الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرطبي المسمى بـ «الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان» **
مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر. وقال ابن عباس وقتادة إلا آية منها، وهي قوله تعالى{وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون}المرسلات: 48] مدنية. و ">الآية رقم ( 1 : 15 )">
الآية رقم ( {والمرسلات عرفا، فالعاصفات عصفا، والناشرات نشرا، فالفارقات فرقا، فالملقيات ذكرا، عذرا أو نذرا، إنما توعدون لواقع، فإذا النجوم طمست، وإذا السماء فرجت، وإذا الجبال نسفت، وإذا الرسل أقتت، لأي يوم أجلت، ليوم الفصل، وما أدراك ما يوم الفصل، ويل يومئذ للمكذبين} قوله تعالى{والمرسلات عرفا} جمهور المفسرين على أن المرسلات الرياح. وروى مسروق عن عبدالله قال: هي الملائكة أرسلت بالمعروف من أمر الله تعالى ونهيه والخبر والوحي. وهو قول أبي هريرة ومقاتل وأبي صالح والكلبي. وقيل: هم الأنبياء أرسلوا بلا إله إلا الله؛ قاله ابن عباس. وقال أبو صالح: إنهم الرسل ترسل بما يعرفون به من المعجزات. وعن ابن عباس وابن مسعود: إنها الرياح؛ كما قال تعالى وروي ذلك عن أبي صالح. وعنه أيضا: الأمطار؛ لأنها تنشر النبات، فالنشر بمعنى الإحياء؛ يقال: نشر الله الميت وأنشره أي أحياه. وروى عنه السدي: أنها الملائكة تنشر كتب الله عز وجل. وروى الضحاك عن ابن عباس قال: يريد ما ينشر من الكتب وأعمال بني آدم. الضحاك: إنها الصحف تنشر على الله بأعمال العباد. وقال الربيع: إنه البعث للقيامة تنشر فيه الأرواح. قال{والناشرات} بالواو؛ لأنه استئناف قسم آخر. {فالفارقات فرقا} الملائكة تنزل بالفرق بين الحق والباطل؛ قال ابن عباس ومجاهد والضحاك وأبو صالح. وروى الضحاك عن ابن عباس قال: ما تفرق الملائكة من الأقوات والأرزاق والآجال. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: الفارقات الرياح تفرق بين السحاب وتبدده. وعن سعيد عن قتادة قال{الفارقات فرقا} الفرقان، فرق الله فيه بين الحق والباطل والحرام والحلال. وقال الحسن وابن كيسان. وقيل: يعني الرسل فرقوا بين ما أمر الله به ونهى عنه أي بينوا ذلك. وقيل: السحابات الماطرة تشبيها بالناقة الفارق وهي الحامل التي تخرج وتند في الأرض حين تضع، ونوق فوارق وفرق. [وربما] شبهوا السحابة التي تنفرد من السحاب بهذه الناقة؛ قال ذو الرمة: {فالملقيات ذكرا} الملائكة بإجماع؛ أي تلقي كتب الله عز وجل إلى الأنبياء عليهم السلام؛ قاله المهدوي. وقيل: هو جبريل وسمي باسم الجمع؛ لأنه كان ينزل بها. وقيل: المراد الرسل يلقون إلى أممهم ما أنزل الله عليهم؛ قال قطرب. وقرأ ابن عباس {فالملقيات} بالتشديد مع فتح القاف؛ وهو كقوله تعالى قوله تعالى{إنما توعدون لواقع} هذا جواب ما تقدم من القسم؛ أي ما توعدون من أمر القيامة لواقع بكم ونازل عليكم. ثم بين وقت وقوعه فقال{فإذا النجوم طمست} أي ذهب ضوؤها ومحي نورها كطمس الكتاب؛ يقال: طمس الشيء إذا درس وطمس فهو مطموس، والريح تطمس الآثار فتكون الريح طامسة والأثر طامسا بمعنى مطموس. {وإذا السماء فرجت} أي فتحت وشقت؛ ومنه قوله تعالى ونسفت الناقة الكلأ: إذا رعته. وقال المبرد: نسفت قلعت من موضعها؛ يقول الرجل للرجل يقتلع رجليه من الأرض: أنسفت رجلاه. وقيل: النسف تفريق الأجزاء حتى تذروها للرياح. ومنه نسف الطعام؛ لأنه يحرك حتى يذهب الريح