الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **
/ فأجاب: الحمد لله رب العالمين، أما إذا كان بعوض، أو يتضمن ترك واجب: مثل تأخير الصلاة عن وقتها، أو تضييع واجباتها، أو ترك ما يجب من مصالح العيال، وغير ذلك مما أوجب على المسلمين؛ فإنه حرام بإجماع المسلمين. وكذلك إذا تضمن كذبا، أو ظلما، وغير ذلك من المحرمات، فإنه حرام بالإجماع. وإذا خلا عن ذلك فجمهور العلماء ـ كمالك وأصحابه، وأبي حنيفة وأصحابه، وأحمد بن حنبل وأصحابه، وكثير من أصحاب الشافعي: أنه حرام. وقال هؤلاء: إن الشافعي لم يقطع بأنه حلال، بل كرهه. وقيل: إنه قال: لم يتبين إلى تحريمه. والبيهقي أعلم أصحاب الشافعي بالحديث وأنصرهم للشافعي. ذكر إجماع الصحابة على المنع منه: عن علي بن أبي طالب، وأبي سعيد، وابن عمر، وابن عباس، وأبي موسي، وعائشة ـ رضي الله عنهم ـ ولم يحك عن الصحابة في ذلك نزاعا. ومن نقل عن أحد من الصحابة أنه رخص فيه فهو غالط. والبيهقي وغيره من أهل الحديث أعلم بأقوال الصحابة ممن ينقل أقوالا بلا إسناد، قال البيهقي: جعل الشافعي اللعب بالشطرنج من المسائل المختلف فيها / في أنه لا يوجب رد الشهادة، فأما كراهيته اللعب بها فقد صرح بها فيما قدمنا ذكره، وهو الأشبه والأولى بمذهبه. فالذين كرهوا أكثر، ومعهم من يحتج بقوله. وروي بإسناده عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أنه كان يقول: الشطرنج ميسر العجم. وروي بإسناده عن علي: أنه مر بقوم يلعبون بالشطرنج، وقال: قال البيهقي: روينا في كراهية اللعب بها، عن يزيد بن أبي حبيب، ومحمد بن سيرين، وإبراهيم، ومالك بن أنس. قلت: [والكراهية] في كلام السلف كثيرًا وغالبًا يراد بها التحريم، وقد صرح هؤلاء بأنها كراهة تحريم، بل صرحوا بأنها شر من النرد، والنرد حرام، وإن لم يكن فيها عوض. /وروى بإسناده عن جامع بن وهب، عن أبي سلمة، قال: قلت للقاسم بن محمد: ما الميسر؟ قال: كل ما ألهي عن ذكر الله وعن الصلاة، فهو ميسر. قال يحيي بن أيوب: حدثني عبد الله بن عمر؛ أنه سمع عمر بن عبد الله يقول: قلت للقاسم بن محمد: هذا النرد ميسر. أرأيت الشطرنج ميسر هي؟قال القاسم: كل ما ألهي عن ذكر الله وعن الصلاة فهو ميسر. وقال ابن وهب: حدثني يحيي بن أيوب، حدثنا أبو قيس، عن عقبة بن عامر، قال: لأن أعبد صنما يعبد في الجاهلية أحب إلى من أن ألعب بهذا الميسر. قال القيسي: وهي عيدان كان يلعب بها في الأرض. وبإسناده عن فضالة بن عبيد، قال ما أبإلى ألعبت بالكيل، أو توضأت بدم خنزير ثم قمت إلى الصلاة. وما ذكر عن علي بن أبي طالب: أنه مر بقوم يلعبون بالشطرنج، فقال: ومذهب الأئمة الأربعة أن اللعب بالنرد حرام، وإن لم يكن بعوض. وقد قال ابن عمر ومالك بن أنس وغيرهما: إن الشطرنج شر من النرد، وقال أبو حنيفة / وأحمد بن حنبل والشافعي وغيرهم: النردشير من الشطرنج. وكلا القولين صحيح باعتبار؛ فإن النرد إذا كان بعوض، والشطرنج بغير عوض، فالنرد شر منه، وهو حرام حينئذ بالإجماع. وأما إن كان كلاهما بعوض أو كلاهما بلا عوض فالشطرنج شر من النرد؛ لأن الشطرنج يشغل القلب ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة أكثر من النرد. ولهذا قيل: الشطرنج مبني على مذهب القدر، والنرد مبني على مذهب الجبر. فإن صاحب النرد يومي ويحسب بعد ذلك، وأما صاحب الشطرنج فإنه يقدر ويفكر ويحسب حساب النقلات قبل النقل. فإفساد الشطرنج للقلب أعظم من إفساد النرد، ولكن كان معروفا عند العرب، والشطرنج لم يعرف إلا بعد أن فتحت البلاد، فإن أصله من الهند وانتقل منهم إلى الفرس؛ فلهذا جاء ذكر النرد في الحديث، وإلا فالشطرنج شر منه إذا استويا في العوض، أو عدمه. وقد بسط جواب السؤال في موضع آخر. والله أعلم.
