الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)
.واقعة كنز الدولة بالصعيد. كان أمير العرب بنواحي اسوان يلقب كنز الدولة وكان شيعة للعلوية بمصر وطالت أيامه واشتهر ولما ملك صلاح الدين قسم الصعيد اقطاعا بين أمرائه وكان أخو أبي الهيجاء السمين من أمرائه واقطاعه في نواحيهم فعصي كنز الدولة سنة سبعين واجتمع إليه العرب والسودان وهجم على أخي أبي الهيجاء السمين في اقطاعه فقتله وكان أبو الهيجاء من أكبر الأمراء فبعثه صلاح الدين لقتال الكنز وبعث معه جماعة من الأمراء والتف له الجند فساروا إلى اسوان ومروا بصدد فحاصروا بها جماعة وظفروا بهم فاستلحموهم ثم ساروا إلى الكنز فقاتلوه وهزموه وقتل واستلحم جميع أصحابه وأمنت بلاد اسوان والصعيد والله تعالى ولى التوفيق..استيلاء صلاح الدين على قواعد الشام بعد وفاة العادل نور الدين. كان صلاح الدين كما قدمناه قائما في مصر بطاعة العادل نور الدين محمود بن زنكي ولما توفي سنة تسع وستين ونصب ابنه الصالح إسماعيل في كفالة شمس الدين محمد بن عبد الملك المقدم وبعث إليه صلاح الدين بطاعته ونقم عليهم أنهم لم يردوا الأمر إليه وسار غازي صاحب الموصل بن قطب الدين مودود بن زنكي إلى بلاد نور الدين التي بالجزيرة وهي نصيبين والخابور وحران والرها والرقة فملكها ونقم عليه صلاح الدين أنهم لم يخبروه حتى يدافعه عن بلادهم وكان الخادم سعد الدين كمستكين الذي ولاه نور الدين قلعة الموصل وأمر سيف الدين غازي بمطالعته بأموره قد لحق عند وفاة نور الدين بحلب وأقام بها عند شمس الدين علي ابن الداية المستبد بها بعد نور الدين فبعثه ابن الداية إلى دمشق في عسكر ليجيء بالملك الصالح إلى حلب لمدافعة سيف الدين غازي فنكروه أولا وطردوه ثم رجعوا إلى هذا الرأي وبعثوا عنه فسار مع الملك الصالح إلى حلب ولحين دخوله قبض على ابن الداية وعلى مقدمي حلب واستبد بكفالة الصالح وخاف الأمراء بدمشق وبعثوا إلى سيف الدين غازي ليملكوه فظنها مكيدة من ابن عمه وامتنع عليهم وصالح ابن عمه على ما أخذ من البلاد فبعث أمراء دمشق إلى صلاح الدين وتولى كبر ذلك ابن المقدم فبادر إلى الشام وملك بصرى ثم سار إلى دمشق فدخلها في منسلخ ربيع سنة سبعين وخمسمائة ونزل دار أبيه المعروفة بالعفيفي وبعث القاضي كمال الدين ابن الشهرزوري إلى ريحان الخادم بالقلعة أنه على طاعة الملك الصالح وفي خدمته وما جاء إلا لنصرته فسلم إليه القلعة وملكها واستخلف على دمشق أخاه سيف الإسلام طغركين وسار إلى حمص وبها وال من قبل الأمير مسعود الزعفراني وكانت من أعماله فقاتلها وملكها وجمر عسكرا لقتال قلعتها وسار إلى حماة مظهرا لطاعة الملك لصالح وارتجاع ما أخذ من بلاده بالجزيرة وبعث بذلك إلى صاحب قلعتها خرديك واستخلفه وسار إلى الملك الصالح ليجمع الكلمة ويطلق أولاد الداية واستخلف على قلعة حماة أخاه ولما وصل إلى حلب حبسه كمستكين الخادم ووصل الخبر إلى أخيه بقلعة حماة فسلمها لصلاح الدين وسار إلى حلب فحاصرها ثالث جمادي الاخيرة واستمات أهلها في المدافعة عن الصالح وكان بحلب سمند صابح طرابلس من الإفرنج محبوسا منذ أسره نور الدين على حارم سنة تسع وخمسين فأطلقه كمستكين على مال وأسرى ببلده وتوفي نور الدين أول السنة وخلف ابنا مجذوما فكفله سمند واستولى على ملكهم فلما حاصر صلاح الدين حلب بعث كمستكين إلى سمند يستنجده فسار إلى حمص ونزلها فسار إليه صلاح الدين وترك حلب وسمع الإفرنج بمسيره فرحلوا عن حمص ووصل هو إليها عاشر رجب فحاصر قلعتها وملكها آخر شعبان من السنة ثم سار إلى بعلبك وبها يمن الخادم من أيام نور الدين فحاصره حتى استأمن إليه وملكها رابع رمضان من السنة وصار بيده من الشام دمشق وحماة وبعلبك ولما استولى صلاح الدين على هذه البلاد من أعمال الملك الصالح كتب الصالح إلى ابن عمه سيف الدين غازي صاحب الموصل يستنجده على صلاح الدين فأنجده بعساكره مع أخيه عز الدين مسعود وصاحب جيشه عز الدين زلقندار وسارت معهم عساكر حلب وساروا جميعا لمحاربة صلاح الدين وبعث صلاح الدين إلى سيف الدين غازي أن يسلم لهم حمص وحماة ويبقي بدمشق نائبا عن الصالح فأبي إلا رد جميعها فسار صلاح الدين إلى العساكر ولقيهم آخر رمضان بنواحي فهزمهم واتبعهم إلى حلب وحاصرها وقطع خطبة الصالح ثم صالحوه على ما بيده من الشام فأجابهم ورحل عن حلب لعشرين من شوال وعاد إلى حماة وكان فخر الدين مسعود بن الزعفراني من الأمراء النورية وكانت ماردين من أعماله مع حمص وحماة وسلمية وتل خالد والرها فلما ملك أقطاعه هذه اتصل به فلم ير نفسه عنده كما ظن ففارقه فلما عاد صلاح الدين من حصار حلب إلى حماة سار إلى بعلبك واستأمن إليه وإليها فملكها وعاد إلى حماة فأقطعها خالد شهاب الدين محمود وأقطع حمص ناصر الدولة بن شيركوه وأقطع بعلبك شمس الدين ابن المقدم ودمشق إلى عماد والله تعالى ولى التوفيق بمنه وكرمه.
|