الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***
864- حدثنا أَبُو مُصْعَبٍ المدني قِرَاءَةً عن عَبدِ العَزِيزِ بنِ عِمْرَانَ عن جَعْفَرِ بنِ محمدٍ عن أَبيهِ عن جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله "أَن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَرَأ في رَكْعَتَيِ الطّوَافِ بِسُورَتَيِ الإخْلاَصِ {قُلْ يَا أَيّهَا الكافِرونَ} و {قُلْ هُوَ الله أحَدٌ}". 865- حدثنا هَنادٌ حدثنا وَكِيعٌ عن سُفْيَانَ عن جَعْفَرِ بنِ محمدٍ عن أَبيهِ "أَنّهُ كَانَ يَسْتَحِبّ أَنْ يَقْرَأَ في رَكْعَتَيِ الطّوَافِ بـ {قُلْ يَا أَيّهَا الكافِرُون} و {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ}". قال أبو عيسى: وهذا أَصَحّ مِنْ حَديثِ عَبْدِ العَزِيزِ بنِ عِمْرَانَ. وحَدِيثُ جَعفَرِ بنِ محمدٍ عن أَبيهِ في هذَا أَصَحّ مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بنِ محمدٍ عن أَبيهِ عن جَابِرٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وعَبْدُ العَزِيزِ بن عِمْرَانَ ضَعِيفٌ في الحَدِيثِ. قوله: (حدثنا أبو مصعب) هو أحمد بن أبي بكر بن الحارث الزهري المدني الفقيه صدوق عابه أبو خيثمة للفتوى بالرأي من العاشرة (قراءة) بالنصب على التمييز أو على الحالية يعيني حدثنا مصعب حال كونه قارئاً علينا ونحن نسمع (عن عبد العزيز بن عمران) الزهري المدني الأعرج يعرف بإبن ثابت متروك احترقت كتبه فحدث من حفظه فاشتد خلطه وكان عارفاً بالأنساب من الثامنة (عن جعفر بن محمد) بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو عبد الله المعروف بالصادق صدوق فقيه إمام من السادسة مات سنة ثمان وأربعون ومائة. قوله: (بسورتي الأخلاص) قال العراقي: هذا من باب التغليب حيث أطلق على سورة الكافرين سورة الأخلاص، ويحتمل أنه على حقيقته وأن سورة الكافرين على انفرادها سورة الإخلاص لما فيها من التبري ممن عبد من دون الله انتهى. والحديث يدل على استحباب القراءة بهاتين السورتين في ركعتي الطواف. قوله: (وحديث جعفر بن محمد عن أبيه في هذا أصح من حديث جعفر بن محمد بن أبيه جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعبد العزيز بن عمران ضعيف) في كلام الترمذي هذا نظر، فإن عبد العزيز بن عمران لم يتفرد برواية هذا الحديث عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم. بل روى مسلم في صحيحه من طريق حاتم بن إسماعيل المدني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} فجعل المقام بينه وبين البيت، فكان أبي يقول: ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون. قال النووي: ليس هو شكا في ذلك لأن لفظة العلم تنافي الشك بل جزم برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر البيهقي بإسناد صحيح على شرط مسلم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت فرمل من الحجر الأسود ثلاثاً ثم صلى ركعتين قرأ فيهما {قل يا أيها الكافرون} و {قل هو الله أحد} انتهى كلام النووي، وروى النسائي من طريق مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انتهى إلى مقام إبراهيم قرأ {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} فصلى ركعتين فقرأ فاتحة الكتاب و {قل يا أيها الكافرون} و {قل هو الله أحد} الحديث.
866- حدثنا عَلِيّ بنُ خَشْرَمٍ أخبرنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عن أَبي إسحاقَ عن زَيْدِ بنِ أُثَيْعٍ قالَ: "سَأَلْتُ عَلِيّا بأَيّ شَيْءٍ بُعِثْتَ؟ قالَ: بأَرْبَعٍ: لا يَدْخُلُ الجَنّةَ إلاّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، ولا يَطُوفُ بالبَيْتِ عُريان، ولا يَجْتَمِعُ المُسْلِمُونَ والمشركونَ بَعْدَ عَامهم هذَا، ومَنْ كانَ بَيْنَهُ وبَيْنَ النبيّ صلى الله عليه وسلم عَهْدٌ فعَهْدُهُ إلى مُدّتِهِ، ومَنْ لاَ مُدّةَ لَهُ فَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ". قال: وفي البابِ عنْ أَبي هُرَيْرَةَ. قال أبو عيسى: حديثُ عَلِي حديثٌ حسنٌ. 867- حدثنا ابنُ أبي عُمَرَ و نَصْرُ بنُ عَلِي حدثنا سُفْيَانُ بنُ عينية عن أَبي إسحاقَ نَحْوَهُ وقالا: زَيْدُ بنُ يُثَيْعٍ وهذَا أَصَحّ. قال أبو عيسى: وشُعْبَةُ وَهِمَ فيهِ فقالَ زَيْدُ بنُ أُثَيْلٍ. قوله: (حدثنا علي بن خشرم) بفتح الخاء والشين المعجمتين بوزن جعفر المروزي ثقة من صغار العاشرة (عن أبي إسحاق) هو السبيعي (عن زيد بن أثيع) بضم الهمزة وفتح المثلثة ويقال زيد بن يثيع قال الحافظ: زيد بن يثيع بضم التحتانية وقد تبدل همزة بعدها مثلثة ثم تحتانية ساكنة ثم مهملة الهمداني الكوفي ثقة مخضرم من الثانية، وقال الخزرجي في الخلاصة: زيد بن يثيغ بمعجمتين مصغراً وقيل أثيغ بهمزة، وقيل أثيل قاله شعبة الهمداني الكوفي مخضرم عن عمر وعلي، وعنه أبو إسحاق السبيعي فقط، وثقه ابن حبان انتهى. قال في هامش الخلاصة: قوله بمعجمتين يعني الغين والثاء وإن كان المعروف في ضبطها بالمثلثة. وفي باب العين المهملة وفصل الياء من القاموس: يثيع كزبير ويقال أثيع والد زيد التابعي انتهى. ففي ضبطه العين بالإعجام ما لا يخفي انتهى ما في الهامش. قوله: (بأي شيء بعثت) بصيغة المجهول أي بأي شيء أرسلت إلى مكة في الحجة أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيها أبا بكر رضي الله عنه "ولا يطوف بالبيت عرياناً" استدل به على أن الستر شرط لصحة الطواف، وهو مذهب الجمهور وذهبت الحنفية إلى أنه ليس بشرط، فمن طاف عرياناً عند الحنفية أعاد ما دام بمكة فإن خرج لزمه دم، وذكر ابن إسحاق في سبب هذا الحديث أن قريشاً ابتدعت قبل الفيل أو بعده أن لا يطوف بالبيت أحد ممن يقدم عليهم من غيرهم أول ما يطوف إلا في ثياب أحدهم، فإن لم يجد طاف عرياناً، فإن خالف وطاف بثيابه ألقاها إذا فرغ ثم لم ينتفع بها، فجاء الإسلام فهدم ذلك كله ولا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم هذا "وفي حديث أبي هريرة الذي أشار إليه الترمذي: أن لا يحج بعد العام مشرك، قال العيني أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر النداء بذلك حين نزلت "إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا" والمزاد بالمسجد الحرام هنا الحرم كله فلا يمكن مشرك من دخول الحرم بحال، وكذلك لا يمكن أهل الذمة من الإقامة بعد ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب"، قاله في مرض موته صلى الله عليه وسلم انتهى (ومن كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد فعهده إلى مدته ومن لا مدة له فأربعة أشهر) قال الحافظ في الفتح: استدل بهذا على أن قوله تعالى {فسيحوا في الأرض أربعة أشهر} يختص بمن لم يمكن له عهد مؤقت، أو لم يكن له عهداً أصلا وأما من له عهد مؤقت فهو إلى مدته. فروى الطبري من طريق ابن إسحاق قال: هم صنفان صنف كان له عهد دون أربعة أشهر فأمهل إلى تمام أربعة أشهر وصنف كانت له مدة عهده بغير أجل فقصرت على أربعة أشهر. ثم ذكر الحافظ كلاماً نافعاً من شاء الوقوف عليه فليرجع إلى تفسير سورة براءة من فتح الباري. قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه الشيخان وفيه: ألا لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان. قوله: (حديث علي حديث حسن) وأخرجه سعيد بن منصور والنسائي والطبري. قاله الحافظ في الفتح. قوله: (وقالا زيد بن يثيع) بالتحتانية المضومة وفتح المثلثة مصغراً (فقال زيد بن أثيل) بضم الهمزة وفتح المثلثة وسكون التحتانية وباللام.
868- حدثنا ابنُ أبي عُمَرَ، حدثنا وَكِيعٌ عن إسْمَاعيلَ بنِ عبدِ المَلِكَ عن ابنِ أبي مُلَيْكَةَ عن عَائِشَةَ قالَتْ: "خَرَجَ النبيّ صلى الله عليه وسلم مِنْ عِنْدِي وهُوَ قَرِيرُ العَيْنِ طَيّبُ النّفْسِ فَرَجَعَ إليّ وهُوَ حَزِينٌ، فقُلْتُ لَهُ، فقالَ "إنّي دَخَلْتُ الكَعْبَةَ وَوَدِدْتُ أَنّي لَمْ أكُنْ فَعَلْتُ، إنّي أَخَافُ أنْ أكُونَ أتْعَبْتُ أُمّتِي مِنْ بَعْدِي". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قوله: (حدثنا ابن أبي عمر) هو محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني نزيل مكة صدوق صنف المسند وكان لازم ابن عيينة لكن قال أبو حاتم: فيه غفلة من العاشرة، روى عن فضيل ابن عياض وأبي معاوية وخلق وعنه م ت ق وثقه ابن حبان، وقال أبو حاتم: صدوق حدث بحديث موضوع عن ابن عيينة قال البخاري: مات سنة 243 ثلاث وأربعين ومائتين. كذا في التقريب والخلاصة (وهو قرير العين) كناية عن السرور والفرح. قال في النهاية: وفي حديث الاستقساء لو رآك لقرت عيناه أي لسر بذلك وفرح وحقيقته أبرد الله دمعة عينيه لأن دمعة الفرح والسرور باردة، وقيل معنى أقر الله عينك بلغك أمنيتك حتى ترضى نفسك وتسكن عينك فلا تستشرف إلى غيره انتهى (فقلت له) أي استفسرت من أمري ما استدبرت ما دخلتها إني أخاف أن أكون قد شققت على أمتي. قال الشوكاني في النيل: في هذا الحديث دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة في غير عام الفتح لأن عائشة لم تكن معه فيه إلا عام الفتح وهذا الحديث يرد وقد جزم جمع من أهل العلم أنه لم يدخل فيه إلا عام الفتح وهذا الحديث يرد عليهم، وقد تقرر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل البيت في عمرته فتعين أن يكون دخله في حجته وبذلك جزم البيهقي. وقد أجاب البعض عن هذا الحديث بأنه يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم قال ذلك لعائشة بالمدينة بعد رجوعه من غزوة الفتح وهو بعيد جداً. وفيه أيضاً دليل على أن دخول الكعبة ليس من مناسك الحج وهو مذهب الجمهور، وحكى القرطبي عن بعض العلماء أن دخولها من المناسك، وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن دخولها مستحب، ويدل على ذلك ما أخرج ابن خزيمة والبيهقي من حديث ابن عباس: من دخل البيت دخل في جنة وخرج مغفوراً له، وفي إسناده عبد الله بن المؤمل وهو ضعيف، ومحل استحبابه ما لم يؤذ أحداً بدخوله انتهى. قلت: ويدل على استحبابه حديث ابن ابن عمر في الباب الاَتي. وله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود وابن ماجه أيضاً.
