.[مَا أَنْزَلَ اللّهُ فِي النّفَرِ الّذِينَ كَانُوا مَعَ الْمُغِيرَةِ]:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى: فِي النّفَرِ الّذِينَ كَانُوا مَعَهُ يُصَنّفُونَ الْقَوْلَ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ اللّهِ تَعَالَى:
{كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ الّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ فَوَرَبّكَ لَنَسْأَلَنّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاحِدَةُ الْعِضِينَ عِضَةٌ يَقُولُ عَضّوْهُ فَرّقُوهُ. قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ:
وَلَيْسَ دِينُ اللّهِ بِالْمُعَضّىوَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ.
.[تَفَرّقُ النّفَرِ فِي قُرَيْشٍ يُشَوّهُونَ رِسَالَةَ الرّسُولِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ]:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَجَعَلَ أُولَئِكَ النّفَرُ يَقُولُونَ ذَلِكَ فِي رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِمَنْ لَقُوا مِنْ النّاسِ وَصَدَرَتْ الْعَرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْسِمِ بِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَانْتَشَرَ ذِكْرُهُ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ كُلّهَا.
.[شِعْرُ أَبِي طَالِبٍ فِي اسْتِعْطَافِ قُرَيْشٍ]:
فَلَمّا خَشِيَ أَبُو طَالِبٍ دَهْمَاءَ الْعَرَبِ أَنْ يَرْكَبُوهُ مَعَ قَوْمِهِ قَالَ قَصِيدَتَهُ الّتِي تَعَوّذَ فِيهَا بِحَرَمِ مَكّةَ وَبِمَكَانِهِ مِنْهَا، وَتَوَدّدَ فِيهَا أَشْرَافُ قَوْمِهِ وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ يُخْبِرُهُمْ وَغَيْرَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ شِعْرِهِ أَنّهُ غَيْرُ مُسْلِمٍ رَسُولَ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا تَارِكُهُ لِشَيْءِ أَبَدًا حَتّى يَهْلِكَ دُونَهُ فَقَالَ:
وَلَمّا رَأَيْتُ الْقَوْمَ لَا وُدّ فِيهِمْ ** وَقَدْ قَطَعُوا كُلّ الْعُرَى وَالْوَسَائِلِوَقَدْ صَارَحُونَا بِالْعَدَاوَةِ وَالْأَذَى ** وَقَدْ طَاوَعُوا أَمْرَ الْعَدُوّ الْمُزَايِلِوَقَدْ حَالَفُوا قَوْمًا عَلَيْنَا أَظِنّةً ** يَعَضّونَ غَيْظًا خَلْفَنَا بِالْأَنَامِلِصَبَرْتُ لَهُمْ نَفْسِي بِسَمْرَاءَ سَمْحَةٍ ** وَأَبْيَضَ عَضْبٍ مِنْ تُرَاثِ الْمَقَاوِلِوَأَحْضَرْتُ عِنْدَ الْبَيْتِ رَهْطِي وَإِخْوَتِي ** وَأَمْسَكْت مِنْ أَثْوَابهِ بِالْوَصَائِلِقِيَامًا مَعًا مُسْتَقْبِلِينَ رِتَاجَهُ ** لُدًى حَيْثُ يَقْضِي حَلْفَهُ كُلّ نَافِلِوَحَيْثُ يُنِيخُ الْأَشْعَرُونَ رِكَابَهُمْ ** بِمُفْضَى السّيُولِ مِنْ إسَافٍ وَنَائِلِمُوَسّمَةُ الْأَعْضَادِ أَوْ قَصَرَاتُهَا ** مُخَيّسَةٌ بَيْنَ السّدِيسِ وَبَازِلِتَرَى الْوَدْعَ فِيهَا وَالرّخَامَ وَزِينَةً ** بِأَعْنَاقِهَا مَعْقُودَةٌ كَالْعَثَاكِلِأَعُوذُ بِرَبّ النّاسِ مِنْ كُلّ طَاعِنٍ ** عَلَيْنَا بِسُوءٍ أَوْ مُلِحّ بِبَاطِلِوَمِنْ كَاشِحٍ يَسْعَى لَنَا بِمَعِيبَةٍ ** وَمِنْ مُلْحِقٍ فِي الدّينِ مَا لَمْ نُحَاوِلْوَثَوْرٍ وَمَنْ أَرْسَى ثَبِيرًا مَكَانَهُ ** وَرَاقٍ لِيَرْقَى فِي حِرَاءٍ وَنَازِلِوَبِالْبَيْتِ حَقّ الْبَيْتِ مِنْ بَطْنِ مَكّةَ ** وَبِاَللّهِ إنّ اللّهَ لَيْسَ بِغَافِلِوَبِالْحَجَرِ الْمُسْوَدّ إذْ يَمْسَحُونَهُ ** إذَا اكْتَنَفُوهُ بِالضّحَى وَالْأَصَائِلِوَمَوْطِئِ إبْرَاهِيمَ فِي الصّخْرِ رَطْبَةٌ ** عَلَى قَدَمَيْهِ حَافِيًا غَيْرَ نَاعِلِوَأَشْوَاطٍ بَيْنَ الْمَرْوَتَيْنِ إلَى الصّفَا ** وَمَا فِيهِمَا مِنْ صُورَةٍ وَتَمَاثُلِوَمَنْ حَجّ بَيْتَ اللّهِ مِنْ كُلّ رَاكِبٍ ** وَمِنْ كُلّ ذِي نَذْرٍ وَمِنْ كُلّ رَاجِلِوَبِالْمَشْعَرِ الْأَقْصَى إذَا عَمَدُوا لَهُ ** إلَالٌ إلَى مُفْضَى الشّرَاجِ الْقَوَابِلِوَتَوْقَافِهِمْ فَوْقَ الْجِبَالِ عَشِيّةً ** يُقِيمُونَ بِالْأَيْدِي صُدُورَ الرّوَاحِلِوَلَيْلَةِ جَمْعٍ وَالْمَنَازِلِ مِنْ مِنًى ** وَهَلْ فَوْقَهَا مِنْ حُرْمَةٍ وَمَنَازِلِوَجَمْعٍ إذَا مَا الْمُقْرَبَاتِ أَجَزْنَهُ ** سِرَاعًا كَمَا يَخْرُجْنَ مِنْ وَقْعِ وَابِلِوَبِالْجَمْرَةِ الْكُبْرَى إذَا صَمَدُوا لَهَا ** يَؤُمّونَ قَذْفًا رَأْسَهَا بِالْجَنَادِلِوَكِنْدَةُ إذَا هُمْ بِالْحِصَابِ عَشِيّةً ** تُجِيزُ بِهِمْ حُجّاجُ بَكْرِ بْنِ وَائِلِحَلِيفَانِ شَدّا عَقْدَ مَا احْتَلَفَا لَهُ ** وَرَدّا عَلَيْهِ عَاطِفَاتِ الْوَسَائِلِوَحَطْمِهِمْ سُمْرَ الصّفَاحِ وَسَرْحُهُ ** وَشَبْرِقَهٌ وَخْدَ النّعَامِ الْجَوَافِلِفَهَلْ بَعْدَ هَذَا مِنْ مُعَاذٍ لِعَائِذٍ ** وَهَلْ مِنْ مُعِيذٍ يَتّقِي اللّهَ عَاذِلِيُطَاعُ بِنَا الْعُدّى وَوَدّوا لَوْ انّنَا ** تُسَدّ بِنّا أَبْوَابُ تُرْكٍ وَكَابُلِكَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللّهِ نَتْرُكُ مَكّةَ ** وَنَظْعَنُ إلّا أَمْرُكُمْ فِي بَلَابِلِكَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللّهِ نُبْزَى مُحَمّدًا ** وَلَمّا نُطَاعِنُ دُونَهُ وَنُنَاضِلْوَنُسْلِمُهُ حَتّى نُصَرّعَ حَوْلَهُ ** وَنَذْهَلَ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالْحَلَائِلِوَيَنْهَضُ قَوْمٌ فِي الْحَدِيدِ إلِيْكُمُ ** نُهُوضَ الرّوَايَا تَحْتَ ذَاتِ الصّلَاصِلِوَحَتّى تَرَى ذَا الضّغْنِ يَرْكَبُ رَدْعَهُ ** مِنْ الطّعْنِ فِعْلَ الْأَنْكَبِ الْمُتَحَامِلِوَإِنّا لَعَمْرُ اللّهِ إنْ جَدّ مَا أَرَى ** لَتَلْتَبِسَنّ أَسْيَافُنَا بِالْأَمَاثِلِبِكَفّيْ فَتًى مِثْلَ الشّهَابِ سَمَيْدَعِ ** أَخِي ثِقَةٍ حَامِي الْحَقِيقَةِ بَاسِلِشُهُورًا وَأَيّامًا وَحَوْلًا مُجَرّمًا ** عَلَيْنَا وَتَأْتِي حَجّةٌ بَعْدَ قَابِلِوَمَا تَرْكُ قَوْمٍ لَا أَبَا لَك، سَيّدًا ** يَحُوطُ الذّمَارَ غَيْرَ ذَرْبٍ مُوَاكِلِوَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ** ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِيَلُوذُ بِهِ الْهُلّافُ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ** فَهُمْ عِنْدَهُ فِي رَحْمَةٍ وَفَوَاصِلِلَعَمْرِي لَقَدْ أَجْرَى أُسَيْدٌ وَبِكْرُهُ ** إلَى بُغْضِنَا وَجَزّآنَا لِآكُلْوَعُثْمَانُ لَمْ يَرْبَعْ عَلَيْنَا وَقُنْفُذٌ ** وَلَكِنْ أَطَاعَا أَمْرَ تِلْكَ الْقَبَائِلِأَطَاعَا أُبَيّا وَابْنَ عَبْدِ يُغِوثْهُمْ ** وَلَمْ يَرْقُبَا فِينَا مَقَالَةَ قَائِلِكَمَا قَدْ لَقِينَا مِنْ سُبَيْعٍ وَنَوْفَلٍ ** وَكُلّ تَوَلّى مُعْرِضًا لَمْ يُجَامِلْفَإِنْ يُلْقِيَا أَوْ يُمْكِنْ اللّهُ مِنْهُمَا ** نَكِلْ لَهُمَا صَاعًا بِصَاعِ الْمُكَايِلِوَذَاكَ أَبُو عَمْرٍو أَبَى غَيْرَ بُغْضِنَا ** لِيَظْعَنَنَا فِي أَهْلِ شَاءٍ وَجَامِلِيُنَاجِي بِنَا فِي كُلّ مُمْسًى وَمُصْبَحٍ ** فَنَاجِ أَبَا عَمْرٍو بِنَا ثُمّ خَاتِلِوَيُؤْلَى لَنَا بِاَللّهِ مَا إنْ يَغُشّنَا ** بَلَى قَدْ نَرَاهُ جَهْرَةً غَيْرَ حَائِلِأَضَاقَ عَلَيْهِ بُغْضُنَا كُلّ تَلْعَةٍ ** مِنْ الْأَرْضِ بَيْنَ أَخْشُبٍ فَمُجَادِلِوَسَائِلْ أَبَا الْوَلِيدِ مَاذَا حَبَوْتَنَا ** بِسَعْيِكَ فِينَا مُعْرِضًا كَالْمُخَاتِلِوَكُنْتَ امْرَأً مِمّنْ يُعَاشُ بِرَأْيِهِ ** وَرَحْمَتُهُ فِينَا وَلَسْتَ بِجَاهِلِفَعُتْبَةُ لَا تَسْمَعْ بِنَا قَوْلَ كَاشِحٍ ** حَسُودٍ كَذُوبٍ مُبْغِضٍ ذِي دَغَاوِلِوَمَرّ أَبُو سُفْيَانَ عَنّي مُعْرِضًا ** كَمَا مَرّ قَيْلٌ مِنْ عِظَامِ الْمَقَاوِلِيَفِرّ إلَى نَجْدٍ وَبَرْدِ مِيَاهِهِ ** وَيَزْعُمُ أَنّي لَسْتُ عَنْكُمْ بِغَافِلِوَيُخْبِرُنَا فِعْلَ الْمُنَاصِحِ أَنّهُ ** شَفِيقٌ وَيُخْفِي عَارِمَاتِ الدّوَاخِلِأَمُطْعِمُ لَمْ أَخْذُلْك فِي يَوْمٍ نَجْدَةٍ ** وَلَا مُعْظِمٍ عِنْدَ الْأُمُورِ الْجَلَائِلِوَلَا يَوْمَ خَصْمٍ إذَا أَتَوْك أَلِدّةً ** أُولِي جَدَلٍ مِنْ الْخُصُومِ الْمَسَاجِلِأَمُطْعِمُ إنّ الْقَوْمَ سَامُوك خُطّةً ** وَإِنّي مَتَى أُوكَلْ فَلَسْتُ بِوَائِلِجَزَى اللّهُ عَنّا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلًا ** عُقُوبَةَ شَرّ عَاجِلًا غَيْرَ آجِلِبِمِيزَانِ قِسْطٍ لَا يُخِسّ شَعِيرَةً ** لَهُ شَاهِدٌ مِنْ نَفْسِهِ غَيْرَ عَائِلٍلَقَدْ سَفُهَتْ أَحْلَامُ قَوْمٍ تَبَدّلُوا ** بَنِي خَلَفٍ قَيْضًا بِنَا وَالْغَيَاطِلِوَنَحْنُ الصّمِيمُ مِنْ ذُؤَابَةِ هَاشِمٍ ** وَآلِ قُصَيّ فِي الْخُطُوبِ الْأَوَائِلِوَسَهْمٌ وَمَخْزُومٌ تَمَالَوْا وَأَلّبُوا ** عَلَيْنَا الْعِدَا مِنْ كُلّ طِمْلٍ وَخَامِلٍفَعَبْدُ مَنَافٍ أَنْتُمْ خَيْرُ قَوْمِكُمْ ** فَلَا تُشْرِكُوا فِي أَمْرِكُمْ كُلّ وَاغِلِلَعَمْرِي لَقَدْ وَهَنْتُمْ وَعَجَزْتُمْ ** وَجِئْتُمْ بِأَمْرٍ مُخْطِئٍ لِلْمَفَاصِلِوَكُنْتُمْ حَدِيثًا حَطْبَ قِدْرٍ وَأَنْتُمْ ** الْآنَ حِطَابُ أَقْدُرٍ وَمَرَاجِلِلِيَهْنِئْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ عُقُوقُنَا ** وَخِذْلَانُنَا وَتَرْكُنَا فِي الْمَعَاقِلِفَإِنْ نَكُ قَوْمًا نَتّئِرْ مَا صَنَعْتُمْ ** وَتَحْتَلِبُوهَا لِقْحَةً غَيْرَ بَاهِلِوَسَائِطُ كَانَتْ فِي لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ** نَفَاهُمْ إلَيْنَا كُلّ صَقْرٍ حُلَاحِلِوَرَهْطُ نُفَيْلٍ شَرّ مَنْ وَطِئَ الْحَصَى ** وَأَلْأَمُ حَافٍ مِنْ مَعَدّ وَنَاعِلِفَأَبْلِغْ قُصَيّا أَنْ سَيُنْشَرُ أَمْرُنَا ** وَبَشّرْ قُصَيّا بَعْدَنَا بِالتّخَاذُلِوَلَوْ طَرَقَتْ لَيْلًا قُصَيّا عَظِيمَةٌ ** إذًا مَا لَجَأْنَا دُونَهُمْ فِي الْمَدَاخِلِوَلَوْ صَدَقُوا ضَرْبًا خِلَالَ بُيُوتِهِمْ ** لَكُنّا أُسًى عِنْدَ النّسَاءِ الْمَطَافِلِفَكُلّ صَدِيقٍ وَابْنِ أُخْتٍ نَعُدّهُ ** لَعَمْرِي وَجَدْنَا غِبّهُ غَيْرَ طَائِلِسِوَى أَنّ رَهْطًا مِنْ كِلَابِ بْنِ مُرّةٍ ** بَرَاءٌ إلَيْنَا مِنْ مَعَقّةِ خَاذِلِوَهَنّا لَهُمْ حَتّى تَبَدّدَ جَمْعُهُمْ ** وَيَحْسُرَ عَنّا كُلّ بَاغٍ وَجَاهِلِوَكَانَ لَنَا حَوْضُ السّقَايَةِ فِيهِمْ ** وَنَحْنُ الْكُدَى مِنْ غَالِبٍ وَالْكَوَاهِلِشَبَابٌ مِنْ الْمُطَيّبِينَ وَهَاشِمٍ ** كَبِيضِ السّيُوفِ بَيْنَ أَيْدِي الصّيَاقِلِفَمَا أَدْرَكُوا ذَحْلًا وَلَا سَفَكُوا دَمًا ** وَلَا حَالَفُوا إلّا شِرَارَ الْقَبَائِلِبِضَرْبٍ تَرَى الْفِتْيَانَ فِيهِ كَأَنّهُمْ ** ضَوَارِي أُسُودٍ فَوْقَ لَحْمٍ خَرَادِلِبَنِي أَمَةٍ مَحْبُوبَةٍ هِنْدِكِيّةٍ ** بَنِي جُمَحٍ عُبَيْدِ قَيْسِ بْنِ عَاقِلِوَلَكِنّنَا نَسْلٌ كِرَامٌ لِسَادَةٍ ** بِهِمْ نُعِيَ الْأَقْوَامُ عِنْدَ الْبَوَاطِلِوَنِعْمَ ابْنِ أُخْتِ الْقَوْمِ غَيْرَ مُكَذّبٍ ** زُهَيْرٌ حُسَامًا مُفْرَدًا مِنْ حَمَائِلِأَشَمّ مِنْ الشّمّ الْبَهَالِيلِ يَنْتَمِي ** إلَى حَسَبٍ فِي حَوْمَةِ الْمَجْدِ فَاضِلِلَعَمْرِي لَقَدْ كُلّفْتُ وَجْدًا بِأَحْمَدَ ** وَإِخْوَتِهِ دَأْبَ الْمُحِبّ الْمُوَاصِلِفَلَا زَالَ فِي الدّنْيَا جَمَالًا لِأَهْلِهَا ** وَزِيَنًا لِمَنْ وَالَاهُ رَبّ الْمَشَاكِلِفَمَنْ مِثْلُهُ فِي النّاس أَيّ مُؤَمّلٍ ** إذَا قَاسَهُ الْحُكّامُ عِنْدَ التّفَاضُلِحَلِيمٌ رَشِيدٌ عَادِلٌ غَيْرُ طَائِشٍ ** يُوَالِي إلَاهًا لَيْسَ عَنْهُ بِغَافِلِفَوَاَللّهِ لَوْلَا أَنْ أَجِيءَ بِسُنّةٍ ** تَجُرّ عَلَى أَشْيَاخِنَا فِي الْمَحَافِلِلَكِنّا اتّبَعْنَاهُ عَلَى كُلّ حَالَةٍ ** مِنْ الدّهْرِ جِدّا غَيْرَ قَوْلِ التّهَازُلِلَقَدْ عَلِمُوا أَنّ ابْنَنَا لَا مُكَذّبٌ ** لَدَيْنَا وَلَا يُعْنَى بِقَوْلِ الْأَبَاطِلِفَأَصْبَحَ فِينَا أَحَمْدٌ فِي أَرُومَةٍ ** تُقَصّرُ عَنْهُ سَوْرَةُ الْمُتَطَاوِلِحَدِبْتُ بِنَفْسِي دُونَهُ وَحَمَيْتُهُ ** وَدَافَعْتُ عَنْهُ بِالذّرَا وَالْكَلَاكِلِفَأَيّدَهُ رَبّ الْعِبَادِ بِنَصْرِهِ ** وَأَظْهَرَ دِينًا حَقّهُ غَيْرُ بَاطِلِرِجَالٌ كِرَامٌ غَيْرُ مِيلٍ نَمَاهُمْ ** إلَى الْخَيْرِ آبَاءٌ كِرَامُ الْمَحَاصِلِفَإِنْ تَكُ كَعْبٌ مِنْ لُؤَيّ صُقَيْبَةً ** فَلَا بُدّ يَوْمًا مَرّةً مِنْ تَزَايُلِقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا مَا صَحّ لِي مِنْ هَذِهِ الْقَصِيدَة، وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ أَكْثَرَهَا.
