الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **
بسم الله الرحمن الرحيم فأجاب: إذا اشترى دارا بحقوقها وكان ذلك الباب الذي سد من حقوقها فله أن يفتحه كما كان أولا. إلا أن يكون هذا الحق مستثنى من المبيع لفظا أو عرفا. وسئل رحمه الله: عن دارين بينهما شارع فأراد صاحب أحد الدارين أن يعمر على داره غرفة تفضي إلى سد الفضاء عن الدار الأخرى. فهل يجوز ذلك؟ أم لا؟. فأجاب: إن كان في ذلك إضرار بالجار مثل أن يشرف عليه فإنه يلزم ما يمنع مشارفته الأسفل فإذا لم يكن فيه ضرر على الجار بأن يبني ما يمنع الإشراف عليه أو لا يكون فيه إشراف عليه لم يمنع من البناء.
فأجاب: الحمد لله. لا يجوز بيع شيء من طريق المسلمين النافذ وليس لوكيل بيت المال بيع ذلك سواء كانت الطريق واسعة أو ضيقة وليس مع الشاهد علم ليس مع سائر الناس اللهم إلا أن يشهد أن هذه لبيت المال مثل أن تكون ملكا لرجل فانتقلت عنه إلى بيت المال وأدخلت في الطريق بطريق الغصب. وأما شهادته أنها لبيت المال بمجرد كونها طريقا فهذا إن أراد أن الطريق المشتركة حق للمسلمين لم يسوغ ذلك بيعها وإن أراد أنها ملك لبيت المال يجوز بيعها كما يباع بيت المال فهذه شهادة زور يستحق صاحبها العقوبة التي تردعه وأمثاله. وليس للحاكم أن يحكم بصحة هذا البيع.
فأجاب: ليس له أن يمنع صاحب الحق القديم من حقه. والله أعلم.
فأجاب: ليس للجار أن يحدث في الطريق المشترك الذي لا ينفذ شيئا بغير إذن رفيقه ولا شركائه ولا أن يحدث في ملكه ما يضر بجاره. وإذا فعل ذلك فللشريك إزالة ضرره قبل البيع وبعده; لكن إذا أزيل قبل البيع لم يعد وبعد البيع فللمشتري فسخ البيع لأجل هذا النقص.
فأجاب: إذا كانت يده على العلو وصاحب السفل لا يدعي أنه له فهو لصاحب اليد حتى يقيم غيره حجة أنه له. وأما ما أنشأه من العمارة الجديدة فليس له ذلك; إلا أن يكون ذلك من حقوق ملكه. والله أعلم.
فأجاب: الحمد لله رب العالمين ليس له أن يحدث في الدرب الذي لا ينفذ روشنا باتفاق الأئمة فإنهم لم يتنازعوا في ذلك; لكن تنازعوا في جواز إحداثه في الدرب النافذ وفي ذلك نزاع وتفصيل ليس هذا موضعه. وأما الدرب الذي لا ينفذ فلا نزاع فيه سواء كان له باب إلى مدرسة أو لم يكن فإنه ليس بنافذ. وإذا ادعى أن له فيه حق روشن لم يقبل قوله بغير حجة لكن له تحليف الجيران الذين تنازعوا فيه على نفي استحقاقه لذلك. والله أعلم.
فأجاب: أما الساباط ونحوه إذا كان مضرا فلا يجوز باتفاق العلماء وكذلك لا يجوز لأحد أن يخرج في طريق المسلمين شيئا من أجزاء البناء حتى إنه ينهى عن تجصيص الحائط من خارج إلا أن يدخل حده بمقدار غلظ الجص. وأما إذا كان الساباط ونحوه لا يضر بالطريق ففيه نزاع مشهور بين العلماء. قيل: يجوز كقول الشافعي. وقيل: لا يجوز كأحد القولين في مذهب أحمد ومالك. وقيل: يجوز بإذن الإمام كالقول الأخير. وقيل: إن منعه بعض العامة امتنع كما هو مذهب أبي حنيفة. والله أعلم.
فأجاب: ليس له أن يفتح في الدرب الذي لا ينفذ بابا يكون أقرب إلى آخر الدرب من بابه الأصلي; إلا بإذن المشاركين له في الاستطراق في ذلك. والله أعلم.
فأجاب: ليس له أن يفتح مشرعا - يعني بابا في درب غير نافذ - إلا بإذن أهله; إلا أن يكون له فيه حق الاستطراق. والله أعلم.
