الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***
(باب ما جاء في إشعار البدن) قال الجزري في النهاية: إشعار البدن هو أن يشق أحد جنبي سنام البدئة حتى يسيل دمها ويجعل ذلك لها علامة تعرف بها أنها هدى انتهى. قال الحافظ: وفائدة الإشعار الإعلام بأنها صارت هدياً ليتبعها من يحتاج إلى ذلك، وحتى لو اختلطت بغيرها تميزت أوضلت عرفت أو عطبت عرفها المساكين بالعلامة فأكلوها مع ما في ذلك من تعظيم شعار الشرع وحث الغير عليه. 901- حدثنا أبُو كُرَيْبٍ، حدثنا وَكيعٌ عن هِشَامٍ الدّسْتَوَائِيّ عن قَتَادَةَ عنْ أبي حَسّانَ الأعْرَجِ عن ابنِ عَبّاسٍ: "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَلدَ نَعْلَيْنِ وأَشْعَرَ الهَدْيَ في الشّقّ الأيَمنِ بِذِي الحُلَيْفَةِ وأمَاطَ عَنْهُ الدّمَ". قال: وفي البابِ عنِ المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ. قال أبو عيسى: حديثُ ابنِ عبّاسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وأبُو حَسّانَ الأعْرَجُ اسْمُهُ مُسْلِمٌ. والعملُ على هذا عِنْدَ أهْلِ العِلمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ يَرَوْنَ الإشْعَارَ وهُوَ قَوْلُ الثوْرِيّ والشّافِعِيّ وأحمدَ وإسحاقَ، قالَ سَمِعْتُ يُوسُفَ بنَ عيسى يَقُولُ سَمِعْتُ وَكيعاً يقُولُ (حين رَوَى هذا الحديثَ قال) لا تَنْظُرُوا إلى قَوْلِ أَهْلِ الرّأْيِ في هذا فإنّ الإشْعَارَ سُنّة، وقَوْلَهُمْ بِدْعَةٌ. قالَ وسَمِعْتُ أبا السّائِبِ يقُولُ كُنّا عِنْدَ وكيعٍ فقال: لِرَجُلٍ عنده مِمّنْ يَنْظُرُ في الرّأْي: أشعَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ويقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ مُثْلةٌ. قالَ الرّجُلُ فإنّهُ قد رُوِيَ عنْ إبراهيمَ النّخعّي أنّهُ قالَ الإشْعَارُ مُثْلةٌ. قالَ فرأيتُ وكيعاً غَضِبَ غَضَباً شَدِيداً وقالَ أقُولُ لكَ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وتقُولُ قال إبراهيمُ؟ ما أحَقّكَ بأَنْ تُحْبَسَ ثمّ لا تَخْرُجَ حَتّى تَنْزِعَ عنْ قَوْلِكَ هذا.
قوله: (قلد نعلين) أي علقهما وجعلهما في رقبة الهدى. قال العيني رحمه الله: التقليد هو تعليق نعل أو جلد ليكون علامة الهدى (وأشعر الهدي في شق الأيمن) وفي رواية مسلم: فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن. قال النووي: صفحة السنام جانبه أي في جانب سنامها الأيمن (وأماط عنه الدم) أي مسحه وسلته عنه. والحديث أخرجه مسلم ولفظه هكذا: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بذي الحليفة ثم دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن وسلت الدم وقلدها نعلين ثم ركب راحلته فلما استوت به على البيداء أهل بالحج انتهى. قوله: (وفي الباب عن المسور بن مخرمة) أخرجه البخاري وفي الباب أيضاً عن عائشة أخرجه الشيخان. قوله: (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم. قوله: (اسمه مسلم) أي ابن عبد الله المشهور بكنيته صدوق رمى برأي الخوارج. قوله: (والعمل على هذا عند أهل العلم الخ). قال النووي: في هذا الحديث استحباب الإشعار والتقليد في الهدايا من الإبل، وبهذا قال جماهير العلماء من السلف والخلف. وقال أبو حنيفة: الإشعار بدعة لأنه مثلة وهذا يخالف الأحاديث الصحيحة المشهورة في الإشعار، وأما قوله إنها مثلة فليس كذلك بل هذا كالفصد والحجامة والختان والكي والوسم انتهى. قال الحافظ: وأبعد من منع الإشعار واعتل باحتمال أنه كان مشروعاً قبل النهي عن المثلة فإن النسخ لا يصار إليه بالاحتمال بل وقع الإشعار في حجة الوداع وذلك بعد النهي عن المثلة بزمان. قوله: (قال سمعت يوسف بن عيسى) أي قال أبو عيسى سمعت يوسف بن عيسى وهو من شيوخ الترمذي ثقة فاضل من العاشرة (فقال لا تنظروا إلى قول أهل الرأي في هذا فإن الإشعار سنة وقولهم بدعة) قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي أشار بهذا إلى قول الإمام أبي حنيفة، قيل إن الإشعار عنده مكروه وقيل بدعة انتهى. وقال صاحب العرف الشذي: لفظ أهل الرأي ليس للتوهين بل يطلق على الفقيه إلا أن أول إطلاق هذا اللفظ على أبي حنيفة وأصحابه فإنه أول من دون الفقه قال ثم يستعمل لفظ أهل الرأي في كل فقيه انتهى. قلت: لا شك في أن مراد وكيع بأهل الرأي الإمام أبو حنيفة وأصحابه، يدل على ذلك قول وكيع الاَتي أشعر: رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول أبو حنيفة هو مثله. وقول وكيع هذا وقوله: لا تنظروا إلى قول أهل الرأي الخ كلاهما للإنكار على الإمام أبو حنيفة في قوله الإشعار مثله أو مكروه، فأنكر وكيع بهذين القولين عليه وعلى أصحابه إنكاراً شديداً ورد عليه رداً بليغاً، وظهر من هذين القولين أن وكيعاً لم يكن حنفياً مقلداً للإمام أبي حنيفة، فإنه لو كان حنفياً لم ينكر عليه هذا الإنكار البتة. فبطل قول صاحب العرف الشذي أن وكيعاً كان حنفياً. فإن قلت: قال الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة وكيع: قال يحيى: ما رأيت أفضل منه يعني من وكيع يقوم الليل ويسرد الصوم ويفتي بقول أبي حنيفة انتهى، فقول يحيى هذا يدل على أن وكيعاً كان حنفياً. قلت: المراد بقوله: ويفتي بقول أبي حنيفة هو الإقتناء بجواز شرب نبيذ الكوفيين، فإن وكيعاً كان يشربه ويفتي بجوازه على قول أبي حنيفة. قال الذهبي في تذكرة الحفاظ: ما فيه أي ما في وكيع إلا شربه نبيذ الكوفيين وملازمته له جاء ذلك من غير وجه عنه انتهى. والحاصل أن المراد بقوله: يفتي بقول أبي حنيفة الخصوص لا العموم، ولو سلم أن المراد به العموم فلا شك أن المراد أنه كان يفتي بقول أبي حنيفة الذي ليس مخالفاً للحديث والدليل على ذلك قولاه المذكوران. وأما قول صاحب العرف الشذي: لفظ أهل الرأي يطلق على الفقيه وقوله يستعمل في كل فقيه ففيه أن هذا اللفظ لا يطلق على كل فقيه كما بيناه في المقدمة (فإن الإشعار سنة وقولهم بدعة) يعني أن الإشعار ثابت من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما قول أهل الرأي بأن الإشعار مثلة فهو بدعة لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ولم يفهم صاحب العرف الشذي معنى هذه الجملة حيث قال: قوله بدعة الخ لم يصرح وكيع بأن هذا قول أبي حنيفة، وإذا ذكر قوله لم يقله بدعة إلا أنه لم يرض به انتهى كلامه بلفظه (ويقول أبو حنيفة هو مثلة) قال في النهاية: يقال مثّلت بالحيوان أمثل به مثلاً، إذا قطعت أطرافه، وشوهت به، ومثلت بالقتيل إذا جدعت أنفه أو أذنه أو مذاكيره أو شيئاً من أطرافه، والاسم المثلة انتهى. ومعنى قول أبي حنيفة هو مثلة أي الإشعار داخل في المثلة والمثلة حرام فالإشعار حرام، ولا شك أن هذا القول مخالف لحديث الباب. والظاهر عندي أنه لم يبلغه رحمه الله تعالى. وأما العذر الذي ذكره الطحاوي وغيره فهو عندي بارد والله تعالى أعلم. (ما أحقك بأن تحبس) بصيغة المجهول، وما أحقك فعل التعجب (حتى تنزع عن قولك هذا) أي ترجع عنه، وإنما غضب وكيع على ذلك الرجل الذي كان ينظر في الرأي لأنه عارض الحديث النبوي بقول ابراهيم النخعي. وذكر صاحب العرف الشذي أن الإمام أبا يوسف قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب الدباء فقال رجل إني لا أحبه فأمر أبو يوسف بقتل ذلك الرجل.
902- حدثنا قُتَيْبَةُ و أبُو سَعيدٍ الأشَجّ قالا: حدثنا يحيى بنُ اليَمانِ عنْ سُفْيانَ عن عُبَيْدِ الله عنْ نَافَعٍ عن ابنِ عُمَرَ "أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم اشْتَرَى هَدْيَهُ مِنْ قُدَيْدٍ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ مِنْ حَديثِ الثّوْرِيّ إِلاّ مِنْ حَديثِ يَحْيى بنِ اليَمانِ. ورُوِيَ عنْ نَافِعٍ أنّ ابنَ عُمَرَ اشْتَرَى مِنْ قُدَيْدٍ. قال أبو عيسى: وهذا أصَحّ. قوله: (حدثنا ابن اليمان) اسمه يحيى العجلي الكوفي صدوق عابد يخطئ كثيراً وقد تغير من كبار التاسعة (عن عبيد الله) هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني أبو عثمان ثقة ثبت قدمه أحمد بن صالح على مالك بن نافع. قوله: (اشترى هديه من قديد) قال في النهاية: قديد مصغراً وهو موضع بين مكة والمدينة انتهى. قوله: (لا نعرفه من حديث الثوري إلا من حديث يحيى بن اليمان) وقد عرفت حاله (وهذا أصح) أي هذا الموقوف من المرفوع الذي رواه يحيى بن اليمان عن الثوري.