.[دَعَا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلنّاسِ حِين أَقْحَطُوا، فَنَزَلَ الْمَطَرُ وَوَدّ لَوْ أَنّ أَبَا طَالِبٍ حَيّ، فَرَأَى ذَلِكَ]:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ قَالَ أَقْحَطَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَيْهِ فَصَعِدَ رَسُولُ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمِنْبَرَ فَاسْتَسْقَى، فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ مِنْ الْمَطَرِ مَا أَتَاهُ أَهْلُ الضّوَاحِي يَشْكُونَ مِنْهُ الْغَرَقَ فَقَالَ رَسُولُ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، فَانْجَابَ السّحَابُ عَنْ الْمَدِينَةِ فَصَارَ حَوَالَيْهَا كَالْإِكْلِيلِ فَقَالَ رَسُولُ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَوْ أَدْرَكَ أَبُو طَالِبٍ هَذَا الْيَوْمَ لَسَرّهُ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ كَأَنّك يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَدْت قَوْلَهُ:
وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ** ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِقَالَ أَجَلْ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقوله: وَشَبْرِقَهٌ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
.[الْأَسْمَاءُ الّتِي وَرَدَتْ فِي قَصِيدَةِ أَبِي طَالِبٍ]:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْغَيَاطِلِ: مِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنُ هُصَيْصٍ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ. وَمُطْعِمُ بْنُ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ. وَزُهَيْرُ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَأُمّهُ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَسِيدٌ وَبِكْرُهُ عَتّابُ بْنُ أَسِيدِ بْنِ أَبِي الْعَيْصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ. وَعُثْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ، أَخُو طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ التّيْمِيّ. وَقُنْفُذُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ جُدْعَانَ بْنِ عُمَرَ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرّةَ. وَأَبُو الْوَلِيدِ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ. وَأُبَيّ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ الثّقَفِيّ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَإِنّمَا سُمّيَ الْأَخْنَسُ. لِأَنّهُ خَنَسَ بِالْقَوْمِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَإِنّمَا اسْمُهُ أُبَيّ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عِلَاجٍ وَهُوَ عِلَاجُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُقْبَةَ. وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ. وَسُبَيْعُ بْنُ خَالِدٍ، أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ. وَنَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ، وَهُوَ ابْنُ الْعَدَوِيّةِ. وَكَانَ مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ، وَهُوَ الّذِي قَرَنَ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ رَضِيَ اللّه عَنْهُمَا فِي حَبْلٍ حِينَ أَسْلَمَا، فَبِذَلِكَ كَانَا يُسَمّيَانِ الْقَرِينَيْنِ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّه عَنْهُ يَوْمَ بَدْرٍ وَأَبُو عَمْرٍو قَرَظَةُ بْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ. وَقَوْمٌ عَلَيْنَا أَظِنّةٌ: بَنُو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ، فَهَؤُلَاءِ الّذِينَ عَدّدَ أَبُو طَالِبٍ فِي شِعْرِهِ مِنْ الْعَرَبِ.
.[انْتِشَارُ ذِكْرِ الرّسُولِ فِي الْقَبَائِلِ وَلَا سِيّمَا فِي الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ]:
فَلَمّا انْتَشَرَ أَمْرُ رَسُولِ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْعَرَبِ، وَبَلَغَ الْبُلْدَانَ ذُكِرَ بِالْمَدِينَةِ وَلَمْ يَكُنْ حَيّ مِنْ الْعَرَبِ أَعْلَمَ بِأَمْرِ رَسُولِ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ ذُكِرَ وَقَبْلَ أَنْ يُذْكَرَ مِنْ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَذَلِك لِمَا كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ، وَكَانُوا لَهُمْ حُلَفَاءَ وَمَعَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ. فَلَمّا وَقَعَ ذِكْرُهُ بِالْمَدِينَةِ وَتَحَدّثُوا بِمَا بَيْنَ قُرَيْشٍ فِيهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ. قَالَ أَبُو قَيْسِ بْنِ الْأَسْلَتِ. أَخُو بَنِي وَاقِفٍ.