869- حدثنا قُتَيْبةُ، حدثنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عن عَمْروِ بنِ دِينَارٍ عن ابنِ عُمَرَ عن بِلاَلٍ: "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم صَلّى في جَوْفِ الكَعْبَةِ. قال ابنُ عبّاسٍ: لَم يُصَلّ ولَكِنّهُ كَبّرَ". قال: وفي البابِ عن أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ والفَضْلِ بنِ عبّاسٍ وعُثْمانَ بنِ طَلْحَةَ وشَيْبَةَ بنِ عُثْمَانَ. قال أبو عيسى: حَدِيثُ بِلاَلٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعَمَلُ عليهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أهْلِ العِلمِ، لا يَرَوْنَ بالصّلاةِ في الكَعْبَةِ بَأْساً. وقالَ مَالِكُ بنُ أَنَس: لا بَأْسَ بالصّلاةِ النّافِلةِ في الكَعْبَةِ وكَرِهَ أنْ تُصَلّى المَكْتُوبَة في الكَعْبَةِ وقالَ الشّافِعِيّ: لا بَأْسَ أن تُصَلّى المَكْتُوبَة والتّطَوّع في الكَعْبَةِ لأنّ حُكْمَ النّافِلَةِ والمَكْتُوبَةِ في الطّهَارَةِ والقِبْلَةِ سِوَاءٌ. قوله: (قال ابن عباس: لم يصل ولكنه كبر) وفي رواية لمسلم عن ابن عباس يقول: أخبرني أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل فيه الحديث، قال النووي: أجمع أهل الحديث على الأخذ برواية بلال لأنه مثبت فمعه زيادة علم فوجب ترجيحه، والمراد الصلاة المعهودة ذات الركوع والسجود، ولهذا قال ابن عمر: ونسيت أن أساله كم صلى، وأما نفي أسامة فسببه أنهم لما دخلوا الكعبة أغلقوا الباب واشتغلوا بالدعاء فرأى أسامة النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ثم اشتغل أسامة بالدعاء في ناحية من نواحي البيت والنبي صلى الله عليه وسلم في ناحية أخرى وبلال قريب منه ثم صلى النبي صلى الله عليه وسلم فرآه بلال لقربه ولم يره أسامة لبعده واشتغاله مع خفة الصلاة وإغلاق الباب، وجاز له نفيها عملاً بظنه، وأما بلال فحققها فأخبر بها انتهى كلام النووي. قوله: (وفي الباب عن أسامة بن زيد) أخرجه أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه من طريق أبي الشعثاء عن ابن عمر أخبرني أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة بين الساريتين ومكثت معه عمراً لم أسأله كم صلى. قال الزيلعي في تخريجه بعد ذكره هذا صحيح انتهى. وروى مسلم في صحيحه عن أمامة خلاف هذا كما تقدم (والفضل بن عباس) أخرجه أحمد وإسحاق بن راهويه في مسنديهما والطبراني في معجمه بلفظ أن: رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل في الكعبة ولكنه لما دخلها وقع ساجداً بين العمودين ثم جلس يدعو كذا في نصب الراية (وعثمان بن طلحة) أخرجه أبو داود والبيهقي وأحمد والضياء عن امرأة من بني سليم عن عثمان بن طلحة كذا في شرح سراج أحمد (وشيبة بن عثمان) أخرجه ابن عساكر عن عبد الرحمَن الزجاج: قال: أتيت شيبة بن عثمان فقلت يا أبا عثمان زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فلم يصل، فقال كذبوا وأبي، لقد صلى بين العمودين ثم ألصق بهما بطنه وظهره. كذا في شرح سراج أحمد. قوله: (وقال مالك بن أنس: لا بأس بالصلاة النافلة في الكعبة) كذا أطلق الترمذي عن مالك جواز النافلة وقيده بعض أصحابه بغير الرواتب وما تشرع فيه الجماعة، قاله الحافظ في الفتح (وكره أن يصلي المكتوبة في الكعبة) وروى عنه المنع وكذا عن أحمد لقوله تعالى {فولوا وجوهكم شطره} أي قبالته ومن فيه مستدبر لبعضه، وأما جواز النافلة فيه فإنه يسامح في النافلة ما لا يسامح في الفريضة (وقال الشافعي لا بأس أن يصلي المكتوبة والتطوع في الكعبة) وبه قال الحنفية وهو مذهب الجمهور. قال الحافظ في فتح الباري: وفيه أي في حديث بلال استحباب الصلاة في الكعبة وهو ظاهر في النفل ويلتحق به الفرض إذ لا فرق بينهما في مسألة الاستقبال وهو قول الجمهور انتهى. وقال النووي في شرح مسلم: ودليل الجمهور حديث بلال وإذا صحت النافلة صحت الفريضة لأنهما في الموضع سواء في الاستقبال في حال النزول وإنما يختلفان في الاستقبال في حال السير في السفر انتهى. قال الحافظ: وعن ابن عباس لا تصح الصلاة داخلها مطلقاً وعلله بأنه يلزم من ذلك استدبار بعضها، وقد ورد الأمر باستقبالها فيحمل على استقبال جميعها، وقال به بعض المالكية والظاهرية والطبري انتهى. قلت: والظاهر هو ما قال به الجمهور وهو أقوى المذاهب في هذا الباب والله تعالى أعلم.
(باب ما جاء في كسر الكعبة) أي هدمها. 870- حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أبو دَاوُدَ عن شُعْبَةَ عن أبي إسحاقَ عن الأسْوَدِ بنِ يَزِيدَ أَنّ ابنَ الزّبَيْرِ قالَ لَهُ حَدّثْنيِ بما كَانَتْ تُفْضِي إِلَيْكَ أُمّ المُؤْمِنِينَ يَعْنِي عَائِشَةَ، فقالَ: "حَدّثَتْنِي أَنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ لهَا: لَوْلاَ أنّ قَوْمكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بالجَاهِليّةِ لهَدَمْتُ الكَعْبَةَ وجعَلَتُ لَهَا بَابَيْنِ. قال: فَلَمّا مَلَكَ ابنُ الزّبَيْرِ هَدَمَهَا وجَعَلَ لَهَا بَابَيْنِ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قوله: (إن ابن الزبير) يعني عبد الله بن الزبير الصحابي المشهور (قال له) أي للأسود (بما كانت تفضي إليك) أي تسر إليك، وفي رواية للبخاري: قال لي ابن الزبير كانت عائشة تسر إليك كثيراً فما حدثتك في الكعبة (لولا أن قومك حديثو عهد) بالإضافة، وقال المطرزي: لا يجوز حذف الواو في مثل هذا والصواب حديث وعهد، كذا في فتح الباري. وقال السيوطي في حاشية النسائي: ويمكن أن يوجه بأن لفظ القوم مفرد لفظاً وجمع معنى فروعي إفراد اللفظ في جانب الخبر كما روعي اللفظ في إرجاع الضمير في قوله تعالى {كلتا الجنتين آتت} حيث أفرد آتت انتهى. قال الجزري في النهاية: الحديث ضد القديم، والمراد به قرب عهدهم بالكفر والخروج منه والدخول في الإسلام وأنه لم يتمكن الدين في قلوبهم، فلو هدمت الكعبة وغيرتها ربما نفروا من ذلك انتهى (وجعلت لها بابين) أي أي باباً شرقياً وباباً غربياً (فلما ملك ابن الزبير هدمها وجعل لها بابين) أحدهما يدخل منه والاَخر يخرج منه. وروى مسلم في صحيحه قصة هدمها وبنائها مطولاً. قال النووي: قال العلماء: بنى البيت خمس مرات: بنته الملائكة، ثم إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ثم قريش في الجاهلية، وحضر النبي صلى الله عليه وسلم هذا البناء وله خمس وثلاثون سنة وقيل خمس وعشرون وفيه سقط على الأرض حين رفع إزاره، ثم بناه الزبير، ثم الحجاج بن يوسف، واستمر إلى الاَن على بناء الحجاج. وقيل بني مرتين آخريين أو ثلاثاً. قال العلماء: ولا يغير عن هذا البناء. وقد ذكروا أن هارون الرشيد سأل مالك ابن أنس عن هدمها وردها إلى بناء ابن الزبير للأحاديث المذكورة في الباب، فقال مالك: نشدتك الله يا أمير المؤمنين أن لا تجعل هذا البيت لعبة للملوك، لا يشاء أحد إلا نقضه وبناه، فتذهب هيبته من صدور الناس انتهى. قال الحافظ: ويستفاد من هذا الحديث ترك المصلحة لأمن الوقوع في المفسدة، ومنه ترك إنكار المنكر خشية الوقوع في أنكر منه، وأن الإمام يسوس رعيته بما فيه إصلاحهم ولو كان مفضولاً ما لم يكن محرماً انتهى.
(باب ما جاء في الصلاة في الحجر) بكسر المهملة وسكون الجيم وهو معروف على صفة نصف الدائرة، كذا في فتح الباري. وقال في القاموس: الحجر بالكسر العقل وما حواه الحطيم المدار بالكعبة شرفها الله تعالى من جانب الشمال انتهى. وقال في النهاية: الحجر بالكسر اسم الحائط المستدير إلى جانب الكعبة الغربي انتهى، قلت: في قوله الغربي نظر كما لا يخفى. 871- حدثنا قُتَيْبةُ، حدثنا عبدُ العَزِيزِ بنُ مُحمدٍ عن عَلْقَمَةَ بنِ أبي عَلْقَمَةَ عن أمّر عن أبيهِ عَنْ عَائِشةَ قالت: "كُنْتُ أُحِبّ أنْ أدْخُلَ البيْتَ فأُصَلّي فيهِ، فأَخَذَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِيَديِ فأَدْخَلَنيِ الْحِجْرَ فقال صَلّي في الْحِجْرِ إن أرَدْتِ دُخُولَ البيتِ فإِنّما هُوَ قِطْعَة مِنَ البَيْتِ ولَكِنّ قَوْمكِ اسْتَقْصَرُوهُ حِينَ بَنَوْا الكَعْبَةَ فأَخْرَجُوهُ مِنَ البيْتِ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وعَلْقَمةُ بنُ أبي عَلْقمةَ هُو عَلقمة بن بلال. قوله: (عن علقمة بن أبي علقمة عن أبيه عن عائشة) كذا في نسخ الترمذي وفي رواية أبي داود عن علقمة عن أمه عن عائشة، وفي رواية النسائي: عن أمه عن أبيه عن عائشة بزيادة عن أبيه عن أمه. قوله: (فإنما هو قطعة من البيت) هذا ظاهره أن الحجر كله من البيت وكذا قوله في رواية عائشة عند البخاري قالت: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الجدار أو من البيت هو؟ قال نعم، وبذلك كان يفتي ابن عباس كما رواه عبد الرزاق عن أبيه عن مرثد بن شرحبيل قال: ابن عباس يقول: لو وليت من البيت ما ولى ابن الزبير لأدخلت الحجر كله في البيت فلم يطاف به إن لم يكن من البيت؟ وقد ذكر الحافظ في الفتح روايات أخرى تدل بإطلاقها على أن الحجر كله من البيت ثم قال: وهذه الروايات كلها مطلقة، وقد جاءت روايات أصح منها مقيدة منها لمسلم من طريق أبي قزعة عن الحارث بن عبد الله عن عائشة: حتى أزيد فيه من الحجر، وله من وجه آخر عن الحارث عنها: فإن بدا لقومك أن يبنوه بعدي فهلمي لأريك ما تركوا منه، فأراها قريباً من سبعة أذرع. وله من طريق سعد بن ميناء عن عبد الله بن الزبير عن عائشة: وزدت فيها من الحجر ستة أذرع. ثم ذكر روايات مقيدة أخرى غير هذه الروايات ثم حقق أن الروايات المطلقة محمولة على المقيدة. وقد بسط الكلام فيه وأجاد. قوله: (ولكن قومك استقصروه) أي قصروه عن تمام بنائه لقلة النفقة. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي أيضاً (وعلقمة بن أبي علقمة هو علقمة بن بلال) قال المنذري: وعلقمة هذا هو مولى عائشة تابعي مدني احتج به البخاري ومسلم وأمه حكى البخاري وغيره أن اسمها مرجانة انتهى.
872- حدثنا قُتَيْبَة، حدثنا جَرِيرٌ عَنْ عَطَاءِ بنِ السّائِبِ عن سَعِيد بنِ جُبَيْرٍ عن ابنِ عَبّاس قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "نَزَلَ الحَجَرُ الأسْوَدُ مِنَ الجَنّةِ وهُوَ أشَدّ بيَاضاً مِنَ اللّبَنِ فَسوّدَتْهُ خَطايا بَنيِ آدَمَ". قال: وفي البابِ عن عبْدِ الله بنِ عَمْروٍ وأبي هُرَيْرَةَ. قال أبو عيسى: حديثُ ابنِ عبّاسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. 873- حدثنا قُتَيْبةُ، حدثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ عن رجَاءٍ أبي يَحْيى قالَ: سَمِعْتُ مُسَافِعاً الحاجِبَ قال: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ عَمْرٍو يقُولُ: "سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إنّ الرّكْنَ والمَقَامَ ياقُوتَتَانِ مِن ياقُوتِ الجَنّةِ طَمَسَ الله نُورَهُمَا وَلَوْ لَمْ يَطْمِسْ نُورَهُمَا لأضَاءَتَا مَا بَيْنَ المَشْرِق والمَغْرِبِ". قال أبو عيسى: هذا يُرْوَى عنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرو مَوْقُوفاً قَوْلُهُ. وفيهِ عن أَنَسٍ أيْضاً وهُوَ حديثٌ غريبٌ. قوله: (وهو أشد بياضاً من اللبن) جملة حالية (فسودته خطايا بني آدم) قال في المرقاة: أي صارت ذنوب بني آدم الذين يمسحون الحجر سبباً لسواده، والأظهر حمل الحديث على حقيقته إذ لا مانع نقلاً ولا عقلاً. وقال بعض الشراح من علمائنا يعني الحنفية: هذا الحديث يحتمل أن يراد به المبالغة في تعظيم شأن الحجر وتفظيع أمر الخطايا والذنوب، والمعنى أن الحجر لما فيه من الشرف والكرامة واليمن والبركة شارك جواهر الجنة فكأنه نزل منها وأن خطايا بني آدم تكاد تؤثر في الجماد فتجعل المبيض منه أسود فكيف بقلوبهم أو لأنه من حيث أنه مكفر للخطايا محاء للذنوب كأنه من الجنة ومن كثرة تحمله أوزار بني آدم صار كأنه ذو بياض شديد فسودته الخطايا ومما يؤيد هذا أنه كان فيه نقط بيض ثم لا زال السواد يتراكم عليها حتى عمها. وفي الحديث: إذا أذنب العبد نكتت في قلبه نكتة سوداء فإذا أذنب فيه نكتة أخرى وهكذا حتى يسود قلبه جيعه ويصير ممن قال فيهم {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} والحاصل أن الحجر بمنزلة المرآة البيضاء في غاية من الصفاء ويتغير بملاقاة ما لا يناسبه من الأشياء حتى يسود لها جميع الأجزاء وفي الجملة الصحبة لها تأثير بإجماع العقلاء انتهى كلام القاري. قال الحافظ بن الحجر: واعترض بعض الملحدين على هذا الحديث فقال كيف سودته خطايا المشركين ولم تبيضه طاعات أهل التوحيد؟ وأجيب بما قال ابن قتيبة: لو شاء الله لكان ذلك وإنما أجرى الله العادة بأن السواد يصبغ ولا ينصبغ على العكس من البياض. وقال المحب الطبري: في بقائه أسود عبرة لمن له بصيرة. فإن الخطايا إذا أثرت في الحجر الصلد فتأثيرها في القلب أشد، قال وروي عن ابن عباس إنما غيره بالسواد لئلا ينظر أهل الدنيا إلى زينة الجنة فإن ثبت فهذا هو الجواب. قال الحافظ بن حجر: أخرجه الحميدي في فضائل مكة بإسناد ضعيف انتهى. قوله: (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو) أخرجه الترمذي في هذا الباب وأخرجه أحمد وصححه ابن حبان وسيجيء الكلام عليه (وأبي هريرة) أخرجه ابن ماجه عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من فاوض الحجر الأسود فكأنما يفاوض يد الرحمن". وفي فضائل مكة للجندي من حديث ابن جريج عن محمد بن عباد بن جعفر عن ابن عباس: إن هذا الركن الأسود هو يمين الله في الأرض يصافح به عباده مصافحة الرجل أخاه. ومن حديث الحكم بن أبان عن عكرمة عنه زيادة فمن لم يدرك بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استلم الحجر فقد بايع الله ورسوله. وقال المحب الطبري والمعنى كونه يمين الله والله أعلم كل ملك إذا قدم عليه قبلت يمينه، ولما كان الحاج والمعتمر أول ما يقدمان يسن لهما تقبيله نزل منزلة يمين الملك يده ولله المثل الأعلى، ولذلك من صافحه كان عند الله عهد كما أن الملك يعطي العهد بالمصافحة كذا في عمدة القاري. واعلم أن لابن عباس حديث آخر في فضل الحجر الأسود عند الترمذي رواه في أواخر كتاب الحج مرفوع بلفظ: والله ليبعثنه الله يوم القيامة له عينان الخ. قوله: (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح) قال الحافظ في الفتح: وفيه عطاء بن السائب وهو صدوق لكنه اختلط وجرير ممن سمع منه بعد اختلاطه لكن له طريق أخرى في صحيح ابن خزيمة فيقوي بها وقد رواه النسائي من طريق حماد بن سلمة عن عطاء مختصراً ولفظه: الحجر الأسود من الجنة، وحماد ممن سمع من عطاء قبل الاختلاط. وفي صحيح ابن خزيمة أيضاً عن ابن عباس مرفوعاً: إن لهذا الحجر لساناً وشفتين يشهدان لمن استلمه يوم القيامة بحق، وصححه أيضاً ابن حبان والحاكم وله شاهد من حديث أنس عند الحاكم أيضاً انتهى ما في الفتح. قوله: (إن الركن والمقام) أي الحجر الأسود ومقام إبراهيم (ياقوتتان من ياقوت الجنة) المراد به الجنس فالمعنى أنهما من يواقيت الجنة (طمس الله نورهما) أي أذهبه، قال القاري: أي بمساس المشركين لهما، ولعل الحكمة في طمسهما ليكون الإيمان غيبياً لا عينياً (ولو لم يطمس) على بناء الفاعل ويجوز أن يكون على بناء المفعول (لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب) أي لأنارتاه. قوله: (وفيه عن أنس أيضاً) أخرجه الحاكم كما ستقف عليه (وهو حديث غريب) وأخرجه أيضاً ابن حبان من طريق رجاء بن صبيح والحاكم ومن طريقه البيهقي كذا في الترغيب. وقال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث مرفوعاً: أخرجه أحمد والترمذي وصححه ابن حبان في إسناده رجى أبو يحيى وهو ضعيف. قال الترمذي: حديث غريب ويروى عن عبد الله بن عمرو موقوفاً. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: وقفه أشبه والذي رفعه ليس بقوي انتهى.
