُو الحِجّةِ إنْ نقَصَ أحَدُهُمَا تَمّ الاَخَرُ. وقال إسحاقُ: مَعْنَاهُ لا بَنْقُصَانِ، يقُولُ وإنْ كانَ تِسعاً وعِشْرِينَ فَهُوَ تَمَامٌ غَيْرُ نُقْصَانٍ. وعلى مَذْهَبِ إسحاقَ يَكُونُ يَنْقُصُ الشّهْرَانِ مَعاً في سَنَةٍ واحِدَةٍ. قوله: (رمضان وذو الحجة) بدلان وبيانان أطلق على رمضان أنه شهر عيد لقربه من العيد، ونظير قوله صلى الله عليه وسلم: "المغرب وتر النهار"، أخرجه الترمذي من حديث ابن عمر، وصلاة المغرب ليلية جهرية وأطلق كونها وتر النهار لقربها منه. قاله الحافظ. قوله: (حديث أبي بكر حديث حسن) وأخرجه الشيخان فالظاهر أنه صحيح (قال أحمد) أي ابن حنبل رحمه الله (إن نقص أحدهما تم الاَخر) أي إن جاء أحدهما تسعاً وعشرين جاء الاَخر ثلاثين (وقال إسحاق) أي ابن راهويه رحمه الله وإن كان تسعاً وعشرين فهو تمام غير نقصان أي فهو تام في الفضيلة غير ناقص (وعلى مذهب إسحاق يكون ينقص الشهران معاً في سنة واحدة) أي على مذهب إسحاق يجوز أن ينقصا معاً في سنة واحدة وفي صحيح البخاري: وقال أبو الحسن: كان إسحاق بن راهويه يقول: لا ينقصان في الفضيلة إن كان تسعة وعشرين أو ثلاثين انتهى. وذكر ابن حبان لهذا الحديث معنيين: أحدهما ما قال إسحاق، والاَخر أنهما في الفضل سواء لقوله في الحديث الاَخر: ما من أيام العمل فيها أفضل من عشر ذي الحجة، وقيل معناه لا ينقصان في عام بعينه وهو العام الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم تلك المقالة. وقيل: المعنى لا ينقصان في الأحكام، وبهذا جزم البيهقي وقبله الطحاوي فقال معنى لا ينقصان أي الأحكام فيهما وإن كانتا تسعة وعشرين متكاملة غير ناقصة عن حكمهما إذا كانا ثلاثين وقيل معناه لا ينقصان في نفس الأمر لكن ربما حال دون رؤية الهلال مانع، وهذا أشار إليه ابن حبان أيضاً ولا يخفي بعده. وقيل معناه لا ينقصان معاً في سنة واحدة على طريق الأكثر الأغلب وإن ندر وقوع ذلك، وهذا أعدل مما تقدم لأنه ربما وجد وقوعهما ووقوع كل منهما تسعة وعشرين. هذا تلخيص ما قاله الحافظ في فتح الباري. وقال النووي في شرح مسلم: الأصح أن معناه لا ينقص أجرهما والثواب المرتب عليهما وإن نقص عددهما، وقيل معنا لا ينقصان جميعاً في سنة واحدة غالباً، وقيل لا ينقص ثواب ذي الحجة عن ثواب رمضان لأنه فيه المناسك حكاه الخطابي وهو ضعيف، والأول هو الصواب المعتمد، ومعناه أن قوله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"، وقوله: "من قام رمضاناً إيماناً واحتساباً"، وغير ذلك، فكل هذه الفضائل تحصل سواء تم عدد رمضان أم نقص انتهى. قلت: الظاهر هو ما قاله النووي والله تعالى أعلم.
687- حدثنا عَلِيّ بن حُجْرٍ، حدثنا إسماعيلُ بنُ جَعْفَر حدثنا محمدُ بنُ أبي حَرْمَلَةَ أخْبَرَنِي كُرَيْبٌ "أنّ أُمّ الفَضْلِ بِنْتَ الحَارِثِ بَعَثَتْهُ إلى مُعَاوِيَةَ بالشّامِ، قال: فَقَدِمْتُ الشّامَ فَقَضَيْتُ حَاجتَها واستُهِل عَليّ هِلاَلُ رَمَضَانَ وأنا بالشّامِ فرأَيْنَا الهِلاَلَ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، ثمّ قَدِمْتُ المَدِينَةَ في آخرِ الشهْرِ فَسَأَلَنِي ابنُ عبّاسٍ ثُمّ ذكَرَ الهِلاَلَ فقالَ متَى رأَيْتُمْ الهِلاَلَ؟ فقلت: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، فقال: أَأنْتَ رَأَيْتَهُ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ؟ فَقلت: رَآهُ النّاسُ فَصَامُوا وصَام مُعَاويِةُ، قَالَ: لكنْ رأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السّبْتِ فلا نَزَالُ نَصُوُمُ حتى نُكْمِلَ ثلاثينَ يَوْماً أو نَرَاهُ، فَقُلْتُ ألا تَكْتَفِي بِرُؤيَةِ مُعَاوِيَةَ وصِيَامِهِ؟ قال: لا هكَذَا أَمَرَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم". قال أبو عيسى: حديثُ ابنِ عبّاسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ. والعملُ على هذا الحديثِ عندَ أهلِ العلمِ أَنّ لِكُلّ أهْلِ بَلَدٍ رُؤْيَتهُمْ. قوله: (بعثته) أي كريباً (واستهل على رمضان) بضم التاء من استهل قاله النووي يعني بصيغة المجهول (فرأينا الهلال) وفي رواية مسلم: فرأيت الهلال (فقال أنت رأيته ليلة الجمعة فقلت رآه الناس وصاموا وصام معاوية) وفي رواية مسلم: فقال أنت رأيته؟ فقلت: نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية (فقال لكن رأيناه) أي فقال ابن عباس: لكن رأيناه (حتى نكمل) من الإكمال أو التكميل (فقلت ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه قال لا الخ) هذا بظاهره يدل على أن لكل أهل بلد رؤيتهم ولا تكفي رؤية أهل بلد لأهل بلد آخر. قال النووي في شرح مسلم: والصحيح عند أصحابنا أن الرؤية لا تعم الناس بل تختص بمن قرب على مسافة لا تقصر فيها الصلاة، وقيل إن اتفق المطلع لزمهم وإن اتفق الإقليم وإلا فلا. وقال بعض أصحابنا: تعم الرؤية في موضع جميع أهل الأرض، فعلى هذا تقول: إنما لم يعمل ابن عباس بخبر كريب لأنه شهادة فلا تثبت بواحد، لكن ظاهر حديثه أنه لم يرده لهذا وإنما رده لأن الرؤية لا يثبت حكمها في حق البعيد انتهى. قوله: (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم. قوله: (والعمل على هذا عند أهل العلم أن لكل أهل بلد رؤيتهم) ظاهر كلام الترمذي هذا أنه ليس في هذا اختلاف بين أهل العلم والأمر ليس كذلك. قال