بعض ما فيه من التبن. {وإذا الرسل أقتت} أي جمعت لوقتها ليوم القيامة، والوقت الأجل الذي يكون عنده الشيء المؤخر إليه؛ فالمعنى: جعل لها وقت وأجل للفصل والقضاء بينهم وبين الأمم؛ كما قال تعالى وقرأ أبو عمرو وحميد والحسن ونصر. وعن عاصم ومجاهد {وقتت} بالواو وتشديد القاف على الأصل. وقال أبو عمرو: وإنما يقرأ {أقتت} من قال في وجوه أجوه. وقرأ أبو جعفر وشيبة والأعرج {وقتت} بالواو وتخفيف القاف. وهو فعلت من الوقت ومنه {كتابا موقوتا}. وعن الحسن أيضا{ووقتت} بواوين، وهو فوعلت من الوقت أيضا مثل عوهدت. ولو قلبت الواو في هاتين القراءتين ألفا لجاز. وقرأ يحيى وأيوب وخالد بن إلياس وسلام {أقتت} بالهمزة والتخفيف؛ لأنها مكتوبة في المصحف بالألف. قوله تعالى{لأي يوم أجلت} أي أخرت، وهذا تعظيم لذلك اليوم فهو استفهام على التعظيم. أي {ليوم الفصل{ أجلت. وروى سعيد عن قتادة قال: يفصل فيه بين الناس بأعمالهم إلى الجنة أو إلى النار. وفي الحديث: [إذا حشر الناس يوم القيامة قاموا أربعين عاما على رؤوسهم الشمس شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرون الفصل]. {وما أدراك ما يوم الفصل} أتبع التعظيم تعظيما؛ أي وما أعلمك ما يوم الفصل؟ {ويل يومئذ للمكذبين} أي عذاب وخزي لمن كذب بالله وبرسله وكتبه وبيوم الفصل فهو وعيد. وكرره في هذه السورة عند كل آية لمن كذب؛ لأنه قسمه بينهم على قدر تكذيبهم، فإن لكل مكذب بشيء عذابا سوى تكذيبه بشيء آخر، ورب شيء كذب به هو أعظم جرما من تكذيبه بغيره؛ لأنه أقبح في تكذيبه، وأعظم في الرد على الله، فإنما يقسم له من الويل على قدر ذلك، وعلى قدر وفاقه وهو قوله {ألم نهلك الأولين، ثم نتبعهم الآخرين، كذلك نفعل بالمجرمين، ويل يومئذ للمكذبين} قوله تعالى{ألم نهلك الأولين} أخبر عن إهلاك الكفار من الأمم الماضين من لدن آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم. {ثم نتبعهم الآخرين} أي نلحق الآخرين بالأولين. {كذلك نفعل بالمجرمين} أي مثل ما فعلناه بمن تقدم نفعل بمشركي قريش إما بالسيف، وإما بالهلاك. وقرأ العامة {ثم نتبعهم} بالرفع على الاستئناف، وقرأ الأعرج {نتبعهم} بالجزم عطفا على {نهلك الأولين} كما تقول: ألم تزرني ثم أكرمك. والمراد أنه أهلك قوما بعد قوم على اختلاف أوقات المرسلين. ثم استأنف بقوله{كذلك نفعل بالمجرمين} يريد من يهلك فيما بعد. ويجوز أن يكون الإسكان تخفيفا من {نتبعهم} لتوالي الحركات. وروي عنه الإسكان للتخفيف. وفي قراءة ابن مسعود {ثم سنتبعهم} والكاف من {كذلك} في موضع نصب، أي مثل ذلك الهلاك نفعله بكل مشرك. ثم قيل: معناه التهويل لهلاكهم في الدنيا اعتبارا. وقيل: هو إخبار بعذابهم في الآخرة. {ألم نخلقكم من ماء مهين، فجعلناه في قرار مكين، إلى قدر معلوم، فقدرنا فنعم القادرون، ويل يومئذ للمكذبين} قوله تعالى{ألم نخلقكم من ماء مهين} أي ضعيف حقير وهو النطفة وقد تقدم. وهذه الآية أصل لمن قال: إن خلق الجنين إنما هو من ماء الرجل وحده. وقد مضى القول فيه. {فجعلناه في قرار مكين} أي في مكان حريز وهو الرحم. {إلى قدر معلوم} قال مجاهد: إلى أن نصوره. وقيل: إلى وقت الولادة. {فقدرنا} وقرأ نافع والكسائي {فقدرنا} بالتشديد. وخفف الباقون، وهما لغتان بمعنى. قاله الكسائي والفراء والقتبي. قال القتبي: قدرنا بمعنى قدرنا مشددة: كما تقول: قدرت كذا وقدرته؛ ومنه قول النبي صلى الله علسه سلم