الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب ***
وهو من شواهد سيبويه: الكامل حذرٌ أموراً لا تخاف وآمنٌ *** ما ليس منجية من الأقدار. على أن سيبويه استدل به على عمل فعل بهذا البيت، ومنعه غيره، وقال: إن البيت مصنوع. يروى عن اللاحقي أن سيبويه سألني عن شاهدٍ في تعدي فعلٍ، فعملت له هذا البيت. أقول: إن طعن على سيبويه بهذا البيت، فقد استشهد ببيت آخر لا مطعن عليه فيه: وهو قول لبيد الصحابي: الكامل ومسحلٌ شنجٌ عضادة سمحجٍ *** بسراته ندبٌ لها وكلوم وقال الأعلم: وتبعه ابن السيد في شرح أبيات الجمل: قد وجدنا في شعر زيد الخيل الطائي الصحابي بيتاً آخر لا مطعن فيه، وهو: الوافر ألم أخبركما خبراً أتاني *** أبو الكساح جد به الوعيد أتاني أنهم مزقون عرضي *** جحاش الكرملين لها فديد أما البيت الأول فقد قال ابن خلف: الشاهد فيه أنه نصب عضادة بشنج نصب المفعول به، لأنه تكثير شانج، وشانج في معنى ملازم، وفعله شنجته، كلزمته، على ما حكاه البصريون. وذلك غير مشهور. قال أبو نصر هارون بن موسى: ورد عليه هذا القول بعض النحويين وزعن أن عضادة ظرف. وهذا من الذين يتهاونون بالخلف، إذا عرفوا الإعراب، وهذا إذا جعله ظرفاً كان المعنى فاسداً، وذلك أن الشاعر شبه ناقته في نشاطها وصلابتها بحمارٍ وحشي ملازمٍ لأتانٍ يضربها. فلشدته وصلابته قد لازمها، وقبض الناحية التي بينها وبينه، ولم يحجزه عن ذلك رمحها وعضها اللذان بسراته منها ندبٌ وكلوم. ولو كان ظرفاً لكان المعنى أن المسحل شنجٌ متقبض في ناحية السمحج مهينٌ. قد شعفه عضها ورمحها، فكيف يشبه أحدٌ ناقته بمسحل هذه صفته. والذي يحتج لسيبويه أيضاً أن العضادة ليست من الظروف، لأنه يريد بالعضادة جنبها وأعضادها. ألا ترى أنه لا يجوز أن يقول: قد شنج رجل سمحجٍ، ولا يد سمحج. ومسحل معطوف على مسدم قبله، وهو: الكامل حرفٌ أضر بها السفار كأنه *** بعد الكلال مسدمٌ محجوم وصف لبيد ناقته. والحرف: الظامر. وأضر بها السفار: أنضاها وهزلها. والكلال: التعب. والمسدم: الفحل من الإبل الذي قد حبس عن الضراب. والمحجوم: المشدود الفم. والمسحل: حمار الوحش. والسمحج: الأتان الطويلة. وسراتها: أعلاها. والندب: الأثر. والكلوم: الجراحات. يريد أن هذه الأتان بها آثارٌ من عض الحمار، كأنها جراحات. وعضادة: جنب. والشنج: المتقبض في الأصل، ويراد به في البيت الملازم، كأنه قال: ومسحل ملازم جنب أتان لا يفارقها. يقول: كأن هذه الناقة بعدما كلت بعيرٌ مسدم، ومسحلٌ موصوف بما ذكر. وأما البيت الثاني فمزقون: جمع مزق مبالغة مازق، من المزق، وهو شق الشيء. وعرض الرجل، بالكسر: جانبه الذي يصونه من نفسه وحسبه. وجحاش، أي: هم جحاش، فهو تشبيه بليغ كما حققه السعد، لا استعارة كما زعمه العيني. وهو جمع جحش، وهو ولد الحمار. والكرملين، بكسر الكاف وفتح اللام: اسم ماءٍ في جبل طيىءٍ. والفديد: الصوت، يريد أنهم عندي بمنزلة الجحاش التي تنهق عند ذلك الماء، فلا أعبأ بهم. وتخصيص الجحاش مبالغة في التحقير. والبيت استشهد به شراح الألفية. وأما ما روي عن اللاحقي في البيت الأول، فقد حكاه المازني، قال: أخبرني أبو يحيى اللاحقي، قال: سألني سيبويه عن فعلٍ يتعدى، فوضعت له وهذا البيت. وإذا حكى أبو يحيى مثل هذا عن نفسه، ورضي بأن يخبر أنه قليل الأمانة، وأنه ائتمن على الرواية الصحيحة، فخان، لم يكن مثله يقبل قوله، ويعترض به على ما قد أثبته سيبويه. وهذا الرجل أحب أن يتجمل بأن سيبويه سأله عن شيءٍ، فخبر عن نفسه بأنه فعل ما يبطل الجمال. ومن كانت هذه صفته بعد في النفوس أن يسأله سيبويه عن شيءٍ. وقال أبو نصر هارون بن موسى: وهذا ضعيفٌ في التأويل، وكيف يصلح أن ينسب اللاحقي إلى نفسه ما يضع منه ولا يحل، وكيف يجوز هذا على سيبويه، وهو المشهور في دينه وعلمه وعقله، وأخذه عن الثقات الذين لا اختلاف في عملهم وصحة نقلهم. وإنما أراد اللاحقي بقوله: فوضعت له هذا البيت: فرويته. والحذر: مبالغة حاذر، من الحذر، وهو التحرز. وجملة: لا تخاف بالبناء للمفعول صفة قوله أموراً. وروى بدله: لا تضير بمعنى لا تضر، يقال: ضاره يضيره، وضره يضره بمعنًى واحد، كما يقال ذامه يذيمه، وذمه يذمه بمعنًى. قال ابن السيد في شرح أبيات الجمل: معنى البيت يحتمل أمرين. أحدهما: أنه يصف إنساناً بالجهل وقلة المعرفة، وأنه يضع الأمور في غير موضعها، فيأمن من لا ينبغي أن يؤمن، ويحذر من لا ينبغي أن يحذر. والوجه الثاني، وهو الأشبه عندي: أن يكون أراد أن الإنسان جاهلٌ بعواقب الأمور، يدبر فيخونه القياس والتدبير. ونحوه قول أبي العتاهية: الطويل وقد يهلك الإنسان من باب أمنه *** وينجو بإذن الله من حيث يحذر وزعم قوم أن البيت لابن المقفع، لا للاحقي. انتهى. وقال ابن هشام اللخمي: الظاهر من البيت أنه ذمٌّ. ويحتمل أن يكون مدحاً، يمدحه بكثرة الحذر، فيخرج هذا المعنى إني لأعد للأمر عسى أن يكون أبداً. وحذر وآمنٌ بمعنى الاستقبال، لأن الحذر والأمن، إنما يكونان فيما يأتي، وأما ما مضى فقد علم. والهاء في منجية عائدة على الضمير الذي في ليس. ومنجية بمعنى المضارع لا الماضي، والدليل عليه وقوعه خبر ليس، والنفي إنما يقع على الأخبار، وليس إنما تنفي المضارع. انتهى كلامه. وقال العيني: إن منجيه اسم فاعل مضاف إلى الهاء، والهاء في موضع نصب لأن اسم الفاعل إذا كان بمعنى الحال والاستقبال وأضيف كانت إضافته غير محضة، وكانت النية بها الانفصال. هذا كلامه. واللاحقي هو أبان بن عبد الحميد اللاحقي. هو من شعراء هارون الرشيد. وهو شاعرٌ مطبوع بصري، لكنه مطعون في دينه. قال صاحب الأغاني: هو أبان بن عبد الحميد بن لاحق بن عفير مولى بني رقاش. قال أبو عبيدة: بنو رقاش ثلاثة نفر ينسبون إلى أمهم، واسمها رقاش وهم مالك، وزيد مناة، وعامر، بنو شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي ابن بكر بن وائل. أخبرني الصولي، قال: حدثني محمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن إسماعيل قال: جلس أبان بن عبد الحميد ليلةً في قوم فثلب أبا عبيدة، فقال: يقدح في الأنساب ولا نسب له! فبلغ ذلك أبا عبيدة، فقال في مجلسه: لقد أغفل السلطان كل شيء، حتى أغفل أخذ الجزية من أبان اللاحقي، هو وأهله يهود، وهذه منازلهم فيها أسفار التوارة، وليس فيها مصحف، وأوضح الأدلة على تهودهم