الحافظ في الفتح: قد اختلف العلماء في ذلك على مذاهب: أحدها لأهل كل بلد رؤيتهم، وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس ما يشهد له، وحكاه ابن المنذر عن عكرمة والقاسم وسالم وإسحاق، وحكاه الترمذي عن أهل العلم ولم يحك سواه، وحكى الماوردي وجهاً للشافعية. ثانيها: مقابله إذا رؤى ببلدة لزم أهل البلاد كلها وهو المشهور عند المالكية، لكن حكى ابن عبد البر الإجماع على خلافه، وقال أجمعوا على أنه لا تراعى الرؤية فيما بعد من البلاد كخراسان والأندلس. قال القرطبي: قد قال شيوخنا إذا كانت رؤية الهلال ظاهرة قاطعة بموضع ثم نقل إلى غيرهم بشهادة اثنين لزمهم الصوم. وقال بان الماجشون: لا يلزمهم بالشهادة إلا لأهل البلد الذي ثبتت فيه الشهادة إلا أن يثبت عند الإمام الأعظم فيلزم الناس كلهم لأن البلاد في حقه كالبلد الواحد إذ حكمه نافذ في الجميع. وقال بعض الشافعية: إن تقاربت البلاد كان الحكم واحداً وإن تباعدت فوجهان لا يجب عند الأكثر، واختار أبو الطيب وطائفة الوجوب، وحكاه البغوي عن الشافعي وفي ضبطه البعد أوجه: أحدها اختلاف المطالع، قطع به العراقيون والصيدلاني وصححه النووي في الروضة وشرح المهذب ثانيها مسافة القصر قطع به الإمام البغوي وصححه الرافعي في الصغير والنووي في شرح مسلم، ثالثها: اختلاف الأقاليم، رابعها: حكاه السرخسي فقال: يلزم كل بلد لا يتصور خفاؤه عنهم بلا عارض دون غيرهم، خامسها: قول ابن ماجشون المتقدم. انتهى كلام الحافظ. قلت: حديث ابن عباس الذي يشهد القول الأول أخرجه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه عن كريب أن أم الفضل بعثته إلى معاوية بالشام فقال فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل على رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس ثم ذكر الهلال. فقال متى رأيتم الهلال؟ فقلت رأيناه ليلة الجمعة، فقال أنت رأيته؟ فقلت نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية، فقال لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل الثلاثين أو نراه، فقلت ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الشوكاني في النيل بعد ذكر الأقوال التي ذكرها الحافظ ما لفظه: وحجة أهل هذه الأقوال حديث كريب هذا، ووجه الاحتجاج به أن ابن عباس لم يعمل برؤية أهل الشام وقال في آخر الحديث: هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على أنه قد حفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يلزم أهل بلد العمل برؤية أهل بلد آخر. واعلم أن الحجة إنما هي في المرفوع من رواية ابن عباس لا في اجتهاده الذي فهم عنه الناس والمشار إليه بقوله: هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو قوله: فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين، والأمر الكائن من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ما أخرجه الشيخان وغيرهما بلفظ: لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين، وهذا لا يختص بأهل ناحية على جهة الإنفراد بل هو خطاب لكل من يصلح له من المسلمين، فالاستدلال به على لزوم رؤية أهل بلد لغيرهم من أهل البلاد أظهر من الاستدلال به على عدم اللزوم، لأنه إذا رآه أهل بلد فقد رآه المسلمون فيلزم غيرهم ما لزمهم. ولو سلم توجه الإشارة في كلام ابن عباس إلى عدم لزوم رؤية أهل بلد لأهل بلد آخر، لكان عدم اللزوم مقيدأ بدليل العقل وهو أن يكون بين القطرين من البعد ما يجوز معه اختلاف المطالع. وعدم عمل ابن عباس برؤية أهل الشام مع عدم البعد الذي يمكن معه الاختلاف عمل بالاجتهاد وليس بحجة، ولو سلم عدم لزوم التقييد بالعقل فلا يشك أن الأدلة قاضية بأن أهل الأقطار يعمل بعضهم بخبر بعض وشهادته في جميع الأحكام الشرعية والرؤية من جملتها، وسواء كان بين القطرين من البعد ما يجوز معه اختلاف المطالع أم لا، فلا يقبل التخصيص إلا بدليل. ولو سلم صلاحية حديث كريب هذا للتخصيص فينبغي أن يقتصر فيه على محل النص إن كان النص معلوماً أو على المفهوم منه إن لم يكن معلوماً لو رووه على خلاف القياس، ولم يأت ابن عباس بلفظ النبي صلى الله عليه وسلم ولا بمعنى لفظه حتى ننظر في عمومه وخصوصه، إنما جاء بصيغة مجملة أشار بها إلى قصة هي عدم عمل أهل المدينة برؤية أهل الشام على تسليم أن ذلك المراد، ولم نفهم منه زيادة على ذلك حتى نجعله مخصصاً لذلك العموم، فينبغي الاقتصار على المفهوم من ذلك الوارد على خلاف القياس وعدم الإلحاق به، فلا يجب على أهل المدينة العمل برؤية أهل الشام دون غيرهم، ويمكن أن يكون في ذلك حكمة لا تعقلها. ولو تسلم صحة الإلحاق وتخصيص العموم به، فغايته أن يكون في المحلات التي بينها من البعد ما بين المدينة والشام أو أكثر وأما في أقل من ذلك فلا، وهذا ظاهر فينبغي أن ينظر ما دليل من ذهب إلى اعتبار البريد أو الناحية أو البلد في المنع من العمل بالرؤية. والذي ينبغي اعتماده هو ما ذهب إليه المالكية وحكاه القرطبي عن شيوخه أنه إذا رآه أهل بلد لزم أهل البلاد كلها، ولا يلتفت إلى ما قاله ابن عبد البر من أن هذا القول خلاف الإجماع، قال لأنهم قد أجمعوا على أنه لا تراعى الرؤية فيما بعد من البلدان كخراسان والأندلس، وذلك لأن الإجماع لا يتم والمخالف مثل هؤلاء الجماعة. انتهى كلام الشوكاني فتفكر وتأمل.