في الهلال: وروي عن عكرمة {فقدرنا} مخففة من القدرة، وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم والكسائي لقوله{فنعم القادرون} ومن شدد فهو من التقدير، أي فقدرنا الشقي والسعيد فنعم المقدرون. رواه ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: المعنى قدرنا قصيرا أو طويلا. ونحوه عن ابن عباس: قدرنا ملكنا. المهدوي: وهذا التفسير أشبه بقراءة التخفيف. قلت: هو صحيح فإن عكرمة هو الذي قرأ {فقدرنا} مخففا قال: معناه فملكنا فنعم المالكون، فأفادت الكلمتان معنيين متغايرين؛ أي قدرنا وقت الولادة وأحوال النطفة في التنقيل من حالة إلى حالة حتى صارت بشرا سويا، أو الشقي والسعيد، أو الطويل والقصير، كله على قراءة التشديد. وقيل: هما بمعنى كما ذكرنا. {ألم نجعل الأرض كفاتا، أحياء وأمواتا، وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتا، ويل يومئذ للمكذبين} قوله تعالى{ألم نجعل الأرض كفاتا} أي ضامة تضم الأحياء على ظهورها والأموات في بطنها. وهذا يدل على وجوب مواراة الميت ودفنه، ودفن شعره وسائر ما يزيله عنه. وقوله عليه السلام: وقال أبو عبيد{كفاتا} أوعية. ويقال للنحي: كفت وكفيت، لأنه يحوي اللبن ويضمه قال: وخرج الشعبي في جنازة فنظر إلى الجبان فقال: هذه كفات الأموات، ثم نظر إلى البيوت فقال: هذه كفات الأحياء. روى عن ربيعة في النباش قال تقطع يده فقيل له: لم قلت ذلك؟ قال. إن الله عز وجل يقول{ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا} فالأرض حرز. وقد مضى هذا في سورة المائدة . وكانوا يسمون بقيع الغرقد كفتة، لأنه مقبرة تضم الموتى، فالأرض تضم الأحياء إلى منازلهم والأموات في قبورهم. وأيضا استقرار الناس على وجه الأرض، ثم اضطجاعهم عليها، انضمام منهم إليها. وقيل: هي كفات للأحياء يعني دفن ما يخرج من الإنسان من الفضلات في الأرض؛ إذ لا ضم في كون الناس عليها، والضم يشير إلى الاحتفاف من جميع الوجوه. وقال الأخفش وأبو عبيدة ومجاهد في أحد قوليه: الأحياء والأموات ترجع إلى الأرض، أي الأرض منقسمة إلى حي وهو الذي ينبت، وإلى ميت وهو الذي لا ينبت. وقال الفراء: انتصب، {أحياء وأمواتا} بوقوع الكفات عليه؛ أي ألم نجعل الأرض كفات أحياء وأموات. فإذا نونت نصبت؛ كقوله تعالى{ {انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون، انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب، لا ظليل ولا يغني من اللهب، إنها ترمي بشرر كالقصر، كأنه جمالة صفر، ويل يومئذ للمكذبين} قوله تعالى{انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون} أي يقال للكفار سيروا {إلى ما كنتم به تكذبون} من العذاب يعني النار، فقد شاهدتموها عيانا. {انطلقوا إلى ظل} أي دخان {ذي ثلاث شعب} يعني الدخان الذي يرتفع ثم يتشعب إلى ثلاث شعب. وكذلك شأن الدخان العظيم إذا ارتفع تشعب. ثم وصف الظل فقال{لا ظليل} أي ليس كالظل الذي يقي حر الشمس {ولا يغني من اللهب} أي لا يدفع من لهب جهنم شيئا. واللهب ما يعلو على النار إذ اضطرمت، من أحمر وأصفر وأخضر. وقيل: إن الشعب الثلاث هي الضريع والزقوم والغسلين؛ قاله الضحاك. وقيل: اللهب ثم الشرر ثم الدخان؛ لأنها ثلاثة أحوال، هي غاية أوصاف النار إذا أضطرمت واشتدت. وقيل: عنق يخرج من النار فيتشعب ثلاث شعب. فأما النور فيقف على رؤوس المؤمنين، وأما الدخان فيقف على رؤوس المنافقين، وأما اللهب