.[نَسَبُ أَبِي قَيْسِ بْنِ الْأَسْلَتِ]:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: نَسَبُ ابْنِ إسْحَاقَ أَبَا قَيْسٍ هَذَا هَاهُنَا إلَى بَنِي وَاقِفٍ وَنَسَبُهُ خَطْمَةَ لِأَنّ الْعَرَب قَدْ تَنْسِبُ الرّجُلَ إلَى أَخِي جَدّهِ الّذِي هُوَ أَشْهَرُ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ الْحَكَمَ بْنَ عَمْرٍو الْغِفَارِيّ مِنْ وَلَدِ نُعَيْلَةَ أَخِي غِفَارٍ. وَهُوَ غِفَارُ بْنُ مُلَيْلٍ وَنُعَيْلَةُ بْنُ مُلَيْلِ بْنِ ضَمْرَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ، وَقَدْ قَالُوا عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ السّلَمِيّ وَهُوَ مِنْ وَلَدِ مَازِنِ بْنِ مَنْصُورٍ وَسُلَيْمِ بْنِ مَنْصُورٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَأَبُو قَيْسِ بْنِ الْأَسْلَتِ مِنْ بَنِي وَائِلٍ وَوَائِلٌ وَوَاقِفٌ وَخَطْمَةُ إخْوَةٌ مِنْ الْأَوْسِ.
.[شِعْرُ ابْنُ الْأَسْلَتِ فِي الدّفَاعِ عَنْ الرّسُولِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ]:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ أَبُو قَيْسِ بْنِ الْأَسْلَتِ- وَكَانَ يُحِبّ قُرَيْشًا، وَكَانَ لَهُمْ صِهْرًا، كَانَتْ عِنْدَهُ أَرْنَبُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ، وَكَانَ يُقِيمُ عِنْدَهُمْ السّنِينَ بِامْرَأَتِهِ- قَصِيدَةً يُعَظّمُ فِيهَا الْحُرْمَةَ وَيَنْهَى قُرَيْشًا فِيهَا عَنْ الْحَرْبِ وَيَأْمُرُهُمْ بِالْكَفّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَيَذْكُرُ فَضْلَهُمْ وَأَحْلَامَهُمْ وَيَأْمُرُهُمْ بِالْكَفّ عَنْ رَسُولِ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيُذَكّرُهُمْ بَلَاءَ اللّهِ عِنْدَهُمْ وَدَفْعَهُ عَنْهُمْ الْفِيلَ وَكَيْدَهُ عَنْهُمْ فَقَالَ:
يَا رَاكِبًا إمّا عَرَضَتْ فَبَلّغْنَ ** مُغَلْغِلَةً عَنّي لُؤَيّ بْنَ غَالِبِرَسُولُ امْرِئٍ قَدْ رَاعَهُ ذَاتُ بَيْنِكُمْ ** عَلَى النّأْيِ مَحْزُونٍ بِذَلِكَ نَاصِبِوَقَدْ كَانَ عِنْدِي لِلْهُمُومِ مَعَرّسٌ ** فَلَمْ أَقْضِ مِنْهَا حَاجَتِي وَمَآرِبِينُبَيّتُكُمْ شَرْجَيْنِ كُلّ قَبِيلَةٍ ** لَهَا أَزْمَلٌ مِنْ بَيْنِ مُذْكٍ وَحَاطِبِأُعِيذُكُمْ بِاَللّهِ مِنْ شَرّ صُنْعِكُمْ ** وَشَرّ تَبَاغِيكُمْ وَدَسّ الْعَقَارِبِوَإِظْهَارِ أَخْلَاقٍ وَنَجْوَى سَقِيمَةٍ ** كَوَخْزِ الْأَشَافِي وَقْعُهَا حَقّ صَائِبِفَذَكّرْهُمْ بِاَللّهِ أَوّلَ وَهْلَةٍ ** وَإِحْلَالِ أَحْرَامِ الظّبَاءِ الشّوَازِبِوَقُلْ لَهُمْ وَاَللّهُ يَحْكُمُ حُكْمَهُ ** ذَرُوا الْحَرْبَ تَذْهَبُ عَنْكُمْ فِي الْمَرَاحِبِمَتَى تَبْعَثُوهَا تَبْعَثُوهَا ذَمِيمَةً ** هِيَ الْغُولُ لِلْأَقْصَيْنَ أَوْ لِلْأَقَارِبِتُقَطّعُ أَرْحَامًا وَتُهْلِكُ أُمّةً ** وَتَبْرِي السّدِيفَ مِنْ سَنَامٍ وَغَارِبِوَتَسْتَبْدِلُوا