فأجاب: الحمد لله، اللعب بالشطرنج حرام عند جماهير علماء الأمة وأئمتها كالنرد. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من لعب بالنرد / فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه) وقال: (مـن لعب بالنرد فقـد عصى الله ورسـوله) وثبت عـن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ: أنه مر بقوم يلعبون بالشطرنج، فقال: وقالت طائفة من السلف: الشطرنج من الميسر، وهو كما قالوا؛ فإن الله حرم الميسر، وقد أجمع العلماء على أن اللعب بالنرد والشطرنج حرام، إذا كان بعوض، وهو من القمار والميسر الذي حرمه الله. والنرد حرام عند الأئمة الأربعة، سواء كان بعوض أو غير عوض، ولكن بعض أصحاب الشافعي جوزه بغير عوض؛ لاعتقاده أنه لا يكون حينئذ من الميسر. وأما الشافعي وجمهور أصحابه وأحمد وأبو حنيفة وسائر الأئمة فيحرمون ذلك بعوض وبغير عوض؛ وكذلك الشطرنج صرح هؤلاء الأئمة بتحريمها: مالك، وأبو حنيفة، وأحمد، وغيرهم. وتنازعوا أيهما أشد؟فقال مالك وغيره: الشطرنج شر من النرد. وقال أحمد وغيره: الشطرنج أخف من النرد. ولهذا توقف الشافعي في النرد إذا خلا عن المحرمات؛ إذ سبب الشبهة في ذلك أن أكثر من يلعب فيها بعوض بخلاف الشطرنج فإنها تلعب بغير عوض غالبًا. وأيضًا فظن بعضهم أن اللعب بالشطرنج يعين على القتال؛ لما فيها من صف الطائفتين. والتحقيق أن النرد والشطرنج إذا لعب بهما بعوض فالشطرنج شر منها؛ لأن الشطرنج حينئذ حرام بإجماع المسلمين، وكذلك يحرم / بالإجماع إذا اشتملت على محرم: من كذب، ويمين فاجرة، أو ظلم، أو جناية أو حديث غير واجب، ونحوها، وهي حرام عند الجمهور وإن خلت عن هذه المحرمات فإنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وتوقع العداوة والبغضاء أعظم من النرد إذا كان بعوض. وإذا كانا بعوض فالشطرنج شر في الحالين. وأما إذا كان العوض من أحدهما ففيه من أكل المال بالباطل ما ليس في الآخر والله ـ تعالى ـ قرن الميسر بالخمر والأنصاب والأزلام، لما فيها من الصد عن ذكر الله وعن الصلاة. وفيها إيقاع العداوة والبغضاء؛ فإن الشطرنج إذا استكثر منها تستر القلب وتصده عن ذلك أعظم من تستر الخمر. وقد شبه أمير المؤمنين على ـ رضي الله عنه ـ لاعبيها بعباد الأصنام حيث قال: وأما ما يروي عن سعيد بن جبير من اللعب بها، فقد بين سبب ذلك: أن الحجاج طلبه للقضاء فلعب بها؛ ليكون ذلك قادحا فيه فلا يولي القضاء. وذلك أنه رأي ولاية الحجاج أشد ضررا عليه في دينه من ذلك، والأعمال بالنيات، وقد يباح ما هو أعظم تحريما من ذلك لأجل الحاجة. وهذا يبين أن اللعب بالشطرنج كان عندهم من المنكرات، كما نقل عن على وابن عمر وغيرهما. ولهذا قال أبو حنيفة وأحمد وغيرهما: إنه لا يسلم على لاعب الشطرنج؛ لأنه مظهر للمعصية، وقال صاحبا أبي حنيفة: يسلم عليه.
/ فأجاب: الحمد لله، أما قوله: (من لعب بالنردشير فهو كمن غمس يده في لحم خنزير ودمه)، فهو حديث صحيح رواه مسلم وغيره. واللعب بالنرد حرام وإن لم يكن بعوض عند جماهير العلماء، وبالعوض حرام بالإجماع.