الصافي فيقف على رؤوس الكافرين. وقيل: هو الرادق، وهو لسان من نار يحيط بهم، ثم يتشعب منه ثلاث شعب، فتظللهم حتى يفرغ من حسابهم إلى النار. وقيل: هو الظل من يحموم؛ كما قال تعالى وفي البخاري عن ابن عباس أيضا{ترمى بشرر كالقصر} قال كنا نرفع الخشب بقصر ثلاثة أذرع أو أقل، فترفعه للشتاء، فنسميه القصر، وقال سعيد بن جبير والضحاك: هي أصول الشجر والنخل العظام إذا وقع وقطع. وقيل: أعناقه. وقرأ ابن عباس ومجاهد وحميد والسلمي {كالقصر} بفتح الصاد، أراد أعناق النخل. والقصرة العنق، جمعها قصر وقصرات. وقال قتادة: أعناق الإبل. قرأ سعيد بن جبير بكسر القاف وفتح الصاد، وهي أيضا جمع قصرة مثل بدرة وبدر وقصعة وقصع وحلقة وحلق، لحلق الحديد. وقال أبو حاتم: ولعله لغة، كما قالوا حاجة وحوج. وقيل: القصر: الجبل، فشبه الشرر بالقصر في مقاديره، ثم شبهه في لونه بالجمالات الصفر، وهي الإبل السود؛ والعرب تسمي السود من الإبل صفرا؛ قال الشاعر: أي هن سود. وإنما سميت السود من الإبل صفرا لأنه يشوب سوادها شيء من صفرة؛ كما قيل لبيض الظباء: الأدم؛ لأن بياضها تعلوه كدرة: والشرر إذا تطاير وسقط وفيه بقية من لون النار أشبه شيء بالإبل السود، لما ينوبها من صفرة. وفي شعر عمران بن حطان الخارجي: وضعف الترمذي هذا القول فقال: وهذا القول محال في اللغة، أن يكون شيء يشوبه شيء قليل، فنسب كله إلى ذلك الشائب، فالعجب لمن قد قال هذا، وقد قال الله تعالى{جمالات صفر} فلا نعلم شيئا من هذا في اللغة. ووجهه عندنا أن النار خلقت من النور فهي نار مضيئة، فلما خلق الله جهنم وهي موضع النار، حشا ذلك الموضع بتلك النار، وبعث إليها سلطانه وغضبه، فاسودت من سلطانه وازدادت حدة، وصارت أشد سوادا من النار ومن كل شيء سوادا، فإذا كان يوم القيامة وجيء بجهنم في الموقف رمت بشررها على أهل الموقف، غضبا لغضب الله، والشرر هو أسود، لأنه من نار سوداء، فإذا رمت النار بشررها فإنها ترمي الأعداء به، فهن سود من سواد النار، لا يصل ذلك إلى الموحدين؛ لأنهم في سرادق الرحمة قد أحاط بهم في الموقف، وهو الغمام الذي يأتي فيه الرب تبارك وتعالى، ولكن يعاينون ذلك الرمي، فإذا عاينوه نزع الله ذلك السلطان والغضب عنه في رأي العين منهم حتى يروها صفراء؛ ليعلم الموحدون أنهم في رحمة الله لا في سلطانه وغضبه. وكان ابن عباس يقول: الجمالات الصفر: حبال السفن يجمع بعضها إلى بعض حتى تكون كأوساط الرجال. ذكره البخاري. وكان يقرؤها {جمالات} بضم الجيم، وكذلك قرأ مجاهد وحميد {جمالات} بضم الجيم، وهي الحبال الغلاط، وهي قلوس السفينة أي حبالها. وواحد القلوس: قلس. وعن ابن عباس أيضا على أنها قطع النحاس. والمعروف في الحبل الغليظ جمل بتشديد الميم كما تقدم في الأعراف . و{جمالات} بضم الجيم: جمع جمالة بكسر الجيم موحدا، كأنه جمع جمل، نحو حجر وحجارة، وذكر وذكارة، وقرأ يعقوب وابن أبي إسحاق وعيسى والجحدري {جُمالة} بضم الجيم موحدا وهي الشيء العظيم المجموع بعضه إلى بعض. وقرأ حفص وحمزة والكسائي {جمالة} وبقية السبعة {جمالات} قال الفراء: يجوز أن تكون الجمالات جمع جمال كما يقال: رجل ورجال ورجالات. وقيل: شبهها بالجمالات لسرعة سيرها. وقيل: لمتابعة بعضها بعضا. والقصر: واحد القصور. وقصر الظلام: اختلاطه ويقال: أتيته قصرا أي عشيا، فهو مشترك؛ قال: مسألة: في هذه الآية دليل على جواز ادخار الحطب والفحم وإن لم يكن من القوت، فإنه