أن أكثرهم يدعي حفظ التوارة ولا يحفظ من القرآن ما يصلى به. فبلغ ذلك أباناً، فقال: الخفيف لا تنمن عن صديقٍ حديث *** واستعذ من تشرر النمام واخفض الصوت إن نطقت بليلٍ *** والتفت بالنهار قبل الكلام وكان المعذل بن غيلان صديقاً لأبان، وكانا مع صداقتهما يتعابثان بالهجاء، ويهجوه المعذل بالكفر وينسبه إلى الثنوية، ويهجوه أبانٌ بالفساء الذي يهجى به عبد القيس، والقصر وكان المعذل قصيراً ومن هجوه: الطويل رأيت أباناً يوم فطرٍ مصلي *** فقسم فكري واستفرني الطرب وكيف يصلي مظلم القلب دينه *** على دين ماني إن هذا من العجب وهجاه أبو نواس بقوله: المجتث جالساً يوماً أبان *** لا در در أبان حتى إذا ما صلاة ال *** أولى دنت لأوان فقام ثم بها ذو *** فصاحةٍ وبيان فكلما قال قلن *** إلى انقضاء الأذان فقال كيف شهدتم *** بذا بغير عيان لا أشهد الدهر حتى *** تعاين العينان فقلت: سبحان ربي *** فقال: سبحان ماني وأخبرني الصولي، قال: حدثنا أبو العيناء، قال: حدثني الحرمازي، قال: خرج أبان بن عبد الحميد اللاحقي من البصرة طالباً للاتصال بالبرامكة، وكان الفضل ابن يحيى غائباً، فأقام ببابه لما قصده مدة مديدةً لا يصل إليه، فتوسل بمن أوصل له شعراً إليه. وقيل إنه توسل إلى بعض بني هشام، ممن شخص مع الفضل، فقال له: الخفيف يا غزير الندى ويا جوهر الجو *** هر من آل هاشمٍ بالبطاح إن ظني وليس يخلف ظني *** بان في حاجتي سبيل النجاح إن من دونها لمصمت بابٍ *** أنت من دون قفله مفتاحي تاقت النفس يا جليل السماح *** نحو بحر الندى مجاري الرياح ثم فكرت كيف لي واستخرت ال *** له عند الإمساء والإصباح فامتدحت الأمير أصلحه الل *** ه بشعرٍ مشهر الأوضاح فقال له: هات مديحك. فأعطاه شعراً في الفضل في هذا الوزن وقافيته: الخفيف أنا من بغية الأمير وكنزٌ *** من كنوز الأمير ذو أرباح كاتبٌ حاسبٌ خطيبٌ أديبٌ *** ناصحٌ زائدٌ على النصاح شاعرٌ مفلقٌ أخف من الري *** شة فيما يكون تحت الجناح وهي طويلة، ومنها: إن دعاني الأمير عاين مني *** شمرياً كالبلبل الصياح قال: فدعا به، ووصله، ثم خص بالفضل، وقدم معه، فقرب من قلب يحيى ابن خالد، وكان صاحب الجماعة وذا أمرهم. أخبرني حبيب بن نصرٍ المهلبي: قال: حدثنا علي بن محمد النوفلي: أن أبان بن عبد الحميد عاتب البرامكة على تركهم إيصاله إلى الرشيد وإيصال مدحه إليه، فقالوا له: وما تريد بذلك؟ فقال: أريد أن أحظى منه بمثل ما حظي به مروان بن أبي حفصة. فقالوا له: إن لمروان مذهباً في هجاء آل أبي طالب وذمهم به يحظى، وعليه يعطى، فاسلكه حتى نفعل! قال: لا أستحل ذلك. قالوا: فما تصنع.؟ لا تجيء أمور الدنيا إلا بفعل ما لا يحل. فقال أبان: الطويل نشدت بحق الله من كان مسلم *** أعم بما قد قلته العجم والعرب أعم رسول الله أقرب زلفةً *** لديه أم ابن العم في رتبة النسب وأيهما أولى به وبعهده *** ومن ذا له حق التراث بما وجب فإن كان عباس أحق بتلكم *** وكان علي بعد ذاك على سبب فأبناء عباسٍ هم يرثونه *** كما العم لابن العم في الإرث قد حجب وهي طويلة قد تركت ذكرها لما فيه من تنقيص. فقال له الفضل: ما يرد على أمير المؤمنين اليوم شيءٌ أعجب إليه من أبياتك. فركب فأنشدها الرشيد، فأمر لأبان بعشرين ألف درهم، ثم اتصلت بعد ذلك خدمته للرشيد، وخص به. انتهى ما نقلته من الأغاني. وأما ابن المقفع فاسمه عبد الله، وهو كاتبٌ بليغ، لكنه زنديق. قال السيد المرتضى قدس سره في أماليه: قال جعفر بن سليمان: روي عن المهدي، أنه قال: ما وجدت كتاب زندقة قط، إلا أصله ابن المقفع. وروى ابن شبة، قال: حدثني من سمع ابن المقفع، وقد مر ببيت نار المجوس بعد أن أسلم، فلمحه وتمثل: الكامل يا بيت عاتكة الذي أتعزل *** حذر العدى وبه الفؤاد موكل إني لأمنحك الصدود وإنني *** قسماً إليك مع الصدود لأميل وكان الخليل بن أحمد يحب أن يرى عبد الله بن المقفع، وكان ابن المقفع يحب ذلك، فجمعهم عباد بن عباد المهلبي، فتحادثا ثلاثة أيام ولياليهن، فقيل للخليل: كيف رأيت عبد الله؟ قال: ما رأيت مثله، وعلمه أكثر من عقله، وقيل لابن المقفع: كيف رأيت الخليل؟ قال: ما رأيت مثله، وعقله أكثر من علمه. قال المغيرة: صدقا أدى عقل الخليل إلى أن مات وهو أزهد الناس، وجهل ابن المقفع أداه إلى أن كتب أماناً عن المنصور لعبد الله بن علي، فقال فيه: ومتى غدر أمير المؤمنين بعمه عبد الله فنساؤه طوالق، ودوابه حبس، وعبيده أحرار، والمسلمون في حل من بيعته. فاشتد على المنصور جداً، وخاصة أمر البيعة، وكتب إلى سفيان بن معاوية المهلبي، وهو أمير البصرة من قبله، بقتله، فقتله. وكان ابن المقفع مع قلة دينه جيد الكلام فصيح العبارة له حكمٌ وأمثال. ثم أورد السيد المرتضى نتفاً من حكمه وأمثاله. قال الصغاني في العباب: عبد الله بن المقفع كان فصيحاً بليغاً، وكان اسمه روزبة، وكان قبل إسلامه يكتنى بأبى عمر، فلما أسلم تسمى بعبد الله، وتكنى بأبى محمد. والمقفع اسمه المبارك، ولقب بالمقفع لأن الحجاج بن يوسف ضربه ضرباً فتقفعت يده. ورجل مقفع اليدين. أي: متشنجهما. انتهى. وقيل هو المقفع بكسر الفاء لعمله القفعة، بفتح القاف وسكون الفاء. والقفعة: شيءٌ شبيه بالزنبيل بلا عروة، وتعمل من خوص، ليست بالكبيرة. وقال الليث: القفعة تتخذ من خوص، مستديرةٌ، يجتنى فيها الرطب ونحوه. وأنشد بعده: الوافر أمن ريحانة الداعي السميع *** يؤرقني وأصحابي هجوع على أن فعيلاً قد جاء لمبالغة مفعلٍ على رأي. وهو رأي الجمهور، منهم ابن الأعرابي في نوادره أنشد لنغبة الغنوي: البسيط إني تودكم نفسي وأمنحكم *** حبي ورب حبيبٍ غير محبوب حبيب في معنى محب، مثل أليم في معنى مؤلم، وسميع في معنى مسمع. وأنشد هذا البيت. ومنهم أبو العباس المبرد قال في الكامل: قيل خصيب وأنت تريد مخصب، وجديب وأنت تريد مجدب، كقولك: عذابٌ أليم وأنت تريد مؤلم. ويقال: رجل سميعٌ، أي: مسمع، قال عمرو بن معديكرب: أمن ريحانة الداعي السميع.......