فأجاب: الحمد لله. ليس لهما تعليته على ملك المسلم فإن تعلية الذمي على المسلم محظورة وما لا يتم اجتناب المحظور إلا باجتنابه فهو محظور. كما في مسائل اختلاط الحرام بالحلال كما لو اختلط بالماء والمائعات نجاسة ظاهرة وكالمتولد بين مأكول وغير مأكول كالسمع والعسار والبغل وكما في [مسائل الاشتباه] أيضا: مثل أن تشتبه أخته بأجنبية والمذكى بالميت فإنه لما لم يمكن اجتناب المحظورات إلا باجتناب المباح في الأصل ; وجب اجتنابهما جميعا كما أن ما لا يتم الواجب إلا بفعله ففعله واجب. وإنما ذاك إذا كان ليس شرطا في الوجوب وهو مقدور للمكلف وهنا لا يمكن منع الذمي من تعلية بنائه على المسلم إلا أن يمنع شريكه فيجب منعهما وليس في منع المسلم من تعلية بنائه على مسلم تعلية كافر على مسلم بخلاف ما إذا أمكن الشريك من التعلية فإنه يكون في ذلك علو للكافر على المسلم وذلك لا يجوز وإذا عليا البناء وجب هدمه. ولا يجوز لمسلم أن يجعل جاه المسلم ذريعة لرفع كافر على مسلم. ومن شارك الكافر أو استخدمه وأراد بجاه الإسلام أن يرفع على المسلمين فقد بخس الإسلام واستحق أن يهان الإهانة الإسلامية. والله أعلم.
فأجاب: إنه يجبر على ذلك ويؤخذ الجدار من أرض كل منهما بقدر حقه.
فأجاب: يجبر الممتنع أن يبني الجدار في الحقين من الشريكين جميعا، إذا كانا محتاجين إلى السترة. وسئل أيضا فلو كانت المسألة بحالها , فإن امتنع أحدهما أن يبني مع شريكه، وبناه أحدهما بماله، لكنه وضع بعض أساسه من سهم هذا, وبعضه من سهم هذا، فهل له أن يمنع الذي لم يبن معه أن ينتفع بالجدار؟ مثل أن يضع جاره عليه شيئاً، أو يبني عليه، أم لا؟ فأجاب: لو كان الجدار مختصا بأحدهما لم يكن له أن يمنع جاره من الانتفاع بما يحتاج إليه الجار، ولا يضر بصاحب الجدار. والله أعلم.
فأجاب: الحمد لله. إذا بنى في ملكه بناء لم يتعد به على الجار; لكن يخاف أن يسكن في البناء الجديد ناس آخرون فينقص كراء الأول لم يكن له منعه لأجل ذلك. بلا نزاع بين العلماء.
فأجاب: هذا يجب الضمان عليه في أحد قولي العلماء; لأنه مفرط في عدم إزالة هذا الضرر والضمان على المالك الرشيد الحاضر أو وكيله إن كان غائبا أو وليه إن كان محجورا عليه. ووجوب الضمان في مثل هذا هو مذهب أبي حنيفة ومالك وإحدى الروايتين عن أحمد وهو أحد الوجهين في مذهب الشافعي. والواجب نصف الدية والأرش في ما لا تقدير فيه ويجب ذلك على عاقلة هؤلاء إن أمكن; وإلا فعليهم في أصح قولي العلماء. وقال رحمه الله إذا احتاج إلى إجراء مائه في أرض غيره ولا ضرر فله ذلك، وعنه لربها منعه، كما لو استغنى عنه، أو عن اجرائه فيها. قال: ولو كان لرجل نهر يجري في أرض مباحة، أو بعضه، ولا ضرر فيه، إلا انتفاعه به، فأفتيت بجواز ذلك، وانه لا يحل منعه، فإن المرور في الأرض، كما أنه ينتفع به صاحب الماء, فيكون حقا له، فإنه ينتفع به صاحب الأرض أيضا، كما في حديث عمر. فهو هنا انتفع بإجراء مائه، كما أنه هناك انتفع بأرضه. ونظيرها لو كان لرب الجدار مصلحة في وضع الجذوع عليه من غير ضرر الجذوع. وعكس مسألة إمرار الماء: لو أراد أن يجرري في أرضه من بقعة إلى بقعة، ويخرجه إلى أرض مباحة، أو إلى أرض جار راض, من غير أن يكون على رب الماء ضرر؛ لكن ينبغي أن يملك ذلك؛ لأنه يستحق شغل المكان الفارغ، فكذلك تفريغ المشغول. والضابط أن الجار. إما أن يريد أحداث الانتفاع بمكان جاره, أو إزالة انتفاع الجار الذي ينفعه زواله، ولا يضر الآخر. ومن أصلنا أن المجاورة توجب لكل من الحق مالا يجب للأجنبي، ويحرم عليه مالا يحرم للأجنبي، ويحرم عليه مالا يحرم للأجنبي. فيبيح الانتفاع بملك الجار، الخالي عن ضرر الجار، ويحرم الانتفاع بملك المنتفع إذا كان فيه إضرار. فصل وإذا قلنا: بإجراء مائه على إحدى الروايتين. فاحتاج أن يجري ماءه في طريق مياه. مثل أن يجري مياه سطوحه وغيرها في قناة لجاره، أو يسوق في قناة غدير ماء ثم يقاسمه جاز.
عن رجل عسفه إنسان على دين يريد حبسه وهو معسر. فهل القول قوله في أنه معسر؟ أو يلزم بإقامة البينة في ذلك؟. فأجاب: إذا كان الدين لزمه بغير معاوضة كالضمان ولم يعرف له مال قبل ذلك فالقول قوله مع يمينه في الإعسار. والله أعلم.
عن رجل مسلم اشترى من ذمي عقارا ثم رمى نفسه عليه واشترى منه قسطين والتزم يمينا شرعية الوفاء إلى شهر. فهل على أحد أن يعلمه حيلة وهو قادر؟. فأجاب: الحمد لله. إذا كان الغريم قادرا على الوفاء لم يكن لأحد أن يلزم رب الدين بترك مطالبته ولا يطلب منه حيلة لا حقيقة لها لأجل ذلك. مثل أن يقبض منه ثم يعيد إليه غير حقيقة استيفاء. وإن كان معسرا وجب إنظاره. واليمين المطلقة محمولة على حال القدرة; لا على حال العجز. والله أعلم.
عمن ترك بعد موته كرما ودارا وعليه دين يستوعب ذلك كله وله من الورثة: زوجة وبنت والسلطان. فطلب أرباب الدين من الورثة بيع الملك فهل يلزم الورثة البيع؟ أو الحاكم؟. فأجاب: إن باع الورثة ووفوا من الثمن جاز. وإن سلموه للغرماء فباعه الغرماء واستوفوا ديونهم جاز. وإن طلبوا من الحاكم أن يقيم لهم أمينا يتولى ذلك جاز. وإن أقاموا هم أمينا يتولى ذلك جاز. وإذا سلم الورثة ذلك إلى الغرماء لم يجب على الورثة أن يتولوا البيع. والله أعلم.
عن رجل باع قماشا لإنسان تاجر وكسب فيه شيئا معينا وقسط عليه الثمن والمديون يطلب السفر ولم يقم له كافلا. فهل لصاحب المال أن يمنعه من السفر. أم لا؟. فأجاب: إن كان الدين حالا وهو قادر على وفائه فله أن يمنعه من السفر قبل استيفائه. وكذلك إن كان مؤجلا ومحله قبل قدوم المدين فله أن يمنعه من السفر حتى يوثق برهن يحفظ المال أو كفيل. وإن كان الدين لا يحل إلا بعد قدوم المدين; ففيه نزاع بين العلماء. والله أعلم.
فأجاب: إن كان حين أعتقه موسرا ليس عليه دين أو عليه دين له وفاء غير العبد: فقد عتق ولا رجوع فيه وإن كان حين أعتقه عليه دين يحيط بماله: ففي صحته نزاع بين العلماء. والله أعلم.
فأجاب: لا تقبل دعوى إعساره بعد الاعتراف بالقدرة وبعد الحجر عليه إذا لم يبين السبب الذي أزال الملاءة ويكون ذلك ممكنا في العادة كحرق الدار التي فيها متاعه ونحوه; وليس له طلب إتمام الحكم في ذلك. وأن يدعي ذلك ويثبته عند غير الحاكم الذي حبسه وحجر عليه بدون إذنه. والله أعلم.