688- حدثنا محمدُ بنِ عُمَرَ بنِ علي المُقدّميّ حدثنا سَعِيد بنِ عامِرٍ حدثنا شعْبَةُ عن عبدِ العزيزِ بنِ صُهَيْبٍ عن أنسِ بنِ مالكٍ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "مَنْ وَجَدَ تَمْراً فَلْيُفْطِرْ عَلَيْهِ ومنْ لاَ فلْيُفْطِرْ على مَاءٍ فإِنّ الماء طَهُورٌ". قال: وفي البابِ عن سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ. قال أبو عيسى: حديثُ أنَسٍ لا نَعْلَمُ أحداً رَوَاهُ عن شُعْبَةَ مِثْل هذا غَيْر سَعِيدِ بنِ عَامِرٍ. وهو حديثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ ولا نَعْلَمُ لَهُ أصْلاً مِنْ حديثِ عبدِ العزيزِ بنِ صُهَيْبٍ عن أنسٍ. وقد رَوَى أصْحابُ شُعْبَةَ هذا الحَديِثِ عن شُعْبَةَ عن عاصِمِ الأحْوَلِ عن حَفْصَةَ بنت سيريِنَ عن الرّبَابِ عن سَلْمَانَ بنِ عامِرٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو أصحّ من حديث سَعِيدِ بنِ عامِرٍ. وهكَذَا روَوْا عن شُعْبَةَ عن عَاصِمٍ عن حَفْصَةَ بنت سِيرينَ عن سَلْمَانَ ولم يَذْكُرْ فيهِ (شُعْبَةُ عن الرّبَاب). والصّحِيحُ ما رَوَى سُفْيَانُ الثوريّ وابنُ عُيَيْنَةَ وغَيْرُ واحدٍ عن عَاصِمٍ الأحْوَلِ عن حَفْصَةَ بِنْتِ سِيريِنَ عن الرّبَابِ عن سَلْمَانَ بنَ عامِرٍ. وابنُ عَوْنٍ يقولُ: عن أُمّ الرّائِحِ بِنْتِ صُلَيْعٍ عن سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ. والرّبَابُ هِيَ أُمُ الرّائِحِ. 689- حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا وكِيعٌ حدثنا سُفْيَانُ عن عَاصِمٍ الأحْوَلِ ح و حدثنا هَنّادٌ حدثنا أبو مُعَاوِيَةَ عن عَاصِمٍ الأحْوَلِ وحدثنا قتادة قال أنبأنا سفيان بن عينية عن عاصمٍ الأحول عن حَفْصَةَ بنت سِيرينِ عن الرّبَابِ عن سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ الضبّيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال "إذا أفْطَرَ أحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ على تَمْرٍ فإنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُفْطِرْ على ماءٍ فإِنّهُ طَهُورٌ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. 690- حدثنا محمدُ بنُ رَافِعٍ حدثنا عبدُ الرّزّاقِ أخبرنا جعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ عن ثابتٍ عن أنسِ بنِ مالكٍ قال "كانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلّيَ على رُطَبَاتٍ، فإِنْ لم تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَتُمَيْراتٌ، فإنْ لم تَكُنْ تُمَيْراتٌ حَسَا حَسَواتٍ مِنْ مَاءٍ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. قال أبو عيسى: وروي أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يفطر في الشتاء على تمرات، وفي الصيف على الماء. قوله: (من وجد تمراً فليفطر عليه) الأمر للندب. قال البخاري في صحيحه: باب يفطر بما تيسر بالماء وغيره، ثم ذكر حديث عبد الله بن أوفى قال: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم فلما غربت الشمس قال إنزل فاجدح لنا الخ، قال الحافظ في الفتح: لعل البخاري أشار إلى أن الأمر في قوله: من وجد تمراً فليفطر عليه ومن لا فليفطر على الماء، ليس على الوجوب، وقد شذ ابن حزم فأوجب الفطر على التمر وإلا فعلى الماء انتهى (فإن الماء طهور) أي بالغ في الطهارة فيبتدأ به تفاؤلاً بطهارة الظاهر والباطن. قال الطيبي: لأنه مزيل المانع من أداء العباد ولذا منّ الله تعالى على عباده (وأنزلنا من السماء ماء طهوراً) كذا في المرقاة. قوله: (وفي الباب عن سلمان بن عامر) أخرجه أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه والدارمي. قوله: (وهو حديث غير محفوظ) فإنه تفرد به سعيد بن عامر بروايته عن شعبة عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس وخالفه أصحاب شعبة فرووه عن شعبة عن عاصم الأحول عن حفصة بنت سيرين عن سلمان بن عامر، وكذلك رواه أصحاب عاصم الأحول كسفيان الثوري وابن عيينة وغيرهما. قوله: (وابن عون يقول عن أم الرائح بنت صليع الخ) يعني أن ابن عون وهو عبد الله بن عون بن أرطبان البصري يقول في روايته عن أم الرائح بنت صليع مكان عن الرباب، والرباب ليست غير أم الرائح بل هما واحدة. قال في التقريب: الرباب بفتح أولها وتخفيف الموحدة وآخرها موحدة بنت صليع بمهملتين مصغرة الضبية المصرية مقبولة من الثالثة. وقال في الخلاصة: الرباب بنت صليع أم الرائح عن عمها سليمان بن عامر وعنها حفصة بنت سيرين. قوله: (إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر) فيه دليل على مشروعية الإفطار بالتمر، فإن عدم فبالماء، ولكن حديث أنس الاَتي يدل على أن الرطب أولى من اليابس فيقدم عليه إن وجد. وإنما شرع الإفطار بالتمر لأنه حلو وكل حلو يقوي البصر الذي يضعف بالصوم، وهذا أحسن ما قيل في المناسبة، وقيل لأن الحلو يوافق الإيمان ويرق القلب، وإذا كانت العلة كونه حلواً والحلو له ذلك التأثير فيلحق به الحلويات كلها، قاله الشوكاني وغيره، وقال ابن الملك: الأول أن تحال علته إلى الشارع انتهى. قلت: لا شك في كونه أولى. قوله: (يفطر قبل أن يصلي) أي المغرب، وفيه إشارة إلى كمال المبالغة في استحباب تعجيل الفطر، وأما ما صح أن عمر وعثمان رضي الله عنهما كانا برمضان يصليان المغرب حين ينظران إلى الليل الأسود ثم يفطران بعد الصلاة فهو لبيان جواز التأخير لئلا يظن وجوب التعجيل، ويمكن أن يكون وجهه أنه عليه الصلاة والسلام كان يفطر في بيته ثم يخرج إلى صلاة المغرب وأنهما كانا في المسجد لم يكن عندهما تمر ولا ماء، أو كانا غير معتكفين ورأيا الأكل والشراب لغير المعتكف مكروهين، لكن إطلاق الأحاديث ظاهر في استثناء حال الإفطار، كذا في المرقاة (فإن لم تكن رطبات) بالرفع (فتميرات) بالتصغير مجرور ومرفوع، وقد وقع في بعض الروايات ثلاث رطبات وثلاث تميرات، قاله الشيخ عبد الحق في اللمعات (حسا حسوات) بفتحتين أو شرب ثلاث مرات. قال في النهاية: الحسوة بالضم الجرعة من الشراب بقدر ما يحسى مرة واحدة وبالفتح المرة، والحديث دليل على استحباب الإفطار بالرطب فإن عدم فبالتمر فإن عدم فبالماء. قال القاري في المرقاة: وقول من قال: السنة بمكة تقديم ماء زمزم على التمر أو خلطه به فمردود بأنه خلاف الاتباع وبأنه صلى الله عليه وسلم صام عام الفتح أياماً كثيرة ولم ينقل عنه أنه خالف عادته التي هي تقديم التمر على الماء ولو كان لنقل انتهى. قوله: (هذا حديث حسن غريب) وصححه الدارقطني، قال ميرك: ورواه أبو يعلى ولفظه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يفطر على ثلاث تمرات أو شيء لم تصبه النار.