(باب ما جاء في الخروج إلى منى والمقام بها) بضم الميم من الإقامة، ومنى موضع بين مكة والمزدلفة حدها من جهة المشرق بطن المسيل إذا هبطت من وادي محسر، ومن جهة المغرب جمرة العقبة ذكره النووي في التهذيب. وقال في المجمع: سمي به لما يمنى فيه من الدماء أي يراق وهو لا تنصرف وتكتب بالياء إن قصد بها البقعة ويصرف ويكتب بالألف بتأويل موضع انتهى. 874- حدثنا أبوُ سَعيدٍ الأشَجّ حدثنا عَبدُ الله بنُ الأجْلَحِ عن إسماعيلَ بنِ مُسْلِمٍ عن عَطاءٍ عنِ ابنِ عَبّاسٍ قال: "صَلّى بِنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بمنًى الظّهْرَ والعَصْرَ والمَغْرِبَ والعِشَاءَ والفَجْرَ ثُمّ غَدَا إلَى عَرَفَاتٍ". قال أبو عيسى: وإسماعيلُ بنُ مُسْلِمٍ قد تكلّموا فيهِ من قبل حفظه. 875- حدثنا أَبو سَعيدٍ الأشَجّ حدثنا عبدُ الله بنُ الأجْلَحِ عنِ الأعْمَشِ عن الحَكَمِ عن مِقْسَمٍ عنِ ابنِ عَبّاسٍ: "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم صَلّى بمنًى الظّهْرَ والفَجْرَ ثُمّ غَدَا إِلَى عَرفَاتٍ". قال: وفي البابِ عن عبدِ الله بنِ الزّبَيْرِ وأنَسٍ. قال أبو عيسى: حديثُ مِقْسَمٍ عن ابنِ عبّاسٍ قال عليّ بنُ المَدِينيّ: قالَ يَحْيَى: قال شُعْبَةُ لَمْ يَسْمَعْ الحَكَمُ مِنْ مِقْسَمٍ إلاّ خَمْسَةَ أشيَاءَ وَعَدّها ولَيْسَ هذا الحديثُ فِيما عَدّ شُعْبَةُ. قوله: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى) أي يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة (ثم غدا) من الغدو وهو المشي أول النهار أي سار غدوة بعد طلوع الشمس لما في حديث جابر الطويل: ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس (إلى عرفات) بفتحتين قال النووي: اسم لموضع الوقوف سمي به لأن آدم عرف حواء هناك، وقيل لأن جبريل عرف ابراهيم المناسك هناك. قوله (وإسماعيل بن مسلم قد تكلم فيه) إسماعيل بن مسلم هذا هو أبو إسحاق البصري المجاور المكي الفقيه ضعفه ابن المبارك. وقال أحمد: منكر الحديث كذا في الخلاصة وحديث ابن عباس هذا أخرجه ابن ماجه أيضاً قوله: (أخبرنا عبد الله بن الأجلح) بتقديم الجيم على الحاء المهملة. قوله: (وفي الباب عن عبد الله بن الزبير) أخرجه الحاكم في المستدرك بلفظ قال: من سنة الحج أن يصلي الإمام الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى ثم يغدو إلى عرفة حتى إذا زالت الشمس خطب الناس ثم صلى الظهر والعصر جميعاً، كذا في شرح سراج أحمد (وأنس رضي الله عنه) أخرجه البخاري عن عبد العزيز بن رفيع قال: سألت أنس بن مالك قلت: أخبرني بشيء عقلته عن النبي صلى الله عليه وسلم أين صلى الظهر والعصر يوم التروية قال: بمنى الحديث. وفي الباب عن جابر في الحديث الطويل في صفة الحج عند مسلم: فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر الحديث. وفي الباب أيضاً عن ابن عمر أخرجه ابن ماجه مرفوعاً وأخرجه مالك موقوفاً. قوله (وليس هذا الحديث فيما عد شعبة) فعلى هذا يكون هذا الحديث منقطعاً ولكن له شواهد صحيحة كما عرفت.
876- حدثنا يُوسُفُ بنُ عيسَى و مُحمدُ بنُ أَبانٍ قالاحدثنا وَكِيعٌ عن إسْرَائِيلَ عن إبراهيمَ بنِ مُهَاجِرٍ عن يُوسُفَ بنِ مَاهَكَ عن أُمّهِ مُسَيْكَةَ عن عائشةَ قالت: "قُلْنا يا رسولَ الله ألاَ نَبْني لَكَ بِنَاءً يُظِلّكَ بمنًى قال: لا مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَق". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قوله: (عن يوسف بن ماهك) بفتح هاء وبكاف ترك صرفه، وعند الأصيلي مصروف، كذا في المغنى ثقة من الثالثة (عن أمه مسيكة) بالتصغير المكية لا يعرف حالها من الثالثة كذا في التقريب، ذكرها الذهبي في الميزان في المجهولات. قوله: (ألا نبني لك بناء) وفي رواية لابن ماجه: بيتا (قال لا) أي لا تبنوا لي بناء بمنى لأنه ليس مختصاً بأحد إنما هو موضع العبادة من الرمي وذبح الهدى والحلق ونحوها، فلو أجيز البناء فيه لكثرت الأبنية وتضيق المكان، وهذا مثل الشوارع ومقاعد الأسواق، وعند أبي حنيفة أرض الحرم موقوفة فلا يجوز أن يملكها أحد (منى) مبتدأ (مناخ من سبق) خبر مبتدأ والمناخ بضم الميم موضع إناخة الإبل. قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه ابن ماجه والحاكم أيضاً. ومدار هذا الحديث على مسيكة وهي مجهولة كما عرفت.
877- حدثنا قُتَيْبةُ، حدثنا أبو الأحْوَصِ عن إسرائيل عن أبي إسْحاقَ عن حارِثَةَ بنِ وهْبٍ قال: "صَلّيْتُ مَعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بِمنًى آمَنَ مَا كانَ النّاسُ وأكْثَرَهُ رَكْعَتْينِ". قال: وفي البابِ عنِ ابنِ مَسْعُودٍ وابنِ عُمَر وأنَسٍ. قال أبو عيسى: حديثُ حَارِثَةَ بنِ وهْبٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَرُوِيَ عن ابنِ مَسْعُودٍ أنّهُ قال صَلّيْتُ مَعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بِمنًى رَكْعَتْينِ ومَعَ أَبي بَكْرِ ومَعَ عُمَرَ و مع عُثْمانَ رَكْعَتَيْنِ صَدْراً مِنْ إمَارَتِهِ وقد اخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْم في تَقْصيرِ الصّلاَةِ بمنًى لأهْلِ مَكّةَ. فقال بَعْضُ أَهْلِ العلمِ: لَيْسَ لأهْلِ مكّةَ أنْ يَقْصُرُوا الصّلاَةَ بمنًى إلاّ مَنْ كانَ بمنًى مُسَافِرا وهُوَ قَوْلُ ابنِ جُرَيْجٍ وسُفْيانَ الثّوْرِيّ ويَحْيى بنِ سَعيدٍ القَطّانِ والشافِعِيّ وأحمدَ وإسحاقَ. وقال بَعْضُهُمْ لا بأْسَ لأهْلِ مَكّةَ أنْ يَقْصُرُوا الصّلاَةَ بمنًى وهُوَ قَوْلُ الأوْزَاعِيّ ومالكٍ وسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ وعَبدِ الرحمَنِ بنِ مَهْدِي. قوله: (آمن ما كان الناس) قال في مجمع البحار: بمد همزة أفعل من الأمن ضد الخوف وما مصدرية أي صلى بنا والحال أنا أكثر أكواننا في سائر الأوقات أمنا من غير خوف، وإسناد الأمن إلى الأوقات مجاز انتهى. وقال أبو الطيب في شرح الترمذي: المقصود من هذا الكلام وأمثاله واضح أي حين كان الناس أكثر أمناً وعدداً، لكن تطبيقه على قواعد العربية خفي، والأقرب أن ما مصدرية وكان تامة وآمن منصوب على الظرفية بتقدير مضاف وموصوفه مقدر من جنس المضاف إليه كما هو المشهور في اسم التفضيل، وأكثره عطف على آمن وضميره لما أضيف إليه آمن، والتقدير زمان كون هو آمن أكوان الناس وزمان كون هو أكثر أكوان الناس عدداً، ونسبة الأمن والكثرة إلى الكون مجازية فإنهما وصفان للناس حقيقة فرجع بالنظر إلى الحقيقة إلى زمان وحين كان الناس فيه آمن وأكثر. وعلى هذا فنصب آمن وأكثر على الظرفية بتقدير المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه انتهى. قوله: (عن ابن مسعود) أخرجه البخاري ومسلم، وقد ذكر الترمذي لفظه فيما بعد (وابن عمر) قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين وأبو بكر بعده وعمر بعد أبي بكر وعثمان صدراً من خلافته، ثم إن عثمان صلى بعد أربعاً، فكان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعاً وإذا صلاها وحده صلى ركعتين. أخرجه الشيخان (وأنس) قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة قيل له أقمتم بمكة شيئاً؟ قال: أقمنا بها عشراً. أخرجه الشيخان. قوله: (حديث حارثة بن وهب حديث حسن صحيح) أخرجه الشيخان. قوله: (وروي عن ابن مسعود أنه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين الخ) رواه الشيخان. قوله (إلا من كان بمنى مسافراً) استناء منقطع أي ليس لأهل مكة أن يقصروا الصلاة بمنى لكن من كان بمنى مسافراً فهو يقصرها ويحتمل الاتصال أي إلا من كان منهم نازلاً بمنى مسافراً بأن خرج على نية السفر أو رجع من السفر ونزل بها قل دخوله مكة (وهو قول ابن جريج وسفيان الثوري ويحيى بن سعيد القطان والشافعي وأحمد وإسحاق) وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وحجتهم أن المسافة التي بين مكة ومنى لا يقصر فيها الصلاة، والقصر بمنى ليس لأجل النسك بل للسفر (وهو قول الأوزاعي ومالك وسفيان بن عيينة وعبد الرحمَن بن مهدي) وحجتهم أن القصر بمنى للنسك وليس لأجل السفر. قال بعض المالكية: لو لم يجز لأهل مكة القصر بمنى لقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "أتموا وليس بين مكة ومنى مسافة القصر"، فدل على أنهم قصروا للنسك، وأجيب بأن الترمذي روى من حديث عمران بن حصين أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بمكة ركعتين ويقول "يا أهل مكة أتموا فإنا قوم سفر"، وكأنه ترك إعلامهم بذلك بمنى استغناء بما تقدم بمكة، قال الحافظ بن حجر: وهذا ضعيف لأن الحديث من رواية علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف، ولو صح فالقصة كانت في الفتح وقصة منى في حجة الوداع وكان لا بد من بيان ذلك لبعد العهد، انتهى كلام الحافظ، قال الخطابي في المعالم: ليس في قوله: صلى بنا ركعتين دليل على أن المكي يقصر الصلاة بمنى لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مسافراً بمنى فصلى صلاة المسافر، ولعله لو سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاته لأمره بالإتمام، وقد يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان بعض المأمور في بعض المواطن اقتصاراً على ما تقدم من البيان السابق خصوصاً في مثل هذا الأمر الذي هو من العلم الظاهر العام وكان عمر بن الخطاب يصلي بهم فيقصر فإذا سلم التفت إليهم وقال: أتموا يا أهل مكة فإنا قوم سفر انتهى.