(باب ما جاء في تقليد الهدي للمقيم) أي من غير أن يتلبس بالإحرام. والهدي ما يهدي إلى الكعبة من النعم لتنحر به، وتقليدها أن يجعل في رقابها شيء كالقلادة من لحاء الشجرة أو الصوف ونحو ذلك ليعلم أنها هدي. 903- حدثنا قُتَيْبةُ، اللّيْثُ عن عبدِ الرحمَنِ بنِ القاسمِ عن أبيهِ عنْ عَائِشَةَ أَنّهَا قالتْ: "فَتَلْتُ قَلاَئِدَ هَدْيِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ثمّ لَمْ يُحْرِمْ ولَمْ يَتْرُكْ شَيْئاً مِنَ الثّيَابِ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعملُ على هذا عندَ بَعْض أهلِ العلمِ. قالوا: إِذَا قَلّدَ الرّجُلُ الهَدْيَ وهُوَ يُريدُ الحَجّ لَمْ يَحْرُمْ عليهِ شيءٌ مِنَ الثّيَابِ والطّيبِ حتّى يُحْرِمَ. وقال بعضُ أهلِ العلمِ: إِذَا قَلّدَ الرّجُلُ هَدْيَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ مَا وجَبَ على المُحرِمِ. قوله: (فتلت قلائد هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم) قلائد جمع قلادة وهي ما تعلق بالعنق (ثم لم يحرم) أي لم يصر محرماً (ولم يترك شيئاً من الثياب) أي التي أحلها الله له، وفي رواية للبخاري من طريق عمرة بنت عبد الرحمَن أن زياد بن أبي سفيان كتب إلى عائشة أن عبد الله بن عباس قال: من أهدى هدياً حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر هديه، قالت عمرة فقالت عائشة ليس كما قال ابن عباس، أنا فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ثم قلدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه ثم بعث بها مع أبي فلم يحرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء أحله الله حتى نحر الهدي انتهى. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان. قوله: (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم قالوا إذا قلد الرجل الهدى وهو يريد الحج الخ) قال النووي: من بعث هديه لا يصير محرماً ولا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم وهذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة انتهى. (وقال بعض أهل العلم: إذا قلد الرجل الهدي فقد وجب عليه ما وجب على المحرم) وبه قال ابن عباس، وقد ثبت ذلك عن جماعة من الصحابة منهم ابن عمر. رواه ابن أبي شيبة عن ابن علية عن أيوب وابن المنذر من طريق ابن جريج كلاهما عن نافع: أن ابن عمر كان إذا بعث بالهدى يمسك عما يمسك عنه المحرم إلا أنه لا يلبي. ومنهم قيس بن سعد بن عبادة، أخرج سعيد بن منصور عن طريق سعيد بن المسيب نحو ذلك، وروى ابن أبي شيبة عن عمر وعلي أنهما قالا في الرجل يرسل ببدنة: أنه يمسك عما يمسك عنه المحرم وهذا منقطع. قال ابن المنذر: قال عمر وعلي وابن عمر وابن عباس والنخعي وعطاء وابن سيرين وآخرون: من أرسل الهدى وأقام حرم عليه ما يحرم على المحرم. وقال ابن مسعود وعائشة وأنس وابن الزبير وآخرون: لا يصير بذلك محرماً وإلى ذلك صار نقهاء الأمصار واحتج من قال بأنه يجب عليه ما يجب على المحرم بما رواه الطحاوي وغيره من طريق عبد الملك بن جابر عن أبيه قال: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقد قميصه من جيبه حتى أخرجه من رجليه وقال: إني أمرت ببدني التي بعثت بها أن تقلد اليوم وتشعر على مكان كذا فلبست قميصي ونسيت فلم أكن لأخرج قميصي من رأسي الحديث. وهذا لا حجة فيه لضعف إسناده كذا في فتح الباري. والمذهب القوي هو أن باعث الهدى لا يصير محرماً لثبوته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسانيد صحيحة، وما ذهب إليه ابن عباس وغيره لم يثبت عنه بسند صحيح والله تعالى أعلم.
904- حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا عبدُ الرحمَن بنُ مَهْدِيَ عنْ سُفْيَانَ عنْ مَنْصُورٍ عنْ إبراهيمَ عنِ الأسْوَدِ عنْ عائشةَ قالَتْ: "كُنتُ أَفْتِلُ قَلاَئِدَ هَدْيِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كُلّها غَنَماً ثمّ لا يُحْرِمُ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعملُ على هذا عندَ بَعْضِ أَهْلِ العلمِ مِنْ أَصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ يَرَوْنَ تَقلِيدَ الغَنَمِ. قوله: (كنت أفتل قلائد هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها) بالنصب تأكيد للقلائد أو بالجر تأكيد لهدى (غنماً) حال عن الهدى إلا أنه اشترط في الحال من المضاف إليه صحة وضعه موضع المضاف، وهو ههنا مفقود إلا على قول من قال: إذا كان المضاف مثل جزء المضاف إليه مطلقاً فحينئذ لا إشكال، كذا في شرح الترمذي لأبي الطيب. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة: قوله: (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم الخ) وهو قول الكثيرين، قال النووي: في حديث عائشة دلالة لمذهبنا ومذهب الكثيرين أنه يستحب تقليد الغنم. وقال مالك وأبو حنيفة: لا يستحب بل خصا التقليد بالإبل والبقر، وهذا الحديث صريح في دلالته عليهما انتهى. وقال ابن المنذر: أنكر مالك وأصحاب الرأي تقليد الغنم ولم نجد لهم حجة إلا قول بعضهم إنها تضعف عن التقليد وهو حجة ضعيفة لأن المقصود من التقليد العلامة وقد اتفقوا على أنها لا تشعر لأنها تضعف عنه فتقلد بما لا يضعفها والحنفية في الأصل يقولون ليست الغنم من الهدى فالحديث حجة عليهم من جهة أخرى انتهى.
(باب ما جاء إذا عطب الهدي ما يصنع به) عطب كفرح هلك، والمراد قرب هلاكها حتى خيف عليها الموت. 905- حدثنا هارُونَ بنُ إسحاقَ الهَمْدَانِيّ، حدثنا عَبْدَةُ بنُ سُلَيمْانَ عن هِشامِ بنِ عُرْوَةَ عن أبيهِ عَنْ ناجِيَةَ الخُزَاعِيّ صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قُلْتُ يا رسولَ الله كَيْفَ أصْنَعُ بما عَطِبَ مِنَ العبد له؟ قال انْحَرْها ثمّ اغْمِسْ نَعْلهَا في دَمِهَا ثُمّ خلّ بَيْنَ النّاسِ وبَيْنَها فيَأْكْلُوهَا". وفي البابِ عن زوَيْبٍ أبي قَبِيصَةَ الخُزَاعِيّ. قال أبو عيسى: حديثُ ناجِيَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعَملُ على هَذا عندَ أهْلِ العلمِ قالُوا (في هَدْيِ التّطَوّعِ: إِذَا عَطِبَ) لا يأْكلُ هُوَ ولا أحَدٌ مِنْ أهْلِ رُفْقَتِهِ ويُخَلّى بَيْنَهُ وبَيْنَ النّاسِ يأْكُلُونَهُ، وقد أجْزَأ عَنْهُ. وهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ وأحمدَ وإسحاقَ وقالوا: إنْ أَكلَ مِنْهُ شَيْئاً غَرِمَ بقدر ما أَكلَ مِنْهُ. وقالَ بعضُ أهْلِ العِلْمِ إذَا أكلَ مِنْ هَدْيِ التّطَوّعِ شَيْئاً فَقَدْ ضَمِنَ الذي أَكل. قوله: (عن ناجية الخزاعي) هو ابن جندب بن كعب وقيل ابن كعب بن جندب صحابي تفرد بالرواية عنه عروة بن الزبير. قال السيوطي: ليس له في الكتب إلا هذا الحديث وكان اسمه ذكوان فسماه النبي صلى الله عليه وسلم ناجية حين نجا من قريش، واسم أبيه جندب وقيل كعب انتهى. قوله: (كيف أصنع بما عطب) قال في النهاية: عطب الهدي هلاكه وقد يعبر عن آفة تعتريه وتمنعه عن السير فينحر انتهى. (ثم أغمس نعلها) إنما يفعل ذلك لأجل أن يعلم من مر به أنه هدي فيأكله (ثم خل بين الناس وبينها فيأكلوها) وفي حديث ذويب أبي قبيصة: ولا تطعمها أنت ولا أحد من أهل رفقتك. قال النووي: وفي المراد بالرفقة وجهان لأصحابنا أحدهما الذين يخالطون المهدي في الأكل وغيره دون باقي القافلة، والثاني وهو الأصح الذي يقتضيه ظاهر نص الشافعي وجمهور أصحابنا أن المراد بالرفقة جميع القافلة، لأن السبب الذي منعت به الرفقة هو خوف تعطيبهم إياه وهذا موجود في جميع القافلة، فإن قيل إذا لم تجوزوا لأهل الرفقة أكله وقلتم بتركه في البرية كان طعمة للسباع وهذا إضاعة مال، قلنا ليس فيه إضاعة بل العادة الغالبة أن سكان البوادي يتتبعون منازل الحجيج لالتقاط ساقطة ونحو ذلك، وقد تأتي قافلة إثر قافلة، والرفقة بضم الراء وكسرها لغتان مشهورتان انتهى. قوله: (وفي الباب عن ذويب أبي قبيصة الخزاعي) أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث معه بالبدن ثم يقول إن عطب منها شيء فخشيت عليها موتاً فانحرها ثم اغمس نعلها في دمها ثم اضرب به صفحتها ولا تطعمها أنت ولا أحد من أهل رفقتك، قوله: (حديث ناجية حديث حسن صحيح) قال في المنتقى: رواه الخمسة إلا النسائي. قوله: (ويخلي بينه وبين الناس) أي يترك بينه وبين الناس (يأكلونه) قال النووي: ولا يجوز للأغنياء الأكل منه مطلقاً لأن الهدي مستحق للمساكين فلا يجوز لغيرهم انتهى. وقال القاري في شرح الموطأ لمحمد: اعلم أن هدي التطوع إذا بلغ الحرم يجوز لصاحبه وغيره من الأغنياء لأن القربة فيه بالإراقة إنما يكون في الحرم وفي غيره التصدق انتهى، (وقد أجزأ عنه) أي لا بدل عليه (وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وقالوا: إن أكل منه شيئاً غرم مقدار ما أكل منه) أي تصدق قيمة ما أكل منه من الغرم وهو أداء شيء لازم. قال سعيد بن المسيب: إنه كان يقول من ساق بدنة تطوعاً ثم عطبت فنحرها فليجعل قلادتها ونعلها في دمها ثم يتركها للناس يأكلونها وليس عليه شيء، فإن هو أكل منها أو أمر بأكلها فعليه الغرم. رواه محمد في الموطأ وقوله فعليه الغرم بضم الغين أي الغرامة وهي قيمة ما أكل (وقال بعض أهل العلم إذا أكل من هدي التطوع شيئاً فقد ضمن) أي عليه البدل، وهذا خلاف مذهب الجمهور. قال عياض: فما عطب من هدي التطوع لا يأكل منه صاحبه ولا سائقه ولا رفقته لنص الحديث، وبه قال مالك والجمهور وقالوا: لا بدل عليه لأنه موضع بيان. ولم يبين صلى الله عليه وسلم بخلاف الهدي الواجب إذا عطب قبل محله فيأكل منه صاحبه والأغنياء لأن صاحبه يضمنه لتعلقه بذمته، قاله الزرقاني.
906- حدثنا قُتَيْبةُ، حدثنا أبُو عَوَانَةَ عنْ قَتَادَةَ عن أنس "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم رَأى رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً قالَ لهُ ارْكَبْها، فقال يا رسولَ الله إنّها بَدَنَةٌ. فقال لهُ في الثّالِثَةِ أوْ في الرّابِعَةِ: ارْكَبْها وَيْحَكَ أوْ وَيْلَكَ". قال: وفي البابِ عن علي وأبي هُرَيْرَةَ وجابِرٍ. قال أبو عيسى: حديثُ أنَسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقد رَخّصَ قَوْمٌ مِنْ أهْلِ العِلمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ في رُكُوبِ البَدَنَةِ إذَا احْتَاجَ إلى ظَهْرِها. وهُوَ قَوْلُ الشّافِعيّ وأحمدَ وإسحاقَ. وقالَ بَعْضُهُمْ: لا يَرْكَبْ مالَمْ يُضْطَر إليها. قوله: (رأى رجلاً) قال الحافظ: لم أقف على اسمه بعد طول البحث (يسوق بدنة) بفتح الموحدة والدال والنون وفي رواية لمسلم: مقلدة وكذا في رواية للبخاري (فقال يا رسول الله إنها بدنة) أراد أنها بدنة مهداة إلى البيت الحرام، ولو كان مراده الإخبار عن كونها بدنة لم يكن الجواب مفيداً لأن كونها من الإبل معلوم، فالظاهر أن الرجل ظن أنه خفي على النبي صلى الله عليه وسلم كونها هدياً فقال إنها بدنة. قال في الفتح: والحق أنه لم يخف ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم لكونها كانت مقلدة، ولهذا قال لما زاد في مراجعته ويلك (ويحك أو ويلك) شك من الراوي. قال الجزري في النهاية: ويح كلمة ترحم وتوجع تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها، وقد يقال بمعنى المدح والتعجب وهي منصوبة على المصدر وقد ترتفع وتضاف ولا تضاف، يقال ويح زيد وويحاله وويح له انتهى. وقال: الويل الحزن والهلاك والمشقة من العذاب، وكل من وقع في هلكة دعا بالويل، ومعنى النداء فيه: يا حزني ويا هلاكي ويا عذابي أحضر، فهذا وقتك وأوانك، فكأنه نادى الويل أن يحضره لما عرض له من الأمر الفظيع، قال وقد يرد الويل بمعنى التعجب. قوله: (وفي الباب عن علي وأبي هريرة وجابر) أما حديث علي فأخرجه أحمد عنه أنه سئل: أيركب الرجل هديه؟ فقال لا بأس به، قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالرجال يمشون فيأمرهم بركوب هديه. قال لا تتبعون شيئاً أفضل من سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي بنحو حديث أنس المذكور في الباب. وأما حديث جابر فأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عنه أنه سئل عن ركوب الهدي فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهراً". قوله: (حديث أنس حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان. قوله: (وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق) وحكى ابن عبد البر عن الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأكثر الفقهاء كراهة ركوبه لغير حاجة. ونقل الطحاوي عن أبي حنيفة جواز الركوب مع الحاجة ويضمن ما نقص منها بالركوب، والطحاوي أقعد بمعرفة مذهب أمامه وقد وافق أبا حنيفة الشافعي على ضمان النقص في الهدى الواجب. كذا في النيل، وقال بعضهم: لا يركب ما لم يضطر إليه. قال في النيل: وقيد بعض الحنفية الجواز بالاضطرار ونقله ابن أبي شيبة عن الشعبي، وحكى ابن المنذر عن الشافعي أنه يركب إذا اضطر ركوباً غير قادح، وحكى ابن العربي عن مالك أن يركب للضرورة فإذا استراح نزل يعني إذا انتهب ضرورته، والدليل على اعتبار الضرورة ما في حديث جابر المذكورة من قوله صلى الله عليه وسلم: "اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها".
907- حدثنا أَبُو عَمّار الحسين بن حريث، حدثنا سُفْيانُ بنُ عُيَيْنَةَ عن هِشامِ بنِ حَسّانَ عن ابنِ سِيرينَ عن أنَسِ بنِ مالكٍ قالَ: "لمّا رَمَى النبي صلى الله عليه وسلم الجَمْرَةَ نَحَرَ نُسُكَهُ ثمّ ناوَلَ الحالِقَ شِقّهُ الأيْمَنَ فَحَلَقَهُ فأَعْطَاهُ أبا طَلْحَةَ، ثمّ ناوَلهُ شِقّهُ الأيْسَرَ فَحَلَقهُ فقال اقْسِمْهُ بيْنَ النّاسِ". حدثنا ابنُ أبي عُمَرَ حدثنا سُفْيَانُ عَن هِشامٍ نَحْوَهُ. قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قوله: (نحر نسكه) جمع نسيكة بمعنى ذبيحة. قال في النهاية: نسك ينسك نسكاً إذا ذبح، والنسيكة الذبيحة (ثم ناول الحالق شقه الأيمن) فيه استحباب البداءة في حلق الرأس بالشق الأيمن من رأس المحلوق وهو مذهب الجمهور. وقال أبو حنيفة: يبدأ بجانبه الأيسر لأنه على يمين الحالق والحديث يرد عليه. والظاهر أن هذا الخلاف يأتي في قص الشارب قاله الشوكاني (فأعطاه) أي الشعر المحلوق (فقال اقسمه بين الناس) فيه مشروعية التبرك بشعر أهل الفضل ونحوه وفيه دليل على طهارته شعر الاَدمي وبه قال الجمهور. قوله: (هذا حديث حسن) وأخرجه البخاري ومسلم. تنبيه: ذكر صاحب العرف الشذي ههنا قصة الإمام أبي حنيفة والحجام المشهورة فقال: إن أبا حنيفة لما ذهب حاجاً ففرغ عن حجته وأراد الحلق فاستدبر القبلة، قال الحالق: استقبلها، ثم بدأ أبو حنيفة باليسار، قال الحالق ابدأ باليمين، ثم بعد الحلق أخذ أبو حنيفة أن يقوم وما دفن الأشمار، قال الحلق ادفنها، فقال أبو حنيفة: أخذت ثلاثة مسائل من الحالق، ثم قال هذه الحكاية ثبوتها لا يعلم انتهى كلامه بلفظه. قلت: قال الحافظ بن حجر في التلخيص: وهي قصة مشهورة أخرجها ابن الجوزي في مثير العزم الساكن بإسناده إلى وكيع عنه انتهى. وقال الرافعي: وإذا حلق فالمستحب أن يبدأ بالشق الأيمن ثم الأيسر، وأن يكون مستقبل القبلة، وأن يكبر بعد الفراغ، وأن يدفن شعره انتهى كلام الرافعي. قال الحافظ في التلخيص: أما البداءة ففي الصحيحين عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى جمرة العقبة فرماها ثم أتى منزله بمنى ونحر ثم قال للحلاق "خذ" وأشار إلى جانبه الأيمن فلما فرغ منه قسم شعره بين من يليه ثم أشار إلى الحلاق فحلق الأيسر الحديث. وأما استقبال القبلة فلم أره في هذا المقام صريحاً وقد استأنس له بعضهم بعموم حديث ابن عباس مرفوعاً: خير المجالس ما استقبلت به القبلة. أخرجه أبو داود وهو ضعيف. وأما التكبير بعد الفراغ فلم أره أيضاً. وأما دفن الشعر فقد سبق في الجنائز ولعل الرافعي أخذه من قصة أبي حنيفة عن الحجام ففيها أنه أمره أن يتوجه قبل القبلة، وأمره أن يكبر وأمره أن يدفن وهي مشهورة إلى آخر ما نقلنا آنفاً.
908- حدثنا قُتَيْبةُ، حدثنا اللّيْثُ عن نَافِعٍ عن ابنِ عُمَرَ قالَ: "حَلَقَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وحَلَقَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وقَصّرَ بَعْضُهُمْ قالَ ابنُ عُمَرَ إِنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "رَحِمَ الله المُحَلّقِينَ مَرّةً أَوْ مَرّتَيْنِ ثُمّ قالَ والمُقَصّرِينَ". قال: وفي البابِ عن ابنِ عبّاسٍ وابنِ أُمّ الحُصَيْنِ ومَارِبَ وأَبي سَعِيدٍ وأَبي مَرْيَمَ وحُبْشِيّ بنِ جُنَادَةَ وأَبي هُرَيْرَةَ. قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ والعملُ على هذَا عِنْدَ أهلِ العِلمِ يَخْتَارُونَ أَنْ يَحْلقَ رَأْسَهُ وإن قَصّرَ، يَرَوْنَ أَنّ ذَلِكَ يجزئ عَنْهُ. وهُوَ قَوْلُ سُفْيانَ الثّوْرِيّ والشّافِعيّ وأَحمدَ وإسحاقَ. قوله: (قال رحم الله المحلقين مرة أو مرتين الخ) لفظ حديث أبي هريرة عند الشيخين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم اغفر للمحلقين"، قالوا يا رسول الله وللمقصرين، قال "اللهم اغفر للمحلقين قالوا يا رسول الله وللمقصرين". والحديث يدل على أن الحلق أفضل من التقصير لتكريره صلى الله عليه وسلم الدعاء للمحلقين وترك الدعاء للمقصرين في المرة الأولى والثانية مع سؤالهم له ذلك. وظاهر صيغة المحلقين أنه يشرع حلق جميع الرأس لأنه الذي تقتضيه الصيغة إذ لا يقال لمن حلق بعض رأسه أنه حلقه إلا مجازاً. وقد قال بوجوب حلق الجميع أحمد ومالك واستحبه الكوفيون والشافعي ويجزيء البعض عندهم، واختلفوا في مقداره فعن الحنفية الربع إلا أن أبا يوسف قال النصف، وعن الشافعي أقل ما يجب حلق ثلاث شعرات، وفي وجه لبعض أصحابه شعرة واحدة وهكذا الخلاف في التقصير، كذا في النيل. قوله: (وفي الباب عن ابن عباس وابن أم الحصين ومارب وأبي سعيد وأبي مريم وحبشي بن جنادة وأبي هريرة) أما حديث ابن عباس فأخرجه ابن ماجه. وأما حديث ابن أم الحصين فلم أقف عليه، نعم أخرج مسلم عن أم الحصين مرفوعاً وفيه: دعا للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين مرة واحدة. وأما حديث مارب ويقال له قارب فأخرجه ابن مندة في الصحابة. وأما حديث أبي سعيد فأخرجه ابن أبي شيبة. وأما حديث أبي مريم فأخرجه أحمد في مسنده. وأما حديث حبشي بن جنادة فأخرجه ابن أبي شيبة. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان. وقد ذكر العيني في عمدة القاري ألفاظ حديث هؤلاء الصحابة مع تراجمهم رضي الله عنهم. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما. قوله: (هو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق) قال الحافظ في الفتح: في حديث الباب من الفوائد أن التقصير يجزئ عن الحلق وهو مجمع عليه انتهى.