691- أخبرني محمدُ بنُ إسماعيل أخبرنا إبراهيمُ بنُ المُنْذِرِ أخبرنا إسحاقُ بنُ جَعْفَرٍ بنِ محمدٍ: حدّثَنِي عبدُ الله بنُ جَعْفَرٍ عن عثمانَ بنِ محمدٍ الأَخْنَسي عن سعيدٍ المَقْبُرِيّ عن أبي هُرَيْرَةَ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال "الصّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ، والفِطْرُ يومَ تَفْطِرُونَ، والأضْحَى يَوْم تُضَحُونَ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ وفَسّرَ بَعْضُ أهلِ العلمِ هذا الحديثَ فقال: إنّما مَعْنَى هذا، أنّ الصّوْم والفِطْر مع الجَمَاعَةِ وعظَمِ النّاسِ. قوله: (الصوم يوم تصومون الخ) هذا الحديث رواه أبو داود وابن ماجه أيضاً إلا أنهما لم يذكرا الصوم يوم تفطرون وفي الباب عن عائشة رضي الله عنها بلفظ قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس"، أخرجه الترمذي وصححه وأخرجه الدارقطني أيضاً وقال: وقفه عليها هي الصواب. قوله: (هذا حديث غريب حسن) وسكت عنه أبو داود والمنذري، وقال الشوكاني في النيل: رجال إسناده ثقات انتهى. قوله: (وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال: إنما معنى هذا الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس) بكسر العين وفتح الظاء أي كثرة الناس. وقال الخطابي في معنى الحديث: إن الخطأ مرفوع عن الناس فيما كان سبيله الاجتهاد، فلو أن قوماً اجتهدوا فلم يروا الهلال إلا بعد ثلاثين فلم يفطروا حتى استوفوا العدد ثم ثبت عندهم أن الشهر كان تسعاً وعشرين فإن صومهم وفطرهم ماض لا شيء عليهم من وزر أو عيب، وكذلك هذا في الحج إذا أخطأوا يوم عرفة فإنه ليس عليهم إعادته. وقال المنذري في تلخيص السنن: وقيل فيه الإشارة إلى أن يوم الشك لا يصام احتياطاً وإنما يصوم يوم يصوم الناس، وقيل فيه الرد على من يقول إن من عرف طلوع القمر بتقدير حساب المنازل جاز له أن يصوم به ويفطر دون من لم يعلم، وقيل إن الشاهد الواحد إذا رأى الهلال ولم يحكم القاضي بشهادته أن هذا لا يكون هذا صوماً له كما لم يكن للناس انتهى. قال الشوكاني في النيل بعد كلام المنذري. وقد ذهب إلى الأخير محمد بن الحسن الشيباني قال: إنه يتعين على المنفرد برؤية هلال الشهر حكم الناس في الصوم والحج وإن خالف ما تيقنه، وروى مثل ذلك عن عطاء والحسن، والخلاف في ذلك للجمهور فقالوا يتعين عليه حكم نفسه فيما تيقنه وفسروا الحديث بمثل ما ذكر الخطابي. وقيل في معنى الحديث إنه إخبار بأن الناس يتحزبون أحزاباً ويخالفون الهدي النبوي، فطائفة تعمل بالحساب وعليه أمة من الناس، وطائفة يقدمون الصوم والوقوف بعرفة وجعلوا ذلك شعاراً وهم الباطنية، وبقي على الهدى النبوي الفرقة التي لا تزال ظاهرة على الحق فهي المرادة بلفظ الناس في الحديث وهي السواد الأعظم ولو كانت قليلة العدد، كذا في النيل.
692- حدثنا هارونُ بنُ إسحاقَ الهَمَدَانِي حدثنا عَبْدَةُ بن سليمان عن هِشامِ بنِ عُرْوَةَ عن أبيهِ عن عَاصِمِ بنِ عُمَرَ عن عُمَر بنِ الخطّابِ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "إذا أقْبَلَ اللّيْلُ وأَدْبَرَ النّهَارُ وغَابَتِ الشّمس فقَدْ أَفْطَرْتَ". قال: وفي الباب عن ابنِ أبي أَوْفَى وأَبى سعيدٍ. قال أبو عيسى: حديثُ عُمَر حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قوله: (إذا أقبل الليل) أي ظلامه من جهة المشرق (وأدبر النهار) أي ضياؤه من جانب المغرب (وغربت الشمس) أي غابت كلها: قال الطيبي: وإنما قال: وغربت الشمس مع الاستغناء عنه لبيان كمال الغروب كيلا يظن أنه يجوز الإفطار لغروب بعضها انتهى. وقال الحافظ في الفتح: ذكر في هذا الحديث ثلاثة أمور لأنها وإن كانت متلازمة في الأصل لكنها قد تكون في الأصل غير متلازمة، فقد يظن إقبال الليل من جهة المشرق ولا يكون إقباله حقيقة بل لوجود أمر يغطي ضوء الشمس، وكذلك إدبار النهار فمن ثم قيد بقوله: وغربت الشمس إشارة إلى اشتراط تحقق الإقبال والأدبار وأنهما بواسطة غروب الشمس لا بسبب آخر انتهى (فقد أفطرت) وفي رواية الشيخين: فقد أفطر الصائم. قال الحافظ: أي دخل في وقت الفطر كما يقال. أنجد إذا أقام بنجد وأتهم إذا أقام بتهامة، ويحتمل أن يكون معناه فقد صار مفطراً في الحكم لكون الليل ليس ظرفاً للصيام الشرعي، وقد رد هذا الاحتمال ابن خزيمة وأومأ إلى ترجيح الأول فقال: قوله "فقد أفطر الصائم" لفظ خبر ومعناه الأمر أي فليفطر الصائم. ورجح الحافظ الاحتمال الأول برواية شعبة بلفظ: فقد حل الإفطار. وقال الطيبي: ويمكن أن يحمل الإخبار على الإنشاء إظهاراً للحرص على وقوع المأمور به انتهى. قوله: (وفي الباب عن ابن أبي أوفى وأبي سعيد) أما حديث ابن أبي أوفى فأخرجه البخاري ومسلم، وأما حديث أبي سعيد فلم أقف عليه، وذكر البخاري في صحيحه تعليقاً من فعله بلفظ: وأفطر أبو سعيد الخدري حين غاب قرص الشمس. قال الحافظ في الفتح: وصله سعيد بن منصور وابن أبي شيبة من طريق عبد الواحد ابن أيمن عن أبيه قال: دخلنا على أبي سعيد فأفطر ونحن نرى أن الشمس لم تغرب. قوله: (حديث عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم.
693- حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبدُ الرحمَن بنُ مَهْدِي عن سُفْيَانَ عن أبي حَازِمٍ ح قال وأخبرنا أبو مُصْعَبٍ قِرَاءَةً عن مَالِك عن أبي حَازِمٍ عن سهْلِ بنِ سَعْدٍ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "لا يَزَالُ الناسُ بِخَيْر مَا عَجّلُوا الفِطْرَ". قال: وفي البابِ عن أبي هريرةَ وابنِ عباسٍ وعائشةَ وأنسِ بنِ مالكٍ. قال أبو عيسى: حديثُ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وهو الذي اختارَهُ أهلُ العلمِ من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرهِم اسْتَحَبّوا تَعْجِيلٍ الفِطْرِ. وبه يقولُ الشافعيّ وأحمدُ وإسحاقُ. 694- حدثنا إسحاق بنُ موسى الأنْصَاريّ حدثنا الوليدُ بنُ مُسْلِمٍ عن الأوزاعِيّ عن قُرّةَ بن عبدالرحمَن عن الزهْرِيّ عن أبي سَلَمَةَ عن أبي هُريرةَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "قال الله عزّ وجلّ: أحبُ عِبَادِي إليّ أَعْجَلُهُمْ فِطْراً". 695- حدثنا عبدُ الله بنُ عبدِ الرحمَنِ أخبرنا أبو عاصِمٍ و أبو المُغِيرَةِ عن الأوزَاعِي بهذا الإسناد نحوَهُ. قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. 696- حدثنا هنادٌ حدثنا أبو مُعاوِيَةَ عن الأعمشِ عن عُمَارَةَ بنِ عُمَيْرٍ عن أبي عَطِيّةَ قال: دخَلْتُ أنا ومَسْروقٌ على عائشةَ فَقُلْنَا يا أُمّ المُؤْمِنِينَ رَجُلاَنِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم أَحَدُهُمَا يُعَجّلُ الإِفْطَارَ ويُعَجّلُ الصّلاةَ، والاَخَرُ يُؤخّرُ الإفطَارَ ويؤَخّرُ الصلاةَ. قالت: أيّهُما يُعَجّلُ الإفطَارَ ويُعَجّلُ الصلاةَ؟ قلنا عبدُ الله بنُ مَسْعُودٍ، قالت: هكذَا صَنَعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. والاَخرُ أبو مُوسى. قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وأبو عطيةَ اسْمُهُ مَالِكُ بنُ أَبِي عَامِر الهَمدَانِيّ ويقال: ابن عَامِرٍ الهَمْدَانيّ وابن عامرٍ أَصَحّ. قوله: (لا يزال الناس بخير) في حديث أبي هريرة: لا يزال الدين ظاهراً، وظهور الدين مستلزم لدوام الخير (ما عجلوا الفطر) أي ما داموا على هذه السنة، زاد أبو ذر في حديثه: وأخروا السحور، أخرجه أحمد، "وما" ظرفية، أي مدة فعلهم ذلك امتثالاً للسنة واقفين عند حدها غير متنطعين بعقولهم ما يغير قواعدها زاد أبو هريرة: لأن اليهود والنصارى يؤخرون، أخرجه أبو داود وغيره. واتفق العلماء على أن محل ذلك إذا تحقق غروب الشمس بالرؤية أو بإخبار عدلين وكذا عدل واحد في الأرجح، قاله الحافظ في الفتح: قال القاري: قال بعض علمائنا: ولو أخر لتأديب النفس ومواصلة العشاءين بالنفل غير معتقد وجوب التأخير لم يضره ذلك، أقول: بل يضره حيث يفوته السنة، وتعجيل الإفطار بشربة ماء لا ينافي التأديب والمواصلة، مع أن في التعجيل إظهار العجز المناسب للعبودية ومبادرة إلى قبول الرخصة من الحضرة الربوبية انتهى كلام القاري. قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه مرفوعاً بلفظ: لا يزال هذا الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر لأن اليهود والنصارى يؤخرون (وابن عباس) أخرجه الطيالسي بلفظ: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنا معشر الأنبياء أمرنا أن نعجل إفطارنا ونؤخر سحورنا، ونضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة"، كذا في سراج السرهندي (وعائشة رضي الله عنها) أخرجه الترمذي (وأنس بن مالك) أخرجه الحاكم وابن عساكر بلفظ: من فقه الرجل في دينه تعجيل فطره، وتأخير سحوره، وتسحروا فإنه الغذاء المبارك. قوله: (حديث سهل بن سعد حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم. قوله: (وهو الذي اختاره أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الخ) أخرجه عبد الرزاق وغيره بإسناد قال الحافظ صحيح عن عمرو بن ميمون الأودي قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أسرع الناس إفطاراً وأبطأهم سحوراً انتهى. قوله: (أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً) أي أكثرهم تعجيلاً في الإفطار. قال الطيبي: ولعل السبب في هذه المحبة المتابعة للسنة والمباعدة عن البدعة والمخالفة لأهل الكتاب انتهى. وقال القاري: وفيه إيماء إلى أفضلية هذه الأمة لأن متابعة الحديث توجب محبة الله تعالى {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} وإليه الإشارة بحديث: لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر لأن اليهود والنصارى يؤخرون انتهى. قوله: (هذا حديث حسن غريب) ورواه أحمد وابن حزيمة وابن حبان في صحيحهما نقله ميرك، كذا في المرقاة. قوله: (ويعجل الصلاة) الظاهر أن المراد صلاة المغرب، ويمكن حملها على العموم وتكون المغرب من جملتها، قاله أبو الطيب السندي (والآخر أبو موسى) قال الطيبي: الأول عمل بالعزيمة والسنة والثاني بالرخصة انتهى. قال القاري: وهذا إنما يصح لو كان الاختلاف في الفعل فقط أما إذا كان الاختلاف قولياً فيحمل على أن ابن مسعود اختار المبالغة في التعجيل وأبو موسى اختار عدم المبالغة فيه، وإلا فالرخصة متفق عليها عند الكل، والأحسن أن يحمل عمل ابن مسعود على السنة وعمل أبي موسى على بيان الجواز انتهى. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم.
(باب ما جاء في تأخير السحور) بفتح السين وهو ما يتسحر به من الطعام وبالضم مصدر. 697- حدثنا يَحْيَى بنُ موسى حدثنا أبو داوُدَ الطيالِسِيّ حدثنا هِشَامٌ الدّسْتَوَائِي عن قَتَادَةَ عن أنسِ بن مالك عن زَيْدِ بن ثابتٍ قال "تَسَحّرْنَا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ثم قُمْنَا إلى الصلاةِ قال: قلت كَمْ كانَ قَدْرُ ذلكَ؟ قال: قَدْرُ خَمْسِينَ آيةً". 698- حدثنا هَنّادٌ حدثنا وَكِيعٌ عن هِشَامٍ بنحوهِ إلاّ أنهُ قال: "قَدْرُ قِرَاءَةِ خمسين آيةً". قال: وفي البابِ عن حُذَيْفَةَ. قال أبو عيسى: حديثُ زَيْدِ بنِ ثَابتٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وبه يقولُ الشافعيّ وأحمدُ وإسحاقُ اسْتَحَبّوا تأخيرَ السّحُورِ. قوله: (قال: قلت) أي قال أنس: قلت لزيد بن ثابت (كم كان قدر ذاك؟) وفي رواية البخاري: كم كان بين الأذان والسحور (قال) أي زيد بن ثابت (قدر خمسين آية) أي متوسطة لا طويلة ولا قصيرة، ولا سريعة ولا بطيئة، وقدر بالرفع على أنه خبر المتبدأ ويجوز النصب على أنه خبر كان المقدرة في جواب زيد، قاله الحافظ. قوله: (وفي الباب عن حذيفة) أخرجه الطحاوي في شرح الآثار من رواية زر بن حبيش قال: تسحرت ثم انطلقت إلى المسجد فمررت بمنزل حذيفة فدخلت عليه فأمر بلقحة فحلبت وبقدر فسخنت، ثم قال: كل، قلت إني أريد الصوم، قال وأنا أريد الصوم قال: فأكلنا ثم شربنا ثم أتينا المسجد فأقيمت الصلاة قال: هكذا فعل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو صنعت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت بعد الصبح قال بعد الصبح غير أن الشمس لم تطلع، وأخرجه النسائي وأحمد. تنبيه: قال العيني في عمدة القاري: فإن قلت: حديث حذيفة يدل على أن تسحرهم كان بعد الصبح غير أن الشمس لم تطلع، وحديث زيد بن ثابت يدل على أن الفراغ من السحور كان قبل الفجر بمقدار قراءة خمسين آية، قلت: أجاب بعضهم بأن لا معارضة بل يحمل على اختلاف الحال، فليس في رواية واحد منهما ما يشعر بالمواظبة انتهى. قلت: هذا الجواب لا يشفي العليل ولا يروي الغليل، بل الجواب القاطع ما ذكره الحافظ أو جعفر الطحاوي بقوله بعد أن روى حديث حذيفة وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما روي عن حذيفة، فذكر الأحاديث التي اتفق عليها الشيخان وغيرهما، وقال أيضاً: ويحتمل أن يكون حديث حذيفة قبل نزول قوله تعالى {وكلوا وأشربوا} الاَية انتهى كلام العيني. قلت: أراد العيني بقوله "بعضهم" الحافظ ابن حجر ولم ينقل جوابه بتمامه بل ترك الجملة الأخيرة من جوابه وهي: فتكون قصة حذيفة سابقة، فجواب الحافظ شاف للعليل ومرو للغليل، واعتراض العيني مما لا يلتفت إليه. قوله: (حديث زيد بن ثابت حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري.