من مصالح المرء ومغاني مفاقره. وذلك مما يقتضي النظر أن يكتسبه في غير وقت حاجته؛ ليكون أرخص وحالة وجوده أمكن، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخر القوت في وقت عموم وجوده من كسبه ومال، وكل شيء محمول عليه. وقد بين ابن عباس هذا بقوله: كنا نعمد إلى الخشبة فنقطعها ثلاثة أذرع وفوق ذلك ودونه وندخره للشتاء وكنا نسميه القصر. وهذا أصح ما قيل في ذلك والله أعلم. {هذا يوم لا ينطقون، ولا يؤذن لهم فيعتذرون، ويل يومئذ للمكذبين} قوله تعالى{هذا يوم لا ينطقون} أي لا يتكلمون {ولا يؤذن لهم فيعتذرون} أي إن يوم القيامة له مواطن ومواقيت، فهذا من المواقيت التي لا يتكلمون فيها، ولا يؤذن لهم في الاعتذار والتنصل. وعن عكرمة عن ابن عباس قال: سأل ابن الأزرق عن قوله تعالى{هذا يوم لا ينطقون} و {هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين، فإن كان لكم كيد فكيدون، ويل يومئذ للمكذبين} قوله تعالى{هذا يوم الفصل} أي ويقال لهم هذا اليوم الذي يفصل فيه بين الخلائق؛ فيتبين المحق من المبطل. {جمعناكم والأولين} قال ابن عباس: جمع الذين كذبوا محمدا والذين كذبوا النبيين من قبله. رواه عنه الضحاك. {فإن كان لكم كيد} أي حيلة في الخلاص من الهلاك {فكيدوني} أي فاحتالوا لأنفسكم وقاووني ولن تجدوا ذلك. وقيل: أي {فإن كان لكم كيد} أي قدرتم على حرب {فكيدوني} أي حاربوني. كذا روى الضحاك عن ابن عباس. قال: يريد كنتم في الدنيا تحاربون محمدا صلى الله عليه وسلم وتحاربونني فاليوم حاربوني. وقيل: أي إنكم كنتم في الدنيا تعملون بالمعاصي وقد عجزتم الآن عنها وعن الدفع عن أنفسكم. وقيل: إنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون كقول هود ">الآية رقم (41 : 45)">
الآية رقم ( {إن المتقين في ظلال وعيون، وفواكه مما يشتهون، كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون، إنا كذلك نجزي المحسنين، ويل يومئذ للمكذبين} قوله تعالى{إن المتقين في ظلال وعيون} أخبر بما يصير إليه المتقون غدا، والمراد بالظلال ظلال الأشجار وظلال القصور مكان الظل في الشعب الثلاث. وفي سورة يس {كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون، ويل يومئذ للمكذبين} قوله تعالى{كلوا وتمتعوا قليلا} هذا مردود إلى ما تقدم قبل المتقين، وهو وعيد وتهديد وهو حال من {المكذبين} أي الويل ثابت لهم في حال ما يقال لهم{كلوا وتمتعوا قليلا}. {إنكم مجرمون} أي كافرون. وقيل: مكتسبون فعلا يضركم في الآخرة، من الشرك والمعاصي. {وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون، ويل يومئذ للمكذبين، فبأي حديث بعده يؤمنون} قوله تعالى{وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون} أي إذا قيل لهؤلاء المشركين{اركعوا} أي صلوا {لا يركعون} أي لا يصلون؛ قال مجاهد. وقال مقاتل: نزلت في ثقيف، امتنعوا من الصلاة فنزل ذلك فيهم. قوله تعالى{فبأي حديث بعده يؤمنون} أي إن لم يصدقوا بالقرآن الذي هو المعجز والدلالة على صدق الرسول عليه السلام، فبأي شيء يصدقون! وكرر{ويل يومئذ للمكذبين} لمعنى تكرير التخويف والوعيد. وقيل: ليس بتكرار، لأنه أراد بكل قول منه غير الذي أراد بالآخر؛ كأنه ذكر شيئا فقال: ويل لمن يكذب بهذا، ثم ذكر شيئا آخر فقال: ويل لمن يكذب بهذا، ثم ذكر شيئا آخر فقال: ويل لمن يكذب بهذا. ثم كذلك إلى آخرها. ختمت السورة ولله الحمد.
|