909- حدثنا محمدُ بنُ مُوسَى الجُرَشِيّ البَصْرِيّ حدثنا أبو دَاوُدَ الطّيَالِسِيّ حدثنا هَمّامٌ عن قَتَادَةَ عن خِلاَسِ بنِ عَمْرٍو عن عَلِيَ قالَ: "نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ تَحْلقَ المَرْأَةُ رَأسَهَا". 910- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا أبو دَاوُدَ عن هَمّامٍ عن خِلاَسٍ نَحْوَهُ ولمَ يَذْكُرْ فيهِ (عن عَلِي). قال أبو عيسى: حديثُ عَلِي فيهِ اضْطِرَابٌ. وَرُوِيَ هذا الحَدِيثُ عن حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ عن قَتَادَةَ عن عَائِشَةَ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أنْ تَحْلِقَ المَرْأَةُ رَأْسَهَا. والعملُ على هذا عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ لا يَرَوْنَ على المرأَةِ حَلْقاً، ويَرَوْنَ أنّ عَلَيْهَا التّقْصِيرَ. قوله: (عن خلاس) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام (ابن عمرو) الهجري البصري ثقة (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها) أي في التحلل أو مطلقاً وفيه دليل على أنه لا يجوز الحلق للنساء في التحلل، بل المشروع لهن التقصير. قوله: (حديث علي فيه اضطراب) فإنه رواه همام عن قتادة عن خلاس بن عمرو مرة مسنداً بذكر علي ومرة مرسلاً من غير ذكر علي، ورواه حماد بن سلمة عن قتادة عن عائشة. وقال عبد الحق في أحكامه: هذا حديث يرويه همام عن يحيى عن قتادة عن خلاس بن عمرو عن علي، وخالفه هشام الدستوائي وحماد بن سلمة فروياه عن قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً انتهى. وفي الباب عن ابن عباس مرفوعاً: ليس على النساء الحلق إنما على النساء التقصير. أخرجه أبو داود والدارقطني والطبراني، وقد قوى إسناده البخاري في التاريخ وأبو حاتم في العلل وحسنه الحافظ وأعله ابن القطان ورد عليه ابن الموفق فأصاب كذا في النيل. وفي الباب أيضاً عن عائشة من وجه آخر أخرجه البزار وهو ضعيف، وعن عثمان رضي الله عنه أخرجه البزار وهو أيضاً ضعيف. قوله: (والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون على المرأة حلقاً ويرون أن عليها التقصير) وحكى الحافظ في الفتح الإجماع على ذلك.
911- حدثنا سَعِيدُ بنُ عَبْدِ الرحمَنِ المَخْزُومِيّ و ابنُ أبي عُمَرَ قالاَ: أخبرنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عن الزّهْرِيّ عن عِيسَى بنِ طَلْحَةَ عن عَبْدِ الله بنِ عَمْروِ "أَنّ رَجُلاً سَأَلَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: حَلَقْتُ قَبْلَ أنْ أَذْبَحَ: فقالَ اذبَحْ ولا حَرَجَ، وسَأَلَهُ آخَرُ فقالَ نَحَرْتُ قَبْلَ أنْ أرْمِيَ قالَ ارْمِ ولاَ حَرَجَ". قال: وفي البابِ عن عَلِي وجَابرٍ وابنِ عبّاسٍ وابنِ عُمَرَ وأُسَامَةَ بنِ شَرِيكٍ. قال أبو عيسى: حدِيثُ عبدِ الله بنِ عَمْروٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعملُ على هذا عِنْدَ أكثرِ أهْلِ العِلمِ وهُوَ قَوْلُ أحمدَ وإسحاقَ. وقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلمِ إذا قَدّمَ نُسُكاً قَبْل نُسُكٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ. قوله: (فقال اذبح ولا حرج الخ) أي لا ضيق عليك في ذلك. اعلم أن وظائف يوم النحر بالاتفاق أربعة أشياء: رمي جمرة العقبة ثم نحر الهدي أو ذبحه ثم الحلق أو التقصير ثم طواف الإفاضة. وقد أجمع العلماء على مطلوبية هذا الترتيب، واختلفوا في جواز تقديم بعضها على بعض، فأجمعوا على الإجزاء في ذلك إلا أنهم اختلفوا في وجوب الدم في بعض المواضع، والظاهر جواز تقديم بعضها على بعض وعدم وجوب الدم، فإن قوله صلى الله عليه وسلم لا حرج ظاهر في رفع الإثم والفدية معاً لأن اسم الضيق يشملهما وهو مذهب الشافعي وجمهور السلف والعلماء وفقهاء أصحاب الحديث. قوله: (وفي الباب عن علي) أخرجه أحمد والترمذي (وجابر) أخرجه ابن جرير (وابن عباس) أخرجه الشيخان (وابن عمر) أخرجه البزار (وأسامة بن شريك) أخرجه أبو داود. قوله: (حديث عبد الله بن عمرو حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان. قوله: (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق الخ) قال الطيبي رحمه الله: أفعال يوم النحر أربعة: رمي جمرة العقبة، ثم الذبح، ثم الحلق، ثم طواف الإفاضة، فقيل هذا الترتيب سنة وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق لهذا الحديث يعني لحديث عبد الله بن عمرو فلا يتعلق بتركه دم. وقال ابن جبير إنه واجب وإليه ذهب جماعة من العلماء، وبه قال أبو حنيفة ومالك وأولوا قوله: ولا حرج- على دفع الإثم لجله دون الفدية انتهى. قال القاري: ويدل على هذا أن ابن عباس روى مثل هذا الحديث وأوجب الدم. فلولا أنه فهم ذلك وعلم أنه المراد لما أمر بخلافه انتهى كلام القاري. قلت: احتج الطحاوي بقول ابن عباس: من قدم شيئاً من نسكه أو أخره فليهرق لذلك دماً. قال وهو أحد من روى: أن لا حرج. فدل على أن المراد بنفي الحرج نفي الإثم فقط وأجيب بأن الطريق بذلك إلى ابن عباس فيها ضعف فإن ابن أبي شيبة أخرجها وفيها ابراهيم بن مهاجر وفيه مقال، وعلى تقدير الصحة فيلزم من يأخذ بقول ابن عباس أن يوجب الدم في كل شيء من الأربعة المذكورة ولا يخصه بالحلق قبل الذبح أو قبل الرمي.
(باب ما جاء في الطيب عند الإحلال قبل الزيارة) أي قبل طواف الزيارة. 912- حدثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا هُشَيمٌ أخبرنا مَنْصُورُ (يعني بن زَاذَانَ) عن عبدِ الرحمَنِ بنِ القاسِمِ عن أبِيهِ عن عَائِشَةَ قَالَتْ "طَيّبْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أنْ يُحْرِمَ ويَوْمَ النّحْرِ قَبْلَ أنْ يَطُوفَ بالبَيْتِ بطيبٍ فيهِ مِسْكٌ". وفي البابِ عن ابنِ عَبّاسٍ. قال أبو عيسى: حديثُ عَائِشَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعملُ على هذا عِنْدَ أكْثَرِ أهْلِ العِلمِ مِنْ أصحْابِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ يَرَوْنَ أنّ المُحْرِمَ إذَا رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ يَوْمَ النّحْرِ وذَبَحَ وحَلَقَ أوْ قَصّرَ فَقَدْ حَلّ لَهُ كُلّ شَيْءٍ حَرُمَ عَلَيْهِ إلاّ النّسَاءُ. وهُوَ قَوْلُ الشّافِعيّ وأحمدَ وإسحاقَ. وقد رُوِيَ عن عُمَرَ بنِ الخَطّابِ أنّهُ قَالَ: حَلّ لَهُ كلّ شَيْءٍ إلاّ النّسَاءَ والطّيبَ. وقد ذَهَبَ بَعْضُ أهْل العِلمِ إلى هذا مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهم وهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الكُوفَةِ. 7 قوله: (ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت بطيب الخ) هذا دليل صريح على أنه يجوز استعمال الطيب يوم النحر قبل الطواف بالبيت. وهو الراجح المعول عليه (وفي الباب عن ابن عباس) قال إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء، فقال له رجل يا ابن عباس والطيب؟ فقال أما أنا فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضمخ رأسه بالمسك، أفطيب ذلك أم لا؟ أخرجه النسائي وابن ماجه. قوله: (وهو الشافعي وأحمد وإسحاق) وهو قول الحنفية. قوله: (وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: حل له كل شيء إلا النساء والطيب) أخرجه محمد في الموطأ بلفظ: من رمى الجمرة ثم حلق أو قصر ونحر هدياً إن كان معه حل له ما حرم عليه في الحج إلا النساء والطيب حتى يطوف بالبيت (وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم) وبه قال ابن عمر رضي الله عنه وهو قول مالك (وهو قول أهل الكوفة) ليس المراد بأهل الكوفة الإمام أبا حنيفة لأن مذهبه في هذا الباب هو ما ذهب إليه الشافعي وأحمد وإسحاق. قال محمد في الموطأ بعد رواية أثر عمر رضي الله عنه المذكور: هذا قول عمر وابن عمر، وقد روت عائشة خلاف ذلك قالت: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين بعد ما حلق قبل أن يزور البيت، فأخذنا بقولها. وعليه أبو حنيفة والعامة من فقهائنا انتهى. وقد استدل لمالك بما روى الحاكم عن عبد الله بن الزبير قال: من سنة الحج إذا رمى الجمرة الكبرى حل له شيء حرم عليه إلا النساء والطيب حتى يزور البيت. لكن زيادة الطيب في هذه الرواية شاذة كما صرح به الحافظ في الدراية، والقول الراجح القوي هو ما ذهب إليه الشافعي وغيره.
913- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا يَحْيى بنُ سَعيدٍ عن ابن جريج عن عطاء عن ابنِ عَبّاسٍ عن الفَضْلِ بنِ عبّاسٍ قالَ: "أَرْدَفَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ جَمْعٍ إلى مِنًى فَلَمْ يَزَلْ يُلَبّي حَتّى رَمَى الجَمْرَةَ". وفي البابِ عن عَلِي وابنِ مَسْعُودٍ وابنِ عبّاسٍ. قال أبو عيسى: حديثُ الفَضْلِ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعَمَلُ على هذا عِنْدَ أهْلِ العِلمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِم أَنّ الحاجّ لا يقْطَعُ التّلْبِيَةَ حتى يَرْمِيَ الجَمْرَةَ. وهُوَ قَولُ الشّافِعيّ وأَحمدَ وإسحاقَ. قوله: (من جمع) بفتح الجيم وسكون الميم اسم للمزدلفة (حتى رمى جمرة العقبة) وفي رواية لمسلم: حتى بلغ الجمرة. قوله: (وفي الباب عن علي) أخرجه البيهقي وابن مسعود أخرجه أبو داود بلفظ: رمقت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة بأول حصاة كذا في الدراية (وابن عباس) أخرجه ابن جرير. قوله: (حديث الفضل حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة كذا في المنتقى (أن الحاج لا يقطع التلبية حتى يرمي الجمرة وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق) قال الحافظ في الفتح: واختلفوا هل يقطع التلبية مع رمي أول حصاة أو عند تمام الرمي؟ فذهب إلى الأول الجمهور، وإلى الثاني أحمد وبعض أصحاب الشافعي، ويدل لهم ما روى ابن خزيمة من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن ابن عباس عن الفضل قال: أفضت مع النبي صلى الله عليه وسلم من عرفات فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة يكبر مع كل حصاة ثم قطع التلبية مع آخر حصاة. قال ابن خزيمة: هذا حديث صحيح مفسر لما أبهم في الروايات الأخرى وأن المراد بقوله حتى رمى جمرة العقبة أي أتم رميها انتهى كلام الحافظ. قال الشوكاني والأمر كما قال ابن خزيمة فإن هذه زيادة مقبولة خارجة من مخرج صحيح غير منافية للمزيد وقبولها متفق عليه انتهى. قلت: واحتج الجمهور برواية مسلم بلفظ: حتى بلغ الجمرة وبحديث ابن مسعود المذكور. قال النووي في شرح مسلم: قوله لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة دليل على أنه يستديم التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة غداة يوم النحر، وهذا مذهب الشافعي وسفيان الثوري وأبي حنيفة وأبي ثور وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار ومن بعدهم. وقال الحسن البصري: يلبي حتى يصلي الصبح يوم عرفة ثم يقطع، وحكي عن علي وابن عمر وعائشة ومالك وجمهور فقهاء المدينة أنه يلبي حتى تزول الشمس يوم عرفة ولا يلبي بعد الشروع في الوقوف. وقال أحمد وإسحاق وبعض السلف: يلبي حتى يفرغ من رمي جمرة العقبة. ودليل الشافعي والجمهور هذا الحديث الصحيح. ولا حجة للاَخرين في مخالفتها فيتعين اتباع السنة، وأما قوله في الرواية الأخرى فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة فقد يحتج به أحمد وإسحاق لمذهبهما، ويجيب الجمهور عنه بأن المراد حتى شرع في الرمي ليجمع بين الروايتين انتهى كلام النووي. قلت: رواية ابن خزيمة المذكورة تخدش هذا الجواب.
914- حدثنا هَنّادٌ، حدثنا هُشَيْمٌ عن ابنِ أبي لَيْلَى عنْ عَطَاءٍ عَنِ ابن عبّاسٍ (يَرْفَعُ الحديثَ): "إنّهُ كَانَ يُمْسِكُ عن التّلْبِيَةِ في العُمْرَةِ إِذَا اسْتَلَمَ الحَجَرَ". قال: وفي البابِ عنْ عبدِ الله بنِ عَمْروٍ. قال أبو عيسى: حديثُ ابنِ عبّاسٍ حديثٌ صحيحٌ. والعملُ عَليهِ عِنْدَ أكْثَرِ أَهِل العلمِ قالُوا لا يَقْطَعُ المُعْتَمِرُ التّلْبِيَةَ حَتى يَسْتلِمَ الحجَرَ. وقالَ بعْضُهُمْ إذَا انْتَهى إلى بُيُوتِ مَكّةَ قَطَعَ التّلْبِيَةَ. والعملُ على حديثِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وبِهِ يقُولُ سفيان والشّافِعِيّ وأحمدُ وإِسْحَاقُ. قوله: (عن ابن أبي ليلى) هو محمد بن عبد الرحمَن بن أبي ليلى كما صرح به المنذري. قال الحافظ في التقريب: صدوق سيء الحفظ جداً. قوله: (قال يرفع الحديث) أي قال عطاء يرفع ابن عباس الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث رواه أبو داود بلفظ: حدثنا مسدد أخبرنا هشيم عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يلبي المعتمر حتى يستلم الحجر (أنه كان) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا استلم الحجر) أي الحجر الأسود يقال: استلم الحجر إذا لمسه وتناوله. قوله: (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو) لينظر من أخرجه. قوله: (حديث ابن عباس حديث صحيح) قال المنذري: في إسناده محمد بن عبد الرحمَن بن أبي ليلى وقد تكلم فيه جماعة من الأئمة انتهى. وقد عرفت أنه سيء الحفظ جداً، ففي صحة هذا الحديث نظر. وقال أبو داود بعد روايته: رواه عبد الملك بن أبي سليمان وهمام عن عطاء عن ابن عباس موقوفاً انتهى. قوله: (قالوا لا يقطع المعتمر التلبية حتى يستلم الحجر) واستدلوا بحديث الباب وظاهره أن المعتمر يلبي في حال دخوله المسجد وبعد رؤية البيت وفي حال مشيه حتى يشرع في الاستلام ويستثني منه الأوقات التي فيها دعاء مخصوص (وقال بعضهم: إذا انتهى إلى بيوت مكة قطع التلبية) لم يقم على هذا القول دليل وهو مخالف لحديث الباب.
915- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا عبدُ الرحمَنِ بنُ مَهْدِي حدثنا سُفْيانُ عن أبي الزّبيْرِ عن ابنِ عَبّاسٍ وعائشةَ "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أخّرَ طَوَافَ الزّيارَةِ إِلى اللّيْلِ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيح. وقَد رَخّصَ بَعْضُ أهلِ العلِمِ في أَنْ يُؤَخّرَ طَوَافَ الزّيارَةِ إِلى اللّيْلِ واسْتَحَبّ بَعْضُهُمْ أنْ يَزُورَ يَوْمَ النّحْرِ وَوسّعَ بَعْضُهُم أَنْ يُؤَخرَ ولَوْ إلى آخِرِ أَيّامِ مِنَى. قوله: (أخر طواف الزيارة إلى الليل) قال ابن القطان الفاسي: هذا الحديث مخالف لما رواه ابن عمر وجابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه طاف يوم النحر نهاراً انتهى. قلت: روى الشيخان عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى. وروى مسلم عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف إلى المنحر فنحر ثم ركب فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر. وقد أشار الإمام البخاري في صحيحه إلى الجمع بين الأحاديث بأن يحمل حديث ابن عمر وجابر على اليوم الأول، وحديث ابن عباس وعائشة هذا على بقية الأيام. قال البخاري في صحيحه: باب الزيارة يوم النحر. وقال أبو الزبير عن عائشة وابن عباس: أخر النبي صلى الله عليه وسلم الزيارة إلى الليل. ويذكر عن أبي حسان عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت أيام منى. وقال لنا أبو نعيم: حدثنا سفيان عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه طاف طوافاً واحداً ثم أتى منى يعني يوم النحر، ورفعه عبد الرزاق قال حدثنا عبيد الله، ثم ذكر البخاري حديث أبي سلمة أن عائشة قالت: حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأفضنا يوم النحر الحديث. قال الحافظ في الفتح: ولرواية أبي حسان شاهد مرسل أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عيينة: حدثنا ابن طاوس عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفيض كل ليلة انتهى. قلت: حديث ابن عباس وعائشة المذكور في هذا الباب ضعيف كما ستعرف فلا حاجة إلى الجمع الذي أشار إليه البخاري، وأما على تقدير الصحة فهذا الجمع متعين. قوله: (هذا حديث حسن) في كون هذا الحديث حسناً نظر، فإن أبا الزبير ليس له سماع من ابن عباس وعائشة كما صرح به الحافظ ابن أبي حاتم في كتاب المراسيل. قوله: (وقد رخص بعض أهل العلم في أن يؤخر طواف الزيارة إلى الليل) قال في زاد المعاد أفاض صلى الله عليه وسلم إلى مكة قبل الظهر راكباً فطاف طواف الإفاضة وهو طواف الزيارة والصدر ولم يطف غيره ولم يسع معه. هذا هو الصواب، وطائفة زعمت أنه لم يطف في ذلك اليوم وإنما أخر طواف الزيارة إلى الليل، وهو قول طاؤس ومجاهد وعروة. واستدلوا بحديث ابي الزبير المكي عن عائشة المخرج في سنن أبي داود والترمذي. قال الترمذي: حديث حسن. وهذا الحديث غلط بين خلاف المعلوم من فعله صلى الله عليه وسلم الذي لا يشك فيه أهل العلم بحجته صلى الله عليه وسلم. وقال أبو الحسن القطان: عندي أن هذا الحديث ليس بصحيح، إنما طاف النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ نهاراً، وإنما اختلفوا هل هو صلى الظهر بمكة أو رجح إلى منى فصلى الظهر بها بعد أن فرغ من طوافه؟ فإبن عمر يقول إنه رجع إلى منى فصلى الظهر بها وجابر يقول إنه صلى الظهر بمكة وهو ظاهر حديث عائشة من غير رواية أبي الزبير هذه التي فيها أنه أخر الطواف إلى الليل، وهذا شيء لم يرو إلا من هذا الطريق. وأبو الزبير مدلس لم يذكر ههنا سماعاً من عائشة انتهى.