699- حدثنا هَنّادٌ حدثنا مُلاَزِمُ بنُ عَمْروٍ حدّثني عبدُ الله بنُ النّعْمَانِ عن قَيْسِ بنِ طَلْقِ بنِ عليَ حدّثني أبي طَلْقُ بنُ علي أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "كُلُوا واشْرَبُوا ولا يَهِيْدَنّكُمُ السّاطِعُ المُصْعَدُ وكُلُوا واشْرَبُوا حتى يَعْتَرِضَ لكُم الأحْمَرُ". قال: وفي البابِ عن عَدِيّ بنِ حاتِمٍ وأبي ذر وسَمُرَةَ. قال أبو عيسى: حديثُ طَلْقِ بن علي حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ هذا الوجْهِ. والعملُ على هذا عندَ أهلِ العلمِ أنه لا يَحْرُم على الصّائِمِ الأكلُ والشرْبُ حتى يكُونَ الفَجْرُ الأحْمَر المُعْتَرِضُ. وبهِ يقولُ عَامّةُ أهلِ العلمِ. 700- حدثنا هَنّادٌ و يوسُفُ بنُ عيسى قالا أخبرنا وَكيعٌ عن أبي هِلاَلِ عن سَوَادَةَ بنِ حَنْظَلَةَ (هو القشيري) عن سَمُرَةَ بنِ جُنْدُبٍ قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "لا يُمْنَعَنّكُمْ مِنْ سُحُورِكُم أذانُ بِلاَلٍ ولا الفَجْرُ المُسْتَطِيل ولكنِ الفَجْرُ المُسْتَطيرُ في الأفُقِ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ. قوله: (أخبرنا ملازم بن عمرو) بن عبد الله بن بدر أبو عمرو اليمامي صدوق من الثامنة كذا في التقريب، قلت: روي عن عبد الله بن نعمان وغيره وعنه هناد وغيره، وقال ابن معين وأبو زرعة والنسائي ثقة (قال حدثني عبد بن النعمان) السحيمي اليمامي مقبول من السادسة كذا في التقريب وقال في الخلاصة: وثقه ابن حبان (ولا يهيدنكم) بفتح أوله وبالدال من هاده يهيده هيداً وهو الزجر (الساطع المصعد) بصيغة المفعول من الإصعاد أي المرتفع. قال في المجمع: أي لا تنزعجوا للفجر المستطيل فتمتنعوا به عن السحور فإنه الصبح الكاذب، وأصل الهيد الحركة انتهى. وقال الحافظ في الفتح: قوله "لا يهيدنكم" بكسر الهاء أي لا يزعجنكم فتمتنعوا به عن السحور فإنه الفجر الكاذب، يقال: هدته أهيده إذا أزعجته. ولإبن أبي شيبة عن ثوبان مرفوعاً: الفجر فجران، فأما الذي كأنه ذنب السرحان فإنه لا يحل شيئاً ولا يحرمه ولكن المستطير، أي هو الذي يحرم الطعام ويحل الصلاة، وهذا موافق للاَية الماضية يعني {كلوا واشربوا حين يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} {حتى يعترض لكم الأحمر} أي الفجر الأحمر المعترض من المراد به الصبح الصادق. وفي عمدة القاري: قوله الساطع المصعد قال الخطابي: سطوعه ارتفاعه مصعداً قبل أن يعترض، قال ومعنى الأحمر ههنا أن يستبطن البياض المعترض أوائل حمرة. انتهى ما في العمدة. قوله: (وفي الباب عن عدي بن حاتم وأبي ذر وسمرة) أما حديث عدي بن حاتم فأخرجه الشيخان وأخرجه أيضاً الترمذي في كتاب التفسير، وأما حديث أبي ذر فأخرجه الطحاوي في شرح الآثار بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال: إنك تؤذن إذا كان الفجر ساطعاً وليس ذلك الصبح إنما الصبح هكذا معترضاً كذا في نصب الراية. وأما حديث سمرة فأخرجه مسلم مرفوعاً بلفظ: لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل هكذا حتى يستطير هكذا يعني معترضاً. وفي رواية: ولا هذا البياض حتى يستطير، وأخرجه الترمذي في هذا الباب. قوله: (حديث طلق بن علي حديث حسن غريب من هذا الوجه) ذكر الحافظ هذا الحديث في فتح الباري وسكت عنه. قوله: (وبه يقول عامة أهل العلم) من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين وغيرهم وعليه تدل الأحاديث المرفوعة الصحيحة. وذهب معمر وسليمان الأعمش وأبو مجلز والحكم بن عتيبة إلى جواز التسحر ما لم تطلع الشمس، واحتجوا في ذلك بحديث حذيفة الذي أشار إليه الترمذي وذكرنا لفظه. وقال ابن حزم عن الحسن: كل ما امتريت. وعن ابن جريج قلت لعطاء أيكره أن أشرب وأنا في البيت لا أدري لعلي أصبحت؟ قال لابأس بذلك هو شك. وقال ابن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم قال: لم يكونوا يعدون الفجر فجركم إنما كانوا يعدون الفجر الذي يملأ البيوت والطرق. وعن معمر أنه كان يؤخر السحور جداً حتى يقول الجاهل لا صوم له. وروى سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر من طرق عن أبي بكر أنه أمر بغلق الباب حتى لا يرى الفجر. وروى ابن المنذر بإسناد صحيح عن علي رضي الله عنه أنه صلى الصبح ثم قال: الاَن حين يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود. وقال ابن المنذر: ذهب بعضهم إلى أن المراد بتبيين بياض النهار من سواد الليل أن ينتشر البياض من الطرق والسكك والبيوت. وروي بإسناد صحيح عن سالم بن عبيد الأشجعى وله صحبة أن أبا بكر رضي الله عنه قال له: اخرج فانظر هل طلع الفجر؟ قال فنظرت ثم أتيته فقلت قد أبيض وسطع، ثم قال اخرج فانظر هل طلع؟ فنظرت فقلت قد اعترض فقال الاَن ابلغني شرابي. وروى من طريق وكيع عن الأعمش أنه قال: لولا الشهرة لصليت الغداة ثم تسحرت، كذا في عمدة القاري وفتح الباري. قلت: تقدم الجواب عن حديث حذيفة، وأما الآثار فهي لا تقاوم الأحاديث المرفوعة الصحيحة.
