الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}، هَذِهِ بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. فَـ "بَرَاءَةٌ"، مَرْفُوعَةٌ بِمَحْذُوفٍ، وَهُوَ "هَذِهِ"، كَمَا قَوْلِهِ: {سُورَةٌ أَنْـزَلْنَاهَا}، [سُورَةُ النُّورِ: 1]، مَرْفُوعَةٌ بِمَحْذُوفٍ هُوَ "هَذِهِ". وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: "بَرَاءَةٌ" مَرْفُوعَةٌ بِالْعَائِدِ مِنْ ذِكْرِهَا فِي قَوْلِهِ: {إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ}، وَجَعَلَهَا كَالْمَعْرِفَةِ تَرْفَعُ مَا بَعْدَهَا، إِذْ كَانَتْ قَدْ صَارَتْ بِصِلَتِهَا وَهِيَ قَوْلُهُ: {مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}، كَالْمَعْرِفَةِ، وَصَارَ مَعْنَى الْكَلَامِ: الْبَرَاءَةُ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَانَ مَذْهَبًا غَيْرَ مَدْفُوعَةٍ صِحَّتُهُ، وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَعْجَبَ إِلَيَّ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ أَنَّ يُضْمِرُوا لِكُلِّ مُعَايَنٍ نَكِرَةً كَانَ أَوْ مَعْرِفَةً ذَلِكَ الْمُعَايَنُ، "هَذَا" وَ"هَذِهِ"، فَيَقُولُونَ عِنْدَ مُعَايَنَتِهِمُ الشَّيْءَ الْحَسَنَ: "حَسَنٌ وَاللَّهِ"، وَالْقَبِيحَ: "قَبِيحٌ وَاللَّهِ"، يُرِيدُونَ: هَذَا حُسْنٌ وَاللَّهِ، وَهَذَا قَبِيحٌ وَاللَّهِ، فَلِذَلِكَ اخْتَرْتُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ. وَقَالَ: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ}، وَالْمَعْنَى: إِلَى الَّذِينَ عَاهَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، لِأَنَّ الْعُهُودَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَهْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَكُنْ يَتَوَلَّى عَقْدَهَا إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ مَنْ يَعْقِدُهَا بِأَمْرِهِ، وَلَكِنَّهُ خَاطَبَ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ لِعِلْمِهِمْ بِمَعْنَاهُ، وَأَنَّ عُقُودَ-النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أُمَّتِهِ كَانَتْ عُقُودَهُمْ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا لِكُلِّ أَفْعَالِهِ فِيهِمْ رَاضِينَ، وَلِعُقُودِهِ عَلَيْهِمْ مُسَلِّمِينَ، فَصَارَ عَقْدُهُ عَلَيْهِمْ كَعُقُودِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَلِذَلِكَ قَالَ: {إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، لِمَا كَانَ مِنْ عَقْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَهِدَهُ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَنْ بَرِئَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَيْهِ مِنَ الْعَهْدِ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَذِنَ لَهُ فِي السِّيَاحَةِ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمْ صِنْفَانِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: أَحَدُهُمَا كَانَتْ مُدَّةُ الْعَهْدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَأُمْهِلُ بِالسِّيَاحَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَالْآخَرُ مِنْهُمَا: كَانَتْ مُدَّةُ عَهْدِهِ بِغَيْرِ أَجْلٍ مَحْدُودٍ، فَقُصِرَ بِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِيَرْتَادَ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ هُوَ حَرْبٌ بَعْدَ ذَلِكَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، يُقْتَلُ حَيْثُمَا أُدْرِكَ وَيُؤْسَرُ، إِلَّا أَنْ يَتُوبَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ، بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ الصَّدِيقَ رِضَى اللَّهِ عَنْهُ أَمِيرًا عَلَى الْحَاجِّ مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ، لِيُقِيمَ لِلنَّاسِ حَجَّهُمْ، وَالنَّاسُ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ عَلَى مَنَازِلِهِمْ مِنْ حَجِّهِمْ، فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَنَـزَلَتْ "سُورَةُ بَرَاءَةٌ" فِي نَقْضِ مَا بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَهْدِ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ: أَنْ لَا يُصَدَّ عَنِ الْبَيْتِ أَحَدٌ جَاءَهُ، وَأَنْ لَا يُخَافَ أَحَدٌ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ. وَكَانَ ذَلِكَ عَهْدًا عَامًّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ. وَكَانَتْ بَيْنَ ذَلِكَ عُهُودٌ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قَبَائِلَ مِنَ الْعَرَبِ خَصَائِصَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فنَـزَلَتْ فِيهِ وَفِيمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فِي تَبُوكَ، وَفِي قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ، فَكَشَفَ اللَّهُ فِيهَا سَرَائِرَ أَقْوَامٍ كَانُوا يَسْتَخِفُّونَ بِغَيْرِ مَا يُظْهِرُونَ، مِنْهُمْ مَنْ سُمِّيَ لَنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُسَمَّ لَنَا، فَقَالَ: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، أَيْ: لِأَهْلِ الْعَهْدِ الْعَامِّ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنَ الْعَرَبِ {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}، إِلَى قَوْلِهِ: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ}، أَيْ: بَعْدَ هَذِهِ الْحُجَّةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ إِمْهَالُ اللَّهِ-عَزَّ وَجَلَّ- بِسِيَاحَةِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، مَنْ كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ، فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ عَهْدٌ، فَإِنَّمَا كَانَ أَجْلُهُ خَمْسِينَ لَيْلَةً، وَذَلِكَ عِشْرُونَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ كُلِّهِ. قَالُوا: وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ أَجَلَ الَّذِينَ لَا عَهْدَ لَهُمْ كَانَ إِلَى انْسِلَاخِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} الْآيَةَ [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 5]. قَالُوا: وَالنِّدَاءُ بِبَرَاءَةٌ، كَانَ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وَذَلِكَ يَوْمَ النَّحْرِ فِي قَوْلِ قَوْمٍ، وَفِي قَوْلِ آخَرِينَ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَذَلِكَ خَمْسُونَ يَوْمًا. قَالُوا: وَأَمَّا تَأْجِيلُ الْأَشْهُرِ الْأَرْبَعَةِ، فَإِنَّمَا كَانَ لِأَهْلِ الْعَهْدِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَوْمِ نَـزَلَتْ "بَرَاءَةٌ". قَالُوا: ونَـزَلَتْ فِي أَوَّلِ شَوَّالٍ، فَكَانَ انْقِضَاءُ مُدَّةِ أَجْلِهِمْ، انْسِلَاخَ الْأَشْهُرِ الْحُرُم. وَقَدْ كَانَ بَعْضُ مَنْ يَقُولُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ يَقُولُ: ابْتِدَاءُ التَّأْجِيلِ كَانَ لِلْفَرِيقَيْنِ وَاحِدًا أَعْنِي الَّذِي لَهُ الْعَهْدُ، وَالَّذِي لَا عَهْدَ لَهُ غَيْرُ أَنَّ أَجْلَ الَّذِي كَانَ لَهُ عَهْدٌ كَانَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَالَّذِي لَا عَهْدَ لَهُ انْسِلَاخُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَذَلِكَ انْقِضَاءُ الْمُحَرَّمِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}، قَالَ: حَدُّ اللَّهِ لِلَّذِينِ عَاهَدُوا رَسُولَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، يَسَيِّحُونَ فِيهَا حَيْثُمَا شَاؤُوا، وَحَدُّ أَجْلِ مَنْ لَيْسَ لَهُ عَهْدٌ، انْسِلَاخُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إِلَى انْسِلَاخِ الْمُحْرِمِ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ لَيْلَةً، فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ، أَمَرَهُ بِأَنْ يَضَعَ السَّيْفَ فِيمَنْ عَاهَدَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نَـزَلَتْ {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ}، إِلَى: {وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ}، يَقُولُ: بَرَاءَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَانَ لَهُمْ عَهْدٌ يَوْمَ نَـزَلَتْ "بَرَاءَةٌ"، فَجَعَلَ مُدَّةَ مَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ قَبْلَ أَنْ تَنْـزِلَ "بَرَاءَةٌ"، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسَيِّحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. وَجَعَلَ مُدَّةَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَهْدٌ قَبْلَ أَنْ تَنْـزِلَ "بَرَاءَةٌ"، انْسِلَاخَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَانْسِلَاخَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ مِنْ يَوْمِ أُذِنَ بِبَرَاءَةٌ إِلَى انْسِلَاخِ الْمُحَرِّمِ، وَهِيَ خَمْسُونَ لَيْلَةً: عِشْرُونَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَثَلَاثُونَ مِنَ الْمُحَرَّمِ {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ}، يَقُولُ: لَمْ يَبْقَ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ وَلَا ذِمَّةٌ مُنْذُ نَـزَلَتْ "بَرَاءَةٌ" وَانْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ، وَمُدَّةُ مَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَبْلَ أَنْ تَنْـزِلَ "بَرَاءَةٌ"، أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ أُذِنَ بِبَرَاءَةٌ، إِلَى عَشْرٍ مِنْ أَوَّلِ رَبِيعٍ الْآخَرِ، فَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، سَمِعْتُ الضِّحَاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}. قَبْلَ أَنْ تَنْـزِلَ "بَرَاءَةٌ"، عَاهَدَ نَاسًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ، فَنَـزَلَتْ: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ إِلَى كُلِّ أَحَدٍ مِمَّنْ كَانَ عَاهَدَكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَإِنِّي أَنْقُضُ الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ، فَأُؤَجِّلُهُمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ يَسَيِّحُونَ حَيْثُ شَاؤُوا مِنَ الْأَرْضِ آمِنِينَ. وَأَجَلُ مَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ انْسِلَاخُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، مِنْ يَوْمِ أُذِنَ بِبَرَاءَةٌ، وَأُذِنَ بِهَا يَوْمَ النَّحْرِ، فَكَانَ عِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ ثَلَاثِينَ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ لَيْلَةً، فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ إِذَا انْسَلَخَ الْمُحَرَّمُ أَنْ يَضَعَ السَّيْفَ فِيمَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ، يَقْتُلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ. وَأُمِرَ بِمَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ إِذَا انْسَلَخَ أَرْبَعَةٌ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، أَنْ يَضَعَ فِيهِمُ السَّيْفَ أَيْضًا، يَقْتُلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ، فَكَانَتْ مُدَّةُ مَنْ لَا عَهْدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسِينَ لَيْلَةً مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، وَمُدَّةُ مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ، أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ: مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، إِلَى عَشْرٍ يَخْلُونَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}، إِلَى قَوْلِهِ: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عَلِيًّا نَادَى بِالْأَذَانِ، وَأُمِّرَ عَلَى الْحَاجِّ أَبُو بَكْرٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا. وَكَانَ الْعَامَ الَّذِي حَجَّ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ، وَلَمْ يَحُجَّ الْمُشْرِكُونَ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَامِ، قَوْلُهُ: {الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، إِلَى قَوْلِهِ: (إِلَى مُدَّتِهِمْ)، قَالَ: هُمْ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ، الَّذِينَ عَاهَدَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَكَانَ بَقِيَ مَنْ مَدَّتْهُمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يُوَفِّيَ بِعَهْدِهِمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ، وَمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ انْسِلَاخُ الْمُحَرِّمِ، وَنَبَذَ إِلَى كُلِّ ذِي عَهْدِ عَهْدِهِ، وَأُمِرَ بِقِتَالِهِمْ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَلَا يَقْبَلُ مِنْهُمْ إِلَّا ذَلِكَ. وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ ابْتِدَاءُ تَأْخِيرِ الْمُشْرِكِينَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَانْقِضَاءُ ذَلِكَ لِجَمِيعِهِمْ، وَقْتًا وَاحِدًا. قَالُوا: وَكَانَ ابْتِدَاؤُهُيَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وَانْقِضَاؤُهُ انْقِضَاءَ عَشْرٍ مِنْ رَبِيعٍ الْآخَرِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، قَالَ: لَمَّا نَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. بَرِئَ مِنْ عَهِدِ كُلِّ مُشْرِكٍ، وَلَمْ يُعَاهِدْ بَعْدَهَا إِلَّا مَنْ كَانَ عَاهَدَ، وَأَجْرَى لِكُلٍّ مُدَّتَهُمْ {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}، لِمَنْ دَخَلَ عَهْدُهُ فِيهَا، مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ، وَصَفَرٍ، وَشَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَعَشْرٍ مِنْ رَبِيعٍ الْآخَرِ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَى الْمَوْسِمِ سَنَة تِسْعٍ، وَبَعَثَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، بِثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً مِنْ "بَرَاءَةٌ"، فَقَرَأَهَا عَلَى النَّاسِ، يُؤَجِّلُ الْمُشْرِكِينَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ يَسَيِّحُونَ فِي الْأَرْضِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ "بَرَاءَةٌ" يَوْمَ عَرَفَةَ، أَجَّلَ الْمُشْرِكِينَ عِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمِ، وَصَفَرٍ، وَشَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَعَشْرًا مِنْ رَبِيعٍ الْآخَرِ، وَقَرَأَهَا عَلَيْهِمْ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَقَالَ: لَا يَحَجَّنَّ بَعْدَ عَامِنَا هَذَا مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُنَّ بِالْبَيْتِ عُرْيَان». حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}، عِشْرُونَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَصَفَرٌ، وَرَبِيعٌ الْأَوَّلُ، وَعَشْرٌ مِنْ رَبِيعٍ الْآخَرِ. كَانَ ذَلِكَ عَهْدَهُمُ الَّذِي بَيْنَهُمْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}، إِلَى أَهْلِ الْعَهْدِ: خُزَاعَةَ، وَمُدْلِجٍ، وَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ مِنْهُمْ أَوْ غَيْرِهِمْ. أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَبُوكَ حِينَ فَرَغَ، فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَّ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ يَحْضُرُ الْمُشْرِكُونَ فَيَطُوفُونَ عُرَاةً، فَلَا أُحِبُّ أَنْ أَحُجَّ حَتَّى لَا يَكُونَ ذَلِكَ، فَأَرْسَلَ أَبَا بَكْرٍ وَعَلِيًّا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا فَطَافَا بِالنَّاسِ بِذِي الْمَجَازِ، وَبِأَمْكِنَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَتَبَايَعُونَ بِهَا، وَبِالْمَوَسِمِ كُلِّهِ، وَآذَنُوا أَصْحَابَ الْعَهْدِ بِأَنْ يَأْمَنُوا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَهِيَ الْأَشْهُرُ الْمُتَوَالِيَاتُ: عِشْرُونَ مِنْ آخَرَ ذِي الْحِجَّةِ إِلَى عَشْرٍ يَخْلُونَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ، ثُمَّ لَا عَهْدَ لَهُمْ. وَآذَنُ النَّاسِ كُلِّهَا بِالْقِتَالِ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، قَالَ: أَهْلُ الْعَهْدِ: مُدْلِجٌ، وَالْعَرَبُ الَّذِينَ عَاهَدَهُمْ، وَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ. قَالَ: أَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَبُوكَ حِينَ فَرَغَ مِنْهَا وَأَرَادَ الْحَجَّ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ يَحْضُرُ الْبَيْتَ مُشْرِكُونَ يَطُوفُونَ عُرَاةً فَلَا أُحِبُّ أَنْ أَحُجَّ حَتَّى لَا يَكُونَ ذَلِكَ، فَأَرْسَلَ أَبَا بَكْرٍ وَعَلِيًّا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا، فَطَافَا بِالنَّاسِ بِذِي الْمَجَازِ، وَبِأَمْكِنَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَتَبَايَعُونَ بِهَا، وَبِالْمَوْسِمِ كُلِّهِ، وآذَنُوا أَصْحَابَ الْعَهْدِ بِأَنْ يَأْمَنُوا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَهِيَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ الْمُنْسَلِخَاتُ الْمُتَوَالِيَاتُ: عِشْرُونَ مِنْ آخَرَ ذِي الْحِجَّةِ إِلَى عَشْرٍ يَخْلُونَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ، ثُمَّ لَا عَهْدَ لَهُمْ. وَآذَنَ النَّاسَ كُلَّهُمْ بِالْقِتَالِ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا، فَآمِنَ النَّاسُ أَجْمَعُونَ حِينَئِذٍ، وَلَمْ يَسِحْ أَحَدٌ. وَقَالَ: حِينَ رَجَعَ مِنْ الطَّائِفَ، مَضَى مِنْ فَوْرِهِ ذَلِكَ، فَغَزَا تَبُوكَ، بَعْدَ إِذْ جَاءَ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَالَ: "ابْتِدَاءُ الْأَجَلِ لِجَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ وَانْقِضَاؤُهُ كَانَ وَاحِدًا". كَانَ ابْتِدَاؤُهُ يَوْمَ نَـزَلَتْ "بَرَاءَةٌ"، وَانْقِضَاءُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَذَلِكَ انْقِضَاءُ الْمُحَرَّمِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}، قَالَ: نَـزَلَتْ فِي شَوَّالٍ، فَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهَرُ: شَوَّالٌ، وَذُو الْقِعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا كَانَ تَأْجِيلُ اللَّهِ الْأَشْهَرَ الْأَرْبَعَةَ الْمُشْرِكِينَ فِي السِّيَاحَةِ، لِمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ مُدَّتُهُ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، أَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ مُدَّتُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنَّهُ أمِرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُتِمَّ لَهُ عَهَدَهُ إِلَى مُدَّتِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّمَا كَانَ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ لِمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ دُونَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهَرِ، فَأَتَمَّ لَهُ الْأَرْبَعَةَ، وَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَهُوَ الَّذِي أُمِرَ أَنْ يُتِمَّ لَهُ عَهْدُهُ، وَقَالَ: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ}، [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 4]. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: الْأَجَلُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لِأَهْلِ الْعَهْدِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَأَذِنَ لَهُمْ بِالسِّيَاحَةِ فِيهِ بِقَوْلِهِ: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}، إِنَّمَا هُوَ لِأَهْلِ الْعَهْدِ الَّذِينَ ظَاهَرُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَقَضُوا عَهْدَهُمْ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ، فَأَمَّا الَّذِينَ لَمَّ يَنْقَضُّوا عَهْدَهُمْ وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْهِ، فَإِنَّ اللَّهَ-جَلَّ ثَنَاؤُهُ- أَمَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِتْمَامِ الْعَهْدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِ بِقَوْلِهِ: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}، [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 4] فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}، [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 5]، يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ، إِذْ كَانَ ذَلِكَ يُنْبِئُ عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كَانَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، قَتْلُ كُلِّ مُشْرِكٍ، فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا ظَنَّ، وَذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي تَتْلُو ذَلِكَ تُبَيِّنُ عَنْ صِحَّةِ مَا قُلْنَا، وَفَسَادِ مَا ظَنَّهُ مِنْ ظَنٍّ أَنَّ انْسِلَاخَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ كَانَ يُبِيحُ قَتْلَ كُلِّ مُشْرِكٍ، كَانَ لَهُ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُ عَهْدٌ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}، [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 7]، فَهَؤُلَاءِ مُشْرِكُونَ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِالِاسْتِقَامَةِ لَهُمْ فِي عَهْدِهِمْ، مَا اسْتَقَامُوا لَهُمْ بِتَرْكِ نَقْضِ صُلْحِهِمْ، وَتَرْكِ مُظَاهَرَةِ عَدُوِّهِمْ عَلَيْهِمْ. وَبَعْدُ، فَفِي الْأَخْبَارِ الْمُتَظَاهِرَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ حِينَ بَعَثَ عَلِيًّا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ بِبَرَاءَة إِلَى أَهْلِ الْعُهُودِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، أَمَرَهُ فِيمَا أَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ بِهِ فِيهِمْ: «وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَعَهْدُهُ إِلَى مُدَّتِه»، أَوْضَحُ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَقْضِ عَهْدِ قَوْمٍ كَانَ عَاهَدَهُمْ إِلَى أَجَلٍ فَاسْتَقَامُوا عَلَى عَهْدِهِمْ بِتَرْكِ نَقْضِهِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا أَجَّلَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مَنْ كَانَ قَدْ نَقَضَ عَهْدَهُ قَبْلَ التَّأْجِيلِ، أَوْ مَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ إِلَى أَجَلٍ غَيْرِ مَحْدُودٍ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ أَجْلُ عَهْدِهِ مَحْدُودًا، وَلَمْ يَجْعَلْ بِنَقْضِهِ عَلَى نَفْسِهِ سَبِيلًا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِإِتْمَامٍ عَهِدَهُ إِلَى غَايَةِ أَجَلِهِ مَأْمُورًا. وَبِذَلِكَ بَعَثَ مُنَادِيَهُ يُنَادِي بِهِ فِي أَهْلِ الْمَوْسِمِ مِنَ الْعَرَبِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنْ مُغَيَّرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَرَّرُ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «كُنْتُ مَعَ عَلَيٍّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، حِينَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَادِي، فَكَانَ إِذَا صَحِلَ صَوْتُهُ نَادَيْتُ، قُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تُنَادُونَ؟ قَالَ: بِأَرْبَعٍ: لَا يَطُفْ بِالْكَعْبَةِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَعَهْدُهُ إِلَى مُدَّتِهِ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ، وَلَا يَحُجَّ بَعْدَ عَامِنَا هَذَا مُشْرِك». حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُحَرَّرُ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كُنْتُ مَعَ عَلَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَعَهْدُهُ إِلَى أَجْلِه». قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ شُعْبَةُ، فَخَالَفَ قَيْسًا فِي الْأَجَلِ. فَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَا: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُغَيَّرَةِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْمُحَرِّرِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كُنْتُ مَعَ عَلَيٍّ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَرَاءَة إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ، فَكُنْتُ أُنَادِي حَتَّى صَحِلَ صَوْتِي، فَقُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ كُنْتَ تُنَادِي؟ قَالَ: أُمِرْنَا أَنْ نُنَادِيَ: أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَأَجَلُهُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَإِنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ، وَلَا يَطُفْ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَلَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِك». قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَخْشَى أَنَّ يَكُونَ هَذَا الْخَبَرُ وَهْمًا مِنْ نَاقِلِهِ فِي الْأَجَلِ، لِأَنَّ الْأَخْبَارَ مُتَظَاهِرَةٌ فِي الْأَجَلِ بِخِلَافِهِ، مَعَ خِلَافِ قَيْسٍ شُعْبَةَ فِي نَفْسِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا بَيَّنْتُهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ، عَنْ عَلَيٍّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ قَالَ: «أُمِرْتُ بِأَرْبَعٍ: أُمِرْتُ أَنْ لَا يَقْرَبَ الْبَيْتَ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُفْ رَجُلٌ بِالْبَيْتِ عُرْيَانًا، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا كُلُّ نَفْسٍ مُسْلِمَةٍ، وَأَنْ يُتِمَّ إِلَى كُلِّ ذِي عَهْدٍ عَهْدُه». حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ يُثَيْعٍ قَالَ: «نَزَلَتْ "بَرَاءَةٌ"، فَبَعَثَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ أَرْسَلَ عَلِيًّا فَأَخْذَهَا مِنْهُ، فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: هَلْ نَـزَلَ فِيَّ شَيْءٌ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أُبَلِّغَهَا أَنَا أَوْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، فَانْطَلَقَ إِلَى مَكَّةَ، فَقَامَ فِيهِمْ بِأَرْبَعٍ: أَنْ لَا يَدْخُلَ مَكَّةَ مُشْرِكٌ بَعْدَ عَامِهِ هَذَا، وَلَا يَطُفْ بِالْكَعْبَةِ عُرْيَانٌ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ عَهْدٌ فَعَهْدُهُ إِلَى مُدَّتِه». حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ يُثَيْعٍ، عَنْ عَلَيٍّ قَالَ: «بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُنْـزِلَتْ: "بَرَاءَةٌ" بِأَرْبَعٍ: أَنْ لَا يَطُفْ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَلَا يَقْرَبِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مُشْرِكٌ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَهُوَ إِلَى مُدَّتِهِ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَة». حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلَيٍّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، قَالَ: بُعِثْتُ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ بِأَرْبَعٍ، ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍقَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ قَرْمٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ بِبَرَاءَةٌ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ عَلِيًّا، فَأَخَذَهَا مِنْهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدَثَ فِيَّ شَيْءٌ؟ قَالَ: "لَا أَنْتَ صَاحِبِي فِي الْغَارِ وَعَلَى الْحَوْضِ، وَلَا يُؤَدِّي عَنِّي إِلَّا أَنَا أَوْ عَلَيٌّ! وَكَانَ الَّذِي بَعَثَ بِهِ عَلِيًّا أَرْبَعًا: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَلَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُفْ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَهُوَ إِلَى مُدَّتِه». حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: «بَعْثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَنَادَى: أَلَا لَا يَحُجُّنَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُفْ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَأَجَلُهُ إِلَى مُدَّتِهِ، وَاللَّهُ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُه». حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ حَنِيفٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: «لَمَّا نَـزَلَتْ بَرَاءَةٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ كَانَ بَعْثَ أَبَا بَكْرٍ الصَّدِيقَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ لِيُقَيَّمَ الْحَجَّ لِلنَّاسِ؛ قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ بَعَثْتَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ! فَقَالَ: لَا يُؤَدِّي عَنِّي إِلَّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي! ثُمَّ دَعَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اخْرُجْ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ مِنْ صَدْرِ "بَرَاءَةٌ"، وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ يَوْمَ النَّحْرِ إِذَا اجْتَمَعُوا بِمِنًى: أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ كَافِرٌ، وَلَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُفْ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَهُوَ إِلَى مُدَّتِهِ، فَخَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَلَى نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَضْبَاءِ، حَتَّى أَدْرَكَ أَبَا بَكْرٍ الصَّدِيقَ بِالطَّرِيقِ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: أَمِيرٌ أَوْ مَأْمُورٌ؟ قَالَ: مَأْمُورٌ، ثُمَّ مَضَيَا، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا، فَأَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ الْحَجَّ، وَالْعَرَبُ إِذْ ذَاكَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ عَلَى مَنَازِلِهِمْ مِنَ الْحَجِّ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ، قَامَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَأَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالَّذِي أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَلَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُفْ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ لَهُ إِلَى مُدَّتِهِ، فَلَمْ يَحُجَّ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، ثُمَّ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ هَذَا مِنْ "بَرَاءَةٌ"، فِيمَنْ كَانَ مَنْ أَهْلِ الشِّرْكِ مَنْ أَهَلِ الْعَهْدِ الْعَامِّ، وَأَهْلِ الْمُدَّةِ إِلَى الْأَجَلِ الْمُسَمَّى». حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: «لَمَّا نَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ إِلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ آيَةً، بَعَثَ بِهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَأَمَّرَهُ عَلَى الْحَجِّ، فَلَمَّا سَارَ فَبَلَغَ الشَّجَرَةَ مِنْ ذِي الْحُلَِيْفَةِ، أَتْبَعَهُ بِعَلَيٍّ فَأَخْذهَا مِنْهُ، فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَنَـزَلَ فِي شَأْنِي شَيْءٌ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنْ لَا يُبَلِّغُ عَنِّي غَيْرِي، أَوْ رَجُلٌ مِنِّي، أَمَا تَرْضَى يَا أَبَا بَكْرٍ أَنَّكَ كُنْتَ مَعِي فِي الْغَارِ، وَأَنَّكَ صَاحِبِي عَلَى الْحَوْضِ؟ قَالَ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَسَارَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْحَاجِّ، وَعْلَيٌّ يُؤْذِنُ بِبَرَاءَةٌ، فَقَامَ يَوْمَ الْأَضْحَى فَقَالَ: لَا يَقْرَبَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مُشْرِكٌ بَعْدَ عَامِهِ هَذَا، وَلَا يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَلَهُ عَهْدُهُ إِلَى مُدَّتِهِ، وَإِنَّ هَذِهِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُدْخِلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ مُسْلِمًا، فَقَالُوا: نَحْنُ نَبْرَأُ مِنْ عَهْدِكَ وَعَهْدِ ابْنِ عَمِّكَ إِلَّا مِنَ الطَّعْنِ وَالضَّرْبِ! فَرَجَعَ الْمُشْرِكُونَ، فَلَامَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَقَالُوا: مَا تَصْنَعُونَ، وَقَدْ أَسْلَمَتْ قُرَيْشٌ؟ فَأَسْلَمُوا». حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ يُثَيْعٍ، عَنْ عَلَيٍّ قَالَ: «أُمِرْتُ بِأَرْبَعٍ: أَنْ لَا يَقْرَبَ الْبَيْتَ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَلَا يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَأَنْ يُتِمَّ إِلَى كُلِّ ذِي عَهْدٍ عَهْدُه» قَالَ مَعْمَرٌ: وَقَالَهُ قَتَادَةُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَقَدْ أَنْبَأَتْ هَذِهِ الْأَخْبَارُ وَنَظَائِرُهَا عَنْ صِحَّةِ مَا قُلْنَا، وَأَنَّ أَجَلَ الْأَشْهُرِ الْأَرْبَعَةِ إِنَّمَا كَانَ لِمَنْ وَصَفْنَا، فَأَمَّا مَنْ كَانَ عَهْدُهُ إِلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، فَلَمْ يَجْعَلْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ لِنَقْضِهِ وَمُظَاهَرَةِ أَعْدَائِهِمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ وَفَّى لَهُ بِعَهْدِهِ إِلَى مُدَّتِهِ، عَنْ أَمْرِ اللَّهِ إِيَّاهُ بِذَلِكَ، وَعَلَى ذَلِكَ دَلَّ ظَاهِرُ التَّنْـزِيلِ، وَتَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَمَّا الْأَشْهُرُ الْأَرْبَعَةُ، فَإِنَّهَا كَانَتْ أَجَلَ مَنْ ذَكَرْنَا. وَكَانَ ابْتِدَاؤُهَا يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وَانْقِضَاؤُهَا انْقِضَاءَ عَشْرٍ مِنْ رَبِيعِ الْآخَرِ، فَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مُتَتَابِعَةٌ، جُعِلَ لِأَهْلِ الْعَهْدِ الَّذِينَ وَصَفْنَا أَمْرَهُمْ، فِيهَا، السِّيَاحَةُ فِي الْأَرْضِ، يَذْهَبُونَ حَيْثُ شَاؤُوا، لَا يَعْرِضُ لَهُمْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَحَدٌ بِحَرْبٍ وَلَا قَتْلٍ وَلَا سَلْبٍ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ كَمَا وَصَفْتَ، فَمَا وَجْهُ قَوْلِهِ: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}، [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 5]. وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ انْسِلَاخَهَا انْسِلَاخُ الْمُحَرَّمِ، وَقَدْ زَعَمْتَ أَنَّ تَأْجِيلَ الْقَوْمِ مِنَ اللَّهِ وَمِنْ رَسُولِهِ كَانَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَإِنَّمَا بَيْنَ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ وَانْسِلَاخِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ خَمْسُونَ يَوْمًا أَكْثَرُهُ، فَأَيْنَ الْخَمْسُونَ يَوْمًا مِنَ الْأَشْهُرِ الْأَرْبَعَةِ؟ قِيلَ: إِنَّ انْسِلَاخَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، إِنَّمَا كَانَ أَجْلَ مَنْ لَا عَهْدَ لَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْأَشْهُرُ الْأَرْبَعَةُ لِمَنْ لَهُ عَهدٌ، إِمَّا إِلَى أَجَلٍ غَيْرِ مَحْدُودٍ، وَإِمَّا إِلَى أَجَلٍ مَحْدُودٍ قَدْ نَقَضَهُ، فَصَارَ بِنَقْضِهِ إِيَّاهُ بِمَعْنَى مَنْ خِيفَ خِيَانَتُهُ، فَاسْتَحَقَّ النَّبْذَ إِلَيْهِ عَلَى سَوَاءٍ، غَيْرَ أَنَّهُ جُعِلَ لَهُ الِاسْتِعْدَادُ لِنَفْسِهِ وَالِارْتِيَادُ لَهَا مِنَ الْأَجَلِّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهَرِ. أَلَّا تَرَى اللَّهَ يَقُولُ لِأَصْحَابِ الْأَشْهُرِ الْأَرْبَعَةِ، وَيَصِفُهُمْ بِأَنَّهُمْ أَهْلُ عَهْدٍ: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ}، وَوَصَفَ الْمَجْعُولَ لَهُمُ انْسِلَاخُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ أَجَلًا بِأَنَّهُمْ أَهْلُ شِرْكٍ لَا أَهْلُ عَهْدٍ فَقَالَ: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} الْآيَةَ {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} الْآيَةَ؟ ثُمَّ قَالَ: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}، فَأَمَرَ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا عَهْدَ لَهُمْ بَعْدَ انْسِلَاخِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَبِإِتْمَامِ عَهْدِ الَّذِينَ لَهُمْ عَهْدٌ، إِذَا لَمَّ يَكُونُوا نَقَضُوا عَهْدَهُمْ بِالْمُظَاهَرَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَإِدْخَالُ النَّقْصِ فِيهِ عَلَيْهِمْ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ التَّأْجِيلِ كَانَ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، دُونَ أَنْ يَكُونَ كَانَ مِنْ شَوَّالٍ عَلَى مَا قَالَهُ قَائِلُو ذَلِكَ؟ قِيلَ لَهُ: إِنَّ قَائِلِي ذَلِكَ زَعَمُوا أَنَّ التَّأْجِيلَ كَانَ مِنْ وَقْتِ نُـزُولِ "بَرَاءَةٌ"، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْمَجْعُولَ لَهُ أَجْلُ السِّيَاحَةِ إِلَى وَقْتٍ مَحْدُودٍ. إِذَا لَمْ يَعْلَمْ مَا جُعِلَ لَهُ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ عَهْدٍ لَهُ قَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ بِخِلَافِهِ، فَكَمَنَ لَمْ يُجْعَلْ لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ مَا لَهُ فِي الْأَجَلِ الَّذِي جُعِلَ لَهُ وَمَا عَلَيْهِ بَعْدَ انْقِضَائِهِ، فَهُوَ كَهَيْئَتِهِ قَبْلَ الَّذِي جُعِلَ لَهُ مِنَ الْأَجَلِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَعْلَمُوا بِمَا جُعِلَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ، إِلَّا حِينَ نُودِيَ فِيهِمْ بِالْمَوْسِمِ، و إِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، صَحَّ أَنَّ ابْتِدَاءَهُ مَا قُلْنَا، وَانْقِضَاءَهُ كَانَ مَا وَصَفْنَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}، فَإِنَّهُ يَعْنِي: فَسِيرُوا فِيهَا مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ، آمِنِينَ غَيْرَ خَائِفِينَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَتْبَاعِهِ. يُقَالُ مِنْهُ: "سَاحَ فُلَانٌ فِي الْأَرْضِ يَسِيحُ سِيَاحَةً وسُيُوحًا وَسَيَحَانًا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ}، فَإِنَّهُ يَقُولُ لِأَهْلِ الْعَهْدِ مِنَ الَّذِينَ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ قَبْلَ نُـزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ: اعْلَمُوا، أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ، أَنَّكُمْ إِنْ سِحْتُمْ فِي الْأَرْضِ، وَاخْتَرْتُمْ ذَلِكَ مَعَ كُفْرِكُمْ بِا للَّهِ، عَلَى الْإِقْرَارِ بِتَوْحِيدِ وَتَصْدِيقِ رَسُولِهِ {غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ}، يَقُولُ: غَيْرُ مُفِيتِيهِ بِأَنْفُسِكُمْ، لِأَنَّكُمْ حَيْثُ ذَهَبْتُمْ وَأَيْنَ كُنْتُمْ مِنَ الْأَرْضِ، فَفِي قَبْضَتِهِ وَسُلْطَانِهِ، لَا يَمْنَعُكُمْ مِنْهُ وَزِيرٌ، وَلَا يَحُولُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ إِذَا أَرَادَكُمْ بِعَذَابٍ مَعْقِلٌ وَلَا مَوْئِلٌ إِلَّا الْإِيمَانُ بِهِ وَبِرَسُولِهِ، وَالتَّوْبَةُ مِنْ مَعْصِيَتِهِ. يَقُولُ: فَبَادَرُوا عُقُوبَتَهُ بِتَوْبَةٍ، وَدَعُوا السِّيَاحَةَ الَّتِي لَا تَنْفَعُكُمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ}، يَقُولُ: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مُذِلُّ الْكَافِرِينَ، وَمُورِثُهُمُ الْعَارَ فِي الدُّنْيَا، وَالنَّارَ فِي الْآخِرَةِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِعْلَامٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى "ا لْأَذَانِ"، فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا بِشَوَاهِدِهِ. وَكَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا:- حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: زَعَمَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى الشَّامِيُّ أَنَّ قَوْلَهُ: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}، قَالَ: "ا لْأَذَانُ"، الْقَصَصُ، فَاتِحَةُ "بَرَاءَةٌ" حَتَّى تَخْتِمَ: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}، [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 28] فَذَلِكَ ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ آيَةً. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}، قَالَ: إِعْلَامٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَرُفِعَ قَوْلُهُ: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ}، عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ}، كَأَنَّهُ قَالَ: هَذِهِ بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ}، فَإِنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ وَهْبُ اللَّهِ بْنُ رَاشِدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو صَخْرٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا مُعَاوِيَةَ الْبَجَلِيَّ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الصَّهْبَاءِ الْبِكْرِيَّ وَهُوَ يَقُولُ: «سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ "يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ" فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي قُحَافَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُقِيمُ لِلنَّاسِ الْحَجَّ، وَبَعَثَنِي مَعَهُ بِأَرْبَعِينَ آيَةً مِنْ بَرَاءَةٌ، حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَخَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَلَمَّا قَضَى خُطْبَتَهُ الْتَفَتَ إِلَيَّ، فَقَالَ: قُمْ، يَا عَلَيُّ وَأَدِّ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! فَقُمْتُ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ آيَةً مِنْ "بَرَاءَةٌ"، ثُمَّ صَدَرْنَا، حَتَّى أَتَيْنَا مِنًى، فَرَمَيْتُ الْجَمْرَةَ وَنَحَرْتُ الْبَدَنَةَ، ثُمَّ حَلَقْتُ رَأْسِي، وَعَلِمْتُ أَنَّ أَهْلَ الْجَمْعِ لَمْ يَكُونُوا حَضَرُوا خُطْبَةَ أَبِي بَكْرٍ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَطَفِقْتُ أَتَتَبَّعُ بِهَا الْفَسَاطِيطَ أَقْرَؤُهَا عَلَيْهِمْ، فَمِنْ ثَمَّ إِخَالُ حَسِبْتُمْ أَنَّهُ يَوْمُ النَّحْرِ، أَلَا وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَة». حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَأَلَتْ أَبَا جُحَيْفَةَ عَنْ "يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ" فَقَالَ: يَوْمُ عَرَفَةَ، فَقُلْتُ: أَمِنَ عِنْدِكَ، أَوْ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: كُلُّ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: الْحَجُّ الْأَكْبَرُ، يَوْمُ عَرَفَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْوَلِيدِ الشَّنَّيَّ، عَنْ شِهَابِ بْنِ عَبَّادٍ العَصَريِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، يَوْمُ عَرَفَةَ فَذَكَرْتُهُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ: أَخْبِرُكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ: الْحَجُّ الْأَكْبَرُ يَوْمُ عَرَفَةَ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْوَلِيدِ الشَّنِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ الْعَصْرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقُولُ: هَذَا يَوْمُ عَرَفَةَ، يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ فَلَا يُصَوِّمَنَّهُ أَحَدٌ. قَالَ: فَحَجَجْتُ بَعْدُ أَبِي فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَسَأَلْتُ عَنْ أَفْضَلِ أَهْلِهَا، فَقَالُوا: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: إِنِّي سَأَلْتُ عَنْ أَفْضَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَقَالُوا: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، فَأَخْبِرْنِي عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: أُخْبِرُكَ عَمَّنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنِّي مِائَةَ ضِعْفٍ؟ عُمْرُ، أَوْ: ابْنُ عُمَرَ، كَانَ يَنْهَى عَنْ صَوْمِهِ وَيَقُولُ: هُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ حَبِيبٍ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ دَاوُدَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: يَوْمُ عَرَفَةَ هَذَا، يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، فَلَا يَصُمْهُ أَحَدٌ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا غَالِبُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: سَأَلَتُ عَطَاءً عَنْ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ فَقَالَ: يَوْمُ عَرَفَةَ، فَأَفِضْ مِنْهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: «خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ- وَكَانَ لَا يَخْطُبُ إِلَّا قَالَ: أَمَّا بَعْدُ- فَإِنَّ هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَر». حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، يَوْمُ عَرَفَةَ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ بُخْتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، يَوْمُ عَرَفَةَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي طَاوُسٌ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْنَا: مَا الْحَجُّ الْأَكْبَرُ؟ قَالَ: يَوْمُ عَرَفَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخَرَمَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَقَالَ: هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَر». وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلَيٍّ قَالَ: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، يَوْمُ النَّحْرِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنِ الْأَجْلَحِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، يَوْمُ النَّحْرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيًّا عَنِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ فَقَالَ: هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: سَأَلَتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى عَنِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، قَالَ: فَقَالَ: يَوْمُ النَّحْرِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَيَّاشٍ الْعَامِرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، يَوْمُ النَّحْرِ. قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، يَوْمُ النَّحْرِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو سَلَمَةَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: فَسَأَلَتْهُ عَنْ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، فَقَالَ: يَوْمُ النَّحْرِ، يَوْمُ يُهَرَاقُ فِيهِ الدَّمُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، يَوْمُ النَّحْرِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو السَّائِبِ قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى عَنْ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ قَالَ: هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، يَوْمُ النَّحْرِ. قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ قَالَ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى، وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: {يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ}، قَالَ: هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يُرَاقُ فِيهِ الدَّمُ، وَيُحْلَقُ فِيهِ الشَّعْرُ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ الْجَزَّارِ يُحَدِّثُ، عَنْ عَلَيٍّ: أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ يُرِيدُ الْجَبَّانَةَ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَخَذَ بِلِجَامِ بَغْلَتِهِ، فَسَأَلَهُ عَنِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، فَقَالَ: هُوَ يَوْمُكَ هَذَا، خَلِّ سَبِيلَهَا. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، وَشُتَيْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلَيٍّ قَالَ: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، يَوْمُ النَّحْرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلَيٍّ قَالَ: سُئِلَ عَنْ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ قَالَ: هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، عَنْ عَلَيٍّ: أَنَّهُ لَقِيَهُ رَجُلٌ يَوْمَ النَّحْرِ فَأَخَذَ بِلِجَامِهِ، فَسَأَلَهُ عَنْ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، قَالَ: هُوَ هَذَا الْيَوْمُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَعِيَاشٍ الْعَامِرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي تُهَراقُ فِيهِ الدِّمَاءُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: الْحَجُّ الْأَكْبَرُ، يَوْمٌ تُهَرَاقُ فِيهِ الدِّمَاءُ، وَيُحْلَقُ فِيهِ الشَّعْرُ، وَيَحِلُّ فِيهِ الْحَرَامُ. حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى الرَّمْلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عِيسَى، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: خَطْبنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ يَوْمَ الْأَضْحَى عَلَى بَعِيرٍ فَقَالَ: هَذَا يَوْمُ الْأَضْحَى، وَهَذَا يَوْمُ النَّحْرِ، وَهَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: خَطْبنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ يَوْمَ الْأَضْحَى عَلَى بَعِيرٍ وَقَالَ: هَذَا يَوْمُ الْأَضْحَى، وَهَذَا يَوْمُ النَّحْرِ، وَهَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: خَطَبْنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ سَمَّاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْحَجُّ الْأَكْبَرُ، يَوْمُ النَّحْرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ، سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ: الْحَجُّ الْأَكْبَرُ، يَوْمُ النَّحْرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: الْحَجُّ الْأَكْبَرُ، يَوْمُ النَّحْرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، قَالَ: اخْتَصَمَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَرَجُلٌ مِنْ آلِ شَيْبَةَ فِي "يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ"، قَالَ عَلِيٌّ: هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ. وَقَالَ الَّذِي مِنْ آلِ شَيْبَةَ: هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ، فَأَرْسَلَ إِلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ، أَلَّا تَرَى أَنَّ مَنْ فَاتَهُ يَوْمُ عَرَفَةَ لَمْ يَفُتْهُ الْحَجُّ، فَإِذَا فَاتَهُ يَوْمُ النَّحْرِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ؟ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: الْحَجُّ الْأَكْبَرُ، يَوْمُ النَّحْرِ. قَالَ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا فَاتَهُ يَوْمُ عَرَفَةَ، أَكَانَ يَفُوتُهُ الْحَجُّ؟ وَإِذَا فَاتَهُ يَوْمُ النَّحْرِ فَاتَهُ الْحَجُّ! حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو السَّائِبِ قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: الْحَجُّ الْأَكْبَرُ، يَوْمُ النَّحْرِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عِبَادَةَ قَالَ: ذُو الْحِجَّةِ الْعَاشِرُ النَّحْرُ، وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، يَوْمُ النَّحْرِ. وَالْحَجُّ الْأَصْغَرُ، الْعُمْرَةُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِّ قَالَ: الْحَجُّ الْأَكْبَرُ، يَوْمُ النَّحْرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ مُسْلِمٍ الْحَجْبِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ عَنْ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، قَالَ: يَوْمُ النَّحْرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنِ الْمُغَيَّرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: الْحَجُّ الْأَكْبَرُ، يَوْمَ النَّحْرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، يَوْمُ يُهَراقُ فِيهِ الدَّمُ، وَيَحِلُّ فِيهِ الْحَرَامُ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغَيَّرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، يَوْمُ النَّحْرِ، الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ كُلُّ حَرَامٍ. قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلَيٍّ، قَالَ: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، يَوْمَ النَّحْرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ فَقَالَ: كَانَ يَوْمًا وَافِقَ فِيهِ حَجَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَجَّ أَهْلِ الْوَبَرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ قَالَ: سَأَلْتُ مُجَاهِدًا عَنْ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ فَقَالَ: هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبَى إِسْحَاقَ، عَنْ مُجَاهِدٍ: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، يَوْمُ النَّحْرِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، يَوْمُ النَّحْرِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، يَوْمُ النَّحْرِ وَقَالَ عِكْرِمَةُ: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ: يَوْمُ النَّحْرِ، يَوْمُ تُهْرَاقُ فِيهِ الدِّمَاءُ، وَيَحِلُّ فِيهِ الْحَرَامُ قَالَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَوْمٌ يُجْمَعُ فِيهِ الْحَجُّ كُلُّهُ، وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ. قَالَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، يَوْمُ النَّحْرِ. قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سَمَّاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: الْحَجُّ الْأَكْبَرُ، يَوْمُ النَّحْرِ قَالَ: وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: يَوْمُ النَّحْرِ، يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، وَعَمْرٌو، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُونَ فِي النَّاسِ يَوْمَ النَّحْرِ: أَلَا لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَان» قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَكَانَ حُمَيْدٌ يَقُولُ: يَوْمُ النَّحْرِ، يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّعْبِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادٍ عَنِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وَالْحَجِّ الْأَصْغَرِ، فَقَالَ: الْحَجُّ الْأَكْبَرُ يَوْمُ النَّحْرِ، وَالْحَجُّ الْأَصْغَرُ الْعُمْرَةُ. قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ، سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: `أَخْبَرَنَا ابْنُ عيينةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى يَقُولُ: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، يَوْمُ يُوضَعُ فِيهِ الشَّعْرُ، ويُهَراقُ فِيهِ الدَّمُ، وَيَحِلُّ فِيهِ الْحَرَامُ. قَالَ: حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَلَيٍّ قَالَ: الْحَجُّ الْأَكْبَرُ، يَوْمُ النَّحْرِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنْ عَيَّاشٍ الْعَامِرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، هُوَ يَوْمٌ تُهْرَاقُ فِيهِ الدِّمَاءُ، وَيَحَلُّ فِيهِ الْحَرَامُ، وَيُوضَعُ فِيهِ الشَّعْرُ، وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ. قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: خَطْبنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ فَقَالَ: هَذَا يَوْمُ النَّحْرِ، وَهَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُغَيَّرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، يَوْمُ النَّحْرِ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنَ طَهْمَانَ، عَنْ مُغَيَّرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، يَوْمُ النَّحْرِ، يَحِلُّ فِيهِ الْحَرَامُ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ، قَعَدَ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ، وَأَخَذَ إِنْسَانٌ بِخِطَامِهِ أَوْ: زِمَامِهِ فَقَالَ: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالَ: فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ غَيْرَ اسْمِهِ فَقَالَ: أَلَيْسَ يَوْمَ الْحَجِّ؟. حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ السِّجِسْتَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَابِرٍ الْحَرَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ الْغَازِ الْجُرَشِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ عِنْدَ الْجَمَرَاتِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ: هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَر». حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ مُخَضْرَمَةٍ، فَقَالَ: أَتُدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ يَوْمُكُمْ؟ قَالُوا: يَوْمُ النَّحْرِ! قَالَ: صَدَقْتُمْ، يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَر». حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ مَرَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَرَّةُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ... قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ حِينَ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ، فَنَادَى بِبَرَاءَةٌ: إِنَّهُ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، أَلَا إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، أَلَا وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، أَلَا وَلَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، أَلَا وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ عَهْدٌ فَأَجُلُّهُ إِلَى مُدَّتِهِ، وَاللَّهُ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُه». حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنِي هُشَيْمٌ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، يَوْمُ النَّحْرِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ}، قَالَ: يَوْمُ النَّحْرِ، يَوْمُ يَحِلُّ فِيهِ الْمُحَرَّمُ، وَيُنْحَرُ فِيهِ الْبُدْنُ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ. وَكَانَ أَبِي يَقُولُهُ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ. وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يَقُولُ إِنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ إِلَّا ابْنَ عَبَّاسٍ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: وَالْحَجُّ يَفُوتُ بِفَوْتِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَلَا يَفُوتُ بِفَوْتِ يَوْمِ عَرَفَةَ، إِنْ فَاتَهُ الْيَوْمُ لَمْ يَفُتْهُ اللَّيْلُ، يَقِفُ مَا بَيَّنَهُ وَبَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: يَوْمُ الْأَضْحَى، يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غُرْفَتِي هَذِهِ، حَسِبْتُهُ قَالَ: «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ مُخَضْرَمَةٍ فَقَالَ: أَتُدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ هَذَا يَوْمُ النَّحْرِ، وَهَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَر». وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: {يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ}، حِينَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ وَوَقْتَهُ. قَالَ: وَذَلِكَ أَيَّامُ الْحَجِّ كُلُّهَا، لَا يَوْمٌ بِعَيْنِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ}، حِينَ الْحَجِّ، أَيَّامَهُ كُلَّهَا. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الْحَجُّ الْأَكْبَرُ، أَيَّامُ مِنَى كُلُّهَا، وَمَجَامِعُ الْمُشْرِكِينَ حِينَ كَانُوا بِذِي الْمَجَازِ وَعُكَاظٍ وَمَجَنَّةَ، حِينَ نُودِيَ فِيهِمْ: أَنْ لَا يَجْتَمِعَ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا، وَأَنْ لَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَعَهْدُهُ إِلَى مُدَّتِهِ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ، كَانَ سُفْيَانُ يَقُولُ: "يَوْمُ الْحَجِّ"، وَ"يَوْمُ الْجَمَلِ"، وَ"يَوْمُ صِفِّينَ"، أَيْ: أَيَّامُهُ كُلُّهَا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ}، قَالَ: حِينَ الْحَجِّ، أَيْ: أَيَّامَهُ كُلَّهَا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصِّحَّةِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: "يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، يَوْمُ النَّحْرِ"، لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَلِيًّا نَادَى بِمَا أَرْسَلَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرِّسَالَةِ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، وَتَلَا عَلَيْهِمْ "بَرَاءَةٌ"، يَوْمَ النَّحْرِ. هَذَا، مَعَ الْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَّرْنَاهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «قَالَ يَوْمَ النَّحْرِ: أَتُدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَر». وَبَعْدُ، فَإِنَّ "ا لْيَوْمَ" إِنَّمَا يُضَافُ إِلَى الْمَعْنَى الَّذِي يَكُونُ فِيهِ، كَقَوْلِ النَّاسِ: "يَوْمُ عَرَفَةَ"، وَذَلِكَ يَوْمُ وُقُوفِ النَّاسِ بِعَرَفَةَ، وَ"يَوْمُ الْأَضْحَى"، وَذَلِكَ يَوْمُ يُضَحُّونَ فِيهِ "وَيَوْمُ الْفِطْرِ"، وَذَلِكَ يَوْمُ يُفْطِرُونَ فِيهِ. وَكَذَلِكَ "يَوْمُ الْحَجِّ"، يَوْمُ يَحُجُّونَ فِيهِ، وَإِنَّمَا يَحُجُّ النَّاسُ وَيَقْضُونَ مَنَاسِكَهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ، لِأَنَّ فِي لَيْلَةِ نَهَارِ يَوْمِ النَّحْرِ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ غَيْرَ فَائِتٍ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَفِي صَبِيحَتِهَا يَعْمَلُ أَعْمَالَ الْحَجِّ، فَأَمَّا يَوْمُ عَرَفَةَ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، فَغَيْرُ فَائِتٍ الْوُقُوفُ بِهِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَالْحَجُّ كُلُّهُ يَوْمُ النَّحْرِ. وَأَمَّا مَا قَالَ مُجَاهِدٌ: مِنْ أَنْ "يَوْمَ الْحَجِّ"، إِنَّمَا هُوَ أَيَّامُهُ كُلُّهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، فَلَيْسَ بِالْأَشْهُرِ الْأَعْرَفِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ مَعَانِيهِ، بَلْ أَغْلَبُ عَلَى مَعْنَى "ا لْيَوْمَ" عِنْدَهُمْ أَنَّهُ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى مَثَلِهِ مِنَ الْغَدِ. وَإِنَّمَا مَحْمَلُ تَأْوِيلِ كِتَابِ اللَّهِ عَلَى الْأَشْهُرِ الْأَعْرَفِ مِنْ كَلَامِ مَنْ نَـزَلَ الْكِتَابُ بِلِسَانِهِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ قِيلَ لِهَذَا الْيَوْمِ: "يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ". فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سُمِّيَ بِذَلِكَ، لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي سَنَةٍ اجْتَمِعْ فِيهَا حَجُّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: إِنَّمَا سُمِّيَ "الْحَجَّ الْأَكْبَرَ"، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ الْحَجَّةَ الَّتِي حَجَّهَا، وَاجْتَمَعَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ "الْحَجَّ الْأَكْبَرَ"، وَوَافَقَ أَيْضًا عِيدَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ قَالَ: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، كَانَتْ حَجَّةُ الْوَدَاعِ، اجْتَمَعَ فِيهِ حَجُّ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّصَارَى وَالْيَهُودِ، وَلَمْ يَجْتَمِعْ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَوْلُهُ: {يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ}، قَالَ: إِنَّمَا سُمِّيَ "الْحَجَّ الْأَكْبَرَ"، لِأَنَّهُ يَوْمٌ حَجِّ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ، وَنُبِذَتْ فِيهِ الْعُهُودُ. وَقَالَ آخَرُونَ: "الْحَجُّ الْأَكْبَرُ"، القِرانُ، وَ "الحَجُّ الْأَصْغَرُ"، الْإِفْرَادُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّهْشَلَيُّ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَ يَقُولُ: "الْحَجُّ الْأَكْبَرُ" وَ "الحَجُّ الْأَصْغَرُ"، فَالْحَجُّ الْأَكْبَرُ، القِرانُ وَ "الحَجُّ الْأَصْغَرُ"، إِفْرَادُ الْحَجِّ. وَقَالَ آخَرُونَ: "الْحَجُّ الْأَكْبَرُ"، الْحَجُّ، وَ "الحَجُّ الْأَصْغَرُ"، الْعُمْرَةُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: "الْحَجُّ الْأَكْبَرُ"، الْحَجُّ، وَ "الحَجُّ الْأَصْغَرُ"، الْعُمْرَةُ. قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: هَذَا الْحَجُّ الْأَكْبَرُ، فَمَا "الْحَجُّ الْأَصْغَرُ"، قَالَ: الْعُمْرَةُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: "الْحَجُّ الْأَصْغَرُ"، الْعُمْرَةُ فِي رَمَضَانَ. قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: "الْحَجُّ الْأَصْغَرُ"، الْعُمْرَةُ. قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: "يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ"، يَوْمَ النَّحْرِ، وَ "الحَجُّ الْأَصْغَرُ"، الْعُمْرَةُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يُسَمَّوْنَ "الْحَجَّ الْأَصْغَرَ"، الْعُمْرَةُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي، قَوْلُ مَنْ قَالَ: "الْحَجُّ الْأَكْبَرُ، الْحَجُّ"، لِأَنَّهُ أَكْبَرُ مِنَ الْعُمْرَةِ بِزِيَادَةِ عَمَلِهِ عَلَى عَمَلِهَا، فَقِيلَ لَهُ: "الْأَكْبَرَ"، لِذَلِكَ. وَأَمَّا "الْأَصْغَرُ" فَالْعُمْرَةُ، لِأَنَّ عَمَلَهَا أَقَلُّ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ، فَلِذَلِكَ قِيلَ لَهَا: "الْأَصْغَرَ"، لِنُقْصَانِ عَمَلِهَا عَنْ عَمَلِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ}، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ عَهْدِ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ، بَعْدَ هَذِهِ الْحَجَّةِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَإِعْلَامٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ فِي يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ: أَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ عَهْدِ الْمُشْرِكِينَ بَرِيئَانِ، كَمَا:- حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ}، أَيْ: بَعْدَ الْحَجَّةِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ {فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: (فَإِنْ تُبْتُمْ)، مِنْ كُفْرِكُمْ، أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ، وَرَجَعْتُمْ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ دُونَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ فَالرُّجُوعُ إِلَى ذَلِكَ (خَيْرٌ لَكُمْ)، مِنَ الْإِقَامَةِ عَلَى الشِّرْكِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ)، يَقُولُ: وَإِنْ أَدْبَرْتُمْ عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَأَبَيْتُمْ إِلَّا الْإِقَامَةَ عَلَى شِرْكِكُمْ {فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ}، يَقُولُ: فَأَيْقِنُوا أَنَّكُمْ لَا تُفِيتونَ اللَّهَ بِأَنْفُسِكُمْ مِنْ أَنْ يَحِلَّ بِكُمْ عَذَابُهُ الْأَلِيمُ وَعِقَابُهُ الشَّدِيدُ، عَلَى إِقَامَتِكُمْ عَلَى الْكُفْرِ، كَمَا فَعَلَ بِمَنْ قَبْلَكُمْ مَنْ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنْ إِنْـزَالِ نِقَمِهِ بِهِ، وَإِحْلَالِهِ الْعَذَابَ عَاجِلًا بِسَاحَتِهِ {وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا}، يَقُولُ: وَأعْلَمْ، يَا مُحَمَّدُ، الَّذِينَ جَحَدُوا نُبُوَّتَكَ وَخَالَفُوا أَمْرَ رَبِّهِمْ (بِعَذَابٍ)، مُوجِعٍ يَحِلُّ بِهِمْ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَوْلُهُ: (فَإِنْ تُبْتُمْ)، قَالَ: آمَنْتُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ}،، إِلَّا مِنْ عَهْدِ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ {ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا}، مِنْ عَهْدِكُمُ الَّذِي عَاهَدْتُمُوهُمْ {وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا}، مِنْ عَدُوِّكُمْ، فَيُعِينُوهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ، وَلَا بِسِلَاحٍ وَلَا خَيْلٍ وَلَا رِجَالٍ {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ}، يَقُولُ: فَفُوا لَهُمْ بِعَهْدِهِمُ الَّذِي عَاهَدْتُمُوهُمْ عَلَيْهِ، وَلَا تَنْصِبُوا لَهُمْ حَرْبًا إِلَى انْقِضَاءِ أَجْلِ عَهْدِهِمُ الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}، يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَنِ اتَّقَاهُ بِطَاعَتِهِ، بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ}، يَقُولُ: إِلَى أَجْلِهِمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}: أَيِ الْعَهْدَ الْخَاصَّ إِلَى الْأَجَلِ الْمُسَمَّى {ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا} الْآيَةَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا} الْآيَةَ، قَالَ: هُمْ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ، الَّذِينَ عَاهَدَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَّةِ، وَكَانَ بَقِيَ مِنْ مُدَّتِهِمْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يُوَفِّيَ لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ، وَمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ إِلَى انْسِلَاخِ الْمُحْرَّمِ، وَنَبَذَ إِلَى كُلِّ ذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، وَأَمْرَهُ بِقِتَالِهِمْ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنْ لَا يَقْبَلُ مِنْهُمْ إِلَّا ذَلِكَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مُدَّةُ مَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَبْلَ أَنْ تَنْـزِلَ "بَرَاءَةٌ" أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، مِنْ يَوْمِ أُذِنَ بِبَرَاءَة إِلَى عَشْرٍ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَإِنْ نَقَضَ الْمُشْرِكُونَ عَهِدَهُمْ، وَظَاهَرُوا عَدُوًّا فَلَا عَهْدَ لَهُمْ. وَإِنْ وَفَوْا بِعَهْدِهِمُ الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْهِ عَدُوًّا، فَقَدْ أُمِرَ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ وَيَفِيَ بِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي-جَلَّ ثَنَاؤُهُ- بِقَوْلِهِ: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ}، فَإِذَا انْقَضَى وَمَضَى وَخَرَجَ. يُقَالُ مِنْهُ: سَلَخْنَا شَهْرَ كَذَا نَسْلَخُهُ سَلْخًا وَسُلُوخًا، بِمَعْنَى: خَرَجْنَا مِنْهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: "شَاةٌ مَسْلُوخَةٌ"، بِمَعْنَى: الْمَنْـزُوعَةُ مِنْ جِلْدِهَا، الْمُخْرَجَةُ مِنْهُ. وَيَعْنِي بِـ "الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ"، ذَا الْقِعْدَةِ، وَذَا الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمِ. وَإِنَّمَا أُرِيدَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ انْسِلَاخُ الْمُحَرَّمِ وَحْدَهُ، لِأَنَّ الْأَذَانَ كَانَ بِبَرَاءَةٌ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، فَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا أَجَّلُوا الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ كُلَّهَا وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى؛ وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ مُتَّصِلًا بِالشَّهْرَيْنِ الْآخَرَيْنِ قَبْلَهُ الْحَرَامَيْنِ، وَكَانَ هُوَ لَهُمَا ثَالِثًا، وَهِيَ كُلُّهَا مُتَّصِلٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، قِيلَ: "فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ"، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: فَإِذَا انْقَضَتِ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ الثَّلَاثَةُ عَنِ الَّذِينَ لَا عَهْدَ لَهُمْ، أَوْ عَنِ الَّذِينَ كَانَ لَهُمْ عَهْدٌ فَنَقَضُوا عَهْدَهُمْ بِمُظَاهَرَتِهِمُ الْأَعْدَاءَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ، أَوْ كَانَ عَهْدُهُمْ إِلَى أَجَلٍ غَيْرِهِ مَعْلُومٍ. {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}، يَقُولُ: فَاقْتُلُوهُمْ {حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}، يَقُولُ: حَيْثُ لَقِيتُمُوهُمْ مِنَ الْأَرْضِ، فِي الْحَرَمِ، وَغَيْرِ الْحَرَمِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَغَيْرِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ (وَخُذُوهُمْ) يَقُولُ: وَأْسِرُوهُمْ (وَاحْصُرُوهُمْ)، يَقُولُ: وَامْنَعُوهُمْ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَدُخُولِ مَكَّةَ {وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ}، يَقُولُ: وَاقْعُدُوا لَهُمْ بِالطَّلَبِ لِقَتْلِهِمْ أَوْ أَسْرِهِمْ "كُلَّ مَرْصَدٍ"، يَعْنِي: كُلَّ طَرِيقٍ وَمَرْقَبٍ. وَهُوَ "مَفْعَلٌ"، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: "رَصَدْتُ فُلَانًا أَرْصُدُهُ رَصْدًا"، بِمَعْنَى: رَقَبْتُهُ. (فَإِنْ تَابُوا)، يَقُولُ: فَإِنْ رَجَعُوا عَمَّا نَهَاهُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ بِاللَّهِ وَجُحُودِ نُبُوَّةِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ دُونَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ، وَالْإِقْرَارِ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ}، يَقُولُ: وَأَدَّوْا مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الصَّلَاةِ بِحُدُودِهَا وَأَعْطَوُا الزَّكَاةَ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ أَهْلَهَا {فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}، يَقُولُ: فَدَعُوْهُمْ يَتَصَرَّفُونَ فِي أَمْصَارِكُمْ، وَيَدْخُلُونَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، لِمَنْ تَابَ مِنْ عِبَادِهِ فَأَنَابَ إِلَى طَاعَتِهِ، بَعْدَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ مِنْ مَعْصِيَتِهِ، سَاتِرٌ عَلَى ذَنْبِهِ، رَحِيمٌ بِهِ، أَنْ يُعَاقِبَهُ عَلَى ذُنُوبِهِ السَّالِفَةِ قَبْلَ تَوْبَتِهِ، بَعْدَ التَّوْبَةِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الَّذِينَ أُجِّلُوا إِلَى انْسِلَاخِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ الْأَسَدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ فَارَقَ الدُّنْيَا عَلَى الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَعِبَادَتِهِ لَا يُشْرِكُ لَهُ شَيْئًا، فَارَقَهَا وَاللَّهُ عَنْهُ رَاض» قَالَ: وَقَالَ أَنَسٌ: هُوَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَبَلَّغُوهُ عَنْ رَبِّهِمْ، قَبْلَ هَرْجِ الْأَحَادِيث، وَاخْتِلَافِ الْأَهْوَاءِ. وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي آخِرِ مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ، قَالَ اللَّهُ: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}، قَالَ: تَوْبَتُهُمْ، خَلْعُ الْأَوْثَانِ، وَعِبَادَةُ رَبِّهِمْ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، ثُمَّ قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}، [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 11]. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}، حَتَّى خَتْمِ آخَرِ الْآيَةِ. وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ: خَلَّوْا سَبِيلَ مَنْ أَمَرَكُمُ اللَّهُ أَنْ تُخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّمَا النَّاسُ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ: مُسْلِمٌ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَمُشْرِكٌ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، وَصَاحِبُ حَرْبٍ يَأْمَنُ بِتِجَارَتِهِ فِي الْمُسْلِمِينَ إِذَا أَعْطَى عُشُورَ مَالِهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ}، وَهِيَ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي عَدَدْتُ لَكَ يَعْنِي: عِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمَ، وَصَفَرَ، وَرَبِيعًا الْأَوَّلَ، وَعَشْرًا مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ. وَقَالَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ: قِيلَ لِهَذِهِ: "الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ"، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِيهَا دِمَاءَ الْمُشْرِكِينَ، وَالْعَرْضَ لَهُمْ إِلَّا بِسَبِيلِ خَيْرٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فِي قَوْلِهِ: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ}، أَنَّهَا الْأَرْبَعَةُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ}، قَالَ: هِيَ "الْحُرُمُ"، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ أُومِنُوا فِيهَا حَتَّى يَسِيحُوهَا. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}، قَالَ: ضُرِبَ لَهُمْ أَجْلُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَتَبَرَّأَ مِنْ كُلِّ مُشْرِكٍ، ثُمَّ أَمَرَ إِذَا انْسَلَخَتْ تِلْكَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ}، لَا تَتْرُكُوهُمْ يَضْرِبُونَ فِي الْبِلَادِ، وَلَا يَخْرُجُوا لِتِجَارَةٍ، ضَيِّقُوا عَلَيْهِمْ بَعْدَهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِالْعَفْوِ {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}،. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ}، يَعْنِي: الْأَرْبَعَةُ الَّتِي ضَرَبَ اللَّهُ لَهُمْ أَجَلًا لِأَهْلِ الْعَهْدِ الْعَامِّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {فَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} الْآيَةَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ: وَإِنِ اسْتَأْمَنَكَ، يَا مُحَمَّدُ، مِنَ الْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ أَمَرَتْكَ بِقِتَالِهِمْ وَقَتْلِهِمْ بَعْدَ انْسِلَاخِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، أَحَدٌ لِيَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ مِنْكَ وَهُوَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَنْـزَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ (فَأَجْرِهُ)، يَقُولُ: فَأَمِّنْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ وَتَتْلُوَهُ عَلَيْهِ {ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ}، يَقُولُ: ثُمَّ رُدَّهُ بَعْدَ سَمَاعِهِ كَلَامَ اللَّهِ إِنْ هُوَ أَبَى أَنْ يُسْلِمَ، وَلَمْ يَتَّعِظْ لِمَا تَلَوْتَهُ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ فَيُؤْمِنَ "إِلَى مَأْمَنِهِ"، يَقُولُ: إِلَى حَيْثُ يَأْمَنُ مِنْكَ وَمِمَّنْ فِي طَاعَتِكَ، حَتَّى يَلْحَقَ بِدَارِهِ وَقَوْمِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ}، يَقُولُ: تَفْعَلُ ذَلِكَ بِهِمْ، مِنْ إِعْطَائِكَ إِيَّاهُمُ الْأَمَانَ لِيَسْمَعُوا الْقُرْآنَ، وَرَدِّكَ إِيَّاهُمْ إِذَا أَبَوُا الْإِسْلَامَ إِلَى مَأْمَنِهِمْ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ قَوْمٌ جَهَلَةٌ لَا يَفْقَهُونَ عَنِ اللَّهِ حُجَّةً، وَلَا يَعْلَمُونَ مَا لَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ لَوْ آمَنُوا، وَمَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْوِزْرِ وَالْإِثْمِ بِتَرْكِهِمُ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ}، أَيْ: مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَمَرَتْكَ بِقِتَالِهِمْ، (فَأَجْرِهُ). حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ}، أَمَّا "كَلَامُ اللَّهِ"، فَالْقُرْآنُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ}، قَالَ: إِنْسَانٌ يَأْتِيكَ فَيَسْمَعُ مَا تَقُولُ، وَيَسْمَعُ مَا أُنْـزِلَ عَلَيْكَ، فَهُوَ آمِنٌ حَتَّى يَأْتِيَكَ فَيَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ، وَحَتَّى يَبْلُغَ مَأْمَنَهُ، حَيْثُ جَاءَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَازِيًا، فَلَقِيَ الْعَدُوَّ، وَأَخْرَجَ الْمُسْلِمُونَ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَشْرَعُوا فِيهِ الْأَسِنَّةَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: ارْفَعُوا عَنِّي سِلَاحَكُمْ، وَأَسْمِعُونِي كَلَامَ اللَّهِ! فَقَالُوا: تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَتَخْلَعُ الْأَنْدَادَ، وَتَتَبَرَّأُ مِنَ اللَّاتِ وَالْعُزَّى! فَقَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ فَعَلْت». حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ}، قَالَ: إِنْ لَمْ يُوَافِقْهُ مَا تَتْلُو عَلَيْهِ وَتُحَدِّثُهُ، فَأَبْلِغْهُ، قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْسُوخٍ. وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَهَلْ هُوَ مَنْسُوخٌ أَوْ هُوَ غَيْرُ مَنْسُوخٍ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ غَيْرُ مَنْسُوخٍ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ مَنْسُوخٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضِّحَاكِ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}، نَسَخَتْهَا: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً}،. [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 4] قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ، مِثْلَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَسَخَ قَوْلَهُ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}، قَوْلُهُ: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ}.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ}، [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 4] نَسَخَهَا قَوْلُهُ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي، قَوْلُ مَنْ قَالَ: "لَيْسَ ذَلِكَ بِمَنْسُوخٍ". وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى "النَّسْخِ"، هُوَ نَفْيُ حُكْمٍ قَدْ كَانَ ثَبَتَ بِحُكْمٍ آخَرَ غَيْرِهِ. وَلَمْ تَصِحْ حُجَّةٌ بِوُجُوبِ حُكْمِ اللَّهِ فِي الْمُشْرِكِينَ بِالْقَتْلِ بِكُلِّ حَالٍ، ثُمَّ نَسَخَهُ بِتَرْكِ قَتْلِهِمْ عَلَى أَخْذِ الْفِدَاءِ، وَلَا عَلَى وَجْهِ الْمَنِّ عَلَيْهِمْ، فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ الْفِدَاءُ وَالْمَنُّ وَالْقَتْلُ لَمْ يَزَلْ مِنْ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ مِنْ أَوَّلِ حَرْبٍ حَارَبَهُمْ، وَذَلِكَ مِنْ يَوْمِ بَدْرٍ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ، وَخُذُوهُمْ لِلْقَتْلِ أَوِ الْمَنِّ أَوِ الْفِدَاءِ، وَاحْصُرُوهُمْ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ، صَحَّ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَنَّى يَكُونُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَبِأَيْ مَعْنَى، يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ بِرَبِّهِمْ عَهْدٌ وَذِمَّةٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ، يُوَفَّى لَهُمْ بِهِ، وَيُتْرَكُوا مِنْ أَجْلِهِ آمِنِينَ يَتَصَرَّفُونَ فِي الْبِلَادِ؟ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: لَا عَهْدَ لَهُمْ، وَأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ قَتَلَهُمْ حَيْثُ وَجَدُوهُمْ، إِلَّا الَّذِينَ أَعْطَوُا الْعَهْدَ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ-جَلَّ ثَنَاؤُهُ- أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْوَفَاءِ لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَالِاسْتِقَامَةِ لَهُمْ عَلَيْهِ، مَا دَامُوا عَلَيْهِ لِلْمُؤْمِنِينَ مُسْتَقِيمِينَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِينَ عُنُوْا بِقَوْلِهِ: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمْ قَوْمٌ منْ جَذِيمَةَ بْنِ الدُّئِلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ}، هُمْ بَنُو جَذِيمَةَ بْنِ الدُّئِلِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ قَوْلُهُ: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، قَالَ: هُمْ جَذِيمَةُ بَكْرِ كِنَانَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ}، الَّذِينَ كَانُوا هُمْ وَأَنْتُمْ عَلَى الْعَهْدِ الْعَامِّ، بِأَنْ لَا تُخِيفُوهُمْ وَلَا يُخِيفُوكُمْ فِي الْحُرْمَةِ وَلَا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ {عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}، وَهِيَ قَبَائِلُ بَنِي بَكْرٍ الَّذِينَ كَانُوا دَخَلُوا فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَعَقْدِهِمْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، إِلَى الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ، فَلَمْ يَكُنْ نَقَضَهَا إِلَّا هَذَا الْحَيُّ منْ قُرَيْشٍ، وَبَنُو الدُّئِلِ مِنْ بَكْرٍ، فَأُمِرَ بِإِتْمَامِ الْعَهْدِ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ نَقَضَ عَهْدَهُ مِنْ بَنِي بَكْرٍ إِلَى مُدَّتِهِ {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ} الْآيَةَ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُمْ قُرَيْشٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}، هُمْ قُرَيْشٌ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}، يَعْنِي: أَهْلَ مَكَّةَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}، يَقُولُ: هُمْ قَوْمٌ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدَّةٌ، وَلَا يَنْبَغِي لِمُشْرِكٍ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامِ وَلَا يُعْطِيَ الْمُسْلِمَ الْجِزْيَةَ. {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ}، يَعْنِي: أَهْلَ الْعَهْدِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ}، قَالَ: هَؤُلَاءِ قُرَيْشٌ. وَقَدْ نَسَخَ هَذَا الْأَشْهَرُ الَّتِي ضُرِبَتْ لَهُمْ، وَغَدَرُوا بِهِمْ فَلَمْ يَسْتَقِيمُوا، كَمَا قَالَ اللَّهُ، فَضَرَبَ لَهُمْ بَعْدَ الْفَتْحِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، يَخْتَارُونَ مِنْ أَمْرِهِمْ: إِمَّا أَنْ يُسْلِمُوا، وَإِمَّا أَنْ يَلْحَقُوا بِأَيِ بِلَادٍ شَاءُوا. قَالَ: فَأَسْلَمُوا قَبْلَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهَرِ، وَقَبْلَ قَتْلٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ}، قَالَ: هُوَ يَوْمُ الْحُدَيْبِيَةِ، قَالَ: فَلَمْ يَسْتَقِيمُوا، نَقَضُوا عَهْدَهُمْ، أَيْ أَعَانُوا بَنِي بَكْرٍ حِلْفَ قُرَيْشٍ، عَلَى خُزَاعَةَ حِلْفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُمْ قَوْمٌ مِنْ خُزَاعَةَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}، قَالَ: أَهْلُ الْعَهْدِ مِنْ خُزَاعَةَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ عِنْدِي، قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُمْ بَعْضُ بَنِي بَكْرٍ مِنْ كِنَانَةَ، مِمَّنْ كَانَ أَقَامَ عَلَى عَهْدِهِ، وَلَمْ يَكُنْ دَخْلَ فِي نَقْضِ مَا كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ مِنَ الْعَهْدِ مَعَ قُرَيْشٍ، حِينَ نَقَضُوهُ بِمَعُونَتِهِمْ حُلَفَاءَهُمْ مِنْ بَنِي الدُّئِلِ، عَلَى حُلَفَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُزَاعَةَ. وَإِنَّمَا قُلْتُ: هَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ نَبِيَّهُ وَالْمُؤْمِنِينَ بِإِتْمَامِ الْعَهْدِ لِمَنْ كَانُوا عَاهِدُوهُ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، مَا اسْتَقَامُوا عَلَى عَهْدِهِمْ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ إِنَّمَا نَادَى بِهَا عَلَيٌّ فِي سَنَةِ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَذَلِكَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ بِسَنَةٍ، فَلَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ وَلَا خُزَاعَةَ كَافِرٌ يَوْمئِذٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ، فَيُؤْمَرَ بِالْوَفَاءِ لَهُ بِعَهْدِهِ مَا اسْتَقَامَ عَلَى عَهْدِهِ، لِأَنَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ سَاكِنِي مَكَّةَ، كَانَ قَدْ نَقَضَ الْعَهْدَ وَحُورِبَ قَبْلَ نُـزُولِ هَذِهِ الْآيَاتِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَرَاقَبَهُ فِي أَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَالْوَفَاءِ بِعَهْدِهِ لِمَنْ عَاهَدَهُ، وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ، وَتَرْكِ الْغَدْرِ بِعُهُودِهِ لِمَنْ عَاهَدَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي-جَلَّ ثَنَاؤُهُ- بِقَوْلِهِ: كَيْفَ يَكُونُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ نَقَضُوا عَهْدَهُمْ أَوْ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ مِنْهُمْ مِنْكُمْ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، عَهْدٌ وَذِمَّةٌ، وَهُمْ {إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ}، يَغْلِبُوكُمْ {لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً}. وَاكْتَفَى بِـ "كَيْفَ" دَلِيلًا عَلَى مَعْنَى الْكَلَامِ، لِتَقَدُّمِ مَا يُرَادُ مِنَ الْمَعْنى بِهَا قَبْلَهَا. وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ، إِذَا أَعَادَتِ الْحَرْفَ بَعْدَ مُضِيِّ مَعْنَاهُ، اسْتَجَازُوا حَذْفَ الْفِعْلِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: وَخَبَّرْتُمَـانِي أَنَّمَـا الْمَـوْتُ فِي الْقِرَى *** فَكَـيْفَ وَهَـذِي هَضْبَـةٌ وَكَـثِيبُ فَحَذْفَ الْفِعْلَ بَعْدَ "كَيْفَ"؛ لِتَقَدُّمِ مَا يُرَادُ بَعْدَهَا قَبْلَهَا، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: فَكَيْفَ يَكُونُ الْمَوْتُ فِي الْقِرَى، وَهَذِي هَضْبَةٌ وَكَثِيبٌ، لَا يَنْجُو فِيهِمَا مِنْهُ أَحَدٌ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً}. فَقَالَ بَعْضُهُمْ، مَعْنَاهُ: لَا يَرْقُبُوا اللَّهَ فِيكُمْ وَلَا عَهْدًا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا}، [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 10]، قَالَ: اللَّهُ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ فِي قَوْلِهِ: {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً}، قَالَ: مِثْلُ قَوْلِهِ: " جِبْرَائِيلُ "، " مِيكَائِيلُ "، " إِسْرَافِيلُ "، كَأَنَّهُ يَقُولُ: يُضِيفُ "جَبْرَ" وَ"مِيكَا" وَ"إِسْرَافَ"، إِلَى "إِيلَ"، يَقُولُ: عَبْدُ اللَّهِ {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا}، كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَا يَرْقُبُونَ اللَّهَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: (إِلَّا وَلَا ذِمَّةً)، لَا يَرْقُبُونَ اللَّهَ وَلَا غَيْرَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: "الْإِلُّ"، الْقَرَابَةُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً}، يَقُولُ: قَرَابَةً وَلَا عَهْدًا. وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً}، قَالَ: "الْإِلُّ"، يَعْنِي: الْقَرَابَةَ، وَ "الذِّمَّةُ": الْعَهْدُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً}، "الْإِلُّ": الْقَرَابَةُ، وَ "الذِّمَّةُ": الْعَهْدُ، يَعْنِي أَهْلَ الْعَهْدِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، يَقُولُ: ذَمَّتُهُمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَعَبَدَةُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضِّحَاكِ، "الإِلُّ"، الْقَرَابَةُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً}، قَالَ: "الْإِلُّ"، الْقَرَابَةُ، وَ "الذِّمَّةُ"، الْعَهْدُ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ سَمِعتُ، الضِّحَاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً}، "الْإِلُّ": الْقَرَابَةُ، وِ "الذِّمَّةُ": الْمِيثَاقُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ}، الْمُشْرِكُونَ {لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ}، عَهْدًا وَلَا قَرَابَةً وَلَا مِيثَاقًا. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: الْحِلْفُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً}، قَالَ: "الْإِلُّ"، الْحِلْفُ، وَ "الذِّمَّةُ"، الْعَهْدُ. وَقَالَ آخَرُونَ: "الْإِلُّ"، هُوَ الْعَهْدُ، وَلَكِنَّهُ كُرِّرَ لَمَّا اخْتَلَفَ اللَّفْظَانِ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: (إِلَّا)، قَالَ: عَهْدًا. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً}، قَالَ: لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ عَهْدًا وَلَا ذِمَّةً. قَالَ: إِحْدَاهُمَا مَنْ صَاحِبَتِهَا كَهَيْئَةِ "غَفُورٍ"، "رَحِيمٍ"، قَالَ: فَالْكَلِمَةُ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ تَفْتَرِقُ. قَالَ: وَالْعَهْدُ هُوَ "الذِّمَّةُ". حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ (وَلَا ذِمَّةً)، قَالَ: الْعَهْدُ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: (وَلَا ذِمَّةً)، قَالَ: "الذِّمَّةُ": الْعَهْدُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عَنْ هَؤُلَاءِالْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أَمَرَ نَبِيَّهُ وَالْمُؤْمِنِينَ بِقَتْلِهِمْ بَعْدَ انْسِلَاخِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَحَصْرِهِمْ وَالْقُعُودِ لَهُمْ عَلَى كُلِّ مَرْصَدٍ: أَنَّهُمْ لَوْ ظَهَرُوا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَرْقُبُوا فِيهِمْ "إِلَّا". وَ "الإِلُّ": اسْمٌ يَشْتَمِلُ عَلَى مَعَانٍ ثَلَاثَةٍ: وَهِيَ الْعُهَدُ، وَالْعَقْدُ، وَالْحِلْفُ، وَالْقَرَابَةُ، وَهُوَ أَيْضًا بِمَعْنَى "اللَّهِ"، فَإِذْ كَانَتِ الْكَلِمَةُ تَشْمَلُ هَذِهِ الْمَعَانِيَ الثَّلَاثَةَ، وَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ خَصَّ مِنْ ذَلِكَ مَعْنًى دُونَ مَعْنًى، فَالصَّوَابُ أَنْ يُعَمَّ ذَلِكَ كَمَا عَمَّ بِهَا-جَلَّ ثَنَاؤُهُ- مَعَانِيَهَا الثَّلَاثَةَ، فَيُقَالُ: لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ اللَّهَ، وَلَا قَرَابَةً، وَلَا عَهْدًا، وَلَا مِيثَاقًا. وَمِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ بِمَعْنَى "الْقَرَابَةِ" قَوْلُ ابْنِ مُقْبِلٍ: أَفْسَـدَ النَّـاسَ خُـلُوفٌ خَـلَفُوا *** قَطَعُـوا الْإِلَّ وَأَعْـرَاقَ الرَّحِـمْ بِمَعْنَى: قَطَعُوا الْقَرَابَةَ، وَقَوْلُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ: لَعَمْـرُكَ إِنَّ إِلَّـكَ مِـنْ قُـرَيْشٍ *** كَـإلِّ السَّـقْبِ مِـنْ رَأْلِ النَّعـامِ وَأَمَّا مَعْنَاهُ إِذَا كَانَ بِمَعْنَى "الْعَهْدِ"، فَقَوْلُ الْقَائِلِ: وَجَدْنَـاهُمُ كَاذِبًـا إلُّهُـمْ وَذُو *** الْإِلِّ وَالْعَهْـدِ لَا يَكْـذِبُ وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى مَعْرِفَةِ كَلَامِ الْعَرَبِ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ: أَنْ "الْإِلَّ"، وَ "العَهْدَ"، وَ "المِيثَاقَ"، وَ "اليَمِينَ" وَاحِدٌ وَأَنَّ "الذِّمَّةَ" فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، التَّذَمُّمُ مِمَّنْ لَا عَهْدَ لَهُ، وَالْجَمْعُ: "ذِمَمٌ". وَكَانَ ابْنُ إِسْحَاقَ يَقُولُ: عَنَى بِهَذِهِ الْآيَةِ أَهْلَ الْعَهْدِ الْعَامِّ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ}، أَيِ: الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ لَا عَهْدَ لَهُمْ إِلَى مُدَّةٍ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ الْعَامِّ {لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً}. فَأَمَّا قَوْلُهُ: {يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ}، فَإِنَّهُ يَقُولُ: يُعْطُونَكُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ مِنَ الْقَوْلِ، خِلَافَ مَا يُضْمِرُونَهُ لَكُمْ فِي نُفُوسِهِمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ {وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ}، أَيْ: تَأْبَى عَلَيْهِمْ قُلُوبُهُمْ أَنْ يُذْعِنُوا لَكُمْ، بِتَصْدِيقِ مَا يُبْدُونَهُ لَكُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ. يُحَذِّرُ-جَلَّ ثَنَاؤُهُ- أَمْرَهُمُ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَشْحَذُهُمْ عَلَى قَتْلِهِمْ وَاجْتِيَاحِهِمْ حَيْثُ وُجِدُوا مِنْ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَنْ لَا يُقَصِّرُوا فِي مَكْرُوهِهِمْ بِكُلِّ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ {وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ}، يَقُولُ: وَأَكْثَرُهُمْ مُخَالِفُونَ عَهْدَكُمْ، نَاقِضُونَ لَهُ، كَافِرُونَ بِرَبِّهِمْ، خَارِجُونَ عَنْ طَاعَتِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ {اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ابْتَاعَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ أَمَرَكُمُ اللَّهُ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، بِقَتْلِهِمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ، بِتَرْكِهِمُ اتِّبَاعَ مَا احْتَجَّ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ حُجَجِهِ، يَسِيرًا مِنَ الْعِوَضِ قَلِيلًا مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا. وَذَلِكَ أَنَّهُمْ، فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُمْ، كَانُوا