(باب ما جاء في نزول الأبطح) أي البطحاء التي بين مكة ومنى وهي ما انبطح من الوادي واتسع وهي التي يقال لها المحصب والمعرس وحدها ما بين الجبلين إلى المقبرة قاله الحافظ. وقال النووي: المحصب والحصبة والأبطح والبطحاء وخيف بني كنانة اسم لشيء واحد انتهى. 916- حدثنا إسحاقُ بنُ مَنْصُورٍ أخبرنا عَبْدُ الرّزّاقِ أخبرنا عُبَيْدُ الله بنُ عُمَرَ عن نافعٍ عن ابنِ عُمَرَ قال: "كانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم وأبُو بكرٍ وعُمَر وعُثمانُ يَنْزِلُونَ الأبْطَحَ". قال: وفي البابِ عن عائشةَ وأبي رافِعٍ وابنِ عبّاسٍ. قال أبو عيسى: حديثُ ابنِ عُمَرَ حديثٌ صحيح حسنٌ غريبٌ. إنّما نَعْرِفُهِ مِنْ حدِيثِ عبدِ الرّزّاقِ عن عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ: وقَد اسْتَحَبّ بَعْضُ أهلِ العِلْمِ نُزُولَ الأبْطَحِ منْ غَيْرِ أن يَرَوْا ذَلِكَ واجِباً إلاّ من أحَبّ ذلِكَ: قالَ الشّافِعيّ: ونُزُولُ الأبطَحِ لَيْسَ منَ النّسُكِ في شيءٍ إنّما هُوَ مَنْزلٌ نَزَلَهُ النبيّ صلى الله عليه وسلم. 917- حدثنا ابنُ أبي عُمَرَ، حدثنا سُفيَانُ عن عَمْرِو بنِ دِينَار عن عَطاءٍ عن ابنِ عَبّاسٍ قالَ: "لَيْسَ التّحْصيبُ بشيء إنّما هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم". قال أبو عيسى: التّحْصيبُ نُزُولُ الأبْطَحِ. قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قوله: (كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان ينزلون الأبطح) ويأتي في هذا الباب عن ابن عباس أنه قال: ليس التحصيب بشيء إنما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن عائشة: إنما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأبطح لأنه كان أسمح لخروجه. قال النووي: فحصل خلاف بين الصحابة رضي الله عنهم ومذهب الشافعي ومالك والجمهور استحبابه اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وغيرهم، وأجمعوا على أن من تركه لا شيء عليه، ويستحب أن يصلي به الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويبيت به بعض الليل أو كله اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى. قوله: (وفي الباب عن عائشة) قالت: نزول الأبطح ليس بسنة إنما نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان أسمح لخروجه إذا خرج، أخرجه الشيخان وغيرهما (وأبي رافع) قال لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنزل الأبطح حين خرج من منى ولكن جئت فضربت قبته فجاء فنزل، أخرجه مسلم وأبو داود (وابن عباس) أخرجه الترمذي والشيخان. قوله: (حديث ابن عمر حسن صحيح) وأخرجه مسلم. قوله: (وقد استحب بعض أهل العلم نزول الأبطح من غير أن يروا ذلك واجباً) وهو مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة والجمهور، قال العيني: قال الحافظ زكي الدين عبد العظيم المنذري: التحصيب مستحب عند جميع العلماء، وقال شيخنا زين الدين وفيه نظر لأن الترمذي حكى استحبابه عن بعض أهل العلم وحكى النووي استحبابه عن مذهب الشافعي ومالك والجمهور وهذا هو الصواب. وقد كان من أهل العلم من لا يستحبه فكانت أسماء وعروة بن الزبير لا يحصبان حكاه ابن عبد البر انتهى كلام العيني. والاستحباب هو الحق لتقريره صلى الله عليه وسلم على ذلك وقد فعله الخلفاء بعده. ومما يدل على استحباب التحصيب ما أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نحن نازلون بخيف بني كنانة حيث قاسمت قريشاً على الكفر يعني المحصب وذلك أن بني كنانة حالفت قريشاً على بني هاشم أن لا يناكحوهم ولا يؤووهم ولا يبايعوهم قال الزهري: والخيف الوادي. وأخرج الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين أراد أن ينفر من منى: نحن نازلون غداً فذكر نحوه. قوله: (وليس التحصيب بشيء) أي من أمر المناسك الذي يلزم فعله. قاله ابن المنذر. قال الحافظ: من نفى أنه سنة كعائشة وابن عباس أراد أنه ليس من المناسك فلا يلزم بتركه شيء ومن أثبته كابن عمر أراد دخوله في عموم التأسي بأفعاله صلى الله عليه وسلم لا الإلزام بذلك انتهى.
918- حدثنا محمدُ بنُ عَبْدِ الأعْلَى حدثنا يزِيدُ بنُ زُرَيعٍ حدثنا حَبيبٌ المُعَلّمُ عن هِشامِ بنِ عُروَةَ عن أبيهِ عن عائشةَ قالَت: "إنّما نَزَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الأبْطَحَ لأنّهُ كانَ أسْمَحَ لِخُروجِهِ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. حدثنا ابن ابي عمر حدثنا سفيان عن هشام بن عروة نحوه. قوله: (لأنه كان أسمح لخروجه) أي أسهل لتوجهه إلى المدينة ليستوي في ذلك البطيء أو المعتدل ويكون مبيتهم وقيامهم في السحر ورحيلهم بأجمعهم إلى المدينة قاله الحافظ. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما.
919- حدثنا محمدُ بنُ طَريفٍ الكُوفيّ حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عنْ مُحمدِ بنِ سُوْقَةَ عَنْ محمد بن المنكدر عن جابِرِ بنِ عبدِ الله قالَ: "رَفَعَتْ امْرَأَةٌ صَبِياً لها إلى رسوُلِ الله صلى الله عليه وسلم فقالَتْ يا رَسولَ الله أَلِهَذَا حَجّ قال: نَعَمْ ولَكِ أَجْرٌ". قال: وفي البابِ عن ابنِ عَبّاسٍ. حديث جابر حديث غريب. 920- حدثنا قتيبة حدثنا حاتم بن اسماعيل عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد قال: حج بي أبي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وأنا ابن سبع سنين. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وقد أجمع أهل العلم أن الصبي إذا حج قبل أن يدرك فعليه الحج إذا أدرك لا تجزيءُ عنه تلك الحجة عن حجة الإسلام وكذلك المملوك إذا حج في رقه ثم اعتق فعليه الحج إذا وجد إلى ذلك سبيلاً ولا يجزيء عنه ما حج في حال رقه وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق. 921- حدثنا قتيبة حدثنا قزعة بن سويد الباهلي عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوه يعني حديث محمد بن طريف. (قال أبو عيسى: وقد روي عن محمد بن المنكدر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مرسلاً). 922- حدثنا محمد بن إسماعيل الواسطي قال: سمعت ابن نمير عن أشعث بن سوار عن أبي الزبير عن جابر قال: كنا إذا حججنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم فكنا نلبي عن النساء ونرمي عن الصبيان. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وقد اجمع أهل العلم على أن المرأة لا يلبي عنها غيرها بل هي تلبي عن نفسها ويكره لها رفع الصوت بالتلبية. قوله: (محمد بن طريف) بن خليفة البجلي أبو جعفر الكوفي عن عمرو بن عبيد وأبي بكر بن عياش وأبي معاوية وعنه م د ت ق صدوق مات سنة 242 اثنتين وأربعين ومائتين (أخبرنا أبو معاوية) اسمه محمد بن حازم التميمي الضرير الكوفي ثقة (عن محمد بن سوقة) بضم السين المهملة وسكون الواو والغنوي أبو بكر الكوفي العابد ثقة مرضي عابد من الخامسة. قوله: (قال نعم ولك أجر) قال النووي: فيه حجة للشافعي ومالك وأحمد وجماهير العلماء أن حج الصبي منعقد صحيح يثاب عليه وإن كان لا يجزئه عن حجة الإسلام بل يقع تطوعاً، وهذا الحديث صريح فيه. وقال أبو حنيفة رحمه الله: لا يصح حجه. قال أصحابه وإنما فعلوه تمريناً له ليعتاده فيفعله إذا بلغ، وهذا الحديث يرد عليهم، قال ابن بطال: أجمع أئمة الفتوى على سقوط الفرض عن الصبي حتى يبلغ إلا أنه إذا حج به كان له تطوعاً عند الجمهور. وقال أبو حنيفة: لا يصح إحرامه ولا يلزمه شيء بفعل شيء من محظورات الإحرام وإنما يحج به على جهة التدريب كذا في فتح الباري. قلت: واحتج الجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم: "نعم ولك أجر". وهو حجة على أبي حنيفة. قوله: (وفي الباب عن ابن عباس) أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركباً بالروحاء فقال: "من القوم؟" قالوا المسلمون: فقالوا من أنت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفعت إليه امرأة صبياً فقالت ألهذا حج؟ قال نعم ولك أجر. رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي. قوله: (حديث جابر حديث غريب) لم يحكم الترمذي على هذا الحديث بشيء من الصحة والحسن والظاهر أنه حسن ويشهد له حديث ابن عباس المذكور. قوله: (أخبرنا قزعة) بفتح القاف والزاي والعين (ابن سويد) بالتصغير أبو محمد البصري ضعيف قاله الحافظ: قوله: (حج بي أبي) وقال ابن سعد عن الواقدي عن حاتم: حجت بي أمي ويجمع بينهما بأنه كان مع أبويه. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والبخاري. قوله: (قد أجمع أهل العلم أن الصبي إذا حج قبل أن يدرك) من الإدراك أي يبلع (فعليه الحج إذا أدرك لا تجزئ عنه تلك الحجة عن حجة الإسلام) وشذ بعضهم فقال: إذا حج الصبي أجزأه ذلك عن حجة الإسلام. لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم نعم في جواب قولها ألهذا حج، وقال الطحاوي: لا حجة فيه لذلك بل فيه حجة على من زعم أنه لا حج له لأن ابن عباس راوي الحديث قال: أيما غلام حج به أهله ثم بلغ فعليه حجة أخرى. ثم ساقه بإسناد صحيح. وقد أخرج هذا الحديث مرفوعاً الحاكم وقال على شرطهما، والبيهقي وابن حزم وصححه، وقال ابن خزيمة الصحيح موقوف. وأخرجه كذلك. قال البيهقي: تفرد برفعه محمد بن المنهال، ورواه الثوري عن شعبة موقوفاً ولكنه قد تابع محمد بن المنهال على رفعه الحارث بن شريح أخرجه كذلك الإسماعيلي والخطيب، ثم ذكر الشوكاني روايات أخرى قال: فيؤخذن مجموع هذه الأحاديث أنه يصح حج الصبي ولا يجزئه عن حجة الإسلام إذا بلغ، وهذا هو الحق فتعين المصير إليه جمعاً بين الأدلة انتهى. قوله: (فكنا نلبي عن النساء ونرمي عن الصبيان) وأخرج هذا الحديث أحمد وابن ماجه وابن أبي شيبة بلفظ: حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم. قال ابن القطان: ولفظ ابن أبي شيبة أشبه بالصواب، فإن المرأة لا يلبي عنها غيرها أجمع على ذلك أهل العلم. قوله: (هذا حديث غريب) ومع غرابته ضعيف. فإن في سنده أشعث بن سوار وهو ضعيف كما صرح به الحافظ في التقريب، وفيه أيضاً أبو الزبير المكي وهو مدلس ورواه عن جابر بالعنعنة.
923- حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا روح بن عبادة حدثنا ابن جريج أخبرني ابن شهاب قال حدثني سليمان بن يسار عن عبد الله بن عباس عن الفضل بن عباسٍ أن امرأة من خثعم قالت يا رسول الله إنّ أبي أدْرَكته فريضة الله في الحج وهو شيخ كبير لا يستطيع أن يستوي على ظهر البعير قال: "حجّي عنه". قال وفي الباب عن علي وبريدة وحصين بن عوف وأبي رزين العقيلي وسودة بنت زمعة وابن عباس. قال أبو عيسى: حديث الفضل بن عباس حديث حسن صحيح وروي عن ابن عباس عن حصين بن عوف المزني عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وروي عن ابن عباس أيضاً عن سنان بن عبد الله الجهني عن عمته عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وروي عن ابن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال وسألت محمداً عن هذه الروايات؟ فقال أصح شيء في هذا الباب ما روى ابن عباس عن الفضل بن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال محمد ويحتمل أن يكون ابن عباس سمعه من الفضل وغيره عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ثم روى هذا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وأرسله ولم يذكر الذي سمعه منه. قال أبو عيسى: وقد صحّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في هذا الباب غير حديث والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم وبه يقول الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق يرون أن يحج عن الميت وقال مالك: إذا أوصى أن يحج عنه حج عنه وقد رخص بعضهم أن يحج عن الحي إذا كان كبيراً أو بحال لا يقدر أن يحج وهو قول ابن المبارك والشافعي. قوله: (حدثنا روح بن عبادة) بفتح راء وسكون واو وإهمال حاء ومن ضم الراء أخطأ كذا في المغنى. قوله: (أن امرأة من خثعم) بفتح الخاء المعجمة والعين المهملة أبو قبيلة من اليمن سموا به ويجوز منعه وصرفه (وهو شيخ كبير) قال الطيبي بأن أسلم شيخاً وله المال أو حصل له المال في هذا الحال لا يستطيع أن يستوي على ظهر البعير (استئناف مبين قال حجي عنه) فيه دليل على جواز الحج عن غيره إذا كان معضوباً، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، قاله العيني. قوله: (وفي الباب عن علي) أخرجه البيهقي بلفظ أن امرأة من خثعم شابة قالت يا رسول الله إن أبي شيخ كبير أدركته فريضة الله على عباده في الحج لا يستطيع أداءها، فيجزي عنه أن أؤديها؟ قال نعم. ذكره الحافظ في التلخيص وسكت عنه (وبريدة) أخرجه الترمذي ومسلم (وحصين بن عوف) أخرجه ابن ماجه من طريق محمد بن كريب عن أبيه عن ابن عباس قال: حدثني حصين بن عوف قلت يا رسول الله إن أبي أدركه الحج ولا يستطيع أن يحج إلا معترضاً، فصمت ساعة ثم قال حج عن أبيك انتهى. قال العقيلي: قال أحمد: محمد بن كريب منكر الحديث كذا في نصب الراية (وأبي رزين العقيلي) أخرجه أصحاب السنن الأربعة وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وقال على شرط الشيخين (وسودة) أخرجه الطبراني وذكر الزيلعي سنده ومتنه في نصب الراية (وابن عباس) أخرجه الشيخان. قوله: (وروي عن ابن عباس أيضاً عن سنان بن عبد الله الجهني عن عمته عن النبي صلى الله عليه وسلم) قيل في قول الترمذي هذا نظر من حيث أن الموجود بهذا الإسناد هو حديث آخر في المشي إلى الكعبة لا عن الكبير العاجز، رواه الطبراني من رواية عبد الرحيم بن سليمان عن محمد بن كريب عن كريب عن ابن عباس عن سنان بن عبد الله الجهني: أن عمه حدثته أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله توفيت أمي وعليها مشي إلى الكعبة نذراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هل تستطيعين أن تمشي عنها"؟ قالت نعم، قال "فامشي عن أمك"، قالت أو يجزئ ذلك عنها؟ قال "نعم أرأيت لو كان عليها دين ثم قضيتيه عنها هل كان يقبل منك"؟ قالت نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "فالله أحق بذلك". وأجيب عنه بأنه أراد أن يبين الاختلاف في هذا الحديث عن ابن عباس في المتن والإسناد معاً وهذا اختلاف في متنه كذا في عمدة القاري. قلت: لو كان إرادة الترمذي بيان الاختلاف في هذا الحديث في المتن أيضاً ساق لفظ حديث ابن عباس عن سنان بن عبد الله عن عمته، فالظاهر أنه قد جاء بهذا الإسناد حديث في الحج عن الكبير العاجز أيضاً. وقد وقف عليه الترمذي والبخاري ولم يقف عليه من تعقب على الترمذي في قوله المذكور والله تعالى أعلم. قوله: (فقال أصح شيء في هذا ما روى ابن عباس عن الفضل بن عباس الخ). قال الحافظ في الفتح: إنما رجح البخاري الرواية عن الفضل لأنه كان ردف النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ، وكان ابن عباس قد تقدم من مزدلفة إلى منى مع الضعفة، وقد سبق في باب التلبية والتكبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أردف الفضل فأخبر الفضل: أنه لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة، فكأن الفضل حدث أخاه بما شاهده في تلك الحالة، انتهى كلام الحافظ. قوله: (وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم غير حديث) أي أحاديث كثيرة وقد ذكرها الزيلعي في نصب الراية. قوله: (وبه يقول الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق يرون أن يحج عن الميت) وبه قال أبو حنيفة: قال محمد في موطأه: لا بأس بالحج عن الميت وعن المرأة والرجل إذا بلغا من الكبر مالا يستطيعان أن يحجا، وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا انتهى. قوله: (وقال مالك إذا أوصى أن يحج عنه حج عنه إلخ) قال العيني في شرح البخاي: وحاصل ما في مذهب مالك ثلاثة أقوال مشهورها: لا يجوز. ثانيها: يجوز من الولد، ثالثها: يجوز إن أوصى به. وعن النخعي وبعض السلف: لا يصح الحج عن ميت ولا عن غيره. وهي رواية عن مالك وإن أوصى به. وفي مصنف ابن أبي شيبة عن ابن عمر أنه قال: لا يحج أحد عن أحد ولا يصم أحد عن أحد، وكذا قال إبراهيم النخعي. وقال الشافعي والجمهور: يجوز الحج عن الميت عن فرضه ونذره سواء أوصى به أو لم يوص. وهو واجب في تركته انتهى (وقد رخص بعضهم أن يحج عن الحي إذا كان كبيراً إلخ). وهو قول أحمد وإسحاق وأي حنيفة كما تقدم.
924- حدثنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبد الله بن عطاء قال وحدثنا علي بن حجر، حدثنا علي بن مهر عن عبدالله بن عطاء عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: جاءت امرأة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت إن أمي ماتت ولم تحج أفأحج عنها؟ قال: نعم حجي عنها. قال: وهذا حديث (حسن) صحيح. 925- حدثنا يوسف بن عيسى حدثنا وكيع عن شعبة عن النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن أبي رزين العقيلي أنه أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة، ولا الظعن قال: حج عن أبيك واعتمر. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح وإنما ذكرت العمرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن يعتمر الرجل عن غيره. وأبو رزين العقيلي اسمه لقيط بن عامر. قوله: (عن عمرو بن أوس) بفتح الهمزة وسكون الواو وبالسين المهملة الثقفي الطائفي بابعي كبير من الثانية، ووهم من ذكره في الصحابة (عن أبي رزين) بفتح الراء وكسر الزاء (العقيلي) بالتصغير واسمه لقيط بن عامر كذا في فتح الباري. قوله: (فقال يا رسول الله إن أبي شيخ كبير إلخ) قال الحافظ في الفتح: هذه قصة أي غير قصة الخثعمية قال ومن وحد بينها وبين حديث الخثمعي فقد أبعد وتكلف (ولا الظعن) بفتح ظاء وسكون عين وحركتها الراحلة أي لا يقوى على السير ولا على الركوب من كبر السن كذا في المجمع (حج عن أبيك) فيه جواز الحج عن الغير، واستدل الكوفيون بعمومة على جواز صحة حج من لم يحج نيابة عن غيره، وخالفهم الجمهور فخصوه بمن حج عن نفسه واستدلوا بما في السنن وصحيح ابن خزيمة وغيره من حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يلي عن شبرمة فقال: أحججب عن نفسك؟ فقال: لا، قال: حج عن نفسك ثم احجج عن شبرمة. كذا في الفتح. قلت: الظاهر الراجح هو قول الجمهور والله تعالى أعلم (واعمر) استدل به من قال بوجوب العمرة. قال الإمام أحمد: لا أعلم في إيجاب العمرة حديثاً أجود من هذا ولا أصح منه. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود وسكت عنه ونقل المنذري في تلخيصه تصحيح الترمذي وأقره وأخرجه أيضاً النسائي وابن ماجه وغيرهم كما تقدم. قوله: (وأبو رزين العقيلي اسمه لقيط بن عامر) قال الحافظ في التقريب: لقيط بن صبره بفتح المهلمة وكسر الموحدة صحابي مشهور ويقال إنه جده واسم أبيه عامر وهو رزين العقيلي والأكثر على أنهما اثنان انتهى. قوله: (قال نعم حجي عنها) فيه جواز الحج عن الميت. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأخرجه الحاكم في المستدك وزاد فيه الصوم: والصدقة وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه كذا في نصب الراية.
926- حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصّنعاني حدثنا عمرو بن علي عن الحجاج عن محمد بن المنكدر عن جابر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سئل عن العمرة أواجبة هي؟ قال: "لا وأن تعتمروا هو أفضل". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وهو قول بعض أهل العلم قالوا العمرة ليست بواجبة وكان يقال هما حجان: الحج الأكبر يوم النحر والحج الأصغر العمرة. وقال الشافعي العمرة سنة لا نعلم أحداً رخص في تركها وليس فيها شيء ثابت بأنها تطوع وقد روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بإسناد وهو ضعيف، لا تقوم بمثله الحجة وقد بلغنا عن ابن عباس أنه كان يوجبها. قال أبو عيسى: كله كلام الشافعي. قوله: (عن الحجاج) هو ابن أرطاة الكوفي القاضي أحد الفقهاء صدوق كثير الخطأ والتدليس. قوله: (قال لا وأن يعتمروا هو أفضل) احتج به الحنفية والمالكية على أن العمرة ليست بواجبة لكن الحديث ضعيف كما ستعرف. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) قال الحافظ في الفتح: في إسناده الحجاج وهو ضعيف، وقد روى ابن لهيعة عن عطاء بن جابر مرفوعاً الحج والعمرة فريضتان أخرجه ابن عدي وابن لهيعة ضعيف، ولا يثبت في هذا الباب عن جابر شيء، بل روى ابن الجهم المالكي بإسناد حسن عن جابر: ليس مسلم إلا عليه عمرة. موقوف على جابر وانتهى. وقال العيني في شرح البخاي: فإن قلت: قال المنذري: وفي تصحيحه له نظر فإن سنده الحجاج بن أرطاة ولم يحتج به الشيخان في صحيحهما وقال ابن حبان: تركه ابن المبارك ويحيى القطان وابن معين وأحمد. وقال: قال الدارقطني لا يحتج به، وإنما روى هذا الحديث موقوفً على جابر. وقال البيهقي ورفعه ضعيف. قلت: قال الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد في كتاب الإمام: وهذا الحكم بالتصحيح في رواية الكرخي لكتاب الترمذي وفي رواية غيره حسن لا غير. وقال شيخنا زين الدين: لعل الترمذي إنما حكم عليه بالصحة لمجيئه من وجه آخر فقد رواه يحيى بن أيوب عن عبد الله بن عمر عن أبي الزئير عن جابر: قلت يا رسول الله العمرة فريضة كالحج؟ قال لا، وأن تعتمر خير لك. ذكره صاحب الإمام. وقال إعترض عليه بضعف عبد الله بن عمر العمري قال العيني: رواه الدارقطني من رواية يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن المغيرة عن أبي الزبير عن جابر قال: قلت يا رسول الله العمرة واجبة فريضتها كفريضة الحج؟ قال لا وأن تعتمر خير لك. ورواه البيهقي من رواية يحيى بن أبي أيوب عن عبيد الله غير منسوب عن أبي الزبير. ثم قال وهو عبيد الله بن المغيرة تفرد به عن أبي الزبير. وروى ابن ماجه من حديث طلحة بن عبيدالله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الحج جهاد والعمرة تطوع، وروى عبد الباقي بن قانع من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وكذا روى عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه انتهى. قوله: (وهو قول بعض أهل العلم قالوا العمرة ليست بواجبة) وهو قول الحنفية والمالكية واستدلوا بحديث الباب قد عرفت أنه ضعيف لا يصلح للاحتجاج. قوله: (وكان يقال هما حجان الحج الأكبر يوم النحر والحج الأصغر العمرة) قال في مجمع البحار: ومنه الحج الأكبر هو يوم النحر أو يوم عرفة ويسمون العمرة الحج الأصغر وأيام الحج كلها أو القران أو يوم حج أبو بكر، والأصغر العمرة أو يوم عرفة أو الإفراد انتهى ما في المجمع (وقال الشافعي: العمرة سنة) أي واجبة ثابتة بالسنة، قال العيني: قال شيخنا زين الدين ما حكاه الترمذي عن الشافعي لا يريد به أنها ليست بواجبة بدليل قوله لا نعلم أحداً رخص في تركها لأن السنة التي يراد بها خلاف الواجب يرخص تركها قطعاً، والسنة تطلق ويراد بها الطريقة وغير سنة الرسول صلى الله عليه وسلم انتهى. (قال) أي الشافعي (وقد روى) أي في كون العمرة تطوعاً (عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ضعيف) وقد تقدم آنفاً الأحاديث التي رويت في كون العمرة تطوعاً (وقد بلغنا عن ابن عباس أنه كان يوجبها) أخرج الشافعي وسعيد بن منصور كلاهما عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمعت طاوساً يقول سمعت ابن عباس يقول: والله إنها لقرينتها في كتاب الله (وأتموا الحج والعمرة لله) وللحاكم من طريق عطاء عن ابن عباس: الحج والعمرة فريضتان وإسناده ضعيف. والضمير في قوله لقرينتها للفريضة وكأن أصل الكلام أن يقول: لقرينته لأن المراد الحج كذا في فتح الباري. وقد ذهب الشافعي وأحمد وغيرهما من أهل الأثر إلى وجوب العمرة واختاره البخاري في صحيحه، واستدلوا بقول ابن عباس المذكور، وذكره البخاري تعليقاً. وبقول ابن عمر رضي الله عنه ليس من خلق الله أحد إلا عليه حجة وعمرة واجبتان من استطاع إليه سبيلاً فمن زاد شيئاً فهو خير وتطوع. أخرجه ابن خزيمة والدارقطني والحاكم وذكره البخاري وتعليقاً. وقال سعيد بن أبي عروبة في المناسك عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: الحج والعمرة فريضتان، وبقول صبي بن معبد لعمر: رأيت الحج والعمرة مكتوبين عليفأهللت بهما فقال له هديت لسنة نبيك. أخرجه أبو داود. وروى ابن خزيمة وغيره في حديث عمر سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام فوقع فيه أن تحج وتعتمر وإسناده قد أخرجه مسلم لكن لم يسق لفظه، وبأحاديث أخر غير ما ذكر، وبقوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} أي أقيموهما، والظاهر هو وجوب العمرة والله تعالى أعلم.
927- حدثنا أَحمدُ بنُ عَبْدَةَ الضّبّيّ حدثنا زِيادُ بنُ عَبْدِ الله عن يزيدَ بنِ أبي زِيادٍ عن مُجَاهِدٍ عَن ابنِ عَبّاسٍ "عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: دَخَلَتْ العُمْرَةُ في الحَجّ إلى يَوْمِ القيَامَةِ". قال: وفي البابِ عنْ سُرَاقَةَ بنِ جَعْشُمٍ وجَابِرِ بنِ عبدِ الله. قال أبو عيسى: حديثُ ابنِ عَبّاسِ حديثٌ حسنٌ. ومَعْنى هذا الحديثِ. أَنْ لا بأْسَ بالْعُمرةِ في أشْهُرِ الحَجّ. وهكذا فسّره الشّافعيّ وأحمدُ وإسحاقُ. ومَعْنى هذا الحديثِ: أن أَهْلَ الجَاهِلِيّةِ كانُوا لا يَعْتَمِرُونَ في أشْهُر الحَجّ، فَلَمّا جاءَ الإسْلاَمُ رَخّصَ النبيّ صلى الله عليه وسلم في ذلكَ فقالَ: دَخَلَتْ العُمْرَةُ في الحَجّ إلى يَوْمِ القيامَةِ. يَعْني لا بأْسَ بالعُمْرَةِ في أَشْهُرِ الحَجّ وأَشْهُرُ الحَجّ شَوّال وذُو القَعْدَةِ وعَشْرٌ مِنْ ذِي الحِجّةِ، لا يَنْبَغيِ للرّجُلِ أَنْ يُهِلّ بالحَجّ إلاّ في أشْهُرِ الحَجّ. وأَشْهُرُ الحُرُمِ رَجَبٌ وَذو القَعْدَةِ وذو الحِجّةِ والمُحَرّمُ. هكذا قال غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ العلمِ مِنْ أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ. قوله: (دخلت العمرة في الحج) أي في أشهر الحج. قوله: (وفي الباب عن سراقة) بضم السين (بن مالك بن جعشم) بضم الجيم والشين صحابي مشهور من مسلمة الفتح مات في خلافة عثمان رضي الله عنه سنة 24 أربع وعشرين وقيل بعدها. أخرج النسائي وابن ماجه من طريق طاوس عن سراقة أنه قال: يا رسول الله أرأيت عمرتنا هذه لعامنا أم للأبد؟ فقال لا بل للأبد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة. ولطاوس عن سراقة في اتصاله نظر ولكن أخرجه الدارقطني من طريق أبي الزبير عن جابر عن سراقة (وجابر بن عبد الله) أخرج مسلم حديثه الطويل في قصة حج النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة، فقال سراقة بن مالك بن جعشم فقال يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد، فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال: دخلت العمرة في الحج مرتين لا بل لأبد أبد. قوله: (حديث ابن عباس حديث حسن) في إسناده زياد بن عبد الله بن الطفيل العامري البكائي أبو محمد الكوفي صدوق ثبت في المغازي وفي حديثه عن غير ابن إسحاق لين، ولم يثبت أن وكيعاً كذبه، وله في البخارى موضع واحد متابعة. وفي إسناد هذا الحديث أيضاً يزيد بن أبي زياد الهاشمي مولاهم الكوفي ضعيف كبر فتغير صار يتلقن وكان شيعياً، فتحسين الترمذي لعله لشواهده. قوله (ومعنى هذا الحديث: أن لا بأس بالعمرة في أشهر الحج وهكذا قال الشافعي وأحمد وإسحاق) قال الجزري في النهاية: دخلت العمرة في الحج معناه أنها سقط فرضها بوجوب الحج ودخلت فيه، وهذا تأويل من لم يرها واجبة، فأما من أوجبها فقال معناه أن عمل العمرة قد دخل في عمل الحج فلا يرى على القارن أكثر من إحرام واحد وطواف وسعي، وقيل معناه أنها قد دخلت في وقت الحج وشهوره لأنهم كانوا لا يعتمرون في أشهر الحج فأبطل الإسلام ذلك وأجازه انتهى. قلت: هذا المعنى الأخير هو الذي اختاره الترمذي وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وهو الظاهر والله تعالى أعلم. قوله: (وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة) أجمع العلماء على أن المراد بأشهر الحج ثلاثة أولها شوال لكن اختلفوا هل هي بكمالها أو شهران وبعض الثالث، فذهب إلى الأول مالك وهو قول للشافعي، وذهب غيرهما من العلماء إلى الثاني، ثم اختلفوا فقال ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وآخرون: عشر ليال من ذي الحجة وهل يدخل يوم النحر أولا، فقال أحمد وأبو حنيفة نعم، وقال الشافعي في المشهور المصحح عنه لا، وقال بعض أتباعه تسع من ذي الحجة ولا يصح في يوم النحر ولا في ليلته وهو شاذ، ويرد على من أخرج يوم النحر من أشهر الحج قوله صلى الله عليه وسلم في يوم النحر: هذا يوم الحج الأكبر.
928- حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ حدثنا وَكيعٌ عنْ سُفْيَانَ عنْ سُمَي عنْ أبي صالِحٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ تُكَفّر ما بَيْنَهُما والحَجّ المَبْرُورُ ليْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلاّ الجَنَةَ". قال أبو عيس هذا حديث حسن صحيح. قوله: (عن سمى) بضم السين وفتح الميم وشدة التحتانية مولى أبي بكر ابن عبد الرحمن ثقة. قوله: (العمرة إلى العمرة تكفر ما بينهما) من الذنوب دون الكبائر كما في قوله الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما. قاله العيني (والحج المبرور) قال ابن خالويه المبرور والمقبول، وقال غيره: الذي لا يخالطه شيء من الإثم ورجحخ النووي. وقال القرطبي: الأقوال التي ذكرت في تفسيره متقاربة المعنى وهي أنه الحج الذي وفيت أحكامه ووقع موقعاً لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل. قوله: هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا أبا داود.
|