سورة العاديات
بسم اللّه الرحمن الرحيم.
الآية رقم (1 : 11)
{ والعاديات ضبحا . فالموريات قدحا . فالمغيرات صبحا . فأثرن به نقعا . فوسطن به جمعا . إن الإنسان لربه لكنود . وإنه على ذلك لشهيد . وإنه لحب الخير لشديد . أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور . وحصل ما في الصدور . إن ربهم بهم يومئذ لخبير }
يقسم تعالى بالخيل إذا أجريت في سبيله، فعدت وضبحت، وهو الصوت الذي يسمع من الفرس حين تعدو، {فالموريات قدحاً} يعني اصطكاك نعالها للصخر، فتقدح منه النار، {فالمغيرات صبحاً} يعني الإغارة وقت الصبح كما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يغير صباحاً ويستمع الاذان، فإن سمع أذاناً وإلا أغار، وقوله تعالى: {فأثرن به نقعاً} يعني غباراً في مكان معترك الخيول، {فوسطن به جمعاً} أي توسطن ذلك المكان كلهن جمع، روى ابن أبي حاتم، عن ابن عباس قال: بينا أنا في الحجر جالساً جاءني رجل فسألني عن: {العاديات ضبحاً} فقلت له: الخيل حيت تغير في سبيل اللّه، ثم تأوي إلى الليل فيصنعون طعامهم، ويورون نارهم، فانفتل عني، فذهب إلى علي رضي اللّه عنه وهو عند سقاية زمزم، فسأله عن العاديات ضبحاً، فقال: سألت عنها أحداً قبلي؟ قال: نعم سألت ابن عباس، فقال: الخيل حين تغير في سبيل اللّه، قال: اذهب فادعه لي، فلما وقف على رأسه، قال: أتفتي الناس بما لا علم لك؟ واللّه لئن كان أول غزوة في الإسلام بدر، وما كان معنا إلا فرسان فرس للزبير وفرس للمقداد، فكيف تكون العاديات ضبحاً؟ إنما العاديات ضبحاً من عرفة إلى المزدلفة ومن المزدلفة إلى منى، وفي لفظ: (إنما العاديات ضبحاً من عرفة إلى المزدلفة، فإذا أووا إلى المزدلفة أوروا النيران) "أخرجه ابن أبي حاتم"، فمذهب ابن عباس أنها الخيل وإلى قول ابن عباس ذهب جمهور المفسرين، منهم مجاهد وعكرمة وعطاء وقتادة واختاره ابن جرير وقال علي إنها الإبل. قال عطاء: ما ضبحت دابة قط إلا فرس أو كلب، وقال عطاء: سمعت ابن عباس يصف الضبح: أح أح، وقال أكثر هؤلاء في قوله: {فالموريات قدحاً} يعني بحوافرها، وقيل: أسعرت الحرب بين ركبانهن، وقيل: هو إيقاد النار إذا رجعوا إلى منازلهم من الليل، وقيل: المراد بذلك نيران القبائل، قال ابن جرير: والصواب الأول: الخيل حين تقدح بحوافرها، وقوله تعالى: {فالمغيرات صبحاً} قال ابن عباس ومجاهد: يعني إغارة الخيل صبحاً في سبيل اللّه، وقال: من فسرها بالأبل هو الدفع صبحاً من المزدلفة إلى منى، وقالوا كلهم في قوله: {فأثرن به نقعاً} هو المكان الذي حلت فيه أثارت به الغبار إما في حج أو غزو، وقوله تعالى: {فوسطن به جمعاً} قال ابن عباس وعطاء: يعني جمع الكفار من العدو، ويحتمل أن يكون فوسطن بذلك المكان جميعاً ويكون منصوباً على الحال المؤكدة، وقوله تعالى: {إن الإنسان لربه لكنود} هذا هو المقسم عليه، بمعنى أنه لنعم ربه لكفور جحود، قال ابن عباس ومجاهد: الكنود الكفور. قال الحسن: الكنود هو الذي يعد المصائب وينسى نعم اللّه عليه، وقوله تعالى: {وإنه على على ذلك لشهيد} قال قتادة والثوري: وإن اللّه على ذلك لشهيد، ويحتمل أن يعود الضمير على الإنسان فيكون تقديره: وإن الإنسان على كونه كنوداً لشهيد، أي بلسان حاله، أي ظاهر ذلك عليه في أقواله وأفعاله كما قال تعالى: {شاهدين على أنفسهم بالكفر} وقوله تعالى: {وإنه لحب الخير لشديد} أي وإنه لحب الخير وهو المال {لشديد}، وفيه مذهبان: أحدهما أن المعنى وإنه لشديد المحبة للمال، والثاني وإنه لحريص بخيل من محبة المال، وكلاهما صحيح، ثم قال تبارك وتعالى مزهداً في الدنيا، ومرغباً في الآخرة، ومنبهاً على ما هو كائن بعد هذه الحال، وما يستقبله الإنسان من الأهوال {أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور؟} أي أخرج ما فيها من الأموات، {وحصّل ما في الصدور} يعني أبرز وأظهر ما كانوا يسرون في نفوسهم، {إن ربهم بهم يومئذ لخبير} أي لعالم بجميع ما كانوا يصنعون، ومجازيهم عليه أوفر الجزاء، ولا يظلم مثقال ذرة.