البيت ومنهم أبو إسحاق الزجاج قال في تفسيره من البقرة، عند قوله تعالى: {ولهم عذابٌ أليم} معنى أليم: موجع يصل وجعه إلى قلوبهم. وتأويل أليم في اللغة مؤلم. قال الشاعر: وأنشد هذا البيت. ومنهم البيضاوي، في تفسير قوله تعالى: {بديع السموات والأرض} قال: أي مبدعهما. ونظيره السميع في قوله: أمن ريحانة الداعي السميع ويقابل قول الجمهور قول صاحب الكشاف عند قوله: بديع السموات والأرض: هو من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها، أي: بديع سمواته وأرضه. وقيل البديع بمعنى المبدع، كما أن السميع قول عمرو: أمن ريحانة الداعي السميع بمعنى المسمع. وفيه نظر. انتهى. قال السعد في حاشيته: اعترض المصنف بأنه لم يثبت فعيل بمعنى مفعل، ولا استشهاد في البيت، لأن داعي الشوق لما دعا القائل صار سميعاً لدعوته، فتسبب لكونه سميعاً، فأوقع على الداعي اسم السميع لكونه سبباً فيه. على أن الشاذ لا يصح القياس عليه إن ثبت. انتهى. وقال السفاقسي في إعرابه بعدما نقل كلام السعد: قال ابن عطية: بديع مصروف من مبدع، كبصير من مبصر، ومثله سميع بمعنى مسمع في البيت. وعلى هذا يكون من إضافة اسم الفاعل لمفعوله. إلا أن الزمخشري ذكر هذا الوجه. وقال: إن فيه نظراً. ولم يبينه، فلعله يريد أن فعيلاً بمعنى مفعل لا ينقاس، مع أن بيت عمرو محتملٌ للتأويل. انتهى. وما تأوله السعد يدفعه البيت الذي بعده: وهو: الوافر ينادي من براقش ومعينٍ *** فأسمع واتلأب بنا مليع فإن فاعل ينادي، وأسمع، وهو فعل ماض: ضمير الداعي، فيكون الداعي مسمعاً لا سامعاً. وبراقش ومعين بفتح أولهما: بلدتان كانتا متقابلتين باليمن. كذا في معجم ما استعجم. واتلأب بمعنى استقام. والمليع: بفتح الميم: الأرض الواسعة. والبيتان أولا قصيدة لعمرو بن معديكرب الزبيدي الصحابي. قال جامع ديوانه أبو عبد الله بن الأعرابي: قالها عمرو في أخته، ريحانه بنت معديكربٍ، وهي أم دريد بن الصمة، وكان الصمة غزا بني زبيد فسباها، فغزا عمروٌ مراراً، فلم يقدر عليها. وقوله: أمن ريحانة إلخ، الهمزة: للاستفهام، ومن: للتعليل متعلق بقوله يؤرقني. وريحانة: اسم أخت عمروٍ. والداعي: مبتدأ بتقدير موصوفٍ، والتقدير: الشوق الداعي. والسميع: صفة الداعي وجملة يؤرقني: خبر المبتدأ، وجملة: وأصحابي هجوع: حالٌ من الياء. وهجوع: جمع هاجع، أي: نائم، كقعود جمع قاعد. ولصاحب الأغاني في ريحانة روايتان: إحداهما أنها أخته. قال: إن هذه القصيدة قالها عمرو في أخته ريحانة لما سباها الصمة بن بكر، وكان أغار على بني زبيد في قيس، فاستاق أموالهم وسبى ريحانة، وانهزمت زبيد بين يديه، وتبعه عمرو وأخوه عبد الله ابنا معديكرب، ثم رجع عبد الله واتبعه عمرو. فأخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلام، أن عمراً اتبعه يناشده أن يخلي عنها، فلم يفعل، فلما يئس منه، ولى، وهي تناديه بأعلى صوتها: يا عمرو! فلم يقدر على انتزاعها، وقال: أمن ريحانة الداعي السميع وعلى هذه الرواية فالداعي فاعل الظرف، وهو بمعنى الذي يدعة وينادي، لا بمعنى الشوق الداعي، والسميع بمعنى المسمع. والداعي مبتدأ والظرف قبله خبره، ومن عليهما للابتداء لا للتعليل، والجملتان في المصراع الثاني حالان متداخلتان. والرواية الثانية: أن ريحانة امرأته المطلقة، قال: أخبرني الحسين بن يحيى، قال: قال حماد: قرأت على أبي: وأما قصة ريحانة فإن عمرو بن معديكرب تزوج امرأةً من مراد، وذهب مغيراً قبل أن يدخل بها، فلما قدم أخبر أنه قد ظهر بها وضح، وهو داءٌ تحذره العرب فطلقها وتزوجها رجلٌ آخر من بني مازن بن ربيعة. وبلغ ذلك عمراً وأن الذي قيل فيها باطل، فأخذ يشبب بها، فقال قصيدته، وهي طويلة: أمن ريحانة الداعي السميع انتهى. فإعرابه على هذا هو الإعراب الأول. وهذه الرواية هي القريبة إلى الصواب، والقصيدة تدل عليها. وقال الطيبي: ريحانة امرأة، وقيل موضع. وقد رجعت إلى كتب البلدان والأماكن فلم أجد هذا الاسم فيها. وقال صاحب الكشف: علم حبيبة عمرو، وهي أخت دريد بن الصمة، تعلق بها عمرو، وأغار عليها، ثم التمس من دريد أن يتزوجها فأجاب. وهذه الرواية لا أصل لها. ثم نقل صاحب الكشف عن ابن قتيبة أنها أخت عمرو، وكانت تحت الصمة فولدت له دريد بن الصمة. واعترضه بأن دريداً قتل يوم هوازن وهو شيخ همٌّ ينيف على المائة، لا ينتفع إلا برأيه. وعمروٌ أسلم في زمن عمر، وهو على جلده. هذا كلامه. والأول حقٌّ لا شبهة فيه، ولهذا صوبنا أنها امرأته لا أخته. وأما عمروٌ فقد أسلم على يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من الصحابة كما يشهد به كتب الصحابة. تتمة وأما فعيل بمعنى مفعل بالفتح، اسم مفعول ففيه خلافٌ أيضاً. فأخذه من المزيد المتعدي لم يرتضه الزمخشري. وقال ابن مالك في التسهيل: وربما استغني عن فاعل بمفعل ومفعل. قال ابن عقيل في شرحه قالوا: عم الرجل بمعروفة. ولم متاع البيت، فهو معمٌّ ومعمذٌ، وملمٌّ وملمٌّ. ولم يقل بهذا المعنى عامٌّ ولا لام، ولا نظير لهما، حكاه ابن سيده. وقال ابن بري في حاشية صحاح الجوهري: قد جاء ذلك كثيراً نحو: مسخن وسخين، ومقعد وقعيد، ومقنع وقنيع، ومحب وحبيب، ومطردٌ وطريد، ومقصًى وقصي، ومهدًى وهدي، وموصًى ووصي، ومبرم وبريم، ومحكم وحكيم، ومبدع وبديع، ومفرد وفريد، ومسمع وسميع، ومونق وأنيق، ومؤلم وأليم، في أخواتٍ له. انتهى. وقصيدة عمرو بن معديكرب عدتها اثنان وثلاثون بيتاً، كلها تغزل بالنساء وحماسة. وبعد البيتين الأولين: ورب محرشٍ في جنب سلمى *** يعل بعينها عندي شفيع كأن الإثمد الحاري منه *** يسف بحيث تبتدر الدموع وأبكارٍ لهوت بهن حين *** نواعم في أسرتها الردوع أمشي حولها وأطوف فيه *** وتعجبني المحاجر والفروع إذا يضحكن ويبسمن يوم *** بدا بردٌ ألح به الصقيع كأن على عوارضهن راح *** يفض عليه رمانٌ ينيع تراها الدهر مقترةً كباءً *** ومقدح صفحة فيها نقيع وصبغ ثيابها في زعفرانٍ *** بجدتها كما احمر النجيع وقد عجبت أمامة أن رأتني *** تفرع لمتي شيبٌ فظيع وهذا آخر الغزل. ومن أبيات الحماسة: أشاب الرأس أيامٌ طوالٌ *** وهمٌّ ما تبلغه الضلوع وزحف كتيبةٍ للقاء أخرى *** كأن زهاءها رأسٌ صليع دنت واستأخر الأوغال عنه *** وخلى بينهم إلا الوريع فدًى لهم معاً أمي وخالي *** وشرخ شبابهم إن لم يضيعوا وإسناد الأسنة نحو نحري *** وهز المشرفية والوقوع فإن تنب النوائب آل عصمٍ *** تجد حكماتهم فيها رفوع إذا لم تستطع شيئاً فدعه *** وجاوزه إلى ما تستطيع وصله بالزماع فكل شيءٍ *** سما لك وسموت له ولوع وكم من غائطٍ من دون سلمى *** قليل الأنس ليس به كتيع به السرحان مفترشاً يديه *** كأن بياض لبته الصديع وقوله: ورب محرش