878- حدثنا قُتَيْبةُ حدثنا سُفْيانُ بنُ عُيَيْنَةَ عن عَمْروِ بنِ ديِنَارٍ عن عَمْروِ بنِ عبدِ الله بنِ صَفْوَانَ عن يَزِيدَ بنِ شَيْبَانَ قال: "أتَانَا ابنُ مِرْبَعٍ الأنْصَارِيّ ونَحْنُ وُقُوفٌ بالمَوْقِفِ (مكاناً يُبَاعِدُهُ عَمْروٌ) فقال: إنّي رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلَيْكُمْ يَقولُ: كُونُوا على مَشَاعِرِكُمْ فإِنّكُمْ على إرْثٍ مِنْ إرْثِ إبراهيمَ". قال: وفي البابِ عن علي وعائِشَةَ وجُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ والشّرِيدِ بنِ سُوَيْدٍ الثّقَفيّ. قال أبو عيسى: حديثُ ابن مِرْبَعٍ حديثٌ حسنٌ صحيح لا نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حديثِ ابنِ عُيَيْنةَ عن عَمرِو بنِ دِينَار. وابنُ مِرْبَعٍ اسْمُهُ يَزِيدُ بنُ مِرْبَعٍ الأنْصارِيّ وإنّمَا يُعْرَفُ لهُ هذا الحَديِثُ الوَاحِدُ. 879- حدثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعْلَى الصّنْعَانيّ البَصْرِيّ حدثنا محمدُ بنُ عبدِ الرّحمَن الطّفاوِيّ حدثنا هِشامُ بنُ عُرْوَةَ عَن أبيهِ عنْ عائشَةَ قالَتْ: "كانَتْ قُرَيْشٌ ومَنْ كانَ على دِيِنَها وَهُمُ الحُمْسُ يَقِفُونَ بالمُزْدَلِفَةِ يَقُولُونَ نَحْنُ قَطينُ الله وكانَ مَنْ سِوَاهُمْ يَقِفُونَ بِعَرَفَةَ، فَأَنْزَلَ الله تعالى: {ثم أفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النّاسُ}". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ قال ومَعْنى هذا الحَديثِ أنّ أهْلَ مكّةَ كانوا لا يَخْرُجُونَ مِنَ الحَرَمِ، وعَرَفة خارِجٌ مِنَ الحَرَمِ، وأَهْلُ مكّةَ كانوا يَقِفُونَ بالمُزْدَلِفَةِ وَيَقُولُونَ نَحْنُ قَطينُ الله يَعْني سُكّانَ الله، ومَنْ سِوَى أَهْلِ مَكّةَ كانُو يَقِفُونَ بِعَرَفاتٍ، فأَنْزَلَ الله تعالى: {ثمّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النّاسُ}. والحُمْسُ هُمْ أهْلُ الحَرَمِ. قوله: (أتانا ابن مربع الأنصاري) بكسر الميم وسكون الراء وفتح الموحدة صحابي رضي الله عنه وسيجيء ما في اسمه من الاختلاف (مكاناً) أي في مكان كما في رواية أبي داود (يباعده عمرو) أي يباعد ذلك المكان عمرو بن عبد الله من موقف الإمام يعني يجعله بعيداً بوصفه إياه بالبعد والمباعدة بمعنى التبعيد، وهذا قول الراوي عن عمرو بن عبد الله وهو عمرو بن دينار (كونوا على مشاعركم) جمع مشعر يريد بها مواضع النسك سميت بذلك لأنها معالم العبادات (على إرث من إرث إبراهيم) علة للأمر بالاستقرار والتثبت على الوقوف في موافقهم القديمة، علل ذلك بأن موقفهم موقف إبراهيم ورثوه منه ولم يخطئوا في الوقوف فيه عن سنته، فإن عرفة كلها موقف والواقف بأي جزء منها آت بسنته متبع لطريقته وإن بعد موقفه عن موقف النبي صلى الله عليه وسلم قال الطيبي. قوله: (وفي الباب عن علي) أخرجه البيهقي وضعفه والترمذي كما سيذكر، وابن خزيمة والمحاملي في الدعاء وابن أبي الدنيا في الأضاحي، وابن النجار كذا في شرح سراج أحمد (وعائشة) أخرجه الشيخان (وجبير بن مطعم) أخرجه الشيخان أيضاً (والشريد بن سويد الثقفي) لينظر من أخرج حديثه. قوله: (حديث ابن مربع حديث حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه. قوله: (وابن مربع اسمه يزيد بن مربع) قال الحافظ في التقريب: زيد بن مربع بن قيظي صحابي أكثر ما يجيء مبهماً وقيل اسمه يزيد وقيل عبد الله انتهى. قوله: (حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني) بمفتوحة سكون ونون وبعين مهملة فألف فنون أخرى نسبة إلى صنعاء اليمن وإلى صنعاء دمشق كذ في المغنى (الطفاوي) بضم مهملة وخفة فاء وواو كذا في المغنى. قوله: (وهم الحمس) بضم مهملة وسكون ميم فمهملة، قال في القاموس: الحمس الأمكنة الصلبة جمع أحمس ولقب به قريش وكنانة وجديلة ومن تابعهم في الجاهلية لتحمسهم في دينهم أو لالتجائهم بالحمساء وهي الكعبة انتهى. وقال الحافظ في الفتح: والأحمس في كلام العرب الشديد وسموا بذلك لما شددوا على أنفسهم وكانوا إذا أهلوا بحج أو عمرة لا يأكلون لجماً ولا يضربون وبراً ولا شعراً وإذا قدموا مكة وضعوا ثيابهم التي كانت عليهم. وقيل سموا حمساً بالكعبة لأنها حمساً حجرها أبيض يضرب إلى السواد، والأول أشهر وأكثر وأنه من التحمس وهو التشدد انتهى كلامه ملخصاً (يقولون نحن قطين الله) قال في القاموس: قطن قطونا أقام وفلاناً خدمه فهو قاطن والجمع قطان وقاطنة وقطين انتهى. وقطين الله على حذف المضاف أي سكان بيت الله {ثم أفيضوا} أي ادفعوا يا قريش وأصله أفيضوا أنفسكم فحذف المفعول {من حيث أفاض الناس} من عرفة بأن تقفوا بها معهم.
880- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا أبو أَحمدَ الزّبَيْرِيّ حدثنا سُفْيانُ عنْ عبدِ الرحمَنِ بنِ الحَارِثِ بنِ عَيّاشٍ بنِ أبي رَبِيعَةَ عنْ زَيْدِ بنِ علي عنْ أبيهِ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ أبي رَافِعٍ عن عليَ بنِ أبي طَالِبٍ رضي الله عنه قالَ: "وقَفَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَةَ فقالَ: هذهِ عَرَفَةُ وهذا هُوَ المَوْقِفُ وعَرَفَةُ كُلّها مَوْقِفٌ، ثمّ أَفاضَ حِينَ غَرَبَتِ الشمسُ وأرْدَفَ أسَامَةَ بنَ زَيْدٍ وجَعَل يُشيرُ بِيَدِهِ على هينته والنّاسُ يَضْرِبُونَ يَميناً وشِمَالاً يَلْتَفِتُ إليهم ويقولُ: يا أيّها النّاسُ عَلَيْكُمُ السّكِينَةُ. ثمّ أتَى جَمْعاً فَصَلّى بهم الصّلاَتَيْنِ جَميعاً فَلَمّا أصْبَحَ أَتَى قُزَحَ فوَقَفَ عليه وقال: هذا قزَحُ وهُوَ المَوْقِفُ وجَمْعٌ كُلّها مَوْقِفٌ ثمّ أفَاضَ حتى انتهَى إلى وادِي مُحَسّرٍ فَقَرَعَ ناقَتَهُ فَخَبّتْ حتى جاوَزَ الْوَادي، فَوَقفَ وأَرْدَفَ الفَضْلَ ثم أتى الجَمْرَةَ فَرَمَاهَا ثم أتى المَنْحَرَ فقالَ هذا المَنْحَرُ ومِنًى كُلّها منحرٌ. واسْتَفْتَتْهُ جَارِيَةٌ شابّةٌ منْ خَثْعَمٍ فقالتْ: إنّ أبي شَيْخٌ كَبيرٌ قد أدْرَكَتْهُ فَريضَةُ الله في الحَجّ أفَيُجْزِيءُ أنْ أَحُجّ عَنْهُ. قالَ حُجّي عنْ أبِيكِ، قال: ولَوَى عُنُقَ الفَضْلِ، فقالَ العَبّاسُ يا رسولَ الله لِمَ لَوَيْتَ عُنُقَ ابنَ عَمّكَ؟ قالَ رَأيت شابّاً وشَابّةً فَلَمْ آمَنِ الشّيْطَانَ عَلَيْهِما. ثم أَتاه رَجُلٌ فقالَ يا رسولَ الله إنّي أَفَضْتُ قَبْلَ أنْ أحْلِقَ قالَ: احْلِقْ أوْ قَصّرْ ولا حَرَجَ. قالَ وجاءَ آخَرُ فقالَ يا رسولَ الله إِنّي ذَبَحْتُ قَبْلَ أنْ أَرْمِيَ، قالَ: ارْمِ ولا حَرَجَ. قالَ: ثمّ أَتَى البَيْتَ فَطَافَ بهِ ثُمّ أتَى زَمْرَمَ فقالَ يا بَني عَبْدِ المُطّلبِ لَوْلا أنْ يَغْلِبَكُمْ النّاسُ عنه لَنَزْعت". قال: وفي البابِ عنْ جابرٍ. قال أبو عيسى: حديثُ عَلِي حديثٌ حسنٌ صحيحٌ لا نَعْرِفُهُ منْ حَديثِ عَلي إلاّ مِنْ هذا الوَجْهِ مِنْ حَديثِ عبدِ الرّحمَن بنِ الحَارِثِ بنِ عَيّاشٍ وقد رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عن الثّوْرِيّ مِثْلَ هذا. والعملُ على هذا عِنْدَ أَهْلِ العِلمِ رَأوْا أنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الظّهْرِ والعَصْرِ بِعَرَفَةَ في وَقْتِ الظّهْرِ. وقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ: إذَا صَلّى الرّجُلُ في رَحْلِهِ ولَمْ يَشْهَدِ الصّلاةَ مع الإمَامِ إن شَاء جَمَعَ هُوَ بَيْنَ الصّلاتَيْنِ مِثْلَ مَا صَنَعَ الإمامُ قال وزَيْدُ بنُ عَلِي هُوَ ابنُ حُسَيْنِ بنِ عَلِي بنِ أبي طَالِبٍ عليه السلام. قوله: (هذه عرفة) هي اسم لبقعة معروفة (وعرفة كلها موقف) أي إلا بطن عرفة (ثم أفاض) أي دفع من عرفة (وأردف أسامة بن زيد) أي جعله رديفه، وفيه جواز الإرداف إذا كانت الدابة مطيقة، وقد تظاهرت به الأحاديث (على هيئته) بفتح الهاء وسكون التحتية وفتح الهمزة أي حال كونه صلى الله عليه وسلم على هيئته وسيره المعتاد، ووقع في بعض النسخ على حمنته قال السيوطي في قوت المغتذي: بضم الحاء المهملة ثم ميم ساكنة ثم نون أي على عادته في السكون والرفق قاله أبو موسى المديني، وفي رواية غير المصنف على هيئته بفتح الهاء والهمزة مكان النون أي على سيره المعتاد. انتهى كلام السيوطي وفي بعض النسخ على هينته قال أبو الطيب في شرح الترمذي: بكسر الهاء ثم مثناة تحتية ساكنة ثم نون وهو حال أي حال كونه على عادته في السكون والرفق انتهى (والناس يضربون) زاد أبو داود: الابل (يلتفت إليهم) في رواية أبي داود: لا يلتفت إليهم بزيادة لا، قال المحب الطبري: قال بعضهم: رواية الترمذي بإسقاط لا، أصح. وقد تكررت هناك على بعض الرواة من قوله شمالاً، كذا في قوت المغتذي قال أبو الطيب: وعلى تقدير صحتها معناه: لا يلتفت إلى مشيهم ولا يشاركه فيه. وعلى تقدير الإسقاط حال كونه يلتفت إليهم ويقول لهم الخ، (عليكم السكينة) بالنصب على الأعزاء قال السيوطي (ثم أتى جمعاً) بفتح الجيم وسكون الميم هو علم للمزدلفة اجتمع فيه آدم وحواء لما أهبطا كذا في المجمع (أتى قزح) بفتح القاف وفتح الزاء وحاء مهملة اسم جبل بالمزدلفة وهو غير منصرف للعدل والعلمية (إلى وادي محسر) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد السين المهملة وكسرها، قال النووي: سمي بذلك لأن فيل أصحاب الفيل حسر فيه أي أعي وكل، ومنه قوله تعالى {ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير} {فقرع ناقته} أي ضربها بمقرعة بكسر الميم وهو السوط (فخبت) من الخبب محركة وهو ضرب من العدو (حتى جاوز الوادي) قيل الحكمة في ذلك أنه فعله لسعة الموضع، وقيل لأن الأودية مأوى الشياطين، وقيل لأنه كان موقفاً للنصارى فأحب الإسراع فيه مخالفة لهم، وقيل لأن رجلاً اصطاد فيه صيداً فنزلت نار فأحرقته فكان إسراعه لمكان العذاب كما أسرع في ديار ثمود قاله السيوطي (ولوى عنق الفضل) أي صرف عنقه من جانب الجارية إلى جانب آخر (لولا أن يغلبكم عليه الناس لنزعت) قال النووي: معناه لولا خوفي أن يعتقد الناس ذلك من مناسك الحج فيزدحمون عليه بحيث يغلبونكم ويدفعونكم عن الاستقاء لاستقيت معكم لزيادة فضيلة هذا الاستقاء. وقال بعضهم: لولا يغلبكم أي قصداً للإتباع لنزعت أي أخرجت الماء وسقيته الناس كما تفعلون أنتم، قاله حثاً لهم على الثبات. قوله: (وفي الباب عن جابر) أخرجه مسلم والترمذي. قوله (حديث علي حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود مختصراً قوله (وقال بعض أهل العلم إذا صلى الرجل في رحله الخ) قال الإمام البخاري في صحيحه: وكان ابن عمر إذا فاتته الصلاة مع الإمام جمع بينهما انتهى. قال الحافظ في الفتح: وصله إبراهيم الحربي في المناسك له قال: حدثنا الحوضي عن همام أن نافعاً حدثه أن ابن عمر كان إذا لم يدرك الإمام يوم عرفة جمع بين الظهر والعصر في منزله. وأخرج الثوري في جامعه رواية عبد الله بن الوليد العدني عنه عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع مثله. وأخرجه ابن المنذر من هذا الوجه، وبهذا قال الجمهور. وخالفهم في ذلك النخعي والثوري وأبو حنيفة فقالوا يختص الجمع بمن صلى مع الإمام، وخالف أبا حنيفة في ذلك صاحباه والطحاوي، ومن أقوى الأدلة لهم صنيع ابن عمر هذا. وقد روى حديث جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين وكان مع ذلك يجمع وحده فدل على أنه عرف أن الجمع لا يختص بالإمام، ومن قواعدهم أن الصحابي إذا خالف ما روى دل على أن عنده بأن مخالفه أرجح تحسيناً للظن به فينبغي أن يقال هذا ههنا انتهى كلام الحافظ. قوله: (وزيد بن علي هو ابن حسين بن علي بن أبي طالب) المدني أحد أئمة أهل البيت ثقة من الرابعة وهو الذي ينسب إليه الزيدية خرج في خلافه هشام بن عبد الملك فقتل بالكوفة سنة اثنتين وعشرين ومائة كذا في التقريب، والخلاصة.
881- حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا وَكِيعٌ و بِشْرُ بنُ السّرِيّ و أبو نُعَيْمٍ قالوا حدثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عن أبي الزّبَيْرِ عن جَابِرٍ "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أَوْضَعَ في وَادِي مُحَسّرٍ. وزَادَ فيهِ بِشْرٌ: (وأَفَاضَ مِنْ جَمْعٍ وعَلَيْهِ السّكِينَةُ وأَمَرَهُم بالسّكِينَةِ). وزَادَ فيهِ أَبُو نُعَيْمٍ: (وأَمَرَهُم أَنْ يَرْمُوا بِمِثْلِ حَصَا الخَذْفِ. وقالَ لَعَلّي لا أَرَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هذَا)". (قال): وفي البابِ عن أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ. قال أبو عيسى: حديثُ جَابِرٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قوله: (أوضع) وضع البعير يضع وضعاً وأوضعه راكبه أيضاعاً إذا حمله على سرعة السير كذا في النهاية (في وادي محسر) تقد ضبط في الباب المتقدم. قال الأزرقي: وهو خمس مائة ذراع وخمسة وأربعون ذراعاً، وإنما شرع الإسراع فيه لأن العرب كانوا يقفون فيه ويذكرون مفاخر آبائهم فاستحب الشارع مخالفتهم (وأفاض من جمع) أي من المزدلفة (وعليه السكينة) جملة حالية (وأمرهم بالسكينة) وفي حديث أسامة الذي أشار إليه الترمذي وفي هذا الباب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أفاض من عرفات كان يسير العنق وإذا وجد فجوة نص، وفي حديث الفضل بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في عشية عرفة وغداة جمع للناس حين دفعوا: عليكم بالسكينة وهو كاف ناقته. رواه أحمد ومسلم. وفي هذه الأحاديث كيفية السير في الدفع من عرفات إلى مزدلفة لأجل الاستعجال للصلاة لأن المغرب لا تصلى إلا مع العشاء بالمزدلفة فيجمع بين المصلحتين من الوقار والسكينة عند الزحمة ومن الإسراع عند عدم الزحام (وأمرهم أن يرموا مثل حصا الخذف) بفتح الخاء المعجمة وسكون الذال المعجمة وبالفاء قال العلماء: حصى الخذف كقدر حبة الباقلاء. قوله: (حديث جابر حديث حسن صحيح) أخرجه الخمسة كذا في المنتقى.
882- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا يَحْيَى بن سَعِيدٍ القَطّانُ حدثنا سُفْيَانُ الثّوْرِيّ عن أبي إسْحاقَ عن عبدِ الله بنِ مَالِكٍ: "أنّ ابنْ عُمَر صَلّى بِجَمْعٍ فَجَمَعَ بَيْنَ الصّلاَتْينِ بإِقَامَةٍ وقالَ: رَأَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فَعَلَ مِثْلَ هذا في هذا المكَانِ". 883- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا يَحْيَى بنُ سَعيدٍ عن إسماعيلَ بنِ أبي خَالِدٍ عن أبي إسْحاقَ عن سَعِيد بن جُبَيْرٍ عن ابنِ عُمَر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلهِ: قالَ محمدُ بن بَشّارٍ قالَ يَحْيَى: والصّوابُ حديثُ سُفْيَانَ. قال: وفي البابِ عن عَلِي وأبي أيّوبَ وعبدِ الله بنِ مَسْعُودٍ وجَابِرٍ وأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ. قال أبو عيسى: حَدِيثُ ابنِ عُمَر في رِوَايَةِ سُفْيَانَ أَصَحّ مِنْ رِوَايَةِ إسماعيلَ بنِ أَبي خَالِدٍ. وحَديِثُ سُفْيَانَ حديثٌ صحيحٌ حسنٌ. والعملُ على هذا عِنْدَ أهلِ العلمِ لأنه لا تُصَلّى صلاةَ المَغْرِبِ دُونَ جَمْعٍ، فإِذَا أَتَى جَمْعاً وهُوَ المُزْدَلِفَةُ جَمَعَ بَيْنَ الصّلاَتَيْنِ بإِقَامَةٍ واحِدَةٍ ولَمْ يَتَطَوّعْ فِيمَا بَيْنَهُمَا وهُوَ الذي اخْتَارَهُ بَعْضُ أهِلِ العلمِ وذَهَب إليهِ، وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ قالَ سُفْيَانُ: وإن شَاءَ صَلّى المَغْرِبَ ثم تَعَشّى وَوَضَعَ ثِيَابَهُ ثم أَقَامَ فَصَلّى العِشَاءَ. فقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلمِ: يَجْمَعُ بَيْنَ المَغْرِبِ والعِشَاءِ بالمُزْدَلِفَةَ بِأَذَانٍ وإقَامَتَيْنِ يُؤَذّنُ لِصَلاَةِ المَغْرِبِ ويُقيمُ ويُصَلّي المَغْرِبَ ثم يُقِيمُ ويُصَلّي العِشَاءَ، وهُوَ قَوْلُ الشّافِعيّ. قال أبو عيسى: وَرَوَى إسْرَائيلُ هذَا الحَدِيثَ عن أبي إسْحاقَ عن عبدِ الله وخَالِدٍ ابْنَىْ مَالِكٍ عن ابنِ عُمَر. وحَدِيثُ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عن ابنِ عُمَر هُوَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. أيْضاً رَوَاهُ سَلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ عن سَعِيدِ بنُ جُبَيْرٍ. وأَمّا أَبُو إسحاقَ فرواه عن عَبْدِ الله وخَالِدِ ابَنَيْ مَالِكٍ عن ابنِ عُمَر. قوله: (عن عبد الله بن مالك) بن الحارث الهمداني روى عن علي وابن عمر وعنه أبو إسحاق السبيعي وأبو روق الهمداني ذكره ابن حبان في الثقات كذا في تهذيب التهذيب (صلى بجمع) أي بالمزدلفة (فجمع بين الصلاتين بإقامة) استدل به من قال بالجمع بين الصلاتين في المزدلفة بإقامة واحدة، وهو قول سفيان الثوري كما صرح به الترمذي. قوله: (وفي الباب عن علي وأبي أيوب وعبد الله بن مسعود وجابر وأسامة بن زيد) أما حديث علي فلينظر من أخرجه. وأما حديث أبي أيوب فأخرجه البخاري ومسلم عنه أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع المغرب والعشاء بالمزدلفة، ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار وزاد: بإقامة واحدة. وأما حديث عبد الله بن مسعود فأخرجه البخاري موقوفاً عليه وأما حديث جابر فأخرجه مسلم مطولاً في قصة حجة الوداع وفيه: حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما. وأما حديث أسامة بن زيد فأخرجه البخاري ومسلم. وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها العيني في عمدة القاري والطحاوي في شرح الآثار. قوله: (حديث ابن عمر رواية سفيان أصح من رواية إسماعيل بن أبي خالد وحديث سفيان حديث حسن صحيح) حديث ابن عمر في الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة بإقامة واحدة متفق عليه. قوله: (والعمل على هذا عند أهل العلم أنه لا يصلي صلاة المغرب دون جمع) قال العيني: قال شيخنا زين الدين رحمه الله: كأنه أراد أن العمل عليه مشروعية واستحباباً لا تحتما ولا لزوماً، فانهم لم يتفقوا على ذلك بل اختلفوا فيه فقال سفيان الثوري: لا يصليهما حتى يأتي جمعاً وله السعة في ذلك إلى نصف الليل فإن صلاهما دون جمع أعاد، وكذا قال أبو حنيفة: إن صلاهما قبل أن يأتي المزدلفة فعليه الإعادة وسواء صلاهما قبل مغيب الشفق أو بعده عليه أن يعيدهما إذا أتى المزدلفة. وقال مالك: لا يصليهما أحد قبل جمع إلا من عذر. فإن صلاهما من عذر لم يجمع بينهما حتى يغيب الشفق وذهب الشافعي إلى أن هذا هو الأفضل. وأنه إن جمع بينهما في وقت المغرب أو في وقت العشاء بأرض عرفات أو غيرها أو صلى كل صلاة في وقتها جاز لذلك، وبه قال الأوزاعي وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وأبو يوسف وأشهب، وحكاه النووي عن أصحاب الحديث، وبه قال من التابعين عطاء وعروة وسالم والقاسم وسعيد بن جبير انتهى (فإذا أتى جمعاً وهو المزدلفة جمع بين الصلاتين بإقامة واحدة ولم يتطوع فيما بينهما وهو الذي اختاره بعض أهل العلم وذهبوا إليه، وهو قول سفيان الثوري). قال العيني في العمدة: الذي قال بإقامة واحدة قال بحديث الزهري عن سالم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء بجمع بإقامة واحدة. وكذا رواه ابن عباس مرفوعاً عند مسلم انتهى (قال سفيان وإن شاء صلى المغرب ثم تعشى ووضع ثيابه ثم أقام فصلى العشاء) روى البخاري في صحيحه عن عبد الرحمَن بن يزيد يقول: حج عبد الله يعني ابن مسعود رضي الله عنه فأتينا المزدلفة حين الأذان بالعتمة أو قريباً من ذلك فأمر رجلاً فأذن وأقام ثم صلى المغرب وصلى بعدها ركعتين ثم دعا بعشائه فتعشى ثم أمر فأذن وأقام، قال عمرو: ولا أعلم الشك إلا من زهير وصلى العشاء ركعتين الحديث. وهذا هو متمسك سفيان الثوري لكنه موقوف (وقال بعض أهل العلم): يجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة بأذان وإقامتين يؤذن لصلاة المغرب، ويقيم ويصلي المغرب. ثم يقيم ويصلي العشاء (وهو قول الشافعي) قال النووي في شرح مسلم: الصحيح عند أصحابنا أنه يصليهما بأذان للأولى وإقامتين لكل واحدة إقامة. وقال في الإيضاح إنه الأصح كذا في العمدة. قلت: وهو المختار عندي، ويدل عليه حديث جابر الطويل في قصة حجة الوداع أخرجه مسلم وفيه حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئاً. وفي هذه المسألة أقوال أخرى ذكرها العيني في عمدة القاري منها هذا الذي ذكره الترمذي قال العيني: الثالث أنه يؤذن للأولى ويقيم لكل واحدة منهما وهو قول أحمد بن حنبل في أصح قوليه، وبه قال أبو ثور وعبد الملك بن الماجشون من المالكية والطحاوي، وقال الخطابي هو قول أهل الرأي. وذكر ابن عبد البر أن الجوزجاني حكاه عن محمد بن الحسن عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمه الله. قال الرابع أنه يؤذن للأولى ويقيم لها ولا يؤذن للثانية ولا يقيم لها، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف حكاه النووي وغيره. قال هذا هو مذهب أصحابنا، وعند زفر: بأذان وإقامتين، قال الخامس أنه يؤذن لكل منهما ويقيم. وبه قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه وهو قول مالك وأصحابه إلا ابن الماجشون وليس لهم في ذلك حديث مرفوع، قاله ابن عبد البر انتهى كلام العيني. قلت: روى البخاري في صحيحه عن ابن مسعود الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة بأذان وإقامة لكل منهما من فعله، وقد تقدم لفظه، وقد روى ذلك الطحاوي بإسناد صحيح من فعل عمر رضي الله عنه قال الحافظ في الفتح: وقد أخذ بظاهره مالك وهو اختيار البخاري.