فأجاب: إذا امتنع مما يجب عليه من إظهار ماله والتمكين من توفية الناس جميع حقوقهم وكان ماله ظاهرا واحتيج إلى التوفية إلى فعل منه وامتنع منه وأصر على الحبس: فإنه يعاقب بالضرب حتى يقوم بالواجب عليه في ذلك في مذهب عامة الفقهاء. وقد صرح بذلك أصحاب مالك والشافعي من العراقيين والخراسانيين وأصحاب الإمام أحمد وغيرهم. ولا نعلم في ذلك نزاعا بل كرروا هذه المسألة في غير موضع من كتبهم ; فإنهم مع ذكرهم لها في موضعها المشهور ذكروها في غيره كما ذكروها في [باب نكاح الكفار] وجعلوها أصلا قاسوا عليه إذا أسلم الكافر وتحته أكثر من أربع نسوة وامتنع من الاختيار قالوا: يضرب حتى يختار; لأنه امتنع من فعل وجب عليه ويضرب حتى يقوم به كما لو امتنع من أداء الدين الواجب عليه فإنه يضرب حتى يؤديه. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه في الصحيحين: (مطل الغني ظلم). والظالم مستوجب للعقوبة. وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته) [اللي]: المطل [والواجد]: القادر. فقد أباح النبي صلى الله عليه وسلم من القادر الماطل عرضه. وقد اتفق العلماء على أن التعزير مشروع في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة. والمعاصي تنقسم إلى ترك مأمور وفعل محظور. فإذا كانت العقوبة على ترك الواجب - كعقوبة هذا وأمثاله من تاركي الواجب - عوقب حتى يفعله; ولهذا قال العلماء الذين ذكروا هذه المسألة من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم: أنه يضرب مرة بعد أخرى. حتى يؤدي. ثم منهم من قدر ضربه في كل مرة بتسعة وثلاثين سوطا. ومنهم من لم يقدره; بناء على أن التعزير هل هو مقدر؟ أم ليس بمقدر؟ للحاكم أن يعزره على امتناعه عقوبة لما مضى وله أيضا أن يعاقبه حتى يتولى الوفاء الواجب عليه وليس على الحاكم أن يتولى هو بيع ماله ووفاء الدين. وإن كان ذلك جائزا للحاكم; لكن متى رأى أن يلزمه هو بالبيع والوفاء زجرا له ولأمثاله عن المطل أو لكون الحاكم مشغولا عن ذلك بغيره أو لمفسدة تخاف من ذلك كانت عقوبته بالضرب حتى يتولى ذلك. فإن قال: إن في بيعه بالنقد في هذا الوقت علي خسارة; ولكن أبيعه إلى أجل وأحيلكم به. وقال الغرماء: لا نحتال; لكن نحن نرضى أن يباع إلى هذا الأجل وأن يستوفي ويوفي. وما ذهب على المشتري كان من ماله. فإنه يجاب الغرماء إلى ذلك. وللحاكم أن يبيعه ويقيم من يستوفي ويوفي مع عقوبته على ترك الواجب. وللغرماء أن يطلبوا تعجيل بيع ما يمكن بيعه نقدا إذا بيع بثمن المثل. ويجب عليه الإجابة إلى ذلك. وللحاكم أن يفعله كما تقدم وأن يعاقبه على ترك الواجب. والله أعلم.
فأجاب: الحمد لله. إذا كان الذي عليه الحق قادرا على الوفاء ومطله حتى أحوجه إلى الشكاية فما غرمه بسبب ذلك فهو على الظالم المماطل; إذا غرمه على الوجه المعتاد.
فأجاب: إذا لم يكن له وفاء غير الرهن وجب على الغريم إمهاله حتى يبيعه فمتى لم يمكن بيعه إلا بخروجه أو كان في بيعه في الحبس ضرر عليه وجب إخراجه ليبيعه ويضمن عليه أو يمشي [الغريم] أو وكيله [إليه].
فأجاب: لا يباع إلا بثمن المثل المعتاد غالبا في ذلك البلد; إلا أن تكون العادة تغيرت تغيرا مستقرا فيكون حينئذ ثمن المثل قد نقص فيباع بثمن المثل المستقر وإذا لم يجب بيعه فعلى الغريم الإنظار إلى وقت السعة أو الميسرة وله أن يطلب منه كل وقت ما يقدر عليه وهو التقسيط.
فأجاب: ما كان في حانوت المفلس من الأمانات مثل الثياب الذي ينسجها للناس والغزل وغير ذلك فإنها لأصحابها باتفاق المسلمين لا تعطى لغير صاحبها. وإذا كان قد أخذ للناس غزلا ولم يوجد عين الغزل لم يجز لصاحب الغزل أن يأخذ مال غيره بدلا عن ماله بل إذا أقرض فيها كانت في ذمته وكذلك ما أعطاه من الأجرة ولم يوف العمل; فإنها دين في ذمته. والديون التي في ذمته لا توفى من أعيان أموال الناس باتفاق العلماء. ومن أقام من الناس بينة بأن هذا عين ماله أخذه وإن لم يقم أحد بينة وكان الرجل خائفا قد علم أن الذي ينسجه ليس هو له وإنما هو للناس لم يوف ديونه من تلك الأموال. ولا يجوز أن يعطى بعض الغزل بدعواه دون بعض بل يجب أن يعدل في ذلك بين الغرماء. وإن أقام واحد شاهدا وحلف مع شاهده حكم له بذلك وإن تعذر ما يعرف به مال هذا ومال هذا إلا علامات مميزة; مثل اسم كل واحد على متاعه: عمل بذلك. وإن تعذر ذلك كله أقرع بين المدعين فمن خرجت قرعته على عين أخذها مع يمينه. فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: القرعة في مثل هذا. والله أعلم.