701- حدثنا أبو موسى محمدُ بنُ المُثَنّى حدثنا عُثْمَانُ بنُ عُمَرَ قال وأخبرنا ابنُ أبي ذِئْبٍ عن المَقْبُرِيّ عن أبيهِ عن أبي هُريرةَ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزّورِ والعَمَلَ بهِ فَلَيْسَ لله حاجَةٌ بأَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ". قال: وفي البابِ عن أنسِ. قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قوله: (من لم يدع) أي لم يترك (قول الزور) زاد البخاري في رواية "والجهل" قال الحافظ في الفتح: المراد بقول الزور الكذب انتهى. وقال القاري: المراد به الباطل، وهو ما فيه اسم والإضافة بيانية. وقال الطيبي: الزور الكذب والبهتان، أي من لم يترك القول الباطل من قول الكفر وشهادة الزور والإفتراء والغيبة والبهتان والقذف والشتم واللعن وأمثالها مما يجب على الإنسان اجتنابها ويحرم عليه ارتكابها (والعمل) بالنصب (وبه) أي بالزور يعني الفواحش من الأعمال لأنها في الإثم كالزور. وقال الطيبي: هو العمل بمقتضاه من الفواحش وما نهى الله عنه (فليس لله حاجة) أي التفات ومبالاة، وهو مجاز عن عدم القبول به نفي السبب وإرادة نفي المسبب (بأن يدع طعامه وشرابه) فإنهما مباحان في الجملة فإذا تركهما وارتكب أمراً حراماً من أصله استحق المقت وعدم قبول طاعته. قال القاضي: المقصود من الصوم كسر الشهوة وتطويع الأمارة، فإذا لم يحصل منه ذلك لم يبال بصومه ولم ينظر إليه نظر عناية، فعدم الحاجة عبارة عن عدم الإلتفات والقبول، وكيف يلتفت إليه والحال أنه ترك ما يباح من غير زمان الصوم من الأكل والشرب وارتكب ما يحرم عليه في كل زمان انتهى. قال ابن بطال: ليس معناه أن يؤمر بأن يدع صيامه وإنما معناه التحذير من قول الزور وما ذكر معه، وهو مثل قوله: من باع الخمر فليشقص الخنازير أي يذبحها، ولم يأمره بذبحها ولكنه على التحذير والتعظيم لإثم بائع الخمر. وأما قوله "فليس" لله حاجة فلا مفهوم له، فإن الله لا يحتاج إلى شيء انتهى. قال الحافظ في الفتح: قال شيخنا يعني العراقي في شرح الترمذي: لما أخرج الترمذي هذا الحديث ترجم ما جاء في التشديد في الغيبة للصائم وهو مشكل لأن الغيبة ليست قول الزور ولا العمل به لأنها أن يذكر غيره بما يكره، وقول الزور هو الكذب، وقد وافق الترمذي بقية أصحاب السنن فترجموا بالغيبة وذكروا هذا الحديث، وكأنهم فهموا من ذكر قول الزور والعمل به الأمر بحفظ النطق، ويمكن أن يكون فيه إشارة إلى الزيادة التي وردت في بعض طرقه وهي الجهل، فإنه يصح إطلاقه على جميع المعاصي. وأما قوله "والعمل به" فيعود على الزور، ويحتمل أن يعود أيضاً على الجهل أي والعمل بكل منهما انتهى. قوله: (وفي الباب عن أنس) أخرجه الطبراني في الأوسط بلفظ: من لم يدع الخنا والكذب، ورجاله ثقات، قاله الحافظ في الفتح. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا مسلماً والنسائي.
(باب ما جاء في فضل السحور) بالفتح هو اسم ما يتسحر به من الطعام والشراب، وبالضم المصدر والفعل نفسه كذا في النهاية. (ت: 71) 702- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا أبو عَوَانَةَ عن قَتَادَةَ و عبدِ العَزِيزِ بنِ صُهَيْبٍ عن أنَسٍ بنِ مالكٍ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال "تَسَحّرُوا فإنّ في السّحُورِ بَرَكَةً". قال: وفي البابِ عن أبي هريرة وعبدِ الله بنِ مَسْعُودٍ وجَابرِ بنِ عبدِ الله وابنِ عباسٍ وعَمْرِو بنِ العاصِ والعِربَاضِ بنِ سَارِيَةَ وعُتْبَةَ بنِ عَبْد الله وأبِي الدّارْدَاءِ. قال أبو عيسى: حديثُ أنسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. ورُوِيَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "فَضْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنا وصِيَامِ أهْلِ الكِتَابِ أكْلَةُ السّحَرِ". 703- حدثنا بذلك قُتَيْبَةُ حدثنا اللّيْثُ عن موسى بنِ عَلي عن أبيهِ عن أبي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرو بنِ العاصِ عن عَمْروِ بنِ العاصِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بذلك. قال: وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وأهْلُ مِصْرَ يقُولُونَ: موسى بنُ عَلي، وأهْلُ العِراقِ يقُولُونَ: موسى بنُ عُلَيّ بنِ رَبَاحٍ اللّخْمِيّ. / قوله: (تسحروا) أمر ندب كما أجمعوا عليه أي تناولوا شيئاً ما وقت السحر لحديث: تسحروا ولو بجرعة ماء، وقد صححه ابن حبان وقيل إنه ضعيف انتهى. قلت: قال الحافظ في فتح الباري: يحصل السحور بأقل ما يتناوله المرء من مأكول ومشروب. وقد أخرج أحمد من حديث أبي سعيد الخدري بلفظ: السحور بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين: ولسعيد بن منصور من طريق أخرى مرسلة: تسحروا ولو بلقمة انتهى (فإن في السحور بركة) قال القاري: الرواية المحفوظة عند المحدثين فتح السين وهو ما يتسحر به من الطعام والشراب انتهى. وقال الجزري في النهاية: أكثر ما يروى بالفتح وقيل الصواب بالضم لأنه المصدر والأجر في الفعل لا في الطعام انتهى. قال الحافظ في الفتح: هو بفتح السين وبضمها لأن المراد بالبركة الأجر والثواب فيتناسب الضم لأنه مصدر بمعنى التسحر أو البركة لكونه يقوي على الصوم وينشط له ويخفف المشقة فيه فيناسب الفتح لأنه ما يتسحر به، وقيل البركة ما يتضمن من الاستيقاظ والدعاء في السحر، والأولى أن البركة في السحور تحصل بجهات متعددة وهي أتباع السنة، ومخالفة أهل الكتاب، والتقوى به على العبادة، والزيادة في النشاط، ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع، والتسبب بالصدقة على من يسأل إذ ذاك، أو يجتمع معه الأكل والتسبب للذكر والدعاء وقت مظنة الإجابة، وتدارك نية الصوم لمن أغفلها قبل أن ينام انتهى. قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله وابن عباس وعمرو بن العاص والعرباض بن سارية وعتبة بن عبد وأبي الدرداء) أما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود وابن حبان عنه مرفوعاً: نعم سحور المؤمن التمر. وأما حديث عبد الله بن مسعود وحديث جابر فلينظر من أخرجهما. وأما حديث ابن عباس فأخرجه البزار والطبراني في الكبير عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة ليس عليهم حساب فيما طعموا إن شاء الله تعالى إذا كان حلالاً: الصائم والمتسحر والمرابط في سبيل الله". وأما حديث عمرو بن العاص فأخرجه الترمذي في هذا الباب. وأما حديث العرباض بن سارية فأخرجه أبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما. قال المنذري: رووه كلهم عن الحارث بن زياد عن أبي رهم عن العرباض، والحارث لم يرو عنه غير يونس بن سيف وقال أبو عمر النمري مجهول يروى عن أبي رهم حديثه منكر انتهى. وأما حديث عتبة بن عبد فلينظر من أخرجه، وأما حديث أبي الدرداء فأخرجه ابن حبان في صحيحه عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو الغداء المبارك"، يعني السحور. قوله: (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب) ما زائدة أضيف إليها الفصل بمعنى الفرق (أكملة السحر) قال النووي: بفتح الهمزة هكذا ضبطناه وهكذا ضبطه الجمهور وهو المشهور في روايات بلادنا وهي عبارة عن المرة الواحدة من الأكل كالغدوة والعشوة وإن كثر المأكول فيها. وأما الأكلة بالضم فهي اللقمة الواحدة، وادعى القاضي عياض أن الرواية فيه بالضم ولعله أراد رواية بلا وهم فيها بالضم قال والصواب الفتح لأنه المقصود هنا انتهى كلام النووي. قال التوربشتي: والمعنى أن السحور هو الفارق بين صيامنا وصيام أهل الكتاب لأن الله تعالى أباحته لنا إلى الصبح بعد ما كان حراماً علينا أيضاً في بدء الإسلام، وحرمه عليهم بعد أن يناموا أو مطلقاً، ومخالفتنا إياهم تقع موقع الشكر لتلك النعمة، فقول ابن الهمام إنه من سنن المرسلين غير صحيح، كذا في المرقاة. قوله: (وهذا حديث حسن صحيح) أخرجه مسلم. قوله: (وأهل مصر يقولون موسى بن علي) بفتح العين وكسر اللام (وأهل العراق يقولون موسى بن علي) بضم العين مصغراً (وهو موسى بن علي بن رباح اللخمي) أبو عبد الرحمَن البصري صدوق ربما أخطأ من السابعة كذا في التقريب.
704- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا عبدُ العزيزِ بنُ محمدٍ عن جَعْفَرِ بنِ محمدٍ عن أبيهِ عن جَابرِ بنِ عبدِ الله "أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إلى مَكّةَ عامَ الفَتْحِ فَصامَ حتى بَلَغ كُرَاعَ الغَمِيمِ وصَامَ الناسُ مَعَهُ، فقيلَ لَهُ: إنّ الناسَ قَدْ شَقّ عليهِم الصّيَامُ وإنّ الناسَ يَنْظُرونَ فيما فَعَلْتَ، فدعَا بِقَدَحٍ مِنْ ماءٍ بعدَ العَصْرِ فَشَرِبَ والناسُ ينظرونَ إليهِ فأفْطَرَ بَعْضُهُمْ وصَامَ بعضُهُمْ، فبلغَهُ أنّ ناساً صاموا، فقال أولئكَ العُصَاةُ". قال: وفي البابِ عن كَعْبِ بنِ عاصمٍ وابنِ عباسٍ وأبي هريرةَ. قال أبو عيسى: حديثُ جابرٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقد رُوِيَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنهُ قال "لَيْسَ مِنَ البِرّ الصيامُ في السّفَرِ". واختلَفَ أهلُ العلمِ في الصّوْمِ في السّفَرِ، فرأَى بعض أهلِ العلمِ مِنْ أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهم أنّ الفِطْرَ في السّفَرِ أفْضَلُ، حتى رأَى بعضُهم عليهِ الإعادَةَ إذا صَامَ في السّفَرِ. واختارَ أحمدُ وإسحاقُ الفِطْرَ في السّفَرِ. وقال بعضُ أهلِ العِلمِ مِنْ أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهم: إنْ وَجَدَ قُوّةً فصَامَ فَحَسَنٌ وهو أفْضَلُ، وهُوَ قَوْلُ سفيانَ الثّوْرِيّ ومالكِ بنِ أنسٍ وعبدِ الله بنِ المبارَكِ. وقال الشافعيّ: وإنّما مَعْنَى قولِ النبيّ صلى الله عليه وسلم "لَيْسَ مِنَ البِرّ الصّيَامُ في السّفَرِ" وقولِه حين بلَغَهُ أنّ ناساً صامُوا فقال "أولئكَ العُصَاةُ" فَوَجْهُ هذا إذا لَمْ يَحْتَمِلْ قْلبُهُ قَبُولَ رُخْصَةِ الله، فأما مَنْ رأَى الفِطْرَ مُباحاً وصامَ وقَوِيَ على ذلكَ فهو أعْجَبُ إليّ. قوله: (عام الفتح) أي فتح مكة (حتى بلغ كراع الغميم) بضم الكاف والغميم بفتح المعجمة وهو اسم واد أمام عسفان قاله الحافظ (فدعا بقدح من ماء) زاد في رواية مسلم: فرفعه (فقال أولئك العصاة) جمع العاصي: وفي رواية مسلم: أولئك العصاة أولئك العصاة مكرراً مرتين. قال النووي: هذا محمول على من تضرر بالصوم أو أنهم أمروا بالفطر أمراً جازماً لمصلحة بيان جوازه فخالفوا الواجب، وعلى التقديرين لا يكون الصائم اليوم في السفر عاصياً إذا لم يتضرر به ويؤيد التأويل الأول قوله: فقيل إن الناس قد شق عليهم الصيام. قوله: (وفي الباب عن كعب بن عاصم) أخرجه أحمد. قال الحافظ في التلخيص: روى أحمد من حديث كعب بن عاصم الأشعري بلفظ: ليس من أمبر مصيام في مسفر، وهذه لغة لبعض أهل اليمن يجعلون لام التعريف ميما، ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم خاطب بها هذا الأشعري كذلك لأنها لغته، ويحتمل أن يكون الأشعري هذا نطق بها على ما ألف من لغته فحملها عنه الراوي عنه وأداها باللفظ الذي سمعها به، وهذا الثاني أوجه عندي والله تعالى أعلم انتهى كلام الحافظ. قوله: (حديث جابر حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم. قوله: (وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس من البر الصيام في السفر) أخرجه البخاري ومسلم عن جابر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى زحاماً ورجلاً قد ظلل عليه فقال "ما هذا؟" قالوا: صائم، فقال: "ليس من البر الصوم في السفر"، ترجم البخاري في صحيحه: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن ظلل عليه واشتد الحر: ليس من البر الصوم في السفر، قال الحافظ: أشار بهذه الترجمة إلى أن سبب قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس من البر الصيام في السف"ر ما ذكر من المشقة، وأن من روى الحديث مجرداً فقد اختصر القصة إنتهى. قوله: (واختلف أهل العلم في الصوم في السفر الخ) قال الحافظ في فتح الباري: وقد اختلف السلف في هذه المسألة فقالت طائفة: لا يجزئ الصوم في السفر عن الفرض، بل من صام في السفر وجب عليه قضاؤه في الحضر لظاهر قوله تعالى {فعدة من أيام أخر} ولقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس من البر الصيام في السفر"، ومقابلة البر الإثم، وإذا كان آثماً بصومه لم يجزئه، وهذا قول بعض أهل الظاهر، وحكي عن عمر وابن عمر وأبي هريرة والزهري وإبراهيم النخعي وغيرهم، واحتجوا بقوله تعالى {ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر} قالوا: ظاهره فعليه عدة، أو فالواجب عدة، وتأوله الجمهور بأن التقدير: فأفطر فعدة، ومقابل هذا القول قول من قال إن الصوم في السفر لا يجوز لمن خاف على نفسه الهلاك والمشقة الشديدة، حكاه الطبري عن قوم. وذهب أكثر العلماء ومنهم مالك والشافعي وأبو حنيفة إلى أن الصوم أفضل لمن قوي عليه ولم يشق عليه، وقال كثير منهم الفطر أفضل عملاً بالرخصة، وهو قول الأوزاعي وأحمد وإسحاق. وقال آخرون: هو مخير مطلقاً، وقال آخرون: أفضلهما أيسرهما لقوله تعالى {يريد الله بكم اليسر} فإن كان الفطر أيسر عليه فهو أفضل في حقه وإن كان الصيام أيسر كمن يسهل عليه حينئذ ويشق عليه قضاؤه بعد ذلك فالصوم في حقه أفضل، وهو قول عمر بن عبد العزيز، واختاره ابن المنذر. والذي يترجح قول الجمهور، ولكن قد يكون الفطر أفضل لمن اشتد عليه الصوم وتضرر به، وكذلك من ظن به الإعراض عن قبول الرخصة كما في المسح على الخفين إنتهى كلام الحافظ. قوله: (فوجه هذا إذا لم يحتمل قلبه قبول رخصة الله تعالى الخ) والظاهر أن قوله: ليس من البر الح وقوله: أولئك العصاة، محمول على من تضرر بالصوم وشق عليه كما تقدم.
|