فأجاب: اللعب بالحمام منهي عنه، وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى رجلا يتبع حمامة، فقال: (شيطان يتبع شيطانة). ومن لعب بالحمام فأشرف على حريم الناس، أو رماهم بالحجارة فوقعت على الجيران، فإنه يعزر على ذلك تعزيرا يردعه عن ذلك، ويمنع من ذلك، فإن هذا فيه ظلم وعدوان على الجيران، مع ما فيه من اللعب المنهي عنه. والله أعلم.
فأجاب: الحمد لله الصبي الأمرد المليح بمنزلة المرأة الأجنبية في كثير من الأمور، ولا يجوز تقبيله على وجه اللذة، بل لا يقبله إلا من يؤمن عليه، كالأب والإخوة. ولا يجوز النظر إليه على هذا الوجه باتفاق الناس، بل يحرم عند جمهورهم النظر إليه عند خوف ذلك، وإنما ينظر إليه لحاجة بلا ريبة مثل معاملته، والشهادة عليه، ونحو ذلك كما ينظر إلى المرأة للحاجة. وأما مضاجعته، فهذا أفحش من أن يسأل عنه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مروهم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا / بينهم في المضاجع) إذا بلغوا عشر سنين ولم يحتلموا بعد، فكيف بما هو فوق ذلك، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (لا يخلو رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان)، قال: (إياكم والدخول على النساء). قالوا: يا رسول الله، أفرأيت الحم؟قال: (الحمو الموت) فإذا كانت الخلوة محرمة لما يخاف منها فكيف بالمضاجعة؟ ! وأما قول القائل: إنه يفعل ذلك لله، فهذا أكثره كذب، وقد يكون لله مع هوي النفس، كما يدعي من يدعي مثل ذلك في صحبة النساء الأجانب، فيبقي كما قال تعالى في الخمر: وليس لأحد من الناس أن يفعل ما يفضي إلى هذه المفاسد المحرمة، وإن ضم إلى ذلك مصلحة من تعليم أو تأديب؛ فإن المردان يمكن تعليمهم وتأديبهم بدون هذه المفاسد التي فيها مضرة عليهم، وعلى من يصحبهم، وعلى المسلمين: بسوء الظن تارة، وبالشبهة أخري، بل روي: أن رجلا كان يجلس / إليه المردان، فنهى عمر ـ رضي الله عنه ـ عن مجالسته. ولقي عمر بن الخطاب شابا فقطع شعره؛ لميل بعض النساء إليه؛ مع ما في ذلك من إخراجه من وطنه، والتفريق بينه وبين أهله. ومن أقر صبيا يتولاه ـ مثل ابنه، وأخيه، أو مملوكه، أو يتيم عند من يعاشره على هذا الوجه ـ فهو ديوث ملعون، و(لا يدخل الجنة ديوث)، فـإن الفاحشة الباطنة ما يقوم عليها بينة في العادة؛ وإنما تقوم على الظاهرة، وهذه العشرة القبيحة من الظاهرة، وقد قال الله تعالى:
/فأجاب: الحمد لله، هؤلاء المتغالبون بهذه الأزجال، وما كان من جنسها هم والمتعصبون من الطرفين، والمراهنة في ذلك وغير المراهنة ظالمون معتدون آثمون، مستحقون العقوبة البليغة الشرعية التي تردعهم وأمثالهم من سفهاء الغواة العصاة الفاسقين عن مثل هذه الأقوال والأعمال، التي لا تنفع في دين ولا دنيا، بل تضر أصحابها في دينهم ودنياهم. وعلى ولاة الأمور، وجميع المسلمين الإنكار على هؤلاء وأعوانهم؛ حتى ينتهوا عن هذه المنكرات ويراجعوا طاعة الله ورسوله، وملازمة الصراط المستقيم الذي يجب على المسلمين ملازمته؛ فإن هذه المغالبات مشتملات على منكرات محرمات، وغير محرمات بل مكروهات. ومن المحرمات التي فيها تحريمه ثابت بالإجماع وبالنصوص الشرعية، وذلك من وجوه. أحدها: المراهنة على ذلك بإجماع المسلمين، وكذلك لو كان المال مبذولا من أحدهما، أو من غيرها، لم يجز؛ لا على قول من يقول: لا سبق إلا في خف أو حافر، أو نصل. ولا على قول من يقول: السبق في غير هذه الثلاثة. أما على القول الأول فظاهر، وفي ذلك الحديث المعروف في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل). وهذه