بِالْأَتْحَمِيّةِ بَعْدَهَا ** شَلِيلًا وَأَصْدَاءً ثِيَابَ الْمُحَارِبِوَبِالْمِسْكِ وَالْكَافُورِ غُبْرًا سَوَابِغًا ** كَأَنّ قَتِيرَيْهَا عُيُونُ الْجَنَادِبِفَإِيّاكُمْ وَالْحَرْبَ لَا تَعْلَقَنّكُمْ ** وَحَوْضًا وَخِيمَ الْمَاءِ مُرّ الْمَشَارِبِتَزَيّنُ لِلْأَقْوَامِ ثُمّ يَرَوْنَهَا ** بِعَاقِبَةٍ إذْ بَيّنَتْ أُمّ صَاحِبِتُحَرّقُ لَا تُشْوِي ضَعِيفًا وَتَنْتَحِي ** ذَوِي الْعِزّ مِنْكُمْ بِالْحُتُوفِ الصّوَائِبِأَلَمْ تَعْلَمُوا مَا كَانَ فِي حَرْبِ دَاحِسٍ ** فَتَعْتَبِرُوا أَوْ كَانَ فِي حَرْبِ حَاطِبِوَكَمْ قَدْ أَصَابَتْ مِنْ شَرِيفٍ مُسَوّدٍ ** طَوِيلِ الْعِمَادِ ضَيْفُهُ غَيْرُ خَائِبِعَظِيمِ رَمَادِ النّارِ يُحْمَدُ أَمْرُهُ ** وَذِي شِيمَةٍ مَحْضٍ كَرِيمٍ الْمَضَارِبِوَمَاءِ هُرِيقَ فِي الضّلَالِ كَأَنّمَا ** أَذَاعَتْ بِهِ رِيحُ الصّبَا وَالْجَنَائِبِيُخَبّرُكُمْ عَنْهَا امْرُؤٌ حَقّ عَالِمٌ ** بِأَيّامِهَا وَالْعِلْمُ عِلْمُ التّجَارِبِفَبِيعُوا الْحِرَابَ مِلْمُحَارِبِ وَاذْكُرُوا ** حِسَابَكُمْ وَاَللّهُ خَيْرُ مُحَاسِبِوَلِيّ امْرِئٍ فَاخْتَارَ دِينًا فَلَا يَكُنْ ** عَلَيْكُمْ رَقِيبًا غَيْرَ رَبّ الثّوَاقِبِأَقِيمُوا لَنَا دِينًا حَنِيفًا فَأَنْتُمْ ** لَنَا غَايَةٌ قَدْ يُهْتَدَى بِالذّوَائِبِوَأَنْتُمْ لِهَذَا النّاسِ نُورٌ وَعِصْمَةٌ ** تُؤَمّونَ وَالْأَحْلَامُ غَيْرُ عَوَازِبِوَأَنْتُمْ إذَا مَا حُصّلَ النّاسُ جَوْهَرٌ ** لَكُمْ سُرّةُ الْبَطْحَاءِ شُمّ الْأَرَانِبِتَصُونُونَ أَجْسَادًا كِرَامًا عَتِيقَةً ** مُهَذّبَةَ الْأَنْسَابِ غَيْرَ أَشَائِبِتَرَى طَالِبَ الْحَاجَاتِ نَحْوَ بُيُوتِكُمْ ** عَصَائِبَ هَلْكَى تَهْتَدِي بِعَصَائِبِلَقَدْ عَلِمَ الْأَقْوَامُ أَنّ سَرَاتَكُمْ ** عَلَى كُلّ حَالٍ خَيْرُ أَهْلِ الْجَبَاجِبِوَأَفْضَلُهُ رَأْيًا وَأَعْلَاهُ سُنّةً ** وَأَقْوَلُهُ لِلْحَقّ وَسْطَ الْمَوَاكِبِفَقُومُوا فَصَلّوا رَبّكُمْ وَتَمَسّحُوا ** بِأَرْكَانِ هَذَا الْبَيْتِ بَيْنَ الْأَخَاشِبِفَعِنْدَكُمْ مِنْهُ بَلَاءٌ وَمَصْدَقٌ ** غَدَاةَ أَبِي يَكْسُومَ هَادِي الْكَتَائِبِكَتِيبَتُهُ بِالسّهْلِ تُمْسِي وَرَجْلُهُ ** عَلَى الْقَاذِفَاتِ فِي رُءُوسِ الْمَنَاقِبِفَلَمّا أَتَاكُمْ نَصْرُ ذِي الْعَرْشِ رَدّهُمْ ** جُنُودُ الْمَلِيكِ بَيْنَ سَافٍ وَحَاصِبِفَوَلّوْا سِرَاعًا هَارِبِينَ وَلَمْ يَؤُبْ ** إلَى أَهْلِهِ مِلْحُبْشِ غَيْرُ عَصَائِبِفَإِنْ تَهْلِكُوا نَهْلِكْ وَتَهْلِكْ مَوَاسِمٌ ** يُعَاشُ بِهَا، قَوْلُ امْرِئٍ غَيْرِ كَاذِبِقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي بَيْتَهُ: وَمَاءٌ هُرِيقَ، وَبَيْتَهُ فَبِيعُوا الْحِرَابَ وَقوله: وَلِيّ امْرِئِ فَاخْتَارَ، وَقَوْلَهُ:
عَلَى الْقَاذِفَاتِ فِي رُءُوسِ الْمَنَاقِبِأَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ وَغَيْرُهُ.