نَقَضُوا الْعَهْدَ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَكْلَةٍ أَطْعَمَهُمُوهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا}، قَالَ: أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ أَطْعَمَ حُلَفَاءَهُ، وَتَرَكَ حُلَفَاءَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ}، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: فَمَنَعُوا النَّاسَ مِنَ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ، وَحَاوَلُوا رَدَّ الْمُسْلِمِينَ عَنْ دِينِهِمْ {إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ وَصَفْتُ صِفَاتِهِمْ، سَاءَ عَمَلُهُمُ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ، مِنَ اشْتِرَائِهِمُ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ، وَالضَّلَالَةَ بِالْهُدَى، وَصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، أَوْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُؤْمِنَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَا يَتَّقِي هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ أَمَرْتُكُمْ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، بِقَتْلِهِمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ، فِي قَتْلِ مُؤْمِنٍ لَوْ قَدَرُوا عَلَيْهِ (إِلَّا وَلَا ذِمَّةً)، يَقُولُ: فَلَا تُبْقُوا عَلَيْهِمْ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، كَمَا لَا يُبْقُونَ عَلَيْكُمْ لَوْ ظَهَرُوا عَلَيْكُمْ {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ}، يَقُولُ: الْمُتَجَاوِزُونَ فِيكُمْ إِلَى مَا لَيْسَ لَهُمْ بِالظُّلْمِ وَالِاعْتِدَاءِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَإِنْ رَجَعَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ أَمَرْتُكُمْ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، بِقَتْلِهِمْ عَنْ كُفْرِهِمْ وَشِرْكِهِمْ بِاللَّهِ، إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ، وَأَنَابُوا إِلَى طَاعَتِهِ {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ}، الْمَكْتُوبَةَ، فَأَدَّوْهَا بِحُدُودِهَا {وَآتُوا الزَّكَاةَ}، الْمَفْرُوضَة أَهْلَهَا {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}، يَقُولُ: فَهُمْ إِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ الَّذِي أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِهِ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ {وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ}، يَقُولُ: وَنُبَيِّنُ حُجَجَ اللَّهِ وَأَدِلَّتَهُ عَلَى خَلْقِهِ {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}، مَا بُيِّنَ لَهُمْ، فَنَشْرَحُهَا لَهُمْ مُفَصَّلَةً، دُونَ الْجُهَّالِ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ عَنِ اللَّهِ بَيَانَهُ وَمُحْكَمَ آيَاتِهِ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}، يَقُولُ: إِنْ تَرَكُوا اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَشَهِدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ}، قَالَ: حَرَّمَتْ هَذِهِ الْآيَةُ دِمَاءَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: افْتُرِضَتِ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ جَمِيعًا لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا. وَقَرَأَ: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}، وَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ الصَّلَاةَ إِلَّا بِالزَّكَاةِ. وَقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، مَا كَانَ أَفْقَهَهُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرَّيْكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَمِرْتُمْ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَمَنْ لَمْ يُزَكِّ فَلَا صَلَاةَ لَهُ. وَقِيلَ: (فَإِخْوَانكُمْ)، فَرُفِعَ بِضَمِيرٍ: "فَهُمْ إِخْوَانُكُمْ"، إِذْ كَانَ قَدْ جَرَى ذِكْرُهُمْ قَبْلُ، كَمَا قَالَ: {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}، [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 5]، فَهُمْ إِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِنْ نَقَضَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ عَاهَدْتُمُوهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ، عُهُودَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا عَاقَدُوكُمْ أَنْ لَا يُقَاتِلُوكُمْ وَلَا يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا مِنْ أَعْدَائِكُمْ {وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ}، يَقُولُ: وَقَدَحُوا فِي دِينِكُمُ الْإِسْلَامِ، فَثَلَبُوهُ وَعَابُوهُ {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ}، يَقُولُ: فَقَاتَلُوا رُؤَسَاءَ الْكَفْرِ بِاللَّهِ {إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ}، يَقُولُ: إِنَّ رُؤَسَاءَ الْكَفْرِ لَا عَهْدَ لَهُمْ {لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ}، لِكَيْ يَنْتَهُوا عَنِ الطَّعْنِ فِي دِينِكُمْ وَالْمُظَاهَرَةِ عَلَيْكُمْ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنِهِمْ فِي الْمَعْنِيِّينَ بِأَئِمَّةِ الْكُفْرِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمْ أَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، وَعَتَبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَنُظَرَاؤُهُمْ. وَكَانَ حُذَيْفَةُ يَقُولُ: لَمْ يَأْتِ أَهْلُهَا بَعْدُ. ذَكَرَ مَنْ قَالَ: هُمْ مَنْ سَمَّيْتُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ}، إِلَى: {لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ}، يَعْنِي أَهْلَ الْعَهْدِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، سَمَّاهُمْ "أَئِمَّةَ الْكُفْرِ"، وَهُمْ كَذَلِكَ. يَقُولُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ: وَإِنْ نَكَثُوا الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ، فَقَاتِلْهُمْ، أَئِمَّةُ الْكُفْرِ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ {لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ}. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ}، إِلَى: (يَنْتَهُونَ)، فَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الْكُفْرِ: أَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، وَأُمِّيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَعَتَبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو سُفْيَانَ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَهُمُ الَّذِينَ هَمُّوا بِإِخْرَاجِهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {أَئِمَّةَ الْكُفْرِ}، أَبُو سُفْيَانَ، وَأَبُو جَهْلٍ، وَأُمِّيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَعَتَبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَ، ابْنُ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا غُنْدُرٌ وَقَالَ ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ}، قَالَ: أَبُو سُفْيَانَ مِنْهُمْ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ}، إِلَى: (يَنْتَهُونَ)، هَؤُلَاءِ قُرَيْشٌ. يَقُولُ: إِنْ نَكَثُوا عَهْدهمُ الَّذِي عَاهَدُوا عَلَى الْإِسْلَامِ، وَطَعَنُوا فِيهِ، فَقَاتِلْهُمْ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدٌ قَالَ، سَمِعْتُ الضِّحَاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ}، يَعْنِي رؤوسَ الْمُشْرِكِينَ، أَهْلَ مَكَّةَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ}، أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَأُمِّيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَعَتَبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَهُمُ الَّذِينَ نَكَثُوا عَهْدَ اللَّهِ، وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ، وَلَيْسَ وَاللَّهِ كَمَا تَأَوَّلَهُ أَهْلُ الشُّبَهَاتِ وَالْبِدَعِ وَالْفِرَى عَلَى اللَّهِ وَعَلَى كِتَابِهِ. ذَكَرَ الرِّوَايَةَ عَنْ حُذَيْفَةَ بِالَّذِي ذكَرْنَا عَنْهُ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ}، قَالَ: مَا قُوتِلَ أَهْلُ هَذِهِ الْآيَةِ بَعْدُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ حُذَيْفَةَ، فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ}، فَقَالَ: مَا قُوتِلَ أَهْلُ هَذِهِ الْآيَةِ بَعْدُ. حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: قَرَأَ حُذَيْفَةُ: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ}، قَالَ: مَا قُوتِلَ أَهْلُ هَذِهِ الْآيَةِ بَعْدُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، وَإِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفْرَ: {إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ}، لَا عَهْدَ لَهُمْ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ}، قَالَ: عَهْدَهُمْ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ}، عَهْدَهُمُ الَّذِي عَاهَدُوا عَلَى الْإِسْلَامِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، فِي قَوْلِهِ: {لَا أَيْمَانَ لَهُمْ}، قَالَ: لَا عَهْدَ لَهُمْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ فِي قَوْلِهِ: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ}، قَالَ: لَا عَهْدَ لَهُمْ. وَأَمَّا "النَّكْثُ" فَإِنَّ أَصْلَهُ النَّقْضُ، يُقَالُ مِنْهُ: "نَكَثَ فُلَانٌ قُوَى حَبْلِهِ"، إِذَا نَقَضَهَا. وَ "الأَيْمَانُ": جَمْعُ "الْيَمِينِ". وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ}. فَقَرَأَهُ قَرَأَةُ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَغَيْرُهُمْ: {إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ}، بِفَتْحِ الْأَلْفِ مِنْ "أَيْمَانَ" بِمَعْنَى: لَا عُهُودَ لَهُمْ، عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِيهِ. وَذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ: {إِنَّهُمْ لَا إِيمَانَ لَهُمْ}، بِكَسْرِ الْأَلِفِ، بِمَعْنَى: لَا إِسْلَامَ لَهُمْ. وَقَدْ يَتَوَجَّهُ لِقِرَاءَتِهِ كَذَلِكَ وَجْهٌ غَيْرُ هَذَا، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِقِرَاءَتِهِ ذَلِكَ كَذَلِكَ: أَنَّهُمْ لَا أَمَانَ لَهُمْ أَيْ: لَا تُؤَمِّنُوهُمْ، وَلَكِنِ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ كَأَنَّهُ أَرَادَ الْمَصْدَرَ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: "آمَنْتُهُ فَأَنَا أُومِنُهُ إِيمَانًا". قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ، الَّذِي لَا أَسْتُجِيزَ الْقِرَاءَةَ بِغَيْرِهِ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ بِفَتْحِ "الْأَلْفِ" دُونَ كَسْرِهَا، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقَرَأَةِ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِهِ، وَرَفْضِ خِلَافِهِ، وَلِإِجْمَاعِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى مَا ذَكَرْتُ مِنْ أَنَّ تَأْوِيلَهُ: لَا عَهْدَ لَهُمْ وَ "الأَيْمَانُ" الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى الْعَهْدِ، لَا تَكُونُ إِلَّا بِفَتْحِ "الْأَلْفِ"، لِأَنَّهَا جَمْعُ "يَمِينٍ" كَانَتْ عَلَى عَقْدٍ كَانَ بَيْنَ الْمُتَوَادِعِيْنَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، حَاضًّا لَهُمْ عَلَى جِهَادِ أَعْدَائِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: {أَلَا تُقَاتِلُونَ}، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ نَقَضُوا الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ، وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ، وَظَاهَرُوا عَلَيْكُمْ أَعْدَاءَكُمْ، {وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ}، مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهُمْ فَأَخْرَجُوهُ {وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}، بِالْقِتَالِ، يَعْنِي فِعْلَهُمْ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقِيلَ: قِتَالُهُمْ حُلَفَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُزَاعَةَ {أَتَخْشَوْنَهُمْ}، يَقُولُ: أَتَخَافُونَهُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَتَتْرُكُوا قِتَالَهُمْ خَوْفًا عَلَى أَنْفُسِكُمْ مِنْهُمْ {فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ}، يَقُولُ: فَاللَّهُ أَوْلَى بِكُمْ أَنْ تَخَافُوا عُقُوبَتَهُ بِتَرْكِكُمْ جِهَادَهُمْ، وَتَحْذَرُوا سَخَطَهُ عَلَيْكُمْ، مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، يَقُولُ: إِنْ كُنْتُمْ مُقِرِّينَ أَنَّ خَشْيَةَ اللَّهِ لَكُمْ أُولَى مِنْ خَشْيَةِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَوْلُهُ: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ}، مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ {وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ}، يَقُولُ: هَمُّوا بِإِخْرَاجِهِ فَأَخْرَجُوهُ {وَهُمْ بَدَأُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةً}، بِالْقِتَالِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَهُمْ بَدَأُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}، قَالَ: قِتَالَ قُرَيْشٍ حُلَفَاءَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِجِهَادِ أَهْلِ الشِّرْكِ مِمَّنْ نَقَضَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِالْخَاصِّ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ الْعَامِّ، بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ الَّتِي ضَرَبَ لَهُمْ أَجَلًا إِلَّا أَنْ يَعْدُوَ فِيهَا عَادٍ مِنْهُمْ، فَيَقْتُلُ بِعَدَائِهِ، ثُمَّ قَالَ: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ}، إِلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.
|