إلخ. التحريش: الإغراء بين القوم. ويعل: من العلل مرة بعد مرة. والحاري: نسبة إلى الحيرة. ويسف: يذر. والأسرة: جمع سرارة بالكسر، وهو الخطوط في الكف. والردوع: جمع ردع، يقال: به ردعٌ من زعفرانٍ ودم، أي: لطخٌ وأثر. يريد أنهن يصبغن ثيابهن بالزعفران. وقوله: أمشي حولها هو جواب رب المقدرة في وأبكار. والمحاجر: جمع محجر العين كمجلس، وهو ما يبدو من النقاب. والفروع: جمع فرع، وهو الشعر التام. والبرد، بفتحتين: حب الغمام. والصقيع: الجليد. والعارض: الناب، والضرس الذي يليه. والراح: الخمر. وينيع: يانع، أي: بالغ. ومقترة: اسم فاعل من القتار بضم القاف، وهو هنا الدخنة. والكباء، بالكسر والمد: العود. والمقدح، بكسر الميم: المغرفة. والنقيع يبرد لها فتشربه. والنجيع: الدم. وتفرع: علا. واللمة: بالكسر: شعر الرأس الذي يلم بالمنكب. وقوله: أشاب الرأس إلخ. وتبلغه، أي: تسعه. وزهاءها، بالضم والمد، أي: مقدارها. والرأس الصليع: الذي انحسر شعر مقدمه. والأوغال: جمع وغل، وهو النذل من الرجال. والوريع: بالراء المهملة، وكذلك الورع بفتحتين، وهو الصغير الضعيف الذي لا غناء عنده. والوقوع: المواقعة والقتال. وآل عصم مفعول تنب، أي: تصب من النائبة. والحكمات، بالتحريك: جمع حكمة بفتحتين، وهي ما أحاط بالحنك من اللجام. والرفوع بالضم: مصدرٌ بمعنى الارتفاع. وقوله: إذا لم تستطع إلخ. هذا من شواهد تلخيص المفتاح، فيه الإرصاد وقوله: وصله، أي: وصل الشيء الذي لم تستطعه. والزماع، بالفتح: العزم والتصميم. والولوع بالفتح: مصدر ولعت بالشيء، إذا لزمته. والغائط: المطمئن من الأرض الواسع. وكتيع، أي، أحد، ملازمٌ للنفي. والسرحان: الذئب. واللبة: بالفتح: موضع القلادة من الصدر. والصديع بالدال: الصبح. وما أثبتناه هو رواية ابن الأعرابي في ديوان عمرو بن معديكرب. وروى صاحب الأغاني الشعر على غير ما ذكرنا، وتبعه الناس عليه، وهو: أمن ريحانة الداعي السميع *** يؤرقني وأصحابي هجوع سباها الصمة الجشمي غصب *** كأن بياض غرتها صديع وحالت دونها فرسان قيسٍ *** تكشف عن سواعدها الدروع إذا لم تستطع شيئاً فدعه ***...............البيت وزاد الناس في هذا الشعر وغني فيه: وكيف أحب من لا أستطيع *** ومن هو للذي أهوى منوع ومن قد لامني فيع صديقي *** وأهلي ثم كلاًّ لا أطيع ومن لو أظهر البغضاء نحوي *** أتاني قابض الموت السريع فدًى لهم معاً عمي وخالي *** وشرخ شبابهم إن لم يطيعوا لهذا ما رواه، وليس في الديوان بعض هذه الأبيات، والله أعلم. وترجمة عمرو بن معديكرب تقدمت في الشاهد الرابع والخمسين بعد المائة. وأنشد بعده: وهو من شواهد سيبويه: الرمل ثم زادوا أنهم في قومهم *** غفرٌ ذنبهم غير فخر على أن مثنى المبالغة، ومجموعها يعمل، كما في البيت، فإن ذنبهم مفعول لغفر، وهو جمع غفور، مبالغة غافرٍ، وفخر، بضمتين أيضاً: جمع فخور. والبيت من قصيدة طويلة عدتها أربعة وسبعون بيتاً لطرفة بن العبد، وهو شاعرٌ جاهلي تقدمت ترجمته في الشاهد الثاني والخمسين بعد المائة. وقبله: ولي الأصل الذي في مثله *** يصلح الآبر زرع المؤتب طيبو الباءة سهلٌ ولهم *** سبل إن شئت في وحشٍ وعر وهم ما هم إذا ما لبسو *** نسج داود لبأسٍ محتضر وتساقى القوم كأساً مرةً *** وعلا الخيل دماءٌ كالشقر ثم زادوا أنهم في قومهم ***..............البيت قال الأعلم في شرحه: وقوله: ولي الأصل إلخ، يقول: لي الأصل الذي في مثله يتم المعروف والاصطناع. والآبر: المصلح للشيء القائم عليه. المؤتبر: المستدعي إلى الإصلاح، وأكثر ما يستعمل الإبار في النخل، ثم هو عام في كل شيء. وضربه هنا مثلاً لإتمام الصنيعة. والباءة: الساحة والفناء، أي: ساحتهم طيبة سهلة لمن أراد معروفهم، وهي وعرة خشنة لمن أرادهم بسوء. وهذا مثل. والوحش: المتوحش، وهو كناية عن خشونة الجانب وشدته. وقوله: وهم ما هم إلخ، هذا تفخيم وتعجب، كأنه قال: أي رجال هم! وقوله: نسج داود يعني الدروع. والنسج: عملها وسردها وأول من عملها داود عليه السلام، فلذلك تنسب إليه. والبأس: شدة الأمر. والمحتضر: المحضور المجتمع إليه. يقول: إذا لبسوا الدروع وتسلحوا للقتال، فأي رجال هم! ويروى: محتضر بالكسر، أي: حاضر. وقوله: تساقى القوم إلخ، هذا مثل ضربه، أي: سقى بعضهم بعضاً كأس الحتوف، أي: قتل بعضهم بعضاً. والكأس: الإناء فيه الشراب، والشراب في الإناء يقال له: كأسٌ أيضاً. والشقر: شقائق النعمان. وقال الأصمعي: هو شجرٌ له ثمر أحمر. وقوله: ثم زادوا أنهم إلخ، لما وصفهم بالإقدام والجرأة والصبر في الحرب، وغير ذلك من أفعال البر، بين أن لهم مزيداً على ذلك، وهو أخذهم بالعفو، والصفح عن الذنب وترك الفخر بذلك، لأن الفخر إعجابٌ وخفة. انتهى. وقال اللخمي في شرح أبيات الجمل: قوله: ثم زادوا أنهم، أراد: بأنهم، فحذف الباء. وقوله: في قومهم في بمعنى عند، والظرف متعلق بزادوا، والتقدير: ثم زادوا عند قومهم بأنهم غفر ذنبهم غير فخر. وغير فخر: خبر بعد خبر. ويروى: غير فجر بالجيم، يعني أنهم لا يكذبون. والفجور: الكذب. والمشهور رواية الخاء، وهي أوجه. انتهى. وقال ابن خلف: يريد زادوا على الفضائل التي ذكرها فيهم أنهم إذا جنى عليهم بعض قومهم، غفروا لهم ذنبهم مع قدرتهم على الانتصاف. وقد يكون زادهم بمعنى شرفهم ورفعهم، فتكون أن على هذا فاعلة زاد، أي: زادهم المجد شرفاً ورفعة. هذا كلامه. وهو سبق قلم منه، فإن فاعل زاد هو الواو. وقوله: والمراد زادوا على الفضائل إلخ، هو تقدير ابن السيرافي في شرح أبيات الكتاب. قال ابن الحاجب في أماليه على المفصل: للفتح في أن وجهان: أحدهما: أن يكون في موضع المفعول، والآخر: أن يكون المعنى، ثم زادوا على ما تقدم من الخصال، وعلى من تقدم، ثم فتح أن على معنى اللام، لأنهم على صفة كذا وكذا. وللكسر وجهان: أحدهما: التعليل على ما ذكر في الوجه الثاني. والثاني: أن يكون على الحكاية وهو ضعيف، لأنه ليس موضع الحكاية. وبعد هذه الأبيات بقليل: نحن في المشتاة ندعو الجفلى *** لا ترى الآدب فينا ينتقر حين قال الناس في مجلسهم *** أقتارٌ ذاك أم ريح قطر بجفانٍ تعتري نادين *** من سديفٍ حين هاج الصنبر قال الأعلم: قوله: نحن في المشتاة يريد في الشتاء والبرد، وذلك أشد الزمان. والجفلى: أن يعم بدعوته إلى الطعام، ولا يخص أحداً. والآدب: الذي يدعو إلى المأدبة، وهي كل