(باب ما جاء من أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج) الجمع بفتح الجيم وسكون الميم علم للمزدلفة اجتمع فيها آدم وحواء لما أهبطا كذا في المجمع، أي من أدرك الإمام بالمزدلفة وقد وقف بعرفة فقد أدرك الحج. 884- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ وعَبْدُ الرحمَنِ بنُ مَهْدِي قالا حدثنا سُفْيَانُ عن بُكَيْرٍ بنِ عَطَاءٍ عن عبدِ الرحمَنِ بنِ يَعْمَرَ "أنّ نَاساً مِنْ أهْلِ نَجْدٍ أتَوْا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهُوَ بعَرَفَةَ فَسَأَلُوهُ فَأَمَرَ مُنَادِياً فَنَادَى: الحَجّ عَرَفَةُ. مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ فَقَدْ أدْرَكَ الحَجّ، أيامُ مِنًى ثَلاَثَةٌ فَمَنْ تَعَجّلَ في يَوْمَيْنِ فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ ومَنْ تَأَخّرَ فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ. قالَ وزَادَ يَحْيَى: (وأرْدَفَ رَجُلاً فَنَادَى)". 885- حدثنا ابنُ أبي عُمَر، حدثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عن سُفْيَانَ الثّوْرِيّ عن بُكَيْرِ بنِ عَطَاءٍ عن عبدِ الرحمَنِ بنِ يَعْمَرَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ. وقالَ ابنُ أبي عُمَر: سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: وهذَا أجْوَدُ حَدِيثٍ رَوَاهُ سُفْيَان الثّوْرِيّ. قال أبو عيسى: والعملُ على حَديِثِ عبد الرحمَن بنِ يَعْمَرَ عندَ أهْلِ العلمِ مِنْ أَصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ أَنّهُ مَنْ لَمْ يَقِفْ بَعَرِفَاتٍ قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ فقد فَاتَهُ الحَجّ ولا يُجْزِيءُ عَنْهُ إنْ جَاءَ بَعْدَ طُلُوعِ الفَجْرِ ويَجْعلُهَا عُمْرَةً وعَلَيْهِ الحَجّ مِنْ قَابِلٍ، وهُوَ قَوْلُ الثّوْرِيّ والشّافِعِيّ وأَحمدَ وإسحاقَ. قال أبو عيسى: وقد رَوَى شُعْبَةُ عن بُكَيْرِ بنِ عَطَاءٍ نَحْوَ حَدِيثِ الثّوْرِيّ قالَ وسَمِعْتُ الجَارُوْدَ يَقُولُ سَمِعْتُ وَكِيعاً أنه ذكر هذَا الحَديِثَ فقالَ: هذا الحَديِثُ أُمّ المَنَاسِكِ. 886- حدثنا ابنُ أَبي عُمَر، حدثنا سُفْيَانُ عن دَاوُدَ بنِ أَبي هِنْدٍ وحدثنا إسماعيلُ بنُ أبي خَالِدٍ و زَكَرِيّا بنُ أبي زَائِدَةَ عن الشّعْبِيّ عن عُرْوَةَ بنِ مُضَرّسِ بنِ أَوسِ بنِ حَارِثَةَ بنِ لاَمَ الطّائِيّ قال: "أتَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بالمُزْدَلِفَةِ حِينَ خَرَجَ إلَى الصّلاَةِ فَقُلْتُ يا رسولَ الله إنّي جِئْتُ مِنْ جَبَلَيْ طَيّ أَكْلَلْتُ رَاحِلَتِي وأتْعَبْتُ نَفِسي، والله ما تَرَكْتُ مِنْ حبل إلا وقفة عليه فهل له من حج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم شَهِدَ صَلاتَنَا هَذِهِ وَوَقَفَ مَعَنَا حَتّى ندْفَعَ وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذلكَ لَيْلاً أوْ نَهَاراً فَقَدْ أتمّ حَجّه وقَضَى تَفَثهُ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قال: قوله تَفَثَهُ يعني نسكه قوله: ما تركت من حبل إلا وقفت عليه. إذا كان من رمل يقال له: حَبْلٌ، واذا كان من حجارة يقال لهُ: جَبَلٌ). قوله: (عن عبد الرحمَن بن يعمر) بفتح التحتانية وسكون العين المهملة وفتح الميم ويضم غير منصرف قال الحافظ: صحابي نزل بالكوفة ويقال مات بخراسان. قوله: (فسألوه) وفي رواية أبي داود: فجاء ناس أو نفر من أهل نجد فأمروا رجلاً فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف الحج (الحج عرفة) أي الحج الصحيح حج من أدرك يوم عرفة قاله الشوكاني. وقال الشيخ عز الدين عبد السلام: تقديره إدراك الحج وقوف عرفة لأنه يفوت بفواته (من جاء ليلة جمع) أي ليلة المبيت بالمزدلفة وهي ليلة العيد (قبل طلوع الفجر) أي فجر يوم النحر أي من جاء عرفة ووقف فيها ليلة المزدلفة قبل طلوع فجر يوم النحر وأورد صاحب المشكاة هذا الحديث بلفظ: من أدرك عرفة ليلة جمع قبل طلوع الفجر (فقد أدرك الحج) أي لم يفته وأمن من الفساد. وفيه رد على من زعم أن الوقوف يفوت بغروب الشمس يوم عرفة ومن زعم أن وقته يمتد إلى ما بعد الفجر إلى طلوع الشمس فظاهره أنه يكفي الوقوف في جزء من أرض عرفة ولو في لحظة لطيفة في هذا الوقت. وبه قال الجمهور. وحكى النووي قولاً أنه لا يكفي الوقوف ليلاً ومن اقتصر عليه فقد فاته الحج، والأحاديث الصحيحة ترده (أيام منى ثلاثة) مبتدأ وخبر يعني أيام منى ثلاثة أيام وهي الأيام المعدودات وأيام التشريق وأيام رمي الجمار وهي الثلاثة التي بعد يوم النحر وليس يوم النحر منهم لإجماع الناس على أنه لا يجوز النفر يوم ثاني النحر. ولو كان يوم النحر من الثلاثة لجاز أن ينفر من شاء في ثانيه (فمن تعجل في يومين) أي من أيام التشريق فنفر في اليوم الثاني منها (فلا إثم عليه) في تعجيله (ومن تأخر) أي عن النفر في اليوم الثاني من أيام التشريق إلى اليوم الثالث (فلا إثم عليه) في تأخيره. وقيل المعنى: ومن تأخر عن الثالث إلى الرابع ولم ينفر مع العامة فلا إثم عليه، والتخيير ههنا وقع بين الفاضل والأفضل لأن المتأخر أفضل فإن قيل إنما يخاف الإثم المتعجل فما بال المتأخر الذي أتى بالأفضل فالجواب أن المراد من عمل بالرخصة وتعجل فلا إثم عليه في العمل بالرخصة، ومن ترك الرخصة وتأخر فلا إثم عليه في ترك الرخصة. قوله: (قال محمد) هو ابن بشار (وزاد يحيى) هو ابن سعيد أي زاد يحيى بن سعيد في روايته في آخر الحديث لفظ: وأردف رجلاً فنادى به. قوله: (قال سفيان بن عيينة وهذا أجود حديث رواه سفيان الثوري) قال السيوطي: أي من حديث أهل الكوفة وذلك لأن أهل الكوفة يكثر فيهم التدليس والإختلاف، وهذا الحديث سالم من ذلك، فإن الثوري سمعه من بكير وسمع بكير من عبد الرحمَن وسمعه عبد الرحمَن من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يختلف رواته في إسناده وقام الإجماع على العمل به انتهى، ونقل ابن ماجه في سننه عن شيخه محمد بن يحيى: ما أرى للثوري حديثاً أشرف منه. قوله: (عن عروة بن مضرس) بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وتشديد الراء المكسورة ثم سين مهملة. قال الحافظ: صحابي له حديث واحد في الحج (بن لام) بوزن جام (من جبلى طيء) هما جبل سلمى وجبل أجا قاله المنذري. وطيء بفتح الطاء وتشديد الياء بعدها همزة (أكللت مطيتي) أي أعييت دابتي (ما تركت من جبل) بالجيم وفي بعض النسخ حبل بالحاء المهملة المفتوحة والموحدة الساكنة أحد حبال الرمل وهو ما اجتمع فاستطال وارتفع قاله الجوهري. قال العراقي: المشهور في الرواية فتح الحاء المهملة وسكون الموحدة وهو ما طال من الرمل، وروى بالجيم وفتح الباء قاله الترمذي في بعض النسخ. قوله: في بعض النسخ ما تركت من جبل إلا وقفت عليه إذا كان من رمل يقال له حبل وإذا كان من حجارة يقال له جبل. قال السيوطي: ليس هذا في روايتنا (صلاتنا هذه) يعني صلاة الفجر (ليلاً، ونهاراً فقد تم حجه) تمسك بهذا أحمد بن حنبل فقال: وقت الوقوف لا يختص بما بعد الزوال بل وقته ما بين طلوع الفجر يوم عرفة وطلوع يوم العيد لأن لفظ الليل والنهار مطلقان وأجاب الجمهور عن الحديث بأن المراد بالنهار ما بعد الزوال بدليل أنه صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده لم يقفوا إلا بعد الزوال، ولم ينقل عن أحد أنه وقف قبله فكأنهم جعلوا هذا الفعل مقيداً لذلك المطلق، ولا يخفى ما فيه قاله الشوكاني (وقضى تفثه) قيل المراد به أنه أتى بما عليه من المناسك. والمشهور أن التفث ما يصنعه المحرم عند حله من تقصير شعر أو حلقه وحلق العانة ونتف الإبط وغيره من خصال الفطرة، ويدخل في ذلك نحو البدن وقضاء جميع المناسك لأنه لا يقضي التفث إلى بعد ذلك، وأصل التفث الوسخ والقذر. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه أيضاً.
887- حدثنا قُتَيْبةُ، حدثنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عن أيّوبَ عن عِكْرِمَةَ عن ابنِ عَبّاسٍ قالَ "بَعَثَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في ثَقَلٍ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ". (قال): وفي البابِ عن عائِشَةَ وأُمّ حَبِيبَةَ وأسْمَاءَ بنت أبي بكر والفَضْلِ (بن عباس). 888- حدثنا أبو كُرَيْبٍ حدثنا وَكِيعٌ عن المَسْعُودِيّ عن الحَكَمِ عن مِقْسَمٍ عن ابنِ عَبّاسٍ "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَدّمَ ضَعَفَةَ أهْلِهِ وقالَ: لا تَرْمُوا الجَمْرَةَ حَتّى تَطْلُعَ الشّمْسُ". قال أبو عيسى: حديثُ ابنِ عَباسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعملُ على هذا الحَدِيثِ عِنْدَ أهلِ العِلمِ، لَمْ يَرَوْا بأْساً أَنْ يَتَقَدّمَ الضّعَفَةُ مِنَ المُزْدَلِفَةِ بِلَيْلٍ يَصِيرُونَ إلى مِنًى. وقالَ أكثرُ أهلِ العِلْمِ بحَدِيثِ النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُمْ لاَ يَرْمُونَ حَتّى تَطْلُعَ الشّمْسُ. وَرَخّصَ بعَضُ أَهْلِ العِلْمِ في أنْ يَرْمُوا بِلَيْلٍ. والعمَلُ على حَدِيثِ النبيّ صلى الله عليه وسلم أنهم لا يرمون وهُوَ قَوْلُ الثّوْريّ والشّافِعِيّ. قال أبو عيسى: حديثُ ابنِ عَبّاسٍ "بَعَثَنِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في ثَقَلٍ" حديثٌ صحيحٌ رُوِيَ عنهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ. ورَوَى شُعْبَةُ هذا الحَديِثَ عن مُشَاشٍ عن عَطَاءٍ عن ابنِ عبّاسٍ "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَدّمَ ضَعَفَةَ أهْلِهِ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ" وهذا حديثٌ خَطَأٌ أخْطأَ فيهِ مُشَاشٌ وزَادَ فيه (عن الفَضْلِ بنِ عبّاسٍ). ورَوَى ابن جُرَيْجٍ وغَيْرُهُ هذا الحَدِيثَ عن عَطَاءٍ عن ابنِ عَبّاسٍ ولَمْ يَذْكُرُوا فيهِ (عن الفَضْلِ بنِ عَبّاسٍ) ومشاش بصري روى عنه شعبة. قوله: (في ثقل) بفتح الثاء المثلثة والقاف متاع المسافر وحشمه و (من جمع) أي المزدلفة (بليل) قال الطيبي: يستحب تقديم الضعفة لئلا يتأذوا بالزحام (وفي الباب عن عائشة) قالت: كانت سودة امرأة ضخمة ثبطة فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تفيض من جمع بليل فاستأذن لها أخرجه الشيخان (وأم حبيبة) أخرجه مسلم بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بها من جمع بليل (وأسماء) أخرجه الشيخان (والفضل) أخرجه الترمذي. قوله: (عن مشاش) بضم الميم وتكرار الشين المعجمة كذا في قوت المغتذي، وقال في التقريب: مشاش بمعجمتين أبو ساسان أو أبو الأزهر السلمي البصري أو المروزي وقيل هما اثنان مقبول من السادسة. قوله: (قدم ضعفة أهله) بفتح الضاد المعجمة والعين المهملة جمع ضعيف وهم النساء والصبيان والخدم. قوله: (عن مقسم) بوزن منبر، قال في التقريب: بكسر أوله، بن بجرة بضم الموحدة وسكون الجيم ويقال نجدة بفتح النون وبدال مولى عبد الله بن الحارث ويقال له مولى ابن عباس للزومة له صدوق وكان يرسل من الرابعة. قوله: (لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس) فيه دليل على عدم جواز الرمى في الليل وعليه أبو حنيفة والأكثرون خلافاً للشافعي. والتقييد بطلوع الشمس لأن الرمى حينئذ سنة وما قبله بعد طلوع الفجر جائز اتفاقاً كذا في المرقاة. قوله: (وهو قول الثوري والشافعي) احتج الشافعي بحديث أسماء، أخرج البخاري ومسلم عن عبد الله مولى أسماء عن أسماء أنها رمت الجمرة، قلت لها إنا رمينا الجمرة بليل، قالت: إنا كنا نصنع هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجمع بين هذا الحديث وبين حديث ابن عباس: لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس بحمل الأمر على الندب ويؤيده ما أخرجه الطحاوي من طريق شعبة مولى ابن عباس عنه قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله وأمرني أن أرمي مع الفجر، قاله الحافظ في الفتح وقال فيه: وقال الحنفية لا يرمي جمرة العقبة، إلا بعد طلوع الشمس فإن رمى قبل طلوع الشمس وبعد طلوع الفجر جاز، وإن رماها قبل الفجر أعادها، وبهذا قال أحمد وإسحاق والجمهور، وزاد إسحاق ولا يرميها قبل طلوع الشمس، وبه قال النخعي ومجاهد والثوري وأبو ثور، ورأى جواز ذلك قبل طلوع الفجر عطاء وطاؤس والشعبي والشافعي، واحتج الجمهور بحديث ابن عمر أنه كان يقدم ضعفة أهله الحديث. وفيه فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر ومنهم من يقدم بعد ذلك فإذا قدموا رموا الجمرة وكان ابن عمر يقول: أرخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ رواه البخاري ومسلم. واحتج إسحاق بحديث ابن عباس: لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس. انتهى كلام الحافظ.
