الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرطبي المسمى بـ «الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان» **
{ إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم } قوله {إنما المؤمنون}{إنما}في هذه الآية للحصر؛ المعنى: لا يتم ولا يكمل إيمان من آمن بالله ورسول إلا بأن يكون من الرسول سامعا غير معنت في أن يكون الرسول يريد إكمال أمر فيريد هو إفساده بزواله في وقت الجمع، ونحو ذلك. وبين تعالى في أول السورة أنه أنزل آيات بينات، وإنما النزول على محمد صلى الله عليه وسلم؛ فختم السورة بتأكيد الأمر في متابعته عليه السلام؛ ليعلم أن أوامره كأوامر القرآن. واختلف في الأمر الجامع ما هو؛ فقيل: المراد به ما للإمام من حاجة إلى تجمع الناس فيه لإذاعة مصلحة، من إقامة سنة في الدين، أو لترهيب عدو باجتماعهم وللحروب؛ قال الله قلت: والصحيح الأول لتناوله جميع الأقوال. واختار ابن العربي ما ذكره في نزول الآية عن مالك وابن إسحاق، وأن ذلك مخصوص في الحرب. قال: والذي يبين ذلك أمران: أحدهما: قوله في الآية الأخرى قلت: القول بالعموم أولى وأرفع وأحسن وأعلى. {فأذن لمن شئت منهم}فكان النبي صلى الله عليه وسلم بالخيار إن شاء أن يأذن وإن شاء منع. وقال قتادة: قوله {فأذن لمن شئت منهم}منسوخة بقوله { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } قوله {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا}يريد: يصيح من بعيد: يا أبا القاسم! بل عظموه كما قال في الحجرات وصحت واوها لتحركها في لاوذ. يقال: لاوذ يلاوذ ملاوذة ولواذا. ولاذ يلوذ لوذا ولياذا؛ انقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها اتباعا للاذ في الاعتلال؛ فإذا كان مصدر فاعل لم يعل؛ لأن فاعل لا يجوز أن يعل. قوله {فليحذر الذين يخالفون عن أمره}بهذه الآية احتج الفقهاء على أن الأمر على الوجوب. ووجهها أن الله تبارك وتعالى قد حذر من مخالفة أمره، وتوعد بالعقاب عليها بقوله {أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}فتحرم مخالفته، فيجب امتثال أمره. والفتنة هنا القتل؛ قاله ابن عباس. عطاء: الزلازل والأهوال. جعفر بن محمد: سلطان جائر يسلط عليهم. وقيل: الطبع على القلوب بشؤم مخالفة الرسول. والضمير في {أمره}قيل هو عائد إلى أمر الله تعالى؛ قاله يحيى بن سلام. وقيل: إلى أمر رسوله عليه السلام؛ قال قتادة. ومعنى {يخالفون عن أمره}أي يعرضون عن أمره. وقال أبو عبيدة والأخفش}عن}في هذا الموضع زائدة. وقال الخليل وسيبويه: ليست بزائدة؛ والمعنى: يخالفون بعد أمره؛ كما قال: ومنه قوله { ألا إن لله ما في السماوات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا والله بكل شيء عليم } قوله {ألا إن لله ما في السماوات والأرض}خلقا وملكا. {قد يعلم ما أنتم عليه}فهو يجازيكم به. و{يعلم}هنا بمعنى علم. {ويوم يرجعون إليه}بعد ما كان في خطاب رجع في خبر وهذا يقال له: خطاب التلوين. {فينبئهم بما عملوا}أي يخبرهم بأعمالهم ويجازيهم بها. {والله بكل شيء عليم}من أعمالهم وأحوالهم
|