فأجاب: الحمد لله. نعم متى حج به أبوه من ماله جاز ذلك ويسقط عنه الفرض باتفاق العلماء. وتنازعوا: هل يجب عليه الحج إذا بذل له أبوه المال؟ والخلاف في ذلك مشهور. والفرض يسقط عنه سواء ملكه أبوه مالا أو أنفق عليه وأركبه من غير تمليك. فإن كان عليه دين فمتى أذن له الغرماء في السفر للحج فلا ريب في جواز السفر - وإن منعوه من السفر ليقيم ويعمل ويوفيهم كان لهم ذلك وكان مقامه ليكتسب ويوفي الغرماء أولى به وأوجب عليه من الحج - وكان لهم منعه من الحج ولا يحل لهم أن يطالبوه إذا علموا إعساره. ولا يمنعوه الحج. لكن إن قال الغرماء: نخاف أن يحج فلا يرجع فنريد أن يقيم كفيلا ببدنه توجه مطالبتهم بهذا فإن حقوقهم باقية ولكنه عاجز عنها. ولو كان قادرا على الوفاء والدين حال كان لهم منعه بلا ريب. وكذلك لو كان مؤجلا يحل قبل رجوعه فلهم منعه حتى يوثق برهن أو كفيل وهناك حتى يوفي أو يوثق. وأما إن كان لا يحل إلا بعد رجوعه والسفر آمن ففي منعهم له قولان معروفان هما روايتان عن أحمد. وإن كان السفر مخوفا كالجهاد فلهم منعه إذا تعين عليه وإذا تمكن الغرماء من استيفاء حقوقهم فلهم تخليته عند جمهور العلماء كمالك والشافعي وأحمد وعن أبي حنيفة: لهم ملازمته وهذا في المقام فإذا أراد المعسر أن كان فيه نزاع والله أعلم.
فأجاب: إذا قال: لم يحدث لي بعد تلف مالي شيء فالقول قوله مع يمينه في ذلك: في مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما. والله أعلم. وسئل عن رجل مديون ولرجل معه معاملة في بضاعة سبع سنين وصار له عنده خمسمائة درهم. أوفى منها ثلاثمائة وتحت يده دار رهنا وقد رفعه إلى الحاكم. فقال المدين: يصبر علي ثمانية أيام أوفيه فما فعل يمهله. فهل يجوز أن يحبسه؟ فأجاب: إذا كان للرجل سلعة فطلب أن يمهل حتى يبيعها ويوفيه من ثمنها: أمهل بقدر ذلك. وكذلك إن أمكنه أن يحتال لوفاء دينه باقتراض أو نحوه وطلب ألا يرسم عليه حتى يفعل ذلك; وجبت إجابته إلى ذلك ولم يجز منعه من ذلك بحبسه. والله أعلم.
فأجاب: ليس له بعد رضاه معهم بإنظارهم أن يختص باستيفاء ماله حالا دونهم على مذهب من يقول: إن الحال يتأجل كمالك وأحمد في قول. وعلى مذهب من يقول: لا يتأجل كالشافعي وأحمد في قول. أو من يقول يتأجل في المعاوضات دون التبرعات كأبي حنيفة وأحمد في رواية. ولا فرق في مذهب أحمد ومالك وغيرهما بين أن يكون قد اتفق معهم على التأجيل إلى أجل معين أو يقسطه أقساطا. أو اتفق معهم على أن يفعلوا ذلك فيما بعد: ليس له أن يغدر بهم ويمكر بهم; بل لو قدر أن التأجيل لم يلزم فإنهم مشتركون جميعهم في الاستيفاء من ذلك المتبقي مع الغريم.
فأجاب: لا يحل اعتقاله ولا ضربه والحالة هذه; بل الواجب تمكينه حتى يعمل ما يوفي دينه بحسب الإمكان. والله أعلم.
|