.[حَرْبٌ دَاحِسً]:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَمّا قَوْلُهُ أَلَمْ تَعْلَمُوا مَا كَانَ فِي حَرْبِ دَاحِسٍ.فَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النّحَوِيّ: أَنّ دَاحِسًا فَرَسٌ كَانَ لِقَيْسِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ جَذِيمَةَ بْنِ رَوَاحَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَازِنِ بْنِ قُطَيْعَةَ بْنِ عَبْسِ بْنِ بَغِيضِ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ؛ أَجْرَاهُ مَعَ فَرَسٍ لِحُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ جُؤَيّةَ بْنِ لَوْذَانِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ فَزَارَةَ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ بَغِيضِ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ، يُقَال لَهَا: الْغَبْرَاءُ. فَدَسّ حُذَيْفَةُ قَوْمًا وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَضْرِبُوا وَجْهَ دَاحِسٍ إنْ رَأَوْهُ قَدْ جَاءَ سَابِقًا، فَجَاءَ دَاحِسٌ سَابِقًا فَضَرَبُوا وَجْهَهُ وَجَاءَتْ الْغَبْرَاءُ. فَلَمّا جَاءَ فَارِسُ دَاحِسٍ أَخْبَرَ قَيْسًا الْخَبَرَ، فَوَثَبَ أَخُوهُ مَالِكُ بْنُ زُهَيْرٍ فَلَطَمَ وَجْهَ الْغَبْرَاءِ فَقَامَ حَمَلُ بْنُ بَدْرٍ فَلَطَمَ مَالِكًا. ثُمّ إنّ أَبَا الْجُنَيْدِبِ الْعَبْسِيّ لَقِيَ عَوْفَ بْنَ حُذَيْفَةَ فَقَتَلَهُ ثُمّ لَقِيَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ مَالِكًا فَقَتَلَهُ فَقَالَ حَمَلُ بْنُ بَدْرٍ أَخُو حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ:
قَتَلْنَا بِعَوْفٍ مَالِكًا وَهُوَ ثَأْرُنَا ** فَإِنْ تَطْلُبُوا مِنّا سِوَى الْحَقّ تَنْدَمُواوَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. وَقَالَ الرّبِيعُ بْنُ زِيَادٍ الْعَبْسِيّ:
أَفَبَعْدَ مَقْتَلِ مَالِكِ بْنِ زُهَيْرٍ ** تَرْجُو النّسَاءُ عَوَاقِبَ الْأَطْهَارِوَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. فَوَقَعَتْ الْحَرْبُ بَيْنَ عَبْسٍ وَفَزَارَةَ فَقُتِلَ حُذَيْفَةُ بْنُ بَدْرٍ وَأَخُوهُ حَمَلُ بْنُ بَدْرٍ، فَقَالَ قَيْسُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ جَذِيمَةَ يَرْثِي حُذَيْفَةَ وَجَزِعَ عَلَيْهِ:
كَمْ فَارِسٍ يُدْعَى وَلَيْسَ بِفَارِسٍ ** وَعَلَى الْهَبَاءَةِ فَارِسٌ ذُو مَصْدَقِفَابْكُوا حُذَيْفَةَ لَنْ تُرَثّوا مِثْلَهُ ** حَتّى تَبِيدَ قَبَائِلٌ لَمْ تُخْلَقْوَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. وَقَالَ قَيْسُ بْنُ زُهَيْرٍ:
عَلَى أَنّ الْفَتَى حَمَلَ بْنَ بَدْرٍ ** بَغَى وَالظّلْمُ مَرْتَعُهُ وَخِيمُوَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ زُهَيْرٍ أَخُو قَيْسِ بْنِ زُهَيْرٍ:
تَرَكْتُ عَلَى الْهَبَاءَةِ غَيْرَ فَخْرٍ ** حُذَيْفَةُ عِنْدَهُ قَصْدُ الْعَوَالِيوَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ أَرْسَلَ قَيْسٌ دَاحِسًا وَالْغَبْرَاءَ وَأَرْسَلَ حُذَيْفَةُ الْخَطّارَ وَالْحَنْفَاءَ وَالْأَوّلُ أَصَحّ الْحَدِيثَيْنِ. وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ مَنَعَنِي مِنْ اسْتِقْصَائِهِ قَطْعُهُ حَدِيثَ سِيرَةِ رَسُولِ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ.