الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **
/ فأجاب: الحمد لله، إذا كانت المرأة مقيمة في بيت زوجها مدة تأكل وتشرب وتكتسي كما جرت به العادة، ثم تنازع الزوجان في ذلك فقالت هي: أنت ما أنفقت على ولا كسوتني، بل حصل ذلك من غيرك، وقال هو: بل النفقة والكسوة كانت مني، ففيها قولان للعلماء: أحدهما: القول قوله، وهذا هو الصحيح الذي عليه الأكثرون ونظير هذا أن يصدقها تعلم صناعة وتتعلمها ثم يتنازعا فيمن علمها، فيقول هو: أنا علمتها وتقول هي: أنا تعلمتها من غيره، ففيها وجهان في مذهب الشافعي وأحمد، والصحيح من هذا كله أن القول قول من يشهد له العرف والعادة، وهو مذهب مالك. وأبو حنيفة يوافق على أنها لا تستحق عليها شيء ا؛ لأن النفقة تسقط بمضي الزمان عنده، كنفقة الأقارب، وهو قول في مذهب أحمد. وأصحاب هذا القول يقولون: /وجبت على طريقة الصلة فتسقط بمضي الزمان، والجمهور ومالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه يقولون: وجبت بطريق المعارضة، فلا تسقط بمضي الزمان. ولكن إذا تنازعا في قبضها فقال بعض أصحاب الشافعي وأحمد: القول قول المرأة؛ لأن الأصل عدم المقبوض، كما لو تنازعا في قبض الصداق والصواب أنه يرجع في ذلك إلى العرف والعادة، فإذا كانت العادة أن الرجل ينفق على المرأة في بيته ويكسوها وادعت أنه لم يفعل ذلك فالقول قوله مع يمينه، وهذا القول هو الصواب الذي لا يسوغ غيره لأوجه: أحدها: أن الصحابة والتابعين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين لم يعلم منهم امرأة قبل قولها في ذلك، ولو كان قول المرأة مقبولا في ذلك، لكانت الهمم متوفرة على دعوي النساء، وذلك كما هو الواقع، فعلم أنه كان مستقرا بينهم، أنه لا يقبل قولها. الثاني: أنه لو كان القول قولها لم يقبل قول الرجل إلا ببينة، فكان يحتاج إلى الإشهاد عليها كلما أطعمها وكساها، وكان تركه ذلك تفريطا منه إذا ترك الإشهاد على الدين المؤجل، ومعلوم أن هذا لم يفعله مسلم على عهد السلف. /الثالث: أن الإشهاد في هذا متعذر أو متعسر فلا يحتاج إليه، كالإشهاد على الوطء، فإنهما لو تنازعا في الوطء وهي ثيب لم يقبل مجرد قولها في عدم الوطء عند الجمهور، مع أن الأصل عدمه، بل إما أن يكون القول قول الرجل، أو يؤمر بإخراج المني، أو يجامعها في مكان وقريب منهما من يعلم ذلك بعد انقضاء الوطء. على ما للعلماء في ذلك من النزاع، فهنا دعواها وافقت الأصل، ولم تقبل لتعذر إقامة البينة على ذلك. والإنفاق في البيوت بهذه المثابة، ولا يكلف الناس الإشهاد على إعطاء النفقة، فإن هذا بدعة في الدين، وحرج على المسلمين، واتباع لغير سبيل المؤمنين. الرابع: أن العلماء متنازعون: هل يجب تمليك النفقة؟ على قولين. والأظهر أنه لا يجب، ولا يجب أن يفرض لها شيء اً، بل يطعمها ويكسوها بالمعروف. وهذا القول هو الذي دلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال في النساء: (لهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف)، كما في المملوك، (وكسوته بالمعروف) وقال: (حقها أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت) كما قال في المماليك: (إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس). هذه عادة المسلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه لا يعلم قط أن رجلا فرض لزوجته نفقة، بل يطعمها ويكسوها. /وإذا كان كذلك كان له ولاية الإنفاق عليها، كما له ولاية الإنفاق على رقيقه وبهائمه، وقد قال الله تعالى: /وكذلك لو أخذت المرأة نفقتها من ماله بالمعروف، وادعت أنه لم يعطها نفقة قبل قولها مع يمينها في هذه الصورة، لأن الشارع سلطها على ذلك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لهند: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) لما قالت: إن أبا سفيان رجل شحيح، وإنه لا يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي، فقال: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف). وكذلك لو كان الزوج مسافراً عنها مدة وهي مقيمة في بيت أبيها وادعت أنه لم يترك لها نفقة، ولا أرسل إليها بنفقة، فالقول قولها مع يمينها وأمثال ذلك. فلابد من التفصيل في الماضي مطلقًا في هذا الباب. وهذه المعاني من تدبرها تبين له سر هذه المسألة، فإن قبول قول النساء في عدم النفقة في الماضي فيه من الضرر والفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد، وهو يؤول إلى أن المرأة تقيم مع الزوج خمسين سنة، ثم تدعي نفقة خمسين سنة وكسوتها، وتدعي أن زوجها مع يساره وفقرها لم يطعمها في هذه المدة شيء ا، وهذا مما يتبين الناس كذبها فيه قطعا، وشريعة الإسلام منزهة عن أن يحكم فيها بالكذب والبهتان، والظلم والعدوان. الوجه الخامس: أن الأصل المستقر في الشريعة أن اليمين مشروعة في جنبة أقوي المتداعيين، سواء ترجح ذلك بالبراءة الأصلية، أو اليد الحسية، أو العادة العملية؛ ولهذا إذا ترجح جانب المدعي كانت اليمين مشروعة في حقه عند الجمهور كمالك والشافعي وأحمد، كالأيمان في القسامة، وكما لو أقام شاهدا عدلا في الأموال فإنه يحكم له بشاهد ويمين، والنبي صلى الله عليه وسلم جعل اليمين على المدعي عليه إذا لم يكن مع المدعي حجة ترجح جانبه؛ ولهذا قال جمهور العلماء في الزوجين إذا تنازعا في متاع البيت فإنه يحكم لكل منهما بما جرت العادة باستعماله إياه، فيحكم للمرأة بمتاع النساء /وللرجل بمتاع الرجال، وإن كانت اليد الحسية منها ثابتة على هذا وهذا؛ لأنه يعلم بالعادة أن كلا منهما يتصرف في متاع جنسه. وهنا العادة جارية بأن الرجل ينفق على امرأته ويكسوها فإن لم يعلم لها جهة تنفق منها على نفسها أجري الأمر على العادة. الوجه السادس: أن هذه المرأة لابد أن تكون أكلت واكتست في الزمان الماضي، وذلك إما أن يكون من الزوج، وإما أن يكون من غيره. والأصل عدم غيره، فيكون منه، كما قلنا في أصح الوجهين: إن القول قوله في أنه علمها الصناعة والقراءة التي أصدقها تعليمها؛ لأن الحكم الحادث يضاف إلى السبب المعلوم، كما لو سقط في الماء نجاسة فرئي متغيرا بعد ذلك، وشك هل تغير بالنجاسة أو غيرها؟ فأصح الوجهين أنه يضاف التغير إلى النجاسة. ويدل على ذلك ما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم أفتى عدي بن حاتم فيما إذا رمي الصيد وغاب عنه ولم يجد فيه أثراً غير سهمه أنه يأكله؛ لأن الأصل عدم سبب آخر زهقت به نفسه، بخلاف ما إذا تردي في ماء، أو خالط كلبه كلاب أخرى، فإن تلك لأس باب شاركت في الزهوق، وبسط هذه المسائل له موضع آخر غير هذا.
وأما تقدير الحاكم النفقة والكسوة، فهذا يكون عند التنازع فيها كما يقدر مهر المثل إذا تنازعا فيه، وكما يقدر مقدار الوطء إذا ادعت المرأة أنه يضربها، فإن الحقوق التي لا يعلم مقدارها إلا بالمعروف متى تنازع فيها الخصمان قدرها ولي الأمر. وأما الرجل إذا كان ينفق على امرأته بالمعروف كما جرت عادة مثله لمثلها، فهذا يكفي، ولا يحتاج إلى تقدير الحاكم. ولو طلبت المرأة أن يفرض لها نفقة يسلمها إليها مع العلم بأنه ينفق عليها بالمعروف فالصحيح من قولي العلماء في هذه الصورة أنه لا يفرض لها نفقة، ولا يجب تمليكها ذلك، كما تقدم، فإن هذا هو الذي يدل عليه الكتاب والسنة والاعتبار المبني على العدل. والصواب المقطوع به عند جمهور العلماء أن نفقة الزوجة مرجعها إلى العرف، وليست مقدرة بالشرع، بل تختلف باختلاف أحوال البلاد والأزمنة وحال الزوجين وعادتهما، فإن الله تعالى قال:
/ في قول الله تعالى: والمثال المشهور هو النفقة فإنها مقدرة بالمعروف تتنوع بتنوع حال الزوجين عند جمهور المسلمين. ومنهم من قال: هي مقدرة بالشرع نوعاً وقدراً: مدا من حنطة، أو مدا ونصفًا، أو مدين، قياسا على الإطعام الواجب في الكفارة على أصل القياس. والصواب المقطوع به ما عليه الأمة علما وعملا قديما وحديثا، فإن القرآن قد دل على ذلك، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم /أنه قال لهند امرأة أبي سفيان لما قالت له يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح وإنه لا يعطيني ما يكفيني وولدي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)، فأمرها أن تأخذ الكفاية بالمعروف، ولم يقدر لها نوعا ولا قدراً، ولو تقدر ذلك بشرع أو غيره لبين لها القدر والنوع، كما بين فرائض الزكاة والديات. وفي صحيح مسلم عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته العظيمة بعرفات: (لهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف). وإذا كان الواجب هو الكفاية بالمعروف فمعلوم أن الكفاية بالمعروف تتنوع بحالة الزوجة في حاجتها، ويتنوع الزمان والمكان، ويتنوع حال الزوج في يساره وإعساره، وليست كسوة القصيرة الضئيلة ككسوة الطويلة الجسيمة، ولا كسوة الشتاء ككسوة الصيف، ولا كفاية طعامه كطعامه، ولا طعام البلاد الحارة كالباردة، ولا المعروف في بلاد التمر والشعير، كالمعروف في بلاد الفاكهة والخمير. وفي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود وابن ماجه عن حكيم بن معاوية النميري عن أبيه أنه قال: قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: (تطعمها إذا أكلت وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت). فهذه ثلاثة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن للزوجة مرة أن تأخذ كفاية ولدها بالمعروف، وقال في الخطبة التي خطبها يوم أكمل الله /الدين في أكبر مجمع كان له في الإسلام: (لهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)، وقال للسائل المستفتي له عن حق الزوجة: (تطعمها إذا أكلت، وتكسوها إذا اكتسيت)، لم يأمر في شيء من ذلك بقدر معين، لكن قيد ذلك بالمعروف تارة، وبالمواساة بالزوج أخرى. وهكذا قال في نفقة المماليك، ففي الصحيحين عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هم إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كفلتموهم فأعينوهم)، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق). ففي الزوجة والمملوك أمره واحد: تارة يذكر أنه يجب الرزق والكسوة بالمعروف، وتارة يأمر بمواساتهم بالنفس، فمن العلماء من جعل المعروف هو الواجب، والمواساة مستحبة. وقد يقال: أحدهما تفسير للآخر، وعلى هذا فالواجب هو الرزق والكسوة بالمعروف في النوع، والقدر، وصفة الإنفاق، وإن كان العلماء قد تنازعوا في ذلك. أما النوع فلا يتعين أن يعطيها مكيلا كالبر، ولا موزونًا كالخبز، ولا ثمن ذلك كالدراهم، بل يرجع في ذلك إلى العرف، فإذا أعطاها كفايتها بالمعروف مثل أن يكون عادتهم أكل التمر والشعير فيعطيها ذلك. /أو يكون أكل الخبز والإدام فيعطيها ذلك. وإن كانت عادتهم أن يعطيها حباً فتطحنه في البيت فعل ذلك، وإن كان يطحن في الطاحون ويخبز في البيت فعل ذلك. وإن كان يخبز في البيت فعل ذلك. وإن كان يشتري خبزاً من السوق فعل ذلك. وكذلك الطبيخ ونحوه فعلى ما هو المعروف، فلا يتعين عليه دراهم، ولا حبات أصلا، لا بشرع، ولا بفرض، فإن تعين ذلك دائما من المنكر ليس من المعروف، وهو مضر به تارة وبها أخرى. وكذلك القدر لا يتعين مقدار مطرد، بل تتنوع المقادير بتنوع الأوقات. وأما الإنفاق فقد قيل: إن الواجب تمليكها النفقة، والكسوة. وقيل: لا يجب التمليك، وهو الصواب؛ فإن ذلك ليس هو المعروف، بل عُرْفُ النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين إلى يومنا هذا أن الرجل يأتي بالطعام إلى منزله، فيأكل هو وامرأته ومملوكه: تارة جميعا، وتارة أفرادا. ويفضل منه فضل تارة فيدخرونه، ولا يعرف المسلمون أنه يملكها كل يوم دراهم تتصرف فيها تصرف المالك، بل من عاشر امرأة بمثل هذا الفرض كانا عند المسلمين قد تعاشرا بغير المعروف وتضارا في العشرة، وإنما يفعل أحدهما ذلك بصاحبه عند الضرر، لا عند العشرة بالمعروف. /وأيضا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب في الزوجة مثل ما أوجب في المملوك. تارة قال: (لهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف)، كما قال في المملوك. وتارة قال: (تطعمها إذا أكلت وتكسوها إذا اكتسيت) كما قال في المملوك. وقد اتفق المسلمون على أنه لا يجب تمليك المملوك نفقته، فعلم أن هذا الكلام لا يقتضي إيجاب التمليك. وإذا تنازع الزوجان فمتى اعترفت الزوجة أنه يطعمها إذا أكل ويكسوها إذا اكتسي وذلك هو المعروف لمثلها في بلدها فلا حق لها سوي ذلك. وإن أنكرت ذلك، أمره الحاكم أن ينفق بالمعروف، بل ولا له أن يأمر بدراهم مقدرة مطلقا، أو حب مقدر مطلقا، لكن يذكر المعروف الذي يليق بهما.
وكذلك قسم الابتداء والوطء والعشرة والمتعة واجبان، كما قد قررناه بأكثر من عشرة أدلة، ومن شك في وجوب ذلك فقد أبعد تأمل الأدلة الشرعية والسياسة الإنسانية. ثم الواجب قيل: مبيت ليلة من أربع ليال، والوطء في كل أربعة أشهر مرة، كما ثبت في المولي والمتزوج أربعا. وقيل: إن الواجب وطؤها بالمعروف، فيقل ويكثر بحسب حاجتها وقدرته، كالقوت سواء.
وكذلك ما عليها من موافقته في المسكن وعشرته ومطاوعته في المتعة، فإن ذلك واجب عليها بالاتفاق. عليها أن تسكن معه في أي بلد أو دار إذا /كان ذلك بالمعروف ولم تشترط خلافه، وعليها ألا تفارق ذلك بغير أمره إلا لموجب شرعي، فلا تنتقل، ولا تسافر، ولا تخرج من منزله لغير حاجة إلا بإذنه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فإنهن عوان عندكم) بمنزلة العبد والأسير، وعليها تمكينه من الاستمتاع بها إذا طلب ذلك، وذلك كله بالمعروف غير المنكر، فليس له أن يستمتع استمتاعا يضر بها ولا يسكنها مسكنا يضر بها، ولا يحبسها حبسا يضر بها.
وتنازع العلماء: هل عليها أن تخدمه في مثل فراش المنزل، ومناولة الطعام والشراب والخبز، والطحن، والطعام لمماليكه، وبهائمه: مثل علف دابته ونحو ذلك؟ فمنهم من قال: لا تجب الخدمة. وهذا القول ضعيف، كضعف قول من قال: لا تجب عليه العشرة والوطء؛ فإن هذا ليس معاشرة له بالمعروف، بل الصاحب في السفر الذي هو نظير الإنسان وصاحبه في المسكن إن لم يعاونه على مصلحة لم يكن قد عاشره بالمعروف. وقيل ـ وهو الصواب ـ وجوب الخدمة، فإن الزوج سيدها في كتاب الله، وهي عانية عنده بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى العاني والعبد الخدمة؛ ولأن ذلك هو المعروف. ثم من هؤلاء من قال: تجب الخدمة اليسيرة، ومنهم من قال: تجب الخدمة بالمعروف، وهذا هو الصواب، فعليها أن تخدمه /الخدمة المعروفة من مثلها لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة.
والمعروف فيما له ولها هو موجب العقد المطلق، فإن العقد المطلق يرجع في موجبه إلى العرف، كما يوجب العقد المطلق في البيع النقد المعروف فإن شرط أحدهما على صاحبه شرطا لا يحرم حلالا ولا يحلل حراما فالمسلمون عند شروطهم؛ فإن موجبات العقود تتلقي من اللفظ تارة. ومن العرف تارة أخرى، لكن كلاهما مقيد بما لم يحرمه الله ورسوله، فإن لكل من العاقدين أن يوجب للآخر على نفسه ما لم يمنعه الله من إيجابه، ولا يمنعه أن يوجب في المعاوضة ما يباح بذله بلا عوض، كعارية البضع، والولاء لغير المعتق، فلا سبيل إلى أن يجب بالشرط، فإنه إذا حرم بذله كيف يجب بالشرط؟ ! فهذه أصول جامعة مع اختصار، والله أعلم.
فأجاب: إذا تعذرت النفقة من جهته فلها فسخ النكاح، فإذا انقضت عدتها تزوجت بغيره. والفسخ للحاكم، فإذا فسخت هي نفسها لتعذر فسخ الحاكم أو غيره، ففيه نزاع. وأما إذا لم يفسخ الحاكم بل شهد لها أنه قد مات، وتزوجت لأجل ذلك، ولم يمت الزوج، فالنكاح باطل، لكن إذا اعتقد الزوج الثاني أنه صحيح لظنه موت الزوج الأول وانفساخ النكاح أو نحو ذلك، فإنه يلحق به النسب، وعليه المهر، ولا حد عليه، لكن تعتد له حتى تنقضي عدتها منه، ثم بعد ذلك ينفسخ نكاح الأول إن أمكن، وتتزوج بمن شاءت.
فأجاب: نعم، إذا عرضت المرأة عليه فبذل له تسليمها، وهي ممن يوطأ مثلها وجب عليه النفقة بذلك، فإذا تعذرت النفقة من جهته كان للزوجة المطالبة بالفسخ، إذا كان محجوراً عليها على وجهين.
فأجاب: الحمد لله رب العالمين، ليس ذاك دينا لها في ذمته، ولا يقضي من تركته ولا يستحق ورثتها، ومـا علمت أن أحـداً مـن العلماء قال: إن نفقة /القريب تثبت في الذمة لما مضي مـن الزمان، إلا إذا كان قد استدان عليه النفقة بإذن حاكم، أو أنفق بغير إذن حاكم غير متبرع، وطلب الرجوع بما أنفق، فهذا في رجوعه خلاف. فأما استقرارها في الذمة بمجرد الفرض ـ إما بإنفاق متبرع، أو بكسبه، كما يقال مثله في نفقة الزوجة ـ فما علمت له قائلا، فإذا كان الحكم مخالفًا للإجماع لم يلزم بحكم حاكم، ولمن أخذ منه المال بغير حق أن يرجع بما أخذه. ومذهب أبي حنيفة تسقط بمضي الزمان، وإن قضى بها القاضي، إلا أن يـأذن القاضي في الاسـتدانة؛ لأن للقاضي ولايـة عامـة، فصار كإذن الغائب. وذكر بعضهم في قضاء القاضي هل يصير به دينا؟ روايتين، لكن حملوا رواية الوجوب على ما إذا أمـر بالاسـتدانة، الإنفاق عليهم، ويرجـع بذلك. وكـذا إذا كـان الزوج موسـرا وتمـرد وامتنع عن الإنفاق فطلبت المرأة أن يأمرها بالاستدانة فأمرها القاضي بذلك وترجع عليه؛ لأن أمر القاضي كأمره، ولو قضي القاضي لها بالنفقة فأمرها بالاستدانة على الزوج؛ لئلا يبطل حقها في النفقة بموت أحدهما؛ لأن النفقة تسقط بموت أحدهما، فكانت فائدة الأمر بالاستدانة لتأكيد حقها في النفقة؛ لأن القاضي مأمور بإيصال الحق إلى المستحق، وهذه طريقة. لكن لو أمر القريب بالاستدانة ولم يستدن، بل استغنى بنفقة متبرع، أو بكسب له، فقد فهم القاضي شمس الدين أن النفقة تستقر في الذمة بهذه الصورة لإطلاقهم الأمر بالاستدانة من غير اشتراط وجود الاستدانة وغيره. إنما فهم أن الاستدانة لأجل وجود الاستدانة. وأما الإذن في الاستدانة من غير وجودها لا يصير المأذون فيه دينا حتى يستدان.
/ فأجاب: إذا كان الأمر على ما ذكر فعلى الأب أن يوفيه ما يستحقه، بل لو لم يكن للابن ميراث، وكان محتاجا عاجزا عن الكسوة، فعلى الأب إذا كان موسرا أن ينفق عليه، وعلى زوجته وأولاده الصغار المحتاجين والعاجزين عن الكسب.
فأجاب: الحمد لله، إذا سافر بها بغير إذن الزوج، فإنه يعزر على ذلك وتعزر الزوجة إذا كان التخلف يمكنها، ولا نفقة لها من حين سافرت. والله أعلم.
/ فأجاب: الحمد لله رب العالمين، إذا كان الزوج تسلمها التسليم الشرعي وهو أو أبوه أو نحوهما، يطعمها كما جرت به العادة، لم يكن للأب ولا لها أن تدعي بالنفقة، فإن هذا هو الإنفاق بالمعروف الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسائر المسلمين في كل عصر ومصر، وكذلك نص على ذلك أئمة العلماء، بل من كلف الزوج أن يسلم إلى أبيها دراهم ليشتري لها بها ما يطعمها في كل يوم فقد خرج عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، وإن كان هذا قد قاله بعض الناس، فكيف إذا كان قد أنفق عليها بإقرار الأب لها بذلك، وتسليمها إليهم، مع أنه لابد لها من الأكل، ثم أراد أن يطلب النفقة، ولا يعتد بما أنفقوا عليها، فإن هذا باطل في الشريعة لا تحتمله أصلا. ومن توهم ذلك معتقداً أن النفقة حق لها كالدين، فلابد أن يقبضه الولي، وهو لم يأذن فيه، كان مخطئا من وجوه: /منها: أن المقصود بالنفقة إطعامها، لاحفظ المال لها. الثاني: أن قبض الولي لها ليس فيه فائدة. الثالث: أن ذلك لا يحتاج إلى إذنه فإنه واجب لها بالشرع، والشارع أوجب الإنفاق عليها، فلو نهي الولي عن ذلك لم يلتفت إليه. الرابع: إقرار لها مع حاجته إلى النفقة إذن عرفي ولا يقال: إنه لم يأمن الزوج على النفقة، لوجهين: أحدهما أن الائتمان بها حصل بالشرع، كما اؤتمن الزوج على بدنها، والقسم لها، وغير ذلك من حقوقها، فإن الرجال قوامون على النساء، والنساء عوان عند الرجال، كما دل على ذلك الكتاب والسنة. الثاني: أن الائتمان العرفي كاللفظي. والله أعلم.
فأجاب: إن كان معسرا فحبسته كانت ظالمة له، مانعة له من التمكن منها، فلا تستحق عليه في تلك المدة نفقة. وإن كان لها حق واجب حال، وهو قادر على أدائه فمنعه بعد الطلب الشرعي كان ظالما، فإذا كانت مع هذا باذلة ما يجب عليها وجبت لها النفقة.
/ فأجاب: نعم تستحق النفقة في مذهب الأئمة الأربعة.
فأجاب: نعم. إذا ألقت سقطا انقضت به العدة، وسقطت به النفقة وسواء كان قد نفخ فيه الروح أم لا، إذا كان قد تبين فيه خلق الإنسان، فإن لم يتبين ففيه نزاع.
/ فأجاب: لا نفقة لها، وليس لها أن تطالب بنفقة الماضي في مثل هذه العدة في المذاهب الأربعة. والله أعلم.
فأجاب: ما أنفقوه عليهم بالمعروف بنية الرجوع به على والدهم فلهم الرجوع به عليه، إذا كان ممن تلزمه نفقتهم. والله أعلم.
/وسئل ـ رَحمه اللّه ـ عن رجل وطئ أجنبية حملت منه، ثم بعد ذلك تزوج بها: فهل يجب عليه فرض الولد في تربيته، أم لا؟ فأجاب: الولد ولد زنا، لا يلحقه نسبه عند الأئمة الأربعة، ولكن لابد أن ينفق عليه المسلمون، فإنه يتيم من اليتامى، ونفقة اليتامى على المسلمين مؤكدة. والله أعلم.
وسئل ـ رَحمه اللّه ـ عن رجل متزوج بامرأة، ولها ولد من غيره، وله فرض على أبيه تتناوله أمه، والزوج يقوم بالصبي بكلفته ومؤنته مدة سنين، وحين تزوج الرجل كان من الصداق خمسة دنانير حالة، فشارطته على أنها لا تطالبه بها إذا كان ينفق على الولد مادام الصبي عنده، ولم تعين له كلفة، ولا نفقة: فهل له مطالبة أم الصبي بكلفة مدة مقامه عنده؟ /فأجاب: إذا كان الأمر على ما ذكر ولم يوف امرأته بما شرطت له فليس له أن يطالب بما أنفقه على الصبي إذا كان الإنفاق بمعروف، فإنه ليس متبرعا بذلك، سواء أنفق بإذن أمه، أم لا.
فأجاب: الحمد لله، تطعم بالمعروف: مثل الخبز، والطبيخ، والفاكهة، ونحو ذلك مما جرت العادة بإطعامه. والله أعلم.
فأجاب: الحمد لله رب العالمين، نعم على الولد الموسر أن ينفق على أبيه وزوجة أبيه، وعلى إخوته الصغار، وإن لم يفعل ذلك كان عاقاً لأبيه، قاطعاً لرحمه مستحقا لعقوبة الله تعالى في الدنيا والآخرة. والله أعلم.
/ فأجاب: إذا كان موسرا وأبوه محتاجا فعليه أن يعطيه تمام كفايته وكذلك إخوته إذا كانوا عاجزين عن الكسب، فعليه أن ينفق عليهم إذا كان قادرا على ذلك، ولأبيه أن يأخذ من ماله ما يحتاجه بغير إذن الابن، وليس للابن منعه.
فأجاب: إذا كان الأب عاجزاً عـن النفقة، والابـن قادرا على الإنفاق عليهم، فعليه الإنفاق عليهم.
/ فأجاب: أما المدة التي كان عاجزا عن النفقة فيها فلا نفقة عليه، ولا رجوع لمن أنفق فيها بغير إذنه بغير نزاع بين العلماء، وإنما النزاع فيما إذا أنفق منفق بدون إذنه مع وجوب النفقة على الأب، فقيل: يرجع بما أنفق غير متبرع كما هو مذهب أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد في قول. ولا يجوز حبسه على هذه النفقة، ولا على الرجوع بها حتى يثبت الوجوب بيساره. فإذا اختلفا في اليسار ولم يعرف له مال، فالقول قوله مع يمينه. وإذا كان مقيما في غير بلد الأم فالحضانة له، لا للأم، وإن كانت الأم أحق بالحضانة في البلد الواحد. وهذا ـ أيضاً ـ مذهب الأئمة الأربعة. والله أعلم.
/ فأجاب: إذا حكم له حاكم لم يكن لأمه أن تغيبه عنه، وإذا غيبته عنه والحالة هذه لم يكن لها أن تطالبه بالنفقة المفروضة، ولا بما أنفقوه عليه في هذه الحالة. والله أعلم.
فأجاب: نعم، عليه نفقة ولده بالمعروف إذا كان الولد فقيراً عاجزاً عن الكسب والوالد موسراً، وإذا لم يمكن الإنفاق على الولد إلا بإجارة ما هو متعطل في عقاره، وبعمارة ما يمكن عمارته منه، أو يمكن الولد من أن يؤجر ويعمر ما ينفق منه على نفسه، فعلى الوالد ذلك، بل من كان له عقار لا يعمره ولا يؤجره فهو سفيه مبذر لماله، فينبغي أن يحجر عليه الحاكم لمصلحة نفسه، لئلا يضيع ماله. فأما إذا كان له ولد يتعين ذلك لأجل مصلحته، ومصلحة ولده. والله أعلم.
وَقال ـ رَحمه اللّه تعالى:
قال الله تعالى: /وهذه الآية توجب رزق المرتضع على أبيه، لقوله: فقد تضمن الخطاب التنبيه بأن الحكم في المسكوت أولى منه في المنطوق، وتضمن تعليل الحكم بكون النفقة إنما وجبت على الأب لأنه هو الذي له الولد دون الأم، ومن كان الشيء له كانت نفقته عليه؛ ولهذا سمي الولد كسبا في قوله:
فأجاب: إذا كانت محتاجة إلى النكاح فليعفها: إما بأن يطأها، وإما بأن يزوجها لمن يطؤها، ولا يجوز أن يطأها إلا زوج أو سيدها.
/ فأجاب: إن كان مال الإنسان لا يتسع للأقارب والأباعد فإن نفقة القريب واجبة عليه، فلا يعطي البعيد ما يضر بالقريب. وأما الزكاة والكفارة فيجوز أن يعطي منها القريب الذي لا ينفق عليه. والقريب أولى إذا استوت الحالة.
|