الثلاثة من أعمال الجهاد في سبيل الله، فإخراج السبق فيها من أنواع إنفاق المال في سبيل الله، بخلاف غيرها من المباحات ـ كالمصارعة، والمسابقة بالأقدام ـ فإن هذه الأعمال ليست من الجهاد؛ فلهذا رخص فيها مـن غـير سـبق. فإن النبي صلى الله عليه وسلم / صارع ابن عبد يزيد، وسابق عائشة ـ رضي الله عنه ـ وأذن في السباق لسلمة بن الأكوع. وأما على القول الثاني فلابد أن تكون المغالبة في عمل مباح، وهذه ليست كذلك. وذلك يظهر بالوجه الثاني: وهو أن هذه الأقوال فيها من وصف المردان وعشقهم، ومقدمات الفجور بهم ما يقتضي ترغيب النفوس في ذلك، وتهييج ذلك في القلوب. وكل ما فيه إعانة على الفاحشة والترغيب فيها، فهو حرام؛وتحريم هذا أعظم من تحريم الندب والنياحة، وذلك يثير الحزن، وهذا يثير الفسق. والحزن قد يرخص فيه، وأما الفسق فلا يرخص في شيء منه. وهذا من جنس القيادة. وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تنعت المرأة المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها)، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن وصف المرأة؛ لئلا تتمثل في نفسه صورتها، فكيف بمن يصف المردان بهذه الصفات، ويرغب في الفواحش بمثل هذه الأقوال المنكرات التي تخرج القلب السليم، وتعمي القلب السقيم، وتسوق الإنسان إلى العذاب الإليم؟ ! وقد أمر عمر ـ رضي الله عنه ـ بضرب نائحة، فضربت حتى بدا شعرها، فقيل له: يا أمير المؤمنين، إنه قد بدا شعرها؟فقال: لا حرمة لها، إنما تأمر بالجزع وقد نهى الله عنه، وتنهى عن الصبر وقد أمر الله به، وتفتن الحي وتؤذي الميت، وتبيع عبرتها، وتبكي شجو غيرها، إنها لا تبكي على ميتكم، وإنما تبكي على أخذ دراهمكم. وبلغ عمر أن شابا يقال له: نصر /ابن حجاج تغنت به امرأة فأخذ شعره، ثم رآه جميلا فنفاه إلى البصرة، وقال: لا يكون عندي من تغني به النساء، فكيف لو رأي عمر من يغني بمثل هذه الأقوال الموزونة في المردان، مع كثرة الفجور، وظهور الفواحش، وقلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ ! فإن هؤلاء من المضادين لله ولرسوله ولدينه. ويدعون إلى ما نهى الله عنه، ويصدون عما أمر الله به، ويصدون عن سبيل الله، ويبغونها عوجًا. الوجه الثالث: أن هذا الكلام الموزون كلام فاسد مفردًا أو مركبًا؛ لأنهم غيروا فيه كلام العرب، وبدلوه، بقولهم: ماعوا وبدوا وعدوا. وأمثال ذلك مما تمجه القلوب والأسماع، وتنفر عنه العقول والطباع. وأما مركباته، فإنه ليس من أوزان العرب، ولا هو من جنس الشعر ولا من أبحره الستة عشر، ولا من جنس الأسجاع والرسائل والخطب. ومعلوم أن تعلم العربية وتعليم العربية فرض على الكفاية، وكان السلف يؤدبون أولادهم على اللحن، فنحن مأمورون أمر إيجاب أو أمر استحباب أن نحفظ القانون العربي، ونصلح الألسن المائلة عنه، فيحفظ لنا طريقة فهم الكتاب والسنة، والاقتداء بالعرب في خطابها. فلو ترك الناس على لحنهم كان نقصا وعيبا ـ فكيف إذا جاء قوم إلى الألسنة العربية المستقيمة، والأوزان القويمة، فأفسدوها بمثل هذه المفردات والأوزان المفسدة للسان، الناقلة عن العربية العرباء إلى أنواع الهذيان، الذي لا يهذي به الأقوم من الأعاجم الطِّماطِم الصميان؟ !! /الوجه الرابع: أن المغالبة بمثل هذا توقع العداوة والبغضاء وتصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة، وهذا من جنس النقار بين الديوك، والنطاح بين الكباش، ومن جنس مغالبات العامة التي تضرهم ولا تنفعهم، والله ـ سبحانه ـ حرم الخمر والميسر. والميسر هو القمار؛ لأنه يصد عن ذكر الله وعن الصلاة ويوقع العداوة والبغضاء. والميسر المحرم ليس من شرطه أن يكون فيه عوض، بل اللعب بالنرد حرام باتفاق العلماء وإن لم يكن فيه عوض، وإن كان فيه خلاف شاذ لا يلتفت إليه. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من لعب بالنرد فقد عصي الله ورسوله)؛ لأن النرد يصد عن ذكر الله وعن الصلاة ويوقع العداوة والبغضاء، وهذه المغالبات تصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة، وتوقع بينهم العداوة والبغضاء، أعظم من النرد، فإذا كان أكثر الأئمة قد حرم الشطرنج، وجعله مالك أعظم من النرد، مع أن اللاعبين بالنرد، والشطرنج وإن كانوا فساقًا، فهم أمثل من هؤلاء، وهذا بين الوجه الخامس: وهو أن غالب هؤلاء، إما زنديق منافق، وإما فاجر فاسق، ولا يكاد يوجد فيهم مؤمن بر، بل وجد حاذقهم منسلخًا من دين الإسلام، مضيعًا للصلوات، متبعًا للشهوات، لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، ولا يحرم ما حرم الله ورسوله، ولا يدين دين المسلمين. وإن كان مسلمًا كان فاسقًا مرتكبًا للمحرمات، تاركًا للواجبات. وإن كان الغالب عليهم، إما النفاق، وإما الفسق، كان حكم الله في الزنديق قتله من غير استتابة، وحكمه في الفاسق إقامة الحد عليه؛ إما بالقتل، أو بغيره والمخالط / لهم والمعاشر إذا ادعى سلامته من ذلك لم يقبل؛ فإنه إما أن يفعل معهم المحرمات، ويترك الواجبات، وإما أن يقرهم على المنكرات، فلا يأمرهم بمعروف، ولا ينهاهم عن منكر. وعلى كل حال فهو مستحق للعقوبة، وقد رفع إلى عمر بن عبد العزيز أقوام يشربون الخمر فأمر بجلدهم الحد، فقيل: إن فيهم صائمًا؟ فقال: إبدؤوا بالصائم فاجلدوه: ألم يسمع إلى قوله تعالى: وهؤلاء قوم تركوا المقامرة بالأيدي، وعجزوا عنها، ففتحوا القمار بالألسنة، والقمار بالألسنة أفسد للعقل والدين من القمار بالأيدي. والواجب على المسلمين المبالغة في عقوبة هؤلاء، وهجرهم، واستتابتهم، بل لو فرض أن الرجل نظم هذه الأزجال العربية من غير مبالغة لنهي عن ذلك، بل لو نظمها في غير الغزل، فإنهم تارة ينظمونها بالكفر بالله وبكتابه ورسوله، كما نظمها أبو الحسن التستري في وحدة الوجود، وأن الخالق هو المخلوق. وتارة ينظمونها في الفسق، كنظم هؤلاء الغواة، والسفهاء الفساق. ولو قدر أن ناظمًا نظم هذه الأزجال في مكان حانوت، نهى؛ فإنها تفسد اللسان العربى، وتنقله إلى العجمة المنكرة. /وما زال السلف يكرهون تغيير شعائر العرب حتى في المعاملات، وهو التكلم بغير العربية إلا الحاجة، كما نص على ذلك مالك والشافعي وأحمد، بل قال مالك: من تكلم في مسجدنا بغير العربية أخرج منه. مع أن سائر الألسن يجوز النطق بها لأصحابها، ولكن سوغوها للحاجة، وكرهوها لغير الحاجة، ولحفظ شعائر الإسلام؛ فإن الله أنزل كتابه باللسان العربى، وبعث به نبيه العربى، وجعل الأمة العربية خير الأمم، فصار حفظ شعارهم من تمام حفظ الإسلام، فكيف بمن تقدم على الكلام العربي ـ مفرده ومنظومه ـ فيغيره ويبدله، ويخرجه عن قانونه ويكلف الانتقال عنه؟ !! إنما هذا نظير ما يفعله بعض أهل الضلال من الشيوخ الجهال، حيث يصمدون إلى الرجل العاقل فيولهونه، ويخنثونه، فإنهم ضادوا الرسول إذ بعث بإصلاح العقول والأديان. وتكميل نوع الإنسان وحرم ما ينير العقل من جميع الألوان، فإذا جاء هؤلاء إلى صحيح العقل فأفسدوا عقله وفهمه، وقد ضادو الله وراغموا حكمه. والذين يبدلون اللسان العربي ويفسدونه، لهم من هذا الذم والعقاب بقدر ما يفتحونه؛ فإن صلاح العقل واللسان، مما يؤمر به الإنسان، ويعين ذلك على تمام الإيمان، وصد ذلك يوجب الشقاق والضلال والخسران. والله أعلم.
|