طعام يدعى إليه. والانتقار: أن يدعو النقرى، وهو أن يخصهم ولا يعمهم. يقول: لا يخصون الأغنياء ومن يطعمون في مكافأته، ولكنهم يعمون طلباً للحمد، ولاكتساب المجد. والقتار، بالضم: رائحة اللحم إذا شوي. والقطر، بضمتين: العود الذي يتبخر به. يقول: نحن نطعم في شدة الزمان إذا كان ريح القتار عند القوم بمنزلة رائحة العود، لما هم فيه من الجهد والحاجة إلى الطعام. وقوله: بجفانٍ تعتري إلخ، أي: ندعوهم إلى الجفان. ومعنى تعتري: تلم به وتأتيه. والنادي: مجلس القوم ومتحدثهم. والسديف: قطع السنام. والصنبر: أشد ما يكون من البرد. قال صاحب الصحاح: صنابر الشتاء: شدة برده، وكذلك الصنبر، بتشديد النون وكسر الباء وأنشد البيت، ثم قال: والصنبر بتسكين الباء: يومٌ من أيام العجوز، ويحتمل أن يكونا بمعنًى، وإنما حركت الباء للضرورة. انتهى. وجزم ابن جني في الخصائص بأن الباء ساكنة، وقال: كان حق هذا إذا نقلت الحركة أن تكون الباء مضمومة، لأن الراء مرفوعة لكنه قدر الإضافة إلى الفعل، يعني المصدر. كأنه قال: حين هيج الصنبر، يعني أنه نقل الكسرة من الراء إلى الباء الساكنة، وسكنت الراء. وهذا من الغرائب فإن الصنبر فاعل بهاج، لكنه أعربه بالكسر نظراً إلى أن الفعل في معنى المصدر المضاف إلى هذا الفاعل ثم نقل الكسر. قال الدماميني في الجملة المضاف إليها من الحاشية الهندية على المغني: وعلى ذلك يتنزل اللغز الذي نظمته قريباً، وهو: الطويل أيا علماء الهند إني سائلٌ *** فمنوا بتحقيق به يظهر السر أرى فاعلاً بالفعل أعرب لفظه *** بجرٍّ ولا حرفٌ يكون به الجر وليس بمحكي ولا بمجاورٍ *** لدى الخفض والإنسان للبحث يضطر فهل من جوابٍ عندكم نستفيده *** فمن بحركم ما زال يستخرج الدر قال الشمني: سبقه إلى هذا اللغز أبو سعيد فرج بن قاسم المعروف بابن لب النحوي الأندلسي في منظومته النونية في الألغاز النحوية فقال: ما فاعلٌ بالفعل لكن جره *** مع السكون فيه ثابتان وفي شرحها: يعني الصنبر، من قول طرفة. انتهى. وأنشد فيه، وهو من شواهد سيبويه: الكامل ممن حملن به وهم عواقدٌ *** حبك النطاق فشب غير مهبل على أن حبك النطاق: مفعول لعواقد. وهو جمع عاقدة. قال سيبويه: ومما يجري مجرى فاعل من أسماء الفاعلين فواعل، أجروه مجرى فاعلة، حيث كان جمعه، وكسروه عليه، كما فعلوا ذلك بفاعلين وفاعلات. فمن ذلك قولهم: هن حواج بيت الله. قال أبو كبير: ممن حملن به وهن عواقد.....البيت قال الأعلم: الشاهد في نصب حبك النطاق بعواقد، لأنه جمع عاقدة، وعاقدة تعمل عمل الفعل المضارع لأنها في معناه، فجرى جمعها في العمل مجراها. ونون عواقد للضرورة. وصف رجلاً شهم الفؤاد ماضياً في الرجال، فذكر أنه ممن حملت به النساء مكرهاتٍ، فغلب عليه شبه الآباء، وخرج مذكراً. وكانت العرب تفعل ذلك: يغضب الرجل منهم امرأته ويعجلها حل نطاقها ويقع عليها، فيغلب ماؤه على مائها فينزع الوليد إليه في الشبه. وحبك النطاق: مشده، واحدها حباك، وهو من حبكت الشيء، إذا شددته وأحكمته. والنطاق: إزار تحتبك به المرأة في وسطها وترسل أعلاه على أسفله، تقيمه مقام السراويل. والمهبل: الثقيل، ويقال: هو الذي يدعى عليه بالهبل، فيقال: هبلته أمه، أي: فقدته. انتهى. والبيت من قصيدة لأبي كبير الهذلي، عدتها سبعة وأربعون بيتاً أوردها السكري في أشعار الهذليين، واقتصر منها أبو تمام على أبيات أوردها في أوائل الحماسة. وكذلك اقتصر عليها ابن قتيبة في كتاب الشعراء، فلنقتصر على ما أورده، وهو: ولقد سريت على الظلام بمغشم *** جلدٍ من الفتيان غير مثقل ممن حملن به وهن عواقدٌ *** حبك النطاق فشب غير مهبل حملت به في ليلةٍ مزؤودةٍ *** كرهاً وعقد نطاقها لم يحلل فأتت به حوش الفؤاد مبطن *** سهداً إذا ما نام ليل الهوجل ومبرأً من كل غبر حيضةٍ *** وفساد مرضعةٍ وداءٍ مغيل وإذا نبذت له الحصاة رأيته *** ينزو لوقعتها طمور الأخيل وإذا يهب من المنام رأيته *** كرتوب كعب الساق ليس بزمل ما إن يمس الأرض إلا منكبٌ *** منه وحرف الساق طي المحمل وإذا رميت به الفجاج رأيته *** يهوي مخارمها هوي الأجدل وإذا نظرت إلى أسرة وجهه *** برقت كبرق العارض المتهلل يحمي الصحاب إذا تكون كريهةٌ *** وإذا هم نزلوا فمأوى العيل قال التبريزي في شرح الحماسة: كان السبب في هذه الأبيات أن أبا كبير تزوج أم تأبط شراً، وكان غلاماً صغيراً، فلما رآه يكثر الدخول على أمه تنكر له، وعرف ذلك أبو كبير في وجهه إلى أن ترعرع الغلام، فقال أبو كبير لأمه: ويحك، قد والله رابني أمر هذا الغلام، ولا آمنه، فلا أقربك! قالت: فاحتل عليه حتى تقتله. فقال له ذات يوم: هل لك أن تغزو؟ فقال: ذلك من أمري. قال: فامض بنا. فخرجا غازيين ولا زاد معهما، فسارا ليلتهما ويومهما من الغد، حتى ظن أبو كبير أن الغلام قد جاع، فلما أمسى قصد به أبو كبيرٍ قوماً كانوا له أعداءً فلما رأيا نارهم من بعد، قال له أبو كبير: ويحك قد جعنا، فلو ذهبت إلى تلك النار فالتمست منها لنا شيئاً! قال: ويحك وأي وقت جوعٍ هذا. قال: أنا قد جعت فاطلب لي فمضى تأبط شراً فوجد على النار رجلين من ألص من يكون من العرب، وإنما أرسله إليهما أبو كبير ليقتلاه، فلما رأياه قد غشي نارهما وثبا عليه، فرمى أحدهما، وكر على الآخر فرماه، فقتلهما، ثم جاء إلى نارهما فأخذ الخبز منها، فجاء به إلي أبي كبير، فقال: كل لا أشبع الله بطنك! ولم يأكل هو، فقال: ويحك أخبرني قصتك. قال وما سؤالك عن هذا، كل، ودع المسألة. فدخلت أبا كبير منه خيفة، وأهمته نفسه، ثم سأله بالصحبة إلا حدثه كيف عمل فأخبره، فازداد خوفاً منه. ثم مضيا في غزاتهما فأصابا إبلاً، وكان يقول له أبو كبير ثلاث ليالٍ: اختر أي نصفي الليل شئت تحرس فيه، وأنام، وتنام النصف الآخر وأحرس. فقال: ذلك إليك، اختر أيهما شئت. فكان أبو كبير ينام إلى نصف الليل ويحرسه تأبط شراً، فإذا نام تأبط شراً، نام وكبير أيضاً، لا يحرس شيئاً حتى استوفى الثلاث. فلما كان في الليلة الرابعة ظن أن النعاس قد غلب على الغلام، فنام أول الليل إلى نصفه وحرسه تأبط شراً، فلما نام الغلام، قال أبو كبير: الآن يستثقل نوماً وتمكنني فيه الفرصة. فلما ظن أنه قد استثقل أخذ حصاةً، فحذف بها، فقام الغلام كأنه كعبٌ، فقال: ما هذه الوجبة؟ قال: لا أدري. قال: والله صوتٌ سمعته في عرض الإبل. فقام فعس وطاف فلم ير شيئاً، فعاد فنام، فلما ظن أنه استثقل أخذ حصيةً صغيرة فحذف بها، فقام كقيامه الأول، فقال: ما هذا الذي أسمع؟ قال: والله ما أدري، قد سمعت كما سمعت وما أدري ما هو ولعل بعض الإبل تحرك. فقام وطاف وعس فلم ير شيئاً، فعاد فنام، فأخذ حصيةً أصغر من تلك فرمى بها فوثب كما وثب أولاً، فطاف وعس فلم ير شيئاً ورجع إليه، فقال: يا هذا، إني قد أنكرت أمرك، والله لئن عدت أسمع شيئاً من هذا لأقتلنك! قال أبو كبير: فبت والله أحرسه خوفاً أن يتحرك شيءٌ من الإبل، فيقتلني. قال: فلما رجعا إلى حيهما، قال أبو كبير: إن أم هذا الغلام لامرأة، لا أقربها أبداً. وقال هذه الأبيات. انتهى. وزعم بعض الرواة أن هذه القصيدة لتأبط شراً قالها في ابن الزرقاء. قال ابن قتيبة في كتاب الشعراء: وبعض الرواة ينحل هذا الشعر تأبط شراً، ويذكر أنه كان يتبع امرأةً من فهم، وكان ابنٌ لها من هذيل، وكان يدخل عليها تأبط، فلما قارب الغلام الحلم، قال لأمه: من هذا الرجل الداخل عليك؟ قالت: صاحبٌ كان لأبيك. قال: فلا أرينه عندك! فلما رجع تأبط أخبرته، وقالت: هذا الغلام مفرقٌ بيني وبينك فاقتله! قال: سأفعل ذلك. فمر به وهو يلعب مع الصبيان، فقال له: هلم أهب لك نبلاً. فمضى معه، فتذمم من قتله، ووهب له نبلاً، فلما رجع تأبط إلى أم الغلام أخبرها، فقالت: إنه والله شيطانٌ من الشياطين والله ما رأيته مستثقلاً نوماً قط، ولا ممتلئاً ضحكاً قط، ولا هم بشيءٍ منذ كان صغيراً إلا فعله. ولقد حملته فما رأيت عليه دماً، حتى وضعته. ولقد وقع علي أبوه في ليلة هربٍ، وإني لمتوسدةٌ سرجاً، وإن نطاقي لمشدود، وإن على أبيه لدرعاً، فاقتله فأنت والله أحب إلي منه. قال: سأغزو به فأقتله. فمر، فقال له: هل لك في الغزو؟ قال: إذا شئت. فخرج به غازياً، فلم يجد منه غرة، حتى مر في بعض الليالي بنار لابني قترة الفزاريين، وكانا في نجعة، فلما رأى تأبط النار عرفها وعرف أهلها، فأكب على رجله ينادي: نهشت نهشت! أبغني ناراً! فخرج الغلام يهوي نحو النار، فصادف عندها الرجلين، فواثباه، فقتلهما، وأخذ جذوةً من النار، واطرد إبل القوم، وأقبل نحو تأبط، فلما رأى تأبط النار تهوي نحوه، ظن أن الغلام قتل، وأنه دل عليه، فمر يسعى. قال: فما كان إلا أن أدركني ومعه جذوة من النار يطرد إبل القوم، فلما وصل إلي قال: ويلك لقد أتعبتني! ثم رمى بالرأسين، فقلت: ما هذا؟ قال: كلبان هاراني على النار فقتلتهما! قال: قلت: إني والله ظننت أنك قد قتلت، قال: بل قتلت الرجلين، عاديت بينهما فقلت: الهرب الآن، فإن الطلب من ورائنا. فأخذت به على غير الطريق، فما سرنا إلا قليلاً حتى قال: أخطأت والله الطريق، وما تستقيم الريح فيه، فما لبث أن استقبل الطريق، وما كان والله سلكها قط. قال: فسرت به ثلاثاً حتى نظرت إلى عينيه كأنهما خيطان ممدودان، وأدرك الليل، فقلت: أنخ فقد أمنا. فأنخنا، فنام في طرفٍ منها، ونمت في الطرف الآخر، فما زلت أرمقه حتى ظننت أنه قد نام، فقمت أريده، فإذا هو قد استوى، وقال: ما شأنك؟ فقلت: سمعت حساً في الإبل. فطاف معي بها، فلم ير شيئاً، فقال: أتخاف شيئاً؟ قلت: لا. قال: فنم ولا تعد، فإني قد ارتبت بك. فنمت وأمهلته، حتى لم أشك في نومه، فقذفت له بحصاةٍ نحو رأسه فإذا هو قد وثب، وتناومت فأقبل نحوي، حتى ركضني برجله، وقال: أنائم أنت؟ قلت: نعم. قال: أسمعت ما سمعت؟ قلت: لا. فطاف في الإبل وطفت معه فلم نر شيئاً، فأقبل علي تتوقد عيناه، قال: قد أرى ما تصنع منذ الليلة، والله لئن أنبهني شيءٌ لأقتلنك! قال: فلبئت والله أكلؤه مخافة أن ينبهه شيءٌ فيقتلني. فلما أصبح قلت: ألا تنحر جزوراً؟ قال: بلى. قال: فنحرنا ناقة. فأكل. ثم احتلب أخرى، فشر، ثم خرج يريد المذهب وكان إذا أراد ذلك أبعد وأبطأ علي، فاتبعته فإذا أنا به مضطجعاً على مذهبه، وإذا يده داخلة في جحر أفعًى فانتزعها، فإذا هو قابض على رأس أفعًى، وقد قتلها وقتلة. فذلك قولي: ولقد غدوت على الظلام بمغشمٍ *** جلدٍ من الفتيان غير مثقل انتهى ما أورده ابن قتيبة. والمشهور: ولقد سريت على الظلام، أي: في الظلام. والمغشم، بالكسر: الغشوم، من الغشم، وهو الظلم. والجلد بالفتح، وهو من له الجلادة، وهي قوة القلب. وقوله: غير مثقل قال التبريزي: أي كان حسن القبول محبباً إلى القلوب. وقوله: ممن حملن به النون ضمير النساء ولم يجر لهن ذكر، ولما كان المراد مفهوماً جاز إضمارها. وقال: به فرد الضمير على لفظ من، ولو رد على المعنى، لقال بهم. وروى السكري وغيره: مما حملن به قال التبريزي، تبعاً لشارح الهذليين: أي هو من الحمل الذي حملن به. قال ابن الشجري في أماليه: عدى حمل في البيت بالباء وحقه أن يصل إلى المفعول بنفسه، كما جاء في التنزيل: حملته أمه كرهاً . ولكنه عدى بالباء، لأنه في معنى حبلت. وأورده ابن هشام في المغني وقال: ضمن حمل في الموضعين معنى علق، ولولا ذلك لعدي بنفسه. وقوله: وهن عواقدٌ حبك إلخ، بتنوين عواقد. واستشهد به ابن الأنباري على أن الأصل في الأسماء عند البصريين الصرف، وإنما يمنع بعضها من الصرف لأسباب عارضة، فإذا اضطر الشاعر ردها إلى الأصل ولم يعتبر تلك الأسباب العارضة، كما صرف عواقد في البيت، وهو جمع عاقدة، وأعمله في حبك حكايةً للحال، وإن كان ذلك فيما مضى، كقوله تعالى: {وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد}. وحبك بضمتين: قال ابن قتيبة في أبيات المعاني، وأورد فيها بعض هذه الأبيات: هو جمع حباك، والحباك بالكسر: ما يشد به النطاق مثل التكة. والنطاق: شقة تلبسها المرأة، وتشد وسطها، ثم ترسل الأعلى على الأسفل إلى الركبة، والأسفل ينجر على الأرض، ليس له حجزة ولا نيفق ولا ساقان، والجمع نطق. والحجزة بالضم: موضع التكة. والنيفق: الموضع المتسع من السراويل، والعامة تكسر النون. وقال ابن خلف: قال أبو جعفر: وسألت عن هذا البيت علي بن سليمان، فقال: حملن به من الحبل، أي: إنهن حملن به، وهن يخدمن. وكانت العرب تستحب أن تطأ النساء وهن متعبات وفزعات، ليغلب ماء الرجل فيخرج الولد مذكراً. فوصف أنها حبلت به، وهي عاقدةٌ حبك النطاق. والحبك: الطرائق، وقيل: الحبك: الإزار الذي تأتزر به المرأة، وقيل الحبكة: حجزة الإزار. والنطاق: المنطقة. انتهى. وقال ابن المستوفي: الحبك من قولهم: حبك الثوب يحبكه بالكسر حبكاً، إذا أجاد نسجه، كأنه جمع المصدر على حباك، وجمع حباكاً حبكاً. وقيل الحبك: جمع الحبيك والحبيكة، وهو ما تكسر من ثوبٍ وماء. وقيل جمع الحباك، وهو الإزار. والأول بعيد، لأن الحبيكة جمعها حبائك، وإذا صح إن الحباك الإزار فهو جمعه، مثل كتاب وكتب. انتهى. وما نقله هو كلام التبريزي. وروى السكري: حبك الثياب. وقال شارحه القاري: حبك الإزار: طرائقه. وحبكة الإزار: استدارته وشده. والنطاق: الإزار يعني حملت به وعليها منطقها، وأراد أنها متحزمة. يقول: لم تمكن من نفسها. انتهى. وقال التبريزي، وتبعه العيني: الرواية: حبك الثياب، لأن النطاق لا يكون له حبك، وهو الطرائق. هذا كلامه. والمهبل، قال القاري: المثقل باللحم، يقال هبله اللحم: كثر عليه وغلظ. وكذلك قال أبو جعفر: المهبل: الكثير اللحم، يقال: هبلت المرأة وعبلت. وفي حديث الإفك حرفٌ ربما صحفه أصحاب الحديث، وهو: والنساء إذ ذاك لم يهبلن، أي: لم يحملن الشحم. وقيل المهبل: الذي يدعى عليه بقولهم: هبلته أمه، كما يقال لمن يسترذل، أي: ثكلته. وقول العيني: وهو الذي حملت به أمه، وهي مكرمة، فاسدٌ، فتأمل. وقال التبريزي: ذكر بعضهم أن المهبل: المعتوه الذي لا يتماسك. فإن صح ذلك فكأنه من الإسراع، يقال: حمل هبلٌ. ومعنى البيت: إنه من الفتيان الذين حملتهم أمهم، وهن غير مستعدات للفراش، فنشأ محموداً مرضياً لم يدع عليه بالهبل والثكل. وحكي عن بعضهم: إذا أردت أن تنجب المرأة، فأغضبها عند الجماع. ولذلك يقال في ولد المذعورة: إنه لا يطاق. قال: الطويل تسنمتها غضبى فجاء مسهد *** وأنفع أولاد الرجال المسهد وقال المبرد في الكامل: يقال: أنجب الأولاد ولد الفارك، وذلك لأنها تبغض زوجها، فيسبقها بمائة، فيخرج الشبه إليه، فيخرج الولد ذكراً. وقال بعض الحكماء: إذا أردت أن تنجب المرأة فأغضبها، ثم قع عليها، فإنك تسبقها بالماء. وكذلك ولد الفزعة، كما قال أبو كبير. وأنشد البيتين. وقوله: حملت به في ليلة مزؤودة هي مفعولة من زأدته أزأده زأداً، أي: أفزعته، وزئد فهو مزؤودٌ، أي: مذعور، وهو بالزاي والهمزة والدال. قال المبرد في الكامل: مزؤودة ذات زؤد وهو الفزع. فمن نصب مزؤودة، فإنما أراد المرأة، ومن خفض أراد الليلة. وجعل الليلة ذات فزعٍ، لأنه يفزع فيها قال الله تعالى: {بل مكر الليل والنهار} والمعنى بل مكركم في الليل والنهار. وقال جرير: الطويل ونمت وما ليل المطي بنائم وقال آخر: الرجز فنام ليلي وتجلى همي وقال ابن جني في إعراب الحماسة بعد ما قال مثل كلام المبرد: هذا ونحوه إنما يتسع فيه بأن يسند الفعل إلى الوقت الذي وقع فيه، ومجيئة مجيء الفاعل. ألا ترى إلى قوله: فنام ليلي، وإلى نفيه، وهو قوله: وما ليل المطي بنائم. وبيت أبي كبير إنما جعل الوقت الذي هو الليل بلفظ اسم المفعول، وهو قوله: مزؤودة. فأكثر ما يقولون إذا اتسعوا في نحو هذا: يومٌ ضارب، أي: كثر فيه الضرب، ولا يقولون يوم مضروب. غير أن مزؤودة إنما جاز لأنهم قد ينصبون الظرف نصب المفعول به، نحو قوله: الطويل ويوم شهدناه سليماً وعامراً فلما كانوا يأخذونه في هذا الشق جاؤوا به أيضاً مسنداً إليه الفعل إسناده إلى ما لم يسم فاعله. تقول: رب يوم مقوم، ورب ساعةٍ مضروبة، على قولك: قمت يوماً، وضربت ساعة، وأنت تنصب اليوم والساعة نصب المفعول به. فكذلك قوله في ليلة مزؤودة على حد قولك: زئدت الليلة، وعلى قولك قبل إسناد الفعل إليها هذه ليلة زئدها زيد، كقولك: هذه جبة كسيها عمرو، ثم تقول: هذه ليلة مزؤودة، كقولك: جبة مكسوة. هذا على رواية الجر. وأما من نصب فعلى الحال، ومزؤودة للمرأة الحامل. وفائدة ذكر الليلة في هذه الرواية أن تكون بدأت بحمله ليلاً، وهو أنجب له، وصاحبه يوصف بالشجاعة. وقد دعاهم ذلك إلى أن وصلوا أنسابهم بالليل تحققاً به. قال: الرجز أنا ابن عم الليل وابن خاله *** إذا دجا دخلت في سرباله لست كمن يفرق من خياله انتهى. وبه يدفع قول ابن هشام في المغني: مزؤودة مذعورة، ويروى بالجر صفة لليلة، وبالنصب حالاً من المرأة، وليس بقوي مع أنه الحقيقة، لأن ذكر الليل حينئذٍ لا كبير فائدة فيه. انتهى. وقال ابن قتيبة في أبيات المعاني: مزؤودة: فيها زؤد وذعر، كذلك قال الأصمعي. ويرويه بعضهم بالنصب، ويجعله حالاً من المرأة. ويقال: إن المرأة إذا حملت، وهي مذعورة، فأذكرت جاءت به لا يطاق. انتهى. ومثله قول ابن جني: الغرض من ذكر الزؤد في الروايتين جميعاً أن المرأة إذا حملت بولدها، وهي مذعورة، كان أنجب له. ألا ترى إلى قوله: فأتت به حوش الجنان مبطناً.......البيت وقال التبريزي: ويجوز أن يكون جر مزؤودة على الجوار، وهو في الحقيقة للمرأة، كما قيل: هذا جحر ضبٍّ خربٍ. وهذا لميلهم إلى الحمل على الأقرب، ولأمنهم الالتباس. ومزؤودة بالنصف على الحال من المرأة، ومزؤودة بالرفع صفة أقيمت مقام الموصوفة. وانتصب كرهاً على أنه مصدر في موضع الحال، أي: كارهة. وكذلك جملة: وعقد نطاقها لم يحلل ابتداء وخبر والواو للحال وأظهر التضعيف في قوله: لم يحلل وهو لغة تميم ووجه الكلام لم يحلل. والنطاق: ما تنطق به المرأة تشد وسطها للعمل. والمنطقة أخذت من هذا. والمعنى أنها أكرهت ولم يحل نطاقها. وقوله: فأتت به حوش الفؤاد إلخ، حوش الفؤاد: حالٌ من الضمير في به، والإضافة لم تفد شيئاً من التعريف. وبه استشهد ابن هشام في شرح الألفية عليه. وأيضاً استشهد به صاحب الكشاف في سورة المزمل، لشيءٍ آخر. وكذلك مبطناً، وسهداً حالان منه. قال ابن السيد في شرح الكامل: حوش الفؤاد، أي: مجتمع الذهن، جيد الفهم. وقال القاري وابن قتيبة: يعني وحشي الفؤاد. وقال التبريزي: حوش الفؤاد وحوشي الفؤاد: وحشيه، لحدته وتوقده. ورجلٌ حوشي: لا يخالط الناس. وليلٌ حوشيٌّ: مظلم هائل، كما يقال ليلٌ سخام وسخامي للأسود. وكذلك إبل حوشٌ وحوشيةٌ، أي: وحشية. وقيل: الحوشية بلاد الجن. وفي الأساس: رجلٌ حوش الفؤاد: ذكيٌّ كيس، وأصله من الإبل الحوشية، وهي التي يزعمون أن فحول نعم الجن قد ضربت فيها. ومبطناً: ضامر البطن. والسهد بضمتين: قليل النوم. وإذا: ظرف لسهداً. قال التبريزي: قوله: نام ليلٍ الهوجل، جعل الفعل لليل لوقوعه فيه، أي: نام الهوجل في ليله. والهوجل: الثقيل الكسلان، وقيل: الأحمق لا مسكة به. وبه سميت الفلاة التي لا أعلام بها، ولا يهتدي فيها: الهوجل. أي: أتت الأم بهذا الولد ذكياً حديد الفؤاد، يسهر إذا نام الهوجل. قال العيني: ما: زائدة، وبحتمل أن تكون مصدرية، أي: حين نوم ليل الهوجل. انتهى. والصواب الأول، لأن إذا لا تضاف إلى مفرد. وقوله: ومبرأ من كل إلخ، هو معطوف على حوش الفؤاد، وقد وقع في الحماسة قبل البيتين قبله. وقال التبريزي: ويروى بالنصب والجر، فالنصب عطفٌ على غير مهبل، كأنه قال: شب في هاتين الحالتين. وإذا جررته كان عطفاً على قوله: جلدٍ من الفتيان. وغبر الحيض، بضم المعجمة وتشديد الموحدة المفتوحة: بقاياه، وكذلك غبره بسكون الموحدة، وكذلك غبر اللبن: باقيه في الضرع. والحيضة بالكسر: الاسم، وبالفتح المرة. وكل للتأكيد، كأنه نفى قليل ذلك وكثيره. وأضاف الفساد إلى المرضعة، لأنه أراد الفساد الذي يكون من قبلها. وهم يضيفون الشيء إلى الشيء لأدنى ملابسة. والمغيل بضم الميم وكسر الياء، من الغيل، وهو أن تغشى المرأة، وهي ترضع، فذلك اللبن الغبل. يقال: أغالت المرأة، إذا أرضعته على حبل. ويروى بدله: معضل، وهو الذي لا دواء له، كأنه أعضل الأطباء وأعياهم. وأصل العضل المنع. يقول: إنها حملت به، وهي طاهرٌ ليس بها بقية حيض، ووضعته ولا داء به استصحبه من بطنها، فلا يقبل علاجاً، لأن داء البطن لا يفارق. ولم ترضعه أمه غيلاً، وهو أن تسقيه غيلاً وهي حبلى بعد ذلك. وقوله: وإذا نبذت له إلخ، نبذت الشيء من يدي، إذا طرحته. وروى السكري: وإذا قذفت يعني أنك إذا رميته بحصاةٍ، وهو نائمٌ وجدته ينتبه انتباه من سمع بوقعتها هدةً عظيمة، فيمطمر طمور الأخيل، وهو الشقراق. وانتصاب طمور بما دل عليه قوله: فزعاً لوقعتها كأنه قال: رأيته يطمر طموره، لأن الخائف المتيقظ يفعل ذلك. والطمور: الوثب. وقال بعضهم: الأخيل: الشاهين، ومنه قيل تخيل الرجل، إذا جبن عند القتال، فلم يثبت. والتخيل: المضي والسرعة والتلون. وقوله: وإذا يهب من المنام، أي: يستيقظ. ورأيته، أي: رأيت رتوبه فحذف المضاف. ورتوب الكعب: انتصابه وقيامه. يقول: إذا استيقظ من منامه انتصب انتصاب كعب الساق. وكعب الساق منتصبٌ أبداً في موضعه. والزمل بضم الزاي: الضعيف النؤوم. وقوله: ما إن يمس الأرض إلخ. أن: زائدة. قال القاري: يقول إذا اضطجع، لم يندلق بطنه، إنما يمس منكبه الأرض، وهو حميص البطن. ولما قال لا يمس الأرض إلا منكبٌ، علم أنه حميص البطن، فاكتفى بمعناه عن ذكره. يقول: من ضمر بطنه وخمصه، إذا اضطجع لا يمس الأرض منه شيءٌ إلا منكبه. ثم جعله لطيفاً مثل محملٍ في طيه. وقوله: طي المحمل يريد حمائل السيف، بكسر الميم الأولى. أراد أنه مدمج الخلق لطيفاً مثل محملٍ في طيه. وقال التبريزي: انتصب على المصدر بما دل عليه ما قبله، لأنه لما قال: يمس الأرض منه إذا نام جانبه، وحرف الساق، علم أنه مطويٌّ غير سمين. والمعنى إذا نام لا ينبسط على الأرض، ولا يتمكن منها بأعضائه كلها، حتى لا يكاد يتشمر عند الانتباه بسرعة. وهذا البيت أورده ابن هشام في شرح الألفية على أن طي المحمل نصب بتقدير: يطوي طي المحمل. وقوله: وإذا رميت به الفجاج إلخ. قال القاري: أي حملته عليها. والفج: الطريق الواسع في قبل جبل ونحوه. قال التبريزي: الهوي بضم الهاء هو القصد إلى أعلى، وبفتح الهاء إلى أسفل. وعلى ذلك قول زهير: الوافر هوي الدلو أسلمها الرشاء فلا تختر في رواية البيت على الضم، وإن كان قد قيل غير ذلك. انتهى. وأورده صاحب الكشاف عند قوله تعالى: {تهوي إليهم} من سورة إبراهيم، على أن تهوي، بمعنى تسرع إليهم، وتطير شوقاً، كما في البيت. والمخارم: جمع مخرم كجعفر، وهو منقطع أنف الجبل. والخرم: أنف الجبل. والأجدل: الصقر. وقوله: وإذا نظرت إلى أسرة وجهه قال التبريزي: الخطوط التي في الجبهة الأغلب عليها سرار، وتجمع على الأسرة. والتي في الكف الأغلب عليها سررٌ وسرٌّ، وتجمع على الأسرار. وقد قيل الأسرة الطرائق. والعارض من السحاب: ما يعرض في جانب من السماء. وتهلل الرجل مرحاً واهتل، إذا افتر عن أسنانه في التبسم. يقول: إذا نظرت في وجهه رأيت أسارير وجهه تشرق إشراق السحاب المتشقق بالبرق. يصفه بحسن البشر وطلاقة الوجه. قال السيوطي في شرح أبيات المغني: أخرج أبو نعيم في الدلائل والخطيب، وابن عساكر، بسندٍ حسن عن عائشة، قالت: كنت قاعدةً أغزل، والنبي صلى الله عليه وسلم يخصف نعله، فجعل جبينه يعرق، وجعل عرقه يتولد نوراً، فبهت، فقال: ما لك بهت؟ فقالت: جعل جبينك يعرق، وجعل عرقك يتولد نوراً، ولو رآك أبو كبير الهذلي، لعلم أنك أحق بشعره حيث يقول: ومبرأ أمن كل غبر حيضةٍ.....البيت وإذا نظرت إلى أسرة وجهه.....البيت وقوله: يحمي الصحاب إلخ، العيل، بضم العين وتشديد المثناة التحتية: جمع عائل، وهو الفقير. وأبو كبير الهذلي: شاعرٌ صحابي. اشتهر بكنيته. واسمه عامر بن الحليس، أحد بني سهل بن هذيل. كذا قال ابن قتيبة في كتاب الشعراء وغيره. والحليس: مصغر الحلس، بكسر الحاء المهملة وسكون اللام وآخره سين مهملة. والحلس للبعير: كساءٌ رقيق يكون تحت البرذعة. وأبو كبير، بفتح الكاف وكسر الموحدة، على وزن خلاف الصغير. وقد أورده ابن حجر في القسم الأول من الإصابة ولم يذكر اسمه، فقال: أبو كبير، بالموحدة، الهذلي، ذكره أبو موسى، وقال: ذكر عن أبي اليقظان أنه أسلم ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: أحل لي الزنى. فقال: أتحب أن يؤتى إليك مثل ذلك؟ قال: لا. قال: فارض لأخيك ما ترضى لنفسك. قال: فادع الله لي أن يذهب عني. انتهى. وأنشد بعده: المنسرح الحافظو عورة العشيرة ل *** يأتيهم من ورائهم وكف على أن الأصل: الحافظون عورة العشيرة، فحذفت النون تخفيفاً. وهذا على رواية نصب عورة. وأما على رواية جرها فالنون حذفت للإضافة. وقد تقدم الكلام عليه مفصلاً في الشاهد الثامن والتسعين بعد المائتين. والوكف، بفتح الواو والكاف: العيب والعار. وأنشد بعده: الكامل أبني كليبٍ إن عمي اللذ *** قتلا الملوك وفككا الأغلالا على أن أصله اللذان قتلا الملوك، فحذفت النون من الموصول تخفيفاً. وتقدم الكلام عليه أيضاً في الشاهد الثالث والعشرين بعد الأربعمائة. وأنشد بعده: الطويل وإن الذي حانت بفلجٍ دماؤهم *** هم القوم كل القوم يا أم خالد على أن أصله إن الذين حانت، فحذفت النون منه تخفيفاً. وحانت: هلكت، من الحين، وهو الهلاك. وفلج، بفتح الفاء وسكون اللام وآخره جيم: موضعٌ في طريق البصرة. وأنشد بعده:
|