889- حدثنا عليّ بنُ خَشْرَمٍ حدثنا عيسىَ بنُ يُونُسَ عن ابنِ جُرْيجٍ عن أبي الزّبَيْرِ عن جَابِرٍ قالَ: "كانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَرْمِي يَوْمَ النّحْرِ ضُحًى وأمّا بَعْدَ ذَلِكَ فَبَعْدَ زَوَالِ الشّمْسِ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعملُ عَلَى هذَا الحديث عِنْدَ أكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ أَنّهُ لاَ يَرْمِي بَعْدَ يَوْمِ النّحْرِ إلاّ بَعْدَ الزّوَالِ. قوله: (يرمى يوم النحر ضحى) قال العراقي: الرواية فيه بالتنوين على أنه مصروف انتهى أي وقت الضحوة من بعد طلوع الشمس إلى ما قبل الزوال (وأما بعد ذلك) أي بعد يوم النحر وهو أيام التشريق (بعد زوال الشمس) أي فيرمي بعد الزوال، وفيه دليل على أن السنة أن يرمى الجمار في غير يوم الأضحى بعد الزوال وبه قال الجمهور، وخالف فيه عطاء وطاوس فقالا يجوز قبل الزوال مطلقاً. ورخص الحنفية في الرمي في يوم النفر قبل الزوال. وقال إسحاق: إن رمى قبل الزوال أعاد إلا في اليوم الثالث فيجزئه. كذا في فتح الباري. قلت: لا دليل على ما ذهب إليه عطاء وطاوس لا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا من قوله. وأما ترخيص الحنفية في الرمي في يوم النفر قبل الزوال فاستدلوا عليه بأثر ابن عباس رضي الله عنه وهو ضعيف فالمعتمد ما قال به الجمهور. قال في الهداية: وأما اليوم الرابع فيجوز الرمي قبل الزوال عند أبي حنيفة خلافاً لهما ومذهبه مروى عن ابن عباس رضي الله عنه انتهى. قال ابن الهمام: أخرج البيهقي عنه: إذا انتفخ النهار من يوم النفر فقد حل الرمى والصدر والانتفاخ الارتفاع، وفي سنده طلحة بن عمرو ضعفه البيهقي. قال ابن الهمام: ولا شك أن المعتمد في تعيين الوقت للرمي في الأول من أول النهار وفيما بعده من بعد الزوال ليس إلا فعله كذلك مع أنه غير معقول ولا يدخل وقته قبل الوقت الذي فعله فيه عليه الصلاة والسلام، كما لا يفعل في غير ذلك المكان الذي رمى فيه عليه الصلاة والسلام وإنما رمى عليه الصلاة والسلام في الرابع بعد الزوال فلا يرمي قبله انتهى. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم.
(باب ما جاء أن الإفاضة من جمع قبل طلوع الشمس) الإفاضة الدفعة. 890- حدثنا قُتَيْبةُ حدثنا أبوُ خَالِدٍ الأحْمَرُ عن الأعْمَشِ عن الحَكَمِ عن مِقْسَمٍ عن ابنِ عبّاسٍ: "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أَفَاضَ قَبْلَ طُلُوعِ الشّمْسِ". قال: وفي البابِ عن عُمَر. قال أبو عيسى: حديثُ ابنِ عبّاسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وإنما كانَ أَهْلُ الجَاهِلِيّةِ يَنْتَظِرُونَ حَتّى تَطْلُعَ الشّمْسُ ثُم يُفِيضُونَ. 891- حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا أبُو دَاوُدَ قالَ أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ عن أبي إسْحاقَ قال سَمِعْتُ عَمْروَ بنَ مَيْمُونٍ يحدّث يَقُولُ: "كُنّا وُقُوفاً بِجَمْعٍ فقالَ عُمرُ بنُ الخَطّابِ: إنّ المُشْرِكِينَ كانُوا لا يُفِيضُونَ حتى تَطْلُعَ الشّمْسُ وكانُوا يَقُولُونَ: أشْرِق ثَبِيْر، وإنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خَالَفَهُمْ، فأَفَاضَ عُمَرُ قَبْلَ طُلُوعِ الشّمْسِ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قوله: (أفاض قبل طلوع الشمس) وفي بعض النسخ أفاض من جمع قبل طلوع الشمس. قوله: (وفي الباب عن عمر رضي الله عنه) أخرجه البخاري والأربعة. قوله: (كنا وقوفاً) جمع واقف (بجمع) أي بالمزدلفة (إن المشركين كانوا لا يفيضون) أي من جمع (أشرق) بفتح أوله فعل أمر من الإشراق أي أدخل في الشروق والمشهور أن المعنى لتطلع عليك الشمس (ثبير) بفتح المثلثة وكسر الموحدة جبل معروف هناك وهو على يسار الذاهب إلى منى وهو أعظم جبال مكة عرف برجل من هذيل اسمه ثبير دفن فيه، والحديث فيه مشروعية الدفع من الموقف بالمزدلفة قبل طلوع الشمس عند الإسفار، وقد نقل الطبري الإجماع على أن من لم يقف فيها حتى طلعت الشمس فإنه الوقوف. قال ابن المنذر: وكان الشافعي وجمهور أهل العلم يقولون بظاهر هذا الحديث وما ورد في معناه، وكان مالك يرى أن يدفع قبل الإسفار وهو مردود بالنصوص.
(باب ما جاء أن الجمار التي ترمي مثل حصى الخذف) أي صغاراً كالباقلاء. 892- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ القَطّانُ حدثنا ابنُ جُرَيْجٍ عن أبي الزّبَيْرِ عن جَابِرٍ قالَ: "رَأَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَرْمِي الجِمَارَ بِمِثْلِ حَصَى الخَذْفِ". قال: وفي البابِ عن سُلَيْمانَ بنِ عَمْروِ بنِ الأحْوَصِ عن أُمّه (وهِيَ أُمّ جُنْدُبٍ الأزَدِيةُ) وابنِ عَبّاسٍ والفَضْلِ بنِ عَبّاسٍ وعبدِ الرحمَن بنِ عُثْمانَ التميمي وعَبْدِ الرحمَنِ بنِ مُعَاذٍ. قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وهُوَ الذي اخْتَارَهُ أَهْلُ العِلْمِ أَنْ تَكُونَ الجِمَارُ التي يرْمَى بها مِثْلَ حَصَى الخَذْفِ. قوله: (يرمي الجمار بمثل حصى الحذف) قال العلماء: هو نحو حبة الباقلاء. قاله النووي: وقال: قال أصحابنا: ولو رمى بأكبر منها أو أصغر جاز، وكان مكروهاً انتهى. قوله: (وفي الباب عن سلميان بن عمرو بن الأحوص عن أمه وهي أم جندب الأزدية) صحابية وابنها سليمان كوفي مقبول من الثانية (وابن عباس والفضل جندب الأزدية) صحابية وابنها سليمان كوفي مقبول من الثانية (وابن عباس والفضل ابن عباس وعبد الرحمَن بن عثمان التيمي وعبد الرحمَن بن معاذ) أما حديث أم جندب فأخرجه أبو داود وابن ماجه. وأما حديث ابن عباس فأخرجه النسائي وبان ماجه. وأما حديث الفضل بن عباس فأخرجه مسلم وفيه: عليكم بحصى الخذف الذي ترمي به الجمرة. وفي رواية أخرى له: والنبي صلى الله عليه وسلم يشير بيده كما يخذف الإنسان وأما حديث ابن عباس وحديث عبد الرحمَن بن عثمان وعبد الرحمَن بن معاذ فلينظر من أخرجهم. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم.
893- حدثنا أحمدُ بنُ عَبْدَةَ الضّبّيّ البَصْرِيّ، حدثنا زِيَادُ بنُ عَبْدِ الله عن الحَجّاجِ عن الحَكَمِ عن مِقْسَمٍ عن ابنِ عَبّاسٍ قالَ: "كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَرْمِى الجِمَارَ إذَا زَالَتِ الشّمْسُ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ. قوله: (عن الحجاج) هو ابن دينار الواسطي (عن الحكم) هو ابن عتيبة (عن مقسم) بكسر الميم وسكون القاف ابن بجرة ابن نجدة. قوله: (يرمي الجمار إذا زالت الشمس) أي في غير يوم النحر لما روى مسلم وابن خزيمة وابن حبان من طريق ابن جريج أخبرني أبو الزبير عن جابر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة ضحى يوم النحر وحده، ورمى بعد ذلك بعد زوال الشمس، والحديث يدل على أن السنة أن يرمي الجمار في غير يوم الأضحى بعد الزوال، وبه قال الجمهور، وخالف فيه عطاء وطاوس فقالا: يجوز قبل الزوال مطلقاً، ورخص الحنفية في الرمي في يوم النفر قبل الزوال، وقال إسحاق إن رمى قبل الزوال أعاد إلا في اليوم الثالث فيجزئه انتهى. كذا في فتح الباري: قلت: احتج الحنفية بما رواه البيهقي عن ابن عباس: إذا انتفخ النهار من يوم النفر فقد حل الرمي والصدر. قال الزيلعي في نصب الراية في سنده طلحة بن عمرو ضعفه البيهقي قال والانتفاخ الارتفاع انتهى. والحق ما ذهب إليه الجمهور. وفي الباب عن ابن عمر: كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا. رواه البخاري وأبو داود وعن عائشة قالت: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يوم حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس الحديث. رواه أحمد وأبو داود. وأحاديث الباب كلها ترد على من قال بجواز الرمي قبل الزوال في غير يوم النحر. قوله: (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وابن ماجه أيضاً وإسناد ابن ماجه هكذا: حدثنا جبارة ابن المفلس حدثنا ابراهيم بن عثمان بن أبي شيبة أبو شيبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس.
894- حدثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا يَحْيَى بنُ زَكَرِيّا بنِ أَبي زَائِدَةَ حدثنا الحَجّاجُ عن الحَكَمِ عن مِقْسَمٍ عن ابنِ عَبّاسٍ "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم رَمَى الجمْرةَ يَوْمَ النّحْرِ رَاكِباً". قال: وفي البابِ عن جَابِرٍ وقُدَامَةَ بنِ عبدِ الله وأُمّ سُلَيْمانَ بنِ عَمْرِو بنِ الأحْوَصِ. قال أبو عيسى: حديثُ ابنِ عَبّاسٍ حديثٌ حسنٌ. والعملُ عَلى هذا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ. واخْتَارَ بَعْضُهُمْ أنْ يَمْشِيَ إلى الجِمَارِ، وقد روى عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يمشي إلى الجمار وَوَجْهُ هذا الحَدِيثِ عِنْدَنَا أَنّهُ رَكِبَ في بَعْضِ الأيّامِ لِيُقْتَدَى بِهِ في فِعْلِهِ، وكِلاَ الحَدِيثَيْنِ مُسْتَعْمَلٌ عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ. 895- حدثنا يُوسُفُ بنُ عِيسَى، حدثنا ابنُ نُمَيْرٍ عن عُبَيْدِ الله عن نَافِعٍ عن ابنِ عُمَرَ "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كانَ إذَا رَمَى الجِمَارَ مَشَى إلَيْهِا ذَاهِباً وَرَاجِعاً". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعَمَلُ على هذَا عِنْدَ أكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ. وقالَ بَعْضُهُمْ يَرْكَبُ يَوْمَ النّحْرِ ويَمْشِي في الأيّامِ التي بَعْدَ يَوْمِ النّحْرِ. قال أبو عيسى: وكَأَنّ مَنْ قالَ هذا إنّمَا أَرَادَ اتّبَاعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم في فِعْلِهِ لأنّهُ إنّما رُوِيَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ رَكِبَ يَوْمَ النّحْرِ حَيْثُ ذَهَبَ يَرْمِي الجِمَارَ ولاَ يَرْمِي يَوْمَ النّحْرِ إِلاّ جَمْرَةَ العَقَبَةِ. قوله: (رمى الجمرة) أي جمرة العقبة. قوله (وفي الباب عن جابر) قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر ويقول لتأخذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه. أخرجه أحمد ومسلم والنسائي (وقدامة بن عبد الله) بضم القاف وتخفيف الدال المهملة قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة يوم النحر على ناقة صهباء ليس ضرب ولا طرد وليس قيل إليك إليك. أخرجه الشافعي والترميذي والنسائي وابن ماجه والدارمي (وأم سليمان بن عمرو بن الأحوص) قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة من بطن الوادي وهو راكب يكبر مع كل حصاة الحديث. أخرجه أبو داود وسكت عنه، وأخرجه ابن ماجه بنحوه قال المنذري: وفي إسناده يزيد بن أبي زياد قال: وقد تقدم الكلام عليه. قوله: (حديث ابن عباس حديث حسن) وأخرجه ابن ماجه. قوله: (والعمل عليه عند بعض أهل العلم) قال النووي: مذهب مالك والشافعي وغيرهما أنه يستحب لمن وصل من راكباً أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً، ولو رماها. ماشياً جاز، وأما من وصلها ماشياً فيرميها ماشياً وهذا في يوم النحر، وأما اليومان الأولان من أيام التشريق فالسنة أن يرمي فيهما جميع الجمرات ماشياً وفي اليوم الثالث يرمي راكباً وينفر، هذا كله مذهب مالك والشافعي وغيرهما. وقال أحمد وإسحاق: يستحب يوم النحر أن يرمي ماشياً. قال ابن المنذر: وكان ابن عمر وابن الزبير وسالم يرمون مشاة قال: وأجمعوا على أن الرمي يجزيه على أي حال رماه إذا وقع في المرمى انتهى كلام النووي.
896- حدثنا يُوسُفُ بنُ عِيسى، حدثنا وَكِيعٌ حدثنا المَسْعُودِيّ عن جَامِعِ بنِ شَدّادٍ أَبي صَخْرَةَ عن عَبْدِ الرحمَن بنِ يَزِيدَ قالَ: "لمّا أَتَى عَبْدُ الله جَمْرَةَ العَقَبَةِ اسْتَبْطَنَ الوَاديِ واسْتَقْبَلَ الكَعْبَةَ وجَعَلَ يَرْمِي الجَمْرَةَ على حَاجِبِهِ الأيْمَنِ ثُمّ رَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبّرُ مَعَ كُلّ حَصَاةٍ ثُمّ قالَ: والله الذي لا إلَهَ ألاّ هو مِنْ هَهُنَا رَمَى الّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ البَقَرَةِ". حدثنا هَنّادٌ حدثنا وَكِيعٌ عن المَسْعُودِيّ بهذا الإسْنَادِ نَحْوَهُ. قال: وفي البابِ عن الفَضْلِ ابنِ عَبّاسٍ وابنِ عَبّاسٍ وابنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ. قال أبو عيسى: حديثُ ابنِ مَسْعُودٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعملُ على هذا عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ يَخْتَارُونَ أنْ يَرْمِيَ الرّجُلُ مِنْ بَطْنِ الوَادِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبّرَ مَعَ كُلّ حَصَاةِ. وقد رَخّصَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ إِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَن يَرْمِيَ مِنْ بَطْنِ الوَادِي رَمَى مِنْ حَيْثُ قَدَرَ عَلَيهِ وإنْ لَمْ يَكَنْ في بَطْنِ الوَادِي. 897- حدثنا نَصْرُ بنُ عليَ الجَهْضِميّ و عليّ بنُ خَشْرَمٍ قالا حدثنا عيسى بنُ يُونُسَ عن عُبَيْدِ الله بن أَبي زيادٍ عن القَاسِمِ بنِ مُحَمّدٍ عن عائشةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إِنّما جُعِلَ رَمْيُ الجِمَارِ وَالسّعْيُ بَيْنَ الصّفَا والمَرْوَةِ لإقامَةِ ذِكْرِ الله". قال أبو عيسى: وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قوله: (أخبرنا المسعودي) هو عبد الرحمَن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الكوفي المسعودي صدوق اختلط قبل موته، وضابطه أن من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط مات سنة 160 ستين ومائة. قوله: (لما أتى عبد الله) هو ابن مسعود رضي الله عنه (استبطن الوادي) أي قصد بطن الوادي ووقف في وسطه (واستقبل القبلة) كذا في رواية الترمذي وروى البخاري هذا الحديث وفيه. وجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه، وكذلك رواه مسلم قال الحافظ: ما رواه البخاري هو الصحيح وما رواه الترمذي شاذ في إسناده المسعودي وقد اختلط انتهى (يكبر مع كل حصاة) استدل به على اشتراط رمي الجمرات واحدة واحدة وقد قال صلى الله عليه وسلم "خذوا عني مناسككم"، وخالف في ذلك عطاء وصاحبه أبو حنيفة رحمه الله فقالا لو رمي السبع دفعة واحدة أجزأه (الذي أنزلت عليه سورة البقرة) خص سورة البقرة بالذكر لأن كثيراً من أفعال الحج مذكور فيها فكأنه قال هذا مقام الذي أنزلت عليه أحكام المناسك منبهاً بذلك على أن أفعال الحج توقيفية. وقيل خص البقرة بذلك لطولها وعظم قدرها وكثرة ما فيها من الأحكام، أو أشار بذلك إلى أنه يشرع الوقوف عندها بقدر سورة البقرة والله أعلم. قوله: (وفي الباب عن الفضل بن عباس) أخرجه ابن جرير (وابن عباس) أخرجه ابن خزيمة والطبراني والحاكم والبيهقي كذا في شرح سراج أحمد (وابن عمر رضي الله عنه) أخرجه البخاري (وجابر) أخرجه مسلم ففي حديثه الطويل متى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر فنحر. قوله: (حديث ابن مسعود حسن صحيح) قال الحافظ في الفتح: في إسناده المسعودي وقد اختلط، قال ولفظ واستقبل القبلة فيه شاذ كما عرفت آنفاً. قوله: (يختارون أن يرمي الرجل من بطن الوادي) قال النووي في شرح مسلم: في حديث ابن مسعود استحباب كون الرمي من بطن الوادي فيستحب أن يقف تحتها في بطن الوادي فيجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه ويستقبل العقبة والجمرة ويرميها بالحصيات السبع، وهذا هو الصحيح في مذهبنا وبه قال جمهور العلماء. وقال بعض أصحابنا: يستحب أن يقف مستقبل الجمرة مستديراً مكة. وقال بعض أصحابنا يستحب أن يقف مستقبل الكعبة وتكون الجمرة عن يمينه والصحيح الأول انتهى كلام النووي، قلت: من قال باستحباب استقبال القبلة وكون الجمرة عن اليمين استدل برواية الترمذي بلفظ: واستقبل القبلة وجعل يرمي الجمرة على حاجبه الأيمن. واحتج الجمهور القائلون باستحباب استقبال العقبة والجمرة برواية البخاري ومسلم عن ابن مسعود بلفظ: جعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه. وقالوا إن رواية الشيخين مقدمة على رواية الترمذي (سبع حصيات ويكبر مع كل حصاة) قال النووي: استحباب التكبير مع كل حصاة هو مذهبنا ومذهب مالك والعلماء كافة. قال القاضي: وأجمعوا على أنه لو ترك التكبير لا شيء عليه. قوله: (من ههنا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة) خصها بالذكر لما فيها من أحكام الحج. قوله (وفي الباب عن الفضل بن عباس وابن عباس وابن عمر وجابر) أما حديث الفضل بن عباس فأخرجه أيضاً مسلم وغيره. وأما حديث ابن عمر رضي الله عنه فأخرجه مالك في الموطأ. قوله (حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان. قوله: (إنما جعل رمى الجمار والسعي بين الصفا والمروة لإقامة ذكر الله) أي لأن يذكر الله في هذه المواضع المتبركة فالحذر الحذر من الغفلة، وإنما خصا بالذكر مع أن المقصود من جميع العبادات هو ذكر الله تعالى لأن ظاهرهما فعل لا تظهر فيهما العبادة وإنما فيهما التعبد للعبودية بخلاف الطواف حول بيت الله والوقوف للدعاء فإن أثر العبادة لائحة فيهما كذا في المرقاة. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الدارمي.
898- حدثنا أَحمدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا مَرْوَانُ بنُ مُعَاوَيَةَ عنْ أيْمَنَ بنِ نابِلٍ عنْ قُدَامَةَ بنِ عبدِ الله قالَ: "رَأَيْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَرْمِي الجِمَارَ على ناقَةٍ ليْسَ ضَرْبٌ ولا طَرْدٌ ولا إلَيْكَ إِلَيْكَ". قال: وفي البابِ عَنْ عَبدِ الله بنِ حَنْظَلَةَ. قال أبو عيسى: حَديثُ قُدَامَةَ بنِ عبدِ الله حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وإنّما يُعْرَفُ هذا الحديِثُ مِنْ هذا الوَجْهِ، وهُوَ حديث. وأَيْمَن بن نابِلٍ وهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الحَديثِ. قوله: (عن أيمن) بفتح الهمزة وسكون التحتية وفتح الميم (ابن نابل) بالنون وبالموحدة المكسورة صدوق يهم قاله الحافظ (عن قدامة بن عبد الله) بضم القاف وبالدال المهملة أسلم قديماً وسكن مكة ولم يهاجر وشهد حجة الوداع (ليس) أي هناك (ضرب ولا طرد ولا إليك إليك) أي تنح تنح وهو اسم فعل بمعنى تنح عن الطريق. قوله: (وفي الباب عن عبد الله بن حنظلة) لينظر من أخرجه. قوله: (حديث قدامة بن عبد الله حديث حسن صحيح) وأخرجه الشافعي والنسائي وابن ماجه والدارمي.
(باب ما جاء في الاشتراك في البدنة والبقرة) قال في القاموس: البدنة محركة من الإبل والبقر. وقال في النهاية: البدنة تقع على الجمل والناقة والبقرة وهي بالإبل أشبه. وقال في الفتح: إن أصل البدن من الإبل وألحقت بها البقرة شرعاً. 899- حدثنا قُتَيْبةُ، حدثنا مالكُ بنُ أنَسٍ عنْ أبي الزّبَيْرِ عن جابرٍ قالَ: "نَحَرْنا مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عامَ الحُدَيْبِيّةِ البَقَرَةَ عن سَبْعَةٍ والبَدَنَةَ عن سَبْعَةٍ". قال: وفي البابِ عن ابنِ عُمَرَ وأبي هُرَيْرَةَ وعائشةَ وابنِ عَبّاسٍ. قال أبو عيسى: حديثُ جَابِرٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعملُ على هَذا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ يَرَوْنَ الجَزُورَ عن سَبْعَةٍ والبقَرَةَ عن سَبْعَةٍ. وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثوْرِيّ والشّافِعِيّ وأَحمدَ. ورُوِيَ عنِ ابْنِ عبّاسٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: "أَنّ البَقَرَةَ عن سَبْعَةٍ والجَزُورَ عن عَشرةٍ". وهُوَ قَوْلُ إسحاقَ واحْتَجّ بهذا الحديثِ. وحديثُ ابن عبّاسٍ إنّما نَعْرِفُهُ منْ وجْهِ واحِدٍ. 900- حدثنا الحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ وغَيْرُ واحِدٍ قالُوا حدثنا الفَضْلُ بنُ مُوسى عَنْ حُسَيْنِ بنِ واقِدٍ عنْ عِلْبَاء بنِ أَحْمرَ عن عِكْرِمَةَ عن ابنِ عَبّاسٍ قالَ: "كُنّا مَعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ فَحَضَر الأضْحى فاشْتَرَكْنَا في البَقرَةِ سبْعَةً وفي الجَزُورِ عَشْرَةً". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ وهُوَ حَديثُ حُسَيْنِ بنِ واقِدٍ. قوله: (البقرة عن سبعة والبدنة عن سبعة) وفي رواية لمسلم: اشتركنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحج والعمرة كل سبعة منا في بدنة فقال رجل لجابر: أيشترك في البقر ما يشترك في الجزور فقال: ما هي إلا من البدن. قوله: (وفي الباب عن ابن عمر وأبي هريرة وعائشة وابن عباس) أما حديث ابن عمر وأبي هريرة وعائشة فلينظر من أخرجه. وأما حديث ابن عباس فأخرجه الترمذي في هذا الباب. وفي الباب أيضاً عن حذيفة أنه صلى الله عليه وسلم أشرك بين المسلمين في البقرة عن سبعة رواه أحمد كذا في التلخيص. قوله: (حديث جابر حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم. قوله: (وهو قول سفيان والثوري والشافعي وأحمد) وهو قول الحنفية، واحتجوا بحديث الباب وما في معناه (وروى عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن البقرة عن سبعة والجزور عن عشرة) أسنده الترمذي فيما بعد بقوله حدثنا الحسين بن حريث الخ (وهو قول إسحاق) أي ابن راهويه (واحتج بهذا الحديث) ويشهد له ما في الصحيحين من حديث رافع بن خديج أنه صلى الله عليه وسلم قسم فعدل عشراً من الغنم ببعير.
|